العلة التي من أجلها جعله المأمون ولاية عهده

- عيون أخبار الرضا : الهمداني ، عن علي بن إبراهيم ، عن الريان بن الصلت قال : أكثر الناس في بيعة الرضا من القواد والعامة ، ومن لا يحب ذلك ، وقالوا : إن هذا من تدبير الفضل بن سهل ذي الرئاستين ، فبلغ المأمون ذلك فبعث إلي في جوف الليل فصرت إليه فقال : يا ريان بلغني أن الناس يقولون : إن بيعة الرضا كانت من تدبير الفضل بن سهل ؟ فقلت : يا أمير المؤمنين يقولون هذا قال : ويحك يا ريان أيجسر أحد أن يجيئ إلى خليفة قد استقامت له الرعية والقواد ، واستوت له الخلافة فيقول له ادفع الخلافة من يدك إلى غيرك أيجوز هذا في العقل ؟ قلت له : لا والله يا أمير المؤمنين ما يجسر على هذا أحد ، قال : لا والله ما كان كما يقولون ولكن سأخبرك بسبب ذلك .

إنه لما كتب إلي محمد أخي يأمرني بالقدوم عليه ، فأبيت عليه عقد لعلي ابن عيسى بن ماهان وأمره أن يقيدني بقيد ويجعل الجامعة في عنقي فورد علي بذلك الخبر ، وبعث هرثمة بن أعين إلى سجستان وكرمان وما والاهما فأفسد علي أمري ، وانهزم هرثمة وخرج صاحب السرير ، وغلب على كور خراسان ، من ناحيته ، فورد علي هذا كله في أسبوع .

فلما ورد ذلك علي لم يكن لي قوة بذلك ولا كان لي مال أتقوى به ، ورأيت من قوادي ورجالي الفشل والجبن ، أردت أن ألحق بملك كابل ، فقلت في نفسي : ملك كابل رجل كافر ويبذل محمد له الأموال فيدفعني إلى يده ، فلم أجد وجها أفضل من أن أتوب إلى الله عز وجل من ذنوبي وأستعين به على هذه الأمور وأستجير بالله عز وجل فأمرت بهذا البيت وأشار إلى بيت تكنس ، وصببت علي الماء ، ولبست ثوبين أبيضين وصليت أربع ركعات قرأت فيها من القرآن ما حضرني ودعوت الله عز وجل واستجرت به ، وعاهدته عهدا وثيقا بنية صادقة إن أفضى الله بهذا الامر إلي وكفاني عاديته ، وهذه الأمور الغليظة ، أن أصنع هذا الامر في موضعه الذي وضعه الله عز وجل فيه .

ثم قوي فيه قلبي فبعثت طاهرا إلى علي بن عيسى بن هامان فكان من أمره ما كان ، ورددت هرثمة إلى رافع ( بن أعين ) فظفر به وقتله ، وبعثت إلى صاحب السرير فهادنته وبذلت له شيئا حتى رجع فلم يزل أمري يقوى حتى كان من أمر محمد ما كان ، وأفضى الله إلي بهذا الامر ، واستوى لي .

فلما وافى الله عز وجل لي بما عاهدته عليه ، أحببت أن أفي لله تعالى بما عاهدته ، فلم أر أحدا أحق بهذا الامر من أبي الحسن الرضا ، فوضعتها فيه فلم يقبلها إلا على ما قد علمت ، فهذا كان سببها .

فقلت : وفق الله أمير المؤمنين فقال : يا ريان إذا كان غدا وحضر الناس فاقعد بين هؤلاء القواد وحدثهم بفضل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فقلت : يا أمير المؤمنين ما أحسن من الحديث شيئا إلا ما سمعته منك ، فقال : سبحان الله ما أجد أحدا يعينني على هذا الامر ، لقد هممت أن أجعل أهل قم شعاري ودثاري .

فقلت يا أمير المؤمنين : أنا أحدث عنك بما سمعته منك من الاخبار ؟ فقال : نعم حدث عني بما سمعته مني من الفضائل فلما كان من الغد ، قعدت بين القواد في الدار فقلت : حدثني أمير المؤمنين ، عن أبيه ، عن آبائه أن رسول الله قال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، حدثني أمير المؤمنين ، عن أبيه ، عن آبائه قال : قال رسول الله علي مني بمنزلة هارون من موسى ، وكنت أخلط الحديث بعضه ببعض لا أحفظه على وجهه . وحدثت بحديث خيبر ، وبهذه الأحاديث المشهورة ، فقال لي عبد الله بن مالك الخزاعي : رحم الله عليا كان رجلا صالحا .

وكان المأمون قد بعث غلاما إلى المجلس يسمع الكلام فيؤديه إليه قال الريان : فبعث إلي المأمون فدخلت إليه فلما رآني قال : يا ريان ما أرواك للأحاديث وأحفظك لها ؟ ثم قال : قد بلغني ما قال اليهودي عبد الله بن مالك في قوله " رحم الله عليا كان رجلا صالحا " والله لأقتلنه إن شاء الله .

وكان هشام بن إبراهيم الراشدي الهمداني من أخص الناس عند الرضا من قبل أن يحمل وكان عالما أديبا لبيبا وكانت أمور الرضا تجري من عنده وعلى يده ، ويصير الأموال من النواحي كلها إليه قبل حمل أبي الحسن فلما حمل أبو الحسن اتصل هشام بن إبراهيم بذي الرئاستين فقربه ذو الرئاستين وأدناه ، فكان ينقل أخبار الرضا إلى ذي الرئاستين والمأمون فحظي بذلك عندهما وكان لا يخفى عليهما من أخباره شيئا .

فولاه المأمون حجابة الرضا وكان لا يصل إلى الرضا إلا من أحب ، وضيق على الرضا فكان من يقصده من مواليه لا يصل إليه ، وكان لا يتكلم الرضا في داره بشئ إلا أورده هشام على المأمون وذي الرئاستين وجعل المأمون العباس ابنه في حجر هشام ، وقال : أدبه ، فسمي هشام العباسي لذلك ، قال : وأظهر ذو الرياستين عداوة شديدة لأبي الحسن وحسده على ما كان المأمون يفضله به فأول ما ظهر لذي الرئاستين من أبي الحسن أن ابنة عم المأمون كانت تحبه ، وكان يحبها ، وكان مفتح باب حجرتها إلى مجلس المأمون وكانت تميل إلى أبي الحسن وتحبه وتذكر ذا الرئاستين وتقع فيه ، فقال ذو الرياستين حين بلغه ذكرها له : لا ينبغي أن يكون باب دار النساء مشرعا إلى مجلسك فأمر المأمون بسده .

وكان المأمون يأتي الرضا يوما والرضا يأتي المأمون يوما وكان منزل أبي الحسن بجنب منزل المأمون ، فلما دخل أبو الحسن إلى المأمون ونظر إلى الباب مسدودا قال يا أمير المؤمنين : ما هذا الباب الذي سددته ؟ فقال : رأى الفضل ذلك وكرهه ، فقال الرضا : إنا لله وإنا إليه راجعون ما للفضل والدخول بين أمير المؤمنين وحرمه ؟ قال : فما ترى قال : فتحه والدخول على ابنة عمك ، ولا تقبل قول الفضل فيما لا يحل و ( لا ) يسع فأمر المأمون بهدمه ، ودخل على ابنة عمه فبلغ الفضل ذلك فغمه .

- عيون أخبار الرضا : الهمداني ، عن علي بن إبراهيم ، عن ياسر الخادم قال : كان الرضا إذا رجع يوم الجمعة من الجامع ، وقد أصابه العرق والغبار رفع يديه ، وقال : اللهم إن كان فرجي مما أنا فيه بالموت ، فعجل لي الساعة ولم يزل مغموما مكروبا إلى أن قبض .

- عيون أخبار الرضا : الدقاق ، عن الأسدي ، عن البرمكي ، عن محمد بن عرفة قال : قلت للرضا : يا ابن رسول الله ما حملك على الدخول في ولاية العهد ؟ فقال : ما حمل جدي أمير المؤمنين على الدخول في الشورى .

بيان : أي لئلا ييأس الناس من خلافتنا ، ويعلموا باقرار المخالف أن لنا في هذا الامر نصيبا ، ويحتمل أن يكون التشبيه في أصل الاشتمال على المصالح الخفية .

- عيون أخبار الرضا : الوراق ، عن علي ، عن أبيه ، عن الهروي قال : والله ما دخل الرضا في هذا الامر طائعا ، وقد حمل إلى الكوفة مكرها ثم أشخص منها على طريق البصرة وفارس إلى مرو .

- عيون أخبار الرضا : البيهقي ، عن الصولي ، عن محمد بن يزيد النحوي ، عن ابن أبي عبدون ، عن أبيه قال : لما بايع المأمون الرضا بالعهد أجلسه إلى جانبه ، فقام العباس الخطيب فتكلم فأحسن ثم ختم ذلك بأن أنشد : لابد للناس من شمس ومن قمر * فأنت شمس وهذا ذلك القمر .

العودة إلى الصفحة الرئيسية

www.mezan.net <‎/TITLE> ‎<META HTTP-EQUIV="Content-Type" CONTENT="text/html; charset=windows-1256">‎ ‎<META NAME="keywords" CONTENT=" السيد محمد حسين فضل الله في الميزان ">‎ ‎<META NAME="description" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله في كتبه ">‎ ‎<META NAME="author" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله بصوته ">‎ ‎<META NAME="copyright" CONTENT=" رأي المراجع العظام والعلماء ">‎ <‎/HEAD>