في سؤال الكلبي النسابة عنه  من رجل قال لامرأته : أنت طالق عدد نجوم السماء ، والمسح على الخفين ، وأكل الجري ، وشرب النبيذ

- الكافي : الحسين بن محمد ، عن المعلى ، عن محمد بن علي بن سماعة ، عن الكلبي النسابة قال : دخلت المدينة ، ولست أعرف شيئا من هذا الامر ، فأتيت المسجد ، فإذا جماعة من قريش فقلت : أخبروني عن عالم أهل هذا البيت ، فقالوا : عبد الله بن الحسن فأتيت منزله فاستأذنت فخرج إلي رجل ظننت أنه غلام له ، فقلت له : استأذن لي على مولاك ، فدخل ثم خرج ، فقال لي : ادخل فدخلت فإذا أنا بشيخ معتكف شديد الاجتهاد ، فسلمت عليه فقال لي : من أنت ؟ فقلت : أنا الكلبي النسابة فقال : ما حاجتك ؟ فقلت : جئت أسألك فقال : أمررت بابني محمد ؟ قلت : بدأت بك فقال : سل ! قلت : أخبرني عن رجل قال لامرأته : " أنت طالق عدد نجوم السماء " فقال : تبين برأس الجوزاء ، والباقي وزر عليه وعقوبة فقلت في نفسي : واحدة فقلت : ما يقول الشيخ في المسح على الخفين فقال : قد مسح قوم صالحون ، ونحن أهل بيت لا نمسح فقلت في نفسي : ثنتان فقلت : ما تقول في أكل الجري أحلال هو أم حرام ، فقال : حلال إلا أنا أهل البيت نعافه ، فقلت في نفسي : ثلاث ، فقلت : وما تقول في شرب النبيذ ؟ فقال : حلال إلا أنا أهل البيت لا نشربه ، فقمت فخرجت من عنده وأنا أقول : هذه العصابة تكذب على أهل هذا البيت ، فدخلت المسجد فنظرت إلى جماعة من قريش وغيرهم من الناس ، فسلمت عليهم ثم قلت لهم : من أعلم أهل هذا البيت فقالوا : عبد الله بن الحسن ، فقلت : قد أتيته فلم أجد عنده شيئا ، فرفع رجل من القوم رأسه لقال : ائت جعفر بن محمد عليهما السلام فهو عالم أهل هذا البيت ، فلامه بعض من كان بالحضرة . فقلت : إن القوم إنما منعهم من إرشادي إليه أول مرة الحسد ، فقلت له : ويحك إياه أردت فمضيت حتى صرت إلى منزله فقرعت الباب ، فخرج غلام له فقال : ادخل يا أخا كلب ، فوالله لقد أدهشني ، فدخلت وأنا مضطرب ونظرت فإذا بشيخ على مصلى ، بلا مرفقة ولا بردعة ، فابتدأني بعد أن سلمت عليه فقال لي : من أنت ؟ فقلت في نفسي : يا سبحان الله غلامه يقول لي بالباب : ادخل يا أخا كلب ويسألني المولى : من أنت ! ! فقلت له : أنا الكلبي النسابة ، فضرب بيده على جبهته وقال : كذب العادلون بالله وضلوا ضلالا بعيدا ، قد خسروا خسرانا مبينا ، يا أخا كلب إن الله عز وجل يقول : " وعادا وثمود وأصحاب الرس وقرونا بين ذلك كثيرا " أفتنسبها أنت ؟ فقلت : لا جعلت فداك ، فقال لي : أفتنسب نفسك ؟ قلت : نعم أنا فلان بن فلان بن فلان ، حتى ارتفعت فقال لي : قف ليس حيث تذهب ، ويحك أتدري من فلان بن فلان ؟ قلت : نعم فلان بن فلان قال : إن فلان بن فلان الراعي الكردي إنما كان فلان الكردي الراعي على جبل آل فلان ، فنزل إلى فلانة امرأة فلان من جبله الذي كان يرعى غنمه عليه ، فأطعمها شيئا وغشيها ، فولدت فلانا فلان بن فلان من فلانة وفلان بن فلان . ثم قال : أتعرف هذه الأسامي ؟ قلت : لا والله جعلت فداك ، فإن رأيت أن تكف عن هذا فعلت فقال : إنما قلت فقلت ، فقلت : إني لا أعود قال : لا نعود إذا ، واسأل عما جئت له فقلت له : أخبرني عن رجل قال لامرأته أنت طالق عدد النجوم فقال : ويحك أما تقرأ سورة الطلاق ؟ ! قلت : بلى قال : فاقرأ فقرأت " فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة "  .

قال : أترى ههنا نجوم السماء ؟ قلت لا ، قلت : فرجل قال لامرأته أنت طالق ثلاثا قال : ترد إلى كتاب الله وسنة نبيه ثم قال : لا طلاق إلا على طهر من غير جماع ، بشاهدين مقبولين ، فقلت في نفسي : واحدة ثم قال : سل فقلت : ما تقول في المسح على الخفين ؟ فتبسم ثم قال : إذا كان يوم القيامة ، ورد الله كل شئ إلى شيئه ، ورد الجلد إلى الغنم ، فترى أصحاب المسح أين يذهب وضوؤهم ؟ ! فقلت في نفسي : ثنتان .

ثم التفت إلي .

فقال : سل فقلت : أخبرني عن أكل الجري ؟ فقال : إن الله عز وجل مسخ طائفة من بني إسرائيل فما أخذ منهم بحرا فهو الجري والزمار والمار - ما هي وما سوى ذلك ، وما أخذ منهم برا فالقردة ، والخنازير ، والوبر ، والورل وما سوى ذلك ، فقلت في نفسي : ثلاث ثم التفت إلي وقال : سل وقم فقلت : ما تقول في النبيذ ؟ فقال : حلال فقلت : إنا ننبذ فنطرح فيه العكر وما سوى ذلك ، ونشربه فقال : شه شه ، تلك الخمرة المنتنة فقلت : جعلت فداك فأي نبيذ تعني ؟ فقال : إن أهل المدينة شكوا إلى رسول الله تغير الماء ، وفساد طبائعهم ، فأمرهم أن ينبذوا ، فكان الرجل يأمر خادمه أن ينبذ له ، فيعمد إلى كف من التمر فيقذف به في الشن فمنه شربه ومنه طهوره .

فقلت : وكم كان عدد التمر الذي في الكف ؟ فقال : ما حمل الكف ، فقلت : واحدة وثنتان ؟ فقال : ربما كانت واحدة ، وربما كانت ثنتين ، فقلت : وكم كان يسع الشن ؟ فقال : ما بين الأربعين إلى الثمانين إلى ما فوق ذلك فقلت بالأرطال ؟ فقال : نعم أرطال بمكيال العراق قال سماعة : قال الكلبي : ثم نهض فقمت فخرجت وأنا أضرب بيدي على الأخرى ، وأنا أقول : إن كان شئ فهذا ، فلم يزل الكلبي يدين الله بحب أهل هذا البيت حتى مات .

توضيح : المرفقة بالكسر المخدة ، والبرذعة الحلس الذي يلقى تحت الرحل والوبر بسكون الباء ، دويبة على قدر السنور غبراء أو بيضاء ، والورل محركة دابة كالضب ، والعكر : دردي الزيت وغيره ، وشاه وجهه شوها قبح وشاهه يشيهه عابه .

- التهذيب : محمد بن يعقوب ، عن علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن محمد بن مسلم ، والحسين بن محمد ، عن عبد الله بن عامر ، عن علي بن مهزيار ، عن فضالة بن أيوب ، عن أحمد بن سليمان جميعا ، عن قرة مولى خالد قال : صاح أهل المدينة إلى محمد بن خالد في الاستسقاء فقال لي : انطلق إلى أبي عبد الله فسله ما رأيك ؟ فان هؤلاء قد صاحوا إلي ، فأتيته فقلت له ما قال لي فقال لي : قل له : فليخرج ! قلت له : متى يخرج جعلت فداك ؟ قال : يوم الاثنين قلت له : كيف يصنع ؟ قال : يخرج المنبر ثم يخرج يمشي كما يخرج يوم العيدين ، وبين يديه المؤذنون في أيديهم عنزهم حتى إذا انتهى إلى المصلى صلى بالناس ركعتين بغير أذان ولا إقامة ثم يصعد المنبر فيقلب رداءه ، فيجعل الذي على يمينه على يساره والذي علي يساره على يمينه ، ثم يستقبل القبلة ، فيكبر الله مائة تكبيرة ، رافعا بها صوته ، ثم يلتفت إلى الناس عن يمينه ، فيسبح الله مائة تسبيحة رافعا بها صوته ثم يلتفت إلى الناس عن يساره فيهلل الله مائة تهليلة رافعا بها صوته ، ثم يستقبل الناس فيحمد الله مائة تحميدة ، ثم يرفع يديه فيدعو ، ثم يدعون ، فاني لأرجو أن لا يخيبوا ، قال : ففعل ، فلما رجعنا قالوا : هذا من تعليم جعفر ، وفي رواية يونس : فما رجعنا حتى أهمتنا أنفسنا .

- الكافي : الحسين بن محمد ، عن علي بن محمد ، عن الحسن بن علي أو غيره عن حماد بن عثمان قال : كان بمكة رجل مولى لبني أمية يقال له : ابن أبي عوانة له عباءة وكان إذا دخل إلى مكة أبو عبد الله أو أحد من أشياخ آل محمد يعبث به ، وإنه أتى أبا عبد الله وهو في الطواف فقال : يا أبا عبد الله ! ما تقول في استلام الحجر ؟ فقال : استلمه رسول الله .

فقال : ما أراك استلمته قال : أكره أن أوذي ضعيفا أو أتأذى قال : فقال : قد زعمت أن رسول الله استلمه قال : نعم ، ولكن كان رسول الله إذا رأوه عرفوا له حقه ، وأنا فلا يعرفون لي حقي .

- الكافي : علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هارون بن مسلم ، عن مسعدة ابن صدقة قال : دخل سفيان الثوري على أبي عبد الله فرأى عليه ثياب بياض ، كأنها غرقئ البيض فقال له : إن هذا اللباس ليس من لباسك فقال له : اسمع مني وع ما أقول لك ، فإنه خير لك عاجلا وآجلا إن أنت مت على السنة والحق ، ولم تمت على بدعة ، أخبرك أن رسول الله كان في زمان مقفر جدب ، فأما إذا أقبلت الدنيا ، فأحق أهلها بها أبرارها ، لا فجارها ، ومؤمنوها ، لا منافقوها ، ومسلموها لا كفارها ، فما أنكرت يا ثوري ؟ ! فوالله إنني لمع ما ترى ، ما أتى علي مذ عقلت صباح ولا مساء ، ولله في مالي حق أمرني أضعه موضعا إلا وضعته ، قال : وأتاه قوم ممن يظهرون التزهد ويدعون الناس أن يكونوا معهم على مثل الذي هم عليه من التقشف فقالوا له : إن صاحبنا حصر عن كلامك ، ولم يحضره حججه فقال لهم : فهاتوا حججكم ! فقالوا له : إن حججنا من كتاب الله فقال لهم فأدلوا بها فإنها أحق ما اتبع وعمل به .

فقالوا : يقول الله تبارك وتعالى ، مخبرا عن قوم من أصحاب النبي : " ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون " فمدح فعلهم .

وقال في موضع آخر " ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا " فنحن نكتفي بهذا ، فقال رجل من الجلساء : إنا رأيناكم تزهدون في الأطعمة الطيبة ومع ذلك تأمرون الناس بالخروج من أموالهم حتى تمتعوا أنتم منها ، فقال له أبو عبد الله : دعوا عنكم ما لانتفع به ، أخبروني أيها النفر ألكم علم بناسخ القرآن من منسوخه ، ومحكمه من متشابهه الذي في مثله ضل من ضل ، وهلك من هلك من هذه الأمة ؟ فقالوا له : أو بعضه .

فأما كله فلا ، فقال لهم : فمن ههنا اتيتم وكذلك أحاديث رسول الله ، فأما ما ذكرتم من إخبار الله عز وجل إيانا في كتابه عن القوم الذين أخبر عنهم بحسن فعالهم ، فقد كان مباحا جائزا ، ولم يكونوا نهوا عنه ، وثوابهم منه على الله عز وجل ، وذلك أن الله جل وتقدس أمر بخلاف ما عملوا به ، فصار أمره ناسخا لفعلهم ، وكان نهي الله تبارك وتعالى رحمة منه للمؤمنين ونظرا ، لكي لا يضروا بأنفسهم وعيالاتهم ، منهم الضعفة الصغار ، والولدان ، والشيخ الفاني ، والعجوزة الكبيرة ، الذين لا يصبرون على الجوع ، فان تصدقت برغيفي ولا رغيف لي غيره ضاعوا وهلكوا جوعا ، فمن ثم قال رسول الله : خمس تمرات أو خمس قرص ، أو دنانير أو درهم يملكها الانسان وهو يريد أن يمضيها ، فأفضلها ما أنفقه الانسان على والديه ، ثم الثانية على نفسه وعياله ، ثم الثالثة على قرابته الفقراء ، ثم الرابعة على جيرانه الفقراء ، ثم الخامسة في سبيل الله ، وهو أحسنها أجرا . وقال للأنصاري حين أعتق عند موته خمسة أو ستة من الرقيق ، ولم يكن يملك غيرهم وله أولاد صغار : لو أعلمتموني أمره ما تركتكم تدفنوه مع المسلمين يترك صبيته صغارا يتكففون الناس ! .

ثم قال : حدثني أبي أن رسول الله قال : ابدأ بمن تعول الأدنى فالأدنى ثم هذا ما نطق به الكتاب ردا لقولكم ، ونهيا عنه مفروضا من الله العزيز الحكيم قال : " والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما " أفلا ترون أن الله تبارك وتعالى قال غير ما أراكم تدعون الناس إليه من الأثرة على أنفسهم و سمى من فعل ما تدعون إليه مسرفا ، وفي غير آية من كتاب الله يقول : " إنه لا يحب المسرفين " فنهاهم عن الاسراف ، ونهاهم عن التقتير ، لكن أمر بين الامرين لا يعطي جميع ما عنده ثم يدعو الله أن يرزقه فلا يستجيب له للحديث الذي جاء عن النبي إن أصنافا من أمتي لا يستجاب لهم دعاؤهم : رجل يدعو على والديه ، ورجل يدعو على غريم ذهب له بمال ، فلم يكتب عليه ، ولم يشهد عليه ، ورجل يدعو على امرأته ، وقد جعل الله عز وجل تخلية سبيلها بيده ، و رجل يقعد في بيته ويقول : رب ارزقني ولا يخرج ، ولا يطلب الرزق ، فيقول الله عز وجل له : عبدي ألم أجعل لك السبيل إلى الطلب والضرب في الأرض بجوارح صحيحة ، فتكون قد أعذرت فيما بيني وبينك في الطلب لاتباع أمري ولكيلا تكون كلا على أهلك فإن شئت رزقتك وإن شئت قترت عليك ، وأنت معذور عندي .

ورجل رزقه الله عز وجل مالا كثيرا فأنفقه ، ثم أقبل يدعو يا رب ارزقني فيقول الله عز وجل : ألم أرزقك رزقا واسعا ؟ فهلا اقتصدت فيه كما أمرتك ، ولم تسرف ، وقد نهيتك عن الاسراف ، ورجل يدعو في قطيعة رحم ، ثم علم الله عز وجل اسمه نبيه كيف ينفق ، وذلك إنه كانت عنده أوقية من الذهب فكره أن تبيت عنده ، فتصدق بها ، فأصبح وليس عنده شئ ، وجاءه من يسأله ، فلم يكن عنده ما يعطيه ، فلامه السائل ، واغتم هو حيث لم يكن عنده ما يعطيه وكان رحيما رقيقا فأدب الله عز وجل نبيه بأمره فقال : " ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا " يقول : إن الناس قد يسألونك ، ولا يعذرونك فإذا أعطيت جميع ما عندك من المال كنت قد حسرت من المال فهذه أحاديث رسول الله يصدقها الكتاب والكتاب يصدقه أهله من المؤمنين ، و قال أبو بكر عند موته ، حيث قيل له : أوص ، فقال : أوصي بالخمس ، والخمس كثير ، فإن الله عز وجل قد رضي بالخمس ، فأوصى بالخمس ، وقد جعل الله عز وجل له الثلث عند موته ، ولو علم أن الثلث خير له أوصى بها ، ثم من قد علمتم بعده في فضله وزهده سلمان - رض - وأبو ذر - ره - .

فأما سلمان فكان إذا أخذ عطاءه رفع منه قوته لسنته ، حتى يحضر عطاؤه من قابل فقيل له : يا أبا عبد الله أنت في زهدك تصنع هذا ؟ وأنت لا تدري لعلك تموت اليوم أو غدا ؟ فكان جوابه أن قال : ما لكم لا ترجون لي البقاء ، كما خفتم علي الفناء ؟ ! أما علمتم يا جهلة أن النفس قد تلتاث على صاحبها ، إذا لم يكن لها من العيش ما تعتمد عليه ، فإذا هي أحرزت معيشتها اطمأنت .

وأما أبو ذر - رض - فكانت له نويقات وشويهات يحلبها ، ويذبح منها إذا اشتهى أهله اللحم ، أو نزل به ضيف ، أو رأى بأهل الماء الذين هم معه خصاصة ، نحر لهم الجزور أو من الشاة على قدر ما يذهب عنهم بقرم اللحم ، فيقسمه بينهم ، ويأخذ هو كنصيب واحد منهم ، لا يتفضل عليهم ، ومن أزهد من هؤلاء ؟ وقد قال فيهم رسول الله ما قال ، ولم يبلغ من أمرهما أن صارا لا يملكان شيئا البتة ، كما تأمرون الناس بإلقاء أمتعتهم وشيئهم ، ويؤثرون به على أنفسهم وعيالاتهم .

واعلموا أيها النفر إني سمعت أبي يروي عن آبائه عليهم السلام أن رسول الله قال يوما : ما عجبت من شئ كعجبي من المؤمن ، إنه إن قرض جسده في دار الدنيا بالمقاريض كان خيرا له ، وإن ملك ما بين مشارق الأرض ومغاربها كان خيرا له ، و كل ما يصنع الله عز وجل به فهو خير له ، فليت شعري هل يحق فيكم ما قد شرحت لكم منذ اليوم أم أزيدكم .

أما علمتم أن الله عز وجل قد فرض على المؤمنين في أول الأمر يقاتل الرجل منهم عشرة من المشركين ليس له أن يولي وجهة عنهم ، ومن ولاهم يومئذ دبره فقد تبوأ مقعده من النار ، ثم حولهم من حالهم رحمة منه لهم ، فصار الرجل منهم عليه أن يقاتل رجلين من المشركين ، تخفيفا من الله عز وجل للمؤمنين فنسخ الرجلان العشرة .

وأخبروني أيضا عن القضاة أجورة هم حيث يقضون على الرجل منكم نفقة امرأته إذا قال : إني زاهد ، وإني لا شئ لي ؟ فان قلتم جورة ظلمكم أهل الاسلام وإن قلتم بل عدول خصمتم أنفسكم ، وحيث يردون صدقة من تصدق على المساكين عند الموت بأكثر من الثلث ، أخبروني لو كان الناس كلهم كالذين تريدون زهادا لا حاجة لهم في متاع غيرهم ، فعلى من كان يصدق بكفارات الايمان والنذور والصدقات من فرض الزكاة من الذهب والفضة والتمر والزبيب وسائر ما وجب فيه الزكاة من الإبل والبقر والغنم وغير ذلك ، إذا كان الامر كما تقولون لا ينبغي لاحد أن يحبس شيئا من عرض الدنيا إلا قدمه ، وإن كان به خصاصة ، فبئس ما ذهبتم فيه وحملتم الناس عليه من الجهل بكتاب الله عز وجل ، وسنة نبيه وأحاديثه التي يصدقها الكتاب المنزل ، وردكم إياها بجهالتكم ، وترككم النظر في غرائب القرآن من التفسير بالناسخ من المنسوخ ، والمحكم والمتشابه ، والأمر والنهي . وأخبروني أين أنتم عن سليمان بن داود حيث سأل الله ملكا لا ينبغي لاحد من بعده ، فأعطاه الله عز وجل اسمه ذلك وكان يقول الحق ويعمل به .

ثم لم نجد الله عز وجل عاب عليه ذلك ، ولا أحدا من المؤمنين ، وداود النبي قبله في ملكه وشدة سلطانه . ثم يوسف النبي حيث قال لملك مصر : " اجعلني خزائن الأرض إني حفيظ عليم " فكان من أمره الذي كان أن اختار مملكة الملك وما حولها إلى اليمن ، وكانوا يمتارون الطعام من عنده لمجاعة أصابتهم ، وكان يقول الحق و يعمل به ، فلم نجد أحدا عاب ذلك عليه ، ثم ذو القرنين عبد أحب الله فأحبه الله طوى له الأسباب ، وملكه مشارق الأرض ومغاربها ، وكان يقول الحق ويعمل به ، ثم نجد أحدا عاب ذلك عليه ، فتأدبوا أيها النفر بآداب الله عز وجل للمؤمنين ، اقتصروا على أمر الله ونهيه ، ودعوا عنكم ما اشتبه عليكم مما لا علم لكم به ، وردوا العلم إلى أهله تؤجروا وتعذروا عند الله تبارك وتعالى ، وكونوا في طلب علم ناسخ القرآن من منسوخه ، ومحكمه من متشابهه ، ومال أحل الله فيه مما حرم فإنه أقرب لكم من الله ، وأبعد لكم من الجهل ، ودعوا الجهالة لأهلها ، فان أهل الجهل كثير ، وأهل العلم قليل ، وقد قال الله عز وجل " وفوق كل ذي علم عليم " .

بيان : الغرقئ كزبرج القشرة الملتزقة ببياض البيض ، والمتقشف المتبلغ بقوت ومرقع ، ومن لا يبالي بما يلطخ بجسده ، وأدلى بحجته : أي أظهرها ، قوله : حسرت على بناء المجهول من الحسر بمعنى الكشف ، أي مكشوفا عاريا من المال ، أو من الحسور وهو الانقطاع ، يقال : حسره السفر إذا قطع به ، وعلى التقديرين تفسير لقوله تعالى محسورا .

والالتياث : الاختلاط والالتفاف والابطاء ، والقرم محركة : شهوة اللحم قوله : ظلمكم على بناء التفعيل أي نسبوكم إلى الظلم ، وقوله حيث يردون معطوف على قوله حيث يقضون .

- الإحتجاج : بالاسناد إلى أبي محمد العسكري عن آبائه ، عن الصادق أنه قال : قوله عز وجل " اهدنا الصراط المستقيم " يقول : أرشدنا الصراط المستقيم ، أرشدنا للزوم الطريق المؤدي إلى محبتك ، والمبلغ إلى جنتك من أن نتبع أهواءنا فنعطب ، أو نأخذ بآرائنا فنهلك ، فان من اتبع هواه وأعجب برأيه كان كرجل سمعت غثاء الناس تعظمه وتصفه فأحببت لقاءه من حيث لا يعرفني لأنظر مقداره ومحله فرأيته في موضع قد أحدق به خلق من غثاء العامة فوقفت منتبذا عنهم مغشيا بلثام أنظر إليه وإليهم ، فما زال يراوغهم حتى خالف طريقهم وفارقهم ، ولم يقر ، فتفرقت العوام عنه لحوائجهم وتبعته أقتفي أثره فلم يلبث أن مر بخباز فتغفله ، فأخذ من دكانه رغيفين مسارقة ، فتعجبت منه ، ثم قلت في نفسي : لعله معاملة ، ثم مر من بعده بصاحب رمان فما زال به حتى تغفله فأخذ من عنده رمانتين مسارقة ، فتعجبت منه ثم قلت في نفسي : لعله معاملة .

ثم أقول : وما حاجته إذا إلى المسارقة ؟ ! ثم لم أزل أتبعه حتى مر بمريض فوضع الرغيفين والرمانتين بين يديه ومضى ، وتبعته حتى استقر في بقعة من صحراء فقلت له : يا عبد الله لقد سمعت بك وأحببت لقاءك ، فلقيتك لكني رأيت منك ما شغل قلبي ، وإني سائلك عنه ليزول به شغل قلبي .

قال : ما هو ؟ قلت : رأيتك مررت بخباز وسرقت منه رغيفين ، ثم بصاحب الرمان فسرقت منه رمانتين ، فقال لي : قبل كل شئ : حدثني من أنت ؟ قلت : رجل من ولد آدم من أمة محمد صلى الله عليه وآله ، قال : حدثني ممن أنت ؟ قلت : رجل من أهل بيت رسول الله قال : أين بلدك ؟ قلت : المدينة قال : لعلك جعفر بن محمد ابن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ؟ قلت : بلى قال لي : فما ينفعك شرف أصلك مع جهلك بما شرفت به ، وتركك علم جدك وأبيك ، لان لا تنكر ما يجب أن يحمد ويمدح فاعله . قلت : وما هو ؟ قال : القرآن كتاب الله قلت : وما الذي جهلت ؟ قال : قول الله عز وجل " من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها " إني لما سرقت الرغيفين كانت سيئتين ، ولما سرقت الرمانتين كانت سيئتين فهذه أربع سيئات ، فلما تصدقت بكل واحد منها كانت أربعين حسنة فانتقص من أربعين حسنة أربع سيئات بقي لي ست وثلاثون ، قلت : ثكلتك أمك أنت الجاهل بكتاب الله ، أما سمعت الله عز وجل يقول " إنما يتقبل الله من المتقين " إنك لما سرقت الرغيفين كانت سيئتين ، ولما سرقت الرمانتين كانت سيئتين ولما دفعتهما إلى غير صاحبهما ، بغير أمر صاحبهما ، كنت إنما أضفت أربع سيئات إلى أربع سيئات ، ولم تضف أربعين حسنة إلى أربع سيئات ، فجعل يلاحيني فانصرفت وتركته .

بيان : قال الفيروزآبادي : راغ الرجل : مال وحاد عن الشئ وروغان الثعلب مشهور بين العجم والعرب ، ولاحاه نازعه .

العودة إلى الصفحة الرئيسية

www.mezan.net <‎/TITLE> ‎<META HTTP-EQUIV="Content-Type" CONTENT="text/html; charset=windows-1256">‎ ‎<META NAME="keywords" CONTENT=" السيد محمد حسين فضل الله في الميزان ">‎ ‎<META NAME="description" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله في كتبه ">‎ ‎<META NAME="author" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله بصوته ">‎ ‎<META NAME="copyright" CONTENT=" رأي المراجع العظام والعلماء ">‎ <‎/HEAD>