حديث الطائر المشوي ، في أن المصاحبة ليست بفضيلة ، ونزول السكينة ، الفضيلة لمن نام على مهاد النبي أم من كان معه في الغار ، وفي حديث المنزلة

- عيون أخبار الرضا : تميم القرشي ، عن أبيه ، عن أحمد بن علي الأنصاري ، عن إسحاق ابن حماد قال : كان المأمون يعقد مجالس النظر ويجمع المخالفين لأهل البيت خبرني يا إسحاق عن حديث الطائر المشوي أصحيح عندك ؟ قال : بلى ، قال : بان والله عنادك لا يخلو هذا من أن يكون كما دعا النبي أو يكون مردودا أو عرف الله الفاضل من خلقه وكان المفضول أحب إليه ، أو تزعم أن الله لم يعرف الفاضل من المفضول فأي الثلاث أحب إليك أن تقول به ؟ .

قال إسحاق : فأطرقت ساعة ثم قلت : يا أمير المؤمنين إن الله عز وجل يقول في أبي بكر " ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا " فنسبه الله عز وجل إلى صحبة نبيه ، فقال : سبحان الله ما أقل علمكم باللغة والكتاب ، أما يكون الكافر صاحبا للمؤمن ، فأي فضيلة في هذه ؟ أما سمعت الله عز وجل يقول : " قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سويك رجلا " فقد جعله له صاحبا وقال الهذلي : ولقد غدوت وصاحبي وحشية * تحت الرداء بصيرة بالمشرق وقال الأزدي : ولقد دعوت الوحش فيه وصاحبي * محض القوائم من هجان هيكل فصير فرسه صاحبه ، وأما قوله " إن الله معنا " فإنه تبارك وتعالى مع البر والفاجر أما سمعت قوله عز وجل " ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا " .

وأما قوله " لا تحزن " فخبرني عن حزن أبي بكر أكان طاعة أو معصية ؟ فان زعمت أنه كان طاعة فقد جعلت النبي ينهى عن الطاعة ، وهذا خلاف صفة الحكيم ، وإن زعمت أنه معصية فأي فضيلة للعاصي .

وخبرني عن قوله عز وجل " فأنزل الله سكينته عليه " على من ؟ قال إسحاق : فقلت : على أبي بكر لان النبي كان مستغنيا عن السكينة قال : فخبرني عن قوله عز وجل " ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين " أتدري من المؤمنون الذين أراد الله عز وجل في هذا الموضع ؟ قال : قلت : لا قال : إن الناس انهزموا يوم حنين فلم يبق مع النبي وسلم إلا سبعة من بني هاشم علي يضرب بسيفه ، والعباس أخذ بلجام بغلة النبي والخمسة محدقون بالنبي خوفا من أن يناله سلاح الكفار حتى أعطى الله تبارك وتعالى رسوله الظفر عنى بالمؤمنين في هذا الموضع عليا ومن حضر من بني هاشم فمن كان أفضل أمن كان مع النبي ونزلت السكينة على النبي وعليه ، أم من كان في الغار مع النبي ولم يكن أهلا لنزولها عليه ؟ .

يا إسحاق من أفضل ؟ من كان مع النبي في الغار أم من نام على مهاده ووقاه بنفسه ، حتى تم للنبي ما عزم عليه من الهجرة إن الله تبارك وتعالى أمر نبيه أن يأمر عليا بالنوم على فراشه ووقايته بنفسه فأمره بذلك ، فقال علي : أتسلم يا نبي الله ؟ قال : نعم ، قال : سمعا وطاعة ، ثم أتى مضجعه وتسجى بثوبه ، وأحدق المشركون به ، لا يشكون في أنه النبي وقد أجمعوا أن يضربه من كل بطن من قريش رجل ضربة لئلا يطالب الهاشميون بدمه وعلي يسمع ما القوم فيه من التدبير في تلف نفسه فلم يدعه ذلك إلى الجزع كما جزع أبو بكر في الغار ، وهو مع النبي وعلي وحده ، فلم يزل صابرا محتسبا فبعث الله تعالى ملائكة تمنعه من مشركي قريش .

فلما أصبح قام فنظر القوم إليه فقالوا : أين محمد ؟ قال : وما علمي به ؟ قالوا : فأنت غررتنا ثم لحق بالنبي فلم يزل علي أفضل لما بدا منه ( إلا ما ) يزيد خيرا حتى قبضه الله تعالى إليه وهو محمود مغفور له يا إسحاق أما تروي حديث الولاية ؟ فقلت : نعم قال : اروه ، فرويته فقال : أما ترى أنه أوجب لعلي على أبي بكر وعمر من الحق ما لم يوجب لهما عليه ؟ قلت : إن الناس يقولون إن هذا قاله بسبب زيد بن حارثة قال : وأين قال النبي هذا ؟ قلت : بغدير خم بعد منصرفه من حجة الوداع قال : فمتى قتل زيد بن حارثة ؟ قلت : بمؤتة ، قال : أفليس قد كان قتل زيد بن حارثة قبل غدير خم ؟ قلت : بلى ، قال : فخبرني لو رأيت ابنا لك أتت عليه خمس عشرة سنة يقول مولاي مولا ابن عمي أيها الناس فاقبلوا أكنت تكره ذلك ؟ فقلت : بلى قال : أفتنزه ابنك عما لا تنزه النبي ؟ ويحكم أجعلتم فقهاءكم أربابكم ؟ إن الله عز وجل يقول : " اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله " والله ما صاموا لهم ولا صلوا لهم ، ولكنهم أمروا لهم فأطيعوا .

ثم قال : أتروي قول النبي لعلي أنت مني بمنزلة هارون من موسى ؟ قلت : نعم قال : أما تعلم أن هارون أخو موسى لأبيه وأمه ؟ قلت : بلى قال : فعلي كذلك ؟ قلت : لا ، قال : فهارون نبي وليس علي كذلك ، فما المنزلة الثالثة إلا الخلافة ، وهذا كما قال المنافقون إنه استخلفه استثقالا له ، فأراد أن يطيب نفسه ، وهذا كما حكى الله عز وجل عن موسى حيث يقول لهارون : " أخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين " .

فقلت : إن موسى خلف هارون في قومه وهو حي ثم مضى إلى ميقات ربه عز وجل وإن النبي خلف عليا حين خرج إلى غزاته . فقال : أخبرني عن موسى حين خلف هارون أكان معه حيث مضى إلى ميقات ربه عز وجل أحد من أصحابه ؟ فقلت : نعم ، قال : أو ليس قد استخلفه على جميعهم ؟ قلت : بلى ، قال : فكذلك علي خلفه النبي حين خرج في غزاته في الضعفاء والنساء والصبيان إذ كان أكثر قومه معه ، وإن كان قد جعله خليفته على جميعهم والدليل على أنه جعله خليفة عليهم في حياته إذا غاب وبعد موته قوله " علي بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي " .

وهو وزير النبي أيضا بهذا القول لان موسى قد دعا الله عز وجل فقال فيما دعا : " واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي اشدد به أزري وأشركه في أمري " ) وإذا كان علي منه بمنزلة هارون من موسى فهو وزيره كما كان هارون وزير موسى ، وهو خليفته كما كان هارون خليفة موسى .

ثم أقبل على أصحاب النظر والكلام فقال : أسألكم أو تسألوني ؟ قالوا : بل نسألك ، فقال : قولوا .

فقال قائل منهم : أليست إمامة علي من قبل الله عز وجل نقل ذلك عن رسول الله من نقل الفرض مثل الظهر أربع ركعات وفي مائتين درهم خمسة دراهم والحج إلى مكة ، فقال : بلى قال : فما بالهم لم يختلفوا في جميع الفرض واختلفوا في خلافة علي وحدها ؟ .

قال المأمون : لان جميع الفرض لا يقع فيه من التنافس والرغبة ما يقع في الخلافة .

فقال آخر : ما أنكرت أن يكون النبي أمرهم باختيار رجل يقوم مقامه رأفة ورقة عليهم أن يستخلف هو بنفسه فيعصى خليفته ، فينزل العذاب فقال : أنكرت ذلك من قبل أن الله عز وجل أرأف بخلقه من النبي وقد بعث نبيه وهو يعلم أن فيهم العاصي والمطيع ، فلم يمنعه ذلك من إرساله .

وعلة أخرى لو أمرهم باختيار رجل منهم كان لا يخلو من أن يأمرهم كلهم أو بعضهم ، فلو أمر الكل من كان المختار ؟ ولو أمر بعضنا دون بعض كان لا يخلو من أن يكون على هذا البعض علامة ، فان قلت الفقهاء فلا بد من تحديد الفقيه وسمته .

قال آخر : فقد روي أن النبي قال : ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله عز وجل حسن ، وما رأوه قبيحا فهو عند الله تبارك وتعالى قبيح ، فقال : هذا القول لا بد من أن يريد كل المؤمنين أو البعض ، فان أراد الكل فهو مفقود لان الكل لا يمكن اجتماعهم ، وإن كان البعض فقد روى كل في صاحبه حسنا مثل رواية الشيعة في علي ورواية الحشوية في غيره ، فمتى يثبت ما يريدون من الإمامة .

قال آخر : فيجوز أن يزعم أن أصحاب محمد أخطأوا ؟ قال : كيف نزعم أنهم أخطؤا واجتمعوا على ضلالة وهم لا يعلمون فرضا ولا سنة ، لأنك تزعم أن الإمامة لا فرض من الله عز وجل ولا سنة من الرسول فكيف يكون فيما ليس عندك بفرض ولا سنة خطأ .

قال آخر : إن كنت تدعي لعلي من الإمامة ( دون غيره ) فهات بينتك على ما تدعي فقال : ما أنا بمدع ولكني مقر ولا بينة على مقر ، والمدعي من يزعم أن إليه التولية والعزل .

وأن إليه الاختيار ، والبينة لا تعرى من أن يكون من شركائه فهم خصماء أو يكون من غيرهم والغير معدوم ، فكيف يؤتى بالبينة على هذا .

العودة إلى الصفحة الرئيسية

www.mezan.net <‎/TITLE> ‎<META HTTP-EQUIV="Content-Type" CONTENT="text/html; charset=windows-1256">‎ ‎<META NAME="keywords" CONTENT=" السيد محمد حسين فضل الله في الميزان ">‎ ‎<META NAME="description" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله في كتبه ">‎ ‎<META NAME="author" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله بصوته ">‎ ‎<META NAME="copyright" CONTENT=" رأي المراجع العظام والعلماء ">‎ <‎/HEAD>