ومن كلام له في تفسير قوله تعالى:{وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجئ بالنبيين والشهداء}

قال : إذا كان يوم القيامة بعث الله الناس من حفرهم عزلا مهلا ، جردا مردا في صعيد واحد ، يسوقهم النور ، وتجمعهم الظلمة حتى يقفوا على عقبة المحشر ، فيركب بعضهم بعضا ، ويزدحمون دونها ، فيمنعون من المضي ، فتشتد أنفاسهم ، ويكثر عرقهم ، وتضيق بهم أمورهم ، ويشتد ضجيجهم ، وترفع أصواتهم ، وهو أول هول من أهوال القيامة .

فعندها يشرف الجبار تبارك وتعالى من فوق العرش ، ويقول : يا معشر الخلائق ، انصتوا واسكتوا ، واسمعوا منادي الجبار .

فيسمع آخرهم كما يسمع أولهم ، فتنكسر أصواتهم عند ذلك ، فتخشع قلوبهم ، وتضطرب فرائصهم ، وتفزع قلوبهم ويرفعون رؤوسهم إلى ناحية الصوت ، مهطعين إلى الداعي ، ويقول الكافر : هذا يوم عسير .

فيأتي النداء من قبل الجبار : أنا الله لا إله إلا أنا ، الحكم الذي لا يجور ، أحكم اليوم بينكم بعدلي وقسطي ، لا يظلم اليوم عندي أحد ، آخذ للضعيف من القوي بحقه ، ولصاحب المظلمة من القصاص من الحسنات والسيئات ، وأثيب على الهبات ، ولا يجوز هذه العقبة اليوم عندي ظالم ، ولا أحد عنده مظلمة ، إلا مظلمة يهبها لصاحبها ، وأثيبه عليها ، وآخذ له بها عند الحساب ، فتلازموا أيها الخلائق ، واطلبوا مظالمكم عند من ظلمكم بها في الدنيا ، وأناشدكم عليها  ، وكفى بي شهيدا . فيتعارفون ويتلازمون فلا يبقى أحد له مظلمة عند أحد أو حق إلا لزمه ، فيمكثون ما شاء الله ، فيشتد حالهم ، ويكثر عرقهم ، ويشتد غمهم ، وترتفع أصواتهم بضجيج شديد ، ويتمنون المخلص منه بترك مظالمهم لأهلها .

فيأتي النداء من قبل الجبار - جل جلاله - : أيها الخلائق ، انصتوا لداعي الله واسمعوا ، إن الله يقول : أنا الوهاب ، إن أحببتم تواهبتم ، وإلا أخذتم بمظالمكم . فيفرحون بذلك لشدة جهدهم ، وضيق مسلكهم وتزاحمهم ، فيهب بعضهم مظلمته لبعض ؛ رجاء الخلاص مما هم فيه ، ويبقى بعضهم يقولون : يا رب ، مظالمنا أعظم من أن نهبها .

فعندها يأمر المولى خازن الجنان أن يظهر قصرا من فضة بما فيه ، ثم يأمرهم - جل شأنه - أن يرفعوا رؤوسهم وينظروا إلى كرامة الله تعالى ، فإذا رأوا ذلك القصر ، تمنى كل منهم أن يكون له .

فيأتي النداء : هذا لكل من عفا عن مؤمن ، فعندها يعفون إلا القليل .

فيقول الله : لا يجوز إلى جنتي ظالم .

ثم يدفعون إلى العقبة يكرد بعضهم بعضا ، فينتهون إلى العرش ، وقد نشرت الدواوين ، وأحضر النبيون والشهداء ، وهم الأئمة يشهد كل إمام على أهل عالمه إنه قد قام فيهم بأمر الله ، ودعاهم إلى سبيله .

فقال رجل لعلي بن الحسين : إذا كان للمؤمن على الكافر حق ، فأي شئ يؤخذ منه ، وهو من أهل النار ؟ قال : يطرح عن المسلم من سيئاته بقدر ما له على الكافر ، ويعذب الكافر بها مع عذابه بكفره .

فقال الرجل : وإن كان للمسلم على المسلم مظلمة فما يؤخذ منه ؟ قال : يؤخذ من حسنات الظالم ، ويعطى للمظلوم بقدر ما له عليه ، فقال ‹الرجل : وإن لم يكن للظالم حسنات مما يؤخذ منه ؟ قال : إن كان للمظلوم سيئات تزاد على سيئات الظالم ، بقدر ماله من الحق عليه .

وإذا صار أهل الجنان إلى منازلهم ، واتكأ كل أحد على أريكته ، وحفت بهم الخدم ، وتهدلت عليهم الثمار ، وجرت من تحتهم الأنهار ، وبسطت لهم الزرابي ، وصففت لهم النمارق ، وأتتهم الخدم بما شاءت لهم شهواتهم . أتاهم المنادي من قبل الله تعالى : أوليائي وأهل طاعتي ، هل أنبئكم بخير مما أنتم عليه ؟ فيقولون : ربنا ، وأي شئ خير مما نحن فيه ؟ فيقول سبحانه : رضائي عنكم ، ومحبتي لكم خير مما أنتم . فيقولون : ربنا رضاك ومحبتك خير لنا ، وأطيب لأنفسنا ، وهو قوله تعالى : ( وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومسكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم ) .

العودة إلى الصفحة الرئيسية

www.mezan.net <‎/TITLE> ‎<META HTTP-EQUIV="Content-Type" CONTENT="text/html; charset=windows-1256">‎ ‎<META NAME="keywords" CONTENT=" السيد محمد حسين فضل الله في الميزان ">‎ ‎<META NAME="description" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله في كتبه ">‎ ‎<META NAME="author" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله بصوته ">‎ ‎<META NAME="copyright" CONTENT=" رأي المراجع العظام والعلماء ">‎ <‎/HEAD>