في محمد بن سنان وثقته

- فلاح السائل : سمعت من يذكر طعنا على محمد بن سنان ولعله لم يقف إلا على الطعن عليه ولم يقف على تزكيته والثناء عليه وكذلك يحتمل أكثر الطعون ، فقال شيخنا المعظم المأمون المفيد محمد بن محمد بن النعمان في كتاب كمال شهر رمضان لما ذكر محمد بن سنان ما هذا لفظه : على أن المشهور عن السادة من الوصف لهذا الرجل خلاف ما به شيخنا أتاه ووصفه ، والظاهر من القول ضد ماله به ذكر ، كقول أبي جعفر فيما رواه عبد الله بن الصلت القمي قال : دخلت على أبي جعفر في آخر عمره فسمعته يقول : جزى الله محمد بن سنان عني خيرا فقد وفى لي . وكقوله فيما رواه علي بن الحسين بن داود قال : سمعنا أبا جعفر يذكر محمد بن سنان بخير ويقول : رضي الله عنه برضاي عنه ، فما خالفني ولا خالف أبي قط .

هذا مع جلالته في الشيعة ، وعلو شأنه ، ورئاسته ، وعظم قدره ولقائه من الأئمة ثلاثة ، وروايته عنهم ، وكونه بالمحل الرفيع منهم : أبو إبراهيم موسى بن جعفر وأبو الحسن علي بن موسى وأبو جعفر محمد بن علي عليهم أفضل السلام ومع معجز أبي جعفر الذي أظهره الله فيه وآيته التي أكرمه بها فيما رواه محمد بن الحسين بن أبي الخطاب أن محمد بن سنان كان ضرير البصر ، فتمسح بأبي جعفر الثاني فعاد إليه بصره ، بعد ما كان افتقده .

أقول : فمن جملة أخطار الطعون على الاخبار ، أن يقف الانسان على طعن ولم يستوف النظر في أخبار المطعون عليه كما ذكرناه عن محمد بن سنان رحمة الله عليه فلا يعجل طاعن في شئ مما أشرنا إليه أو يقف من كتبنا عليه ، فلعل لنا عذرا ما اطلع الطاعن عليه .

ورويت باسنادي إلى هارون بن موسى التلعكبري رحمه الله باسناده الذي ذكره في أواخر الجزء السادس من كتاب عبد الله بن حماد الأنصاري ما هذا لفظه : أبو محمد هارون بن موسى ، عن محمد بن همام ، عن الحسين بن أحمد المالكي قال : قلت لأحمد بن مليك الكرخي : أخبرني عما يقال في محمد بن سنان من أمر الغلو ، فقال : معاذ الله هو والله علمني الطهور ، وحبس العيال وكان متقشفا متعبدا .

- الكافي : علي ، عن أبيه ، عن علي بن الحكم ، عن الحسن بن الحسين الأنباري ، عن أبي الحسن الرضا قال : كتبت إليه أربع عشرة سنة أستأذنه في عمل السلطان فلما كان في آخر كتاب كتبته إليه أذكر أني أخاف على خيط عنقي وإن السلطان يقول : إنك رافضي ولسنا نشك في أنك تركت العمل للسلطان للرفض .

فكتب إلي أبو الحسن : قد فهمت كتابك وما ذكرت من الخوف على نفسك ، فان كنت تعلم أنك إذا وليت عملت في عملك بما أمر به رسول الله ثم يصير أعوانك وكتابك أهل ملتك ، فإذا صار إليك شئ واسيت به فقراء المؤمنين ، حتى تكون واحدا منهم كان ذا بذا ، وإلا فلا .

- الاختصاص : أبو غالب الزراري ، عن محمد بن المحسن السجاد ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، قال : كان ابن أبي عمير حبس سبع عشر ( سنة ) فذهب ماله وكان له على رجل عشرة آلاف درهم قال : فباع داره وحمل إليه حقه ، فقال له : ابن أبي عمير من أين لك هذا المال ؟ وجدت كنزا أو ورثت عن انسان ؟ لا بد من أن تخبرني ، قال : بعت داري ، فقال : حدثني ذريح المحاربي ، عن أبي عبد الله قال : لا يخرج الرجل عن مسقط رأسه بالدين ، أنا محتاج إلى درهم وليس ملكي .

- الاختصاص : أبو أحمد محمد بن أبي عمير واسم أبي عمير زياد من مولى الأزد أوثق الناس عند الشيعة والعامة ، وأنسكهم نسكا وأورعهم وأعبدهم ، وكان واحدا في زمانه في الأشياء ، كلها أدرك أبا إبراهيم موسى بن جعفر ولم يرو عنه وروى عن أبي الحسن الرضا .

- الاختصاص : أحمد بن محمد ، عن أبيه وسعد ، عن ابن عيسى ، عن محمد بن حمرة بن اليسع ، عن زكريا بن آدم ، قال : دخلت على الرضا من أول الليل في حدثان ما مات أبو جوير رحمه الله فسألني عنه وترحم عليه ولم يزل يحدثني وأحدثه حتى طلع الفجر ، ثم قام وصلى صلاة الفجر .

- الاختصاص : بالاسناد المتقدم عن زكريا بن آدم قال : قلت للرضا إني أريد الخروج عن أهل بيتي فقد كثر السفهاء ، فقال : لا تفعل ، فان أهل قم يدفع عنهم بك كما يدفع عن أهل بغداد بأبي الحسن .

- الاختصاص : بالاسناد ، عن ابن عيسى ، عن أحمد بن الوليد ، عن علي بن المسيب قال : قلت للرضا عليه السلام : شقتي بعيدة ، ولست أصل إليك في كل وقت فعمن آخذ معالم ديني ؟ فقال : عن زكريا بن آدم القمي المأمون على الدين والدنيا ، قال ابن المسيب : فلما انصرفت قدمت على زكريا بن آدم فسألته عما احتجت إليه .

- الاختصاص : وبالإسناد عن ابن عيسى قال : بعث إلي أبو جعفر عليه السلام غلامه معه كتابه فأمرني أن أصير إليه فأتيته وهو بالمدينة نازل في دار خان بزيع ، فدخلت فسلمت فذكر في صفوان ومحمد بن سنان وغيرهما ما قد سمعه غير واحد ، فقلت في نفسي : أستعطفه على زكريا بن آدم لعله أن يسلم مما قال في هؤلاء القوم ، ثم رجعت إلى نفسي فقلت : من أنا أن أتعرض في هذا وشبهه لمولاي وهو أعلم بما صنع .

فقال لي : يا أبا علي ! ليس على مثل أبي يحيى يعجل ، وقد كان من خدمته لأبي صلى الله عليه ومنزلته عنده وعندي من بعده غير أني قد احتجت إلى المال الذي عنده ، فقلت : جعلت فداك هو باعث إليك بالمال ، وقال : إن وصلت إليه فأعلمه أن الذي منعني من بعث المال اختلاف ميمون ومسافر ، قال : احمل كتابي إليه ومره أن يبعث إلي بالمال ، فحملت كتابه إلى زكريا بن آدم فوجه إليه بالمال .

- الإحتجاج : حكي عن أبي الهذيل العلاف أنه قال : دخلت الرقة فذكر لي أن بدير زكى ( رجلا ) مجنونا حسن الكلام ، فأتيته فإذا أنا بشيخ حسن الهيئة جالسا على وسادة يسرح رأسه ولحيته ، فسلمت عليه فرد السلام ، وقال : ممن يكون الرجل ؟ قال : قلت : من أهل العراق قال : نعم ، أهل الظرف والآداب ، قال : من أيها أنت ؟ قلت : من أهل البصرة ، قال : أهل التجارب والعلم ، قال : ( فمن ) أيهم أنت ؟ قلت : أبو الهذيل العلاف قال : المتكلم ؟ قلت : بلى ، فوثب عن وسادته وأجلسني عليها .

ثم قال بعد كلام جرى بيننا : ما تقول في الإمامة ؟ قلت : أي الإمامة تريد ؟ قال : من تقدمون بعد النبي ؟ قلت : من قدم رسول الله قال : ومن هو ؟ قلت : أبو بكر ، قال لي : يا أبا الهذيل ولم قدمتموه ؟ قلت : لان النبي قال : قدموا خيركم ، وولوا أفضلكم ، وتراضي الناس به جميعا .

قال ، يا أبا الهذيل ههنا وقعت ، أما قولك إن النبي قال : قدموا خيركم ، وولوا أفضلكم ، فاني أوجدك أن أبا بكر صعد المنبر ، وقال وليتكم ولست بخيركم ، فان كانوا كذبوا عليه ، فقد خالفوا أمر النبي وإن كان هو الكاذب على نفسه فمنبر النبي لا يصعده الكاذبون ، وأما قولك إن الناس تراضوا به فان أكثر الأنصار قالوا : منا أمير ومنكم أمير وأما المهاجرون فان زبير العوام قال : لا أبايع إلا عليا فأمر به فكسر سيفه ، وجاء أبو سفيان بن حرب فقال : يا أبا الحسن إن شئت لأملأنها خيلا ورجالا يعني المدينة وخرج سلمان فقال : " كردند ونكردند وندانند كه چه كردند " والمقداد وأبو ذر فهؤلاء المهاجرون .

أخبرني يا أبا الهذيل عن قيام أبي بكر على المنبر ، وقوله إن لي شيطانا يعتريني فإذا رأيتموني مغضبا فاحذروني لا أقع في أشعاركم وأبشاركم ، فهو يخبركم على المنبر أني مجنون ، وكيف يحل لكم أن تولوا مجنونا .

وأخبرني يا أبا الهذيل عن قيام عمر على المنبر وقوله وددت أني شعرة في صدر أبي بكر ثم قام بعدها بجمعة ، فقال : أن بيعة أبى بكر كانت فلتة وقى الله شرها فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه ، فبينا هو يود أن يكون شعرة في صدر أبي بكر يأمر بقتل من بايع مثله .

فأخبرني يا أبا الهذيل بالذي زعم أن النبي لم يستخلف وأن أبا بكر استخلف عمر ، وأن عمر لم يستخلف ، فأرى أمركم بينكم متناقضا .

وأخبرني يا أبا الهذيل عن عمر حين صيرها شورى في ستة وزعم أنهم من أهل الجنة ، فقال : إن خالف اثنان لأربعة فاقتلوا الاثنين ، وإن خالف ثلاثة لثلاثة فاقتلوا الثلاثة الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف ، فهذه ديانة أن يأمر بقتل أهل الجنة .

وأخبرني يا أبا الهذيل عن عمر لما طعن دخل عليه عبد الله بن العباس قال : فرأيته جزعا فقلت يا أمير المؤمنين ما هذا الجزع ؟ فقال : يا ابن عباس ما جزعي لأجلي ولكن جزعي لهذا الامر من يليه بعدي ، قال : قلت : ولها طلحة بن عبيد الله قال : رجل له حدة كان النبي يعرفه ، فلا أولي أمور المسلمين حديدا .

قال : قلت : ولها الزبير بن العوام ، قال : رجل بخيل رأيته يماكس امرأته في كبة من غزل ، فلا أولي أمور المسلمين بخيلا ، قال ، قلت : ولها سعد بن أبي وقاص قال : رجل صاحب فرس وقوس ، وليس من أحلاس الخلافة ، قلت : ولها عبد الرحمن ابن عوف ، قال رجل : ليس يحسن أن يكفي عياله ، قال : قلت : ولها عبد الله بن عمر فاستوى جالسا وقال : يا ابن عباس ما والله أردت بهذا ، أولي رجلا لم يحسن أن يطلق امرأته .

قلت : ولها عثمان بن عفان فقال : والله لئن وليته ليحملن آل أبي معيط على رقاب المسلمين ، وأوشك إن فعلنا أن يقتلوه - قالها ثلاثا .

قال : ثم سكت لما أعرف من معاندته لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب فقال لي : يا ابن عباس أذكر صاحبك ، قال : قلت : ولها عليا قال : والله ما جزعي إلا لما أخذت الحق من أربابه ، والله لئن وليته ليحملنهم على المحجة العظمى وإن يطيعوه يدخلهم الجنة .

فهو يقول هذا ثم صيرها شورى بين الستة ، فويل له من ربه . قال أبو الهذيل بينا هو يكلمني إذا اختلط وذهب عقله فأخبرت المأمون بقصته وكان من قصته أن ذهب بماله وضياعه حيلة وغدرا ، فبعث إليه المأمون فجاء به وعالجه وكان قد ذهب عقله بما صنع به ، فرد عليه ماله وضياعه وصيره نديما ، فكان المأمون يتشيع لذلك والحمد لله على كل حال .

بيان : قوله " من أحلاس الخلافة " أي ممن يلازمها ويمارس لوازمها ، من الحلس بالكسر ، وهو كساء على ظهر البعير تحت البرذعة ، ويبسط في البيت تحت حر الثياب ، ويقال هو حلس بيته إذا لم يبرح مكانه .

- رجال الكشي : محمد بن مسعود ، عن أبي علي المحمودي ، عن أبيه قال : قلت لأبي الهذيل العلاف : إني أتيتك سائلا فقال أبو الهذيل : سل وأسأل الله العصمة والتوفيق فقال أبي : أليس من دينك أن العصمة والتوفيق لا يكونان من الله لك إلا بعمل تستحقه به ؟ قال أبو الهذيل : نعم ، قال : فما معنى دعائك اعمل وخذ قال له أبو الهذيل : هات سؤلك فقال له شيخي : خبرني عن قول الله عز وجل " اليوم أكملت لكم دينكم " قال أبو الهذيل : قد أكمل لنا الدين ، فقال شيخي : فخبرني إن أسألك عن مسألة لا تجدها في كتاب الله ، ولا في سنة رسول الله ولا في قول الصحابة ، ولا في حيلة فقهائهم ، ما أنت صانع ؟ فقال : هات فقال شيخي : خبرني عن عشرة كلهم عنين وقعوا في طهر واحد بامرأة ، وهم مختلف الامر ، فمنهم من وصل إلى نصف حاجته ، ومنهم من قارب حسب الامكان منه ، هل في خلق الله اليوم من يعرف حد الله في كل رجل منهم مقدار ما ارتكب من الخطيئة ؟ فيقيم عليه الحد في الدنيا ويطهره منه في الآخرة ؟ ولنعلم ما تقول في أن الدين قد أكمل لك فقال : هيهات خرج آخرها في الإمامة .

أقول : قد أوردت الاخبار المتضمنة لأحوال أصحابه في باب رد الواقفية وأبواب مناظرته ، وباب ولاية العهد ، وباب معجزاته ، وباب ما جرى بينه وبين المأمون .

العودة إلى الصفحة الرئيسية

www.mezan.net <‎/TITLE> ‎<META HTTP-EQUIV="Content-Type" CONTENT="text/html; charset=windows-1256">‎ ‎<META NAME="keywords" CONTENT=" السيد محمد حسين فضل الله في الميزان ">‎ ‎<META NAME="description" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله في كتبه ">‎ ‎<META NAME="author" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله بصوته ">‎ ‎<META NAME="copyright" CONTENT=" رأي المراجع العظام والعلماء ">‎ <‎/HEAD>