في أنه أمر بأبي الصلت أن يأتي ترابا من قبة الهارونية من أربعة جوانبها وما قال له ، ورؤيته الإمام محمد التقي  

- أمالي الصدوق ، عيون أخبار الرضا : ماجيلويه وابن المتوكل والهمداني وأحمد بن علي بن إبراهيم وابن تاتانة والمكتب والوراق جميعا ، عن علي ، عن أبيه ، عن أبي الصلت الهروي قال : بينا أنا واقف بين يدي أبي الحسن إذ قال لي : يا أبا الصلت ادخل هذه القبة التي فيها قبر هارون وائتني بتراب من أربعة جوانبها ، قال : فمضيت فأتيت به فلما مثلت بين يديه ، قال لي : ناولني هذا التراب ، وهو من عند الباب فناولته فأخذه وشمه ثم رمى به ثم قال : سيحفر لي ههنا ، فتظهر صخرة لو جمع عليها كل معول بخراسان لم يتهيأ قلعها ثم قال في الذي عند الرجل ، والذي عند الرأس مثل ذلك ثم قال : ناولني هذا التراب فهو من تربتي .

ثم قال : سيحفر لي في هذا الموضع فتأمرهم أن يحفروا إلى سبع مراقي إلى أسفل وأن تشق لي ضريحه ، فان أبوا إلا أن يلحدوا فتأمرهم أن يجعلوا اللحد ذراعين وشبرا فان الله تعالى سيوسعه ما يشاء ، وإذا فعلوا ذلك فإنك ترى عند رأسي نداوة ، فتكلم بالكلام الذي أعلمك فإنه ينبع الماء حتى يمتلئ اللحد وترى فيه حيتانا صغارا ففتت لها الخبز الذي أعطيك فإنها تلتقطه ، فإذا لم يبق منه شئ خرجت منه حوتة كبيرة فالتقطت الحيتان الصغار حتى لا يبقى منها شئ ثم تغيب فإذا غابت فضع يدك على الماء ثم تكلم بالكلام الذي أعلمك فإنه ينضب الماء ولا يبقى منه شئ ولا تفعل ذلك إلا بحضرة المأمون .

ثم قال عليه السلام : يا أبا الصلت غدا أدخل على هذا الفاجر ، فان أنا خرجت مكشوف الرأس فتكلم أكلمك ، وإن خرجت وأنا مغطى الرأس فلا تكلمني قال أبو الصلت : فلما أصبحنا من الغد لبس ثيابه ، وجلس فجعل في محرابه ينتظر ، فبينا هو كذلك إذ دخل عليه غلام المأمون ، فقال له : أجب أمير المؤمنين ، فلبس نعله ورداءه ، وقام ومشى وأنا أتبعه حتى دخل على المأمون ، وبين يديه طبق عليه عنب وأطباق فاكهة ، وبيده عنقود عنب قد أكل بعضه ، وبقي بعضه .

فلما أبصر الرضا وثب إليه فعانقه وقبل ما بين عينيه وأجلسه معه ثم ناوله العنقود ، وقال : يا ابن رسول الله ما رأيت عنبا أحسن من هذا ، فقال له الرضا : ربما كان عنبا حسنا يكون من الجنة فقال له : كل منه ، فقال له الرضا : تعفيني عنه ، فقال : لا بد من ذلك وما يمنعك منه لعلك تتهمنا بشئ فتناول العنقود فأكل منه ، ثم ناوله فأكل منه الرضا ثلاث حبات ثم رمى به وقام فقال المأمون : إلى أين ؟ فقال : إلى حيث وجهتني ، وخرج مغطى الرأس فلم أكلمه حتى دخل الدار فأمر أن يغلق الباب فغلق ثم نام على فراشه ومكثت واقفا في صحن الدار مهموما محزونا .

فبينا أنا كذلك إذ دخل علي شاب حسن الوجه ، قطط الشعر ، أشبه الناس بالرضا فبادرت إليه وقلت له : من أين دخلت والباب مغلق ؟ فقال : الذي جاء بي من المدينة في هذا الوقت هو الذي أدخلني الدار والباب مغلق ، فقلت له : ومن أنت ؟ فقال لي : أنا حجة الله عليك ، يا أبا الصلت أنا محمد بن علي .

ثم مضى نحو أبيه فدخل وأمرني بالدخول معه ، فلما نظر إليه الرضا وثب إليه فعانقه وضمه إلى صدره ، وقبل ما بين عينيه ، ثم سحبه سحبا في فراشه وأكب عليه محمد بن علي عليها السلام يقبله ويساره بشئ لم أفهمه .

ورأيت في شفتي الرضا زبدا أشد بياضا من الثلج ، ورأيت أبا جعفر يلحسه بلسانه ثم أدخل يده بين ثوبيه وصدره ، فاستخرج منه شيئا شبيها بالعصفور فابتلعه أبو جعفر ومضى الرضا فقال أبو جعفر : يا أبا الصلت قم ائتني بالمغتسل والماء من الخزانة ، فقلت : ما في الخزانة مغتسل ولا ماء ، فقال لي : انته إلى ما آمرك به ، فدخلت الخزانة فإذا فيها مغتسل وماء فأخرجته وشمرت ثيابي لأغسله معه فقال لي : تنح يا أبا الصلت فان لي من يعينني غيرك ، فغسله .

ثم قال لي : ادخل الخزانة ، فأخرج لي السفط الذي فيه كفنه وحنوطه فدخلت فإذا أنا بسفط لم أره في تلك الخزانة قط فحملته إليه فكفنه وصلى عليه ثم قال لي : ائتني بالتابوت ، فقلت : أمضي إلى النجار حتى يصلح التابوت قال : قم فان في الخزانة تابوتا فدخلت الخزانة فوجدت تابوتا لم أره قط فأتيته به فأخذ الرضا بعد ما صلى عليه فوضعه في التابوت وصف قدميه وصلى ركعتين لم يفرغ منهما حتى علا التابوت فانشق السقف ، فخرج منها التابوت ومضى .

فقلت يا ابن رسول الله الساعة يجيئنا المأمون ويطالبنا بالرضا فما نصنع ؟ فقال لي : اسكت فإنه سيعود يا أبا الصلت ما من نبي يموت بالمشرق ، ويموت وصيه بالمغرب إلا جمع الله تعالى بين أرواحهما وأجسادهما ، فما أتم الحديث حتى انشق السقف ونزل التابوت فقام فاستخرج الرضا من التابوت ووضعه على فراشه كأنه لم يغسل ولم يكفن .

ثم قال لي : يا أبا الصلت قم فافتح الباب للمأمون ففتحت الباب ، فإذا المأمون والغلمان بالباب ، فدخل باكيا حزينا قد شق جيبه ، ولطم رأسه ، وهو يقول : يا سيداه فجعت بك يا سيدي ، ثم دخل وجلس عند رأسه وقال خذوا في تجهيزه فأمر بحفر القبر ، فحفرت الموضع فظهر كل شئ على ما وصفه الرضا فقال له بعض جلسائه : ألست تزعم أنه إمام ؟ قال : بلى ، قال لا يكون إلا مقدم الناس فأمر أن يحفر له في القبلة فقلت : أمرني أن أحفر له سبع مراقي وأن أشق له ضريحه فقال : انتهوا إلى ما يأمر به أبو الصلت سوى الضريح ، ولكن يحفر له ويلحد .

فلما رأى ما ظهر من النداوة والحيتان وغير ذلك قال المأمون : لم يزل الرضا يرينا عجائبه في حياته حتى أراناها بعد وفاته أيضا فقال له وزير كان معه : أتدري ما أخبرك به الرضا ؟ قال : لا ، قال : إنه أخبرك أن ملككم يا بني العباس مع كثرتكم وطول مدتكم مثل هذه الحيتان حتى إذا فنيت آجالكم وانقطعت آثاركم ، وذهبت دولتكم ، سلط الله تعالى عليكم رجلا منا فأفناكم عن آخركم قال له : صدقت .

ثم قال لي : يا أبا الصلت علمني الكلام الذي تكلمت به ، قلت : والله لقد نسيت الكلام من ساعتي ، وقد كنت صدقت ، فأمر بحبسي ودفن الرضا فحبست سنة فضاق علي الحبس ، وسهرت الليلة ودعوت الله تعالى بدعاء ذكرت فيه محمدا وآله وسألت الله تعالى بحقهم أن يفرج عني .

فلم أستتم الدعاء حتى دخل علي أبو جعفر محمد بن علي فقال : يا أبا الصلت ضاق صدرك ، فقلت : إي والله ، قال قم فأخرجني ثم ضرب يده إلى القيود التي كانت ففكها وأخذ بيدي وأخرجني من الدار والحرسة والغلمة يرونني ، فلم يستطيعوا أن يكلموني وخرجت من باب الدار ثم قال لي : امض في ودائع الله فإنك لن تصل إليه ولا يصل إليك أبدا فقال أبو الصلت : فلم ألتق مع المأمون إلى هذا الوقت .

بيان : قوله " ربما كان عنبا " أي كثيرا ما يكون العنب عنبا حسنا يكون من الجنة ، والحاصل أن العنب الحسن إنما يكون في الجنة التي أنت محروم منها ، والسحب : الجر .

- عيون أخبار الرضا : البيهقي ، عن الصولي ، عن أبي ذكوان قال سمعت إبراهيم بن العباس قال : كانت البيعة للرضا لخمس خلون من شهر رمضان سنة إحدى ومائتين و زوجه ابنته أم حبيب في أول سنة اثنتين ومائتين ، وتوفي سنة ثلاث ومائتين بطوس والمأمون متوجه إلى العراق في رجب ، وروى لي غيره أن الرضا توفي وله تسع وأربعون سنة وستة أشهر .

والصحيح أنه توفي في شهر رمضان لتسع بقين منه يوم الجمعة سنة ثلاث و مائتين من هجرة النبي .

- عيون أخبار الرضا : الطالقاني ، عن الحسن بن علي بن زكريا ، عن محمد بن خليلان قال حدثني أبي ، عن أبيه ، عن جده ، عن عتاب بن أسيد قال : سمعت جماعة من أهل المدينة يقولون : ولد الرضا علي بن موسى بالمدينة يوم الخميس لاحدى عشرة ليلة خلت من ربيع الأول سنة ثلاث وخمسين ومائة عن الهجرة ، بعد وفاة أبي عبد الله بخمس سنين وتوفي بطوس في قرية يقال لها سناباد من رستاق نوقان ، و دفن في دار حميد بن قحطبة الطائي في القبة التي فيها هارون الرشيد إلى جانبه مما يلي القبلة ، وذلك قي شهر رمضان لتسع بقين منه سنة ثلاث ومائتين ، وقد تم عمره تسعا وأربعين سنة وستة أشهر ، منها مع أبيه موسى بن جعفر تسعا وعشرين سنة وشهرين ، وبعد أبيه أيام إمامته عشرين سنة وأربعة أشهر ، وقام عليه السلام بالأمر وله تسع وعشرون سنة وشهران .

- عيون أخبار الرضا : ذكر أبو علي الحسين بن أحمد السلامي في كتابه الذي صنفه في أخبار خراسان أن المأمون لما ندم من ولاية عهد الرضا بإشارة الفضل بن سهل ، خرج من مرو منصرفا إلى العراق واحتال على الفضل بن سهل حتى قتله غالب خال المأمون في حمام سرخس بمغافصة ، في شعبان سنة ثلاث ومائتين واحتال على علي ابن موسى الرضا حتى سم في علة كانت أصابته فمات ، وأمر بدفنه بسناباد من طوس بجنب قبر الرشيد ، وذلك في صفر سنة ثلاث ومائتين وكان ابن اثنتين وخمسين سنة ، وقيل ابن خمس وخمسين سنة .

هذا ما حكاه أبو علي الحسين بن أحمد السلامي في كتابه ، والصحيح عندي أن المأمون إنما ولاه العهد وبايع له للنذر الذي قد تقدم ذكره وأن الفضل بن سهل لم يزل معاديا ومبغضا له ، وكارها لامره لأنه كان من صنايع آل برمك ومبلغ سنين الرضا سبع وأربعون سنة ، وستة أشهر ، وكانت وفاته في سنة ثلاث ومائتين كما قد أسندته في هذا الباب .

- عيون أخبار الرضا : البيهقي ، عن الصولي ، عن عبيد الله بن عبد الله ومحمد بن موسى بن نصر الرازي ، عن أبيه والحسين بن عمر الاخباري ، عن علي بن الحسين كاتب بقاء الكبير في آخرين أن الرضا حم فعزم على الفصد فركب المأمون ، وقد كان قال لغلام له : فت هذا بيدك لشئ أخرجه من برنية ففته في صينية ثم قال كن معي ولا تغسل يدك وركب إلى الرضا وجلس حتى فصد بين يديه ، وقال عبيد الله بل أخر فصده ، وقال المأمون لذلك الغلام : هات من ذلك الرمان وكان الرمان في شجرة في بستان في دار الرضا فقطف منه ثم قال : اجلس ففته ففت منه في جام فأمر بغسله ثم قال للرضا : مص منه شيئا فقال : حتى يخرج أمير المؤمنين فقال : لا والله إلا بحضرتي ولولا خوفي أن يرطب معدتي لمصصته معك ، فمص منه ملاعق وخرج المأمون ، فما صليت العصر حتى قام الرضا خمسين مجلسا فوجه إليه المأمون قد علمت أن هذه إفاقة وفتار للفضل الذي في بدنك وزاد الامر في الليل فأصبح ميتا فكان آخر ما تكلم به " قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم وكان أمر الله قدرا مقدورا " وبكر المأمون : من الغد فأمر بغسله وتكفينه ، ومشى خلف جنازته حافيا حاسرا يقول : يا أخي لقد ثلم الاسلام بموتك ، وغلب القدر تقديري فيك ، وشق لحد الرشيد فدفنه معه ، وقال : أرجو أن ينفعه الله تبارك تعالى بقربه .

بيان : " البرنية " بفتح الباء ، وكسر النون وتشديد الياء إناء من خزف قوله : " إفاقة وفتار " يقال : فتر فتارا أي سكن بعد حدة أي هذا موجب للإفاقة وسكون الحدة والحرارة التي حصلت بسبب فضول الاخلاط في البدن ، وفي بعض النسخ " آفة وفتار للفصد الذي في يديك " أي هذه آفة حصلت بسبب فتور وضعف نشأ من الفصد .

- مناقب ابن شهرآشوب : الجلاء والشفاء عن محمد بن عبد الله ، بصائر الدرجات : أحمد بن محمد ، عن الوشاء ، عن الرضا قال : لمسافر : يا مسافر هذه القناة فيها حيتان ؟ قال : نعم جعلت فداك قال : أما إني رأيت رسول الله البارحة ، وهو يقول يا علي ما عندنا خير لك .

بيان : لعل ذكر الحيتان إشارة إلى ما ظهر في قبره منها ، أو المعنى أن علمي بموتي كعلمي بها .

- غيبة الشيخ الطوسي : محمد بن عبد الله بن الحسن الأفطس قال : كنت عند المأمون يوما ونحن على شراب حتى إذا أخذ منه الشراب مأخذه صرف ندماءه واحتبسني ثم أخرج جواريه ، وضربن وتغنين ، فقال لبعضهن : بالله لما رثيت من بطوس قاطنا فأنشأت تقول :

سقيا لطوس ومن أضحى بها قطنا    من عترة المصطفى أبقى لنا حزنا

أعني أبا حسن المأمول إن له     حقا على كل من أضحى بها شجنا

قال محمد بن عبد الله : فجعل يبكي حتى أبكاني ثم قال : ويلك يا محمد أيلومني أهل بيتي وأهل بيتك أن أنصب أبا الحسن علما والله أن لو بقي لخرجت من هذا الامر ولا جلسته مجلسي غير أنه عوجل فلعن الله عبيد الله وحمزة ابني الحسن ، فإنهما قتلاه .

ثم قال لي : يا محمد بن عبد الله والله لأحدثنك بحديث عجيب فاكتمه ، قلت : ما ذاك يا أمير المؤمنين ؟ قال : لما حملت زاهرية ببدر أتيته فقلت له : جعلت فداك بلغني أن أبا الحسن موسى بن جعفر ، وجعفر بن محمد ، ومحمد بن علي ، وعلي بن الحسين والحسين كانوا يزجرون الطير ، ولا يخطؤون ، وأنت وصي القوم ، وعندك علم ما كان عندهم ، وزاهرية حظيتي ومن لا أقدم عليها أحدا من جواري ، وقد حملت غير مرة ، كل ذلك تسقط ، فهل عندك في ذلك شئ ننتفع به ؟ فقال لا تخش من سقطها فستسلم وتلد غلاما صحيحا مسلما أشبه الناس بأمه ، قد زاده الله في خلقه مزيدتين في يده اليمنى خنصر وفي رجله اليمنى خنصر . فقلت في نفسي : هذه والله فرصة إن لم يكن الامر على ما ذكر خلعته ، فلم أزل أتوقع أمرها حتى أدركها المخاض ، فقلت للقيمة : إذا وضعت فجيئني بولدها ذكرا كان أم أنثى ، فما شعرت إلا بالقيمة وقد أتتني بالغلام كما وصفه زائد اليد والرجل ، كأنه كوكب دري فأردت أن أخرج من الامر يومئذ وأسلم ما في يدي إليه ، فلم تطاوعني نفسي ، لكن رفعت إليه الخاتم ، فقلت دبر الامر فليس عليك مني خلاف . وأنت المقدم ، وبالله أن لو فعل لفعلت .

- الخرائج : روي عن الحسن بن عباد وكان كاتب الرضا عليه السلام قال : دخلت عليه عليه السلام وقد عزم المأمون بالمسير إلى بغداد فقال : يا ابن عباد ما ندخل العراق ولا نراه ، فبكيت وقلت فآيستني أن آتي أهلي وولدي ، قال : أما أنت فستدخلها وإنما عنيت نفسي فاعتل وتوفي بقرية من قرى طوس ، وقد كان تقدم في وصيته أن يحفر قبره مما يلي الحائط بينه وبين قبر هارون ، ثلاث أذرع ، وقد كانوا حفروا ذلك الموضع لهارون فكسرت المعاول والمساحي ، فتركوه وحفروا حيث أمكن الحفر .

فقال : احفروا ذلك المكان فإنه سيلين عليكم ، وتجدون صورة سمكة من نحاس وعليها كتابة بالعبرانية ، فإذا حفرتم لحدي فعمقوه وردوها مما يلي رجلي فحفرنا ذلك المكان وكان المحافر تقع في الرمل اللين ووجدنا السمكة مكتوبا عليها بالعبرانية : " هذه روضة علي بن موسى ، وتلك حفرة هارون الجبار " فرددناها ودفناها في لحده عند موضع قاله .

- الإرشاد : كان الرضا علي بن موسى يكثر وعظ المأمون إذا خلا به ويخوفه بالله ، ويقبح له ما يركبه من خلافه ، وكان المأمون يظهر قبول ذلك منه ويبطن كراهيته واستثقاله ، ودخل الرضا يوما عليه فرآه يتوضأ للصلاة والغلام يصب الماء على يديه ، فقال : لا تشرك يا أمير المؤمنين بعبادة ربك أحدا فصرف المأمون الغلام وتولى تمام وضوء نفسه وزاد ذلك في غيظه ووجده .

وكان يزري على الفضل والحسن ابني سهل عند المأمون ، إذا ذكرهما ويصف له مساويهما وينهاه عن الاصغاء إلى قولهما ، وعرفا ذلك منه ، فجعلا يخطئان عليه عند المأمون ، ويذكران له عنده ما يبعده منه ، ويخوفانه من حمل الناس عليه فلم يزالا كذلك حتى قلبا رأيه فيه ، وعمل على قتله .

فاتفق أنه أكل هو والمأمون يوما طعاما فاعتل منه الرضا وأظهر المأمون تمارضا فذكر محمد بن علي بن حمزه ، عن منصور بن بشر ، عن أخيه عبد الله ابن بشر قال : أمرني المأمون أن أطول أظفاري على العادة ، ولا أظهر ذلك لاحد ففعلت ، ثم استدعاني فأخرج إلي شيئا يشبه التمر الهندي فقال لي : أعجن هذا بيديك جميعا ففعلت ثم قام وتركني ودخل على الرضا وقال له : ما خبرك ؟ قال : أرجو أن أكون صالحا قال له : أنا اليوم بحمد الله أيضا صالح ، فهل جاءك أحد من المترفقين في هذا اليوم ؟ قال : لا ، فغضب المأمون وصاح على غلمانه ثم قال : فخذ ماء الرمان الساعة فإنه مما لا يستغنى عنه ، ثم دعاني فقال : ائتنا برمان فأتيته به ، فقال لي : اعصر بيديك ، ففعلت وسقاه المأمون الرضا بيده وكان ذلك سبب وفاته ، فلم يلبث إلا يومين حتى مات عليه السلام . وذكر عن أبي الصلت الهروي أنه قال : دخلت على الرضا وقد خرج المأمون من عنده ، فقال لي : يا أبا الصلت قد فعلوها ، وجعل يوحد الله ويمجده .

وروي عن محمد بن الجهم أنه قال : كان الرضا عليه السلام يعجبه العنب فأخذ له منه شيئا فجعل في موضع أقماعه الإبر أياما ثم نزع وجيئ به إليه ، فأكل منه وهو في علته التي ذكرنا فقتله وذكر أن ذلك من لطيف السموم .

ولما توفي الرضا كتم المأمون موته يوما وليلة ، ثم أنفذ إلى محمد ابن جعفر الصادق وجماعة آل أبي طالب الذين كانوا عنده فلما حضروه نعاه إليهم وبكى ، وأظهر حزنا شديدا وتوجع وأراهم إياه صحيح الجسد ، وقال : يعز علي يا أخي أن أراك في هذه الحال ، قد كنت أؤمل أن أقدم قبلك ، فأبى الله إلا ما أراد .

ثم أمر بغسله وتكفينه وتحنيطه ، وخرج مع جنازته فحملها حتى أتى إلى الموضع الذي هو مدفون فيه الآن فدفنه والموضع دار حميد بن قحطبة في قرية يقال لها سناباد على دعوة من نوقان من أرض طوس ، وفيها قبر هارون الرشيد وقبر أبي الحسن بين يديه في قبلته ، ومضى الرضا ولم يترك ولدا نعلمه إلا ابنه الامام بعده أبا جعفر محمد بن علي وكان سنه يوم وفاة أبيه سبع سنين وأشهر .

بيان : في مناقب ابن شهرآشوب الإبر المسمومة ، ولعله المراد هنا ، ويحتمل أن يكون هذا خاصية ترك الإبر في العنب أياما .

ذكر أبو الفرج في المقاتل ما ذكره المفيد رحمه الله من أوله إلى آخره بأسانيد ، ثم روى بإسناده عن أبي الصلت الهروي أنه قال : دخل المأمون إلى الرضا يعوده فوجده يجود بنفسه ، فبكى وقال : أعزز علي أخي بأن أعيش ليومك ، فقد كان في بقائك أمل ، وأغلظ علي من ذلك وأشد أن الناس يقولون أني سقيتك سما وأنا إلى الله من ذلك برئ ثم خرج المأمون من عنده ومات الرضا فحضره المأمون قبل أن يحفر قبره وأمر أن يحفر له إلى جانب أبيه ثم أقبل علينا فقال : حدثني صاحب هذا النعش أنه يحفر له قبر فيظهر فيه ماء وسمك ، احفروا فخفروا ، فلما انتهوا إلى اللحد نبع ماء وظهر فيه سمك ثم غاص فدفن فيه الرضا .

- الخرائج : أحمد بن محمد ، عن معمر ، كشف الغمة : من دلائل الحميري ، عن معمر بن خلاد ، عن أبي جعفر - أو عن رجل ، عن أبي جعفر الشك من أبي علي - قال : قال أبو جعفر : يا معمر اركب قلت : إلى أين ؟ قال : اركب كما يقال لك قال : فركبت فانتهيت إلى واد - أو إلى وهدة الشك من أبي علي - فقال لي : قف ههنا فوقفت فأتاني فقلت له : جعلت فداك أين كنت ؟ قال دفنت أبي الساعة ، وكان بخراسان .

- إعلام الورى : روى محمد بن أحمد بن يحيى في كتاب نوادر الحكمة ، عن موسى ابن جعفر ، عن أمية بن علي قال : كنت بالمدينة وكنت أختلف إلى أبي جعفر وأبو الحسن بخراسان ، وكان أهل بيته وعمومة أبيه يأتونه ويسلمون عليه ، فدعا يوما الجارية فقال : قولي لهم يتهيأون للمأتم ، فلما تفرقوا قالوا : لا سألناه مأتم من ؟ فلما كان من الغد ، فعل مثل ذلك فقالوا : مأتم من ؟ قال : مأتم خير من على ظهرها ، فأتانا خبر أبي الحسن بعد ذلك بأيام فإذا هو قد مات في ذلك اليوم .

العودة إلى الصفحة الرئيسية

www.mezan.net <‎/TITLE> ‎<META HTTP-EQUIV="Content-Type" CONTENT="text/html; charset=windows-1256">‎ ‎<META NAME="keywords" CONTENT=" السيد محمد حسين فضل الله في الميزان ">‎ ‎<META NAME="description" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله في كتبه ">‎ ‎<META NAME="author" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله بصوته ">‎ ‎<META NAME="copyright" CONTENT=" رأي المراجع العظام والعلماء ">‎ <‎/HEAD>