بحث حول الخليفة بعد النبي ، ورواية : اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر ، ورواية : لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ، والاختلاف بين أبي بكر وعمر

- عيون أخبار الرضا : تميم القرشي ، عن أبيه ، عن أحمد بن علي الأنصاري ، عن إسحاق ابن حماد قال : كان المأمون يعقد مجالس النظر ويجمع المخالفين لأهل البيت فقال قائل منهم : أما نحن فنزعم أن خير الناس بعد النبي أبو بكر من قبل أن الرواية المجمع عليها جاءت عن الرسول قال : اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر ، فلما أمر نبي الرحمة بالاقتداء بهما ، علمنا أنه لم يأمر بالاقتداء إلا بخير الناس .

فقال المأمون : الروايات كثيرة ولا بد من أن يكون كلها حقا أو كلها باطلا أو بعضها حقا وبعضها باطلا ، فلو كانت كلها حقا كانت كلها باطلا ، من قبل أن بعضها ينقض بعضا ولو كانت كلها باطلا في بطلانها بطلان الدين ، ودروس الشريعة ، فلما بطل الوجهان ، ثبت الثالث بالاضطرار ، وهو أن بعضها حق وبعضها باطل ، فإذا كان كذلك فلا بد من دليل على ما يحق منها ، ليعتقد ، وينفى خلافه فإذا كان دليل الخبر في نفسه حقا كان أولى ما أعتقده وآخذ به .

وروايتك هذه من الاخبار التي أدلتها باطلة في نفسها ، وذلك أن رسول الله أحكم الحكماء وأولى الخلق بالصدق ، وأبعد الناس من الامر بالمحال ، وحمل الناس على التدين بالخلاف ، وذلك أن هذين الرجلين لا يخلو من أن يكونا متفقين من كل جهة أو مختلفين ، فان كانا متفقين من كل جهة كانا واحدا في العدد والصفة والصورة والجسم ، وهذا معدوم أن يكون اثنان بمعنى واحد من كل جهة ، وإن كانا مختلفين فكيف يجوز الاقتداء بهما ، وهذا تكليف مالا يطاق لأنك إن اقتديت بواحد خالفت الآخر .

والدليل على اختلافهما أن أبا بكر سبى أهل الردة وردهم عمر أحرارا وأشار عمر على أبي بكر بعزل خالد وبقتله بمالك بن نويرة فأبى أبو بكر عليه وحرم عمر المتعة ولم يفعل ذلك أبو بكر ووضع عمر ديوان العطية ولم يفعله أبو بكر و استخلف أبو بكر ولم يفعل ذلك عمر ولهذا نظائر كثيرة .

قال الصدوق رضي الله عنه : في هذا فصل لم يذكره المأمون لخصمه وهو أنهم لم يرووا أن النبي قال : اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر ، وإنما رووا " أبو بكر وعمر " ومنهم من روى " أبا بكر وعمر " فلو كانت الرواية صحيحة لكان معنى قوله بالنصب : اقتدوا بالذين من بعدي كتاب الله والعترة يا أبا بكر وعمر ، ومعنى قوله بالرفع : اقتدوا أيها الناس وأبو بكر وعمر بالذين من بعدي كتاب الله والعترة رجعنا إلى حديث المأمون .

فقال آخر من أصحاب الحديث : فان النبي قال " لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا " .

فقال المأمون : هذا مستحيل من قبل أن رواياتكم أنه آخى بين أصحابه وأخر عليا فقال له في ذلك فقال : ما أخرتك إلا لنفسي فأي الروايتين ثبتت بطلت الأخرى .

قال آخر : إن عليا قال على المنبر : خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر .

قال المأمون هذا مستحيل من قبل أن النبي لو علم أنهما أفضل ما ولى عليهما مرة عمرو بن العاص ، ومرة أسامة بن زيد ، ومما يكذب هذه الرواية قول علي قبض النبي وأنا أولى بمجلسه مني بقميصي ، ولكني أشفقت أن يرجع الناس كفارا ، وقوله : أنى يكونان خيرا مني وقد عبدت الله عز وجل قبلهما وعبدته بعدهما .

قال آخر : فان أبا بكر أغلق بابه ، وقال : هل من مستقيل فأقيله ، فقال علي : قدمك رسول الله فمن ذا يؤخرك ؟ .

فقال المأمون : هذا باطل من قبل أن عليا قعد عن بيعة أبي بكر ورويتم أنه قعد عنها حتى قبضت فاطمة وأنها أوصت أن تدفن ليلا لئلا يشهدا جنازتها .

ووجه آخر : وهو أنه إن كان النبي استخلفه ، فكيف كان له أن يستقبل وهو يقول للأنصاري : قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين أبا عبيدة وعمر .

قال آخر : إن عمرو بن العاص قال : يا نبي الله من أحب الناس إليك من النساء ؟ فقال : عائشة فقال : من الرجال ؟ فقال : أبوها فقال المأمون : هذا باطل من قبل أنكم رويتم أن النبي وضع بين يديه طائر مشوي فقال : اللهم ائتني بأحب خلقك إليك فكان علي فأي روايتكم تقبل .

العودة إلى الصفحة الرئيسية

www.mezan.net <‎/TITLE> ‎<META HTTP-EQUIV="Content-Type" CONTENT="text/html; charset=windows-1256">‎ ‎<META NAME="keywords" CONTENT=" السيد محمد حسين فضل الله في الميزان ">‎ ‎<META NAME="description" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله في كتبه ">‎ ‎<META NAME="author" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله بصوته ">‎ ‎<META NAME="copyright" CONTENT=" رأي المراجع العظام والعلماء ">‎ <‎/HEAD>