- مناقب ابن
شهرآشوب : روى الأعمش ، والربيع وابن سنان ، وعلي بن أبي
حمزة ، و حسين بن أبي العلا ، وأبو المغرا ، وأبو بصير ،
أن داود بن علي بن عبد الله بن العباس لما قتل المعلى بن
خنيس وأخذ ماله ، قال الصادق
: قتلت مولاي ،
وأخذت مالي ، أما علمت أن الرجل ينام على الثكل ، ولا ينام
على الحرب ؟ أما والله لأدعون الله عليك . فقال له داود :
تهددنا بدعائك ؟ كالمستهزئ بقوله ، فرجع أبو عبد الله
إلى داره فلم يزل ليله كله قائما ، وقاعدا ، فبعث
إليه داود خمسة من الحرس وقال : ائتوني به ، فان أبى
فائتوني برأسه ، فدخلوا عليه وهو يصلي فقالوا له : أجب
داود ، قال : فإن لم أجب ؟ قالوا : أمرنا بأمر ، قال :
فانصرفوا فإنه هو خير لكم في دنياكم وآخرتكم ، فأبوا إلا
خروجه ، فرفع يديه فوضعهما على منكبيه ثم بسطهما ، ثم دعا
بسبابته فسمعناه يقول : الساعة الساعة ، حتى سمعنا صراخا
عاليا فقال لهم : إن صاحبكم قد مات ، فانصرفوا ! فسئل فقال
: بعث إلي ليضرب عنقي ، فدعوت عليه بالاسم الأعظم ، فبعث
الله إليه ملكا بحربة فطعنه في مذاكيره فقتله . وفي رواية
لبابة بنت عبد الله بن العباس : بات داود تلك الليلة حائرا
قد أغمي عليه ، فقمت أفتقده في الليل ، فوجدته مستلقيا على
قفاه وثعبان قد انطوى على صدره ، وجعل فاه على فيه ،
فأدخلت يدي في كمي فتناولته فعطف فاه إلي فرميت به فانساب
في ناحية البيت ، وأنبهت داود فوجدته حائرا قد احمرت عيناه
، فكرهت أن أخبره بما كان ، وجزعت عليه . ثم انصرفت فوجدت
ذلك الثعبان كذلك ، ففعلت به مثل الذي فعلت المرة الأولى ،
وحركت داود فأصبته ميتا ، فما رفع جعفر رأسه من سجوده حتى سمع الواعية .
بيان : الحرب بالتحريك
نهب مال الانسان ، وتركه بلا شئ .
- مناقب ابن شهرآشوب
: قال الربيع الحاجب : أخبرت الصادق بقول المنصور :
لأقتلنك ولأقتلن أهلك حتى لا أبقي على الأرض منكم قامة سوط
، ولأخربن المدينة حتى لا أترك فيها جدارا قائما فقال : لا
ترع من كلامه ، ودعه في طغيانه ، فلما صار بين السترين
سمعت المنصور يقول : أدخلوه إلي سريعا ، فأدخلته عليه فقال
: مرحبا بابن العم النسيب ، وبالسيد القريب ، ثم أخذ بيده
، وأجلسه على سريره وأقبل عليه ، ثم قال : أتدري لم بعثت
إليك ؟ فقال : وأنى لي علم بالغيب ! ؟ فقال : أرسلت إليك
لتفرق هذه الدنانير في أهلك ، وهي عشرة آلاف دينار ، فقال
: ولها غيري فقال : أقسمت عليك يا أبا عبد الله لتفرقها
على فقراء أهلك ، ثم عانقه بيده وأجازه وخلع عليه وقال لي
: يا ربيع أصحبه قوما يردونه إلى المدينة قال : فلما خرج
أبو عبد الله
قلت له : يا أمير المؤمنين لقد
كنت من أشد الناس عليه غيظا فما الذي أرضاك عنه ؟ ! قال :
يا ربيع لما حضرت الباب رأيت تنينا عظيما يقرض بأنيابه وهو
يقول بألسنة الآدميين : إن أنت أشكت ابن رسول الله لأفصلن
لحمك من عظمك ، فأفزعني ذلك ، وفعلت به ما رأيت .
ايضاح : القرض بالمعجمة والمهملة القطع ، والقبض ، وأشكت
أي أدخلت الشوكة في جسمه ، مبالغة في تعميم أنواع الضرر .
- مناقب ابن شهرآشوب : في الترغيب والترهيب عن أبي
القاسم الأصفهاني والعقد عن ابن عبد ربه الأندلسي أن
المنصور قال لما رآه : قتلني الله إن لم أقتلك فقال له :
إن سليمان أعطي فشكر ، وإن أيوب ابتلي فصبر ، وإن يوسف ظلم
فغفر ، وأنت على إرث منهم ، وأحق بمن تأسى بهم ، فقال :
إلي يا أبا عبد الله ، فأنت القريب القرابة ،
وذو الرحم الواشجة ، السليم الناحية ، القليل الغائلة ، ثم
صافحه بيمينه وعانقه بشماله ، وأمر له بكسوة وجائزة .
وفي
خبر آخر عن الربيع أنه أجلسه إلى جانبه فقال له : ارفع
حوائجك فأخرج رقاعا لأقوام ، فقال المنصور : ارفع حوائجك
في نفسك فقال : لا تدعوني حتى أجيئك فقال : ما إلى ذلك
سبيل .
بيان : وشجت العروق والأغصان اشتبكت .
-
مناقب ابن شهرآشوب : الحسين بن محمد قال : سخط علي بن
هبيرة على رفيد فعاذ بأبي عبد الله
فقال له :
انصرف إليه واقرأه مني السلام وقل له : إني أجرت عليك
مولاك رفيدا ، فلا تهجه بسوء ، فقال : جعلت فداك ، شامي
خبيث الرأي ! ! فقال : اذهب إليه كما أقول لك ، قال :
فاستقبلني أعرابي ببعض البوادي فقال : أين تذهب ؟ إني أرى
وجه مقتول ، ثم قال لي : أخرج يدك ، ففعلت ، فقال : يد
مقتول ثم قال لي : أخرج لسانك ففعلت فقال : امض ، فلا بأس
عليك ، فإن في لسانك رسالة لو أتيت بها الجبال الرواسي
لانقادت لك قال : فجئت فلما دخلت عليه أمر بقتلي ، فقلت :
أيها الأمير لم تظفر بي عنوة ، وإنما جئتك من ذات نفسي ،
وههنا أمر أذكره لك ، ثم أنت وشأنك ، فأمر من حضر فخرجوا
فقلت له : مولاك جعفر بن محمد يقرئك السلام ويقول لك : قد
أجرت عليك مولاك رفيدا فلا تهجه بسوء فقال : الله لقد قال
لك جعفر هذه المقالة ؟ وأقرأني السلام ؟ فحلفت فرددها علي
ثلاثا ، ثم حل كتافي ثم قال : لا يقنعني منك حتى تفعل بي
ما فعلت بك قلت : ما تكتف يدي يديك ، ولا تطيب نفسي فقال :
والله ما يقنعني إلا ذلك ، ففعلت كما فعل ، وأطلقته ،
فناولني خاتمه وقال : أمري في يدك فدبر فيها ما شئت .
التمس محمد بن سعيد من الصادق رقعة إلى محمد بن [ أبي حمزة
] الثمالي في تأخير خراجه فقال
: قل له : سمعت
جعفر بن محمد يقول : من أكرم لنا مواليا فبكرامة الله
تعالى بدا ، ومن أهانه فلسخط الله تعرض ، ومن أحسن إلى
شيعتنا فقد أحسن إلى أمير المؤمنين ، ومن
أحسن إلى أمير المؤمنين فقد أحسن إلى رسول الله ، ومن أحسن
إلى رسول الله فقد أحسن إلى الله ومن أحسن إلى الله كان
والله معنا في الرفيع الأعلى قال : فأتيته وذكرته فقال :
بالله سمعت هذا الحديث من الصادق
؟ فقلت : نعم
فقال : اجلس ثم قال : يا غلام ما على محمد بن سعيد من
الخراج ؟ قال : ستون ألف درهم قال : امح اسمه من الديوان ،
وأعطاني بدرة وجارية وبغلة بسرجها ولجامها ، قال : فأتيت
أبا عبد الله فلما نظر إلي تبسم فقال : يا أبا محمد تحدثني
أو أحدثك ؟ فقلت : يا ابن رسول الله منك أحسن فحدثني والله
الحديث كأنه حاضر معي .
محمد بن سنان ، عن المفضل بن
عمر : أن المنصور قد كان هم بقتل أبي عبد الله
غير مرة فكان إذا بعث إليه ودعاه ليقتله ، فإذا نظر إليه
هابه ولم يقتله غير أنه منع الناس عنه ، ومنعه من القعود
للناس ، واستقصى عليه أشد الاستقصاء حتى أنه كان يقع
لأحدهم مسألة في دينه ، في نكاح أو طلاق أو غير ذلك فلا
يكون علم ذلك عندهم ، ولا يصلون إليه فيعتزل الرجل وأهله ،
فشق ذلك على شيعته وصعب عليهم حتى ألقى الله عز وجل في روع
المنصور أن يسأل الصادق
ليتحفه بشئ من عنده ،
لا يكون لاحد مثله ، فبعث إليه بمخصرة كانت للنبي
طولها ذراع ، ففرح بها فرحا شديدا ، وأمر أن تشق
له أربعة أرباع وقسمها في أربعة مواضع ، ثم قال له : ما
جزاؤك عندي إلا أن أطلق لك ، وتفشي علمك لشيعتك ولا أتعرض
لك ، ولا لهم ، فاقعد غير محتشم وافت الناس ، ولا تكن في
بلد أنا فيه ، ففشى العلم عن الصادق
.
بيان : في
القاموس المخصرة كمكنسة ما يتوكأ عليها ،
كالعصا ونحوه وما يأخذه الملك يشير به إذا خاطب ، والخطيب
إذا خطب .
روى البرسي في مشارق
الأنوار عن أبي بصير قال : قال أبو عبد الله
إن المعلى بن خنيس ينال درجتنا ، وإن المدينة من
قابل يليها داود بن عروة ، ويستدعيه ويأمره أن يكتب له
أسماء شيعتنا فيأبى فيقتله ويصلبه فينا ، وبذلك ينال
درجتنا ، فلما ولي داود المدينة من قابل أحضر المعلى وسأله
عن الشيعة فقال : ما أعرفهم فقال : اكتبهم لي وإلا ضربت
عنقك فقال : بالقتل تهددني ؟ ! والله لو كانت تحت أقدامي
ما رفعتها عنهم ، فأمر بضرب عنقه وصلبه ، فلما دخل عليه
الصادق
قال : يا داود قتلت مولاي ووكيلي ، وما
كفاك القتل حتى صلبته ، والله لأدعون الله عليك ليقتلك كما
قتلته ، فقال له داود : تهددني بدعائك ادع الله لك فإذ
استجاب لك فادعه علي فخرج أبو عبد الله
مغضبا
فلما جن الليل اغتسل واستقبل القبلة ثم قال : يا ذا يا ذي
يا ذوا إرم داود بسهم من سهامك ، تقلقل به قلبه ثم قال
لغلامه : اخرج واسمع الصائح فجاء الخبر أن داود قد هلك ،
فخر الامام ساجدا وقال : إنه لقد دعوت الله عليه بثلاث
كلمات لو أقسمت على أهل الأرض لزلزلت بمن عليها . |