الشيعة هم الناجون:
السبب في نجاة هذه الطائفة بالإضافة إلى ما تقدم، هو امتيازها عن سائر الفرق الإسلامية التي جاء بها الحديث المتفق عليه: (ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا فرقة واحدة) (1).
وقد رأينا أن الأمة الإسلامية كلها تأتي بكلمة:
(لا إله إلا الله محمد رسول الله) فإن قلنا بنجاة الكل كذبنا الحديث.
وإن قلنا بهلاك الكل أيضا " كذبنا الحديث.
إذن فالفرقة الناجية هي كما قلنا التي أخذت بولاء آل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله، والدليل على نجاتها قيام الأدلة - كتابا " وسنة - الثابتة عند الطرفين (2).
إذن فلا بد أن تكون هذه الفرقة التي نجت قد امتازت عن سائر الفرق بشئ لم تأخذ به سائر الفرق وهو: الولاء، والبراء.
وقولهم أيضا " بعصمة أئمتهم وساداتهم وقادتهم وشفعائهم.
فبالله عليك أيها القارئ المنصف الكريم المؤمن، أيقال لمثل هؤلاء: كفرة مشركون، مرتدون، مهدوروا الدم ؟ !.
____________
1 - المستدرك على الصحيحين للحاكم: 1 / 128، سنن أبي داود: 4 / 198، سنن ابن ماجة باب افتراق الأمم: 2 / 1321، وأخرجه في البحار:
28 / 2 - 36، في إحقاق الحق: 7 / 185 عن مصادر الفريقين.
2 - سيأتي في مطاوي هذا الكتاب وتعليقاته ما يبرهن على إثبات هذه الحقيقة.
وكالمجرم شيخ نوح الذي أفتى بكفر الشيعة وقتلهم، وسبي نسائهم، ونهب أموالهم، واسترقاق ذراريهم ؟ !
وقد ختم فتواه الطويلة بقوله: تابوا أم لم يتوبوا ! !
أنظر إلى نص فتواه المشؤومة إلى كتاب (الفصول المهمة) للإمام شرف الدين، وذلك في الفصل التاسع، اللهم إليك المشتكى، وأنت المفزع في الملمات.
وهل تعلم أيها القارئ اللبيب، ما هو ذنب الشيعة ؟
هو عدم اعترافهم بالخلافة لغير أئمتهم كائنا " من كان، بل تقول:
(إن الخلافة لهم من أول البعثة إلى آخر الدنيا) فبربك قل:
أهذا ذنب يورث الكفر والارتداد ؟ !
ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وبعد الفحص الشديد عرفنا أن عدد الشيعة اليوم أكثر من مائة مليون بالضبط الدقيق، ولولا ما لاقوا من أعدائهم من القتل والعدوان، وما أصيبوا به من ألوان الظلم والاضطهاد خلال القرون الغابرة، لكان يبلغ عددهم اليوم بألف مليون على الأقل.
وهم منتشرون في كل العالم شرقة وغربه، شماله وجنوبه إلا أن
وفيهم العلماء، والفقهاء، والحكماء، والفلاسفة، والمفكرون، والسلاطين والوزراء، والأدباء والشعراء والكتاب، والمنجمون والرياضيون والفلكيون، والمهندسون والأطباء، وأرباب الصنائع والمخترعات، والنوابغ والجهابذة والمشاهير، وقد ملأوا أرض الله الواسعة علما " وعملا ".
ولهم أيضا " المدارس العلمية، والمعاهد الدينية، والمساجد الضخمة المعمورة بالمصلين جماعات وأفرادا "، وذلك في شرق الأرض وغربها، مدنها وقراها.
____________
1 - وهي موسوعة ببلوغرافية رائعة، نافت مجلداتها على العشرين كتابا "، أودع فيها مؤلفها الآغا بزرك رحمه الله أسماء عشرات الآلاف من المصنفات، ما بين مطبوع ومخلوط مما وقع عليه نظره الشريف، ومثلها أيضا " موسوعة (كشف الأستار) للصفائي الخوانساري، وغيرها.
وهكذا الإمام البروجردي (2) (رحمه الله) أرسل دعاة مبشرين إلى أقصى بلاد الأرض، وبنى هناك مساجد ضخمة جدا "، ومعابد معمورة، منها في: أمريكا، وألمانيا، ولندن، وباريس.
____________
1 - قال المؤلف: الإمام السيد أبو الحسن رحمه الله هو الزعيم الأكبر، والفقيه الأعظم الذي لم تسمح بمثله الأيام، سيد العلماء الأعلام ومولى فقهاء الإسلام، أعلم العلماء المتبحرين، وإمام المحدثين والمفسرين، علامة دهره وزمانه، وحيد عصره وأوانه، صاحب المقامات العالية، والكرامات الباهرة، يقصر الوصف عن استكناه فضله ونبله، وله أياد ناصعة على الأمة الإسلامية جمعاء، وقد حاز بوقته مرجعية الشيعة الكبرى، توفي ليلة عيد الأضحى عام (1365 ه) في بغداد، وقد شيع على الأكف إلى النجف الأشرف، ولم يعهد تشييع ضخم مثله في الإسلام، حتى قيل:
إن عدد المشيعين في بغداد بلغ إلى نصف مليون، وفيهم ممثل ملك العراق، وولي عهده، والوزراء ورجال الجيش، وسائر الطبقات باختلاف ومذاهبهم وأديانهم، وقد قال الإمام محمد الحسين آل كاشف الغطاء يوم وفاته مخاطبا " جثمانه:
(رحمك الله يا أبا الحسن، لقد أنسيت الماضيين، أتعبت التالين) ولو أنك أردت تفصيل ترجمة سيدنا المفدى، فعليك بمراجعة كتب التراجم.
2 - ترجم له المؤلف: ص 65.
ومع الأسف كله لم نجد لهم في كتب السير والتواريخ عند القوم، سوى المطاعن والشتم المقذع، بل التكفير الصريح، ولماذا ؟
السبب يا رب لأنهم مشركون ! ! هكذا في الصواعق المحرقة لابن حجر، أحرق الله مؤلفه في الآخرة.
وأيضا " أنهم لا يحضرون الجمعة ولا الجماعة) (1) ! وهنا الطامة الكبرى.
أفهل يجوز تكفير المسلم بترك الجمعة والجماعة أيها المسلمون ؟ !
____________
1 - أقول: وهذا افتراء بين، فحضورهم الجمعة والجماعة أمر ساطع لا ينكره إلا من أعمى الله بصيرته، وصلاة الجمعة اليوم في جمهورية إيران الإسلامية تؤمها الملايين من مختلف الأصقاع، والحمد لله.
[تشيعه]
الأسباب التي دعتنا إلى الأخذ بمذهب أهل البيت عليهم السلام
هي أمور كثيرة، نذكر منها:
أولا ": رأيت أن العمل بمذهب الشيعة مجز، وتبرأ به الذمة بلا ريب، وقد أفتى به كثير من علماء السنة من السابقين واللاحقين، وأخيرا " منهم الشيخ الأكبر زميلنا الشيخ محمود شلتوت شيخ الجامع الأزهر بفتواه الشهيرة المنتشرة في العالم الإسلامي) (1).
____________
1 - وإليك أخي القارئ نص فتواه - كما ذكرها الشيخ المظفر في عقائد الإمامية - في شأن جواز التعبد بمذهب الشيعة الإمامية:
أولا ": إن الإسلام لا يوجب على أحد من أتباعه اتباع مذهب معين، بل نقول:
إن لكل مسلم الحق في أن يقلد بادئ ذي بدء أي مذهب من المذاهب المنقولة نقالا " صحيحا "، والمدونة أحكامها في كتبها الخاصة.
ولمن قلد مذهبا " من هذه المذاهب أن ينتقل إلى غيره - أي مذهب كان - ولا حرج عليه في شئ من ذلك.
ثانيا ": إن مذهب الجعفرية المعروف بمذهب الشيعة الإمامية الاثني عشرية، مذهب يجوز التعبد به شرعا " كسائر مذاهب أهل السنة.
فينبغي للمسلمين أن يعرفوا ذلك، وأن يتخلصوا من العصبية بغير الحق لمذاهب =
وأخذه الثقاة عن الثقاة من يوم البعثة إلى يوم البعث لا يختلف آخرهم عن أولهم.
ثالثا ": إن الوحي نزل في بيتهم، وأهل البيت أدرى وأعرف بما في البيت من غيرهم.
فجدير بالعاقل المتدبر أن لا يترك ما صح لديه من الأدلة منهم ويأخذ من الأجانب الدخلاء.
رابعا ": كثير من الآيات الواردة في الذكر الحكيم والقرآن المجيد، دالة على مدعانا، وسنبين جملة منها عن قريب إن شاء الله.
____________
= معينة فما كان دين الله وما كانت شريعته بتابعة لمذهب، أم مقصورة على مذهب، فالكل مجتهدون مقبولون عند الله تعالى، يجوز لمن ليس أهلا " للنظر والاجتهاد تقليدهم والعمل بما يقررون في فقههم، ولا فرق في ذلك بين العبادات والمعاملات.
شيخ الجامع الأزهر
محمود شلتوت
مناظرات بيني وبين بعض علماء الشيعة:
أيضا " من جملة الأسباب التي دعتنا إلى التشيع، هي وقوع كثير من المناظرات التي جرت بيني وبين بعض علماء الشيعة، وفي حال المناظرة كنت أجد نفسي محجوجا " معهم، غير أني أتجلد وأدافع دفاع المغلوب، مع ما أنا عليه بحمد الله تعالى من الاطلاع الواسع والعلم الغزير في المذهب السني الشافعي وغيره، إذ أنني تلمذت حوالي ربع قرن على فطاحل العلماء والجهابذة على مشيخة الأزهر حتى حصلت لي شهادات راقية، كما مر عليك قريبا ".
وقد طالت المناظرات بيننا زمنا " طويلا "، لا يقل عن ثلاث سنين تقريبا "، وقد وقع في نفسي شئ من الريب في المذاهب الأربعة، لكثرة الخلاف فيها، وسيأتيك قريبا " جملة منها.
الظفر بكتاب المراجعات:
وأخيرا " عثرنا على كتاب جليل لإمام عظيم، وهو كتاب (المراجعات) للمقدس فقيد الأمة الإسلامية آية الله العظمى المجاهد في سبيل الله بقلمه ولسانه طيلة حياته، الإمام الأكبر، والمجتهد الأعظم، سماحة السيد عبد الحسين شرف الدين الموسوي العاملي (1) قدس الله روحه الطاهرة وأسكنه فسيح جنته مع أجداده الطاهرين، فأخذت الكتاب وبدأت أتصفحه، وأتدبر مقالاته بدقة وإمعان، فأدهشتني بلاغته، وسبك جمله، وعذوبة ألفاظه، وحسن معانيه التي قل أن يأتي كاتب بمثلها، فقمت أفكر في هذا الأثر القيم، والسفر العظيم، وما فيه من الحكميات والمحاكمات بين مؤلفه المفدى، وبين
____________
1 - قال المؤلف: الإمام شرف الدين هو فخر الطائفة، وهادي الأمة ونائب الأئمة، وعميد الفرقة الناجية في عصره، وبطلها المجاهد، وإمامها الكبير، الذي كرس حياته الكريمة لخدمة الدين الإسلامي والمذهب الجعفري، وهو صاحب المؤلفات القيمة، والمصنفات الممتعة الرشيقة التي خدم بها مذهب أجداده الطاهرين، وقد يربو عددها على أكثر من مائة مؤلف، إلا أن معظمها حرقها الاستعمار الفرنسي، وفي الباقي الكفاية، جزاه الله عن الإسلام والمسلمين خيرا ".
راجع كتب التراجم تجد عبقرية هذا الإمام العظيم، وعظمته ونبوغه، ومواقفه المشكورة، وخدماته الباسلة في سبيل الدين والمبدأ والعقيدة بكثرة مدهشة، والشمس معروفة بالعين والأثر.
وقد رأيت مؤلفه العظيم لم يعتمد في احتجاجه على الخصم من كتب الشيعة، بل يكون اعتماد على كتب السنة والجماعة، ليكون أبلغ في الرد على الخصم، فبذلك زدت إعجابا " على إعجاب مما جرى به قلمه الشريف.
هذا ولم يمض علي الليل إلا وأنا مقتنع تماما "، بأن الحق والصواب مع الشيعة، وأنهم على المذهب الحق الثابت، عن رسول صلى الله عليه وآله، عن أهل بيته الطاهرين عليهم السلام، ولم يبق لي أدنى شبهة البتة، واعتقدت بأنهم على خلاف ما يقال فيهم من المطاعن والأقاويل المفتعلة الباطلة.
عرض المراجعات على فضيلة الأخ:
ثم في صبيحة تلك الليلة، عرضت الكتاب الشريف (1) على أخي وشقيقي، فضيلة العلامة الفذ الحافظ الشيخ (أحمد أمين الأنطاكي) حفظه الله، فقال لي: ما هذا ؟ قلت: كتاب شيعي، لمؤلف شيعي.
____________
1 - قال المؤلف: إني لأقدم نصيحة خالصة لوجه الله لا يشوبها رياء، لكل واحد من إخواننا السنة، أن يرجع إلى كتاب (المراجعات) وغيره من كتب الشيعة الإمامية، وأن يطالعها بدقة وإمعان، ونظر وإنصاف، من أولها إلى آخرها، فإنه سيجد ما فيه المقنع إن شاء الله، ولا يبقى له أي عذر أو مجال ليتهم شيعة العترة الطاهرة بما هم بريئون منه، براءة ذئب يوسف من يوسف، إن كان حرا " من الأقاويل المفتعلة التي لم ترض الله ورسوله.
فقلت: خذه وأقرأه، ولا تعمل به، وماذا يضرك إن قرأته ؟
فأخذ الكتاب ودرسه وطالعه بدقة وإمعان، وحصل له ما حصل لي من الاعتراف بأحقية المذهب الشيعي، وقال:
إن الشيعة على الحق والصواب، وغيرهم خاطئون، ثم تركت أنا وأخي المذهب الشافعي، واعتنقنا المذهب الشيعي الجعفري الإمامي، وذلك لقيام الأدلة الكثيرة الواضحة، والبراهين الرصينة الناصعة، فاستراح ضميري بهذا التمسك بالمذهب الجعفري، وهو مذهب آل بيت النبوة عليهم صلوات الله وسلامه أبدا " ما دام الليل والنهار، لعلمي أني قد حصلت على أقصى غاية ما أريد بأخذ مذهب العترة الطاهرة، وبذلك أعتقد يقينا " لا يشوبه شك أني قد نجوت من عذاب الله تعالى.
وأحمد الله تعالى ثانيا " على نجاة عائلتي كلها، وكثير من أقربائي وأصدقائي وغيرهم، وهذا فضل ونعمة من الله لا يقدر قدرها إلا هو، وهي ولاية آل الرسول، فإنه لا نجاة إلا بولايتهم.
والحديث متفق عليه سنة وشيعة، وهو قول رسول الله صلى الله عليه وآله: (مثل أهل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجى، ومن تخلف عنها غرق وهلك) (1).
وأسأل المولى جل وعلا أن يوفقنا لمرضاته بولايتهم وبحبهم إنه أكرم مسؤول، وولي الإجابة.
____________
1 - يأتي الحديث ص 57 و 232 بتخريجاته.
تشيع جماعات معنا:
وقد تشيع معي، وكذلك مع أخي، خلق كثير جدا " من إخواننا السنة، من سورية ولبنان وتركيا وغيرها من البلاد، والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.
اشتهار أمرنا:
ثم اشتهر أمرنا في البلاد، وذاع وشاع وملأ الأسماع، حتى أخذ الناس يتراكمون علينا، يسألوننا عن السبب الذي دعانا إلى الأخذ بمذهب أهل البيت، مذهب الحق، وترك المذهب الشافعي، وكنا نجيبهم بأن الأدلة قامت لدينا، فمن أراد منكم أن نوضح له المذهب الحق، فليأت إلينا.
مراجعات الناس إلينا:
وفي هذه الفترة القصيرة التي هدانا الله تعالى كانوا يأتون إلينا من كل حدب وصوب، من مختلف الطبقات من العلماء والأساتذة، والوجهاء والتجار، والكسبة والموظفين وغيرهم، فكنا نلقي عليهم الحقائق من المصادر الموثوقة من مصادرهم.
فمنهم من يسمع ويقنع ويأخذ بالمذهب (مذهب أهل البيت عليهم السلام) ويرفض مذهبه السابق، ومنهم من يتعصب ويبقى على مذهبه، وعذره جهله وتعصبه مع العلم أنه غير قادر على الدفاع عن مذهبه.
وهكذا طالت بنا الأيام، ونحن دائبون على هذا السبيل، دعاة
مذاكرة بيني وبين أخي:
هذا ولزيادة الاطمئنان، كنت أنا وأخي نتذاكر في خصوص المذهب الجعفري، فتارة يجعل نفسه من علماء الشيعة وأنا أكون من علماء السنة، ونباشر بالمناظرة.
فألقي عليه مسائل فيجيبني عنها من الكتاب والسنة، بحيث أرى نفسي مغلوبا " معه، وأرى أن الحق مع الشيعة.
وأخرى أجعل نفسي شيعيا " وهو سني، فنتذاكر في مسائل أيضا "، فيضحك ويرى نفسه مغلوبا "، ويقول: الحق الصحيح مع الشيعة.
وهكذا مرارا " تتكرر المذاكرة بيننا بهذا الترتيب، ونجد أن الحق مع الشيعة لأن الحق يعلو ولا يعلى عليه.
مثلا لما يجعل نفسه شيعيا " يطالبني بالدليل على التمسك بأحد المذاهب الأربع قائلا ": ما دليلك على أن تتعبد بالمذهب الشافعي أو الحنفي أو المالكي أو الحنبلي ؟
أفتجد لك دليلا من آية في القرآن المجيد، كقوله تعالى: (وأن هذا صراطي مستقيما " فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله) (1).
فانظر كيف يأمر الله المؤمنين بأن يأخذوا بصراطه المستقيم، وينهانا
____________
1 - سورة الأنعام: 153.
أو تجد حديثا " مأثورا " يدل على تمسك بأحد المذاهب ؟
فأجيبه: الإجماع ! فيردني: لا إجماع البتة، فإنهم يختلفون في المذاهب، فكيف يحصل الاجماع ؟ !.
وإذا سألني وأنا أجعل نفسي جعفريا "، آتي له بأدلة من كتاب الله وسنة رسوله، فأقول: جاء في الحديث، عن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله:
(إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا من بعدي أبدا "، وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما) (1).
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: (مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح من ركبها نجى، ومن تخلف عنها غرق وهوى) (2) فيسلم ويذعن، ويقول: الحق معكم.
فهكذا رأينا الحق ثابت بجانب أهل بيت رسوله الله صلى الله عليه وآله إلى غير ذلك من الأدلة التي تأخذ بعنق المؤمن فتمنعه عن وجهته.
إعلان التشيع:
قد عرفت مما عليك متكررا " بأن الأدلة القاطعة، والبراهين الساطعة من كلا الطرفين طافحة في كتب الفريقين بأحقية الأخذ
____________
1 - الحديث مشهور وفي مصادر الفريقين مذكور، يأتي ص 203.
2 - تقدم الحديث ص 54 وفيه: غرق وهلك. ويأتي ص 232.
وقد جاء في حديث معتبر مأثور، عن علي عليه السلام، عن النبي صلى الله عليه وآله، أنه قال (نحن العروة الوثقى) (2).
وجاءت رواية أخرى: (نحن الصراط المستقيم، نحن السبل إلى الله) (3) وأمثال ذلك، وهي كثيرة جدا " أوضحت لنا السبيل إلى الدخول في المذهب الشيعي، فاعتنقناه بكل فرح وسرور، إذ لا مناص لنا من الأخذ به طلبا " للنجاة، وفوزا " إلى الرشاد.
هدانا الله وإياك إلى ما فيه رضاه، وهو الموفق والمرشد والهادي، ولله در شاعر أهل البيت الكميت رحمه الله:
____________
1 - البقرة: 256.
2 - ينابيع المودة: 259 و 445، مودة القربى: 99.
3 - راجع ينابيع المودة: 22 وفيه: نحن الطريق الواضح، ونحن الصراط المستقيم إلى الله... ونحن السبيل لمن اقتدى بنا.
4 - راجع كتابنا (كرامات الأبرار) ص 37 ففيه ترجمة وافية.
____________
1 - قال المؤلف: وسيأتيك نبذة من مناقب العترة الطاهرة نظما " ونثرا " من مصادر إخواننا السنة في هذا الكتاب إن شاء الله.
المؤامرات التي حيكت ضدنا:
فلما أعلنا التشيع وانتشر هناك، وفشا وأخذ الناس يدخلون فيه جماعات وأفرادا، فحينذاك تكتلت فئات ممن يناوئ مذهب أهل البيت عليهم السلام لجهلهم بمعرفة المذهب، والمرء عدو ما جهل، لذلك أتوا بما أتوا من سوء الأفعال والمعاملة، بحيث نستحي أن نذكره لقبحه وشناعته !
ولقد حكم الكثيرون منهم علينا بالكفر والارتداد، فرشقونا بسهامهم، وقاموا يحرضون علينا سفهاءهم، ويغرون صبيانهم، فيأذوننا بالكلام، ويرموننا بالحجارة والحصى قائلين لنا: يا عبدة (القرميدة) ! ! ويعنون بذلك التربة الحسينية.
وأخذوا يحذرون الناس على المنابر من معاملتنا بدعوى الكفر والارتداد، ويقطعون علينا أسباب المعاش ما أمكنهم، بحيث لو أردنا أن نستأجر دارا " للسكنى أتوا إلى صاحبه ويهددونه، قائلين بأن هؤلاء
فيا للعجب كأنما خرجنا عن حظيرة الإسلام باعتناقنا مذهب أهل البيت عليهم السلام، فلا حول ولا قوة إلا بالله وإليه المشتكى.
وأيضا " قامت طائفة من مشايخ حلب، وأسسوا جمعية أسموها (جمعية الدعوة المحمدية إلى الصراط المستقيم) ورجل حلبي يدعى (أمين عيروض) ألف كتابا " أسماه باسم تلك الجمعية، ويقول فيه أقوالا شنيعة كثيرة ضدنا، ومنها:
يقول: إن التشيع قد فشا بحلب ونواحيها وضواحيها، وتخلل بها، وهو مخوف جدا "، فنحن نكافح تلك الطائفة الباغية التي تشيعت ! فقامت له ضوضاء، ثم خمدت، فإن صوت الحق قد علا وارتفع، ولا يزال صداه يدوي حتى انتشر انتشارا "، فلا يمكن إسكاته ولو رجف المرجفون.
وعلى كل حال نحن ثابتون كالجبل الأشم لا تحركه العواصف، والبحر الخضم لا يأبه بحر الهجير، مشمرين عن سواعدنا، آخذين بأذيال الحق، ندعو إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وبالمجادلة التي هي أحسن (ومن أحسن قولا " ممن دعا إلى الله، وعمل صالحا " وقال إنني من المسلمين) (1) وقد أخذ الله بأيدينا ببركة أهل البيت عليهم السلام في الأحوال كلها، ننتصر عليهم، وهم فاشلون خائبون خاسرون، وبصنع أعمالهم يوم القيامة مجزيون.
____________
1 - اقتباس من قوله تعالى في سورة فصلت: 41.
نفثة مصدور:
وقد رأيت أن أكتب عن هذا الموضوع المؤلم المخجل، الصادر عن الحمقى من أهل العمائم الذين لا دأب لهم سوى التنقيب عن عيوب المسلمين المؤمنين الصالحين، خصوصا " عن عيوب الشيعة الأبرار الذين هم شيعة أهل البيت الأجلاء، وما أكثر هؤلاء وأعوانهم.
ولله در من قال:
وهكذا شيعتهم أخذته يدا " عن يد، وثقة عن ثقة لا يختلف آخرهم عن أولهم كما تقدم (2) فيا للعجب.
أيقتل المحق وينجي المبطل ! !
فهل على من أخذ بهذا المذهب المقدس لوم، ويضلل من تعبد على طريقتهم ؟ ! أيكفر، ويشتم ويرمى بالزندقة، ويرشق بالحجارة، وتكال له الشتائم ؟ ! أتسبى حريمه، وتنهب أمواله، وتقتل أطفاله، ويمنع من المنافع كلها، وهو الشهم الكريم ؟ !
أيقال له، وهو الذي عبد الله بحق وصدق ويقين: يا عابد الصنم ؟ !
وهو قد عقد ضميره على ولاية الله ورسوله والأئمة الأطهار (ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون) (3).
ولكن - واللعنة على لكن - طبع الدهر على رفع الوضيع ووضع الرفيع، انظر إلى ما صنع الأمويون مع الرسول والعترة الطاهرة، والصفوة من شيعتهم، فكان أبو سفيان للرسول الأعظم صلى الله عليه وآله، ومعاوية لأمير المؤمنين علي عليه السلام، ويزيد لسيد الشهداء عليه السلام، والمروانيون للشيعة الأبرار،
____________
1 - أنظر الكافي: 1 / 53 ح 14.
2 - في ص 50.
3 - اقتباس من قوله تعالى في سورة المائدة: 56.
ونحن لا نلوم من كانت هذه أخلاقه، وهذا منشأه ! أذناب أموية، وحثالات مروانية، سلسلة مرتبطة حلقاتها، لا يختلف آخرهم عن أولهم حتى يأتي اليوم الذي يأخذ فيه الظالم، وينجو المظلوم.
(شنشنة أعرفها من أخزم) (1).
موقف الإمام الأكبر آية الله البروجردي منا
لما رمى الدهر علينا كلاكله، وضاقت بنا الأحوال مادة ومعنى، وصل خبرنا إلى الإمام شرف الدين (رحمه الله) واطلع على ما نحن عليه من ضيق الحال، فرفع كتابا " إلى المرجع الأعلى لهذه الطائفة المحقة، آية الله العظمى، وحجته الكبرى المجتهد الأعظم، سيدنا ومولانا المفدى
____________
1 - في حديث عمر، قال لابن عباس في كلام: شنشنة أعرفها من أخزم، أي فيه شبه من أبيه في الرأي والحزم والذكاء.
الشنشة: السجية والطبيعة، وقيل: القطعة والمضغة من اللحم، وهو مثل، وأول من قاله أبو أخزم الطائي وذلك أن أخزم كان عاقا " لأبيه، فمات وترك بنين عقوا جدهم وضربوه وأدموه.
فقال:
____________
1 - قال المؤلف: الإمام الأكبر البروجردي: هو عميد الفرقة الحقة المحقة، سيد الطائفة، وزعيم الشيعة، ومنار الشريعة، وعلم من أعلام الأمة، ونائب الأئمة، ونيقد من نياقد علماء المسلمين، وركن من أركان الدين، وطود من أطواد الطائفة، وممثل الكيان الهاشمي في العصر الحاضر، ويحق للشيعة أن تفتخر به وبعلمه المتدفق، وشرفه الوضاح، وورعه الراسخ، ومنطقه الذلق، ودعوته الناجعة، وقد اعترف بشخصيته وعظمته المؤالف والمخالف، وكفانا مؤنة التعريف به، شهرته الطائلة في ذلك كله، فقد تركته أجلى من أي تعريف، فما عسى أن يقول فيه المتشدق ببيانه، وكل ما يقوله دون أشواطه البعيدة، وصيته الطائر، وله في ترويج الدين والشريعة والمذهب بمواقفه البطولية، ونظراته العميقة، وأفكاره الذهبية، أياد بيضاء، وفي إزاحة البدع والمنكرات قدم راسخة، وقد وقف للدين والعلم موقف الأسد الباسل المناضل، وضرب الباطل بيد من حديد حتى عاد كحديث أمس الدابر، وذلك ما خلد له التاريخ من صحيفة ناصعة تضئ مع الشمس المنيرة.
توفي رحمه الله عن عمر ناهز الثمانين في اليوم الثالث عشر من شهر شوال سنة 1380 ه وكان لفقده الطامة الكبرى التي أرخت لها العيون دموعا " قانية، وتفطرت القلوب من عظم خطبه الفادح وكربه الممض المرض.
ولعمر الحق إنها لمصيبة كبدت الإسلام، وخسارة لا تتدارك، وأوسعته ثلمة لا تسد، ولم يثبت التاريخ نبأ زعيم ديني أكبر منه في القرون الإسلامية، وإن شئت ترجمة هذا الإمام الهمام، فراجع كتب التراجم، فسلام عليه يوم ولد، ويوم مات، ويوم يبعث حيا ".
هذا وقد رأينا من الواجب المحتم علينا أن نعرج إلى العراق وإلى إيران، وذلك لأسباب اقتضت الحاجة إليها، وقد هيأ الله لنا الأسباب، فصممنا على ذلك بعون الله وحسن توفيقه.
[رحلاته]
رحلتي إلى العراق:
وفي عام (1370) هجرية وفق الله تعالى هذا العبد لزيارة أصحاب الضرائح المقدسة، والقباب المنورة في العراق، وهم مواليي أئمة أهل البيت، العترة الطاهرة عليهم السلام، وللاتصال بعلمائه الأعلام وأئمته المجتهدين الكرام، ولقد شملني منهم ومن سائر إخواني العراقيين الأشاوس الأماجد على اختلاف طبقاتهم حفاوة، يقصر التعبير عنها.
مدينة بغداد العامرة:
ففي بغداد حللت ضيفا " على حضرة صاحب السماحة والفخامة بطل العراق المعظم والسياسي المحنك، العلامة الحجة السيد محمد الصدر (1) رئيس الوزراء المعظم.
____________
1 - قال المؤلف: هو العلامة الكبير، والسياسي الشهير، صاحب المواقف البطولية المشهورة، والخدمات الإسلامية المشكورة، وهو أول عالم ديني تسنم كرسي رئاسة الوزارة في العراق الجيب، وذلك في عام 1367 ه وقد أرخ بعض الشعراء تاريخ جلوسه على كرسي الرئاسة بقوله:
كما وقد اجتمعت أيضا " في بغداد بمعالي الأستاذ الكبير والكاتب الإسلامي الشهير، رجل السياسة والعلم الأستاذ أحمد أمين صاحب المؤلفات القيمة (التكامل في الإسلام) وغيرها.
مدينة الكاظمية المشرفة:
وقد اجتمعت أيضا " بعلماء الكاظمية الأعلام منهم:
سيدنا العلامة الحجة الكبير السيد أحمد الكشوان، ومنهم سيدنا العلامة الكبير والحجة الشهير السيد علي الصدر، ومنهم سيدنا العلامة الحجة المؤلف الكبير السيد محمد المهدي الإصفهاني الكاظمي، ومنهم الشيخ العلامة الأكبر الحجة الشيخ ميرزا علي الزنجاني، وغير هؤلاء.
مدينة كربلاء المقدسة:
وفي هذه المدينة المقدسة نزلت ضيفا " على السيد المعظم صاحب السماحة والفضيلة العلامة الحجة المجاهد السيد العباس الكاشاني (1).
____________
1 - قال المؤلف: السيد الكاشاني: هو العلامة الكبير، والمؤلف الشهير صاحب المؤلفات القيمة والآثار الخالدة، والمواقف المشهورة، وقد اجتمعت به لأول =
____________
= مرة قبل اثنتي عشرة سنة تقريبا " في مدينة حلب الشهباء، وله في تلك الديار مواقف إسلامية مشكورة، تقدره وتعظمه لحد الآن أهاليها، وقد زرته في كربلاء المقدسة أيضا "، وحللت في بيته العامر، ورأيت مؤلفاته القيمة، ومصنفاته الممتعة، منها الكتاب الضخم النفيس (طبقات الأعلام) في تراجم أعلام الطائفة في مجلدات عديدة مع آلاف من صورهم، الكتاب الذي يعجز القلم عن تعريفه، الكتاب الذي أخذ شهرته العالمية وحظه الأوفى قبل أن ينتشر، ولقد أدهشتني عظمة هذا السفر العظيم، وغيرها من مؤلفاته القيمة في مختلف العلوم وشتى الفنون التي خدم بها مذهب أجداده الطاهرين عليهم السلام، ولسيدنا المعظم في بيته العامر مكتبة شخصية ضخمة عامرة، يربو عدد كتبها على أربعة آلاف كتاب ما بين مطبوع ومخطوط، ومن جملة أثاره (تأسيس دار المعارف الإسلامية) و (مكتبة أبي الفضل العباس عليه السلام العامة) التي هي من أضخم مكتبات مدينة كربلاء المقدسة، وغيرها من المآثر الجليلة، وهو اليوم يؤم المسلمين في الروضة الحسينية المقدسة، وله حق عظيم على محرر هذا الإملاء جزاه الله عنا أحسن الجزاء، ورفع الله به كلمة الإسلام والمسلمين ودامت فضائله وفواضله.
1 - قال المؤلف: العلامة الأصبهاني، هو فيلسوف الفقهاء وفقيه الفلاسفة، شيخ العلماء في كربلاء، وإمام الجمعة والجماعة والفتوى، وقد رأيت هذا =
مدينة النجف الأشرف:
ثم عرجت على النجف الأشرف، وكنت فيها تحت رعاية سيدنا ومولانا المفدى آية الله العظمى وحجته الكبرى، المرجع الديني العظيم حامي الشيعة، ومحي الشريعة الإمام المجاهد سيد الطائفة، السيد المحسن الحكيم الطباطبائي دام ظله الظليل (1).
وقد اجتمعنا مدة إقامتنا في النجف الأشرف - جامعة العلوم
____________
= المولى الهمام أعظم مما كنت أسمع عنه من علم واسع، وخلق عظيم، فله اليد الطولى في أكثر العلوم وشتى الفنون من فقه وأصول وفلسفة وحكمة وكلام وأدب وطبيعيات ورياضيات وغيرها، أمد الله في عمره الشريف.
1 - قال المؤلف: الإمام المحسن هو اليوم سيد العلماء الأعلام، وأشهر الفقهاء العظام، علم الشيعة ومعز الشريعة، الإمام الأكبر والمصلح الأعظم صاحب المواقف الإسلامية الكبرى الذي كرس حياته الشريفة لخدمة الشريعة الغراء، وقد أنقذ العراق بإصدار فتواه الشهيرة ضد الشيوعيين الملحدين أمد الله في حياته العزيزة، ومتعنا بأيامه المجيدة ولا زال سراجا " وهاجا " في جبين الإسلام ومنارا " مبينا " في غرة التاريخ.
سماحة المرجع الديني الكبير فقيه أهل البيت وهاديهم آية الله العظمى، وحجته الكبرى الإمام المجاهد السيد ميرزا عبد الهادي الشيرازي، وسماحة المجتهد الكبير، والمرجع الشهير آية الله العظمى السيد محمود الشاهرودي، وسماحة المجتهد الكبير والمرجع الشهير آية الله العظمى، الإمام المجاهد السيد أبو القاسم الخوئي، وسماحة المجتهد الكبير، والمرجع الشهير آية الله العظمى الإمام السيد الحسين الحمامي، وسماحة المجتهد الكبير، والمرجع الشهير آية الله العظمى السيد آغا الإصطهباناتي، وسماحة المجتهد الكبير، والمرجع الشهير الإمام المجاهد الشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء، وسماحة المرجع العظيم، آية الله الشيخ محمد الحسن المظفر (وشقيقيه الحجتين الآيتين محمد الحسين ومحمد الرضا) وسماحة آية الله المجاهد الشيخ آغا بزرك الطهراني صاحب الموسوعة الكبرى (الذريعة إلى تصانيف الشيعة) وسماحة الحجة الكبرى بطل الجهاد الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني، وسماحة العلامة المجاهد، أبو الفضائل والمكارم شيخنا المبجل الحاج الشيخ نصر الله الخلخالي.
وغير هؤلاء من زعماء الدين ومراجع المسلمين دامت بركاتهم، فإنهم جميعا " بالغوا في إكرامي وتعظيمي، ورفعوا منزلتي، وحفظوا شؤوني، ورجعت من عندهم مسرورا " فرحا ".
رحلتي إلى إيران:
ثم غادرت العراق وذهبت إلى بلاد إيران، وذلك لزيارة الإمام الرضا عليه السلام، وللاتصال بالمرجع العام للطائفة وعميد الأمة، الإمام الأكبر، صاحب الزعامة الدينية الكبرى، والقيادة الروحية العظمى، الإمام المجاهد الأكبر آية الله العظمى، وحجته الكبرى السيد (آغا حسين الطباطبائي البروجردي) وقد زرته في عاصمته مدينة قم - المدينة العلمية الدينية المقدسة - وقد رأيته ذا هبية ووقار لم أر مثله في علماء الإسلام قاطبة، وقد احترمني احتراما " يليق بمقامي، ورجعت من عنده مسرورا " فرحا " محبورا "، مع العلم أن كثيرا " من زعماء العالم ورؤساء الحكومات والشخصيات الفذة العالمية كانوا يقصدونه ويأتون إليه، ولم يسمح لهم بالدخول عليه فورا "، وذلك لانشغاله الدائم بمراجعات المسلمين، وقد منحني عند رجوعي من عنده من العطايا الكثيرة اللائقة بمقامه ومقامنا، فسلام عليه يوم ولد، ويوم مات ويوم يبعث حيا.
مدينة قم المقدسة:
وقد اجتمعنا مدة مكثنا فيها بثلة كبيرة من علمائها الأعاظم، ومجتهديها الكرام، منهم:
سماحة المرجع الديني الكبير آية الله السيد محمد الحجة، وسماحة المرجع الديني الكبير آية الله السيد صدر الدين الصدر (والد الحجة المجاهد السيد موسى الصدر في صور) وسماحة المرجع الديني الكبير
مدينة طهران المعمورة:
ثم ارتحلت إلى طهران، وكنت فيها ضيفا " على العلامة الكبير والحجة الشهير، صاحب المؤلفات القيمة آية الله السيد ميرزا حسن اللواساني، واجتمعت هناك أيضا " بطائفة من العلماء الأعلام والمجتهدين الكرام، منهم:
السيد الأجل الأعظم، والطود الباذخ الأشم، صاحب المناقب والمفاخر، وارث المجد كابرا " عن كابر، سيد علماء الأمة وشيخ طائفتها، حامل لواء الشيعة ومختلفها، وقطب رحى الشريعة وموئلها، فقيه أهل بيت العصمة، المرجع العظيم في الفتوى والتقليد، آية العظمى وحجته
____________
1 - وقد طبق صيته الخافقين، وذاع اسمه في المشرقين بقيادته لأعظم ثورة إسلامية عرفها تاريخنا المعاصر، وشخصيته الجليلة الفذة أكبر من أن نعرفها بهذه السطور، فرحمه الله يوم ولد ويوم مات ويوم يبعث حيا.
____________
1 - قال المؤلف: الإمام الخوانساري: هو اليوم أحد مراجع التقليد وزعماء الشيعة، ثنيت له وسادة المرجعية بعد وفاة الزعيمين: العظيمين الإمام الأكبر السيد البروجردي العظيم، والإمام السيد ميرزا عبد الهادي الشيرازي، أمد الله في حياته العزيزة، ومتعنا بطول بقائه الشريف.
2 - قال المؤلف: الإمام الكاشاني: هو أجلى من أي تعريف، وشهرته العالمية تكفينا عن إطالة الوصف في حقه، ولما زرته كان حينذاك إضافة إلى مرجعيته الدينية، رئيسا " للمجلس النيابي في إيران، وهو أول عالم روحي تسنم كرسي رئاسة المجلس غير أنه لم يحضر مدة رئاسته المجلس، بل كان مجلس النواب ينعقد في بيته العامر إجلالا " له وتفخيما " لشخصيته، وعلى أي حال رأيته من أعظم رجال العالم الإسلامي.
توفي رحمه الله عن عمر ناهز الثمانين، قضاها في خدمة الإسلام والمسلمين والمجتمع الإنساني، وذلك في اليوم الثامن من شهر شوال عام 1380 هجرية، وكان يوم وفاته يوما " مشهودا "، ونعته جميع الإذاعات، وأعلنت الحداد، وأغلقت الأسواق، وأبنته جميع البلاد الإسلامية وغيرها.
مدينة خراسان المعظمة:
ثم عرجت على خراسان لزيارة الإمام الرضا عليه السلام، وبعد مراسيم، الزيارة اتصلت هناك بطائفة من علمائها الأعاظم، وعلى رأسهم سماحة المجتهد الكبير، والمرجع الشهير آية الله العظمى وحجته الكبرى، فقيه أهل البيت عليهم السلام وهاديهم، الإمام المجاهد علم الشيعة ومحي الشريعة، ومن ثنيت له الوسادة على الوجه الأكمل وأتت له الرئاسة، وهو أهل لها ومحل لما فيه من الكفاءة التامة، مولانا السيد محمد الهادي الميلاني دام ظله.
وقد رجعت من عندهم فرحا " مسرورا " شاكرا " لهم، لما قاموا بالحفاوة التامة اللائقة بمقامي، ورجعت إلى بلادي سوريا سالما " غانما " فرحا "، وقمت بخدماتي في ترويج الدين الحنيف والمذهب الشريف،