في القصار من كلمات الإمام علي بن الحسين وفيها حكم ، ومواعظ ، ومحاسن آداب (2)

51 . وقال : كم من مفتون بحسن القول فيه ، وكم من مغرور بحسن الستر عليه ، وكم من مستدرج بالإحسان إليه .

52 . وعن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله قال : كان علي بن الحسين يقول : ويل لمن غلبت آحاده عشراته ! فقلت له : وكيف هذا ؟ فقال : أما سمعت الله عز وجل يقول : ( من جاء بالحسنة فلهو عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها ) ، فالحسنة الواحدة إذا عملها كتبت له عشرة ، والسيئة الواحدة كتبت له واحدة .

فنعوذ بالله ممن يرتكب في يوم واحد عشر سيئات ، ولا تكون له حسنة واحدة ، فتغلب حسناته سيئاته .

وفي رواية أخرى قال : يا سوأتاه لمن غلبت آحاده عشراته ! فإن السيئة بواحدة ، والحسنة بعشرة .

53 . وقال : أربع عزهن ذل ؛ البنت ولو مريم ، والدين ولو درهم ، والغربة ولو ليلة ، والسؤال ولو كيف الطريق .

54 . وقال : إن المعرفة بكمال دين المسلم تركه الكلام فيما لا يعنيه ، وقلة مرائه ، وحلمه وصبره ، وحسن خلقه .

55 . وقال : ما استغنى أحد بالله إلا افتقر الناس إليه ، ومن اتكل على حسن اختيار الله عز وجل له ، لم يتمن إنه في غير الحال التي اختار الله له .

56 . وقال - لما قال له رجل ما الزهد ؟ قال - : الزهد عشرة أجزاء ، فأعلى درجاته أدنى درجات الورع ، وأعلى درجات الورع ، أدنى درجات اليقين ، وأعلى درجات اليقين ، أدنى درجات الرضا ، وأن الزهد آية في كتاب الله : ( لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم ) .

57 . وقال : من ضحك ضحكة ، مج من علمه مجة علم . وفي نهج البلاغة قال : ما مزح الرجل مزحة إلا مج من عقله مجة .

58 . وقال : إن الجسد إذا لم يمرض أشر ، ولا خير في جسد يأشر .

59 . وقال رجل له : ما أشد بغض قريش لأبيك ؟ فقال : لأنه أورد أولهم النار ، وألزم وقلد آخرهم العار .

قال : ثم جرى ذكر المعاصي ، فقال : عجبت لمن يحتمي الطعام لمضرته ، ولا يحتمي الذنب لمعرته ! وقريب منه ما ورد عن النبي الأعظم : عجبت لمن يحتمي من الطعام مخافة الداء ، كيف لا يحتمي من الذنوب !

60 . ورأى عليلا قد برئ ، فقال : يهنؤوك الطهور من الذنوب ، إن الله قد ذكرك فاذكره ، وأقالك فاشكره .

أقول : وقد روي هذا الحديث عن عمه الإمام المجتبى الحسن باختلاف لما دخل على عليل فقال له : إن الله تعالى قد نالك فاشكره ، وذكرك فاذكره .

61 . وقال : رب مغرور مفتون يصبح لاهيا ضاحكا ، يأكل ويشرب وهو لا يدري ، لعله قد سبقت له من الله سخطة يصلى بها نار جهنم .

62 . وقال : ما من شئ أحب إلى الله بعد معرفته من عفة بطن وفرج ، وما من شئ أحب إلى الله من أن يسأل .

63 . وقال لابنه محمد : افعل الخير إلى كل من طلبه منك ، فإن كان له أهل ، فقد أصبت موضعه ، وإن لم يكن بأهل ، كنت أنت أهله .

وإن شتمك رجل عن يمينك ، ثم تحول إلى يسارك ، واعتذر إليك فاقبل عذره .

64 . وقال : مجالس الصالحين داعية إلى الصلاح ، وآداب العلماء زيادة في العقل ، وطاعة ولاة الأمر تمام العز ، واستثمار المال تمام المروءة ، وإرشاد المستشير قضاء لحق النعمة ، وكف الأذى من كمال العقل ، وفيه راحة للبدن ، عاجلا وآجلا .

65 . وقال : من قال : " لا إله إلا الله " ، فلن يلج ملكوت السماء ، حتى يتم قوله بعمل صالح .

ولا دين لمن دان الله بغير إمام عادل ، ولا دين لمن دان الله بطاعة - ظالم .

ثم قال : وكل القوم ألهاهم التكاثر ، حتى زاروا المقابر .

66 . وقال : أظهر اليأس من الناس فإن ذلك من الغنى ، وأقل طلب الحوائج إليهم فإن ذلك فقر حاضر ، وإياك وما يعتذر منه ، وصل صلاة مودع ، وإن استطعت أن تكون اليوم خيرا من أمس ، وغدا خيرا من اليوم فافعل .

67 . وقيل له : إن الحسن البصري قال : " ليس العجب ممن هلك كيف هلك ، وإنما العجب ممن نجا كيف نجا ! " .

فقال : أنا أقول : ليس العجب ممن نجا كيف نجا ، إنما العجب ممن هلك كيف هلك مع سعة رحمة الله !

68 . ونظر إلى سائل يبكي ، فقال : لو أن الدنيا كانت في كف هذا ، ثم سقطت منه ، ما كان ينبغي له أن يبكي عليها !

69 . وسئل : لم أوتم النبي من أبويه ؟ فقال : لئلا يوجب عليه حق المخلوق .

أقول : وروي هذا الحديث عن الإمام الصادق باختلاف . سئل منه لم أوتم النبي عن أبويه ؟ فقال : لئلا يكون لمخلوق أمر عليه .

70 . وقال لابنه : إياك ومعاداة الرجال ! فإنه لن يعدمك مكر حليم ، أو مفاجأة لئيم .

71 . وقال : من رمى الناس بما فيهم رموه بما ليس فيه ، ومن لم يعرف داءه أفسد دواءه .

أقول : وقريب من الجملة الأولى هذه الجملة لأمير المؤمنين حيث قال - كما في نهج البلاغة - : من أسرع إلى الناس بما يكرهون ، قالوا فيه ما لا يعلمون .

72 . وقال : إن أحبكم إلى الله أحسنكم عملا ، وإن أعظمكم عند الله عملا أعظمكم فيما عند الله رغبة ، وإن أنجاكم من عذاب الله أشدكم خشية لله ، وإن أقربكم من الله أوسعكم خلقا ، وإن أرضاكم عند الله أسعاكم على عياله ، وإن أكرمكم على الله أتقاكم لله .

73 . وقال : إن أسرع الخير ثوابا البر ، وأسرع الشر عقابا البغي ، وكفى بالمرء عيبا أن ينظر في عيوب غيره ، ويعمى عن عيوب نفسه ، أو يؤذي جليسه بما لا يعنيه ، أو ينهى الناس عما لا يستطيع تركه .

74 . وقال : لو يعلم الناس ما في طلب العلم لطلبوه ولو بسفك المهج ، وخوض اللجج ، إن الله - تبارك وتعالى - أوحى إلى دانيال : إن أمقت عبيدي إلي الجاهل ، المستخف بأهل العلم ، التارك للاقتداء بهم ، وإن أحب عبيدي إلي ، التقي الطالب للثواب الجزيل ، اللازم للعلماء ، التابع للحلماء ، القابل عن الحكماء .

75 . وقيل له : كيف أصبحت يا بن رسول الله ؟ فقال : أصبحت وأنا مطلوبا بثمان ؛ الله تعالى يطلبني بالفرائض ، والنبي بالسنة ، والعيال بالقوت ، والنفس بالشهوة ، والشيطان بالمعصية ، والحافظان بصدق العمل ، وملك الموت بالروح ، والقبر بالجسد ، فأنا بين هذه الخصال مطلوب .

76 . وعن محمد بن حوب قال : أوصى علي بن الحسين ولده أبا جعفر محمد ، فقال : يا بني اصبر للنوائب ، ولا تتعرض للحتوف ، ولا تعط نفسك ، ما ضره عليك أكثر من نفعه .

أقول : وفي رواية أخرى ، بدل الجملة الأخيرة هذه العبارة : " ولا تجب أخاك إلى الأمر الذي مضرته عليك ، أكثر من منفعتك له " .

77 .وقال : متفقه في الدين ، أشد على الشيطان من عبادة ألف عابد .

78 . وقال : لا يوصف الله بمحكم وحيه ، عظم ربنا عن الصفة ، وكيف يوصف من لا يحد ، وهو يدرك الأبصار ، ولا تدركه الأبصار ، وهو اللطيف الخبير .

وقريب من هذه الرواية عنه قال : يا أبا حمزة ، إن الله لا يوصف بمحدودية ، عظم ربنا عن الصفة ، فكيف يوصف بمحدودية ، من لا يحد ، ولا تدركه الأبصار ، وهو يدرك الأبصار ، وهو اللطيف الخبير .

79 . وعن أبي جعفر قال : كان علي بن الحسين يقول : لولا آية في كتاب الله ، لحدثتكم بما يكون إلى يوم القيامة .

فقلت له : أية آية ؟ قال : قول الله : ( يمحوا الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب ) .

80 . وقال : ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ، ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم ؛ المدخل فينا من ليس منا ، والمخرج منا من هو منا ، والقائل إن لهما في الإسلام نصيبا ، يعني : هذين الصنمين .

81 . وقال : بئس القوم قوم ختلوا الدنيا بالدين ، وبئس القوم قوم عملوا بأعمال يطلبون بها الدنيا .

82 . وقال : كلكم سيصير حديثا ، فمن استطاع أن يكون حديثا حسنا ، فليفعل .

وهذا المعنى نظمه ابن دريد في المقصورة : وإنما المرء حديث بعده * فكن حديثا حسنا لمن وعى

83 . وعن أبي مالك : قلت لعلي بن الحسين : أخبرني بجميع شرائع الدين .

فقال : قول الحق ، والحكم بالعدل ، والوفاء بالعهد .

84 . وقال : إن أفضل الأعمال عند الله ما عمل بالسنة وإن قل .

85 . وقال : القول الحسن يثري المال ، وينمي الرزق ، وينسي في الأجل ، ويحبب إلى الأهل ، ويدخل الجنة .

86 . وقال : إذا نصح العبد لله في سره أطلعه الله على مساوئ عمله ، فتشاغل بذنوبه عن معايب الناس .

87 . وقال : لو اجتمع أهل السماء والأرض أن يصفوا الله بعظمته ، لم يقدروا .

88 . وقال : عبادة الأحرار لا تكون إلا شكرا لله ، لا خوفا ولا رغبة .

89 . وقال : ما بهمت البهائم ، فلم تبهم عن أربعة ؛ معرفتها بالرب - تبارك وتعالى - ومعرفتها بالموت ، ومعرفتها بالأنثى من الذكر ، ومعرفتها بالمرعى الخصب .

قلت : قال الصدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه بعد هذا الحديث : وأما الخبر الذي روي عن الإمام الصادق أنه قال : " لو عرفت البهائم من الموت ما تعرفون ، ما أكلتم منها سمينا قط ! " فليس بخلاف هذا الخبر ؛ لأنها تعرف الموت ، لكنها لا تعرف منه ما تعرفون .

90 . وقال : إني لأكره أن أعبد الله ولا غرض لي إلا ثوابه ، فأكون كالعبد الطمع المطيع ، إن طمع عمل ، وإلا لم يعمل ، وأكره أن أعبده إلا لخوف عقابه ، فأكون كالعبد السوء ، إن لم يخف لم يعمل ، وقيل : فلم تعبده ؟ قال : لما هو أهله بأياديه علي وإنعامه .

91 . وقال : إن لسان ابن آدم يشرف على جميع جوارحه كل صباح ، فيقول : كيف أصبحتم ؟ فيقولون : بخير إن تركتنا ، ويقولون : الله الله فينا ، ويناشدونه ، ويقولون : إنما نثاب بك ونعاقب بك .

أقول : وقريب من هذه الرواية ما ورد عن النبي أنه قال : إذا أصبح ابن آدم ، كانت الأعضاء كلها تكفر اللسان وتقول : اتق الله فينا ، فإنما نحن بك ، إن استقمت استقمنا ، وإن أعوججت أعوججنا .

وما ورد عن الصادق : ما من يوم إلا وكل عضو من أعضاء الجسد ، يكفر اللسان ويقول : نشدتك الله أن نعذب فيك .

92 . وقال : ضمنت على ربي ألا يسألني أحد من غير حاجة ، إلا اضطرته المسألة يوما إلى أن يسأل من حاجة .

93 . وقال : إنما التوبة العمل ، والرجوع عن الأمر ، وليست التوبة بالكلام .

94 . وقال : من كتم علما أحدا ، أو أخذ عليه أجرا رفدا صفدا ، فلا ينفعه أبدا .

وقال النبي : من كتم علما نافعا ، ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار .

95 . وعن محمد بن بشير ، عن علي بن الحسين أنه قال : من استمع حرفا من كتاب الله تعالى من غير قراءة ، كتب الله له به حسنة ، ومحا عنه سيئة ، ورفع له درجة ، ومن قرأ نظرا من غير صوت ، كتب الله له بكل حرف حسنة ، ومحا عنه سيئة ، ورفع له درجة ، ومن تعلم منه حرفا ظاهرا ، كتب الله له عشر حسنات ، ومحا عنه عشر سيئات ، ورفع له عشر درجات .

قال : لا أقول بكل آية ، ولكن بكل حرف باء وتاء أو شبههما .

قال : ومن قرأ حرفا وهو جالس في صلاته ، كتب الله له خمسين حسنة ، ومحا عنه خمسين سيئة ، ورفع له خمسين درجة ، ومن قرأ حرفا وهو قائم في صلاته ، كتب الله له بكل حرف مئة حسنة ، ومحا عنه مئة سيئة ، ورفع له مئة درجة مستجابة ، ومن ختمه كانت له دعوة مؤخرة أو معجلة . قال : قلت : - جعلت فداك ! - إذا ختمه كله ؟ قال : ختمه كله .

96 . وقال : ويلمه فاسقا من لا يزال مماريا ! ويلمه فاجرا من لا يزال مخاصما ! ويلمه آثما من كثر كلامه في غير ذات الله !

97 . وقال : الحسود لا ينال شرفا ، والحقود يموت كمدا ، واللئيم يأكل ماله الأعداء ، والذي خبث لا يخرج إلا نكدا .

98 . وقال : يكتفي اللبيب بوحي الحديث ، وينبو البيان عن قلب الجاهل ، ولا ينتفع بالقول وإن كان بليغا ، مع سوء الاستماع ، وحسن المنطق .

99 . وقال : أسعد الناس من جمع إلى حزمه عزما في طاعة الله .

100 . وقال : أخذ الناس ثلاثا عن ثلاثة : أخذوا الصبر عن أيوب ، والشكر عن نوح ، والحسد من بني يعقوب .

العودة إلى الصفحة الرئيسية

www.mezan.net <‎/TITLE> ‎<META HTTP-EQUIV="Content-Type" CONTENT="text/html; charset=windows-1256">‎ ‎<META NAME="keywords" CONTENT=" السيد محمد حسين فضل الله في الميزان ">‎ ‎<META NAME="description" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله في كتبه ">‎ ‎<META NAME="author" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله بصوته ">‎ ‎<META NAME="copyright" CONTENT=" رأي المراجع العظام والعلماء ">‎ <‎/HEAD>