في كتاب كتبه إلى عبد الله بن الحسن يعزيه عما صار إليه

- الكافي : بعض أصحابنا ، عن محمد بن حسان ، عن محمد بن زنجويه ، عن عبد الله ابن الحكم الأرمني ، عن عبد الله بن إبراهيم بن محمد الجعفري قال : أتينا خديجة بنت عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب نعزيها بابن بنتها ، فوجدنا عندها موسى بن عبد الله بن الحسن فإذا هي في ناحية قريبا من النساء فعزيناهم ، ثم أقبلنا عليه فإذا هو يقول لابنة أبي يشكر الراثية قولي ، فقالت :

أعدد رسول الله واعدد بعده        أسد الاله وثالثا عباسا

واعدد علي الخير واعدد جعفرا         واعدد عقيلا بعده الرؤاسا

فقال : أحسنت وأطربتيني زيديني ، فاندفعت تقول :

ومنا إمام المتقين محمد        وحمزة منا والمهذب جعفر منا

علي صهره وابن عمه         وفارسه ذاك الامام المطهر فأقمنا

عنده حتى كاد الليل أن يجئ ، ثم قالت خديجة : سمعت عمي محمد بن علي وهو يقول : إنما تحتاج المرأة في المأتم إلى النوح لتسيل دمعتها ولا ينبغي لها أن تقول هجرا ، فإذا جاء الليل فلا تؤذي الملائكة بالنوح ، ثم خرجنا فغدونا إليها غدوة فتذاكرنا عندها اختزال منزلها من دار أبي عبد الله جعفر بن محمد فقال : هذه دار تسمى دار السرق فقالت : هذا ما اصطفى مهدينا - تعني محمد بن عبد الله بن الحسن - تمازحه بذلك فقال موسى بن عبد الله : والله لأخبرنكم بالعجب رأيت أبي رحمه الله لما أخذ في أمر محمد بن عبد الله وأجمع على لقاء أصحابه فقال : لا أجد هذا الامر يستقيم إلا أن ألقى أبا عبد الله جعفر بن محمد فانطلق وهو متكئ علي فانطلقت معه حتى أتينا أبا عبد الله ، فلقيناه خارجا يريد المسجد فاستوقفه أبي وكلمه فقال له أبو عبد الله : ليس هذا موضع ذلك نلتقي إن شاء الله .

فرجع أبي مسرورا ، ثم أقام حتى إذا كان الغد أو بعده بيوم انطلقنا حتى أتيناه ، فدخل عليه أبي وأنا معه ، فابتدأ الكلام ثم قال له فيما يقول : قد علمت جعلت فداك أن السن لي عليك فان في قومك من هو أسن منك ، ولكن الله عز وجل قد قدم لك فضلا ليس هو لاحد من قومك ، وقد جئتك معتمدا لما أعلم من برك ، واعلم فديتك أنك إذا أجبتني لم يتخلف عني أحد من أصحابك ، و لم يختلف علي اثنان من قريش ولا غيرهم ، فقال له أبو عبد الله : إنك تجد غيري أطوع لك مني ، ولا حاجة لك في ، فوالله إنك لتعلم أني أريد البادية أو أهم بها فأثقل عنها وأريد الحج فما أدركه إلا بعد كد وتعب ومشقة على نفسي فاطلب غيري وسله ذلك ، ولا تعلمهم أنك جئتني ، فقال له : إن الناس ما دون أعناقهم إليك وإن أجبتني لم يتخلف عني أحد ولك أن لا تكلف قتالا ولا مكروها قال : وهجم علينا ناس فدخلوا وقطعوا كلامنا ، فقال أبي : جعلت فداك ما تقول ؟ فقال : نلتقي إن شاء الله ، فقال : أليس على ما أحب ؟ قال : على ما تحب إن شاء الله من إصلاح حالك .

ثم انصرف حتى جاء البيت فبعث رسولا إلى محمد في جبل بجهينة - يقال له الأشقر على ليلتين من المدينة - فبشره وأعلمه أنه قد ظفر له بوجه حاجته وما طلب ثم عاد بعد ثلاثة أيام فوقفنا بالباب ولم نكن نحجب إذا جئنا فأبطأ الرسول ، ثم أذن لنا فدخلنا عليه ، فجلست في ناحية الحجرة ودنا أبي إليه فقبل رأسه ثم قال : جعلت فداك قد عدت إليك راجيا مؤملا قد انبسط رجائي وأملي ورجوت الدرك لحاجتي .

فقال له أبو عبد الله : يا ابن عم إني أعيذك بالله من التعرض لهذا الامر الذي أمسيت فيه ، وإني لخائف عليك أن يكسبك شرا ، فجرى الكلام بينهما حتى أفضى إلى ما لم يكن يريد ، وكان من قوله : بأي شئ كان الحسين أحق بها من الحسن ؟ فقال أبو عبد الله : رحم الله الحسن ورحم الحسين وكيف ذكرت هذا ؟ قال : لان الحسين كان ينبغي له إذا عدل أن يجعلها في الأسن من ولد الحسن فقال أبو عبد الله : إن الله تبارك وتعالى لما أن أوحى إلى محمد أوحى إليه بما شاء ، ولم يؤامر أحدا من خلقه ، وأمر محمد عليا بما شاء ففعل ما أمر به ولسنا نقول فيه إلا ما قال رسول الله من تبجيله وتصديقه فلو كان أمر الحسين أن يصيرها في الأسن أو ينقلها في ولدهما - يعني الوصية - لفعل ذلك الحسين وما هو بالمتهم عندنا في الذخيرة لنفسه ، ولقد ولي وترك ذلك ، و لكنه مضى لما امر به وهو جدك وعمك ، فان قلت خيرا فما أولاك به ، وإن قلت هجرا فيغفر الله لك ، أطعني يا ابن عم واسمع كلامي ، فوالله الذي لا إله إلا هو لا آلوك نصحا وحرصا ، فكيف ولا أراك تفعل وما لأمر الله من مرد فسر أبي عند ذلك .

فقال له أبو عبد الله : والله إنك لتعلم أنه الأحول الأكشف الأخضر المقتول بسدة أشجع بين دورها ، عند بطن مسيلها ، فقال أبي : ليس هو ذاك والله لنجازين باليوم يوما ، وبالساعة ساعة ، وبالسنة سنة ، ولنقومن بثار بني أبي طالب جميعا فقال له أبو عبد الله : يغفر الله لك ما أخوفني أن يكون هذا البيت يلحق صاحبنا " منتك نفسك في الخلاء ضلالا " .

لا والله لا يملك أكثر من حيطان المدينة ، ولا يبلغ عمله الطائف إذا أحفل - يعني إذا أجهد نفسه - وما للامر من بد أن يقع فاتق الله وارحم نفسك وبني أبيك ، فوالله إني لأراه أشأم سلحة أخرجتها أصلاب الرجال إلى أرحام النساء والله إنه المقتول بسدة أشجع بين دورها ، والله لكأني به صريعا مسلوبا بزته ، بين رجليه لبنة ، ولا ينفع هذا الغلام ما يسمع ، قال موسى بن عبد الله : يعنيني وليخرجن معه فينهزم ويقتل صاحبه ، ثم يمضي فيخرج معه راية أخرى فيقتل كبشها ويتفرق جيشها ، فان أطاعني فليطلب الأمان عند ذلك من بني العباس حتى يأتيه الله بالفرج ، ولقد علمت بأن هذا الامر لا يتم ، وإنك لتعلم ونعلم أن ابنك ، الأحول الأخضر الأكشف المقتول بسدة أشجع ، بين دورها عند بطن مسيلها .

فقام أبي وهو يقول : بل يغني الله عنك ولتعودن أو ليفئ الله بك وبغيرك ، وما أردت بهذا إلا امتناع غيرك وأن تكون ذريعتهم إلى ذاك ، فقال أبو عبد الله : الله يعلم ما أريد إلا نصحك ورشدك ، وما علي إلا الجهد ، فقام أبي يجر ثوبه مغضبا فلحقه أبو عبد الله فقال له : أخبرك إني سمعت عمك وهو خالك يذكر أنك وبني أبيك ستقتلون ، فإن أطعتني ورأيت أن تدفع بالتي هي أحسن فافعل ، ووالله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم الكبير المتعال على خلقه لوددت أني فديتك بولدي وبأحبهم إلي ، وبأحب أهل بيتي إلي ، ما يعدلك عندي شئ ، فلا ترى أني غششتك ، فخرج أبي من عنده مغضبا أسفا .

قال : فما أقمنا بعد ذلك إلا قليلا عشرين ليلة أو نحوها ، حتى قدمت رسل أبي جعفر فأخذوا أبي وعمومتي سليمان بن حسن ، وحسن بن حسن ، وإبراهيم بن حسن ، وداود بن حسن ، وعلي بن حسن ، وسليمان بن داود بن حسن ، وعلي بن إبراهيم بن حسن ، وحسن بن جعفر بن حسن ، وطباطبا إبراهيم بن إسماعيل بن حسن ، وعبد الله بن داود ، وقال : فصفدوا في الحديد ثم حملوا في محامل أعراء لا وطاء فيها ، ووقفوا بالمصلى لكي يشتمهم الناس قال : فكف الناس عنهم ورقوا لهم للحال التي هم فيها ، ثم انطلقوا بهم حتى وقفوا عند باب مسجد رسول الله .

قال عبد الله بن إبراهيم الجعفري : فحدثتنا خديجة بنت عمر بن علي أنهم لما أوقفوا عند باب المسجد - الباب الذي يقال له باب جبرئيل - اطلع عليهم أبو عبد الله وعامة ردائه مطروح بالأرض ، ثم اطلع من باب المسجد فقال : لعنكم الله يا معشر الأنصار - ثلاثا - ما على هذا عاهدتم رسول الله ولا بايعتموه ، أما والله إن كنت حريصا ولكني غلبت ، وليس للقضاء مدفع ، ثم قام وأخذ إحدى نعليه فأدخلها رجله والأخرى في يده ، وعامة ردائه يجره في الأرض ، ثم دخل في بيته فحم عشرين ليلة لم يزل يبكي فيها الليل والنهار ، حتى خفنا عليه فهذا حديث خديجة .

قال الجعفري : وحدثنا موسى بن عبد الله بن الحسن أنه لما طلع بالقوم في المحامل ، قام أبو عبد الله من المسجد ثم أهوى إلى المحمل الذي فيه عبد الله بن الحسن - يريد كلامه - فمنع أشد المنع وأهوى إليه الحرسي فدفعه ، وقال : تنح عن هذا ، فان الله سيكفيك ، ويكفي غيرك ، ثم دخل بهم الزقاق ، ورجع أبو عبد الله إلى منزله ، فلم يبلغ بهم البقيع حتى ابتلي الحرسي بلاء شديدا رمحته ناقته فدقت وركه فمات فيها ، ومضى القوم ، فأقمنا بعد ذلك حينا ، ثم أتى محمد ابن عبد الله بن الحسن ، فأخبر أن أباه وعمومته قتلوا ، قتلهم أبو جعفر ، إلا حسن ابن جعفر ، وطباطبا ، وعلي بن إبراهيم ، وسليمان بن داود ، وداود بن حسن و عبد الله بن داود ، قال : فظهر محمد بن عبد الله عند ذلك ودعا الناس لبيعته قال : فكنت ثالث ثلاثة بايعوه واستوثق الناس لبيعته ولم يختلف عليه قرشي ولا أنصاري ولا عربي .

قال : وشاور عيسى بن زيد وكان من ثقاته ، وكان على شرطته ، فشاوره في البعثة إلى وجوه قومه ، فقال له عيسى بن زيد : إن دعوتهم دعاء يسيرا لم يجيبوك أو تغلظ عليهم فخلني وإياهم فقال له محمد : امض إلى من أردت منهم فقال : ابعث إلى رئيسهم وكبيرهم - يعني أبا عبد الله جعفر بن محمد - فإنك إذا أغلظت عليه علموا جميعا أنك ستمرهم على الطريق التي أمررت عليها أبا عبد الله ، قال : فوالله ما لبثنا أن اتي بأبي عبد الله حتى أوقف بين يديه ، فقال له عيسى بن زيد : أسلم تسلم ، فقال له أبو عبد الله : أحدثت نبوة بعد محمد ؟ فقال له محمد : لا ولكن بايع تأمن على نفسك ومالك وولدك ، ولا تكلفن حربا .

فقال له أبو عبد الله : ما في حرب ولا قتال ، ولقد تقدمت إلى أبيك وحذرته الذي حاق به ، ولكن لا ينفع حذر من قدر ، يا ابن أخي عليك بالشباب ودع عنك الشيوخ ، فقال له محمد : ما أقرب ما بيني وبينك في السن فقال له أبو عبد الله : إني لم أعازك ، ولم أجئ لأتقدم عليك في الذي أنت فيه ، فقال له محمد : لا والله لا بد من أن تبايع ، فقال له أبو عبد الله : ما في يا ابن أخي طلب ولا هرب ، وإني لأريد الخروج إلى البادية فيصدني ذلك ويثقل علي حتى يكلمني في ذلك الأهل غير مرة ، وما يمنعني منه إلا الضعف ، والله والرحم أن تدبر عنا ونشقى بك .

فقال له : يا أبا عبد الله قد والله مات أبو الدوانيق - يعني أبا جعفر - فقال له أبو عبد الله : وما تصنع بي وقد مات ؟ قال : أريد الجمال بك ، قال : ما إلى ما تريد سبيل ، لا والله ما مات أبو الدوانيق ، إلا أن يكون مات موت النوم ، قال : والله لتبايعني طائعا أو مكرها ولا تحمد في بيعتك ، فأبى عليه إباءا شديدا ، فأمر به إلى الحبس ، فقال له عيسى بن زيد : أما إن طرحناه في السجن وقد خرب السجن وليس عليه اليوم غلق خفنا أن يهرب منه .

فضحك أبو عبد الله ثم قال : لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم أو تراك تسجنني ؟ قال : نعم والذي أكرم محمدا بالنبوة لأسجننك ولأشددن عليك ، فقال عيسى بن زيد : احبسوه في المخبأ ، وذلك دار ريطة اليوم ، فقال له أبو عبد الله : أما والله إني سأقول ثم أصدق ، فقال له عيسى بن زيد : لو تكلمت لكسرت فمك .

فقال له أبو عبد الله : أما والله يا أكشف يا أزرق ، لكأني بك تطلب لنفسك جحرا تدخل فيه ، وما أنت في المذكورين عند اللقاء ، وإني لأظنك إذا صفق خلفك طرت مثل الهيق النافر ، فنفر عليه محمد بانتهار : احبسه وشدد عليه وأغلظ عليه . فقال له أبو عبد الله : أما والله لكأني بك خارجا من سدة أشجع إلى بطن الوادي ، وقد حمل عليك فارس معلم ، في يده طرادة نصفها أبيض ونصفها أسود ، على فرس كميت أقرح ، فطعنك فلم يصنع فيك شيئا ، وضربت خيشوم فرسه فطرحته ، وحمل عليك آخر خارج من زقاق آل أبي عمار الدئليين ، عليه غديرتان مضفورتان قد خرجتا من تحت بيضته ، كثير شعر الشاربين ، فهو والله صاحبك فلا رحم الله رمته . فقال له محمد : يا أبا عبد الله حسبت فأخطأت ، وقام إليه السراقي ابن سلح الحوت ، فدفع في ظهره حتى أدخل السجن ، واصطفى ما كان له من مال وما كان لقومه ممن لم يخرج مع محمد ، قال : فطلع بإسماعيل بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ، وهو شيخ كبير ضعيف ، قد ذهبت إحدى عينيه ، وذهبت رجلاه ، وهو يحمل حملا ، فدعاه إلى البيعة ، فقال له : يا ابن أخي إني شيخ كبير ضعيف ، وأنا إلى برك وعونك أحوج ، فقال له : لا بد من أن تبايع ، فقال له : وأي شئ تنتفع ببيعتي والله إني لأضيق عليك مكان اسم رجل إن كتبته ، قال : لابد لك أن تفعل فأغلظ عليه في القول ، فقال له إسماعيل : ادع لي جعفر بن محمد : فلعلنا نبايع جميعا .

قال : فدعا جعفرا فقال له إسماعيل : جعلت فداك إن رأيت أن تبين له فافعل ، لعل الله يكفه عنا ، قال : قد أجمعت ألا أكلمه فلير في رأيه ، فقال إسماعيل لأبي عبد الله : أنشدك الله هل تذكر يوما أتيت أباك محمد بن علي وعلي حلتان صفراوان ، فأدام النظر إلي ثم بكى فقلت له : ما يبكيك ؟ فقال لي : يبكيني أنك تقتل عند كبر سنك ضياعا ، لا ينتطح في دمك عنزان ، قال : فقلت : متى ذاك ؟ قال : إذا دعيت إلى الباطل فأبيته ، وإذا نظرت إلى أحول مشوم قومه ينتمي من آل الحسن على منبر رسول الله ، يدعو إلى نفسه ، قد تسمى بغير اسمه ، فأحدث عهدك واكتب وصيتك ، فإنك مقتول من يومك أو من غد ؟ فقال له أبو عبد الله : نعم وهذا ورب الكعبة لا يصوم من شهر رمضان إلا أقله فأستودعك الله يا أبا الحسن وأعظم الله أجرنا فيك ، وأحسن الخلاقة على من خلفت وإنا لله وإنا إليه راجعون قال : ثم احتمل إسماعيل ورد جعفر إلى الحبس .

قال : فوالله ما أمسينا حتى دخل عليه بنو أخيه بنو معاوية بن عبد الله بن جعفر فتوطؤوه حتى قتلوه ، وبعث محمد بن عبد الله إلى جعفر فخلى سبيله ، قال : وأقمنا بعد ذلك حتى استهللنا شهر رمضان ، فبلغنا خروج عيسى بن موسى يريد المدينة ، قال : فتقدم محمد بن عبد الله ، على مقدمته يزيد بن معاوية بن عبد الله بن جعفر ، وكان على مقدمة عيسى بن موسى ، ولد الحسن بن زيد بن الحسن بن الحسن ، وقاسم ، ومحمد ابن زيد وعلي وإبراهيم بنو الحسن بن زيد ، فهزم يزيد بن معاوية وقدم عيسى ابن موسى المدينة ، وصار القتال بالمدينة ، فنزل بذباب ، ودخلت علينا المسودة من خلفنا ، وخرج محمد في أصحابه ، حتى بلغ السوق فأوصلهم ومضى ثم تبعهم حتى انتهى إلى مسجد الخوامين ، فنظر إلى ما هناك فضاء ليس مسود ولا مبيض ، فاستقدم حتى انتهى إلى شعب فزارة ، ثم دخل هذيل ، ثم مضى إلى أشجع ، فخرج إليه الفارس الذي قال أبو عبد الله من خلفه من سكة هذيل فطعنه فلم يصنع فيه شيئا ، وحمل على الفارس وضرب خيشوم فرسه بالسيف ، فطعنه الفارس فأنفذه في الدرع وانثنى عليه محمد فضربه فأثخنه ، وخرج إليه حميد بن قحطبة وهو مدبر على الفارس يضربه من زقاق العماريين ، فطعنه طعنة أنفذ السنان فيه فكسر الرمح وحمل على حميد ، فطعنه حميد بزج الرمح فصرعه ، ثم نزل فضربه حتى أثخنه وقتله وأخذ رأسه ، ودخل الجند من كل جانب ، وأخذت المدينة ، وأجلينا هربا في البلاد . قال موسى بن عبد الله : فانطلقت حتى لحقت بإبراهيم بن عبد الله ، فوجدت عيسى بن زيد مكمنا عنده ، فأخبرته بسوء تدبيره ، وخرجنا معه حتى أصيب رحمه الله ، ثم مضيت مع ابن أخي الأشتر عبد الله بن محمد بن عبد الله بن حسن حتى أصيب بالسند ، ثم رجعت شريدا طريدا ، تضيق علي البلاد ، فلما ضاقت علي الأرض ، واشتد الخوف ذكرت ما قال أبو عبد الله فجئت إلى المهدي وقد حج ، وهو يخطب الناس في ظل الكعبة ، فما شعر إلا وأني قد قمت من تحت المنبر ، فقلت : لي الأمان يا أمير المؤمنين وأدلك على نصيحة لك عندي فقال : نعم ما هي ؟ قلت : أدلك على موسى بن عبد الله بن حسن فقال : نعم لك الأمان فقلت له : أعطني ما أثق به ، فأخذت منه عهودا ومواثيق ، ووثقت لنفسي ، ثم قلت : أنا موسى بن عبد الله فقال لي : إذا تكرم وتحبى فقلت له : أقطعني إلى بعض أهل بيتك يقوم بأمري عندك .

فقال : انظر إلى من أردت فقلت : عمك العباس بن محمد ، فقال العباس : لا حاجة لي فيك فقلت : ولكن لي فيك الحاجة ، أسألك بحق أمير المؤمنين إلا قبلتني ، فقبلني شاء أو أبى ، وقال لي المهدي من يعرفك وحوله أصحابنا أو أكثرهم فقلت : هذا الحسن بن زيد يعرفني ، وهذا موسى بن جعفر يعرفني ، وهذا الحسن ابن عبيد الله بن عباس يعرفني فقالوا : نعم يا أمير المؤمنين كأنه لم يغب عنا ، ثم قلت للمهدي : يا أمير المؤمنين لقد أخبرني بهذا المقام أبو هذا الرجل ، وأشرت إلى موسى بن جعفر .

قال موسى بن عبد الله : وكذبت على جعفر كذبة فقلت له : وأمرني أن أقرئك السلام وقال : إنه إمام عدل وسخي قال : فأمر لموسى بن جعفر بخمسة آلاف دينار ، فأمر لي موسى منها بألفي دينار ، ووصل عامة أصحابه ، ووصلني فأحسن صلتي ، فحيث ما ذكر ولد محمد بن علي بن الحسين فقولوا : صلى الله عليهم ، و ملائكته ، وحملة عرشه ، والكرام الكاتبون ، وخصوا أبا عبد الله بأطيب ذلك وجزى موسى بن جعفر عني خيرا ، فأنا والله مولاهم بعد الله .

بيان : قوله قريبا حال عن الضمير المستتر في الظرف ، والتذكير لما ذكره الجوهري حيث قال : وقوله تعالى " إن رحمة الله قريب من المحسنين " ولم يقل قريبة لأنه أراد بالرحمة الاحسان ، ولان ما لا يكون تأنيثه حقيقيا جاز تذكيره . وقال الفراء إذا كان القريب في معنى المسافة يذكر ويؤنث وإذا كان في معنى النسب يؤنث بلا اختلاف بينهم ، انتهى . وأسد الاله حمزة - ره - وعلي الخير على الإضافة هو أمير المؤمنين الذي هو منبع جميع الخيرات ، والرؤاس بضم الراء وتشديد الهمزة جمع رأس صفة للجميع والطرب الفرح والحزن والثاني أنسب ، فاندفعت أي شرعت في الكلام ، والهجر بالضم الفحش من القول .

والاختزال الانفراد والبعد ، فقال : أي الجعفري ، هذه أي دار خديجة تسمى دار السرقة لكثرة وقوع السرقة فيها .

فقالت خديجة : إنما اختارها محمد بن عبد الله فبقينا فيها بعده ، ويحتمل أن يكون العائد في قوله " فقال " راجعا إلى موسى ، وإنما سماها دار السرقة لأنها مما غصبها محمد بن عبد الله ممن خالفه ، وهو المراد بالاصطفاء والأول أظهر ، و ضمير تمازحه للجعفري على الالتفات أو لموسى أو لمحمد أي تستهزئ به ، لأنه ادعى المهدوية وقتل وتبين كذبه .

قوله : ولقد ولى وترك أي كيف يدخره لنفسه ، وقد استشهد وترك لغيره قوله : وهو جدك ، لان أمه كانت بنت الحسين .

وقال المطرزي لا آلوك نصحا معناه لا أمنعكه ولا أنقصكه من آلى في الامر يألو إذا قصر انتهى . وقوله : فكيف من باب الاكتفاء ببعض الكلام أي كيف أقصر في نصحك مع ما يلزمني من مودتك لقرابتك وسنك ، وقوله : ولا أراك كلام مستأنف ، ويحتمل أن يكون المعنى : كيف يكون كلامي محمولا على غير النصح ، والحال أني أعلم أنك لا تفعل ، إذ لو لم يكن لله تعالى وإطاعة أمره لكان ذكره مع عدم تجويز التأثير لغوا والأول أظهر ، وقوله : لتعلم للاستقبال ، ودخول اللام لتحقق الوقوع كأنه واقع ، ويمكن أن يكون للحال بأن يكون علم بإخبار آبائه أو باخباره عليهم السلام ومع ذلك كان يسعى في الامر ، حرصا على الملك ، أو لاحتمال البداء ، والأكشف من به كشف محركة أي انقلاب من قصاص الناصية ، كأنها دائرة والعرب تتشأم به ، و الأخضر الأسود كما في القاموس أو المراد به الأخضر العين ، والسدة بالضم الباب ، وقد يقرء بالفتح لمناسبة المسيل . والأشجع اسم قبيلة من غطفان ، وضمير مسيلها للسدة أو للأشجع لأنه اسم القبيلة ، ليس هو : أي محمد ذاك الذي ذكرت ، أو ليس الامر كما ذكرت ، باليوم أي بكل يوم ظلم لبني أمية وبني العباس ، يوما أي يوم انتقام ، والبيت للأخطل يهجو جريرا ، صدره " أنعق بضأنك يا جرير فإنما " أي إنه ضأنك عن مقابلة الذئب ، منتك أي جعلتك متمنيا بالأماني الباطلة ، ضلالا أي محالا ، وهو أن يغلب الضأن على الذئب ، والطائف طائف الحجاز ، وقيل : المراد هنا موضع قرب المدينة .

وفي القاموس الاحتفال المبالغة وحسن القيام بالأمور ، رجل حفيل مبالغ فيما أخذ فيه ، وما للامر أي الذي ذكرت من عدم استمرار دولته أو لقضاء الله تعالى ، وفي القاموس السلاح كغراب ، النجو ، وفي المغرب : السلح التغوط ، وفي المثل : أسلح من حبارى ، وقول عمر لزياد في الشهادة على المغيرة : قم يا سلح الغراب ، معناه يا خبيث ، وفي المصباح : سلحة تسمية بالمصدر بين دورها أي قبيلة الأشجع وقيل السدة .

وفي القاموس : البز الثياب والسلاح كالبزة بالكسر ، والبزة بالكسر الهيئة ، ويقتل صاحبه أي محمد فيخرج معه أي مع موسى والأظهر مع بلا ضمير ، و الكبش بالفتح سيد القوم وقائدهم ، والمراد هنا إبراهيم ، لتعودن أي عن الامتناع باختيارك عند ظهور دولتنا ، أو ليفئ الله بك من الفئ بمعنى الرجوع ، والباء للتعدية أي يسهل الله أن نذهب بك جبرا ، إلا امتناع غيرك أي تريد أن لا يبايعنا غيرك بسبب امتناعك عن البيعة ، وأن تكون وسيلتهم إلى الامتناع ، فذاك إشارة إلى الامتناع وفي بعض النسخ : بهذا الامتناع غيرك أي غرضك من الامتناع أن تخرج أنت و تطلب البيعة لنفسك ، وأن تكون وسيلتهم إلى الخروج والجهاد والأول أظهر . والجهد بالفتح السعي بأقصى الطاقة ، عمك أي علي بن الحسين مجازا وهو خاله حقيقة لان أم عبد الله هي فاطمة بنت الحسين ، وبني أبيك أي إخوتك وبنيهم ، ورأيت أي اخترت ، أن تدفع بالتي هي أحسن أي تدفع ما زعمته مني سيئة بالصفح والاحسان ، مشيرا إلى قوله تعالى " ادفع بالتي هي أحسن السيئة " أو المعنى : تدفع القتل عنك بالتي هي أحسن ، وهي ترك الخروج بناءا على احتمال البداء والأول أظهر ، على خلقه متعلق بالمتعال ، فديتك على المعلوم أي صرت فداءك ويحتمل أن يكون المراد هنا إنقاذه من الضلالة ومن العذاب ، وما يعدلك أي يساويك ، رسل أبي جعفر ، أي الدوانيقي .

فصفدوا : على بناء المجهول ، من باب ضرب ، والتفعيل من صفده إذا شده وأوثقه ، والاعراء جمع عراء كسحاب : أي ليس لها أغشية فوقهم ولا وطاء وفرش تحتم ، عنهم أي شماتتهم أو شتمهم .

أطلع عليهم من باب الأفعال أي رأسه ، وفي الثاني من باب الافتعال أي خرج من الباب وأشرف عليهم ، أو كلاهما من الافتعال ، والاطلاع أولا من الخوخة المفتوحة من المسجد إلى الطريق مقابل مقام جبرئيل ، قبل الوصول إلى الباب وثانيا عند الخروج من الباب ، أو كلاهما من الباب ، والأول بمعنى الاشراف ، و الثاني بمعنى الخروج ، أو الاطلاع أولا على الطريق ، وثانيا على أهل المسجد و الخطاب معهم ، والأظهر أن الاطلاع أولا كان من داره ، وثانيا من باب المسجد ينادي أهله من الأنصار كما سيأتي في رواية أبي الفرج ، وطرح الرداء وجره على الأرض للغضب ، وتذكير مطروح ، باعتبار أن تأنيثه غير حقيقي ، أو باعتبار الرداء أو لأنها بمعنى أكثر .

ما على هذا عاهدتم إشارة إلى ما بايعوه عليه في العقبة على أن يمنعوا رسول الله وذريته مما يمنعون منه أنفسهم وذراريهم ، أن كنت أن مخففة وضمير الشأن محذوف ، حريصا يعني على دفع هذا الامر عنهم بالوعظ والنصيحة ، ولكني غلبت على المجهول أي غلبني القضاء ، أو شقاوة المنصوح وقلة عقله ، والأخرى في يده ، هذه حالة من غلب عليه غاية الحزن والأسف ، حتى خفنا عليه أي الموت لما طلع على المجهول من طلع فلان إذا ظهر ، والباء للتعدية ، ثم أهوى أي مال والحرسي واحد حرس السلطان ، سيكفيك أي يدفع شرك ، فلم يبلغ على المعلوم أو المجهول ، ويقال : رمحه الفرس أي ضربه برجله ، فمات فيها أي بسببها ، و الضمير للرمحة أو الناقة ، مضي وأتي وأخبر كلها على بناء المجهول واستوسق الناس أي اجتمعوا وفي بعض النسخ بالثاء المثلثة أي أخذ الوثيقة ، فيحتمل رفع الناس ونصبه . وعيسى هو ابن زيد بن علي بن الحسين كما صرح به في مقاتل الطالبيين و الشرط كصرد جمع شرطة بالضم ، وهو أول كتيبة تشهد الحرب وتتهيأ للموت ، وطائفة من أعوان الولاة يسيرا أي رفيقا ، أو تغلظ أو بمعنى إلى أن ، أو إلا أن .

أسلم من الاسلام وهو ترك الكفر أو الانقياد ، تسلم من السلامة ، وقوله أحدثت نبوة على الأول ظاهر ، وعلى الثاني مبني على أن تغيير الامام عما وضع عليه الرسول الله لا يكون إلا ببعثة نبي آخر ينسخ دينه ، لا تكلفن على المجهول ، و لا قتال بالكسر أي مقاتلة وقوة عليها ، من عطف أحد المترادفين على الاخر ، أو بالفتح بمعنى القوة ، من قدر متعلق بحذر ، أو بينفع بتضمين معنى الانجاء ، والمعازة المغالبة ومنه قوله تعالى " وعزني في الخطاب " فيصدني ذلك أي لا يتيسر لي ذلك الخروج ، كأنه يمنعني ، أو ذلك إشارة إلى الضعف المفهوم من الكلام السابق والله والرحم بالجر أي أنشد بالله وبالرحم في أن لا تدبر ، أو بالنصب بتقدير اذكرهما في أن تدبر ، أي لا تقبل نصيحتنا ونتعب بما يصيبنا من قتلك ومفارقتك أو لا تكلفنا البيعة فتقتل أنت كما هو المقدر ونقع في تعب ومشقة بسبب مبايعتك ، وهذا أظهر ، والجمال الزينة إلا أن يكون ، استثناء منقطع ، وموت النوم من قبيل لجين الماء . أما إن طرحناه بالتخفيف ، خفنا جواب الشرط ، دار ريطة في بعض النسخ بالباء الموحدة أي دار تربط فيها الخيل ، وفي بعضها بالمثناة التحتانية وهي اسم بنت عبد الله بن محمد بن الحنفية ، أم يحيى بن زيد فإنها كانت تسكنها كذا خطر بالبال والريطة أيضا اسم نوع من الثياب فيحتمل ذلك أيضا ، إني سأقول السين للتأكيد ، ثم أصدق على بناء المفعول من التفعيل أي يصدقني الناس عند وقوعه ، أو على بناء المجرد المعلوم فثم للاشعار بأن الصدق في ذلك عظيم دون القول ، عند اللقاء أي ملاقاة العدو ، إذا صفق على المجهول وهو الضرب الذي له صوت .

والهيق ذكر النعام ، وخص به لأنه أشد عدوا وأحذر ، وفي القاموس نفره عليه قضى له عليه بالغلبة ، والانتهار الزجر والمخاطب عيسى أو السراقي ، وأعلم الفارس جعل لنفسه علامة الشجعان في الحرب وهو معلم ، والطراد بالكسر رمح صغير ، والكميت بين السواد والحمرة ، والقرحة البياض في جبهة الفرس دون الغرة . " فطرحته " الضمير للخيشوم أو الفارس والديل بالكسر حيان ، " والغديرة " الذوابة ، " والضفر " نسج الشعر ، " صاحبك " أي قاتلك ، " والرمة " بالكسر العظام البالية ، أي لا رحمه الله أبدا ولو بعد صيرورته رميما " حسبت " من الحساب أي قلت ذلك بحساب النجوم أو من الحسبان بمعنى الظن ، " فدفع " أي ضرب بيده لعنه الله ، حتى أدخل على المعلوم أو المجهول ، وكذا اصطفى يحتملهما أي غصب ونهب أمواله وأموال أصحابه ، " فطلع " على المجهول ، " أحوج " أي مني إلى طلب البيعة " لا ضيق عليك " أي في الدفتر ، " أن تبين له " أي عاقبة أمره ، وعدم جواز ما يفعله " قد أجمعت " أي عزمت .

وفي القاموس مات ضياعا كسحاب أي غير مفتقد ، " لا ينتطح في دمك " كناية عن عدم وقوع التخاصم في دمه ، وقيل عن قلة دمه ، " لكبر سنة " أي إذا ضربا بقرنهما الأرض فني دمك والظاهر هو الأول ، قال : في المغرب في الأمثال لا ينتطح فيها عنزان ، يضرب في أمر هين لا يكون له تغيير ولا نكير وفي النهاية لا يلتقي فيها اثنان ضعيفان لان النطاح من شأن التيوس والكباش لا العنوز ، " ينتمي " أي يرتفع عن درجته ويدعي ما ليس له ، قد تسمى بغير اسمه كالمهدي وصاحب النفس الزكية ، فأحدث عهدك أي وصيتك أو إيمانك وميثاقك ، " أو من غد " الترديد من الراوي أو منه للمصلحة لئلا ينسب إليه علم الغيب ، وهذا أي محمد .

وبنو معاوية كانوا رجال سوء منهم عبد الله والحسن ويزيد وعلي وصالح كلهم أولاد معاوية بن عبد الله بن جعفر ، وخرج عبد الله في زمان يزيد بن الوليد فاجتمع إليه نفر من أهل الكوفة ، ثم خرج وغلب على البصرة ، وهمدان ، وقم ، والري ، و قومس ، وأصبهان ، وفارس ، وأقام بأصبهان واستعمل إخوته على البلاد .

وقال صاحب مقاتل الطالبيين كان سيئ السيرة ردي المذهب قتالا وكان الذين بايعوا محمدا من أولاد معاوية على ما ذكره صاحب المقاتل الحسن ويزيد وصالحا " فتوطؤوه " أي داسوه بأرجلهم .

وعيسى هو ابن أخي الدوانيقي وهو عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس .

قوله : ولد الحسن بن زيد ، الظاهر أنه كان هكذا : ولد الحسن بن زيد بن الحسن ، قاسم ، وزيد ، وعلي ، وإبراهيم ، بنو الحسن بن زيد ، ومحمد بن زيد لا يستقيم لأنه لم يكن لزيد ولد سوى الحسن ، وكان للحسن سبعة أولاد ذكور : القاسم وإسماعيل ، وعلي ، وإسحاق ، وزيد ، وعبد الله ، وإبراهيم .

قال صاحب عمدة الطالب إن زيد بن الحسن بن علي عليهما السلام كان يتولى صدقات رسول الله وتخلف عن عمه الحسين ، ولم يخرج معه إلى العراق وبايع بعد قتل عمه عبد الله بن الزبير ، لان أخته كان تحته ، فلما قتل عبد الله أخذ زيد بيد أخته ورجع إلى المدينة وعاش مائة سنة ، وقيل خمسا وتسعين ، ومات بين مكة والمدينة ، وابنه الحسن بن زيد كان أمير المدينة من قبل الدوانيقي وعينا له على غير المدينة أيضا ، وكان مظاهرا لبني العباس على بني عمه الحسن المثنى ، وهو أول من لبس السواد من العلويين وأدرك زمن الرشيد ، ثم قال : وأعقب الحسن من سبعة رجال : القاسم وهو أكبر أولاده ، وكان زاهدا عابدا إلا أنه كان مظاهرا لبني العباس على بني عمه الحسن بن المثنى انتهى ، فظهر مما ذكرنا أنه لا يستقيم في العبارة إلا ما ذكرنا ، أو يكون هكذا : ولد الحسن بن زيد بن الحسن : قاسم ، ومحمد وإبراهيم بنو الحسن بن زيد ومحمد بن زيد فيكون هو محمد بن زيد بن علي ابن الحسين ، وله أيضا شواهد .

والذباب بالضم ، جبل بالمدينة ، والمسودة بكسر الواو جند بني العباس لتسويدهم ثيابهم ، كالمبيضة لأصحاب محمد لتبييضهم ثيابهم .

وقوله : من خلفنا إشارة إلى ما ذكره ابن الأثير أن في أثناء القتال بعد انهزام كثير من أصحاب محمد فتح بنو أبي عمرو الغفاريون طريقا في بني غفار لأصحاب عيسى ، فدخلوا منه أيضا ، وجاؤا من وراء أصحاب محمد .

قوله : ومضى أي لجمع سائر العساكر أو لغيره من مصالح الحرب ، إلى مسجد الخوامين أي بياعي الخام وهو الجلد لم يدبغ والكرباس لم يغسل ، والفجل وقوله : فضاء بالجر بدل أو بالرفع خبر محذوف ، فاستقدم أي تقدم أو اجترأ . والحاصل أنه تقدم حتى انتهى إلى شعب قبيلة فزارة ، ثم دخل شعب هذيل أو محلتهم ، ثم مضى إلى شعب أشجع أو محلتهم ، " فأنفذه " أي الرمح في الدرع ولم يصل إلى بدنه ، وانثنى أي انعطف " فأثخنه " أي أوهنه بالجراحة ، وهو أي محمد مدبر على الفارس بتضمين معنى الاقبال أو الحملة والزج بالضم والتشديد الحديدة في أسفل الرمح ويقال : أجلوا عن البلاد وأجليتهم أنا ، يتعدى ولا يتعدى .

وفي المقاتل إن محمد بن عبد الله خرج لليلتين بقيتا من جمادى الآخرة سنة خمس وأربعين ومائة ، وقتل يوم الاثنين لأربع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان . وإبراهيم هو أخو محمد كان يهرب في البلاد خمس سنين إلى أن قدم البصرة في السنة التي خرج فيها أخوه بالمدينة ، وبايعه من أهلها أربعة آلاف رجل فكتب إليه أخوه يأمره بالظهور ، فظهر أمره أول شهر رمضان سنة خمس وأربعين ومائة فغلب على البصرة ووجه جنودا إلى الأهواز وفارس ، وقوي أمره واضطرب المنصور ، وكان قد أحصى ديوانه مائة ألف مقاتل ، وكان رأي أهل البصرة أن لا يخرج عنهم ويبعث الجنود إلى البلاد فأخطأ ولم يسمع منهم ، وخرج نحو الكوفة فبعث إليه المنصور عيسى بن موسى في خمسة عشر ألفا وعلى مقدمته حميد بن قحطبة في ثلاثة آلاف ، فسار إبراهيم ، حتى نزل باخمرى وهي من الكوفة على ستة عشر فرسخا ، ووقع القتال فيه ، وانهزم عسكر عيسى ، حتى لم يبق معه إلا قليل فأتى جعفر وإبراهيم ابنا سليمان بن علي من وراء ظهور أصحاب إبراهيم وأحاطوا بهم من الجانبين ، وقتل إبراهيم وتفرق أصحابه ، واتي برأسه إلى المنصور ، وكان قتله يوم الاثنين لخمس بقين من ذي القعدة ومكث مذ خرج إلى أن قتل ثلاثة أشهر إلا خمسة أيام . قوله : مكمنا أي مختفيا عنده خوفا من المنصور ، أو من الناس لسوء صنيعه بسوء تدبيره ، الضمير لعيسى أو لمحمد ، وسوء تدبيرهما كان من جهات شتى لاضرارهم وإهانتهم بأشرف الذرية الطيبة وقتلهم إسماعيل ، وعدم خروجهم من المدينة ، وقد أمرهم به محمد بن خالد ، وحفرهم الخندق مع منع الناس عنه وغير ذلك ، أو في أصل الخروج مع نهي الصادق عليه السلام عنه وإخباره بقتلهم . قوله : ثم مضيت ، قال صاحب المقاتل عبد الله الأشتر بن محمد بن عبد الله ابن الحسن ، كان عبد الله بن محمد بن مسعدة الذي كان معلمه أخرجه بعد قتل أبيه إلى بلاد الهند فقتل بها ، ووجه برأسه إلى المنصور ، قال ابن مسعدة : لما قتل محمد خرجنا بابنه الأشتر فأتينا الكوفة ، ثم انحدرنا إلى البصرة ، ثم خرجنا إلى السند ، ثم دخلنا المنصورية فلم نجد شيئا ، فدخلنا قندهار فأحللته قلعة لا يرومها رائم ، ولا يطور بها طائر وكان أفرس من رأيت من عباد الله ، ما إخال الرمح في يده إلا قلما ، قال : فخرجت لبعض حاجتي وخلفي بعض تجار أهل العراق فقالوا له : قد بايع لك أهل المنصورية ، فلم يزالوا به حتى صار إليها ، فبعث المنصور هشام بن عمر إلى السند فقتله ، وبعث برأسه إليه ، والمهدي محمد بن منصور صار خليفة بعد أبيه في ذي الحجة سنة ثمان وخمسين ومائتين ، وتحبى على بناء المجهول من الحباء وهو العطاء قوله : أقطعني لعله من قولهم أقطعه قطيعة أي طائفة من أرض الخراج ، كناية عن حفظه له وإنفاقه عليه ، كأنه ملكه أو من أقطع فلانا إذا جاوز به نهرا ، " مولاهم : أي عبدهم ، أو معتقهم أو محبهم أو تابعهم .

- الكافي : محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن عبد الرحمان بن أبي هاشم عن الفضل الكاتب قال : كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فأتاه كتاب أبي مسلم فقال : ليس لكتابك جواب ، اخرج عنا ، فجعلنا يسار بعضنا بعضا فقال : أي شئ تسارون يا فضل ؟ إن الله عز ذكره لا يعجل لعجلة العباد ، ولإزالة جبل عن موضعه أيسر من زوال ملك لم ينقض أجله ، ثم قال : إن فلان بن فلان حتى بلغ السابع من ولد فلان قلت : فما العلامة فيما بيننا وبينك جعلت فداك ؟ قال : لا تبرح الأرض يا فضل حتى يخرج السفياني فإذا خرج السفياني فأجيبوا إلينا يقولها ثلاثا وهو من المحتوم .

- أمالي الطوسي : الحسين بن إبراهيم القزويني ، عن محمد بن وهبان ، عن أحمد بن إبراهيم ، عن الحسن بن علي الزعفراني ، عن البرقي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله قال : لما خرج طالب الحق قيل لأبي عبد الله : نرجو أن يكون هذا اليماني ، فقالا : لا ، اليماني يتوالى عليا ، وهذا يبرأ منه .

- الكافي : حميد بن زياد ، عن عبيد الله بن أحمد الدهقان ، عن علي بن الحسن الطاطري ، عن محمد بن زياد بياع السابري ، عن أبان ، عن صباح بن سيابة عن المعلى بن خنيس قال : ذهبت بكتاب عبد السلام بن نعيم وسدير وكتب غير واحد إلى أبي عبد الله حين ظهرت المسودة قبل أن يظهر ولد العباس بأنا قد قدرنا أن يؤول هذا الامر إليك فما ترى ؟ قال : فضرب بالكتب الأرض ، ثم قال : أف أف ما أنا لهؤلاء بإمام ، أما يعلمون أنه إنما يقتل السفياني .

- الكافي : أحمد بن محمد بن أحمد الكوفي ، عن علي بن الحسن التيمي عن علي بن أسباط ، عن علي بن جعفر قال : حدثني معتب أو غيره قال : بعث عبد الله بن الحسن إلى أبي عبد الله يقول لك أبو محمد : أنا أشجع منك ، وأنا أسخى منك ، وأنا أعلم منك ، فقال لرسوله : أما الشجاعة فوالله ما كان لك موقف يعرف به جبنك من شجاعتك ، وأما السخي فهو الذي يأخذ الشئ فيضعه في حقه ، وأما العلم فقد أعتق أبوك علي بن أبي طالب ألف مملوك فسم لنا خمسة منهم ، وأنت عالم ، فعاد إليه فأعلمه ، ثم عاد إليه فقال : يقول : إنك رجل صحفي ، فقال له أبو عبد الله : قل : أي والله صحف إبراهيم وموسى وعيسى ورثتها عن آبائي .

- الكافي : محمد بن يحيى ، عن ابن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن صفوان الجمال ، قال : وقع بين أبي عبد الله وبين عبد الله بن الحسن كلام حتى وقعت الضوضاء بينهم واجتمع الناس ، فافترقا عشيتهما بذلك ، وغدوت في حاجة فإذا أنا بأبي عبد الله على باب عبد الله بن الحسن وهو يقول : يا جارية قولي لأبي محمد قال : فخرج ، فقال : يا أبا عبد الله ما بكر بك ؟ قال : إني تلوت آية في كتاب الله عز وجل البارحة فأقلقتني فقال : وما هي ؟ قال : قول الله عز وجل ذكره : " الذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب " فقال : صدقت لكأني لم أقرأ هذه الآية من كتاب الله قط ، فاعتنقا وبكيا .

- إقبال الأعمال : بإسناده عن شيخ الطائفة ، عن المفيد والغضائري ، عن الصدوق عن ابن الوليد ، عن الصفار ، عن ابن أبي الخطاب ، عن ابن أبي عمير ، عن إسحاق ابن عمار . وأيضا بالاسناد ، عن الشيخ ، عن أحمد بن محمد بن سعيد بن موسى الأهوازي .

العودة إلى الصفحة الرئيسية

www.mezan.net <‎/TITLE> ‎<META HTTP-EQUIV="Content-Type" CONTENT="text/html; charset=windows-1256">‎ ‎<META NAME="keywords" CONTENT=" السيد محمد حسين فضل الله في الميزان ">‎ ‎<META NAME="description" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله في كتبه ">‎ ‎<META NAME="author" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله بصوته ">‎ ‎<META NAME="copyright" CONTENT=" رأي المراجع العظام والعلماء ">‎ <‎/HEAD>