الخطبة التي خطبها أمير المؤمنين في الملاحم ، وفتنة آخر الزمان

- إكمال الدين : الطالقاني ، عن الجلودي ، عن الحسين بن معاذ ، عن قيس بن حفص ، عن يونس بن أرقم ، عن أبي سيار الشيباني ، عن الضحاك بن مزاحم ، عن النزال بن سبرة قال : خطبنا علي بن أبي طالب فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : سلوني أيها الناس قبل أن تفقدوني - ثلاثا - فقام إليه صعصعة بن صوحان ، فقال : يا أمير المؤمنين متى يخرج الدجال ؟ فقال له علي : اقعد فقد سمع الله كلامك وعلم ما أردت ، والله ما المسؤول عنه بأعلم من السائل ، ولكن لذلك علامات وهيئات يتبع بعضها بعضا كحذو النعل بالنعل وإن شئت أنبأتك بها قال : نعم يا أمير المؤمنين .

فقال : احفظ فان علامة ذلك إذا أمات الناس الصلاة ، وأضاعوا الأمانة واستحلوا الكذب ، وأكلوا الربا ، وأخذوا الرشا ، وشيدوا البنيان ، وباعوا الدين بالدنيا ، واستعملوا السفهاء ، وشاوروا النساء ، وقطعوا الأرحام ، واتبعوا الأهواء ، واستخفوا بالدماء .

وكان الحلم ضعفا ، والظلم فخرا ، وكانت الأمراء فجرة ، والوزراء ظلمة والعرفاء خونة ، والقراء فسقة ، وظهرت شهادات الزور ، واستعلن الفجور ، وقول البهتان ، والاثم والطغيان .

وحليت المصاحف ، وزخرفت المساجد ، وطولت المنار ، وأكرم الأشرار وازدحمت الصفوف ، واختلفت الأهواء ، ونقضت العقود ، واقترب الموعود وشارك النساء أزواجهن في التجارة حرصا على الدنيا ، وعلت أصوات الفساق واستمع منهم ، وكان زعيم القوم أرذلهم ، واتقي الفاجر مخافة شره ، وصدق الكاذب واؤتمن الخائن ، واتخذت القيان والمعازف ، ولعن آخر هذه الأمة أولها ، وركب ذوات الفروج السروج .

وتشبه النساء بالرجال والرجال بالنساء ، وشهد شاهد من غير أن يستشهد وشهد الآخر قضاء لذمام بغير حق عرفه ، وتفقه لغير الدين ، وآثروا عمل الدنيا على الآخرة ، ولبسوا جلود الضأن على قلوب الذئاب ، وقلوبهم أنتن من الجيف ، وأمر من الصبر ، فعند ذلك الوحا الوحا ، العجل العجل ، خير المساكن يومئذ بيت المقدس ليأتين على الناس زمان يتمنى أحدهم أنه من سكانه .

فقام إليه الأصبغ بن نباتة فقال : يا أمير المؤمنين من الدجال ؟ فقال : ألا إن الدجال صائد بن الصيد فالشقي من صدقه ، والسعيد من كذبه ، يخرج من بلدة يقال لها إصبهان من قرية تعرف باليهودية ، عينه اليمنى ممسوحة والأخرى في جبهته ، تضيئ كأنها كوكب الصبح ، فيها علقة كأنها ممزوجة بالدم ، بن عينيه مكتوب " كافر " يقرأه كل كاتب وأمي .

يخوض البحار ، وتسير معه الشمس ، بين يديه جبل من دخان ، وخلفه جبل أبيض يرى الناس أنه طعام ، يخرج في قحط شديد ، تحته حمار أقمر خطوة حماره ميل ، تطوى له الأرض منهلا منهلا ولا يمر بماء إلا غار إلى يوم القيامة .

ينادي بأعلى صوته يسمع ما بين الخافقين ، من الجن والإنس والشياطين يقوم : إلي أوليائي أنا الذي خلق فسوى ، وقدر فهدى ، أنا ربكم الأعلى .

وكذب عدو الله إنه الأعور يطعم الطعام ، ويمشي في الأسواق ، وإن ربكم عز وجل ليس بأعور ، ولا يطعم ولا يمشي ولا يزول [ تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ] .

ألا وإن أكثر أشياعه يومئذ أولاد الزنا وأصحاب الطيالسة الخضر ، يقتله الله عز وجل بالشام على عقبة تعرف بعقبة أفيق لثلاث ساعات من يوم الجمعة ، على يدي من يصلي المسيح عيسى بن مريم خلفه .

ألا إن بعد ذلك الطامة الكبرى ، قلنا : وما ذلك يا أمير المؤمنين ؟ قال : خروج دابة من الأرض ، من عند الصفا ، معها خاتم سليمان ، وعصى موسى ، تضع الخاتم على وجه كل مؤمن ، فيطبع فيه " هذا مؤمن حقا " وتضعه على وجه كل كافر فيكتب فيه " هذا كافر حقا " حتى أن المؤمن لينادي : الويل لك يا كافر وإن الكافر ينادي طوبى لك يا مؤمن ! وددت أني اليوم مثلك فأفوز فوزا ثم ترفع الدابة رأسها ، فيراها من بين الخافقين بإذن الله عز وجل ، بعد طلوع الشمس من مغربها فعند ذلك ترفع التوبة فلا توبة تقبل ، ولا عمل يرفع " ولا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا " .

ثم قال : لا تسألوني عما يكون بعد ذلك فإنه عهد إلي حبيبي أن لا أخبر به غير عترتي .

فقال النزال بن سبرة لصعصعة : ما عنى أمير المؤمنين بهذا القول ؟ فقال صعصعة : يا ابن سبرة إن الذي يصلي خلفه عيسى بن مريم هو الثاني عشر من العترة ، التاسع من ولد الحسين بن علي ، وهو الشمس الطالعة من مغربها ، يظهر عند الركن والمقام يطهر الأرض ، ويضع ميزان العدل فلا يظلم أحد أحدا فأخبر أمير المؤمنين أن حبيبه رسول الله عهد إليه ألا يخبر بما يكون بعد ذلك غير عترته الأئمة [ صلوات الله عليهم أجمعين ] .

إكمال الدين : محمد بن عمرو بن عثمان العقيلي ، عن محمد بن جعفر بن المظفر وعبد الله ابن محمد بن عبد الرحمان ، و عبد الله بن محمد بن موسى جميعا ، ومحمد بن عبد الله بن صبيح جميعا ، عن أحمد بن المثنى الموصلي ، عن عبد الأعلى ، عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن رسول الله مثله سواء .

توضيح : قال الجزري " العرفاء " جمع عريف ، وهو القيم بأمور القبيلة أو الجماعة من الناس يلي أمورهم ويتعرف الأمير منه أحوالهم ، فعيل بمعنى فاعل " والزعيم " سيد القوم ورئيسهم أو المتكلم عنهم و " القنية " الأمة المغنية و " المعازف " الملاهي كالعود والطنبور و " الذمام " بالكسر الحق والحرمة .

وقال الفيروزآبادي : القمرة بالضم لون إلى الخضرة ، أو بياض فيه كدرة حمار أقمر وأتان قمراء ، قوله لعنه الله " إلي أوليائي " أي أسرعوا إلي يا أوليائي . وفسر السيوطي وغيره الطيلسان بأنه شبه الأردية يوضع على الرأس والكتفين والظهر ، وقال ابن الأثير في شرح مسند الشافعي : الطيلسان يكون على الرأس والأكتاف وقال الفيروزآبادي : الأفيق قرية بين حوران والغور ، ومنه عقبة أفيق .

- إكمال الدين : محمد بن عمر بن عثمان بهذا الاسناد عن مشايخه ، عن أبي يعلى الموصلي عن عبد الأعلى بن حماد ، عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : إن رسول الله صلى ذات يوم بأصحابه الفجر ، ثم قام مع أصحابه حتى أتى باب دار بالمدينة فطرق الباب فخرجت إليه امرأة فقالت : ما تريد يا أبا القاسم ؟ فقال رسول الله : يا أم عبد الله استأذني لي على عبد الله ، فقالت : يا أبا القاسم ! وما تصنع بعبد الله ، فوالله إنه لمجهود في عقله ، يحدث في ثوبه ، وإنه ليراودني على الامر العظيم .

قال : استأذني لي عليه ، فقالت : أعلى ذمتك ؟ قال : نعم ، قال : ادخل ، فدخل فإذا هو في قطيفة يهينم فيها فقالت أمه : اسكت واجلس هذا محمد قد أتاك ، فسكت وجلس فقال للنبي : مالها لعنها الله لو تركتني لأخبرتكم أهو هو ؟ ثم قال له النبي ما ترى ؟ قال : أرى حقا وباطلا وأرى عرشا على الماء فقال : اشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ! فقال : بل تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ، فما جعلك الله بذلك أحق مني .

فلما كان في اليوم الثاني صلى بأصحابه الفجر ، ثم نهض فنهضوا معه حتى طرق الباب فقالت أمه : ادخل فدخل فإذا هو في نخلة يغرد فيها فقالت له أمه اسكت وانزل ، هذا محمد قد أتاك ، فسكت فقال للنبي : مالها لعنها الله لو تركتني لأخبرتكم أهو هو ؟ فلما كان في اليوم الثالث صلى بأصحابه الفجر ، ثم نهض فنهضوا معه حتى أتى ذلك المكان ، فإذا هو في غنم ينعق بها ، فقالت له أمه : اسكت واجلس هذا محمد قد أتاك وقد كانت نزلت في ذلك اليوم آيات من سورة الدخان فقرأها بهم النبي في صلاة الغداة ثم قال : اشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ، فقال : بل تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله وما جعلك الله بذلك أحق مني . فقال النبي : إني قد خبأت لك خباء ، فقال : الدخ الدخ فقال النبي : اخسأ فإنك لن تعدو أجلك ، ولن تبلغ أملك ، ولن تنال إلا ما قدر لك .

ثم قال لأصحابه : أيها الناس ! ما بعث الله نبيا إلا وقد أنذر قومه الدجال وإن الله عز وجل قد أخره إلى يومكم هذا ، فمهما تشابه عليكم من أمره فان ربكم ليس بأعور ، إنه يخرج على حمار عرض ما بين أذنيه ميل ، يخرج ومعه جنة ونار ، وجبل من خبز ونهر من ماء ، أكثر أتباعه اليهود والنساء والاعراب يدخل آفاق الأرض كلها إلا مكة ولا بتيها ، والمدينة ولا بتيها .

بيان : قولها " إنه لمجهود في عقله " أي أصاب عقله جهد البلاء فهو مخبط يقال جهد المرض فلانا هزله ، وكأن مراودته إياها كان لاظهار دعوى الألوهية أو النبوة ولذا كانت تأبى عن أن يراه النبي " والهينمة " الصوت الخفي وفي أخبار العامة " يهمهم " قوله " أهوهو " أي اما تقولون بألوهية إله أم لا .

أقول : روى الحسين بن مسعود الفراء في شرح السنة بإسناده ، عن أبي سعيد الخدري أن في هذه القصة قال له رسول الله : ما ترى ؟ قال : أرى عرشا على الماء ، فقال رسول الله : ترى عرش إبليس على البحر فقال : ما ترى ؟ قال : أرى صادقين وكاذبا أو كاذبين وصادقا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : لبس عليه دعوه .

ويقال : غرد الطائر كفرح وغرد تغريدا وأغرد وتغرد ، رفع صوته وطرب به ، قوله : " قد خبأت لك خباء " أي أضمرت لك شيئا أخبرني به ، قال الجزري : فيه أنه قال لابن صياد خبأت لك خبيئا قال : هو الدخ .

الدخ بضم الدال وفتحها الدخان ، قال : " عند رواق البيت يغشى الدخان " وفسر الحديث أنه أراد بذلك يوم تأتي السماء بدخان مبين .

وقيل : إن الدجال يقتله عيسى بجبل الدخان ، فيحتمل أن يكون المراد تعريضا بقتله لان ابن الصياد كان يظن أنه الدجال .

قوله " اخسأ " يقال : خسأت الكلب أي طردته وأبعدته قوله " فإنك لن تعدو أجلك " قال في شرح السنة - : قال الخطابي يحتمل وجهين أحدهما أنه لا يبلغ قدره أن يطالع الغيب من قبل الوحي الذي يوحى به إلى الأنبياء ، ولا من قبل الالهام الذي يلقى في روع الأولياء وإنما كان الذي جرى على لسانه شيئا ألقاه الشيطان حين سمع النبي يراجع به أصحابه قبل دخوله النخل .

والاخر أنك لن تسبق قدر الله فيك وفي أمرك .

وقال أبو سليمان : والذي عندي أن هذه القصة إنما جرت أيام مهادنة رسول الله اليهود وحلفاءهم وكان ابن الصياد منهم أو دخيلا في جملتهم وكان يبلغ رسول الله خبره وما يدعيه من الكهانة ، فامتحنه بذلك ، فلما كلمه علم أنه مبطل ، وأنه من جملة السحرة أو الكهنة أو ممن يأتيه رئي الجن أو يتعاهده شيطان فيلقي على لسانه بعض ما يتكلم به ، فلما سمع منه قوله " الدخ " زبره وقال : اخسأ فلن تعدو قدرك .

يريد أن ذلك شئ ألقاه إليه الشيطان ، وليس ذلك من قبل الوحي وإنما كانت له تارات يصيب في بعضها ويخطئ في بعضها ، وذلك معنى قوله : يأتيني صادق وكاذب فقال له عند ذلك : خلط عليك .

والجملة من أمره أنه كان فتنة قد امتحن الله به عباده " ليهلك من هلك عن بينة ، ويحيى من حي عن بينة " وقد افتتن قوم موسى في زمانه بالعجل فافتتن به قوم وأهلكوا ، ونجا من هداه الله وعصمه انتهى كلامه .

العودة إلى الصفحة الرئيسية

www.mezan.net <‎/TITLE> ‎<META HTTP-EQUIV="Content-Type" CONTENT="text/html; charset=windows-1256">‎ ‎<META NAME="keywords" CONTENT=" السيد محمد حسين فضل الله في الميزان ">‎ ‎<META NAME="description" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله في كتبه ">‎ ‎<META NAME="author" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله بصوته ">‎ ‎<META NAME="copyright" CONTENT=" رأي المراجع العظام والعلماء ">‎ <‎/HEAD>