وروي في تفسير القمي: كانت عائشة وحفصة تؤذيان صفية زوجة النبي صلى الله عليه وآله، وتقولان لها: يا بنت اليهودية، فشكت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال لها: ألا تجيبينهما؟ قالت: بماذا يا رسول الله:؟
قال: قولي إن أبي هارون نبي الله، وعمي موسى كليم الله، وزوجي محمد رسول الله، فما تنكران مني؟ فقالت لهما، فقالتا: هذا علمك رسول الله، فأنزل الله في ذلك: (يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم...) (2).
استسلام عائشة في حديثها عن رسول الله صلى الله عليه وآله إلى العاطفة
إذا دققنا النظر في سيرة أم المؤمنين وبحثنا عن حالها، من تحب، من تبغض؟ بحث إمعان وروية، فهناك نجد العاطفة محركة لها بأجلى مظاهرها.
إن سيرتها مع عثمان قولا وفعلا، ووقائعها مع علي وفاطمة والحسن والحسين سرا وعلانية، وشؤونها مع أمهات المؤمنين بل مع رسول الله صلى الله عليه وآله، يحركها المزاج وتقديم الغرض على الحق.
وحسبكم مثالا لهذا وتأييدا - النزول إلى حكم العاطفة - من إفك أهل الزور إذ قالوا - بهتانا وعدوانا في السيدة مارية وولدها إبراهيم عليه السلام
____________
(1) أخرجه الترمذي - الإستيعاب - ابن حجر في ترجمتها من الإصابة.
(2) الحجرات: آية 11.
وكلفها صلى الله عليه وآله مرة الاطلاع على امرأة مخصوصة لتخبره عن حالها فأخبرته بغير ما رأت.
وخاصمته صلى الله عليه وآله يوما إلى أبيها فقالت له: إقصد - أي اعدل -، فلطمها أبوها حتى سال الدم على ثيابها (2).
وقالت له مرة في كلام غضبت عنده: أنت الذي تزعم أنك نبي
____________
(1) الأحزاب: 25.
(2) الحديث 1020 من أحاديث الكنز - الغزالي الباب الثالث من كتاب آداب النكاح: ج 2 / ص 35 من إحياء العلوم - الباب 94 من كتاب مكاشفة القلوب: / ص 238.
رد دعوى أم المؤمنين عائشة بأن النبي صلى الله عليه وآله قضى وهو على صدرها
عن عائشة أنها قالت: توفي صلى الله عليه وآله بين سحري ونحري.
ودعوى أم المؤمنين هذه بأن النبي صلى الله عليه وآله قضى وهو في صدرها معارضة بصحاح متواترة من طريق العترة الطاهرة، وحسبكم من طريق غيرهم ما أخرجه ابن سعد (ص 51) من القسم الثاني من الجزء الثاني من الطبقات، في باب من قال: توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وهو في حجر علي، وهو ذاته موجود في الكنز (ج 4 / ص 55)، بالإسناد إلى علي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله في مرضه: ادعوا لي أخي، فأتيته، فقال: ادن مني، فدنوت منه، فاستند إلي فلم يزل مستندا إلي وإنه ليكلمني حتى أن بعض ريقه ليصيبني، ثم نزل برسول الله صلى الله عليه وآله.
وأخرج أبو نعيم في حليته، وأبو أحمد الفرضي في نسخته وغير واحد من أصحاب السنن، عن علي قال: علمني رسول الله صلى الله عليه وآله - يعني حينئذ - ألف باب، كل باب يفتح ألف باب (1).
وكان عمر بن الخطاب إذا سئل عن شئ يتعلق ببعض هذه الشؤون، لا يقول غير: سلوا عليا، فكونه هو القائم بها، فعن جابر بن عبد الله الأنصاري أن كعب الأحبار سأل عمر فقال: ما كان آخر ما تكلم به رسول الله صلى الله عليه وآله؟ فقال عمر: سل عليا، فسأله كعب، فقال علي:
أسندت رسول الله صلى الله عليه وآله إلى صدري: فوضع رأسه على منكبي فقال:
____________
(1) هذا الحديث 6009 من الكنز: ج 6 / ص 392.
وقيل لابن عباس: أرأيت رسول الله صلى الله عليه وآله توفي ورأسه في حجر أحد؟ قال: نعم توفي وإنه لمستند إلى صدر علي، فقيل له: إن عروة يحدث عن عائشة أنها قالت: توفي بين سحري ونحري، فأنكر ابن عباس ذلك قائلا للسائل: أتعقل؟ والله توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وإنه لمستند إلى صدر علي، وهو الذي غسله... الحديث (2).
وأخرج ابن سعد بسنده إلى الإمام أبي محمد علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام، قال: قبض رسول الله صلى الله عليه وآله ورأسه في حجر علي.
والأخبار في ذلك متواترة، عن سائر أئمة العترة الطاهرة، وإن كثيرا من المنحرفين عنهم ليعترفون بهذا، حتى أن ابن سعد أخرج بسنده إلى الشعبي، قال توفي رسول الله صلى الله عليه وآله ورأسه في حجر علي وغسله علي.
وكان أمير المؤمنين عليه السلام يخطب بذلك على رؤوس الأشهاد...
وحسبكم قوله من خطبة له عليه السلام (3): (ولقد علم المستحفظون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله، أني لم أرد على الله، ولا على رسوله ساعد قط، ولقد واسيته بنفسي في المواطن التي تنكص فيها الأبطال، وتتأخر فيها الأقدام، نجدة أكرمني الله بها، ولقد قبض صلى الله عليه وآله وإن رأسه لعلى صدري، ولقد سالت نفسه في كفي فأمررتها على وجهي، ولقد وليت
____________
(1) أخرجه ابن سعد: ج 2 من طبقاته: / ص 51 - الكنز: ج 4 / ص 55.
(2) أخرجه ابن سعد في الصفحة المتقدم ذكرها. الكنز: ج 4 / ص 55.
(3) نهج البلاغة: ج 2 / ص 196.
ومثله يقول: (في الجزء الثاني نفسه من النهج: / ص 207) من كلام له عند دفنه سيدة النساء فاطمة عليها السلام: (السلام عليك يا رسول الله عني وعن ابنتك النازلة في جوارك، والسريعة اللحاق بك، قل يا رسول الله عن صفيتك صبري ورق عنه تجلدي، إلا أن لي في التأسي بعظيم فرقتك، وفادح مصيبتك، موضع تعز، فلقد وسدتك في ملحودة قبرك، وفاضت بين نحري وصدري نفسك، فإنا لله وإنا إليه راجعون...).
وصح عن أم سلمة أنها قالت: والذي أحلف به إن كان علي لأقرب الناس عهدا برسول الله صلى الله عليه وآله، عدناه غداة وهو يقول: جاء علي، جاء علي، مرارا، فقالت فاطمة: كأنك بعثته في حاجة؟ قالت: فجاء بعد، فظننت أن له إليه حاجة، فخرجنا من البيت فقعدنا عند الباب، قالت أم سلمة: وكنت من أدناهم إلى الباب، فأكب عليه رسول رسول الله صلى الله عليه وآله، وجعل يساره ويناجيه، ثم قبض صلى الله عليه وآله من يومه ذلك، فكان علي أقرب الناس به عهدا (1).
وعن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال في مرضه: ادعوا لي أخي، فجاء أبو بكر، فأعرض عنه، ثم قال: ادعوا لي أخي، فجاء عثمان: فأعرض عنه، ثم دعي له علي، فستره بثوبه وأكب عليه، فلما خرج من عنده قيل له: ما قال لك؟ قال: علمني ألف باب كل باب
____________
(1) هذا الحديث أخرجه الحاكم: ص 139 من ج 3 من المستدرك. الذهبي أورده في التلخيص.
ابن أبي شيبة في السنن - الكنز: ج 6 / ص 400.
وأنتم تعلمون أنه هو الذي يناسب حال الأنبياء، وذاك إنما يناسب أزيار النساء، ولو أن راعي غنم مات ورأسه بين سحر زوجته ونحرها، أو بين حاقنتها وذاقنتها، أو على فخذها، ولم يعهد برعاية غنمه، لكان مضيعا مسوفا، عفا الله عن أم المؤمنين، ليتها - إذ حاولت صرف هذه الفضيلة عن علي - نسبتها إلى أبيها؟ فإن ذلك أولى بمقام النبي مما ادعت، ولكن أباها كان يومئذ ممن عبأهم رسول الله صلى الله عليه وآله بيده الشريفة في جيش أسامة، وكان حينئذ معسكرا في الجرف، وعلى كل حال فإن القول بوفاته صلى الله عليه وآله وهو في حجرها لم يسند إلا إليها.
والقول بوفاته - بأبي وأمي - وهو في حجر علي، مسند إلى كل من علي، وابن عباس، وأم سلمة، وعبد الله بن عمر والشعبي، وعلي بن الحسين، وسائر أئمة أهل البيت، فهو أرجح سندا وأليق برسول الله صلى الله عليه وآله.
كما أنها حدثت بأن النبي صلى الله عليه وآله قال لها وهو مريض: ادع لي أباك وأخاك لأكتب لهم كتابا عسى أن يدع مدع، ويأبى الله ورسوله والمؤمنون إلا أبا بكر، فهل من سائل يسألها: ما الذي منعها من
____________
(1) فيما أخرجه أبو يعلى عن كامل بن طلحة عن ابن لهيعة عن حي بن عبد المغافري عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله بن عمرو مرفوعا، وأخرجه أبو نعيم في حليته، وأبو أحمد الفرضي في نسخته كما في: ص 392 من ج 6، وأخرجه الطبراني في الكبير أنه لما كانت غزوة الطائف قام النبي مع علي (يناجيه) مليا، ثم مر، فقال له أبو بكر: يا رسول الله لقد طالت مناجاتك عليا من اليوم، فقال صلى الله عليه وآله: ما أنا انتجيته، ولكن الله انتجاه، وهذا الحديث من أحاديث الكنز: ج 6 / ص 399 وكان كثيرا ما يخلو بعلي يناجيه وقد دخلت عائشة عليهما وهما يتناجيان فقال: يا علي ليس لي إلا يوم من تسعة أيام، أفما تدعني يا ابن أبي طالب ويومي؟ فأقبل صلى الله عليه وآله عليها وهو محمر الوجه غضبا. وهذا الحديث يراجع في المجلد الثاني من شرح نهج البلاغة / ص 78.
ولكن كما أسلفنا كانوا يومئذ ممن عبأهم الرسول في جيش أسامة، وكل ذلك لتنكر أن يكون النبي صلى الله عليه وآله قد أوصى لعلي.
رد دعوى أم المؤمنين عائشة بأن الملك نزل بصورتها
وأما قولها بأن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يحبها لأن جبرئيل أتاه بصورتها قبل الزواج، وأنه لا يدخل عليه إلا في بيتها (1)، فهذه روايات تضحك المجانين، ولست أدري أكانت الصورة التي جاء بها جبرئيل فوتوغرافية، أم لوحة زيتية، على أن الصحاح المعتمدة تروي بأن أبا بكر بعث بعائشة إلى النبي صلى الله عليه وآله ومعها طبق من التمر لينظر إليها، وهو الذي طلب من النبي صلى الله عليه وآله أن يتزوج ابنته، فهل هناك داع لينزل جبرئيل بصورتها وهي تسكن على بعد بضعة أمتار من مسكن رسول الله صلى الله عليه وآله، وأعتقد أن مارية القبطية التي كانت تسكن مصر وهي بعيدة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وما كان أحد يتصور مجيئها، هي أولى بأن ينزل جبرئيل بصورتها ويبشرها رسول الله صلى الله عليه وآله بأن الله سيرزقه منها إبراهيم.
ولكن هذه الروايات هي من وضع عائشة التي كانت لا تجد شيئا تفتخر به على ضراتها إلا الأساطير التي يخلقها خيالها، أو أنها من وضع بني أمية على لسانها ليرفعوا من شأنها عند بسطاء العقول.
وأما قولها بأن الوحي أتاه صلى الله عليه وآله وهي وإياه في لحاف واحد، ورأت جبرئيل ولم يره من نسائه أحد غيرها، فهو قول أقبح من الأول،
____________
(1) أخرجه ابن أبي شيبة وهو الحديث رقم 1017 من كنز العمال: ج 7.
فما أقوال شيوخنا وعلمائنا إلا ضرب من الظن والخيال وإن الظن لا يغني من الحق شيئا: (قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون).
أسباب عدة ترجح تقديم حديث أم سلمة على حديث عائشة
ولو لم يعارض حديث عائشة إلا حديث أم سلمة وحده، لكان حديث أم سلمة هو المقدم، لوجوه كثيرة:
إن السيدة أم سلمة (رض) لم يزغ قلبها بخلاف غيرها (1).
ولم تؤمر بالتوبة في محكم الذكر العظيم (2).
ولا نزل القرآن بتظاهرها على النبي صلى الله عليه وآله ولا تظاهرت بعده على الوصي (3).
ولا تأهب الله لنصرة نبيه عليها وجبرئيل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهيرا.
ولا توعدها الله بالطلاق، ولا هددها بأن يبدله خيرا منها (4).
____________
(1) إشارة إلى قوله تعالى في سورة التحريم: [ إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما.. ].
(2) المصدر نفسه.
(3) تظاهرها على الوصي كان بإنكارها الوصية إليه وبتحاملها عليه مدة حياته بعد النبي صلى الله عليه وآله، أما تظاهرها على النبي وتأهب الله لنصرة نبيه عليها فمدلول عليهما بقوله تعالى: (وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير).
(4) هذا والذي قبله إشارة إلى قوله تعالى: (عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن
=>
ولا شاركت في لعبة عائشة وحفصة لأجل أن يحرم الرسول صلى الله عليه وآله على نفسه ما أحل الله له (2).
ولا قام النبي صلى الله عليه وآله خطيبا على منبره فأشار نحو مسكنها قائلا: ها هنا الفتنة، ها هنا الفتنة، هاهنا الفتنة، حيث يطلع قرن الشيطان (3).
ولا بلغت في أدبها أن تمد رجلها في قبلة النبي صلى الله عليه وآله وهو يصلي - كفعل عائشة -، ولا ترفعها عن محل سجوده حتى يغمزها، فإذا غمزها رفعتها حتى يقوم فتمدها ثانية (4).
- وهكذا كانت، ولا أرجفت بعثمان ولا ألبت عليه ولا نبزته نعثلا، ولا قالت اقتلوا نعثلا فقد كفر (5).
____________
<=
مسلمات مؤمنات.
(1) إشارة إلى قوله تعالى: (ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط...) إلى آخر
السورة.
(2) إشارة إلى قوله تعالى: (يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة
أزواجك...).
(3) أخرجه البخاري في باب ما جاء في بيوت أزواج النبي من كتاب الجهاد والسير من
صحيحه: ج 2 / ص 125 وصحيح مسلم: ج 2 / ص 502.
(4) راجع من صحيح البخاري باب ما يجوز من العمل في الصلاة: ج 1 / ص 143.
(5) إرجافها بعثمان، وإنكارها كثيرا من أفعاله، ونبزها إياه، وقولها: اقتلوا نعثلا فقد كفر، مما
لا يخلوا منه كتاب يشتمل على تلك الحوادث والشؤون، وحسبك ما في تاريخ ابن جرير
وابن الأثير وغيرهما، وقد أنبها جماعة من معاصريها وعلى ذلك ونددوا به إذ قال
أحدهم:
وأنت أمرت بقتل الإمام * وقلت له إنه قد كفر
إلى آخر الأبيات وهي في: ج 3: ص 80 من الكامل لابن الأثير حيث ذكر ابتداء أمر
=>
- وقولها: مات رسول الله بين سحري ونحري معطوف على قولها: إن رسول الله صلى الله عليه وآله رأى السودان يلعبون في مسجدهم بدرقهم وحرابهم: فقال لها: أتشتهين تنظرين إليهم؟ قالت: نعم، قالت فأقامني وراءه وخدي على خده، وهو يقول: دونكم يا بني ارفدة - إغراء لهم باللعب لتأنس السيدة - قالت: حتى إذا مللت، قال: حسبك؟ قلت:
نعم، قال: فاذهبي (4).
وإن شئتم فاعطفوه على قولها: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وآله وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث، فاضطجع على الفراش، ودخل أبو بكر
____________
<=
موقعة الجمل.
(1) حديث قال عز من قائل: (وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى).
(2) كان الجمل الذي ركبته عائشة يوم البصرة يدعى العسكر، جاءها به يعلى بن أمية وكان
عظيم الخلق شديدا، فلما رأته أعجبها، فلما عرفت أن اسمه عسكر، استرجعت وقالت:
ردوه لا حاجة لي فيه. وذكرت أن رسول الله p ذكر لها هذا الاسم ونهاها عن ركوبه.
فغيروه لها بجلال غير جلاله، وقالوا لها أصبنا لك أعظم منه وأشد قوة، فرضيت به،
راجع ج 2 / ص 80 من شرح نهج البلاغة لعلامة المعتزلة.
(3) والحديث في ذلك مشهور وهو من أعلام النبوة وآيات الإسلام، وقد اختصره الإمام أحمد
بن حنبل إذ أخرجه من أحاديث عائشة في مسنده: ج 6 / ص 52 و ص 97. كذلك فعل
الحاكم في: ج 3 / ص 120 من صحيحه المستدرك واعترف به الذهبي إذ أورده في تلخيص
المستدرك.
(4) أخرجه الشيخان في صحيحيهما، فراجع من صحيح البخاري أوائل كتاب العيدين: ج 1 / ص 116 - وصحيح مسلم: ج 1 / ص 327 - ومسند أحمد: ج 6 / ص 57.
واعطفوه إن شئتم على قولها: سابقني النبي صلى الله عليه وآله فسبقته، فلبثناه حتى رهقني اللحم، سابقني فسبقني، فقال: هذه بتيك (2).
أو على قولها: كنت ألعب بالبنات ويجئ صواحبي فيلعبن معي، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يدخلهن علي فيلعبن معي (3).
أو على قولها (4): خلال في سبع، لم تكن في أحد من الناس، إلا ما أتى الله مريم بنت عمران، نزل الملك بصورتي، وتزوجني رسول الله بكرا لم يشركه في أحد من الناس، وأتاه وحي وأنا وإياه في لحاف واحد، وكنت من أحب النساء إليه، ونزل في آيات من القرآن كادت الأمة تهلك فيهن، ورأيت جبرئيل ولم يره من نسائه أحد غيري، وقبض في بيتي لم يره أحد غيري أنا والملك (5)... إلى آخره مما كانت تسترسل فيه من خصائصها وكله من هذا القبيل.
أما أم سلمة فحسبها الموالاة لوليها ووصي نبيها، وكانت موصوفة بالرأي الصائب، والعقل البالغ، والدين المتين، وإشارتها على النبي صلى الله عليه وآله
____________
(1) أخرجه البخاري ومسلم والإمام أحمد من حديث عائشة من نفس المصادر السابقة.
(2) أخرجه الإمام أحمد من حديث عائشة: ج 6 / ص 39 من مسنده.
(3) أخرجه الإمام أحمد عن عائشة: ج 6 / ص 75 من مسنده.
(4) أخرجه ابن أبي شيبة وهو الحديث 1017 من أحاديث كنز العمال: ج 7.
(5) وقع الاتفاق على أنه صلى الله عليه وآله مات وعلي حاضر لموته وهو الذي كان يقلبه ويمرضه، وكيف يصح أنه قبض ولم يله أحد غيرها وغير الملك، فأين كان علي والعباس؟ وأين كانت فاطمة وصفية؟ وأين كان أزواج النبي وبنو هاشم كافة؟ وكيف يتركونه كلهم لعائشة وحدها؟! ثم لا يخفى أن مريم عليها السلام، لم يكن فيها شئ من الخلال السبع التي ذكرتها أم المؤمنين، فما الوجه في استثنائها إياه؟.
عائشة تحدث الرجال بما جرى بينها وبين النبي صلى الله عليه وآله مما يقبح ذكره
ذكر في صحيح ابن ماجة في أبواب الطهارة، باب ما جاء في وجوب الغسل إذا التقى الختانات (روى بسنده) عن القاسم بن محمد عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وآله قالت: إذا التقى الختانات فقد وجب الغسل، فعلته أنا ورسول الله صلى الله عليه وآله فاغتسلنا.
ورواه أحمد بن حنبل أيضا في مسنده (ج 6 / ص 141)، والشافعي في مسنده (ص 93) والبيهقي أيضا في سننه (ج 1 / ص 144) باختلاف في اللفظ، قال: عن عائشة أنها سئلت عن الرجل يجامع أهله ولا ينزل الماء فقالت: فعلته أنا ورسول الله صلى الله عليه وآله فاغتسلنا منه جميعا. والدار قطني ثانيا في (ص 41)، ولفظه كالبيهقي غير أنه قال: يجامع المرأة ولا ينزل الماء... الخ.
وفي صحيح أبي داوود (ج 15 / ص 237) روى بسنده عن مصدع ابن يحيى عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وآله كان يقبلها وهو صائم ويمص لسانها.
ورواه أحمد بن حنبل أيضا في مسنده (ج 6 / ص 123 و 234).
والبيهقي أيضا في سننه (ج 4 / ص 234).
وفي مسند الإمام أحمد بن حنبل (ج 6 ص 134) روى بطرق عديدة، في بعضها عن طلحة، وفي بعضها عن ابن عبد الله بن عثمان، وفي الكل: عن عائشة قالت أهوى إلي رسول الله صلى الله عليه وآله ليقبلني فقلت إني صائمة، قال: وأنا صائم، قالت: فأهوى إلي فقبلني.
والبيهقي في سننه (ج 4 / ص 233) روى بسنده عن مسروق عن عائشة قالت: إن كان النبي صلى الله عليه وآله ليظل صائما فيقبل أين شاء من وجهي حتى يفطر. ورواه الشيباني أيضا في الآثار في باب قبلة الصائم باختلاف في اللفظ. وأبو حنيفة أيضا في مسنده (ص 198) باختلاف في اللفظ.
والدارقطني في سننه في كتاب الطهارة (ص 49) روى بسنده عن أبي سلمة عن عائشة قالت: لقد كان نبي الله صلى الله عليه وآله يقبلني إذا خرج إلى الصلاة وما يتوضأ. وروى في (ص 50) عن عطاء عن عائشة قالت: ربما قبلني رسول الله صلى الله عليه وآله ثم يصلي ولا يتوضأ. وروي في (ص 52) عن مسروق عن عائشة قالت: ربما اغتسل رسول الله صلى الله عليه وآله من الجنابة ولم أغتسل بعد، فجاءني فضممته إلي وأدفيته.
وفي صحيح أبي داود (ج 2 / ص 27) روى بسنده عن عمارة بن غراب: أن عمة له حدثته أنها سألت عائشة: قالت: إحدانا تحيض وليس لها ولزوجها إلا فراش واحد، قالت: أخبرك بما صنع رسول الله صلى الله عليه وآله:
دخل فمضى إلى مسجده - تعني مسجد بيته - فلم ينصرف حتى غلبتني عيني وأوجعه البرد، فقال: ادن مني، فقلت: إني حائض، فقال: وإن، اكشفي عن فخذيك، فكشفت فخذي، فوضع خده وصدره على فخذي وحنيت عليه حتى دفأ ونام.
وفي صحيح البخاري باب الحيض حديث 290 - كما أخرجه
وفي صحيح البخاري باب الحيض حديث 288 روى بسنده عن عائشة إن النبي صلى الله عليه وآله كان يتكئ في حجري وأنا حائض ثم يقرأ القرآن.
أقول: والظاهر أن العلة التي دعت عائشة إلى أن تحدث الرجال بما جرى بينها وبين النبي صلى الله عليه وآله مما يقبح ذكره كالتقبيل ومص اللسان والكشف عن الفخذ ووضع الخد والصدر عليه، والجماع بغير إنزال، ونحو ذلك مما تقدم ذكره، أنها قد زعمت أن كل ذلك فضيلة لها ومنقبة، ولم تدر أن جميع ذلك كله أمور عادية وعادات بشرية تجري بين كل نبي وزوجته من آدم إلى خاتم النبوة، من غير اختصاص له بنبينا محمد صلى الله عليه وآله وزوجته عائشة، ولم يسمع إلى الآن أن أحدا من أزواج الأنبياء السابقين أو أحدا من أزواج نبينا محمد صلى الله عليه وآله غير عائشة يحدث بمثل ما حدثته عائشة بما يقبح ذكره.
ولو كان قصد عائشة من ذكر تلك الأمور التي جرت بينها وبين النبي صلى الله عليه وآله: هو بيان فعل المعصوم نظرا إلى أن فعله حجة قاطعة في المسألة الفقهية على الجواز وعلى نفي الحرمة، لأمكنها بيان فعله بدون أن تذكر أنه قد جرى ذلك الفعل بينها وبين النبي صلى الله عليه وآله، فإذا سئلت مثلا
إن عائشة كانت تظن أن جميع ما جرى بينها وبين النبي صلى الله عليه وآله مما يجري بين كل رجل وزوجته هو فضيلة لها ومنقبة، ولكن قد أخطأ حدسها وخاب ظنها، فإن المعيار عند الله تعالى في أزواج النبي صلى الله عليه وآله وغيرهن هو التقوى.
قال تعالى في سورة الحجرات: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم).
وقال في سورة الأحزاب: (يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن).
إلى أن قال: (وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى)، وقال مخاطبا أزواج النبي صلى الله عليه وآله: (فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيرا ومن يقنت منكن لله ورسوله، وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين واعتدنا لها رزقا كريما).
وقد عرفت أيها القارئ الكريم أن عائشة وحفصة هما المرأتان اللتان قال الله تعالى فيهما في أول سورة التحريم: (إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين).
وعن الزمخشري في الكشاف في تفسير قوله تعالى في آخر سورة التحريم: (ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع
وإذا أردت التحقيق أكثر راجع أيضا تفسير الفخر الرازي، ففيه ما يقرب من ذلك، بل كاد أن يكون عينه تحقيقا.
وماذا عن الأباطيل التي تنسبها عائشة إلى النبي صلى الله عليه وآله؟
ورد في صحيح البخاري في العيدين والتجمل في باب الحراب والدرق يوم العيد، روى بسنده عن عائشة قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وآله وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث، فاضطجع على الفراش وحول وجهه ودخل أبو بكر فانتهرني وقال: مزمارة الشيطان عند النبي صلى الله عليه وآله.
إلى أن قال: فلما غفل غمزتهما فخرجتا، وكان يوم عيد يلعب السودان بالدراق والحراب فإما سألت النبي صلى الله عليه وآله ولما قال: تشتهين تنظرين؟ فقلت: نعم، فأقامني وراءه، خدي على خده، وهو يقول:
دونكم، حتى إذا مللت قال: حسبك، قلت: نعم، قال: فاذهبي.
ورواه في فضل الجهاد والسير أيضا في باب الدرق، ورواه في
وفي صحيح مسلم في كتاب الطهارة باب نسخ الماء من الماء، روى بسنده عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وآله قالت: إن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وآله عن الرجل يجامع أهله ثم يكسل هل عليها الغسل، وعائشة جالسة فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: إني لأفعل ذلك أنا وهذه ثم نغتسل. ورواه البيهقي أيضا في سننه (ج 1 / ص 164)، والطحاوي أيضا في شرح معاني الآثار في كتاب الطهارة (ص 33)، والدارقطني في سننه في كتاب الطهارة في باب وجوب الغسل بالتقاء الختانين وإن لم ينزل.
وفي مسند الإمام أحمد بن حنبل (ج 6 / ص 264)، روى بسنده عن عائشة قالت: خرجت مع النبي صلى الله عليه وآله في بعض أسفاره وأنا جارية لم أحمل اللحم ولم أبدن، فقال للناس فتقدموا، ثم قال لي تعالى حتى أسابقك فسابقته فسبقته، فسكت عني، حتى إذا حملت اللحم وبدنت ونسيت خرجت معه في بعض أسفاره، فقال للناس تقدموا فتقدموا ثم قال تعالى حتى أسابقك فسبقني فجعل يضحك وهو يقول هذه بتلك.
أقول:
وهل يعقل أن جاريتين تغنيان وتدففان وتضربان في بيت النبي صلى الله عليه وآله - ولو كان يوم عيد - والنبي صلى الله عليه وآله ساكت لا ينهى عن ذلك، وهل يعقل أن يحس أبو بكر قبح ذلك حتى انتهر عائشة، وقال: مزمارة الشيطان عند النبي صلى الله عليه وآله ولا يحس النبي صلى الله عليه وآله قبحه وركاكته؟.
وهل يعقل أن يقيم النبي صلى الله عليه وآله عائشة من ورائه واضعا خده على خدها لتنظر عائشة إلى لعب السودان بالدراق في يوم العيد؟.
أليس إذا وضع خده على خدها وهما ينظران إلى اللعب يراهما السودان ومن اجتمع حوله من الخلق وهما بتلك الحالة؟ فهل يوجد في المسلمين أحد يحب ويرضى أن يراه الناس وهو واضع خده على خد زوجته الشابة؟.
أفهل يعقل أن يسئل رجل عادي من المسلمين أو من غير المسلمين ممن له عقل وغيرة عن حكم الادخال بغير الانزال فيشير إلى زوجته الشابة الحاضرة في المجلس فيقول أنا أفعل ذلك مع هذه؟.
أفهل يعقل أن رجلا من أهل الفضل والشرف إذا كان في السفر يقول لأصحابه تقدموا ليتسابق هو زوجته الشابة في البيداء؟؟.
حاشا وكلا أن يصدر شئ من هذه الأفعال الركيكة المستهجنة عن رجل عادي من المسلمين، فضلا عن نبي هذه الأمة وأعقلهم وأغيرهم وأوقرهم أجمعين.
ولعمري، ليس العجب من عائشة حيث افترت هذه الأكاذيب الباطلة على النبي صلى الله عليه وآله، وهي تحسب أن كل ذلك فضيلة لها ومنقبة كما
(فهل) ترى جناية أعظم من ذلك ظلما وجريمة أشد منه؟، (ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار).
(بقي) حديث واحد ورد في عائشة خاصة وهو مصيبة عظيمة، فاقرؤوا معي ما سأرويه لكم يرحمكم الله...!
عائشة عليها التأويل ونحن علينا التسديد
أو بعنوان آخر (رضاعة الكبير أو خلاف أزواج النبي مع عائشة)، عن عائشة قالت جاءت سهلة بنت سهيل وهي امرأة أبي حذيفة، وهي من بني عامر إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقالت: يا رسول الله كنا نرى سالما ولدا وكان يدخل علي وأنا فضل وليس لنا إلا بيت واحد، فماذا ترى في شأنه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ارضعيه، قالت: وكيف أرضعه وهو رجل كبير، إنه ذو لحية، فقال ارضعيه يذهب ما في وجه أبي حذيفة (1)..
وما رواه الإمام أحمد بن حنبل (ج 6 / ص 27) عن عائشة قالت:
____________
(1) صحيح مسلم: ج 4 / ص 167 (باب رضاعة الكبير)، موطأ الإمام مالك: ج 2 / ص 116 (باب ما جاء في الرضاعة بعد الكبر).
ولكن سائر أزواج النبي صلى الله عليه وآله أمهات المؤمنين أبين ورفضن أن يدخل عليهن بتلك الرضاعة أحدا من الناس حتى يرضع في المهد، وقلن: لا والله ما نرى الذي أمر به رسول الله صلى الله عليه وآله سهلة بنت سهيل إلا رخصة من رسول الله صلى الله عليه وآله في رضاعة سالم وحده، لا والله لا يدخل علينا بهذه الرضاعة أحد.
وعلى هذا كان أزواج النبي صلى الله عليه وآله في رضاعة الكبير
ورواه الإمام مالك بن أنس أيضا في موطأه في كتاب الرضاع في باب ما جاء في الرضاعة بعد الكبر باختلاف في اللفظ وقال فيه: إن عائشة كانت تأمر أختها أم كلثوم بنت أبي بكر وبنات أخيها أن يرضعن من الرجال من أحبت هي أن يدخل عليها.
ورواه البيهقي أيضا في سننه (ج 7) في باب رضاع الكبير بطريقين، ثم قال: رواه البخاري في الصحيح. انتهى.
ورواه الإمام الشافعي أيضا في مسنده في كتاب الرضاع (ص 877).
التعليق
ولعل هذا الحديث أبطل من جميع ما تقدم ذكره على لسان عائشة مما نسبته إلى النبي صلى الله عليه وآله من الأحاديث الكاذبة.
وهل يعقل أن يأمر النبي صلى الله عليه وآله بالرضاع في حال الكبر، كما ادعته عائشة في سالم مولى أبي حذيفة؟.
ولو سلم جواز ذلك بمعنى تأثير الرضاع في هذه الحال في نشر الحرمة وحصول المحرمية، فكيف يأمر النبي صلى الله عليه وآله بأن يرتضع الرجل الأجنبي من ثدي المرأة الأجنبية، إذ من الواضح المعلوم أن الرضاع مما لا يوجب نشر الحرمة إلا إذا كان من الثدي، وإلا فلا ينشر الحرمة ولا تحصل المحرمية.
وهل ذلك - أي ارتضاع الرجل الأجنبي من ثدي المرأة الأجنبية - إلا مما يضحك به الثكلى، فكيف تدون مثل هذه الأباطيل الكاذبة في الكتب الفقهية وينسب إلى النبي الأعظم صلى الله عليه وآله.
وهل ذلك وأمثاله إلا مصيبة على الإسلام والمسلمين قد أوردتها
عائشة وأناس من حملة الأحاديث ورواة الأخبار؟!. إنا لله وإنا إليه