صورة كتاب الحباء والشرط منه

- عيون أخبار الرضا : وجدت في بعض الكتب نسخة كتاب الحباء والشرط من الرضا علي بن موسى إلى العمال في شأن الفضل بن سهل وأخيه ، ولم أرو ذلك عن أحد . أما بعد فالحمد لله البدئ البديع ، القادر القاهر ، الرقيب على عباده ، المقيت على خلقه ، الذي خضع كل شئ لملكه ، وذل كل شئ لعزته ، واستسلم كل شئ لقدرته ، وتواضع كل شئ لسلطانه وعظمته ، وأحاط بكل شئ علمه ، وأحصاه عدده ، فلا يؤوده كبير ، ولا يعزب عنه صغير ، الذي لا تدركه أبصار الناظرين ، ولا تحيط به صفة الواصفين ، له الخلق والامر ، والمثل الأعلى في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم .

والحمد لله الذي شرع الاسلام دينا ، ففضله وعظمه وشرفه وكرمه ، و جعله الدين القيم الذي لا يقبل غيره ، والصراط المستقيم الذي لا يضل من لزمه ولا يهتدي من صدف عنه . وجعل فيه النور والبرهان ، والشفا والبيان ، وبعث به من اصطفى من ملائكته إلى من اجتبى من رسله ، في الأمم الخالية ، والقرون الماضية ، حتى انتهت رسالته إلى محمد فختم به النبيين ، وقفى به على آثار المرسلين ، وبعثه رحمة للعالمين وبشيرا للمؤمنين المصدقين ، ونذيرا للكافرين المكذبين ، لتكون له الحجة البالغة وليهلك من هلك عن بينة ، ويحيى من حي عن بينة وإن الله لسميع عليم .

والحمد لله الذي أورث أهل بيته مواريث النبوة ، واستودعهم العلم والحكمة وجعلهم معدن الإمامة والخلافة ، وأوجب ولايتهم ، وشرف منزلتهم ، فأمر رسوله بمسألة أمته مودتهم إذ يقول : " قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى " وما وصفهم به من إذهاب الرجس عنهم ، وتطهيره إياهم في قوله " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا " .

ثم إن المأمون بر رسول الله في عترته ، ووصل أرحام أهل بيته ، فرد ألفتهم ، وجمع فرقتهم ، ورأب صدعهم ، ورتق فتقهم ، وأذهب الله به الضغائن و الإحن بينهم ، وأسكن التناصر والتواصل والمحبة والمودة قلوبهم ، فأصبحت بيمنه وحفظه وبركته وبره وصلته أيديهم واحدة ، وكلمتهم جامعة ، وأهواؤهم متفقة ورعى الحقوق لأهلها ، ووضع المواريث مواضعها ، وكافأ إحسان المحسنين ، و حفظ بلاء المبلين ، وقرب وباعد على الدين ، ثم اختص بالتفضيل والتقديم والتشريف من قدمته مساعيه ، فكان ذلك ذا الرئاستين الفضل بن سهل إذ رآه له مؤازرا ، و بحقه قائما ، وبحجته ناطقا ، ولنقبائه نقيبا ولخيوله قائدا ، ولحروبه مدبرا ، و لرعيته سائسا ، وإليه داعيا ، ولمن أجاب إلى طاعته مكافئا ، ولمن عند عنها مبائنا وبنصرته منفردا ، ولمرض القلوب والنيات مداويا .

لم ينهه عن ذلك قلة مال ، ولا عوز رجال ، ولم يمل به طمع ، ولم يلفته عن نيته وبصيرته وجل ، بل عندما يهوله المهولون ، ويرعد ويبرق به المبرقون المرعدون وكثرة المخالفين والمعاندين من المجاهدين والمخاتلين ، أثبت ما يكون عزيمة وأجرأ جنانا ، وأنفذ مكيدة ، وأحسن تدبيرا ، وأقوى تثبتا في حق المأمون والدعاء إليه ، حتى قصم أنياب الضلالة ، وفل حدهم ، وقلم أظفارهم ، وحصد شوكتهم وصرعهم مصارع الملحدين في دينه ، الناكثين لعهده ، الوانين في أمره ، المستخفين بحقه ، الآمنين لما حذر من سطوته وبأسه ، مع آثار ذي الرئاستين في صنوف الأمم من المشركين ، وما زاد الله به في حدود دار المسلمين ، مما قد وردت أنباؤه عليكم وقرئت به الكتب على منابركم ، وحملت أهل الآفاق عنكم ، إلى غيركم . فانتهى شكر ذي الرئاستين بلاء أمير المؤمنين عنده ، وقيامه بحقه وابتذاله مهجته ، ومهجة أخيه أبي محمد الحسن بن سهل الميمون النقيبة المحمود السياسة ، إلى غاية تجاوز فيها الماضين ، وفاق بها الفائزين ، وانتهت مكافأة أمير المؤمنين إياه إلى ما جعل له من الأموال والقطائع والجواهر ، وإن كان ذلك لا يفي بيوم من أيامه ، ولا مقام من مقاماته ، فتركه زهدا فيه ، وارتفاعا من همته عنه ، وتوفيرا له على المسلمين ، واطراحا للدنيا ، واستصغارا لها ، وإيثارا الآخرة ، و منافسة فيها .

وسأل أمير المؤمنين ما لم يزل له سائلا ، وإليه راغبا ، من التخلي والتزهد فعظم ذلك عنده وعندنا ، لمعرفتنا بما جعل الله عز وجل في مكانه الذي هو به من العز للدين ، والسلطان والقوة على صلاح المسلمين ، وجهاد المشركين ، وما أرى الله به من تصديق نيته ، ويمن نقيبته ، وصحة تدبيره ، وقوة رأيه ، ونجح طلبته ومعاونته على الحق والهدى ، والبر والتقوى .

فلما وثق أمير المؤمنين ، وثقنا منه بالنظر للدين وإيثار ما فيه صلاحه وأعطيناه سؤله الذي يشبه قدره ، وكتبنا له كتاب حباء وشرط قد نسخ في أسفل كتابي هذا وأشهدنا الله عليه ومن حضرنا من أهل بيتنا والقواد والصحابة والقضاة والفقهاء والخاصة والعامة ، ورأي أمير المؤمنين الكتاب به إلى الآفاق ليذيع ويشيع في أهلها ، ويقرأ على منابرها ، ويثبت عند ولاتها وقضاتها ، فسألني أن أكتب بذلك وأشرح معانيه ، وهي على ثلاثة أبواب : ففي الباب الأول البيان عن كل آثاره التي أوجب الله بها حقه علينا وعلى المسلمين .

والباب الثاني البيان عن مرتبته في إزاحة علته في كل ما دبر ودخل فيه ولا سبيل عليه فيما ترك وكره ، وذلك ما ليس لخلق ممن في عنقه بيعة إلا له وحده ولأخيه ومن إزاحة العلة تحكيمهما في كل من بغى عليهما ، وسعى بفساد علينا وعليهما وعلى أوليائنا ، لئلا يطمع طامع في خلاف عليهما ، ولا معصية لهما ، ولا احتيال في مدخل بيننا وبينهما .

والباب الثالث البيان في إعطائنا إياه ما أحب من ملك التخلي وحلية الزهد وحجة التحقيق ، لما سعى فيه من ثواب الآخرة ، بما يتقرر في قلب من كان في ذلك منه ، وما يلزمنا له من الكرامة والعز والحباء الذي بذلناه له ولأخيه ، من منعهما ما نمنع منه أنفسنا ، وذلك محيط بكل ما يحتاط فيه محتاط في أمر دين ودنيا .

العودة إلى الصفحة الرئيسية

www.mezan.net <‎/TITLE> ‎<META HTTP-EQUIV="Content-Type" CONTENT="text/html; charset=windows-1256">‎ ‎<META NAME="keywords" CONTENT=" السيد محمد حسين فضل الله في الميزان ">‎ ‎<META NAME="description" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله في كتبه ">‎ ‎<META NAME="author" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله بصوته ">‎ ‎<META NAME="copyright" CONTENT=" رأي المراجع العظام والعلماء ">‎ <‎/HEAD>