في أن المأمون بعث ثلاثين نفرا لقتله

- عيون أخبار الرضا : السناني ، عن الأسدي ، عن محمد بن خلف ، عن هرثمة بن أعين قال : دخلت على سيدي ومولاي يعني الرضا في دار المأمون وكان قد ظهر في دار المأمون أن الرضا قد توفي ، ولم يصح هذا القول ، فدخلت أريد الاذن عليه .

قال : وكان في بعض ثقات خدم المأمون غلام يقال له : صبيح الديلمي وكان يتولى سيدي حق ولايته ، وإذا صبيح قد خرج فلما رآني قال لي : يا هرثمة ألست تعلم أني ثقة المأمون على سره وعلانيته ؟ قلت : بلى ، قال : اعلم يا هرثمة أن المأمون دعاني وثلاثين غلاما من ثقاته على سره وعلانيته ، في الثلث الأول من الليل فدخلت عليه وقد صار ليله نهارا من كثرة الشموع ، وبين يديه سيوف مسلولة مشحوذة مسمومة .

فدعا بنا غلاما غلاما وأخذ علينا العهد والميثاق بلسانه ، وليس بحضرتنا أحد من خلق الله غيرنا ، فقال لنا : هذا العهد لازم لكم إنكم تفعلون ما أمرتكم به ولا تخالفوا منه شيئا ، قال : فحلفنا له فقال : يأخذ كل واحد منكم سيفا بيده و امضوا حتى تدخلوا على علي بن موسى الرضا في حجرته ، فان وجدتموه قائما أو قاعدا أو نائما فلا تكلموه ، وضعوا أسيافكم عليه وأخلطوا لحمه ودمه وشعره وعظمه ومخه ثم اقلبوا عليه بساطه وامسحوا أسيافكم به ، وصيروا إلي ، وقد جعلت لكل واحد منكم على هذا الفعل وكتمانه ، عشر بدر دراهم ، وعشر ضياع منتجبة والحظوظ عندي ما حييت وبقيت . قال : فأخذنا الأسياف بأيدينا ودخلنا عليه في حجرته ، فوجدناه مضطجعا يقلب طرف يديه ويتكلم بكلام لا نعرفه ، قال : فبادر الغلمان إليه بالسيوف ووضعت ( سيفي ) وأنا قائم أنظر إليه وكأنه قد كان علم بمصيرنا إليه فلبس على بدنه ما لا تعمل فيه السيوف فطووا عليه بساطه ، وخرجوا حتى دخلوا على المأمون .

فقال : ما صنعتم ؟ قالوا : فعلنا ما أمرتنا به يا أمير المؤمنين ، قال : لا تعيدوا شيئا مما كان ، فلما كان عند تبلج الفجر ، خرج المأمون فجلس مجلسه مكشوف الرأس محلل الأزرار ، وأظهر وفاته وقعد للتعزية ، ثم قام حافيا فمشى لينظر إليه وأنا بين يديه فلما دخل عليه حجرته سمع همهمة فأرعد ثم قال : من عنده ؟ قلت : لا علم لنا يا أمير المؤمنين فقال : أسرعوا وانظروا ، قال صبيح : فأسرعنا إلى البيت فإذا سيدي عليه السلام جالس في محرابه يصلي ويسبح .

فقلت : يا أمير المؤمنين هو ذا نرى شخصا في محرابه يصلي ويسبح ، فانتقض المأمون وارتعد ، ثم قال : غررتموني لعنكم الله ، ثم التفت إلي من بين الجماعة فقال لي : يا صبيح أنت تعرفه ، فانظر من المصلي عنده ؟ قال صبيح : فدخلت وتولى المأمون راجعا فلما صرت عند عتبة الباب قال لي : يا صبيح قلت لبيك : يا مولاي وقد سقطت لوجهي فقال : قم يرحمك الله يريدون أن يطفؤا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون .

قال : فرجعت إلى المأمون فوجدت وجهه كقطع الليل المظلم ، فقال لي : يا صبيح ما وراك ؟ قلت له : يا أمير المؤمنين هو والله جالس في حجرته ، وقد ناداني وقال لي كيت وكيت ، قال : فشد أزراره وأمر برد أثوابه ، وقال : قولوا : إنه كان غشي عليه وأنه قد أفاق .

قال هرثمة فأكثرت لله عز وجل شكرا وحمدا ، ثم دخلت على سيدي الرضا فلما رآني قال : يا هرثمة لا تحدث بما حدثك به صبيح أحدا إلا من امتحن الله قلبه للايمان بمحبتنا وولايتنا ، فقلت : نعم يا سيدي ثم قال لي : يا هرثمة والله لا يضرنا كيدهم شيئا حتى يبلغ الكتاب أجله .

- أقول : روى السيد المرتضى في كتاب العيون والمحاسن عن الشيخ المفيد رضي الله عنهما قال : روي أنه لما سار المأمون إلى خراسان وكان معه الرضا علي ابن موسى فبينا هما يسيران إذ قال له المأمون : يا أبا الحسن إني فكرت في شئ فنتج لي الفكر الصواب فيه : فكرت في أمرنا وأمركم ، ونسبنا ونسبكم فوجدت الفضيلة فيه واحدة ، ورأيت اختلاف شيعتنا في ذلك محمولا على الهوى والعصبية .

فقال له أبو الحسن الرضا : إن لهذا الكلام جوابا إن شئت ذكرته لك ، وإن شئت أمسكت ، فقال له المأمون : إني لم أقله إلا لأعلم ما عندك فيه قال له الرضا : أنشدك الله يا أمير المؤمنين لو أن الله تعالى بعث نبيه محمدا فخرج علينا من وراء أكمة من هذه الآكام يخطب إليك ابنتك كنت مزوجه إياها ؟ فقال : يا سبحان الله وهل أحد يرغب عن رسول الله فقال له الرضا : أفتراه كان يحل له أن يخطب إلي ؟ قال : فسكت المأمون هنيئة ثم قال : أنتم والله أمس برسول الله رحما .

- وعن الكتاب المذكور قال : قال المأمون يوما للرضا : أخبرني بأكبر فضيلة لأمير المؤمنين يدل عليها القرآن ، قال : فقال له الرضا : فضيلة في المباهلة ، قال الله جل جلاله " فمن حاجك فيه " الآية فدعا رسول الله الحسن والحسين فكانا ابنيه ، ودعا فاطمة فكانت في هذا الموضع نساءه ، ودعا أمير المؤمنين فكان نفسه بحكم الله عز وجل فثبت أنه ليس أحد من خلق الله تعالى أجل من رسول الله وأفضل ، فواجب أن لا يكون أحد أفضل من نفس رسول الله بحكم الله عز وجل .

قال : فقال له المأمون : أليس قد ذكر الله تعالى الأبناء بلفظ الجمع ، وإنما دعا رسول الله ابنيه خاصة ، وذكر النساء بلفظ الجمع ، وإنما دعا رسول الله صلى الله عليه وآله ابنته وحدها فألا جاز أن يذكر الدعاء لمن هو نفسه ، ويكون المراد نفسه في الحقيقة دون غيره ، فلا يكون لأمير المؤمنين عليه السلام ما ذكرت من الفضل .

قال : فقال له الرضا : ليس يصح ما ذكرت يا أمير المؤمنين ، وذلك أن الداعي إنما يكون داعيا لغيره ، كما أن الآمر آمر لغيره ، ولا يصح أن يكون داعيا لنفسه في الحقيقة كما لا يكون آمرا لها في الحقيقة ، وإذا لم يدع رسول الله رجلا في المباهلة إلا أمير المؤمنين فقد ثبت أنه نفسه التي عناها الله سبحانه في كتابه ، وجعل ( له ) حكمه ذلك في تنزيله ، قال : فقال المأمون إذا ورد الجواب سقط السؤال .

العودة إلى الصفحة الرئيسية

www.mezan.net <‎/TITLE> ‎<META HTTP-EQUIV="Content-Type" CONTENT="text/html; charset=windows-1256">‎ ‎<META NAME="keywords" CONTENT=" السيد محمد حسين فضل الله في الميزان ">‎ ‎<META NAME="description" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله في كتبه ">‎ ‎<META NAME="author" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله بصوته ">‎ ‎<META NAME="copyright" CONTENT=" رأي المراجع العظام والعلماء ">‎ <‎/HEAD>