في خلافة أبي بكر

- عيون أخبار الرضا : تميم القرشي ، عن أبيه ، عن أحمد بن علي الأنصاري ، عن إسحاق ابن حماد قال : كان المأمون يعقد مجالس النظر ويجمع المخالفين لأهل البيت فقال المأمون : قد سألتموني ونقضتم علي أفأسألكم ؟ قالوا : نعم ، قال : أليس روت الأمة باجماع منها أن النبي قال : " ( من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ) .

قالوا : بلى ، ( قال : ) ورووا عنه أنه قال : من عصى الله بمعصية صغرت أو كبرت ثم اتخذها دينا ومضى مصرا عليها فهو مخلد بين أطباق الجحيم ؟ قالوا : بلى قال : فخبروني عن رجل يختاره العامة فتنصبه خليفة ، هل يجوز أن يقال له خليفة رسول الله ومن قبل الله عز وجل ولم يستخلفه الرسول ؟ فان قلتم نعم كابرتم وإن قلتم لا ، وجب أن أبا بكر لم يكن خليفة رسول الله ولا من قبل الله عز وجل وأنكم تكذبون على نبي الله وأنكم متعرضون لان تكونوا ممن وسمه النبي بدخول النار .

وخبروني في أي قوليكم صدقتم أفي قولكم : مضى ولم يستخلف أو في قولكم لأبي بكر : يا خليفة رسول الله ، فان كنتم صدقتم في القولين فهذا ما لا يمكن كونه ، إذ كان متناقضا وإن كنتم صدقتم في أحدهما بطل الآخر .

فاتقوا الله وانظروا لأنفسكم ودعوا التقليد وتجنبوا الشبهات فوالله ما يقبل الله عز وجل إلا من عبد لا يأتي إلا بما يعقل ، ولا يدخل إلا فيما يعلم أنه حق والريب شك وإدمان الشك كفر بالله عز وجل وصاحبه في النار .

وخبروني هل يجوز ابتياع أحدكم عبدا فإذا ابتاعه صار مولاه ، وصار المشتري عبده ، قالوا : لا ، قال : كيف جاز أن يكون من اجتمعتم عليه لهواكم واستخلفتموه صار خليفة عليكم وأنتم وليتموه ألا كنتم أنتم الخلفاء عليه بل تولون خليفة وتقولون إنه خليفة رسول الله ثم إذا سخطتم عليه قتلتموه كما فعل بعثمان بن عفان .

قال قائل منهم : لان الامام وكيل المسلمين إذا رضوا عنه ولوه ، وإذا سخطوا عليه عزلوه ، قال : فلمن المسلمون والعباد والبلاد ؟ قالوا الله عز وجل ، قال : فالله أولى أن يوكل على عباده وبلاده من غيره ، لان من إجماع الأمة أنه من أحدث في ملك غيره حدثا فهو ضامن ، وليس له أن يحدث ، فان فعل فآثم غارم .

ثم قال : خبروني عن النبي هل استخلف حين مضى أم لا ؟ فقالوا : لم يستخلف قال : فتركه ذلك هدى أم ضلال ؟ قالوا : هدى ، قال : فعلى الناس أن يتبعوا الهدى ، ويتنكبوا الضلالة ، قالوا : قد فعلوا ذلك ، قال : فلم استخلف الناس بعده وقد تركه هو فترك فعله ضلال ، ومحال أن يكون خلاف الهدى هدى وإذا كان ترك الاستخلاف هدى فلم استخلف أبو بكر ولم يفعله النبي ولم جعل عمر الامر بعده شورى بين المسلمين خلافا على صاحبه .

زعمتم أن النبي لم يستخلف وأن أبا بكر استخلف ، وعمر لم يترك الاستخلاف كما تركه النبي بزعمكم ، ولم يستخلف كما فعل أبو بكر وجاء بمعنى ثالث ، فخبروني أي ذلك ترونه صوابا ، فان رأيتم فعل النبي صوابا فقد خطأتم أبا بكر ، وكذلك القول في بقية الأقاويل .

وخبروني أيهما أفضل ما فعله النبي بزعمكم من ترك الاستخلاف أو ما صنعت طائفة من الاستخلاف ؟ .

وخبروني هل يجوز أن يكون تركه من الرسول هدى ، وفعله من غيره هدى ، فيكون هدى ضد هدى ، فأين الضلال حينئذ ؟ .

وخبروني هل ولي أحد بعد النبي باختيار الصحابة منذ قبض النبي إلى اليوم ، فان قلتم لا ، فقد أوجبتم أن الناس كلهم عملوا ضلالة بعد النبي وإن قلتم نعم ، كذبتم الأمة وأبطل قولكم الوجود الذي لا يدفع .

وخبروني عن قول الله عز وجل " قل لمن ما في السماوات والأرض قل لله " أصدق هذا أم كذب ؟ قالوا : صدق : قال : أفليس ما سوى الله لله إذ كان محدثه ومالكه ؟ قالوا : نعم ، قال : ففي هذا بطلان ما أوجبتم من اختياركم خليفة تفترضون طاعته ( إذا اخترتموه ) وتسمونه خليفة رسول الله وأنتم استخلفتموه وهو معزول عنكم إذا غضبتم عليه ، وعمل بخلاف محبتكم ، وهو مقتول إذا أبى الاعتزال ، ويلكم لا تفتروا على الله كذبا ، فتلقوا وبال ذلك غدا إذا قمتم بين يدي الله عز وجل وإذا وردتم على رسول الله وقد كذبتم عليه متعمدين ، وقد قال من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار .

ثم استقبل القبلة ورفع يديه وقال : اللهم إني قد نصحت لهم اللهم إني قد أرشدتهم اللهم إني قد أخرجت ما وجب علي اخراجه من عنقي اللهم إني لم أدعهم في ريب ولا في شك اللهم إني أدين بالتقرب إليك بتقديم علي على الخلق بعد نبيك كما أمرنا به رسولك .

قال : ثم افترقنا فلم نجتمع بعد ذلك حتى قبض المأمون .

قال محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري : وفي حديث آخر قال : فسكت القوم فقال لهم : لم سكتم ؟ قالوا : لا ندري ما نقول ، قال : يكفيني هذه الحجة عليكم ثم أمر باخراجهم .

قال : فخرجنا متحيرين خجلين ثم نظر المأمون إلى الفضل بن سهل فقال : هذا أقصى ما عند القوم فلا يظن ظان أن جلالتي منعتهم من النقض علي .

بيان : قال الجوهري : قولهم " هم زهاء مائة " أي قدر مائة قوله " من كان المختار " هذا مبني على أن المأمور بالاختيار يجب أن يكون مغايرا للمختار للزوم المغايرة بين الفاعل والمحل ، وفيه نظر قوله " والبينة لا تعرى " حاصله أنكم لما ادعيتم أن لكم الاختيار والعزل ، فالبينة عليكم ، ولا يمكنكم إقامة البينة إذ البينة إن كان ممن يوافقكم فهو مدع ، ولا يقبل قوله ، وإن كان من غيركم فالغير مفقود لدعواكم الاجماع ، أو لان الغير لا يشهد لكم قوله " ولا من عبد وثنا " باجماع حاصلة أن الظالم وعابد الوثن لا يستحق الإمامة في تلك الحالة اتفاقا والأصل استصحاب هذا الحكم بعد زوال تلك الحالة أيضا .

العودة إلى الصفحة الرئيسية

www.mezan.net <‎/TITLE> ‎<META HTTP-EQUIV="Content-Type" CONTENT="text/html; charset=windows-1256">‎ ‎<META NAME="keywords" CONTENT=" السيد محمد حسين فضل الله في الميزان ">‎ ‎<META NAME="description" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله في كتبه ">‎ ‎<META NAME="author" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله بصوته ">‎ ‎<META NAME="copyright" CONTENT=" رأي المراجع العظام والعلماء ">‎ <‎/HEAD>