ومن كلام له في أوصاف الزاهدين

إن علامة الزاهدين في الدنيا ، الراغبين في الآخرة ، تركهم كل خليط وخليل ، ورفضهم كل صاحب ، لا يريد ما يريدون ، ألا وإن العامل لثواب الآخرة هو الزاهد في عاجل زهرة الدنيا ، الآخذ للموت أهبته ، الحاث على العمل قبل فناء الأجل ، ونزول ما لابد من لقائه ، وتقديم الحذر قبل الحين ، فإن الله عز وجل يقول : ( حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون * لعلى أعمل صلحا فيما تركت ) فلينزلن أحدكم اليوم نفسه في هذه الدنيا كمنزلة المكرور إلى الدنيا ، النادم على ما فرط فيها من العمل الصالح ليوم فاقته .

واعلموا عباد الله ، أنه من خاف البيات تجافى عن الوساد ، وامتنع عن الرقاد ، وأمسك عن بعض الطعام والشراب من خوف سلطان أهل الدنيا ، فكيف ويحك يا بن آدم من خوف بيات سلطان رب العزة ؟ ! وأخذه الأليم ، وبياته لأهل المعاصي والذنوب ، مع طوارق المنايا بالليل والنهار ؟ ! فذلك البيات الذي ليس منه منجى ، ولا من دونه ملتجأ ، ولا منه مهرب ، فخافوا الله أيها المؤمنون من البيات خوف أهل اليقين ، وأهل التقوى ، فإن الله يقول : ( ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد ) .

فاحذروا زهرة الحياة الدنيا وغرورها ، وسرورها وشرورها ، وتذكروا ضرر عاقبة الميل إليها ، فإن زينتها فتنة ، وحبها خطيئة ، واعلم ويحك يا بن آدم ! إن قسوة القلوب البطنة ، وكظة الملاة ، وسكرة الشبع ، وغرة الملك مما يثبط ويبطئ عن العمل ، وينسي الذكر ، ويلهي عن اقتراب الأجل ، حتى كأن المبتلى بحب الدنيا به خبل من سكر الشراب ، وإن العاقل عن الله ، الخائف منه ، العامل له ، ليمرن نفسه ، ويعودها الجوع ، حتى ما تشتاق إلى الشبع ، وكذلك تضمر الخيل لسبق الرهان ، فاتقوا الله عباد الله تقوى مؤمل ثوابه ، وخائف عقابه ، فقد لله أنتم أعذر وأنذر ، وشوق وخوف ، فلا أنتم إلى ما شوقكم إليه من كريم ثوابه ، تشتاقون فتعملون ، ولا أنتم مما خوفكم به من شديد عقابه ، وأليم عذابه ترهبون فتنكلون ، وقد نبأكم الله في كتابه : ( فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه وإنا له كاتبون ) .

ثم ضرب لكم الأمثال في كتابه ، وصرف الآيات لتحذروا عاجل زهرة الحياة الدنيا فقال : ( إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم ) .

فاتقوا الله ما استطعتم ، واسمعوا وأطيعوا ، فاتقوا الله واتعظوا بمواعظ الله ، وما أعلم إلا كثيرا منكم قد هلكته عواقب المعاصي فما حذرها ، وأضرت بدينه فما مقتها ، أما تسمعون النداء من الله بعيبها وتصغيرها حيث قال : ( اعلموا أنما الحيوة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطما وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحيوة الدنيا إلا متع الغرور * سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم ) .

وقال : ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون * ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون ) .

فاتقوا عباد الله ، وتفكروا واعملوا لما خلقتم له ، فإن الله لم يخلقكم عبثا ، ولم يترككم سدى ، قد عرفكم نفسه ، وبعث إليكم رسوله ، وأنزل عليكم كتابه ، فيه حلاله وحرامه ، وحججه وأمثاله ، فاتقوا الله ما استطعتم ، فإنه لا قوة إلا بالله ، ولا تكلان إلا عليه ، وصلى الله على محمد نبيه وآله .

العودة إلى الصفحة الرئيسية

www.mezan.net <‎/TITLE> ‎<META HTTP-EQUIV="Content-Type" CONTENT="text/html; charset=windows-1256">‎ ‎<META NAME="keywords" CONTENT=" السيد محمد حسين فضل الله في الميزان ">‎ ‎<META NAME="description" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله في كتبه ">‎ ‎<META NAME="author" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله بصوته ">‎ ‎<META NAME="copyright" CONTENT=" رأي المراجع العظام والعلماء ">‎ <‎/HEAD>