وروده بالكوفة

قال محمد بن الفضل : كان فيما أوصاني به الرضا عليه السلام في وقت منصرفه من البصرة أن قال لي : صر إلى الكوفة فاجمع الشيعة هناك وأعلمهم أني قادم عليهم وأمرني أن أنزل في دار حفص بن عمير اليشكري فصرت إلى الكوفة فأعلمت الشيعة أن الرضا قادم عليكم فأنا يوما عند نصر بن مزاحم إذ مر بي سلام خادم الرضا فعلمت أن الرضا قد قدم ، فبادرت إلى دار حفص بن عمير فإذا هو في الدار فسلمت عليه ثم قال لي : احتشد من طعام تصلحه للشيعة ، فقلت : قد احتشدت وفرغت مما يحتاج إليه ، فقال : الحمد لله على توفيقك .

فجمعنا الشيعة ، فلما أكلوا قال : يا محمد انظر من بالكوفة من المتكلمين والعلماء فأحضرهم فأحضرناهم ، فقال لهم الرضا : إني أريد أن أجعل لكم خظا من نفسي كما جعلت لأهل البصرة ، وأن الله قد أعلمني كل كتاب أنزله ثم أقبل على جاثليق ، وكان معروفا بالجدل والعلم والإنجيل فقال : يا جاثليق هل تعرف لعيسى صحيفة فيها خمسة أسماء يعلقها في عنقه ، إذا كان بالمغرب فأراد المشرق فتحها فأقسم على الله باسم واحد من خمسة الأسماء أن تنطوي له الأرض فيصير من المغرب إلى المشرق ، ومن المشرق إلى المغرب في لحظة ؟ فقال الجاثليق : لا علم لي بها وأما الأسماء الخمسة فقد كانت معه يسأل الله بها أو بواحد منها يعطيه الله جميع ما يسأله قال : الله أكبر إذا لم تنكر الأسماء فأما الصحيفة فلا يضر أقررت بها أم أنكرتها اشهدوا على قوله .

ثم قال : يا معاشر الناس أليس أنصف الناس من حاج خصمه بملته وبكتابه وبنبيه وشريعته ؟ قالوا : نعم ، قال الرضا : فاعلموا أنه ليس بامام بعد محمد إلا من قام بما قام به محمد حين يفضي الامر إليه ، ولا يصلح للإمامة إلا من حاج الأمم بالبراهين للإمامة ، فقال رأس الجالوت : وما هذا الدليل على الامام ؟ قال : أن يكون عالما بالتوراة والإنجيل والزبور والقرآن الحكيم ، فيحاج أهل التوراة بتوراتهم وأهل الإنجيل بإنجيلهم ، وأهل القرآن بقرآنهم ، وأن يكون عالما بجميع اللغات حتى لا يخفى عليه لسان واحد ، فيحاج كل قوم بلغتهم ، ثم يكون مع هذه الخصال تقيا نقيا من كل دنس طاهرا من كل عيب ، عادلا منصفا حكيما رؤوفا رحيما غفورا عطوفا صادقا مشفقا بارا أمينا مأمونا راتقا فاتقا .

فقام إليه نصر بن مزاحم فقال : يا ابن رسول الله ما تقول في جعفر بن محمد ؟ قال : ما أقول في إمام شهدت أمة محمد قاطبة بأنه كان أعلم أهل زمانه ، قال : فما تقول في موسى بن جعفر ؟ قال : كان مثله ، قال : فان الناس قد تحيروا في أمره قال : إن موسى بن جعفر عمر برهة من الزمان فكان يكلم الأنباط بلسانهم ، ويكلم أهل خراسان بالدرية وأهل روم بالرومية ، ويكلم العجم بألسنتهم ، وكان يرد عليه من الآفاق علماء اليهود والنصارى ، فيحاجهم بكتبهم وألسنتهم .

فلما نفدت مدته ، وكان وقت وفاته أتاني مولى برسالته يقول : يا بني إن الاجل قد نفد ، والمدة قد انقضت ، وأنت وصي أبيك فان رسول الله صلى الله عليه وآله لما كان وقت وفاته دعا عليا وأوصاه ودفع إليه الصحيفة التي كان فيها الأسماء التي خص الله بها الأنبياء والأوصياء ، ثم قال : يا علي ادن مني ، فغطى رسول الله رأس علي بملاءة ثم قال له : أخرج لسانك ، فأخرجه فختمه بخاتمه ثم قال : يا علي اجعل لساني في فيك ، فمصه وأبلغ عني كل ما تجد في فيك ، ففعل علي ذلك فقال له : إن الله قد فهمك ما فهمني ، وبصرك ما بصرني ، وأعطاك من العلم ما أعطاني ، إلا النبوة ، فإنه لا نبي بعدي ثم كذلك إمام بعد إمام ، فلما مضى موسى علمت كل لسان وكل كتاب .

العودة إلى الصفحة الرئيسية

www.mezan.net <‎/TITLE> ‎<META HTTP-EQUIV="Content-Type" CONTENT="text/html; charset=windows-1256">‎ ‎<META NAME="keywords" CONTENT=" السيد محمد حسين فضل الله في الميزان ">‎ ‎<META NAME="description" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله في كتبه ">‎ ‎<META NAME="author" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله بصوته ">‎ ‎<META NAME="copyright" CONTENT=" رأي المراجع العظام والعلماء ">‎ <‎/HEAD>