من الثوابت المسلّمة في عملية البناء الحضاري القويم استناد الاُمّة إلى قيمها السليمة ومبادئها الاصلية، الامر الذي يمنحها الارادة الصلبة والعزم الاكيد في التصدّي لمختلف التحديات والتهديدات التى تروم نخر كيانها وزلزلة وجودها عبر سلسلة من الافكار المنحرفة والاثار الضالة باستخدام أرقى وسائل التقنية الحديثة.
وإن أنصفنا المقام حقّه بعد مزيد من الدقّة والتأمّل نلحظ أن المرجعية الدينية المباركة كانت ولا زالت هي المنبع الاصيل والملاذ المطمئن لقاصدي الحقيقة ومراتبها الرفيعة، كيف؟! وهي التي تعكس تعاليم الدين الحنيف وقيمه المقدّسة المستقاة من مدرسة آل العصمة والطهارة(عليهم السلام) بأبهى صورها وأجلى مصاديقها.
هذا، وكانت مرجعية سماحة آية الله العظمى السيّد علي السيستاني ـ مد ظله ـ هي السبّاقة دوماً في مضمار الذبّ عن حمى العقيدة ومفاهيمها الرصينة، فخطت بذلك خطوات مؤثّرة والتزمت برامج ومشاريع قطفت وستقطف أينع الثمار بحوله تعالى.
ومركز الابحاث العقائدية هو واحد من المشاريع المباركة الذي اُسس لاجل نصرة مذهب أهل البيت(عليهم السلام)وتعاليمه الرفيعة.
ولهذا المركز قسم خاص يهتم بمعتنقي مذهب أهل البيت(عليهم السلام)على مختلف الجهات، التي منها ترجمة ما تجود به أقلامهم وأفكارهم من نتاجات وآثار ـ حيث تحكي بوضوح عظمة نعمة الولاء التي مَنّ الله سبحانه وتعالى بها
وهذا المؤلَّف «النبي و مستقبل اللدعوة» الذي يصدر ضمن «سلسلة الرحلة إلى الثقلين» مصداق حي وأثر عملي بارز يؤكّد صحة هذا المدعى.
على انّ الجهود مستمرة في تقديم يد العون والدعم قدر المكنة لكل معتنقي المذهب الحقّ بشتى الطرق والاساليب، مضافاً إلى استقراء واستقصاء سيرة الماضين منهم والمعاصرين كي يتسنى جمعها في كتاب تحت عنوان «التعريف بمعتنقي مذهب أهل البيت».
مركز الابحاث العقائدية
فارس الحسون
رحلتي
كانت انطلاقتي مع رزيّة الخميس، وهي ليست رزيّة يوم يسمّى الخميس لان أثرها مازال للان، ولن يزول إلى أن يرث الله الارض ومن عليها.
كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على فراش مرضه، وفي لحظات الوداع الاخيرة يتوجّه إلى أصحابه الذين امتلات غرفته بهم ويقول (صلى الله عليه وآله وسلم): «ا ئتوني أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده ابداً»(1) ومن الذي لا يرضى بكلام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ؟ ومن لا يحب هذه الهدية من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ؟ أنّه الامان من الضلال والتيه، ولكن ماذا جرى ؟ فها هي الامة منذ ذلك اليوم تائهة ومنقسمة إلى فرق ومذاهب، وقد صارت لعبة بيد الاعداء. فماذا حدث ياترى حتى ضلت الامة ؟ ومن الذي حال دون كتابة ذلك الكتاب ؟
في صحيح البخاري، تكلم عمر بن الخطاب، فقال: «إنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد
____________
1) «صحيح البخاري» كتاب المغازي، باب مرض النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)ووفاته.
وهكذا ضلّت الامة، وبدأ الانحراف فيها من يوم الخميس ذاك حين رفض عمر وبعض الصحابة طلب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
وبالرغم من أنني كنت متعلقاً ببعض الشخصيات إلا أنّ هذه الحادثة أوقفتني، وصُدمت عند ما بحثت عنها في صحيح البخاري ووجدتها وقد دفعتني لاراجع موروثاتي، وفعلاً كان حديث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) «ستفترق أمتي إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلاّ واحدة في الجنة»(3) يدور
____________
1) «صحيح البخاري» كتاب المرض، باب قول المريض قوموا عني.
لقد فهم عمر أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان سيكتب لهم وصية بكتاب الله وشيء آخر اقترن معه دائماً في توصياته (صلى الله عليه وآله وسلم)، لهذا قال فوراً: «حسبنا كتاب الله» ومعناه يكفينا كتاب الله ولا نريد ذاك الشيء المقارن له، وكان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)يقرن كتاب الله مع أهل بيته دائماً ويوصي الامة باتباعهما معاً وسيمر علينا هذا خلال البحث، ومن أراد المزيد فليرجع إلى كتابنا: «وركبت السفينة».
2) «صحيح البخاري» كتاب المغازي، باب مرض النبي ووفاته.
3) راجع الحديث مثلاً في «مستدرك الحاكم» 1 / 128، «مسند أحمد» 2 / 332.
وهذه الواحدة الناجية أشار لها (صلى الله عليه وآله وسلم) بقوله: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون»(1) .
وحين ضممت حديث «إني تارك فيكم الخليفتين من بعدي، كتاب الله وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يتفرقا حتّى يردا عليّ الحوض»(2) .
وحديث: «مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك»(3) .
انكشف لي الامر واضحاً كالشمس. وكان لي صديقٌ متبعٌ لاهل البيت (عليهم السلام)يشعر بأمري، وكنت قد خجلت من مواجهته، فلي كانت معه جولات وجولات في البحث والنقاش، وكثيراً ما أبت نفسي المعاندة الاعتراف له، ولكن في النهاية وبعد صراع مرير مع ذاتي انضممتُ لصديقي دون أن اشعره بذلك، وعند ما صارحته بما صرت إليه ـ وبنفس منكسرة ـ فرح ولم يبدِ أية شماتة أو سخرية كنت أتوقعهما، وقال: لقد كنت أدعو لك في كل صلاة.
____________
1) «صحيح البخاري» كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، ح 7311.
2) وهذا ما يعرف بحديث الثقلين وله ألفاظ أخرى، سيأتي بعضها، والرواية السابقة صححها الالباني.
3) هذا الحديث صحيح وسيأتي في ثنايا البحث.
ومن وسط هذه السفينه اُطلُّ عليك قارىء العزيز بهذا البحث لعلنا نرى قسماً من وجه الحقيقة.
1 / رمضان / 1419 هـ
اربد ـ الاردن
مروان خليفات
لقد امتازت رسالة نبينا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) عن سائر الرسالات السماوية بميزات عدة.
فهي خاتمة الرسالات، قال تعالى: (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحد مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُوْلَ الله وَخاَتَمَ النَّبِيينَ)(1) .
وامتازت بأنّها عامة وموجَّهة لجميع الناس، قال تعالى: (يَا أَيُهَا النَّاس إِنِّي رَسولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيْعاً)(2) و (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلاّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)(3) وباقية إلى يوم القيامة.
ومن الطبيعي فإنّ رسالة كهذه لا بدّ أن تنظر لها السماء نظرة خاصة، فتُعِدُّ مشروعاً يحفظ بقاءها وسلامتها من التحريف النصّي والدلالي بعد موت صاحبها (صلى الله عليه وآله وسلم)، ويمكن التعرّف على طبيعة هذا المشروع الالهي وتكوين مفرداته من خلال الرجوع إلى سنة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)الفعليّة والقوليّة.
____________
1) الليل: 12.
2) الاعراف: 158.
3) الانبياء: 107.
وبعبارة أوضح: ما هي حقيقة المشروع الالهي الذي اُعدَّ لهداية الانسان بعد ختم النبوة ؟
ما موقف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من مستقبل الاسلام ؟ فهل اتَّخذ (صلى الله عليه وآله وسلم) الترتيبات اللازمة لحفظ رسالته وضمان انتشارها ؟
ما موقفه (صلى الله عليه وآله وسلم) من الكتاب والسنة وهما عهد الله إلى خلقه ؟
إنّ الاجابة على هذه الاسئلة وغيرها قد يكون لها تأثير كبير على حياة الانسان.
و لو عرضت هذه الاسئلة على المدارس والفرق الاسلامية لكانت أجوبتها متوافقة مع انتماءاتها المذهبيّة، وهذه إحدى مشاكلنا، فنحن ننتمي ثم نجيب ولو على حساب الحقيقة.
ولا أطيل عليك عزيزي القارئ فقد حاولنا قدر الامكان تجلية تلك الصورة وإبراز حقيقتها المستوحاة من القرآن الكريم والسنة الشريفة.
أجل إنّ هناك نظريات مختلفة حول موقف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من مستقبل دعوته، وأشهر هذه النظريات اثنتان.
النظرية الاولى:
وهذه النظرية تمثل رأي شريحة كبيرة من المسلمين وهم أهل السنة ـ أشاعرة وسلفية ـ ويتضح موقف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من مستقبل دعوته في الاسطر التالية.
موقف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من القرآن
القرآن دستور الله ومعجزة نبيه الخالدة، فهل جمعه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في كتاب خاص ليحفظه من الضياع ؟
إنّ الناظر في كتب الحديث يرى أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أوكل أمر القرآن إلى حفظ الصحابة وجمعهم له، فقد كان البعض يحفظ ما نزل منه، وكان آخرون يكتبون بعض سوره في الصحف، ولا تذكر المصادر أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) اتخذ موقفاً حاسماً بشأن القرآن فقام بجمعه حسب ترتيب نزوله في كتاب خاص.
أجل، هناك قسم من العلماء يذهب إلى أنّ القرآن جُمع على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومنهم: الزرقاني، الزركشي، الباقلاني وغيرهم.
إلاّ أنّ هذا القول يصطدم بروايات جمع القرآن في عهد أبي بكر، فإذا كان
أخرج البخاري عن زيد بن ثابت، قال: «أرسل إلىَّ أبو بكر، مقتل(1) أهل اليمامة، فإذا عمر بن الخطاب عنده، قال أبو بكر (رضي الله عنه): إنّ عمر أتاني فقال: إنّ القتل استحرّ يوم اليمامة بقرّاء القرآن، وإنيّ أخشى أن يستحر القتل بالقراء بالمواطن، فيذهب كثير من القرآن، وإني أرى: أن تأمر بجمع القرآن.
قلت لعمر: كيف تفعل شيئاً لم يفعله رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ؟ !
قال عمر: هذا والله خير.
فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك، ورأيت في ذلك الذي رأى عمر...
قال زيد: قال أبو بكر: إنك شاب عاقل لا نتهمك وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فتتبع القرآن فاجمعه، فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علىَّ مما أمرني به من جمع القرآن.
قلت: كيف تفعلان شيئاً لم يفعله رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ؟
قال: هو والله خير.
فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح الله له صدر أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فتتبعت القرآن أجمعه من العسب،
____________
1) أي: بعد مقتلهم.
إنّ المتأمل في قول أبي بكر لعمر: «كيف نفعل شيئاً لم يفعله رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)»، وقول زيد لهما: «كيف تفعلان شيئاً لم يفعله رسول الله» يتبين له بوضوح أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يجمع القرآن وإنما جمعه زيد بن ثابت بأمر أبي بكر الذي أقنعه عمر بذلك، وقد جمعه زيد من الصدور والسطور.
قال ابن جزي: «وكان القرآن على عهد رسول الله متفرقاً في الصحف
____________
1) العسب: جمع عسيب وهو جريدة من النخل مستقيمة.
واللخاف: حجارة بيض عريضة رقاق، واحدتها لخفة، راجع «لسان العرب» 9/197 و12/261.
2) «صحيح البخاري» كتاب فضائل القرآن، باب جمع القرآن 6 / 314.
إنّ هذه الرواية وروايات أُخرى تدّعي أنّ القرآن قد كتب بشهادة شاهدين، وهذه والله أكبر ضربة للقرآن، ومعنى ذلك أنّ القرآن أخبار آحاد.
موقف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من السنة
إنّ الروايات متضاربة حول موقف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من سنته، وأشهر نص يطالعنا رواية النهي عن الكتابة:
أخرج مسلم: أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)قال: «لا تكتبوا عنّي شيئاً إلاّ القرآن، فمن كتب عني شيئاً غير القرآن فليمحه»(2) .
هذا نص عام في النهي ووردت روايات في الاذن بالكتابة للبعض كابن عمر(3) وأبي شاة(4) .
وعلماء القوم مختلفون حول نسخ النهي في الحديث السابق، فمنهم من يقول بالنسخ، ومنهم من لا يلتزم بذلك(5) .
____________
1) «التسهيل» 10 / 6.
2) «صحيح مسلم» كتاب الزهد، باب التثبت في الحديث وحكم كتابة العلم.
3) راجع «مستدرك الحاكم» 1/105 ـ 106، «مسند أحمد» 2/162.
4) «صحيح البخاري» 1/40 ـ 41.
5) كالمحدث رشيد رضا حيث قال: «لو فرضنا أن بين أحاديث النهي عن الكتابة والاذن بها تعارضاً يصح أن يكون به أحدهما ناسخاً للاخر، لكان لنا أن نستدل على كون النهي هو المتأخر بأمرين...» راجع «المنار» 10/766.
وممّا سبق يظهر لنا تأكيد أهل السنّة على أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ترك القرآن مفرقاً في الصدور والسطور ولم يجمعه في كتاب واحد، ونهى عن تدوين سنته أو تركها في صدور الرجال دون جمع أيضاً.
أمّا عن الحوادث المستقبلية المستجدة التي لا حكم لها في الكتاب والسنة، فلا نجد أيَّ نص ـ عندهم ـ يشير إلى كيفية التعامل معها.
إنّ الناظر للوهلة الاولى في هذه النظرية يضع حولها مجموعة أسئلة واشكالات، فالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مبعوث للعالمين، والاسلام هو خاتم الاديان، وظهوره على باقي الاديان أمر حتمي لا مفر منه، قال تعالى: (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ)(1) ، والقرآن باق إلى يوم القيامة فهو أبدي ولكل الناس، فكيف يترك النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) معجزته الخالدة في صدور صحابته وفي العسب واللخاف ؟
إنّ الصحابة راحلون عمّا قريب، وستأتي الاجيال تترى وتترى، فأين ستجد معجزة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لتؤمن به ولتعمل بقرآنه ؟ هل يبحثون عنه في صدور الصحابة ؟ فالصحابة أموات، ولا يمكن القول أنّه كان في ذهن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يقوم كل جيل بنقل القرآن عن الجيل الذي سبقه مشافهةً، إذ لا دليل على هذا، وهو يؤدي إلى ضياع القرآن واندراس آياته، وقد وجدنا عبدالله بن مسعود ينكر المعوذتين من القرآن(2) .
____________
1) الفتح: 28.
2) «فتح الباري» 8 / 604 وصحّح ابن حجر ذلك.
وهكذا سيكون مصير السنّة النبوية التي تبيّن مجمل القرآن وتخصّص عامه وتقيّد مطلقه، بل إنّ أمر السنّة في هذه النظرية أخطر من القرآن، فالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في تصوّرهم لم يكتفِ بعدم كتابة السنة بل نهى ـ على رأي البعض منهم ـ عن تدوينها، وعلى هذا فإنّ تخطيط النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)المستقبلي هو أن تروى السنّة مشافهةً ولا تكتب، ولا يمكن تصوّر هذا، فإذا تصوّرناه في جيل التابعين وتابعي التابعين والجيل الذي بعدهم... فكيف نتصوره الان ؟ عمّن نأخذ السنة ؟ كم سيبلغ طول السند ؟ هل سيتصل السند بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)خلال هذه القرون الاربعة عشر أم لا ؟ كيف سيتم الوثوق بهذا العدد الهائل من الرواة ؟ وأيُّ كتاب سيتكفّل ببيان أحوالهم لنعرف صدقهم من كذبهم؟...
وقد تأتي بعدنا أجيال وأجيال وتتضاعف المسافة بينهم وبين النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهنا ألا تزداد المشكلة تعقيداً على تعقيد ؟ ! ومن المعلوم أنّ أنهار الوضع في الحديث النبوي قد فاضت في القرنين الاولين، ولقد وصف الدارقطني هذه الحالة الرهيبة بقوله: «إنّ الحديث الصحيح في الحديث الكذب كالشعرة البيضاء في جلد الثور الاسود»! !
وقال حماد بن زيد: «وضعت الزنادقة على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أربعة عشر
وحين أُخذ ابن أبي العوجاء الزنديق ليُضرب عنقه قال: «لقد وضعت فيكم أربعة آلاف حديث، أحرّم فيها الحلال وأحلل الحرام»(1) .
ومع ملاحظة هذا الوضع في القرون الاولى فكيف سيكون الوضع في القرون اللاحقة ؟
إنّ عدم كتابة السنّة يؤذن بضياعها وتحريفها مع مرور الزمن، يقول ابن الصلاح: «ثمّ إنّه زال ذلك الخلاف ـ أي هل تكتب السنة أم لا ـ وأجمع المسلمون على تسويغ ذلك وإباحته، ولولا تدوينه في الكتب لدرس في الاعصر الاخيرة»(2) .
أجل هذه هي النتيجة، وهي توحي بأنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان قد أخطأ ـ والعياذ بالله ـ بتركه كتابة السنّة، وبعد وفاته (صلى الله عليه وآله وسلم) أدرك العلماء والامراء خطورة هذا النهي فخالفوه وأباحوا كتابتها.
كتب عمر بن عبد العزيز إلى عامله في المدينة أبي بكر محمد بن عمرو بن حزم: «أنظر ما كان من حديث رسول الله أو سنته فاكتبه فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء»(3) .
____________
1) «لسان الميزان» 4/431.
2) «مقدمة ابن الصلاح» 302.
3) «تدريب الراوي» 1/40.
لقد كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقرأ مستقبل الاسلام لصحابته وقد كُذب عليه في حياته وتنبأ بأنه ستكثر عليه الكذّابة، فقال: «من تعمّد علىّ كذباً فليتبوّأ مقعده من النار»(1) .
فكيف لا يضع الضمانات ـ بتدوين سنته ـ لقطع الطريق على هؤلاء الكذبة؟
يقول ابوالحسن الندوي السلفي: «ثم إنّ الحديث زاخر بالحياة... ولم يزل باعثاً على محاربة الفساد والبدع وحسبة المجتمع، ولم يزل يظهر بتأثيره في كل عصر وبلد من رفع راية الاصلاح والتجديد، وحارب البدع والخرافات والعادات الجاهلية، ودعا إلى الدين الخالص والاسلام الصحيح، لذلك كله كان الحديث من حاجات هذه الامة الاساسية، وكان لابدّ من تقييده وتسجيله ونشره»(2) .
إذا كان الحديث من حاجات هذه الامة الاساسية، وكان لابدّ من
____________
1) «صحيح البخاري» كتاب العلم، باب إثم من كذب على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
2) «مع رجال الفكر والدعوة» 78.
ورد في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: «ألا وإني أشهد لسمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: إذا انقطع شسع أحدكم فلا يمش في الاخرى حتى يصلحها»(1) .
فهل يمكن أن يصدق العقل السوي أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يهتم بانقطاع الشسع ويترك سنته دون تقييد وتسجيل ؟ !
كان حمورابي شخصاً عادياً، ووضع مجموعة قوانين وقبل وفاته كانت مدوّنة حتى صارت مرجعاً بعده لا خلاف في صحتها، وحمورابي ليس نبياً وليس مبعوثاً لقومه ولا لجميع البشر، لكنه اتخذ التحوطات اللازمة لحفظ تلك القوانين، فهل كان حمورابي أكمل وأبعَد نظراً من سيّد الخلق (صلى الله عليه وآله وسلم)؟
وفي العصر الحاضر لا نجد دولة إلاّ ولها دستورٌ مدوّنٌ في كتاب، فهل هذه الدول أكثر حضارةً وتنظيراً من دولة الاسلام ؟
هذه بعض الاشكالات التي ترد على هذه النظرية.
وقد يردّ علينا أصحابها بقولهم: لقد ترك النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الكتاب والسنة دون جمع لانه كان يعلم أنهما سيجمعان مستقبلاً فتركهما للامة.
وهذا ادّعاء لا دليل عليه، فقد كان الناس يقرأون في حياة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
____________
1) «صحيح مسلم» كتاب اللباس، باب استحباب لبس النعل في اليمنى أولاً.
وإضافة لهذا، فإنّ الصحابة ـ وكلَّ البشر ـ مكلَّفون وليسوا مؤلفين، وليس لهم شأن بجمع الكتاب والسنة لانهما من عندالله وهو الذي أنزلهما وهو الذي تكفل بحفظ كتابه (إنّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنّا لَهُ لَحَافِظُونَ)(2) .
ومع هذا سنواصل السير مع أصحاب هذه النظرية ونفترض أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)ترك الكتاب والسنة دون جمع، لعلمه أن سيجمعان مستقبلاً.
فهل هذا الافتراض كاف لاقامة الحجة على الناس ؟ وكيف سيتمُّ التعامل مع الكتاب والسنّة ؟ كيف سيُعرف الناسخ والمنسوخ، المحكم والمتشابه، الخاص والعام،... ؟ !
ألا يحتاج القرآن إلى بيان صحيح وترجمة لمعانيه ؟ فهل مثل هذا الرأي يتناسب مع كمال الدين وإتمام النعمة ؟
إنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عند هؤلاء لم يضع برنامجاً متكاملاً لكيفية التعامل مع
____________
1) المائدة: 3.
2) الحجر: 9.
فكيف نصدّق أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بيّن كيفيّة دخول الحمّام وآدابه الاخرى ولم يشر إلى مفتاح التعامل مع الكتاب والسنة ؟
إن عدم وجود برنامج مستقبلي يحفظ الكتاب والسنّة نصّاً ودلالة مدعاة لاختلاف الامة وتفرقها.
روي عن عبد الوارث بن سعيد أنّه قال: «قدمت مكة فألفيت بها أباحنيفة، فقلت له: ما تقول في رجل باع بيعاً وشرط شرطاً ؟ فقال: البيع باطل والشرط باطل.
فأتيت ابن أبي ليلى فسألته عن ذلك، فقال: البيع جائز والشرط باطل.
فأتيت ابن شبرمة فسألته عن ذلك، فقال: البيع جائز والشرط جائز.
فقلت في نفسي: سبحان الله! ثلاثة من فقهاءالعراق لايتفقون على مسألة!
____________
1) التوبة: 128.
فعدت إلى ابن أبي ليلى فأخبرته بما قال صاحباه، فقال: ما أدري ما قالا لك، حدثني هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: أمرني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن اشتري بريرة فأعتقها، البيع جائز والشرط باطل.
قال: فعدت إلى ابن شبرمة فأخبرته بما قال صاحباه، فقال: ما أدري ما قالا لك، حدثني مسعد بن كداح بن محارب بن دثار عن جابر قال: بعث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بعيراً وشرط حملانه إلى المدينة البيع جائز والشرط جائز !»(1) .
وبعد غض النظر عن أمر الكتاب والسنة وجمعهما يعرض لنا اشكال آخر وهو: هل أشار النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الحوادث المستجدة وكيفيّة استنباط أحكامها ؟
ولربما سيُجاب على ذلك بأنّ هناك القياس والاستحسان وغيرهما من مصادر التشريع، فالعلماء يرجعون إلى هذه المصادر لاستنباط أحكام المسائل المستحدثة
ويبقى اشكالنا في محله، فمن أين اكتسبت هذه المصادر الصفة الشرعية
____________
1) «التنبيه على الاسباب التي أوجبت الاختلاف بين المسلمين» للبطليوسي 115 ـ 117.
فالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يحكم بما يريه الله ولم يقل بما رأيته وبما قسته وبما استحسنته.
والملاحظ أنّ مصادر التشريع هذه محلُّ خلاف بين العلماء، فتجد الحنفية قد أفرطوا في الاعتماد على القياس، بعكس الحنابلة الذين لم يعتمدوه إلاّ قليلاً، أمّا أهل الظاهر فقد أنكروه مطلقاً، وأنكر الشافعية والمالكية المصالح المرسلة، وأنكر الشافعي الاستحسان فقد ورد عنه: «من استحسن فقد شرّع»(3) .
ولنفترض وجود القياس والاستحسان... من ضمن مصادر التشريع، ولكن ألا تحتاج إلى بيان كامل لمعالمها وكيفية تطبيقها عملياً ؟ وقد تقرّر أُصولياً: أنّه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، ووقت الحاجة متحقق
____________
1) النجم: 4.
2) النساء: 105.
3) جميع كتب الاصول: مبحث الاستحسان.
إنّ نسبة هذه الرؤية السلبية لمستقبل الاسلام إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كانت ثغرة نفذ منها بعض الكتاب وطعنوا بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)والاسلام.
قال إبراهيم فوزي: «كان المجتمع الاسلامي على توالي العصور خالياً من السلطة التشريعية اللازمة التي تشرّع للناس على الدوام حاجاتهم الزمنية المستجدة»(1) .
وقال محمود أبو ريّة: «ولو أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان قد عني بكتابة الحديث، كما عني بكتابة القرآن، وعني الصحابة من بعده بكتابته، لجاءت أحاديث الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) كلها متواترة في لفظها ومعناها، وليس شيء منها اسمه صحيح، ولا شيء اسمه حسن، ولا شيء اسمه ضعيف، ولا غير ذلك من الاسماء التي اخترعوها، مما لم يكن معروفاً زمن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)وصحابته، وبذلك كان يرتفع الخلاف في حقيقته، وينحط عن كاهل العلماء أعباء البحث عن صحته، ووضع المؤلفات الكثيرة التي صنفت في علوم الحديث والبحث عن أحوال الرواة من حيث العدالة والضبط والجرح والتعديل وغير ذلك، وكان فقهاء الدين يسيرون على نهج واحد، لا اختلاف بينهم في أصله ولا تباين... إذ تكون أدلتهم كلها متواترة كالقرآن الكريم، فلا يأخذون بما سموه الظن الغالب، الذي فتح أبواب الخلاف وفرّق صفوف
____________
1) «تدوين السنّة» 15.
يذهب البعض إلى أنَّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) جعل أصحابه مرجعية للاجيال من بعده، بحيث يقومون بنقل القرآن والسنة لمن بعدهم، وتحيط هذا القول اشكالات كثيرة نشير لواحد منها(2) :
أخرج البخاري عن أبي وائل، قال: قال عبدالله: قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «أنا فَرَطكم على الحوض، ليُرفعنّ إليَّ رجال منكم حتى إذا أهويت لاناولهم اختلجوادوني،فأقول: أي ربّ أصحابي، فيقول: لاتدري ماأحدثوا بعدك»(3) .
وأخرج مسلم عن عبدالله، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «أنا فرطكم على الحوض ولانازعنّ أقواماً ثم لاغلبنّ عليهم، فأقول: يا رب ! أصحابي،
____________
1) «أضواء على السنّة المحمدية» 218.
2) ومن أراد الفصيل فليرجع إلى كتابنا «وركبت السفينة» فصل: اشكالات على مرجعية الصحابة، 189 ـ 236.
3) «البخاري» كتاب الفتن 9/83، وكتاب الرقاق، باب في الحوض.
وفي رواية أُخرى للبخاري يقال للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «...انهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى»(2) .
هذه الاحاديث صريحة في دخول جماعات من الصحابه في النار، وقد فسرها المفسرون بالمنافقين والمرتدين، وهذا التفسير مخالف لمعطيات الاحاديث.
فعلّة دخول الصحابة في النار هي الاحداث والارتداد بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، والمنافق لا يرتد لانّه لم يسلم أصلاً وإنّما تظاهر بالاسلام، وكذلك لا يذكر لنا التاريخ أي إحداث للمنافقين بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا أي تحرك لهم(3) ! والقول بأنّهم مرتدون، يرد عليه بأنّ المرتدين لم يحدثوا في دين الله، وقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «رجال منكم» «أعرفهم ويعرفونني»(4) دليل على أنّهم ممن كانوا حول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من أهل مكة والمدينة، وقوله «أقواماً»
____________
1) «مسلم» كتاب الفضائل، باب اثبات حوض نبينا وصفاته.
2) «البخاري» كتاب الرقاق، باب في الحوض.
3) وهذا أمرٌ ينبغي التأمل فيه مليّاً، فلماذا توقفت مؤامرات المنافقين ؟ هل كان أبوبكر وعمر أذكى من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فأوقفاهم عند حدهم وكشفاهم أم أنّ المنافقين حققوا أغراضهم بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فسكتوا ؟ ! !
4) «البخاري» كتاب الرقاق، باب في الحوض.
عن أبي هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «بينما أنا قائم فإذا زمرة، حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم، قال: هلم، قلت: أين ؟ قال: إلى النار والله، قلت: وما شأنهم ؟ قال: إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى، فلا أراه يخلص منهم إلاّ مثل همل النعم»(1) .
قال ابن الاثير: «الهَمَل: ضوالُّ الابل، واحدها هامل، أي أنّ الناجي منهم قليل في قلة النّعم الضالة»(2) .
فهذا نص صريح في دخول الصحابة النار ولا يبقى منهم إلا القليل.
فبعد هذا كيف يمكن قبولهم مرجعية يحفظون لنا الكتاب والسنة وينقلونهما إلى الناس ؟ والغريب أنّهم نسبوا أمر اختيارهم إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)مع أنه يقول: «فلا أراه يخلص منهم إلاّ مثل هَمَل النعم».
ومما سبق يظهر لنا ضعف هذه النظرية التي تزعم بترك النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)القرآن مفرقاً في الصحف والصدور وعدم جمعه للسنة والنهي عن كتابتها وارجاع الناس إلى صحابته. وحاشا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من هذا الموقف السلبي.
____________
1) المصدر السابق.
2) «النهاية في غريب الحديث» 5/274، وكذا في «لسان العرب» 15/135، وقريب منه في «فتح الباري» 11/392.
النظرية الثانية:
موقف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الايجابي
إنّ موقف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الايجابي من دعوته يمرُّ بثلاث مراحل:
حين بدأ نزول القرآن شرع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بتدوينه، حيث كان يملي الايات النازلة على علي بن أبي طالب (عليه السلام) فيكتبها بخطه:
قال الامام علي (عليه السلام)في هذا الشأن: «فما نزلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) آية من القرآن إلاّ أقرأنيها وأملاها عليَّ فكتبتها بخطي»(1) .
واستمرت عمليّة جمع القرآن في السطور حتّى آخر آية نزلت على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وبتدوين آخر آية كان القرآن مجموعاً في كتاب واحد، وقد كان الصحابة يدونون بعض السور ولكنه كان تدويناً ناقصاً مقارنة بهذا التدوين.
إنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في قيامه بهذا العمل يكون قد وضع أوّل الضمانات لحفظ دعوته من الضياع والنسيان، ولكنّ هذا ليس كافياً ولا يستطيع الناس معرفة الاسلام من خلال القرآن وحده، لهذا قام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)بخطوة أُخرى.
____________
1) «الاصول من الكافي»، كتاب فضل العلم، باب اختلاف الحديث.
السنة هي المصدر الثاني من مصادر التشريع، وقد شرع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)بتدوينها تزامناً مع جمع القرآن، وكان تدوين السنّة عملاً مشتركاً بين النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلي بن أبي طالب (عليه السلام)، حيث كان (صلى الله عليه وآله وسلم) يملي وعلي (عليه السلام)يكتب، وبوفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)كانت السنة مجموعة في كتاب أو عدة كتب وقد أودعها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أهل بيته (عليهم السلام)فكانت عند علي بن أبي طالب (عليه السلام).
قالت أم سلمة: «دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بأديم وعلي بن أبي طالب عنده، فلم يزل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يملي وعلي يكتب حتى ملا بطن الاديم وظهره وأكارعه»(1) .
وعُرف الكتاب الذي يحوي السنة بالجامعة أو صحيفة علي (عليه السلام):
قال الامام جعفر الصادق (عليه السلام)(2) لاحد أصحابه وهو أبو نصير: «يا أبا محمد وإنّ عندنا (الجامعة) وما يدريهم ما الجامعة !
____________
1) «المحدث الفاصل» للرامهرمزي 601.
2) هو الامام السادس من أئمة آل البيت (عليهم السلام).
قال: صحيفة طولها سبعون ذراعاً بذراع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وإملائه من فلق فيه، وخط علي بيمينه، فيها كل حلال وحرام، وكل شيء يحتاج إليه الناس حتّى الارش في الخدش»(1) .
وهذا الكتاب الذي عُرِف بالجامعة من أكبر الكتب التي كانت بحوزة آل البيت (عليهم السلام)(2) .
ونقل عنها غير واحد من علماء أهل السنة أمثال:
l ابن سعد في آخر كتابه الجامع.
l البخاري، ذكرها في ثمانية مواضع من (الصحيح)، ورواها بثمان طرق.
l الدكتور رفعت فوزي عبد المطلب، جمع ما نقل عنها في كتاب مستقل عنونه بـ (صحيفة علي بن أبي طالب عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): دراسة توثيقية
____________
1) «الوافي» للفيض الكاشاني.
3) وقد يقال: ولماذا لم يخرج أئمة آل البيت (عليهم السلام) هذا الكتاب ليستفيد منه المسلمون ؟
والجواب: أنّ الامة هي السبب إذ نحّتهم عن مركزهم الذي جعلهم الله فيه كما سيأتي.
وبالرغم من ذِكْر الكتب السنيّة لصحيفة علي (عليه السلام) إلاّ أنّها لم تعطها حقّها من البيان، بل قد يكون هذا البيان اليسير لصحيفة علي (عليه السلام)فيه ظلم وتزوير لاسباب سياسية وأُخرى مذهبية، ولنأخذ هذه الرواية التي رواها البخاري ونقف عندها قليلاً:
أخرج البخاري عن أبي جحيفة، قال: «قلت لعلي(عليه السلام): هل عندكم كتابٌ؟
قال: لا، إلاّ كتاب الله، أو فَهْمٌ أعطيه رجلٌ، أو ما في هذه الصحيفة.
قال: قلت: فما في هذه الصحيفة ؟
قال: العقلُ، وفكاك الاسير، ولا يُقتلُ مسلمٌ بكافر»(2) .
يفهم من هذه الرواية وروايات أخرى لم نذكرها(3) أنّه كان هناك تساؤلٌ يدور بين الناس حول أهمية وحقيقة امتلاك آل البيت (عليهم السلام) كتاباً خاصاً أم لا، مما دعا أبا جحيفة أن يسأل علياً (عليه السلام): «هل عندكم كتاب ؟» وأجابه الامام أنّه عندهم صحيفة فضلاً عن كتاب الله.
وقد وصفت الرواية الصحيفة بشكل فيه امتهانٌ وتنقيص لامير
____________
1) «تاريخ التشريع الاسلامي» للدكتور عبدالهادي الفضلي 35.
2) «صحيح البخاري» كتاب العلم، باب كتابة العلم.
3) راجع «الرحلة إلى طلب الحديث» للخطيب البغدادي.
فلماذا يحمل علي (عليه السلام) صحيفة فيها هذه المسائل الثلاث ؟ وما الحكمة من ذلك ؟ والواقع أّنه كانت عنده (عليه السلام) صحيفة كبيرة.
وفي أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) وصف دقيق لهذه الصحيفة:
روى أبوالحسن ابن بابويه، بسنده، عن الامام الباقر (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام)، قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لامير المؤمنين (عليه السلام): أكتب ما أملي عليك.
فقال: يا نبي الله، وتخاف علىَّ النسيان ؟
فقال: لستُ أخاف عليك النسيان، وقد دعوت الله لك أن يحفظك ولا يُنسيك، ولكن، أكتب لشُركائك.
قال: قلت: ومن شُركائي، يا نبي الله ؟
قال: الائمة من وُلدك...»(1) .
وعن عذافر الصيرفي، قال: «كنت مع الحكم بن عتيبة عند أبي جعفر(2) (عليه السلام) فجعل يسأله، وكان أبو جعفر (عليه السلام) له مكرماً، فاختلفا في
____________
1) «تدوين السنة الشريفة» للسيّد محمد رضا الجلالي 73 ـ 74، نقلاً عن «الامامة والتبصرة من الحيرة» 183 ح38، «بصائر الدرجات» للصفّار 167...
وراجع كتاب السيّد الجلالي المذكور لترى تصريحات بعض العلماء بامتلاك أهل البيت (عليهم السلام) صحيفة أو صحفاً.
2) هو محمد الباقر الامام الخامس من أئمة آل البيت (عليهم السلام).
فقال أبو جعفر (عليه السلام): يا بني قم فأخرج كتاب علي (عليه السلام)، فأخرج كتاباً مدروجاً عظيماً، ففتحه، وجعل ينظر حتّى أخرج المسألة.
فقال أبو جعفر (عليه السلام): هذا خط علي (عليه السلام) وإملاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
وأقبل على الحكم، وقال: يا أبا محمّد اذهب أنت وسلمه وأبو المقدام حيث شئتم يميناً وشمالاً فوالله لا تجدون العلم أوثق منه عند قوم كان ينزل عليهم جبريل (عليه السلام)»(1) .
قالت أم سلمة: «دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)بأديم وعلي بن أبي طالب عنده، فلم يزل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يملي وعلي يكتب حتى ملابطن الاديم وظهره وأكارعه»(2) .
وبتدوين النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لسنته يكون قد وضع الضمان الثاني لحفظ دعوته، ولكنّ جمع القرآن وتدوين السنّة لا يكفي لحفظ الدعوة، فترك القرآن والسنة بأيدي الامة مدعاة للاختلاف والفرقة، فالامة لا تستطيع بيان القرآن والسنة وتوضيح دلالتهما بياناً قائماً على الجزم واليقين، وحديث
____________
1) «فهرست النجاشي» 2 / 261.
2) «المحدث الفاصل» للرامهرمزي 601، «تدريب الراوي».
ونقل المناوي عن السبكي أنه قال: «وليس بمعروف عند المحدثين، ولم أقف له على سند صحيح ولا ضعيف» وأقرّه الشيخ زكريا الانصاري في تعليقه على تفسير البيضاوي (ق 92 / 2)»(1) ، وقال فيه ابن حزم: «باطل مكذوب»(2) .
فكما أنّ حكم الله كان واحداً في حياة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)فكذا يجب أن يكون فبعد مماته، وكما أنّ الناس كانوا يرجعون لشخص النبي لحل مشاكلهم ومسائلهم الدينية فكذا يجب أن يخلف النبي من ينوب عنه ويقوم بمهامه ـ ما عدا الوحي ـ ويرجع الناس إليه ويبقى حكم الله واحداً، ومن أجل تحقيق هذا الهدف اتخذ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) خطوة ثالثة.
المرحلة الثالثة: إعلان مرجعية آل البيت (عليهم السلام)
كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يشعر بدنو أجله وأحسّ المسلمون بذلك في حجة الوداع، وكان (صلى الله عليه وآله وسلم) يعلم أن الكتاب والسنة دون مبين لهما غير كافيين لمواصلة المسيرة المباركة التي ابتدأها، لذلك أعلن في حجة الوداع على
____________
1) «سلسلة الاحاديث الضعيفة» 1 / 76 ح57.
2) «الاحكام في أصول الاحكام» 5/61.
وقد نقل لنا مسلم هذه الوصية التاريخية في صحيحه وبعدة طرق: قال زيد بن أرقم ـ أحد رواة الحديث ـ: «قام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)يوماً فينا خطيباً بماء يُدعى خُمّاً بين مكة والمدينة فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكَّر، ثم قال: أمّا بعد ألا أيُّها الناسُ فإنّما أنا بشرٌ يوشك أن يأتي رسول ربّي فأُجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين: أوّلهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به»، فحثّ على كتاب الله ورغّب فيه ثمّ قال: «وأهلُ بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي»(3) .
وفي صحيح الترمذي ومستدرك الحاكم ـ وصححه ـ: «إني تارك فيكم
____________
1) ونعني بأهل البيت إضافة للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والزهراء (عليها السلام) الائمة الاثني عشر (عليهم السلام) أولهم علي بن أبي طالب (عليه السلام) ثم الحسن (عليه السلام) والحسين (عليه السلام)وآخرهم المهدي المنتظر عجل الله فرجه، لمزيد من التفصيل انظر كتابنا «وركبت السفينة»533 ـ 596.
2) ولسنا الان بصدد التعرض للنص الذي يعلن مرجعية أهل البيت (عليهم السلام)السياسية ـ أعني نص الغدير ـ أجل فلندع أمر الخلافة قليلاً ولنرى الان أمر ديننا فمن أين نأخذه ؟
3) صحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل علي بن أبي طالب (عليه السلام).
ولقد روى هذا الحديث عن النبي خمسة وثلاثون صحابياً(2) ، وصحّحه كثير من علماء الحديث، منهم: الحاكم في المستدرك، الذهبي في تلخيص المستدرك، الهيثمي في مجمع الزوائد، وابن كثير في تاريخه، والسيوطي في الجامع الصغير(3) ، وابن تيمية ذكره في منهاج السنة عدّة مرات، وصححه من المعاصرين الالباني المحدّث السلفي(4) ، والمحدث الاشعري الحسن السقّاف(5) .
وبالرغم من أنّ الحديث صريح في وجوب اتباع الثقلين معاً الكتاب وأهل البيت (عليهم السلام)، إلاّأنّ البعض ـ كابن تيمية ـ شكك فيه وعندما اصطدم
____________
1) «صحيح الترمذي» ج5 كتاب المناقب 663/3788، «المستدرك» 3/148.
2) وكل رواياتهم من طرق أهل السنة فراجعها في: «عبقات الانوار» ج1 وج2 و«ملحق المراجعات» 327.
3) راجع: «حديث الثقلين: تواتره ـ فقهه» لعلي الحسيني الميلاني.
4) «صحيح الجامع الصغير» 2 / 217، رقم 2454.
5) «صحيح صفة صلاة النبي» 289.
«الحديث الذي في مسلم إذا كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد قاله ! ! فليس فيه إلاّ الوصية باتباع الكتاب، وهولم يأمر باتّباع العترة، ولكن قال: «أذكركم الله في أهل بيتي»(1) .
ومن الطبيعي إنّ الذي يعتصر مخيلته ليصرف أحاديث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في أهل بيته (عليهم السلام) عن معانيهايقع في هذه المطبات، فإذا كان الامر مجرد تذكير، فلماذا يقرنهم بالقرآن فيقول: «إني تارك فيكم الثقلين» و«لن يفترقا» و«حتّى يردا».
وقد أسعفنا الالباني برواية صحّحها، ترد على ابن تيمية وكل من كرر كلامه، فعن زيد بن ثابت قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «إني تارك فيكم الخليفتين من بعدي، كتاب الله وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يتفرقا حتّى يردا عليَّ الحوض»(2) .
أمّا حديث «كتاب الله وسنتي» فهو غير صحيح، فقد قال فيه أحمد سعد حمدون: «سنده ضعيف» فيه «صالح بن موسى الطلحي»، قال فيه الذهبي: ضعيف، وقال يحيى: ليس بشيء ولا يكتب حديثه، وقال البخاري: منكر
____________
1) «منهاج السنة» 4 / 85.
2) «السنة» لابن أبي عاصم 337، رقم الحديث 754، «مسند أحمد» 5/182.
وذهب الحسن السقّاف ـ وهو المحدث الخبير ـ إلى أنّ لفظ «وسنتي» موضوع(2) .
أمّا في مصادر الحديث، فقد ورد في موطأ مالك بدون سند(3) ، ورواه الحاكم في مستدركه(4) بسندين أحدهما فيه ابن أبي أُويس وهو ضعيف(5) والاخر فيه صالح بن موسى الطلحي وهو مجروح(6) .
ورواهُ البيهقي(7) بإسنادين، واحد: فيه ابن أبي أُويس، والثاني: فيه صالح بن موسى الطلحي، وقد عرفت حالهما، ووصل ابن عبد البر في
____________
1) «شرح أصول اعتقاد أهل السنة» لابي القاسم اللالكائي السلفي 8، تخريج أحمد سعد حمدون.
2) راجع كلامه في «صحيح صفة صلاة النبي» 289 ـ 294.
3) «الموطأ» كتاب القدر، باب النهي عن القول بالقدر.
4) «مستدرك الحاكم» 1/93.
5) راجع ترجمته في: «تهذيب التهذيب» 1/271. 6) راجع ترجمته في «تهذيب الكمال» 13/96، و«تهذيب التهذيب» 4/355.
7) «السنن الكبرى» 10 / 114.
وهكذا اتضح الحق مبيناً لكل ذي بصيرة لم ينخرها العناد بالفساد.
ونصُّه: «مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك».
روى هذا الحديث ثمانية من الصحابة، وصححه كل من: الحاكم في مستدركه، والسيوطي في نهاية الافصال في تشريف الال(2) ، والطيبي في شرح المشكاة، وابن حجر الشافعي حيث قال: «جاء من طرق عديدة يقوي بعضها بعضاً...»(3) الحديث.
وصححه محمد بن يوسف المالكي المعروف بالكافي حيث قال بعد كلام له: «ويدلك على ذلك: الحديث المشهور المتفق على نقله: مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق»(4) .
____________
1) «التمهيد» 24 / 331.
2) «خلاصة عبقات الانوار» 43.
3) «الصواعق المحرقة» 150.
4) راجع «خلاصة العبقات» 247.
ودلالة الحديث لا تخفى على أحد في وجوب اتباع أهل البيت (عليهم السلام)لتحصيل النجاة.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «النجوم أمان لاهل الارض من الغرق وأهل بيتي أمان لاُمتي من الاختلاف، فإذا خالفتها قبيلة من العرب اختلفوا فصاروا حزب إبليس»(2) .
وهذا الحديث صريح في أنّ أهل البيت (عليهم السلام) أمان الامة من الاختلاف.
____________
1) فراجع «مستدرك الحاكم» 3 / 150، «المعجم الكبير» للطبراني 130، «مجمع الزوائد» للهيثمي... انظر «وركبت السفينة» 407.
2) «مستدرك الحاكم» 3 / 149 قال: هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه، «الصواعق المحرقة» 91 و140 وصححه، «مجمع الزوائد» 9 / 147.
l قال تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيْعاً وَلا تَفَرَقُوا) (1) .
وحبل الله فسّرته الروايات بآل البيت (عليهم السلام)(2) .
l وقد أمر الله الامة بسؤال أهل الذكر، قال تعالى: (فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكرِ إنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُون)(3) وهم آل البيت (عليهم السلام)(4) .
l وهم الصادقون الذين أمرنا الله بأن نكون معهم: (يَا أيُّها الَّذِيْنَ آمَنوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)(5)(6) .
وقد وصف الله اتباع هذا الخط بخير البرية فحينما نزل قول الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنوا وَعَمِلوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ)(7) قال
____________
1) آل عمران: 102.
2) «روح المعاني» للالوسي 4 / 16، «الصواعق المحرقة» 149.
3) النحل: 43.
4) راجع: «تفسير الطبري» 14 / 109، «تفسير ابن كثير» 2 / 591 ـ 592، «تفسير القرطبي» 11 / 272...
5) التوبة: 119.
6) راجع «الدر المنثور» 3/290، «فتح القدير» للشوكاني 2/295، «روح المعاني» 11/41، «تذكرة الخواص» 10.
7) البينة: 7.
____________
1) «تفسير الطبري» 3/146، «فتح القدير» 5/477، «الدر المنثور» 6/379، «روح المعاني» 30/207، «الصواعق المحرقة» 96...
سبق لنا إثبات بطلان النظرية الاولى التي تزعم بترك النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) للقرآن محفوظاً في صدور الصحابة وفي بعض الصحف، ونَهْيه عن تدوين السنة، أو قل تركها بلا جمع، لمن يذهب إلى أن حديث النهي قد نسخ.
فلايمكننا أن نتصورصدورهذامن نبي الله، لاننا نروي عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: «تركتكم على المحجة البيضاء، ليلهاكنهارها، لايزيغ عنها بعدي إلاّ هالك»(1) .
ونفهم من هذا النص أنّ المحجة البيضاء كانت موجودة بالفعل وقت قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لهذا النص، قبل أن يشير عمر على أبي بكر بجمع القرآن، وقبل أن يأمر عمر بن عبد العزيز ابن حزم بجمع الحديث.
والمحجة البيضاء التي تركهم (صلى الله عليه وآله وسلم) عليها هي اتِّباع آل البيت (عليهم السلام) وأخذ الاسلام منهم، لانّهم أعرف من غيرهم بالكتاب والسنة.
ولو دققنا النظر في قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «تركتكم على المحجة البيضاء...»
____________
1) «مسند أحمد» 4/126.
ويستحيل أن يترك النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الناس على طريقين مختلفين، فالمحجة البيضاء هي اتّباع الكتاب والعترة !
وانظر إلى آخر حديث المحجة: «لا يزيغ عنها إلاّ هالك» وآخر حديث السفينة: «ومن تخلف عنها هلك»، فكلمتي «هالك» و«هلك» في الحديثين تبيّنان المقصود بالمحجة البيضاء، وهي ركوب سفينة آل البيت (عليهم السلام)والنجاة بهديهم من مهلكة الضلالة، فمن لم يسر على المحجة البيضاء هالك كما أنّ من عدل عن سفينة آل محمّد هلك !
والرواية التالية تلقي مزيداً من الضوء على المحجة البيضاء:
عن جابر قال: خط لنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خطاً فقال: «هذا سبيل» ثم خط خططاً فقال: «هذه سبل الشيطان فما منها سبيل إلاّ عليها شيطان يدعو الناس إليه، فإنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فأُجيب، وأنا تارك فيكم الثقلين: أولهما كتاب الله عزّوجلّ فيه الهدى والنور من استمسك به وأخذ به كان على الهدى ومن تركه وأخطأه كان على الضلالة، وأهل بيتي أذكركم الله عزّوجلّ في أهل بيتي، (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعَاً وَلاَ تَفَرَّقُوا) »(1) .
____________
1) قال أحمد سعد حمدان: رواه أحمد 1 / 87، «الفتح الرباني»، والمروزي في «السنة» 6، ورواه ابن ماجة موجزاً وابن أبي عاصم في «السنة» موجزاً ـ 16، وصحّح الالباني هذا الحديث، فراجع «شرح أصول اعتقاد أهل السنة» لابي القاسم الطبري، تحقيق أحمد سعد حمدان.
كيف سيجيب هؤلاء التلاميذ على أسئلة الامتحان وهم لا يرون أكفّهم ؟ ونحن مسلمي هذا القرن، كيف سنصلي، نصوم، نحج... مع عدم وجود دليل لنا ؟
لقد جعل الله للانسان الحاجب والرموش لحماية عينيه وهذه من الامور البسيطة جداً إذا ما قيست بضرورة وجود حجة لله سبحانه على خلقه يبين لهم تعاليم الاسلام، فهل يعقل أن يجعل الله لنا حاجباً ورموشاً لحفظ عيوننا، ولا يضع لنا دليلاً على دينه !
ولذلك لا نجد مصداقاً لقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «تركتكم على المحجة البيضاء...» إلاّ في مدرسة آل البيت (عليهم السلام).
فالكتاب والسنة مدوّنان، ويتجسّدان في سلوك أئمة آل البيت (عليهم السلام)وأقوالهم، والاسلام حي يمارس عملياً أمام الناس، فيكون أدعى للفهم والقبول لوجود الشخصية الاسلامية النموذجية الماثلة أمامهم في الحياة اليومية.
فترى فقيهاً يقول: الحكم في هذه المسألة كذا والدليل هذه الاية، وآخر يقول: بل الحكم كذا والاية نفسها تؤيدني، حتّى أنّ الخلاف وصل بين فقهاء السنة إلى وحدة الاصول الفقهية وأصالتها، فهذا يقول بحجية القياس، وأهل الظاهر أنكروه، وأجاز مالك بن أنس الاستحسان، وقال الشافعي: «من استحسن فقد شرّع»...، حتّى جعلوا الاسلام حيص بيص، فكل واحد في جهة، ويقول دليلي من الكتاب والسنة.
فبدلاً من هذا كله، ومن أن يصبح الاسلام الذي جاء رحمة للعالمين ـ والذي يعبر عن حكم واقعي واحد ـ مذاهب وأحزاباً، يعادي بعضها البعض.. هنالك مراجع جعلهم الله تعالى حججاً على خلقه، أئمّة هداة، لا يصعب علينا أن نأخذ الاسلام صافياً منهم، دون الخوض في الكتب المختلفة، وبعيداً عن هذه التعقيدات التي توهن المسلمين وترجعهم إلى الوراء.
يقول الاستاذ عبدالوهاب خلاّف: «مما لا يعرف فيه خلاف بين جمهور المسلمين، أنّ الله سبحانه لم يترك الناس سدى، وأنّ له حكماً في كل ما يحدث للمسلم من الوقائع، غير أنه سبحانه لحكمة بالغة لم ينص على كل أحكامه في مواد قانونية جامعه»(1) .
____________
1) «مصادر التشريع فيما لا نص فيه» 8.
والعجيب قوله: «أنه سبحانه لحكمة بالغة لم ينص على كل أحكامه في مواد قانونية جامعة» !
فهل الحكمة في أن ينص الله على كل أحكامه، ليطمئن المسلم إلى حكم الله، وتستقيم تربيته التشريعية ؟ أم الحكمة في ترك أحكامه للاجتهاد المبني على الظن، الذي يؤدي إلى تعدد الاراء والمذاهب والقتال والتكفير فيما بين اتباعها ؟!
نعم هذه هي الحكمة التي أشار إليها الاستاذ خلاف، ولا يوجد غيرها وقد عاشها المسلمون، وما زالوا يعيشونها من تكفير لبعضهم البعض، وأنا أجزم أنّ انقسام هذه الامة إلى فرق ومذاهب لم يحدث إلاّ بسبب اقصاء النخبة التي تمثل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن مواقعهم التي خَصَّهم الله سبحانه بها، فلو بقي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حيّاً إلى يوم القيامة مع طاعة الناس له لما حدث أي انقسام أو خلاف بينهم، وهكذا لو أطاع الناس خلفاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)من آل بيته (عليهم السلام) لما تمزقت أمته (صلى الله عليه وآله وسلم) شيعاً متنافرة في دينه الذي جاء ليؤلف بين قلوب الناس وليس لتشتيتهم.
أتى رجل من أهل الشام ليناظرالامام الصادق (عليه السلام)(1) وأصحابه،
____________
1) هو الامام السادس من أئمة آل البيت الاثني عشر (عليهم السلام)، وهو أستاذ أبي حنيفة رغم أنّه يصغره بسنتين، أنظر كتابنا «وركبت السفينة» 554 ـ 564.
فقال الشامي: بل ربي أنظر لخلقه.
قال: ففعل بنظره لهم ماذا ؟
قال: أقام لهم دليلاً كي لا يتشتتوا أو يختلفوا، يتألفهم ويقيم أودهم ويخبرهم بفرض ربهم.
قال: فمن هو ؟
قال: رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
فقال هشام: فبعد رسول الله ؟
قال: الكتاب والسنة.
قال هشام: فهل نفعنا اليوم الكتاب والسنة في رفع الاختلاف عنّا ؟
قال الشامي: نعم.
قال: فلم اختلفنا أنا وأنت وصرتَ إلينا من الشام في مخالفتنا إياك ؟
____________
1) أحد أصحاب الامام الصادق (عليه السلام) المقربين، وقد نسبت إليه كثير من الاتهامات الباطلة.
فقال أبو عبدالله (عليه السلام): مالك لا تتكلم ؟
قال الشامي: إن قلتُ: لم نختلف كذبتُ، وإن قلتُ: إنّ الكتاب والسنة يرفعان عنّا الاختلاف أبطلتُ لانهما يحتملان الوجوه، وإن قلتُ: قد اختلفنا وكل واحد منّا يدعي الحق فلم ينفعنا إذن الكتاب والسنة، إلاّ أنّ لي على هذا حجة.
فقال أبو عبدالله (عليه السلام): سله تجده ملياً.
فقال الشامي: يا هذا من أنظر للخلق أربهم أم أنفسهم ؟
فقال هشام: ربّهم أنظر لهم منهم لانفسهم.
فقال الشامي: فهل أقام لهم من يجمع كلمتهم ويقيم أودهم ويخبرهم بحقهم من باطلهم ؟
قال هشام:نعم.
قال الشامي: من هو ؟
قال هشام: أمّا في ابتداء الشريعة فرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأما بعد النبي فعترته...»(1) .
وقال هشام بن الحكم لاحد خصومه الذين ينكرون وجود مبيّن للاسلام:
«أتقول أن الله عدل لا يجور ؟
____________
1) «الاحتجاج» 2 / 277 ـ 281.
قال هشام: فلو كلّف الله المقعد المشي إلى المساجد والجهاد في سبيل الله، وكلّف الاعمى قراءة المصحف والكتب، أتراه كان عادلاً ؟
قال: ما كان الله ليفعل ذلك.
قال هشام: علمت أنّ الله لا يفعل ذلك، ولكن على سبيل الجدل والخصومة أن لو فعل ذلك أليس كان في فعله جائراً إذا كان تكليفاً لا يكون السبيل إلى إقامته وإقامة أدامه ؟
قال: لو فعل ذلك لكان جائراً.
قال هشام: فأخبرني عن الله عزّوجلّ كلّف العباد ديناً واحداً لا اختلاف فيه، ولم يقبل إلاّ أن يأتوا به كما كلّفهم ؟ فجعل لهم دليلاً على وجود ذلك الدين ؟ أو كلفهم ما لا دليل لهم على وجوده، فيكون بمنزلة من كلف الاعمى قراءة المصحف والكتب والمقعد المشي إلى الجهاد والمساجد ؟
فسكت خصمه ساعة ثمّ قال: لا بدّ من دليل، وليس بصاحبك.
فتبسّم هشام وقال: تشيّع شطرك وصرت إلى الحق ضرورة، ولا خلاف بيني وبينك إلاّ في التسمية»(1) .
نعم لقد أخبر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)بافتراق أُمته ثلاثاً وسبعين فرقة، واحدة
____________
1) «الكشكول» ليوسف البحراني.
إن قيل: الكتاب والسنة هما الدليل.
قلنا: الكتاب والسنة مدعاة للاختلاف لاختلاف العقول في فهمهما، ونحن نريد المقصود الشرعي، وهو واحد لا يتعدد، إضافة إلى أنّ الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ربط بين الكتاب وآل بيته (عليهم السلام)ولذلك يلزمنا الجمع بينهما.
وإن قيل: الاشعري والمذاهب الاربعة.
قلنا: وأي عقيدة للاشعري تقصدون ؟ أعقيدة المعتزلة أم الاشاعرة أم أهل الحديث ؟ ولا أحد من الائمة الاربعة كان قد رأى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وسمع منه، وقد نهوا الناس عن تقليدهم(1) !
لم يدعْ من أموره أولاها | قد علمتم أنّ النبي حكيمٌ |
ترجع الناس في اختلاف نهاها | كيف تخلو من حجة وإلى من |
____________
1) وهذا أثبتناه فراجع «وركبت السفينة» 29 ـ 36 و«نحو الاسلام الاصيل» للمؤلف.
قال هشام بن الحكم لاحد العلماء الذين ينكرون وجود الامام:
«ألك عين ؟
قال: يابني أي شيء هذا السؤال ؟
فقال: هذه مسألتي
قال: سل وإن كانت مسألتك حمقاء.
قال: أجبني فيها.
فقال: سل.
فقال: ألك عين ؟
قال: نعم.
قال: فما تصنع بها ؟
قال: أرى الالوان والاشخاص.
قال: ألك أنف ؟
قال: نعم.
____________
1) «ينابيع المودة» في الباب المائة 523، «إحياء علوم الدين» 1/54، «حلية الاولياء» بايجاز 1/8، وقريب منه في «مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب» 3/32 نقلاً عن «إعلام الموقعين» لابن القيم.
قال: أشم به الرائحة.
قال: ألك لسان ؟
قال: نعم.
قال: فما تصنع به ؟
قال أتكلم به.
قال: ألك أذن ؟
قال: نعم.
قال: ما تصنع بها ؟
قال: أسمع بها الاصوات.
قال: ألك يدان ؟
قال: نعم.
قال: فما تصنع بهما ؟
قال: أبطش بهما وأعرف اللين من الخشن.
قال: ألك رجلان ؟
قال: نعم.
قال: فما تصنع بهما ؟
قال أنتقل بهما من مكان إلى مكان.
قال: ألك فم ؟
قال: نعم.
قال: فماتصنع به ؟
قال: ألك قلب ؟
قال: نعم.
قال: فما تصنع به ؟
فقال: أميز به كل ما ورد على هذه الجوارح.
قال: أفليس في هذه الجوارح غنى عن القلب ؟
قال: لا.
قال: وكيف ذاك وهي صحيحة سليمة ؟
قال: يا بني إنّ الجوارح إذا شكّت في شيء شمته أو رأته أو ذاقته ردّته إلى القلب فيتقين بها اليقين ويبطل الشك.
قال: فإنما أقام الله القلب لشك الجوارح ؟
قال: نعم.
قال: إن الله تبارك وتعالى لم يترك جوارحك حتّى جعل لها إماماً يصحح لها الصحيح وينفي ما شكّت فيه، ويترك هذا الخلق كله في حيرتهم وشكِّهم واختلافهم لا يقيم لهم إماماً يردون إليه شكهم ويقيم لك إماماً لجوارحك ترد إليه حيرتك وشكك...(1) ؟ ! !».
____________
1) «الاصول من الكافي» 1 / 169 ـ 171.
إن الله لم يقبض نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) حتّى أكمل على يديه الدين وأتم النعمة وذلك بجعل آل البيت (عليهم السلام) خلفاء للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في القيادة والتبليغ، فكما يختار الله الانبياء كذلك يختار أوصياءهم، وكما يحتاج الناس للنبي، يحتاجون للامام، ولا يعقل أن يترك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) دينه دون مرجع يبينه للناس، فهاهو يستخلف علياً (عليه السلام) على أمانات خاصة(1) ، فهل كانت هذه الامانات أعظم من الامانة الالهية حتّى يتركها دون وصي، ويضع وصياً على أمانات دنيوية ؟ !
بعد الذي قدمنا هل يبقى شك في أحقية مدرسة آل البيت (عليهم السلام) بالامامة وقيادة الامّة الاسلامية إلى طريق الله سبحانه ؟
المدرسة السنية تقول: إنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أهمل أمر المرجعية بعده فلم يجعل للاجيال إلاّ قرآناً مفرقاً في الصحف والصدور.
والمدرسة الشيعية تقول بجمع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) للقرآن والسنة، وأقام بأمر الله تعالى الائمة الاطهار ترجماناً لهما.
____________
1) قبل موته الشريف كان قد أوصى (صلى الله عليه وآله وسلم) علياً (عليه السلام) بأن يسلّم بعض الامانات لاصحابها.
فالنظرية الاولى ترى أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وبعد ثلاث وعشرين سنة من الجهاد وتحمل الاذى والصعاب لنشر دينه، ترك معجزته الخالدة مفرقة، ونهى عن تدوين سنته المبينة للقرآن، والتي لا يستغنى عنها، وهو يعلم بحاجة الناس إليها، ولم يشر للمستجدات وكيفية التعامل معها...
هذا ما وجدته في النظرية الاولى، وأي منصف يتأملها جيداً سيجد نفس الشيء، وأي محاولة تبريرية لهذه الحقيقة فهي فاشلة، وتغطية على الواقع.
هذا من جانب، ومن جانب آخر لا نرى على المدرسة الشيعية أي مؤاخذة في حق النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فهو ذلك القائد البصير الذي نظر للامد البعيد فلم يترك الامر بعده مهملاً فارغاً بل رتّبه أروع ترتيب، فالكتاب والسنة مدونان، ولحسم الخلاف في فهمهما جعل ناطقاً عنهما لا يخلو منه زمن.
إنّ الفكر الذي يقدم هذه الاطروحات لصيانة الاسلام من التحريف وإدامته، لهو فكر عظيم، فلا يمتلك المرء إلاّ أن ينحني أمامه، وبهذا التصوّر نرى المفارقة العجيبة بين النظريتين.
1 ـ القرآن الكريم.
2 ـ الاحتجاج على أهل اللجاج:
الطبرسي أحمد بن على بن أبي طالب، من أعلام القرن السادس، انتشارات أسوة، الطبعة الاولى، 1413 هـ.
3 ـ الاحكام في أصول الاحكام:
ابن حزم الاندلسي، (ت / 456 هـ)، دار الجيل، بيروت، لبنان، الطبعة الثانية، 1407 هـ.
4 ـ إحياء علوم الدين:
أبي حامد الغزالي، (ت / 505 هـ)، دار الهادي، بيروت، لبنان، الطبعة الاولى.
5 ـ الاصول من الكافي:
محمد بن يعقوب الكليني، دار الاضواء، بيروت، لبنان، 1980 م.
6 ـ أضواء على السنة المحمدية:
محمود أبو ريّة، الطبعة الخامسة، نشر البطحاء.
7 ـ تاريخ التشريع الاسلامي:
8 ـ تدريب الراوي شرح تقريب النواوي:
جلال الدين السيوطي، (ت / 911 هـ)، الطبعة الاولى، القاهرة، 1379 هـ.
9 ـ تدوين السنة الشريفة:
محمد رضا الحسيني الجلالي، الطبعة الاولى، 1413هـ.
10 ـ تدوين السنة:
إبراهيم فوزي.
11 ـ تفسير ابن كثير:
أبي الفداء اسماعيل بن كثير الدمشقي، (ت / 774 هـ)،دارالمعرفة، بيروت، لبنان، الطبعة الثانية، 1988 م.
12 ـ التسهيل إلى علوم التنزيل:
ابن جزي، (ت / 741)، دار الكتب العلمية، بيروت.
13 ـ تفسير الطبري:
ابن جرير الطبري، (ت / 310 هـ)، دار المعرفة، بيروت.
14 ـ تفسير المنار:
محمد رشيد رضا، دار المعرفة، بيروت.
15 ـ التمهيد لما في الموطأ من المعاني والاسانيد:
أبي عمر ابن عبدالبرالاندلسي، (ت 463 هـ).
16 ـ التنبيه على الاسباب التي أوجبت الاختلاف بين المسلمين:
البطليوسي.
17 ـ تهذيب التهذيب:
ابن حجر العسقلاني، (ت / 852 هـ)، دار الفكر، بيروت.
18 ـ تهذيب الكمال في أسماء الرجال:
يوسف جمال الدين المزي، (ت / 741 هـ)، مؤسسة الرسالة، بيروت.
19 ـ حديث الثقلين تواتره فقهه:
علي الحسيني الميلاني.
20 ـ حلية الاولياء:
أبي نعيم الاصفهاني، (ت / 430 هـ)، دار الكتب العلمية، بيروت.
21 ـ عبقات الانوار في إمامة الائمة الاطهار:
مير سيّد حامد حسين الموسوي، (ت / 1306 هـ).
22 ـ الدر المنثور:
جلال الدين السيوطي، (ت / 911 هـ)، دارالفكر، بيروت، لبنان، الطبعة الاولى، 1983 م.
23 ـ روح المعاني:
الالوسي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان.
24 ـ سلسلة الاحاديث الصحيحة:
محمد ناصرالدين الالباني، بيروت، المكتب الاسلامي، الطبعة الرابعة،
25 ـ السنة:
ابن أبي عاصم، تحقيق الالباني، المكتب الاسلامي، الطبعة الثانية، 1405 هـ.
26 ـ السنن الكبرى:
أبي بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي، (ت / 458 هـ)، دار الفكر، بيروت.
27 ـ شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة:
أبي القاسم الطبري اللالكائي، تحقيق أحمد سعد حمدان.
28 ـ صحيح البخاري:
أبي عبدالله إسماعيل البخاري، (ت / 256 هـ)، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان.
29 ـ صحيح صفة صلاة النبي:
الحسن بن علي السقاف، دار الامام النووي، عمان، الاردن، الطبعة الاولى، 1993 م.
30 ـ صحيح مسلم:
مسلم بن الحجاج النيسابوري، (ت / 261 هـ)، دار الفكر، بيروت.
31 ـ الصواعق المحرقة:
ابن حجر الهيثمي، (ت / 974 هـ) تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف، شركة الطباعة الفنية المتحدة، القاهرة.
ابن حجر العسقلاني، (ت / 852 هـ)، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الثانية، 1402 هـ.
33 ـ فتح القدير:
محمد بن علي الشوكاني، (ت / 1250 هـ)، دار إحياء التراث العربي.
34 ـ لسان العرب:
ابن منظور، (ت / 711 هـ)، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان، الطبعة الاولى، 1995 م.
35 ـ لسان الميزان:
ابن حجر العسقلاني، (ت / 852 هـ)، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان، الطبعة الاولى، 1416 هـ.
36 ـ مجمع الزوائد ومنبع الفوائد:
أبي بكر الهيثمي، (ت / 807 هـ)، دار الكتب العلمية، بيروت.
37 ـ المراجعات:
عبد الحسين شرف الدين، (ت / 1377 هـ)، تحقيق الشيخ حسين الراضي، المجمع العالمي لاهل البيت (عليهم السلام).
38 ـ المستدرك على الصحيحين:
أبي عبدالله الحاكم النيسابوري، (ت / 405 هـ)، دارالمعرفة، بيروت.
(ت / 241 هـ)، دار صادر، بيروت.
40 ـ المعجم الكبير:
الحافظ أبي القاسم الطبراني، (ت / 360 هـ) دار إحياء التراث العربي.
41 ـ مقدمة ابن الصلاح:
ابن الصلاح، تحقيق الدكتورة عائشة عبدالرحمن، دارالكتب، القاهرة.
42 ـ منهاج السنة النبوية:
أحمد بن تيمية، (ت/ 728 هـ)، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.
43 ـ الموطأ:
مالك بن أنس، (ت / 179) دار إحياء التراث العربي، بيروت.
44 ـ مؤلفات الشيخ الامام محمد بن عبدالوهاب.
45 ـ ميزان الاعتدال في نقد الرجال:
شمس الدين الذهبي، دار المعرفة، بيروت، لبنان.
46 ـ نحو الاسلام الاصيل:
مروان خليفات، مؤسسة الثقلين، بيروت، لبنان، الطبعة الاولى، 1998 م.
47 ـ النهايه في غريب الحديث والاثر:
48 ـ الوافي:
الفيض الكاشاني.
49 ـ وركبت السفينة:
مروان خليفات، الطبعة الاولى، 1997 م، مركز الغدير للدراسات الاسلامية.
50 ـ ينابيع المودة:
القندوزي الحنفي.
التحق بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية في جامعة اليرموك و تخرج منها عام 1995 م.
اعتنق مذهب أهل البيت (عليهم السلام) سنة 1992 م.
للمؤلف من الكتب و الأبحاث:
«وركبت السفينة»، طبع مركز الغدير بيروت سنة 1997 م.
«نحو الإسلام الأصيل»، طبع مؤسسة الثقلين بيروت سنة 1998 م.
«قراءة في المسار الأموي»، طبع مركز الغدير سنة 1998 م.