مناظرة مؤمن الطاق في فضيلة علي على أبي بكر

- الإحتجاج : البرقي ، عن أبيه ، عن شريك بن عبد الله ، عن الأعمش قال : اجتمعت الشيعة والمحكمة عند أبي نعيم النخعي بالكوفة ، وأبو جعفر محمد بن النعمان مؤمن الطاق حاضر ، فقال ابن أبي خدرة : أنا اقرر معكم أيتها الشيعة أن أبا بكر أفضل من علي وجميع أصحاب النبي بأربع خصال لا يقدر على دفعها أحد من الناس ، هو ثان مع رسول الله في بيته مدفون ، وهو ثاني اثنين معه في الغار ، و هو ثاني اثنين صلى بالناس آخر صلاة قبض بعدها رسول الله ، وهو ثاني اثنين الصديق من الأمة ، قال أبو جعفر مؤمن الطاق رحمة الله عليه : يا ابن أبي خدرة وأنا اقرر معك أن عليا أفضل من أبي بكر وجميع أصحاب النبي بهذه الخصال التي وصفتها ، وأنها مثلبة لصاحبك وألزمك طاعة علي من ثلاث جهات من القرآن وصفا ، ومن خبر رسول الله نصا ، ومن حجة العقل اعتبارا ، ووقع الاتفاق على إبراهيم النخعي ، وعلى أبي إسحاق السبيعي ، وعلى سليمان بن مهران الأعمش .

فقال أبو جعفر مؤمن الطاق : أخبرني يا ابن أبي خدرة عن النبي أترك بيوته التي أضافها الله إليه ، ونهى الناس عن دخولها إلا باذنه ميراثا لأهله وولده ؟ أو تركها صدقة على جميع المسلمين ؟ قل : ما شئت ، فانقطع ابن أبي خدرة لما أورد عليه ذلك ، وعرف خطأ ما فيه ، فقال أبو جعفر مؤمن الطاق : إن تركها ميراثا لولده وأزواجه فإنه قبض عن تسع نسوة ، وإنما لعائشة بنت أبي بكر تسع ثمن هذا البيت الذي دفن فيه صاحبك ولم يصبها من البيت ذراع في ذراع ، وإن كان صدقة فالبلية أطم وأعظم فإنه لم يصب له من البيت إلا ما لأدنى رجل من المسلمين ، فدخول بيت النبي بغير إذنه في حياته وبعد وفاته معصية إلا لعلي بن أبي طالب و ولده ، فإن الله أحل لهم ما أحل للنبي .

ثم قال : إنكم تعلمون أن النبي أمر بسد أبواب جميع الناس التي كانت مشرعة إلى المسجد ما خلا باب علي فسأله أبو بكر أن يترك له كوة لينظر منها إلى رسول الله فأبى عليه ، وغضب عمه العباس من ذلك فخطب النبي خطبة وقال : إن الله تبارك وتعالى أمر لموسى وهارون أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتا ، وأمرهما أن لا يبيت في مسجدهما جنب ولا يقرب فيه النساء إلا موسى وهارون وذريتهما ، وإن عليا مني هو بمنزلة هارون من موسى ، و ذريته كذرية هارون ، ولا يحل لاحد أن يقرب النساء في مسجد رسول الله ولا يبيت فيه جنبا إلا علي وذريته ، فقالوا بأجمعهم : كذلك كان .

قال أبو جعفر : ذهب ربع دينك يا ابن أبي خدرة وهذه منقبة لصاحبي ليس لأحد مثلها ومثلبة لصاحبك ، وأما قولك ثاني اثنين إذ هما في الغار أخبرني هل أنزل الله سكينته على رسول الله وعلى المؤمنين في غير الغار ؟ قال : ابن أبي خدرة : نعم .

قال أبو جعفر : فقد أخرج صاحبك في العار من السكينة وخصه بالحزن ومكان علي في هذه الليلة على فراش النبي ، وبذل مهجته دونه أفضل من مكان صاحبك في الغار فقال الناس : صدقت . فقال أبو جعفر : يا ابن خدرة ذهب نصف دينك ، وأما قولك ثاني اثنين الصديق من الأمة أوجب الله على صاحبك الاستغفار لعلي بن أبي طالب عليه السلام في قوله عز وجل " والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالايمان " إلى آخر الآية ، والذي ادعيت إنما هو شئ سماه الناس ، ومن سماه القرآن وشهد له بالصدق والتصديق أولى به ممن سماه الناس ، وقد قال علي على منبر البصرة : أنا الصديق الأكبر آمنت قبل أن آمن أبو بكر و صدقت قبله قال الناس : صدقت . قال أبو جعفر مؤمن الطاق : يا ابن أبي خدرة ذهب ثلاث أرباع دينك ، وأما قولك في الصلاة بالناس كنت ادعيت لصاحبك فضيلة لم تقم له ، وإنها إلى التهمة أقرب منها إلى الفضيلة ، فلو كان ذلك بأمر رسول الله لما عزله عن تلك الصلاة بعينها ، أما علمت أنه لما تقدم أبو بكر ليصلي بالناس خرج رسول الله فتقدم وصلى بالناس وعزله عنها ، ولا تخلو هذه الصلاة من أحد وجهين ، إما أن تكون حيلة وقعت منه فلما حس النبي بذلك خرج مبادرا مع علته فنحاه عنها لكي لا يحتج بعده على أمته فيكونوا في ذلك معذورين ، وإما أن يكون هو الذي أمره بذلك وكان ذلك مفوضا إليه كما في قصة تبليغ براءة فنزل جبرئيل وقال : لا يؤديها إلا أنت أو رجل منك فبعث عليا عليه السلام في طلبه وأخذها منه وعزله عنها وعن تبليغا ، فكذلك كانت قصة الصلاة ، وفي الحالتين هو مذموم لأنه كشف عنه ما كان مستورا عليه ، وذلك دليل واضح لأنه لا يصلح للاستخلاف بعده ، ولا هو مأمون على شئ من أمر الدين فقال الناس : صدقت .

قال أبو جعفر مؤمن الطاق : يا ابن أبي خدرة ذهب دينك كله وفضحت حيث مدحت ، فقال الناس لأبي جعفر : هات حجتك فيما ادعيت من طاعة علي عليه السلام فقال أبو جعفر مؤمن الطاق : أما من القرآن وصفا فقوله عز وجل " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله و كونوا مع الصادقين " فوجدنا عليا بهذه الصفة في القرآن في قوله عز وجل " والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس " يعني في الحرب والتعب " أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون " فوقع الاجماع من الأمة بأن عليا أولى بهذا الامر من غيره لأنه لم يفر عن زحف قط كما فر غيره في غير موضع ، فقال الناس : صدقت . وأما الخبر عن رسول الله نصا فقال : إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي كتاب الله وعترتي أهل بيتي فإنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض ، وقوله مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ، ومن تخلف عنها غرق ، ومن تقدمها مرق ، ومن لزمها لحق ، فالمتمسك بأهل بيت رسول الله هاد مهتد بشهادة من الرسول ، والمتمسك بغيرهم ضال مضل ، قال الناس : صدقت يا أبا جعفر .

وأما من حجة العقل فإن الناس كلهم يستعبدون بطاعة العالم ووجدنا الاجماع قد وقع على علي أنه كان أعلم أصحاب رسول الله ، وكان جميع الناس يسألونه ويحتاجون إليه ، وكان علي مستغينا عنهم هذا من الشاهد والدليل عليه من القرآن قوله عز وجل " أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون " فما اتفق يوم أحسن منه ودخل في هذا الامر عالم كثير . وقد كانت لأبي جعفر مؤمن الطاق مقامات مع أبي حنيفة فمن ذلك ما روي أنه قال يوما من الأيام لمؤمن الطاق : إنكم تقولون بالرجعة ؟ قال : نعم قال : أبو حنيفة : فأعطني الآن ألف درهم حتى أعطيك ألف دينار إذا رجعنا ، قال الطاقي لأبي حنيفة : فأعطني كفيلا بأنك ترجع إنسانا ولا ترجع خنزيرا . وقال له يوما آخر : لم لم يطالب علي بن أبي طالب بحقه بعد وفاة رسول الله إن كان له حق ؟ فأجابه مؤمن الطاق فقال : خاف أن تقتله الجن كما قتلوا سعد بن عبادة بسهم المغيرة بن شعبة .

وكان أبو حنيفة يوما آخر يتماشى مع مؤمن الطاق ، في سكة من سكك الكوفة إذا بمناد ينادي من بدلني على صبي ضال ، فقال مؤمن الطاق : أما الصبي الضال فلم نره ، وإن أردت شيخا ضالا فخذ هذا - عنى به أبا حنيفة .

ولمات مات الصادق رأى أبو حنيفة مؤمن الطاق فقال له : مات إمامك قال : نعم ، أما أمامك فمن المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم .

العودة إلى الصفحة الرئيسية

www.mezan.net <‎/TITLE> ‎<META HTTP-EQUIV="Content-Type" CONTENT="text/html; charset=windows-1256">‎ ‎<META NAME="keywords" CONTENT=" السيد محمد حسين فضل الله في الميزان ">‎ ‎<META NAME="description" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله في كتبه ">‎ ‎<META NAME="author" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله بصوته ">‎ ‎<META NAME="copyright" CONTENT=" رأي المراجع العظام والعلماء ">‎ <‎/HEAD>