في كيفية بيعة فتى من الأنصار

- علل الشرائع ، عيون أخبار الرضا : الحسين بن أحمد الرازي ، عن علي بن محمد ماجيلويه ، عن البرقي ، عن أبيه قال : أخبرني الريان بن شبيب خال المعتصم أخو ماردة أن المأمون لما أراد أن يأخذ البيعة لنفسه بإمرة المؤمنين ، وللرضا بولاية العهد ، وللفضل ابن سهل بالوزارة ، أمر بثلاثة كراسي فنصبت لهم ، فلما قعدوا عليها أذن للناس فدخلوا يبايعون فكانوا يصفقون بأيمانهم على أيمان الثلاثة من أعلى الابهام إلى الخنصر ويخرجون ، حتى بايع في آخر الناس فتى من الأنصار فصفق بيمينه من الخنصر إلى أعلى الابهام ، فتبسم أبو الحسن الرضا ثم قال : كل من بايعنا بايع بفسخ البيعة غير هذا الفتى فإنه بايعنا بعقدها .

فقال المأمون : وما فسخ البيعة من عقدها ؟ قال أبو الحسن : عقد البيعة هو من أعلى الخنصر إلى أعلى الابهام وفسخها من أعلى الابهام إلى أعلى الخنصر قال : فماج الناس في ذلك وأمر المأمون بإعادة الناس إلى البيعة على ما وصفه أبو الحسن وقال الناس : كيف يستحق الإمامة من لا يعرف عقد البيعة إن من علم لاولى بها ممن لا يعلم ، قال : فحمله ذلك على ما فعله من سمه .

- غيبة الشيخ الطوسي : روى محمد بن عبد الله الأفطس قال : دخلت على المأمون فقربني وحياني ثم قال : رحم الله الرضا ما كان أعلمه لقد أخبرني بعجب : سألته ليلة وقد بايع له الناس ، فقلت : جعلت فداك أرى لك أن تمضي إلى العراق وأكون خليفتك بخراسان ، فتبسم ثم قال : لا لعمري ولكنه من دون خراسان تدرجات إن لنا هنا مكثا ولست ببارح حتى يأتيني الموت ، ومنها المحشر لا محالة .

فقلت له : جعلت فداك وما علمك بذلك ؟ فقال علمي بمكاني كعلمي بمكانك قلت : وأين مكاني أصلحك الله ؟ فقال : لقد بعدت الشقة بيني وبينك ، أموت في المشرق وتموت في المغرب ، فقلت : صدقت ، والله ورسوله أعلم وآل محمد ، فجهدت الجهد كله وأطمعته في الخلافة وما سواها فما أطمعني في نفسه .

بيان : لعل التدرجات من قولهم " أدرجه في أكفانه " وقد مضى في باب المعجزات .

- الإرشاد : ذكر جماعة من أصحاب الاخبار ورواة السير من أيام الخلفاء أن المأمون لما أراد العقد للرضا علي بن موسى وحدث نفسه بذلك ، أحضر الفضل بن سهل وأعلمه بما قد عزم عليه من ذلك ، وأمره بالاجتماع مع أخيه الحسن بن سهل على ذلك ، ففعل واجتمعا بحضرته ، فجعل الحسن يعظم ذلك عليه ويعرفه ما في اخراج الامر من أهله عليه ، فقال له المأمون : إني عاهدت الله أنني إن ظفرت بالمخلوع أخرجت الخلافة إلى أفضل آل أبي طالب ، وما أعلم أحدا أفضل من هذا الرجل على وجه الأرض .

فلما رأى الفضل والحسن عزيمته على ذلك أمسكا عن معارضته ، فأرسلهما إلى الرضا فعرضا عليه ذلك ، فامتنع منه ، فلم يزالا به حتى أجاب فرجعا إلى المأمون فعرفاه إجابته ، فسر بذلك ، وجلس للخاصة في يوم خميس ، وخرج الفضل بن سهل وأعلم الناس ، برأي المأمون في علي بن موسى ، وأنه قد ولاه عهده ، وسماه الرضا ، وأمرهم بلبس الخضرة والعود لبيعته في الخميس على أن يأخذوا رزق سنة .

فلما كان ذلك اليوم ركب الناس على طبقاتهم من القواد والحجاب والقضاة وغيرهم في الحضرة ، وجلس المأمون ووضع للرضا وسادتين عظيمتين حتى لحق بمجلسه وفرشه ، وأجلس الرضا عليهما في الخضرة وعليه عمامة وسيف ثم أمر ابنه العباس بن المأمون أن يبايع له أول الناس فرفع الرضا يده فتلقى بظهرها وجه نفسه وببطنها وجوههم ، فقال له المأمون : ابسط يدك للبيعة وقال له الرضا : إن رسول الله هكذا كان يبايع فبايعه الناس ويده فوق أيديهم ووضعت البدر ، وقامت الخطباء والشعراء ، فجعلوا يذكرون فضل الرضا وما كان مع المأمون في أمره .

ثم دعا أبو عباد بالعباس بن المأمون فوثب فدنا من أبيه فقبل يده ، وأمره بالجلوس ثم نودي محمد بن جعفر بن محمد فقال له الفضل بن سهل : قم فقام ومشى حتى قرب من المأمون ووقف ولم يقبل يده ، فقيل له : امض فخذ جائزتك وناداه المأمون ارجع يا أبا جعفر إلى مجلسك ، فرجع ثم جعل أبو عباد يدعو بعلوي وعباسي فيقبضان جوائزهما حتى نفدت الأموال .

ثم قال المأمون للرضا : اخطب الناس وتكلم فيهم ، فحمد الله وأثنى عليه وقال : " لنا عليكم حق برسول الله ولكم علينا حق به ، فإذا أنتم أديتم إلينا ذلك ، وجب علينا الحق لكم " ولا يذكر عنه غير هذا في ذلك المجلس ، وأمر المأمون فضربت الدراهم فطبع عليها اسم الرضا ، وزوج إسحاق بن موسى بن جعفر بنت عمه إسحاق بن جعفر بن محمد وأمره فحج بالناس وخطب للرضا في بلده بولاية العهد .

وروى أحمد بن محمد بن سعيد ، عن يحيى بن الحسن العلوي قال : حدثني من سمع عبد الحميد بن سعيد يخطب في تلك السنة على منبر رسول الله بالمدينة فقال له في الدعاء له : ولي عهد المسلمين علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي ابن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام .

ستة آباؤهم من هم * أفضل من يشرب صوب الغمام وذكر المدائني ، عن رجاله قال : لما جلس الرضا في الخلع بولاية العهد ، فأقام بين يديه الخطباء والشعراء وخفقت الألوية على رأسه ، فذكر عن بعض من حضر ممن كان يختص بالرضا أنه قال : كنت بين يديه في ذلك اليوم فنظر إلي وأنا مستبشر بما جرى ، فأومأ إلي أن ادن ، فدنوت منه ، فقال لي من حيث لا يسمعه غيري : لا تشغل قلبك بهذا الامر ، ولا تستبشر له ، فإنه شئ لا يتم .

وكان فيمن ورد عليه من الشعراء دعبل بن علي الخزاعي فلما دخل عليه قال : إني قد قلت قصيدة فجعلت على نفسي أن لا أنشدها على أحد قبلك ، فأمره بالجلوس حتى خف مجلسه ثم قال له : هاتها ، قال : فأنشده قصيدته التي أولها :

مدارس آيات خلت من تلاوة * ومنزل وحي مقفر العرصات حتى أتى على آخرها ، فلما فرغ من إنشادها قام الرضا فدخل إلى حجرته ، وبعث إليه خادما بخرقة خز فيها ستمائة دينار ، وقال لخادمه : قل له : استعن بهذه في سفرك ، وأعذرنا ، فقال له دعبل : لا والله ما هذا أردت ولا له خرجت ولكن قل له : اكسني ثوبا من أثوابك ، وردها عليه ، فردها الرضا فقال له : خذها وبعث إليه بجبة من ثيابه ، فخرج دعبل حتى ورد قم فلما رأوا الجبة معه أعطوه فيها ألف دينار فأبى عليهم فقال : لا والله ولا خرقة منها بألف دينار .

ثم خرج من قم فاتبعوه فقطعوا عليه الطريق وأخذوا الجبة ورجع إلى قم فكلمهم فيها فقالوا : ليس إليها سبيل ، ولكن إن شئت فهذه ألف دينار ، وقال لهم : وخرقة منها فأعطوه ألف دينار وخرقة منها .

بيان : " الخلع " بكسر الخاء وفتح اللام جمع الخلعة ، وخفق الألوية تحركها واضطرابها .

- مناقب ابن شهرآشوب : ذكر أخبار البيعة نحوا مما مر وذكر صورة خط الرضا على كتاب العهد نحوا مما سيأتي ثم قال : وقال ابن المعتز :

وأعطاكم المأمون حق خلافة   لنا حقها لكنه جاد بالدنيا
فمات الرضا من بعد ما قد علمتم     ولاذت بنا من بعده مرة أخرى

وكان دخل عليه الشعراء فأنشد دعبل :

مدارس آيات خلت من تلاوة   ومنزل وحي مقفر العرصات

وأنشد إبراهيم بن العباس :

أزالت عزاء القلب بعد التجلد     مصارع أولاد النبي محمد   

    

وأنشد أبو نواس :

مطهرون نقيات جيوبهم   تتلى الصلاة عليهم أينما ذكروا
من لم يكن علويا حين تنسبه   فما له في قديم الدهر مفتخر
والله لما برا خلقا فأتقنه   صفاكم واصطفاكم أيها البشر
   فأنتم الملأ الأعلى وعندكم      علم الكتاب وما جاءت به السور

فقال الرضا : قد جئتنا بأبيات ما سبقك أحد إليها يا غلام هل معك من نفقتنا شئ ؟ فقال : ثلاثمائة دينار ، فقال : أعطها إياه ، ثم قال : يا غلام سق إليه البغلة .

العودة إلى الصفحة الرئيسية

www.mezan.net <‎/TITLE> ‎<META HTTP-EQUIV="Content-Type" CONTENT="text/html; charset=windows-1256">‎ ‎<META NAME="keywords" CONTENT=" السيد محمد حسين فضل الله في الميزان ">‎ ‎<META NAME="description" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله في كتبه ">‎ ‎<META NAME="author" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله بصوته ">‎ ‎<META NAME="copyright" CONTENT=" رأي المراجع العظام والعلماء ">‎ <‎/HEAD>