احتجاجه مع الجاثليق

ثم إن الرضا التفت إلى الجاثليق فقال : هل دل الإنجيل على نبوة محمد ؟ قال : لو دل الإنجيل على ذلك ما جحدناه ، فقال : أخبرني عن السكتة التي لكم في السفر الثالث فقال الجاثليق اسم من أسماء الله تعالى لا يجوز لنا أن نظهره قال الرضا : فان قررتك أنه اسم محمد وذكره وأقر عيسى به وأنه بشر بني إسرائيل بمحمد لتقر به ولا تنكره ؟ قال الجاثليق : إن فعلت أقررت فاني لا أرد الإنجيل ولا أجحد ، قال الرضا فخذ علي السفر الثالث الذي فيه ذكر محمد وبشارة عيسى بمحمد ، قال الجاثليق : هات ! فأقبل الرضا يتلو ذلك السفر من الإنجيل حتى بلغ ذكر محمد فقال : يا جاثليق من هذا الموصوف ؟ قال الجاثليق صفه قال : لا أصفه إلا بما وصفه الله ، هو صاحب الناقة والعصا والكساء النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم يهدي إلى الطريق الأقصد ، والمنهاج الأعدل ، والصراط الأقوم . سألتك يا جاثليق : بحق عيسى روح الله وكلمته ، هل تجدون هذه الصفة في الإنجيل لهذا النبي ؟ فأطرق الجاثليق مليا وعلم أنه إن جحد الإنجيل كفر فقال : نعم هذه الصفة من الإنجيل ، وقد ذكر عيسى في الإنجيل هذا النبي ولم يصح عند النصارى أنه صاحبكم فقال الرضا : أما إذا لم تكفر بجحود الإنجيل وأقررت بما فيه من صفة محمد ، فخذ علي في السفر الثاني فاني أوجدك ذكره وذكر وصيه وذكر ابنته فاطمة ، وذكر الحسن والحسين .

فلما سمع الجاثليق ورأس الجالوت ذلك علما أن الرضا عالم بالتوراة والإنجيل فقالا : والله قد أتى بما لا يمكننا رده ولا دفعه إلا بجحود التوراة والإنجيل والزبور ، ولقد بشر به موسى وعيسى جميعا ولكن لم يتقرر عندنا بالصحة أنه محمد هذا ، فأما اسمه فمحمد فلا يجوز لنا أن نقر لكم بنبوته ، ونحن شاكون أنه محمدكم أو غيره ، فقال الرضا : احتججتم بالشك فهل بعث الله قبل أو بعد من ولد آدم إلى يومنا هذا نبيا اسمه محمد ؟ أو تجدونه في شئ من الكتب الذي أنزلها الله على جميع الأنبياء غير محمد ؟ فأحجموا عن جوابه ، وقالوا : لا يجوز لنا أن نقر لك بأن محمدا هو محمدكم لأنا إن أقررنا لك بمحمد ووصيه وابنته وابنيها على ما ذكرتم أدخلتمونا في الاسلام كرها .

فقال الرضا أنت يا جاثليق آمن في ذمة الله وذمة رسوله أنه لا يبدؤك منا شئ تكره مما تخافه وتحذره ، قال : أما إذ قد آمنتني فان هذا النبي الذي اسمه محمد وهذا الوصي الذي اسمه علي وهذه البنت التي اسمها فاطمة ، وهذان السبطان اللذان اسمهما الحسن والحسين في التوراة والإنجيل والزبور ( قال الرضا : فهذا الذي ذكرته في التوراة والإنجيل والزبور ) من اسم هذا النبي وهذا الوصي وهذه البنت وهذين السبطين ، صدق وعدل أم كذب وزور ؟ قال : بل صدق وعدل ، ما قال إلا الحق .

فلما أخذ الرضا إقرار الجاثليق بذلك قال لرأس الجالوت : فاسمع الآن يا رأس الجالوت السفر الفلاني من زبور داود ، قال : هات بارك الله عليك وعلى من ولدك ، فتلا الرضا السفر الأول من الزبور حتى انتهى إلى ذكر محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين فقال : سألتك يا رأس الجالوت بحق الله هذا في زبور داود ؟ ولك من الأمان والذمة والعهد ما قد أعطيته الجاثليق ، فقال رأس الجالوت : نعم هذا بعينه في الزبور بأسمائهم قال الرضا : بحق العشر الآيات التي أنزلها الله على موسى بن عمران في التوراة هل تجد صفة محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين في التوراة منسوبين إلى العدل والفضل ؟ قال : نعم ، ومن جحدها كافر بربه وأنبيائه .

قال له الرضا : فخذ الآن في سفر كذا من التوراة فأقبل الرضا يتلو التوراة ورأس الجالوت يتعجب من تلاوته وبيانه ، وفصاحته ولسانه حتى إذا بلغ ذكر محمد قال رأس الجالوت : نعم ، هذا أحماد وأليا وبنت أحماد وشبر وشبير تفسيره بالعربية محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين ، فتلا الرضا عليه السلام إلى تمامه .

فقال رأس الجالوت لما فرغ من تلاوته : والله يا ابن محمد لولا الرئاسة التي حصلت لي على جميع اليهود لآمنت بأحمد واتبعت أمرك فوالله الذي أنزل التوراة على موسى والزبور على داود ما رأيت أقرأ للتوراة والإنجيل والزبور منك ، ولا رأيت أحسن تفسيرا وفصاحة لهذه الكتب منك .

فلم يزل الرضا معهم في ذلك إلى وقت الزوال فقال لهم حين حضر وقت الزوال : أنا أصلي وأصير إلى المدينة للوعد الذي وعدت والي المدينة ليكتب جواب كتابه وأعود إليكم بكرة إنشاء الله ، قال فأذن عبد الله بن سليمان ، وأقام وتقدم الرضا فصلى بالناس وخفف القراءة وركع تمام السنة وانصرف فلما كان من الغد عاد إلى مجلسه ذلك ، فأتوه بجارية رومية فكلمها بالرومية والجاثليق يسمع ، وكان فهما بالرومية ، فقال الرضا بالرومية : أيما أحب إليك محمد أم عيسى ؟ فقالت : كان فيما مضى عيسى أحب إلي حين لم أكن عرفت محمدا فأما بعد أن عرفت محمدا فمحمد الآن أحب إلي من عيسى ومن كل نبي فقال لها الجاثليق : فإذا كنت دخلت في دين محمد فتبغضين عيسى ؟ قالت : معاذ الله بل أحب عيسى وأؤمن به ولكن محمدا أحب إلي .

فقال الرضا عليه السلام للجاثليق : فسر للجماعة ما تكلمت به الجارية وما قلت أنت لها وما أجابتك به ، ففسر لهم الجاثليق ذلك كله ، ثم قال الجاثليق : يا ابن محمد ههنا رجل سندي وهو نصراني صاحب احتجاج وكلام بالسندية ، فقال له : أحضرنيه ، فأحضره فتكلم معه بالسندية ثم أقبل يحاجه وينقله من شئ إلى شئ بالسندية في النصرانية فسمعنا السندي يقول ثبطى ( ثبطى ) ثبطلة ، فقال الرضا : قد وحد الله بالسندية .

ثم كلمه في عيسى ومريم فلم يزل يدرجه من حال إلى حال إلى أن قال بالسندية : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، ثم رفع منطقة كانت عليه فظهر من تحتها زنار في وسطه فقال : اقطعه أنت بيدك يا ابن رسول الله ، فدعا الرضا بسكين فقطعه ، ثم قال لمحمد بن الفضل الهاشمي : خذ السندي إلى الحمام وطهره ، واكسه وعياله واحملهم جميعا إلى المدينة .

فلما فرغ من مخاطبة القوم ، قال : قد صح عندكم صدق ما كان محمد بن الفضل يلقي عليكم عني ؟ قالوا : نعم ، والله لقد بان لنا منك فوق ذلك أضعافا مضاعفة ، وقد ذكر لنا محمد بن الفضل أنك تحمل إلى خراسان ؟ فقال : صدق محمد إلا أني احمل مكرما معظما مبجلا .

قال محمد بن الفضل : فشهد له الجماعة بالإمامة ، وبات عندنا تلك الليلة فلما أصبح ودع الجماعة وأوصاني بما أراد ومضى ، وتبعته حتى إذا صرنا في وسط القرية عدل عن الطريق فصلى أربع ركعات ثم قال : يا محمد انصرف في حفظ الله غمض طرفك فغمضته ثم قال : افتح عينيك ففتحتهما فإذا أنا على باب منزلي بالبصرة ولم أرى الرضا قال : وحملت السندي وعياله إلى المدينة في قت الموسم .

العودة إلى الصفحة الرئيسية

www.mezan.net <‎/TITLE> ‎<META HTTP-EQUIV="Content-Type" CONTENT="text/html; charset=windows-1256">‎ ‎<META NAME="keywords" CONTENT=" السيد محمد حسين فضل الله في الميزان ">‎ ‎<META NAME="description" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله في كتبه ">‎ ‎<META NAME="author" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله بصوته ">‎ ‎<META NAME="copyright" CONTENT=" رأي المراجع العظام والعلماء ">‎ <‎/HEAD>