في أن المنصور استدعى قوما من الأعاجم لما أراد قتل أبي عبد الله ، وما فعلوا

قال : وروي أن المنصور لما أراد قتل أبي عبد الله استدعى قوما من الأعاجم لا يفهمون ولا يعقلون ، فخلع عليهم الديباج والوشي ، وحمل إليهم الأموال ، ثم استدعاهم وكانوا مائة رجل وقال للترجمان : قل لهم : إن لي عدوا يدخل علي الليلة فاقتلوه إذا دخل ، قال : فأخذوا أسلحتهم ووقفوا متمثلين لامره فاستدعى جعفرا وأمره أن يدخل وحده ، ثم قال للترجمان : قل لهم : هذا عدوي فقطعوه فلما دخل تعاووا عوى الكلب ، ورموا أسلحتهم ، وكتفوا أيديهم إلى ظهورهم وخروا له سجدا ومرغوا وجوههم على التراب ، فلما رأى المنصور ذلك خاف على نفسه وقال : ما جاء بك ؟ قال : أنت ، وما جئتك إلا مغتسلا محنطا ، فقال المنصور : معاذ الله أن يكون ما تزعم ارجع راشدا فرجع جعفر والقوم على وجوههم سجدا فقال للترجمان : قل لهم : لم لا قتلتم عدو الملك ؟ فقالوا : نقتل ولينا الذي يلقانا كل يوم ويدبر أمرنا كما يدبر الرجل ولده ، ولا نعرف وليا سواه ؟ فخاف المنصور من قولهم ، وسرحهم تحت الليل ثم قتله بالسم .

- كشف الغمة : من كتاب محمد بن طلحة قال : حدث عبد الله بن الفضل بن الربيع ، عن أبيه قال : حج المنصور سنة سبع وأربعين ومائة فقدم المدينة وقال للربيع : ابعث إلى جعفر بن محمد من يأتينا به متعبا ، قتلني الله إن لم أقتله ، فتغافل الربيع عنه لينساه ، ثم أعاد ذكره للربيع وقال : ابعث من يأتي به متعبا ، فتغافل عنه ، ثم أرسل إلى الربيع رسالة قبيحة أغلظ عليه فيها ، وأمره أن يبعث من يحضر جعفرا ، ففعل ، فلما أتاه قال له الربيع : يا أبا عبد الله أذكر الله فإنه قد أرسل إليك بما لا دافع له غير الله ، فقال جعفر : لا حول ولا قوة إلا بالله .

ثم إن الربيع أعلم المنصور بحضوره ، فلما دخل جعفر عليه أوعده وأغلظ وقال : أي عدو الله أتخذك أهل العراق إماما ، يبعثون إليك زكاة أموالهم ، وتلحد في سلطاني ، وتبغيه الغوائل ، قتلني الله إن لم أقتلك ، فقال له : يا أمير المؤمنين إن سليمان أعطي فشكر ، وإن أيوب ابتلي فصبر ، وإن يوسف ظلم فغفر ، وأنت من ذلك السنخ ، فلما سمع المنصور ذلك منه قال له : إلي وعندي أبا عبد الله أنت البرئ الساحة ، السليم الناحية ، القليل الغائلة ، جزاك الله من ذي رحم ، أفضل ما جزى ذوي الأرحام عن أرحامهم ، ثم تناول يده فأجلسه معه على فرشه ، ثم قال : علي بالطيب ، فاتي بالغالية فجعل يغلف لحية جعفر بيده ، حتى تركها تقطر ، ثم قال : قم في حفظ الله وكلاءته ثم قال : يا ربيع الحق أبا عبد الله جائزته ، وكسوته ، انصرف أبا عبد الله في حفظه وكنفه ، فانصرف .

قال الربيع : ولحقته فقلت : إني قد رأيت قبلك ما لم تره ، ورأيت بعدك ما لا رأيته ، فما قلت يا أبا عبد الله حين دخلت ؟ قال : قلت : " اللهم احرسني بعينك التي لا تنام واكنفني بركنك الذي لا يرام ، واغفر لي بقدرتك علي ولا أهلك وأنت رجائي ، اللهم أنت أكبر وأجل مما أخاف وأحذر ، اللهم بك أدفع في نحره ، وأستعيذ بك من شره ، ففعل الله بي ما رأيت .

توضيح : قال الجزري فيه كنت أغلف لحية رسول الله بالغالية أي ألطخها به وأكثر ، والغالية ضرب مركب من الطيب .

- كشف الغمة : من كتاب الدلائل للحميري عن رزام بن مسلم مولى خالد بن عبد الله القسري قال : إن المنصور قال لحاجبه : إذا دخل علي جعفر بن محمد فاقتله ، قبل أن يصل إلي ، فدخل أبو عبد الله فجلس ، فأرسل إلى الحاجب فدعاه ، فنظر إليه وجعفر قاعد ، قال : ثم قال : عد إلى مكانك ، قال : وأقبل يضرب يده على يده ، فلما قام أبو عبد الله وخرج دعا حاجبه ، فقال : بأي شئ أمرتك ؟ قال : لا والله ما رأيته حين دخل ، ولا حين خرج ، ولا رأيته إلا وهو قاعد عندك .

وعن عبد الله بن أبي ليلى قال : كنت بالربذة مع المنصور وكان قد وجه إلى أبي عبد الله فاتي به ، وبعث إلي المنصور فدعاني ، فلما انتهيت إلى الباب سمعته يقول : عجلوا ! علي به ، قتلني إن لم أقتله ، سقى الله الأرض من دمي إن لم أسق الأرض من دمه ، فسألت الحاجب من يعني ؟ قال : جعفر بن محمد عليه السلام فإذا هو قد اتي به مع عدة جلاوزة ، فلما انتهى إلى الباب قبل أن يرفع الستر رأيته قد تململت شفتاه عند رفع الستر ، فدخل ، فلما نظر إليه المنصور قال : مرحبا يا ابن عم ، مرحبا يا ابن رسول الله ، فما زال يرفعه حتى أجلسه على وسادته ثم دعا بالطعام ، فرفعت رأسي وأقبلت أنظر إليه ويلقمه جديا باردا ، وقضى حوائجه ، وأمره بالانصراف ، فلما خرج قلت له : قد عرفت موالاتي لك وما قد ابتليت به في دخولي عليهم ، وقد سمعت كلام الرجل وما كان يقول ، فلما صرت إلى الباب رأيتك قد تململت شفتاك وما أشك أنه شئ قلته ، ورأيت ما صنع بك ، فإن رأيت أن تعلمني ذلك فأقوله إذا دخلت عليه ، قال : نعم ، قلت : " ما شاء الله ما شاء الله ، لا يأتي بالخير إلا الله ما شاء الله ، ما شاء الله لا يصرف السوء إلا الله ما شاء الله ما شاء الله كل نعمة فمن الله ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله " .

وقال الآبي : قال للصادق أبو جعفر المنصور : إني قد عزمت على أن أخرب المدينة ولا أدع بها نافخ ضرمة ، فقال : يا أمير المؤمنين لا أجد بدا من النصاحة لك فاقبلها إن شئت أو لا ، قال : قل ، قال : إنه قد مضى لك ثلاثة أسلاف أيوب ابتلي فصبر ، وسليمان أعطي فشكر ويوسف قدر فغفر ، فاقتد بأيهم شئت قال : قد عفوت .

وقال : وقف أهل مكة وأهل المدينة بباب المنصور ، فأذن الربيع لأهل مكة قبل أهل المدينة فقال جعفر : أتأذن لأهل مكة قبل أهل المدينة ؟ فقال الربيع : مكة العش فقال جعفر : عش والله طار خياره وبقي شراره .

وقيل له : إن أبا جعفر المنصور لا يلبس منذ صارت الخلافة إليه إلا الخشن ولا يأكل إلا الجشب فقال : يا ويحه مع ما قد مكن الله له من السلطان وجبي إليه من الأموال ، فقيل : إنما يفعل ذلك بخلا وجمعا للأموال ، فقال : الحمد لله الذي حرمه من دنياه ما له ترك دينه .

وقال ابن حمدون : كتب المنصور إلى جعفر بن محمد : لم لا تغشانا كما يغشانا سائر الناس ؟ فأجابه : ليس لنا ما نخافك من أجله ، ولا عندك من أمر الآخرة ما نرجوك له ، ولا أنت في نعمة فنهنئك ، ولا تراها نقمة فنعزيك بها ، فما نصنع عندك ! ؟ قال : فكتب إليه : تصحبنا لتنصحنا فأجابه : من أراد الدنيا لا ينصحك ومن أراد الآخرة لا يصحبك ، فقال المنصور : والله لقد ميز عندي منازل الناس ، من يريد الدنيا ممن يريد الآخرة ، وإنه ممن يريد الآخرة لا الدنيا .

- رجال الكشي : صدقة بن حماد ، عن سهل ، عن موسى بن سلام ، عن الحكم ابن مسكين ، عن عيص بن القاسم ، قال : دخلت على أبي عبد الله مع خالي سليمان بن خالد فقال لخالي : من هذا الفتى ؟ قال : هذا ابن أختي قال : فيعرف أمركم ؟ فقال له : نعم ، فقال : الحمد لله الذي لم يجعله شيطانا ، ثم قال : يا ليتني وإياكم بالطائف ، أحدثكم وتؤنسوني ، وأضمن لهم أن لا نخرج عليهم أبدا .

- رجال الكشي : علي بن الحكم ، عن منصور بن يونس ، عن عنبسة قال : سمعت أبا عبد الله يقول : أشكوا إلى الله وحدتي ، وتقلقلي من أهل المدينة ، حتى تقدموا وأراكم وأسر بكم ، فليت هذه الطاغية أذن لي فاتخذت قصرا فسكنته ، و أسكنتكم معي ، وأضمن له أن لا يجئ من ناحيتنا مكروه أبدا .

العودة إلى الصفحة الرئيسية

www.mezan.net <‎/TITLE> ‎<META HTTP-EQUIV="Content-Type" CONTENT="text/html; charset=windows-1256">‎ ‎<META NAME="keywords" CONTENT=" السيد محمد حسين فضل الله في الميزان ">‎ ‎<META NAME="description" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله في كتبه ">‎ ‎<META NAME="author" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله بصوته ">‎ ‎<META NAME="copyright" CONTENT=" رأي المراجع العظام والعلماء ">‎ <‎/HEAD>