ومن خطبة له في الشام - نسخة أخرى

لما أنه سأل يزيد أن يخطب يوم الجمعة ، فقال : نعم .

فلما كان يوم الجمعة ، أمر ملعونا أن يصعد المنبر ، ويذكر ما جاء على لسانه من المساوئ في علي والحسين ، ويقرر الثناء والشكر على الشيخين .

فصعد الملعون المنبر وقال ما شاء من ذلك .

فقال الإمام : ائذن لي حتى أخطب أنا أيضا ، فندم يزيد على ما وعده من أن يأذن له ، فلم يأذن له ، فشفع الناس فيه ، فلم يقبل شفاعتهم ، ثم قال معاوية ابنه - وهو صغير السن - : يا أباه ما يبلغ خطبته ، ائذن له حتى يخطب .

قال يزيد : أنتم في أمر هؤلاء في شك أنهم ورثوا العلم والفصاحة ، وأخاف أن يحصل من خطبته فتنة علينا وبالها ، ثم أجازه ، فصعد المنبر وقال : الحمد لله الذي لا بداية له ، والدائم الذي لا نفاذ له ، والأول الذي لا أول لأوليته ، والآخر الذي لا آخر لآخريته ، والباقي بعد فناء الخلق ، قدر الليالي والأيام ، وقسم فيما بينهم الأقسام ، فتبارك الله الملك العلام .

وساق الخطبة إلى أن قال : إن الله تعالى أعطانا العلم والحلم ، والشجاعة والسخاوة ، والمحبة في قلوب المؤمنين ، ومنا رسول الله ووصيه ، وسيد الشهداء ، وجعفر الطيار في الجنة ، وسبطا هذه الأمة ، والمهدي الذي يقتل الدجال .

أيها الناس : من عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني فأنا أعرفه بحسبي ونسبي ، أنا ابن مكة ومنى ، أنا ابن زمزم والصفا ، أنا ابن من حمل الركن بأطراف الرداء ، أنا ابن خير من ائتزر وارتدى ، أنا ابن خير من طاف وسعى ، أنا ابن خير من حج ولبى ، أنا ابن من أسري به إلى المسجد الأقصى ، أنا ابن من بلغ به إلى سدرة المنتهى ، أنا ابن من دنى فتدلى ، فكان قاب قوسين أو أدنى ، أنا ابن من أوحى إليه الجليل ما أوحى ، أنا ابن الحسين القتيل بكربلاء ، أنا ابن علي المرتضى ، أنا ابن محمد المصطفى ، أنا ابن خديجة الكبرى ، أنا ابن فاطمة الزهراء ، أنا ابن سدرة المنتهى ، أنا ابن شجرة طوبى ، أنا ابن المرمل بالدماء ، أنا ابن من بكى عليه الجن في الظلماء ، أنا ابن من ناحت عليه الطيور في الهواء .

فلما بلغ كلامه إلى هذا الموضع ، ضج الناس بالبكاء والنحيب ، وخشي يزيد أن تكون فتنة ، فأمر المؤذن أن يؤذن للصلاة ، فقام المؤذن وقال : " الله أكبر الله أكبر " ، فقال الإمام : " نعم ، الله أكبر وأعلى وأجل ، وأكرم مما أخاف وأحذر " .

فلما قال : " أشهد أن لا إله إلا الله " ، قال : " نعم ، أشهد مع كل شاهد ، وأحتمل على كل جاحد أن لا إله غيره ، ولا رب سواه " .

فلما قال : " أشهد أن محمدا رسول الله " ، أخذ عمامته من رأسه وقال للمؤذن : " أسألك بحق محمد هذا ، أن تسكت ساعة " ، ثم أقبل على يزيد وقال : " يا يزيد ، هذا الرسول العزيز الكريم ، جدي أم جدك ؟ فإن قلت : إنه جدك ، يعلم العالمون إنك كاذب ، وإن قلت : إنه جدي ، فلم قتلت أبي ظلما ، وانتهبت ماله ، وسبيت عياله " .

فقال هذا ، وأهوى إلى ثوبه فشقه .

ثم بكى وقال : " والله ، لو كان في الدنيا من جده رسول الله فليس غيري ، فلم قتل هذا الرجل أبي ظلما ؟ ! وسبانا كما تسبى الروم ! " .

ثم قال : " يا يزيد ، فعلت هذا ثم تقول : محمد رسول الله ، وتستقبل القبلة ! فويل لك من يوم القيامة حيث كان خصمك جدي وأبي ! " .

فصاح يزيد بالمؤذن أن يقيم بالصلاة ، فوقع بين الناس دمدمة وزمزمة عظيمة ، فبعض صلى ، وبعضهم لم يصل حتى تفرقوا .

العودة إلى الصفحة الرئيسية

www.mezan.net <‎/TITLE> ‎<META HTTP-EQUIV="Content-Type" CONTENT="text/html; charset=windows-1256">‎ ‎<META NAME="keywords" CONTENT=" السيد محمد حسين فضل الله في الميزان ">‎ ‎<META NAME="description" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله في كتبه ">‎ ‎<META NAME="author" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله بصوته ">‎ ‎<META NAME="copyright" CONTENT=" رأي المراجع العظام والعلماء ">‎ <‎/HEAD>