في صفته ومدخله ومخرجه ومسكنه

1 - ابن بابويه في " عيون الأخبار " قال : أخبرنا أبو أحمد الحسن بن عبد الله بن سعيد العسكري  قال أخبرنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز بن منيع قال : حدثني إسماعيل بن محمد بن إسحاق بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بمدينة الرسول ، قال : حدثني علي بن موسى بن جعفر بن محمد ، عن أبيه موسى بن جعفر ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن علي بن الحسين قال : قال الحسن بن علي بن أبي طالب : سألت خالي هند بن أبي هالة عن حلية رسول الله وكان وصافا للنبي ، فقال : كان رسول الله فخما مفخما ، يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر .

أطول من المربوع ، وأقصر من المشذب ، عظيم الهامة ، رجل الشعر إن تفرقت عقيقته فرق ، وإلا فلا يجاوز شعره شحمة أذنيه ، إذا هو وفرة . أزهر اللون ، واسع الجبين ، أزج الحواجب ، سوابغ في غير قرن ، بينهما له عرق يدره الغضب .

أقنى العرنين ، له نور يعلوه يحسبه من لم يتأمله أشم ، كث اللحية ، سهل الخدين ضليع الفم * أشنب مفلج الأسنان ، دقيق المسربة ، كأن عنقه جيد دمية في صفاء الفضة معتدل الخلق ، بادنا متماسكا سواء البطن والصدر ، بعيد ما بين المنكبين .

ضخم الكراديس ، أنور المتجرد ، موصول ما بين اللبة والسرة بشعر يجري كالخط ، عاري الثديين والبطن مما سوى ذلك . أشعر الذراعين والمنكبين وأعالي الصدر ، طويل الزندين ، رحب الراحة شثن الكفين والقدمين ، سائل الأطراف ، سبط القصب ، خمصان الأخمصين مسيح القدمين ، ينبو عنهما الماء ، إذا زال زال قلعا ، يخطو تكفؤا ويمشي هونا ، ذريع المشية ، إذا مشى كأنه ينحط في صبب ، وإذا التفت التفت جميعا ، خافض الطرف ، نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء ، جل نظره الملاحظة ، يبدر من لقيه بالسلام .

قال : فقلت له : صف لي منطقه . قال : كأن متواصل الأحزان ، دائم الفكر ، ليست له راحة ، ولا يتكلم في غير حاجة ، يفتتح الكلام ويختمه بالثناء ، يتكلم بجوامع الكلم فصلا لا فضول فيه ولا تقصير ، رؤوفا ليس بالجافي ولا بالمهين ، تعظم عنده النعمة وإن دقت ، لا يذم منها شيئا ، غير أنه لا يذم ذواقا ولا يمدحه ، ولا تغضبه الدنيا وما كان لها .

فإذا تعوطى الحق لم يعرفه أحد ، ولم يقم لغضبه شئ حتى ينتصر له ، إذا أشار أشار بكفه وإذا تعجب قلبها ، وإذا تحدث اتصل بها يضرب براحته اليمنى باطن إبهامه اليسرى ، وإذا غضب أعرض وأشاح ، وإذا فرح غض طرفه ، جل ضحكه التبسم ، يفتر عن مثل حب الغمام .

قال الحسن عليه السلام فكتمتها الحسين زمانا ، ثم حدثته ، فوجدته قد سبقني إليه ، وسألني عما سألته عنه ، ووجدته قد سأل أباه عن مدخل النبي ومخرجه ، ومجلسه ، وشكله ، فلم يدع منه شيئا .

قال الحسين : سألت أبي عن مدخل رسول الله ، فقال : كان دخوله لنفسه مأذونا له في ذلك ، فإذا آوى إلى منزله جزأ دخوله ثلاثة أجزاء : جزء ، لله تعالى ، وجزء لأهله ، وجزء لنفسه ، ثم جزء جزءه بينه وبين الناس ، فيرد  ذلك بالخاصة على العامة ، ولا يدخر عنهم منه شيئا .

وكان من سيرته في جزء الأمة إيثار أهل الفضل باذنه ، وقسمه على قدر فضلهم في الدين ، فمنهم ذو الحاجة ، ومنهم ذو الحاجتين ، ومنهم ذو الحوائج ، فيتشاغل بهم ، ويشغلهم فيما أصلحهم والأمة من مسألته عنهم وإخبارهم بالذي ينبغي ، ويقول : ليبلغ الشاهد منكم الغائب ، وأبلغوني حاجة من لا يقدر على إبلاغ حاجته ، فإنه من أبلغ سلطانا حاجة من لا يقدر على إبلاغها ثبت الله قدميه يوم القيمة ، لا يذكر عنده إلا ذلك ، ولا يقيد من أحد عثرة ، يدخلون روادا ، ولا يفترقون إلا عن ذواق ، ويخرجون أذلة ، فسألته عن مخرج رسول الله كيف كان يصنع فيه ؟ فقال : كان رسول الله يخزن لسانه إلا عما يعنيه ، ويؤلفهم ولا ينفرهم ، ويكرم كريم كل قوم ، ويوليه عليهم ، ويحذر الناس ويحترس منهم ، من غير أن يطوى عن أحد بشره ولا خلقه . ويتفقد أصحابه ، ويسأل عما في الناس ، ويحسن الحسن ويقويه ، ويقبح القبيح ويوهنه . معتدل الامر ، غير مختلف ، لا يغفل مخافة أن يغفلوا أو يميلوا ، ولا يقصر عن الحق ولا يجوزه الذين يلونه من الناس : خيارهم أفضلهم عنده وأعمهم نصيحة للمسلمين ، وأعظمهم عنده منزلة أحسنهم مواساة وموازرة . قال : فسألته عن مجلسه ، فقال : كان لا يجلس فلا يقوم إلا على ذكر ، ولا يوطن الأماكن ، وينهى عن إيطانها ، وإذا انتهى إلى قوم جلس حيث ينتهي به المجلس ويأمر بذلك ، ويعطي كل جلسائه نصيبه ، ولا يحسب أحد من جلسائه أن أحدا أكرم عليه منه ، من جالسه صابره حتى يكون هو المنصرف عنه ، من سأله حاجة لم يرجع إلا بها أو بميسور من القول .

قد وسع الناس منه خلقه ، وصار لهم أبا وصاروا عنده في الحق سواء .

مجلسه مجلس حلم وحياء وصدق وأمانة ، لا ترفع فيه الأصوات ، ولا تؤبن فيه الحرم " ولا تنثى فلتأته " ، ولا يسئ جلسائه ، متعادلون متواصون بالتقوى ، متواضعين يوقرون الكبير ، ويرحمون الصغير ، ويؤثرون ذا الحاجة ، ويحفظون الغريب . فقلت : كيف كان سيرته في جلسائه ؟ فقال : كان دائم البشر ، سهل الخلق ، لين الجانب : ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب ولا فحاش ولا عياب ولا مداح ، يتغافل عما لا يشتهي ، فلا يؤيس منه ولا يخيب مؤمله .

قد ترك نفسه من ثلاث : المراء ، والاكثار ، وما لا يعنيه ، وترك الناس من ثلاث : كان لا يذم أحدا ، ولا يعيره ، ولا يطلب عثراته ولا عوراته ، ولا يتكلم إلا فيما رجا ثوابه ، إذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رؤوسهم الطير ، وإذا سكت تكلموا ولا يتنازعون عنده الحديث ، من تكلم أنصتوا له حتى يفرغ  ، حديثهم عنده حديث أولهم .

يضحك مما يضحكون منه ، ويتعجب مما يتعجبون منه ، ويصبر على الغريب على الجفوة في مسألته ومنطقه حتى أن كان أصحابه ليستجلبونهم  ، ويقول : إذا رأيتم طالب الحاجة يطلبها فأرفدوه ، ولا يقبل الثناء إلا من مكافئ ، ولا يقطع على أحد كلامه حتى يجوز فيقطعه بنهي أو قيام . قال : فسألته عن سكوت رسول الله فقال : كان سكوته على أربع : على الحلم ، والحذر ، والتقدير ، والتفكر ، فأما التقدير : ففي تسوية النظر والاستماع بين الناس ، وأما تفكره فيما يبقى ويفنى ، وجمع له الحلم في الصبر ، فكان لا يغضبه شئ ولا ينفره .

وجمع له الحذر في أربع : أخذه الحسن ليقتدى به ، وتركه القبيح لينتهى عنه ، واجتهاده الوافي في إصلاح أمته ، والقيام فيما جمع لهم خير الدنيا والآخرة ، صلوات الله عليه وآله الطيبين الطاهرين وسلم تسليما .

العودة إلى الصفحة الرئيسية

www.mezan.net <‎/TITLE> ‎<META HTTP-EQUIV="Content-Type" CONTENT="text/html; charset=windows-1256">‎ ‎<META NAME="keywords" CONTENT=" السيد محمد حسين فضل الله في الميزان ">‎ ‎<META NAME="description" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله في كتبه ">‎ ‎<META NAME="author" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله بصوته ">‎ ‎<META NAME="copyright" CONTENT=" رأي المراجع العظام والعلماء ">‎ <‎/HEAD>