في القصار من كلمات الإمام علي بن الحسين وفيها حكم ، ومواعظ ، ومحاسن آداب (8)

 351 . وعن أبي الطفيل ، عن الإمام الباقر أنه قال أبوه في حديث : أما أن في صلبه - يعني ابن عباس - وديعة ذريت لنار جهنم ، سيخرجون أقواما من دين الله أفواجا ، وستصبغ الأرض بدماء فراخ من فراخ آل محمد ، تنهض تلك الفراخ في غير وقت ، وتطلب غير مدرك ، ويرابط الذين آمنوا ويصبرون ، ويصابرون حتى يحكم الله بيننا ، وهو خير الحاكمين .

352 . وكان واقفا بعرفات ومعه الزهري ، فقال : كم تقدر هاهنا من الناس ؟ قال الزهري : أقدر أربعة آلاف كلهم حجاج ، قصدوا الله بأموالهم ، ويدعونه بضجيج أصواتهم .

فقال : يا زهري ، ما أكثر الضجيج وأقل الحجيج ! فقال الزهري : أهؤلاء قليل ؟ ! فعندها أمره الإمام أن يدنو منه ، فإنما دنا منه ، فمسح بيده المباركة على وجهه ، وقال له : " انظر " .

فعندها قال الزهري : أرى هؤلاء كلهم قردة إلا القليل .

ثم استدناه ومسح بيده الشريفة على وجهه ، فرأى أولئك خنازير . ثم مسح على وجهه ، فإذا هم دواب إلا النفر اليسير ، فقال له : بأبي أنت وأمي ، أدهشتني آياتك وحيرتني عجائبك ! قال : يازهري ، ما الحجيج من هؤلاء إلا اليسير من ذلك الجمع الغفير .

ثم قال : إن من والى موالينا ، وهجر معادينا ، ووطن نفسه على طاعتنا ، ثم حضر الموقف مسلما إلى الحجر الأسود ، ما قلده الله من أماناتنا ، ووفانا بما ألزمه من عهودنا ، فذلك هو الحاج ، والباقون من قد رأيتهم .

ثم حدثه بحديث عن أبيه ، عن جده رسول الله في فضل شيعتهم والموالين لهم .

353 . ولما قال الزهري وعروة بن الزبير وذكرا عليا بالسوء ، فبلغه ذلك ، فجاء حتى وقف عليهما ، فقال : أما أنت يا عروة ، فإن أبي حاكم أباك إلى الله ، فحكم لأبي على أبيك ، وأما أنت يا زهري ، فلو كنت بمكة لأريتك بيت أبيك .

354 . وقال : لكم ما تدعون بغير حق * إذا ميز الصحاح من المراض عرفتم حقنا فجحدتمونا * كما عرف السواد من البياض كتاب الله شاهدنا عليكم * وقاضينا الإله فنعم قاض .

355 . وقال : إن معاصي إبليس أعظم من معاصي من كفر بإغوائه ، فأهلك الله من شاء منهم ، كقوم نوح وفرعون ، ولم يهلك إبليس وهو أولى بالهلاك ، فما باله سبحانه وتعالى أهلك الذين قصروا عن إبليس في عمل الموبقات ، وأمهل إبليس مع إيثاره لكشف المحرمات ، أما كان ربنا سبحانه حكيما في تدبيره ، أهلك هؤلاء بحكمته ، واستبقى إبليس ! فكذلك هؤلاء الصائدون يوم السبت ، والقاتلون الحسين ، يفعل بالفريقين ما يعلم أنه أولى بالصواب والحكمة : ( لا يسل عما يفعل وهم يسلون ) .

356 . وقال لحميد بن مسلم لما دافع عنه حين أرادوا قتله : جزيت خيرا ، فوالله لقد دفع الله عني بمقالتك شرا .

357 . ولما التفت ابن زياد إليه فقال : من هذا ؟ فقيل : علي بن الحسين .

فقال : أليس قد قتل الله علي بن الحسين ؟ فقال : قد كان لي أخ يقال له : " علي بن الحسين " قتله الناس .

فقال : بل قتله الله .

وفي رواية : قال : كان لي أخ يسمى علي ، فقتله الناس ، أو " قد قتل " .

فقال : إن الله قتله .

فقال : ( الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها ) .

فقال ابن زياد : ألك جرأة على جوابي ! اذهبوا به فاضربوا عنقه .

فسمعت به عمته زينب الكبرى ، فقالت : " يا بن زياد ، إنك لم تبق منا أحدا ، فإن كنت عزمت على قتله فاقتلني معه " ، فكف عنه .

فقال لعمته : أسكتي يا عمتي حتى أكلمه ، ثم أقبل على ابن زياد : أبالقتل تهددني يا بن زياد ؟ ! أما علمت إن القتل لنا عادة ، وكرامتنا الشهادة .

358 . وقال له رجل : إنكم أهل بيت مغفور لكم .

فغضب فقال : إن الله تعالى يقول : ( يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضعف لها العذاب ضعفين ) - إلى قوله - : ( نؤتها أجرها مرتين ) . ثم قال : نحن أحرى أن يجري فينا ما أجرى الله في أزواج النبي ، من أن نكون كما تقول . إنا نرىلمحسننا ضعفين من الأجر ، ولمسيئنا ضعفين من العذاب .

359 . وقال : لما وفدنا على يزيد بن معاوية ، أتونا بحبال وربقونا مثل الأغنام ، وكان الحبل بعنقي وعنق أم كلثوم ، وبكتف زينب وسكينة والبنات ويساقونا ، وكلما قصرنا عن المشي ضربونا حتى أوقفونا بين يدي يزيد ، فتقدمت إليه وهو على سرير ملكه ، فقلت : أنشدك الله يا يزيد ، ما ظنك برسول الله لو رآنا على هذه الحالة ؟ ثم أمر يزيد بالحبال فقطعت ، فكان رأس أبي أمامه والنساء من خلفه .

فقلت له : أتأذن لي بالكلام ؟ فقال : قل ولا تقل هجرا . فقال : لقد وقفت موقفا لا ينبغي لمثلي أن يقول الهجر .

360 . وعن أبي جعفر قال : لما قتل الحسين أرسل محمد بن الحنفية إلى علي بن الحسين فخلا به ، فقال : يا بن أخي قد علمت أن رسول الله دفع الوصية والإمامة من بعده إلى أمير المؤمنين ، ثم عد باقي الأئمة ، فلا تنازعني في الوصية والإمامة ولا تحاجني .

فقال : يا عم ، اتق الله ولا تدعي - تدع - ما ليس لك بحق ، إني أعظك أن تكون من الجاهلين ، إن أبي - صلوات الله عليه - يا عم أوصى إلي قبل أن يتوجه إلى العراق ، وعهد إلي في ذلك قبل أن يستشهد بساعة ، وهذا سلاح رسول الله عندي ، فلا تتعرض لهذا فإني أخاف عليك نقص العمر ، وتشتت الحال .

إن الله عز وجل جعل الوصية والإمامة في عقب الحسين ، فإذا أردت أن تعلم ذلك فانطلق بنا إلى الحجر الأسود حتى نتحاكم إليه ، ونسأله عن ذلك .

ثم انطلقا وتحاكما إلى الحجر الأسود ، فأعطى الحق للإمام بقوله : إن الوصية والإمامة بعد الحسين بن علي إلى الإمام علي بن الحسين .

361 . وقال الشهرزوري : كنت في دمشق لما جاؤوا برأس الحسين وأصحابه ، وسبايا أهل البيت ، وعلى رأسهم علي بن الحسين ، ثم قلت له : أنا من الشيعة الموالين لكم ، ليتني كنت معكم ! فأكون أول شهيد في نصرتكم ، ألك حاجة يا مولاي ؟ قل لي .

فقال : نعم ، هل معك شئ من الدراهم ؟ قلت : بلى ، ألف دينار وألف درهم عندي .

فقال : خذ شيئا من ذلك وأدفعه إلى الذي يحمل رأس أبي ، وقل له : أن يبتعد عن النساء ، ليشتغل الناس بالنظر إليه عن حرم رسول الله . قال سهل : ففعلت .

فجئت إليه فقال لي : جزاك الله خيرا ، وحشرك معنا في يوم القيامة في زمرتنا ، ثم أنشد هذه الأبيات : أقاد ذليلا في دمشق كأنني * من الزنج عبد غاب عنه نصير وجدي رسول الله في كل مشهد * وشيخي أمير المؤمنين أمير فياليت أمي لم تلدني ولم أكن * يراني يزيد في البلاد أسير

362 . ولما قال له يزيد : واعجبا لأبيك سمى عليا وعليا ! فقال : إن أبي أحب أباه ، فسمى باسمه مرارا .

363 . وأيضا لما قال له : اذكر حاجاتك الثلاثة . . . فقال : الأولى : أن تريني وجه سيدي وأبي ومولاي الحسين ، فأتزود منه ، وأنظر إليه وأودعه .

والثانية : أن ترد علينا ما أخذ منا .

والثالثة : إن كنت عزمت على قتلي أن توجه مع هؤلاء النسوة من يردهن إلى حرم جدهن .

فقال : أما وجه أبيك فلن تراه أبدا ، وأما قتلك فقد عفوت عنك ، وأما النساء فلا يردهن إلى المدينة غيرك ، وأما ما أخذ منكم فأنا أعوضكم عنه أضعاف قيمته .

فقال : أما مالك فما نريده ، وهو موفر عليك ، وإنما طلبت ما أخذ منا ؛ لأن فيه مغزل فاطمة بنت محمد ، ومقنعتها وقلادتها وقميصها . . .

364 . عن معتب ، عن الإمام الصادق : كان علي بن الحسين شديد الاجتهاد في العبادة ، نهاره صائم ، وليله قائم ، فأضر ذلك بجسمه .

فقلت : يا أبه ، كم هذا الدؤب .

فقال : أتحبب إلى ربي ، لعله يزلفني . قال السوسي : على السجود تالي القرآن وعن الإمام الباقر ، عن أبيه ، قال : كنا نعلم مغازي رسول الله وسراياه ، كما نعلم السورة من القرآن .

365 . أبو حمزة الثمالي ، قال : سألت علي بن الحسين ، عن زيارة الحسين ؟ فقال : زره كل يوم ، فإن لم تقدر فكل جمعة ، فإن لم تقدر فكل شهر ، فمن لم يزره فقد استخف بحق رسول الله .

366 . ولقى المنهال بن عمرو علي بن الحسين ، فقال له : كيف أصبحت يا بن رسول الله أصلحك الله ؟ فقال : أصبحنا ! أما تعلم ! آن لك أن تعلم كيف أصبحت ؟ أصبحنا في قومنا مثل بني إسرائيل في آل فرعون يذبحون أبناءهم ، ويستحيون نساءهم ، وأصبح خير البرية بعد محمد يلعن على المنابر ، وأصبح عدونا يعطى المال والشرف ، وأصبح من يحبنا محقودا منقوصا حقه ، وكذلك لم يزل المؤمنون ، وأصبحت العجم تعرف للعرب حقها بأن محمدا كان منها ، وأصبحت العرب تعرف لقريش حقها بأن محمدا كان منها ، وأصبحت قريش تفتخر على العرب بأن محمدا كان منها ، وأصبحت العرب تفتخر على العجم بأن محمدا كان منها ، وأصبحنا آل محمد لا يعرف لنا حق ! هكذا أصبحنا .

367 . ولما دخل سبايا آل محمد بالشام ، وفيهم علي بن الحسين فجاءه شيخ فقال : الحمد لله الذي قتلكم وأهلككم .

فقال علي بن الحسين : إني قد أنصت لك حتى فرغت من منطقك ، وأظهرت ما في نفسك من العداوة والبغضاء ، فانصت لي كما أنصت لك . فقال له : هات .

قال علي : أما قرأت كتاب الله عز وجل ؟ قال : نعم .

فقال له : أما قرأت هذه الآية : ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) ؟ قال : بلى . فقال : نحن أولئك ، فهل تجد لنا في سورة بني إسرائيل حقا خاصة دون المسلمين ؟ فقال : لا .

فقال : أما قرأت هذه الآية : ( وآت ذا القربى حقه ) ؟ قال : نعم .

قال علي : فنحن أولئك الذين أمر الله نبيه أن يؤتيهم حقهم .

فقال الشامي : إنكم لأنتم هم ؟ ! فقال علي : نعم .

فهل قرأت هذه الآية : ( واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى ) ؟ فقال له الشامي : بلى .

فقال علي : فنحن ذو القربى ، فهل تجد لنا في سورة الأحزاب حقا خاصة دون الإسلام ؟ فقال : لا .

قال علي بن الحسين : أما قرأت هذه الآية : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) .

قال : فرفع الشامي يده إلى السماء ، ثم قال : اللهم إني أتوب إليك - ثلاث مرات - ، اللهم إني أتوب إليك من عداوة آل محمد ، وأبرأ إليك ممن قتل أهل بيت محمد ، ولقد قرأت القرآن منذ دهر ، فما شعرت بها قبل اليوم .

368 . وبكى على أبيه الحسين عشرين سنة ، أو أربعين سنة ، وما وضع بين يديه طعام إلا يبكي حتى قال له مولى له : - جعلت فداك ! - يا بن رسول الله ، إني أخاف عليك أن تكون من الهالكين .

فقال : إنما أشكو بثي وحزني إلى الله ، وأعلم من الله مالا تعلمون ، ما أذكر مصرع بني فاطمة إلا خنقتني العبرة .

369 . وقال له مولاه : يا مولاي أما آن لحزنك أن ينقضي وليكأنك أن يقل ؟ فقال : ويحك ( ويلك ) إن يعقوب نبي ابن نبي كان له إثنا عشر ولدا ، فغيب الله عنه واحدا منهم ، فبكى حتى ذهب بصره ، واحدودب ( تحدب ) ظهره ، وشاب رأسه من الغم ، وكان ابنه حيا يرجو لقاءه ، فإني ( وانا ) رأيت أبي وأخي وأعمامي وبني أعمامي ، وثمانية عشر مقتلين صرعى ، تسفي عليهم الريح .

فكيف ينقضي عبرتي ، وترقا عبرتي ؟ ثم بكى بكاء شديدا ، وجعل يقول الأبيات : إن الزمان الذي قد كان يضحكنا * بقربهم ضاربا لتفريق يبكينا حالت لفقدهم أيامنا فغدت * سودا وكانت بهم بيضا ليالينا فهل ترى الدار بعد البعد آنسة * أم هل يعود كما قد كان نادينا يا ظاعنين بقلبي أينما ظعنوا * وبالفؤاد مع الأحشاء داعينا ترفقوا بفؤادي في هواد حكم * فقدته يوم راحت من أراضينا فوالذي حجت الركبان كعبته * ومن إليه مطايا الكل ساعونا لقد جرى حبكم مجرى دمى فدمي * من الفراق جرى سؤلا لبادينا

370 . وقيل له : إنك لتبكي دهرك ، فلو قتلت نفسك لما زدت على هذا ؟ فقال : نفسي قتلتها ، وعليها أبكي .

العودة إلى الصفحة الرئيسية

www.mezan.net <‎/TITLE> ‎<META HTTP-EQUIV="Content-Type" CONTENT="text/html; charset=windows-1256">‎ ‎<META NAME="keywords" CONTENT=" السيد محمد حسين فضل الله في الميزان ">‎ ‎<META NAME="description" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله في كتبه ">‎ ‎<META NAME="author" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله بصوته ">‎ ‎<META NAME="copyright" CONTENT=" رأي المراجع العظام والعلماء ">‎ <‎/HEAD>