قال ابن قتيبة: «وذكروا أنه لما بلغ أبا جعفر المنصور ضرب مالك بن أنس وما أنزل به جعفر بن سليمان، أعظم ذلك إعظاماً شديداً وأنكره ولم يرضه، وكتب بعزل جعفر بن سليمان عن المدينة وأمر أن يؤتى به إلى بغداد على قتب.
ثم كتب إلى مالك بن أنيس ليستقدمه إلى نفسه ببغداد، فأبى مالك، وكتب إلى أبي جعفر يستعفيه من ذلك ويعتذر له بعض العذر إليه، فكتب أبو جعفر إليه أن وافني بالموسم العام القابل إن شاء الله فإنى خارج إلى الموسم»(1) .
فإذا كان أمير المؤمنين أبو جعفر المنصور الخليفة العباسي يعزل ابن عمه جعفر بن سليمان بن العباس عن ولاية المدينة من أجل ضرب مالك فهذا يبعث على الشك والتأمل.
إذ أن ضرب جعفر بن سليمان لمالك لم يكن إلا لتأييد خلافة ابن عمه وتدعيم ملكه وسلطانه، فكان الواجب على أبي جعفر المنصور إكرام الوالي وترقيته، لا عزله وإهانته بتلك الطريقة، فقد عزله وأمر بإقدامه على شر حال مكبلاً بالأغلال على قتب، ثم يبعث الخليفة بنفسه اعتذاره إلى مالك لكي يسترضيه ! إنه أمر عجيب !
ويفهم من ذلك بأن والي المدينة جعفر بن سليمان تصرف الحمقى الذين لا يعرفون من السياسة ودهائها شيئاً، ولم يفهم بأن مالكاً هو عمدة الخليفة وركيزته في الحرمين الشريفين، وإلا ما كان ليعزل ابن عمه من الولاية لأنه ضرب مالكاً الذي استحق ذلك من أجل فتواه بحرمة بيعة الإكراه.
وهذا ما يقع اليوم أيضاً بين ظهرانينا وأمام أعيننا عندما يحاول بعض الولاة إهانة شخص ما وسجنه لتدعيم هيبة الدولة وسلامة أمنها، فإذا بذلك الشخص يكشف عن هويته وإذا به من أقارب السيد الوزير أو من معارف
____________
(1) تاريخ الخلفاء لابن قتيبة ج 2 ص 149.
وهذا يذكرني بحادثة وقعت زمن الاحتلال الفرنسي للبلاد التونسية، فكان شيخ الطريقة العيساوية وجماعته يضربون البنادير ويرفعون أصواتهم بالمدائح في الليل مروراً ببعض الشوارع وحتى يصلوا إلى محل الحضرة كما هي عادتهم.
وبمرورهم أمام مسكن ضابط الشرطة الفرنسي، خرج إليهم هذا الأخير مغضباً فكسر بناديرهم وفرق جمعهم، لأنهم لم يعملوا بقانون احترام الجار والتزام الهدوء بعد العاشرة ليلاً.
ولما علم المراقب المدني بالحادثة وهو بمثابة الوالي عندنا، غضب غضباً شديداً على ضابط الشرطة فعزله من منصبه وأعطاه ثلاثة أيام لمغادرة مدينة قفصة، ثم استدعى شيخ الطريقة العيساوية واعتذر إليه باسم الحكومة الفرنسية، واسترضاه بأموال كثيرة كي يشتري بها بنادير وأثاثاً جديداً ويعوض كل ما كسر لهم.
وعندما سأله أحد المقربين إليه لماذا فعل كل ذلك ؟ أجابه بأن الأفضل لنا أن يتلهى هؤلاء الوحوش بضرب البنادير وينشغلوا بالشطحات وأكل العقارب وإلا سوف يتفرغوا لنا ويأكلونا نحن لأنا غاصبين حقوقهم.
ونعود إلى الإمام مالك لنستمع إليه يروي بنفسه كيف كان لقاؤه بالخليفة أبي جعفر المنصور.
لقاء مالك مع أبي جعفر المنصور
هذه الرواية التي يرويها ابن قتيبة المؤرخ الكبير في كتابه تاريخ الخلفاء منقولة عن مالك نفسه، فبلابد من هذه الملاحظة وأخذها بعين الاعتبار.
قال مالك: لما صرت بمنى أتيت السرادقات، فأذنت بنفسي، فأذن لي، ثم خرج إلي الآذن من عنده فأدخلني، فقلت للأذن: إذا انتهيت بي إلى القبة التي يكون فيها أمير المؤمنين فأعلمني، فمر بي من سرادق إلى سرادق، ومن قبة إلى أخرى، في كلها أصناف من الرجال بأيديهم السيوف المشهورة والأجزرة المرفوعة، حتى قال لي الآذن: هو في تلك القبة، ثم تركني الأذن وتأخر عني.
فمشيت حتى انتهيت إلى القبة التي هو فيها، فإذا هو قد نزل عن مجلسه الذي يكون فيه إلى البساط الذي دونه، وإذا هو قد لبس ثياباً قصدة لا تشبه ثياب مثله تواضعاً لدخولي عليه، وليس معه في القبة إلا قائم على رأسه بسيف صليت.
فلما دنوت منه، رحب بي وقرب، ثم قال: ها هنا إلي فأوميت للجلوس فقال: ها هنا، فلم يزل يدنيني حتى أجلسني إليه ولصقت ركبتي بركبتيه.
ثم كان أول ما تكلم به أن قال: والله الذي لا إله إلا هو يا أبا عبد الله ما أمرت بالذي كان ولا علمته قبل أن يكون، ولا رضيته إذ بلغني (يعني الضرب).
قال مالك: فحمدت الله تعالى على كل حال وصليت على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم،
وقد أمرت أن يؤتى بعدو الله(1) من المدينة على قتب، وأمرت بضيق مجلسه والمبالغة في امتهانه، ولابد أن أنزل به من العقوبة أضعاف ما نالك منه.
فقلت له: عافى الله أمير المؤمنين، وأكرم مثواه، قد عفوت عنه لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم منك.
قال أبو جعفر: وأنت فعفى الله عنك ووصلك.
قال مالك: ثم فاتحني فيمن مضى من السلف والعلماء، فوجدته أعلم الناس بالناس، ثم فاتحني في العلم والفقه، فوجدته أعلم الناس بما اجتمعوا عليه، وأعرفهم بما اختلفوا فيه، حافظاً لما روي واعياً لما سمع.
ثم قال لي: يا أبا عبد الله ضع هذا العلم ودونه، ودون منه كتبا، وتجنب شدائد عبد الله بن عمر ورخص عبد الله بن عباس، وشواذ عبد الله بن مسعود، واقصد إلى أواسط الأمور، وما اجتمع عليه الأئمة والصحابة (رضي الله عنهم)، لنحمل الناس إن شاء الله على علمك وكتبك ونبثها في الأمصار، ونعهد إليهم أن لا يخالفوها ولا يقضوا سواها.
فقلت له: أصلح الله الأمير، إن أهل العراق لا يرضون علمنا ولا يرون في عملهم رأينا.
فقال أبو جعفر: يحملون عليه ونضرب عليه هاماتهم بالسيف ونقطع طي ظهورهم بالسياط، فتعجل بذلك وضعها فسيأتيك محمد المهدي ابني العام القابل إن شاء الله إلى المدينة ليسمعها منك، فيجدك وقد فرغت من ذلك إن شاء الله.
____________
(1) يقصد ابن عمه جعفر بن سليمان بن العباس واليه على المدينة.
قال مالك: فبينما نحن قعود إذ طلع بني له صغير من قبة بظهر القبة التي كنا فيها، فلما نظر إلي الصبي فزع ثم تقهقر فلم يتقدم، فقال له أبو جعفر: تقدم يا حبيبي إنما هو أبو عبد الله فقيه أهل الحجاز، ثم التفت إلي فقال: يا أبا عبد الله أتدري لم فزع الصبي ولم يتقدم ؟ فقلت: لا !
فقال: والله استنكر قرب مجلسك مني إذ لم ير به أحداً غيرك قط، فلذلك تقهقر.
قال مالك: ثم أمر لي بألف دينار عيناً ذهباً، وكسوة عظيمة، وأمر لابني بألف دينار، ثم استأذنته فأذن لي، فقمت فودعني ودعا لي، ثم مشيت منطلقاً، فلحقني الخصي بالكسوة فوضعها على منكي وكذلك يفعلون بمن كسوه وإن عظم قدره، فيخرج بالكسوة على الناس فيحملها ثم يسلمها إلى غلامه.
فلما وضع الخصي الكسوة على منكبي انحنيت عنها بمنكبي كراهة احتمالها، تبرؤا من ذلك.
فناداه أبو جعفر: بلغها رحل أبي عبد الله … إنتهي(1) .
تعليق لابد منه لفائدة البحث والتحقيق
يلاحظ المتتبع لهذه المقابلة الودية التي جمعت بين الإمام مالك والخليفة الجائر أبي جعفر المنصور، ومن خلال المحاورة التي دارت بينهما نستنتج الأمور التالية:
* أولاً: نلاحظ بأن الخليفة العباسي عزل واليه على المدينة وهو ابن عمه وأقرب الناس إليه، وأهانه الإهانة بعد عزله، ثم يعتذر للإمام مالك عما صدر عنه ويقسم بالله أنه لم يكن بأمره ولا بعلمه ولم يرضه عندما بلغه.
كل ذلك يدل على الوفاق التام الذي كان بين الرجلين، والمكانة التي كان يخظى بها الإمام مالك عند أبي جعفر المنصور، إلى درجة أنه يستقبله على انفراد بلباس داخلي، ويجلسه مجلساً لم يجلس فيه أحد قط حتى ان ابن الخليفة فزع وتقهقر عندما رأى ركبتي مالك لاصقة بركبتي أبيه.
* ثانياً: نستفيد من قول المنصور لمالك: لا يزال أهل الحرمين بخير ما كمنت بين أظهرهم، وإنك أمان لهم من عذاب الله وإن الله دفع بك عنهم وقعة عظيمة، بأن أهل الحرمين أرادوا الثورة على الخليفة وحكمه الظالم فهداهم الإمام مالك وأحمد ثورتهم ببعض الفتاوى كالقول بوجوب الطاعة لله ورسوله وأولي الأمر (وهو الحاكم) وبذلك استكان الناس
____________
(1) تاريخ الخلفاء لابن قتيبة الجزء الثاني ص 150.
ولذلك قال المنصور لمالك: إن أهل الحرمين أسرع الناس إلى الفتن وأضعفهم عنها قاتلهم الله أنى يؤفكون.
* ثالثاً: إن الخليفة كان يرشح مالكاً ليكون هو العالم المنظور إليه في كل الأقطار الإسلامية، ثم يفرض مذهبه على الناس ويحملهم على اتباعه بوسائل الترهيب والترغيب.
فمن وسائل الترغيب قوله: ونعهد إلى أهل الأمصار أن لا يخالفوها ولا يقضوا بسواها، وأن يوفدوا إليه وفودهم ويرسلوا إليه رسلهم في أيام حجهم.
ومن وسائل الترهيب قوله: أما أهل العراق فيحملون عليه ونضرب عليه هاماتهم بالسيف ونقطع طي ظهورهم بالسياط.
ونفهم من هذه الفقرة ماذا كان يلاقيه الشيعة المساكين من حكام الجور من اضطهاد وقتل لحملهم على ترك الأئمة من أهل البيت وأتباع مالك وأمثاله.
* رابعاً: نلاحظ بأن الإمام مالكاً وجعفر المنصور كانا يحملان نفس العقائد ونفس المفاضلة بخصوص الصحابة والخلفاء الذين استولوا على الخلافة بالقوة والقهر.
قال مالك في ذلك: ثم فاتحني في العلم والفقه فوجدته أعلم الناس، ثم فاتحني فيمن مضى من السلف والعلماء فوجدته أعلم الناس بالناس.
ولا شك بأن أبا جعفر المنصور بادل الإمام مالكاً نفس الشعور وأطراه بنفس الإطراء، إذ قال له مرة لقاء قبل هذا: وأيم الله ما أجد بعد أمير المؤمنين أعلم منك ولا أفقه(2) ويقصد بأمير المؤمنين (نفسه، طبعا).
____________
(1) ولا تناقض بين فتواه بفساد بيعة الإكراه وفتواه بوجوب طاعة السلطان وقد رووا في ذلك أحاديث كثيرة أذكر منها على سبيل المثال: «من خرج على طاعة السلطان فمات على ذلك مات ميتة جاهلية» وكقولهم: «عليك بالسمع والطاعة ولو أخذ الأمير مالك وضرب ظهرك».
(2) تاريخ الخلفاء لابن قتيبة ج 2 ص 142.
ومما سبق نفهم بأن الإمام مالكاً كان من النواصب، إذ أنه لم يكن يعترف بخلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أبداً وقد أثبتنا في ما تقدم بأنهم أنكروا على أحمد بن حنبل الذي ربع الخلافة بعلي وأوجب له ما يجب للخلفاء قبله، وغني عن البيان بأن مالكاً هلك قبل مولد ابن حنبل بكثير.
أضف إلى ذلك أن مالكاً اعتمد في نقل الحديث على عبد الله بن عمر الناصبي الذي كان يحدث بأنهم لا يعدلون في زمن النبي بأبي بكر أحداً ثم عمره، ثم عثمان، ثم الناس بعد ذلك سواسية.
وعبد الله بن عمر هو أشهر رجال مالك وأغلب أحاديث الموطأ تعود إليه وكذلك فقه مالك.
* خامساً: نلاحظ بأن السياسة التي قامت على الظلم والجور تريد أن تتقرب إلى الناس بما يرضيهم من الفتاوى التي ألفوها ولا تكلفهم الالتزام بالنصوص القرآنية أو النبوية.
فقد جاء في كلام المنصور لمالك قوله: ضع هذا العلم ودون منه كتباً وتجنب شدائد عبد الله بن عمر ورخص ابن عباس وشواذ ابن مسعود، واقصد إلى أواسط الأمور وما اجتمع عليه الأئمة والصحابة لنحمل الناس على علمك وكتبك.
ومن هذا يتبين لنا بوضوح بأن مذهب «أهل السنة والجماعة» هو خليط من شدائد ابن عمر ورخص ابن عباس وشواذ ابن مسعود وما استحسنه مالك من أواسط الأمور التي كان عليها الأئمة والمقصود بهم «أبو بكر وعمر وعثمان» وما اجتمع عليه الصحابة الذين رضي عنهم الخليفة أبو جعفر المنصور.
وليس فيه شيء من سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم التي تروى عن الأئمة الطاهرين من عترته، والذين عاصر المنصور ومالك البعض منهم، وعمل الخليفة عل عزلهم وخنق أنفاسهم.
* سادساً: يلاحظ أن أول كتاب كتب في تدوين السنة من أحاديث الصحابة والتابعين هو كتاب الموطأ للإمام مالك، وكان يطلب من السلطة
فلابد أن تكون تلك الأحاديث من وضع الأمويين والعباسين والتي تخدم مصالحهم وتقوي نفوذهم وسلطانهم، وتبعد الناس عن حقائق الإسلام التي صدع بها نبي الرحمة صلى الله عليه وآله وسلم.
* سابعاً: نلاحظ بأن الإمام مالكاً ما كان يخشى إلا من أهل العراق لأنهم كانوا شيعة لعلي بن أبي طالب، وقد تشبعوا بعلمه وفقهه وانقطعوا في تقليدهم للأئمة الطاهرين من ولده فلم يقيموا وزناً لمالك ولا لأمثاله لعلمهم بأن هؤلاء نواصب يتزلفون للحكام ويبيعون دينهم بالدرهم والدينار.
ولذلك قال مالك للخليفة: أصلح الله الأمير إن أهل العراق لا يرضون علمنا، ولا يرون في عملهم رأينا.
فيجيبه المنصور بكل غطرسة: يحملون عليه ونضرب عليه هاماتهم بالسيف، ونقطع طي ظهورهم بالسياط.
وبهذا نفهم كيف انتشرت المذاهب التي ابتدعتها السلطات الحاكمة وسمتها بمذاهب «أهل السنة والجماعة».
والأمر العجيب في كل ذلك أنك ترى أبا حنيفة يخالف مالكاً، ومالكاً يخالفه، والاثنين يخالفان الشافعي والحنبلي، وهذان يختلفان ويخالفان الاثنين، وليس هناك مسألة فيها اتفاق الأربعة إلا نادراً، ومع ذلك فكلهم «أهل سنة وجماعة». أي جماعة هذه ؟ مالكية، أم حنفية، أم شافعية، أم حنبلية ؟ ؟ فلا هذا ولا ذاك، وإنما هي جماعة معاوية بن أبي سفيان وهم الذين وافقوه على لعن علي بن أبي طالب وجعلوها سنة متبعة ثمانين عاماً.
ولماذا يسمح بالخلاف وتعدد الآراء والفتيا في المسألة الواحدة ويصبح خلافهم رحمة ما دام مقصوراً على المذاهب الأربعة، فإذا خالفهم مجتهد آخر كفروه وأخرجوه عن الإسلام ؟
ولماذا لا يحمل خلاف الشيعة لهم كالخلاف فيما بينهم لو كانوا منصفين وعاقلين ؟
ولكن ذنب الشيعة لا يغتفر لأنهم لا يقدمون على علي أمير المؤمنين أحداً من الصحابة، وهذا هو جوهر الخلاف الذي لا يتحمله «أهل السنة والجماعة» الذين اتفقوا على شيء واحد ألا وهو إقصاء علي عن الخلافة وطمس فضله وحقائقه.
* ثامناً: نلاحظ بأن الحكام الذين استولوا على أموال المسلمين بالقهر والقوة، نراهم يوزعون هذه الأموال بسخاء على علماء السوء والمتزلفين إليهم لاستمالتهم وشراء ضمائرهم ودينهم بدنياهم.
قال مالك: ثم أمر لي بألف دينار عيناً ذهباً وكسوة عظيمة وأمر لابني بألف دينار.
فهذا ما اعترف به مالك على نفسه وقد يكون ما لم يحدث به أكثر من ذلك بكثير، لأن مالكاً كان يشعر بالحرج من العطايا الظاهرة فكان لا يجب أن يراها الناس، نفهم ذلك من قوله:
فلما وضع الخصي الكسوة على منكبي انحنيت عنها كراهة احتمالها وتبرؤا من ذلك.
ولما عرف المنصور منه ذلك أمر الخصي أن يبلغها رحل أبي عبد الله مالك حتى لا يعرف الناس عنه ذلك.
إختبار الحاكم العباسي لعلماء عصره
كان الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور من الدهاة الكبار وقد عرف كيف يستولي على عقول الناس ويشتري ضمائرهم، وقد عمل على بسط نفوذه وتوسيع دائرة ملكه بوسائل الترغيب والترهيب.
كما عرفنا مكره ودهاءه من خلال تعامله مع مالك بعد ما ضربه والي المدينة، مما يدلنا على الصلة الوثيقة التي تربطه بالإمام مالك قبل تلك الواقعة بزمن طويل.
فقد كان لمالك لقاء مع المنصور قبل هذا اللقاء الذي ذكرناه بخمسة عشر عاماً وذلك إبان استيلاء المنصور على الخلافة(1) . وقال المنصور لمالك فيما قال: «يا أبا عبد الله إني رأيت رؤيا !» فقال مالك: يوفق الله أمير المؤمنين إلى الصواب من الرأي ويلهمه الرشاد من القول، فما رأى أمير المؤمنين ؟
فقال أبو جعفر: رأيت أني أجلسك في هذا البيت، فتكون من عمار بيت الله الحرام، وأحمل الناس على علمك، وأعهد إلى أهل الأمصار يوفدون إليك وفودهم، ويرسلون إليك رسلهم في أيام حجهم لتحملهم من أمر دينهم على
____________
(1) يذكر ابن قتيبة في تاريخ الخلفاء ج 2 ص 150 بأن اللقاء الأول كان في سنة 148 للهجرة أما اللقاء الثاني الذي كان في موسم الحج فهو في سنة 163 للهجرة.
ونحن نقول بأن مالكاً كان دائم اللقاء بالخليفة وإنما ذكر ابن قتيبة هذين اللقاءين لأن مالكاً رواهما بنفسه ولأن فيهما أموراً مهمة، فليس من المعقول أن يجتمع الخليفة مع مفتي الدولة مرة كل خمسة عشر عامً !
يقول ابن قتيبة لما ولي أوب جعفر المنصور الخلافة جمع مالك بن أنس وابن أبي ذؤيب وابن سمعان في مجلس واحد وسألهم: أي الرجال أنا عندكم ؟ أمن أئمة العدل أم من أئمة الجور ؟
قال مالك، فقلت: يا أمير المؤمنين أنا متوسل إليك بالله تعالى وأتشفع إليك بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم وقرابتك منه، إلا ما أعفيتني من الكلام في هذا. قال: قد أعفاك أمير المؤمنين.
أما ابن سمعان فقال له: أنت والله خير الرجال يا أمير المؤمنين، تحج بيت الله الحرام، وتجاهد العدو، وتؤمن السبل، ويأمن الضعيف بك أن يأكله القوي، وبك قوام الدين، فأنت خير الرجال وأعدل الأئمة.
أما ابن أبي ذؤيب فقال له: أنت والله عندي شر الرجال استأثرت بمال الله ورسوله، وسهم ذوي القربى واليتامى والمساكين، وأهلكت الضعيف، وأتعبت القوي، وأمسكت أموالهم، فما حجتك غداً بين يدي الله ؟
فقال له أبو جعفر: ويحك ما تقول ؟ أتعقل ؟ أنظر ما أمامك ؟
قال: نعم قد رأيت أسيافاً، وإنما هو الموت، ولابد منه عاجله خير من آجله.
وبعد هذه المحاورة طرد المنصور ابن أبي ذؤاب وابن سمعان، واختل بمالك وحده وأمنه وقال له:
يا أبا عبد الله انصرف إلى مصرك راشداً مهدياً، وإن أحببت ما عندنا، فنحن لا نؤثر عليك أحداً ولا تعدل بك مخلوقاً.
قال: ثم بعث أبو جعفر المنصور من الغد لكل واحد منهم صرة فيها خمسة آلاف دينار مع أحد شرطته وقال له:
____________
(1) تاريخ الخلفاء لابن قتيبة ج 2 ص 142.
تدفع لكل رجل منهم صرة، أما مالك بن أنس إن أخذها فبسبيله، وإن ردها فلا جناح عليه فيما فعل.
وأما ابن أبي ذؤيب فائتني برأسه إن أخذها، وإن ردها عليك، فبسبيله لا جناح عليه.
وإن يكن ابن سمعان ردها فأنت برأسه، وإن أخذها فهي عافيته.
قال مالك: فنهض بها إلى القوم، فأما ابن سمعان فأخذها فسلم، وأما ابن أبي ذؤيب فردها فسلم، وأما أنا فكنت والله محتاجاً إليها فأخذتها(1) .
ونلاحظ من هذه القصة بأن مالكاً يعرف جور الخليفة وظلمه، ولكنه وللعلاقة الودية التي كانت بينه وبين المنصور فقد ناشده بمحمد وقرابته منه.
وهذا ما كان يعجب الحكام العباسيين ويهمهم في ذلك العصر، وهو أن يعظمهم الناس ويمجدونهم بقرابتهم من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولذلك فهم الخليفة قصد مالك فأعجبه ذلك وأعفاه من الكلام.
أما الثاني وهو ابن سمعان فقد أطراه بما ليس فيه مخافة القتل إذ كان السياف واقفاً ينتظر إشارة الخليفة.
أما الثالث وهو ابن أبي ذؤيب فكان شجاعاً، لا يخشى في الله لومة لائم وكان مؤمناً مخلصاً وصادقاً ناصحاً لله ولرسوله ولعامة المسلمين، فجابهه بحقيقة أمره وكشف عن زيفه ومغالطته، وعندما هدده بالقتل رحب به ولم يخف منه.
ولذلك نرى أن الخليفة امتحن الرجلين بالأموال الطائلة، وأعفى الإمام مالكاً من ذلك الامتحان، فهو سالم في الحالتين إن أخذها أو ردها.
أما ابن أبي ذؤيب فيقطع رأسه إن أخذها وكذلك ابن سمعان بقطع رأسه إن ردها.
ولما كان أبو جعفر المنصور داهية عظمى تراه عمل على رفع مكانة مالك
____________
(1) تاريخ الخلفاء لابن قتيبة ج 2 ص 144.
كما أن ليث بن سعد كان أفقه من مالك، كما اعترف بذلك الإمام الشافعي(2) .
والحقيقة في ذلك العصر أن الإمام جعفر الصادق كان أفضل وأعلم وأفقه منهم جميعاً وقد اعترفوا كلهم بذلك(3) ، وهل يتجرأ أحد من الأمة أن يباريه في علم أو في عمل، في فضل أو في شرف، وجده علي بن أبي طالب هو أفضل وأعلم وأفقه من الخلق كلهم بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟
ولكن السياسة هي التي ترفع قوماً وتضع آخرين والمال هو الذي يقدم قوماً ويؤخر آخرين.
والذي يهمنا في هذا البحث هو أن نبين بالأدلة الواضحة والحجج الدامغة بأن المذاهب الأربعة لـ «أهل السنة والجماعة» هي مذاهب ابتدعتها السياسة وفرضتها على الناس بوسائل الترهيب والترغيب والدعابة، فالناس على دين ملوكهم.
ومن أراد مزيداً من البيان والتحقيق فعليه بقراءة كتاب «الإمام الصادق والمذاهب الأربعة» للشيخ أسد حيدر (رحمه الله) وهناك سيعرف ما حضي به الإمام مالك من الجاه والسلطان حتى أن الإمام الشافعي كان يتوسل بوالي المدينة كي يدخل على مالك فيقول له الوالي: «أفضل المشي راجلاً من المدينة إلى مكة أهون علي من الوقوف على باب مالك، لأني لا أشعر بالذلة إلا عند الوقوف على بابه».
____________
(1) تذكرة الحفاظ ج 1 ص 176.
(2) مناقب الشافعي ص 524.
(3) قد مر عليك قول مالك: ما رأت عين ولا سمعت أنذ ولا خطر على قلب بشر أفقه من جعفر بن محمد الصادق.
وهذا أحمد أمين المصري يقول في كتابه ظهر الإسلام: «كان للحكومات دخل كبير في نصرة مذهب أهل السنة، والحكومات عادة إذا كانت قوية وأيدت مذهبا من المذاهب تبعه الناس بالتقليد، وظل سندا إلى أن تداول الدولة»(1) .
ونحن نقول بأن مذهب الإمام جعفر الصادق وهو مذهب أهل البيت إذا جاز لنا تسميته بالمذهب جرياً على عادة المسلمين وإلا فإنه الإسلام الصحيح الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لم يؤيده أي حاكم ولم تعترف به أية سلطنة، بل عمل كل الحكام على إسقاطه والقضاء عليه وتنفير الناس منه بشتى الوسائل.
فإذا شق تلك الظلمات الحالكة وكان له أتباع وأنصار عبر القرون الظالمة فذلك من فضل الله تعالى على المسلمين، لأن نور الله لا تطفئه الأفواه، ولا تقضي عليه السيوف ولا تبطله الدعايات الكاذبة والإشاعات المغرضة لئلا يكون للناس على الله حجة أو يقولوا إنا كنا عن هذا غافلين.
والذين اقتدوا بأئمة الهدى من العترة الطاهرة، كانوا ثلة قليلة يعدون على الأصابع بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وتكاثروا على مر التاريخ والعصور لأن الشجرة الطيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، وما كان لله دام واتصل.
وقد حاولت قريش القضاء على محمد في بداية الدعوة، ولما عجزت عن ذلك بفضل الله وفضل أبي طالب وعلي اللذين كانا يفديانه بنفسيهما سلت قريش نفسها بأن محمداً أبتر ليس له عقب إذا مات انقطع نسله وانتهى أمره، فصبروا على مضض.
ولكن رب العالمين أعطاه الكوثر وأصبح محمد جد الحسنين وبشر المؤمنين بأنهما إمامان إن قاما وإن قعدا، وبأن الأئمة كلهم من ذرية الحسين، وهذا كله يهدد مصالح قريش ومستقبلها.
وهذا لم يعجب قريش فثارت ثائرتها بعد وفاة محمد صلى الله عليه وآله وسلم وحاولت القضاء
____________
(1) كتاب ظهر الإسلام ج 4 ص 96.
وسكتت قريش وهدأ روعها ما دامت هي الحاكمة وليس في نسل محمد من يهدد مصالحها، وبمجرد ما رجعت الخلافة لعلي اشعلت قريش ضده الحروب الطاحنة ولم تهدأ حتى قضت عليه وأرجعت الخلافة إلى أخبث بطن من بطونها فأصبحت ملكية قيصرية يعهد بها الآباء إلى أبنائهم، وعندما رفض الحسين مبايعة يزيد قريش هبت قريش عند ذلك وثارت ثورتها العارمة للقضاء نهائياً على العترة النبوية وكل شيء اسمه نسل محمد بن عبد الله.
فكانت مذبجة كريلاء والتي قتلوا فيها ذرية النبي صلى الله عليه وآله وسلم بما في ذلك الصبيان والرضع وأرادوا اجتثاث شجرة النبوة بكل فروعها، ولكن الله سبحانه وتعالى أنجز وعده لمحمد فأنقذ علي بن الحسين وأخرج من صلبه بقية الأئمة وملئت الأرض بنسله شرقاً ومغرباً، وكان الكوثر.
فما من بلد ولا قرية ولا بقعة من الأرض إلا لنسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيها وجود وأثر وعند الناس لهم فيها احترام ومودة.
وها نحن اليوم وبعد كل المحاولات التي باءت بالفشل، أصبح عدد نفوس الشيعة الجعفرية وحدهم يبلغ 250 مليون مسلم في العالم كلهم يقلدون الأئمة الاثني عشر من عترة النبي ويتقربون إلى الله بمودتهم وموالاتهم ويرجون شفاعة جدهم.
ولن تجد مثل هذا العدد في أي مذهب من المذاهب الأخرى إذا أخذنا كل مذهب على انفراد رغم تأييد الحكام وقرضهم.
«ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين» (الانفال: 30).
ألم يأمر فرعون بذبح كل مولود من الذكور في بني اسرائيل عندما أخبره المنجمون بأن مولوداً في الإسرائيليين يهدد بزوال ملكه ؟ ولكن خير الماكرين أنفذ
ألم يعمل معاوية (فرعون زمانه) على لعن علي وقتله وقتل أولاده وشيعته ؟ ألم يحرم أن يذكره ذاكر بفضيلة ؟ ألم يحاول بكل مكره على إطفاء نور الله وإرجاع الأمر إلى الجاهلية ؟ ولكن خير الماكرين رفع ذكر علي رغم أنف معاوية وحزبه وأصبح ذكر علي يلهج به المسلمون سنة وشيعة بل حتى النصارى واليهود، وأصبح قبر علي مزاراً بعد قبر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يطوف حول ضريحه ملايين المسلمين يذرفون الدموع ويتقربون إلى الله به وتعلو مقامه قية ومآذن ذهبية شامخة في السماء تأخذ بالأبصار.
بينما خمد ذكر معاوية الأمبراطور الذي ملك الأرض وعاث فيها فساداً فهل تجد له ركزاً ؟ أم تجد له مزاراً يذكر غير مقبرة مظلمة ومهملة ؟ فإن للباطل جولة وللحق دولة فاعتبروا يا أولي الألباب.
والحمد لله على هدايته، الحمد لله الذي عرفنا بأن الشيعة هم على سنة الرسول فهم أهل السنة النبوية لأنهم اقتدوا بأهل البيت، وأهل البيت أدرى بما فيه، وهم الذين اصطفاهم الله وأورثهم علم الكتاب.
كما عرفنا بأن «أهل السنة والجماعة» قد اتبعوا بدع الحكام من السلف والخلف كما أنهم لا حجة لهم فيما يدعونه.
حديث الثقلين عند الشيعة
ومما يدل على أن الشيعة هم اتباع السنة النبوية الصحيحة هو ما يروى عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من حديث الثقلين وقوله: إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما أن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً، فلا تتقدموهم فتهلكوا، ولا تقصروا عنهم فتهلكوا، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم(1) وفي بعض الروايات: وإن اللطيف الخبير أنبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض.
وحديث الثقلين هذا أخرجه «أهل السنة والجماعة» في أكثر من عشرين مصدراً من صحاحهم ومسانيدهم، كما أخرجه الشيعة في كل كتب الحديث.
وهو كما ترى صريح صراحة لا مزيد عليها بأن «أهل السنة والجماعة» ضلوا لأنهم لم يتمسكوا بهما معاً وهلكوا لأنهم تقدموا على أهل البيت وظنوا بأن أبا حنيفة ومالكاً والشافعي وابن حنبل أعلم من العترة الطاهرة فقلدوهم وتركوا العترة الطاهرة.
على أن قول بعضهم بأنهم تمسكوا بالقرآن لا دليل عليه لأن القرآن كله عمومات وليس فيه تفاصيل الأحكام، وهو حمال اوجه ولا بد له من مبين ومفسر كما هو الحال بالنسبة للسنة النبوية التي تتطلب رواة ثقات ومفسرين عالمين.
____________
(1) صحيح الترمذي وصحيح مسلم ومستدرك الحاكم ومسند أحمد بن حنبل وكنز العمال وخصائص النسائي وطبقات ابن سعد والطبراني والسيوطي وابن حجر وابن الأثير. ولمعرفة عدد الأجزاء والصفحات يراجع كتاب المراجعات ص 82 وما بعدها.
وليس هناك حلّ لهذا المشكل إلا بالرجوع لأهل البيت أعني الأئمة من العترة الطاهرة الذين أوصى بهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وإذا أضفنا إلى حديث الثقلين المتقدم أحاديث أخرى لها نفس المعنى وترمي إلى نفس الهدف كقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «علي مع القرآن والقرآن مع علي لن يفترقا حتى يردا علي الحوض»(1) وقوله أيضاً:
«علي مع الحق والحق مع علي، ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض يوم القيامة»(2) تأكد لدينا ولدى كل باحث بأن من ترك علياً فقد ترك التفسير الحقيقي لكتاب الله تعالى، ومن ترك علياً فقد نبذ الحق وراء ظهره واتبع الباطل فليس بعد الحق إلا الضلال.
وتأكد لدينا أيضاً بأن «أهل السنة والجماعة» تركوا القرآن والسنة النبوية بتركهم الحق وهو علي بن أبي طالب (عليه السلام)، كما تأكدت نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم بقوله بأن أمته ستفترق إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها في الضلالة إلا فرقة واجدة.
وهذه الفرقة الناجية هي التي اتبعت الحق والهدى باتباعها للإمام علي (عليه السلام)، فحاربوا حربه وسالموا سلمه واقتدوا به في علمه وتمسكوا بالأئمة الميامين من ولده.
«أولئك هم خير البرية * جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً رضي الله عنهم ورضوا عنه، ذلك لمن خشي ربه» (البينة: 7 ـ 8).
____________
(1) أخرجه الحاكم في المستدرك ج 3 ص 124 والذهبي في تلخيصه.
(2) منتخب كنز العمال ج 5 ص 30 تاريخ ابن عساكر ج 3 ص 119.
تاريخ بغداد ج 14 ص 321، تاريخ الخلفاء لابن قتيبة ج 1 ص 73.
حديث الثقلين عند «أهل السنة»
كما قدمنا فإن نفس الحديث الذي ذكرناه في الفصل السابق، هو الذي أخرجه علماء «أهل السنة والجماعة» واعترفوا بصحته في أكثر من عشرين مصدراً من مصادرهم المشهورة.
وإذا اعترفوا بصحة الحديث فقد شهدوا على أنفسهم بالضلالة ضمنياً، لأنهم لم يتمسكوا بالعترة الطاهرة واعتنقوا مذاهب واهية ما أنزل الله بها من سلطان ولا وجود لها في السنة النبوية.
والعجيب من علماء «أهل السنة» اليوم وبعد انقراض بني أمية وهلاكهم، وفي عصر كثر فيه الاتصال المباشر وتوفرت فيه وسائل البحوث العلمية، فكيف لا يتوبرون ويرجعون إلى الله من قريب كي يشملهم قوله سبحانه وتعالى: «وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى» (طه: 82).
وإذا كان الناس في القرون الخالية زمن الخلافة مكرهين على اتباع السلطان بالقهر والقوة، فما هو عذرهم اليوم، والسلطان في كل البلاد لا يهمه من أمر الدين شيئاً ما دام عرشه مضموناً وهو يتبجح بالديمقراطية وبحقوق الإنسان التي من ضمنها حرية الفكر والعقيدة ؟
بقي هناك من علماء «أهل السنة» المعترضون على حديث الثقلين المذكور،
وأقل ما يقال في هؤلاء: إنهم بعيدون عن مقاييس العلم وأصول البحث والمعرفة، وإثبات الحجة والدليل.
____________
(1) قلنا في ما سبق من الأبحاث بأن حديث «كتاب الله وسنتي» هو حديث مرسل غير مسند ولم يخرجه الصحاح، بينما حديث «كتاب الله وعترتي» هو حديث صحيح ومتواتر أخرجه كل الصحاح عند السنة والشيعة.
كتاب الله وعترتي، أو كتاب الله وسنتي ؟
قد وافينا البحث في هذا الموضوع في كتاب «مع الصادقين» وقلنا باختصار بأن الحديثين لا يتناقضان لأن السنة النبوية الصحيحة محفوظة عند العترة الطاهرة من أهل البيت (عليهم السلام)، وأهل البيت أدرى بما فيه وعلي بن أبي طالب هو باب السنة النبوية وهو أولى أن يكون راوية الإسلام من أبي هريرة ومن كعب الأحبار ووهب بن منبه.
ومع ذلك لابد من مزيد البيان والتوضيح، ولو أدى ذلك إلى التكرار فإن في الإعادة إفادة، ولعل بعضهم لم يقرأوه هناك فإنهم سيطلعون عليه هنا بمزيد من التفصيل والإيضاح.
ولعل القراء الكراميجدون في هذا البحث ما يقنعهم بأن حديث «كتاب الله وعترتي» هو الأصل، وإنما عمد الخلفاء على إبداله بحديث «كتاب الله وسنتي» ليبعدوا بذلك أهل البيت عن مسرح الحياة.
ولابد من الملاحظة بأن حديث «كتاب الله وسنتي» لا يصح حتى عند «أهل السنة والجماعة» لأنهم رووا في صحاحهم بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهاهم عن كتابتها، إذا كان حديث النهي صحيحاً، فكيف يجوز للنبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يقول: تركت فيكم سنتي وهي غير مكتوبة ولا معلومة ؟ ؟ !
ثم لو كان حديث «كتاب الله وسنتي» صحيحاً، فكيف جاز لعمر بن الخطاب أن يرد على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويقول: حسبنا كتاب الله ؟ !
وإذا كان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ترك سنة مكتوبة، فكيف جاز لأبي بكر وعمر حرقها ومنعها من الناس ؟ !
وإذا كان حديث «كتاب الله وسنتي» صحيحاً، فلماذا يخطب أبو بكر بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويقول: لا تحدثوا عن رسول الله شيئاً، فمن سألكم فقولوا: بيننا وبينكم كتاب الله فاستحلوا حلاله وحرموا حرامه(1) ؟ !
وإذا كان حديث «كتاب الله وسنتي» صحيحاً، فلماذا خالفها أبو بكر في قتال مانعي الزكاة وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من قال لا إله إلا لله عصم مني دمه وماله وحسابه على الله ؟ !
وإذا كان حديث «كتاب الله سنتي» صحيحاً، فكيف جاز لأبي بكر وعمر ومن وافقهما من الصحابة أن يستبيحوا حرمة الزهراء ويهجموا على بيتها مهددين بحرقها بمن فيها، ألم يسمعوا قول النبي فيها: «فاطمة بضعة مني من أغضبها فقد أغضبني ومن أذاها فقد أذاني ؟» بلى والله لقد سمعوها ووعوها، ألم يسمعوا قول الله تعالى: «قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى» (الشورى: 23) التي نزلت فيها وفي بعلها وولديها ؟ فهل كانت مودة أهل البيت هي ترويعهم وتهديدهم بالحرق، وضغط الباب على بطن فاطمة حتى أسقطت جنينها بأبي هي وأمي ؟ ؟ !
وإذا كان حديث «كتاب الله وسنتي» صحيحاً، فكيف استحل معاوية والصحابة الذين بايعوه وساروا في ركابه أن يلعنوا علياً ويسبوه على المنابر طيلة حكم بني أمية، ألم يسمعوا أمر الله لهم بأن يصلوا عليه كما يصلون على النبي ؟ ألم يسمعوا قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «من سب عليا فقد سبني، ومن سبني فقد سب الله»(2) ؟ !
وإذا كان حديث «كتاب الله وسنتي» صحيحاً، فلماذا غابت هذه السنة على
____________
(1) تذكرة الحفاظ للذهبي ج 1 ص 3.
(2) سمتدرك الحاكم ج 3 ص 121 قال: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 73 خصائص النسائي ص 24. المناقب للخوارزمي ص 82.
فإذا كان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد ترك «كتاب الله وسنة نبيه» ليعصمان الناس من الضلالة، فلا داعي لكل هذه الأمور التي ابتدعها «أهل السنة والجماعة» فكل بدعة وضلالة وكل ضلالة في النار كما جاء في الحديث الشريف..!
ثم إن العقلاء وأهل المعرفة، يلقون باللوم على النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي أهمل سنته ولم يعتن بها ولم يأمر بتدوينها وحفظها ومن ثم صيانتها من التحريف والاختلاف والوضع والاختلاق، ثم يقول للناس: «إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي، كتاب الله وسنتي» !
أما إذا قيل لهؤلاء العقلاء بأنه نهاهم عن كتابتها فسيكون عند ذلك هزؤاً، لأن ذلك ليس من أفعال الحكماء، إذ كيف ينهى المسلمين عن كتابة سنته، ثم يقول لهم: تركت فيكم سنتي ؟ ؟ !
أضف إلى كل ما تقدم بأن كتاب الله المجيد، إذا أضفنا إليه السنة النبوية التي كتبها المسلمون عبر القرون، فإن فيها الناسخ والمنسوخ وفيها الخاص والعام وفيها المحكم والمتشابه، فهي شقيقة القرآن، غير أن القرآن كله صحيح لأن الله سبحانه تكفل بحفظه ولأنه مكتبوب، أما السنة ففيها المكذوب أكثر من الصحيح، فالسنة النبوية هي قبل كل شيء محتاجة إلى المعصوم الذي يدل على صحيحها ويطرح كل ما وضع فيها، وغير المعصوم لا يقدر على شيء من ذلك ولو كان عالماً علامة.
كما أن «القرآن والسنة» معاً يفترقان إلى عالم متبحر عارف بكل أحكامهما مطلع على أسرارهما، لكي يبين للناس من بعد النبي ما اختلفوا فيه وما جهلوه.
____________
(1) جامع بيان العلم ج 2 ص 174.
ألم تر أن الله سبحانه أشار إلى أن القرآن الكريم يفتقر إلى مبين، فقال جل وعلا: «وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم» (النحل: 44) ؟ فلو لم يكن النبي يبين للناس ما نزل إليهم، لم يكونوا ليعرفوا أحكام الله ولو نزل القرآن بلغتهم !
وهذا أمر بديهي يعرفه كل الناس، ورغم نزول القرآن بفرائض الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، فالمسلمون في حاجة لبيان النبي صلى الله عليه وآله وسلم فهو الذي أوضح كيفية أداء الصلاة، ومقدار نصاب الزكاة، وأحكام الصوم، ومناسك الحج، ولولاه لما عرف الناس من ذلك شيئاً.
وإذا كان القرآن الذي لا اختلاف فيه، والذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه بحاجة إلى مبين، فإن السنة النبوية أحوج من القرآن إلى من يبينها، وذلك لكثرة الاختلاف الذي حصل فيها ولكثرة الدس والكذب الذي طرأ عليها، وإنه من الطبيعي جداً، بل من الضروريات العقلية أن يعتني كل رسول بالرسالة التي بعث بها، فيقيم عليها وصياً وقيماً بوحي من ربه حتى لا تضيع الرسالة بموته، ولأجل ذلك كان لكل نبي وصي.
ولكل ذلك أعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خليفته ووصيه على أمته علي بن ابي طالب ورباه منذ صغره بأخلاق النبوة، وعلمه في كبره علم الأولين والآخرين، وخصه بأسرار لا يعرفها غيره، ودل الأمة عليه مراراً وأرشدهم إيه تكراراً، فقال لهم إن هذا أخي ووصيي وخليفتي عليكم، وقال: أنا خير الأنبياء وعلي خير الأوصياء وخير من أترك بعدي، وقال: علي مع الحق والحق معه، وعلي مع القرآن والقرآن معه، وقال: أنا قاتلت على تنزيل القرآن وعلي يقاتل على تأويله، وهو الذي يبين لأمتي ما اختلفوا فيه من بعدي، وقال: لا يؤدي عني إلا علي وهو ولي كل مؤمن بعدي وقال: علي مني بمنزلة هارون من موسى، علي مني وأنا منه وهو باب علمي(1) .
____________
(1) كل هذه الأحاديث صحيحة عند «أهل السنة والجماعة» أخرجها علماؤهم وصححوها وقد ذكرناها في الكتب السابقة ومن أراد المصادر فعليه بكتاب المراجعات بتحقيق حسين الراضي.
وقد ثبت بالدليل العلمي وبالتاريخ وما كتبه أصحاب السير بأن علياً كان المرجع الوحيد للكل الصحابة عالمهم وجاهلهم، ويكفي أن يعترف «أهل السنة» بأن عبد الله بن عباس والذي لقبوه بحبر الأمة تلميذه وخريجه كما يكفي دليلاً أن كل العلوم التي عرفها المسلمون تنسب إليه (عليه السلام)(1) .
وعلى سبيل الافتراض لو تعارض حديث «كتاب الله وسنتي» مع حديث «كتاب الله وعترتي» لوجب تقديم الثاني على الأول أعني تقديم «عترتي» على «سنتي»، ليتسنى للمسلم العاقل الرجوع إلى أئمة أهل البيت الطاهرين كي يبينوا له مفاهيم القرآن والسنة.
أما لو أخذ بحديث «كتاب الله وسنتي» فسوف يبقى محتاراً في كل من القرآن والسنة ولا يجد المرجع الموثوق الذي يبين له الأحكام التي لم يفهمها، أو الأحكام التي اختلف فيها العلماء اختلافاً كبيراً وقال فيها أئمة المذاهب أقوالاً متعددة أو متناقضة.
ولا شك بأنه لو أخذ بقول هذا العالم أو ذاك، أو اتبع رأي هذا المذهب أو ذاك، فإنما يتبعه ويأخذ منه بدون دليل على صحة هذا ويطلان ذاك، وإن قبول هذا المذهب ورفض ذاك هو تعصب أعمى وتقليد بدون حجة، قال الله تعالى في هذا المعنى: «وما يتبع أكثرهم إلا ظناً إن الظن لا يغني من الحق شيئاً» (يونس: 36). وأضرب لذلك مثالاً واحداً حتى يعرف القاريء الكريم صدق الحديث ويتبين له الحق من الباطل.
لو أخذنا القرآن الكريم وقرأنا فيه آية الوضوء وقول الله تعالى: «وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين» (المائدة: 6)، فهمنا منها لأول وهلة مسح الأرجل كمسح الرؤوس، وإذا نظرنا إلى فعل المسلمين نجدهم مختلفين في ذلك.«فأهل السنة والجماعة» كلهم يغسلون، والشيعة كلهم يمسحون.
فنصاب عند ذلك بالحيرة والشك، أيهما الصحيح ؟
____________
(1) راجع في ذلك مقدمة ابن أبي الحديد المعتزلي في شرحه للنهج.
ونرجع إلى العلماء من «أهل السنة والجماعة» ومفسريهم، فنجدهم مختلفين في هذا الحكم على حسب ما يروونه من أن هناك قراءتين «أرجلكم بالنصب» و «أرجلكم بالجر».
ثم يصححون القراءتين ويقولون: من قرأ بالنصب فقد أوجب الغسل ومن قرأ بالجر فقد أوجب المسح.
ثم يطلع علينا عالم ثالث متبحر في اللغة العربية من علماء السنة(1) فيقول: إن قراءة النصب وقراءة الجر توجبان المسح، لأن الأرجل إما تكون منصوبة على المحل أو تكون مجرورة بالجوار، ثم يقول بأن القرآن جاء بالمسح وجاءت السنة بالغسل.
وأنت كما ترى أيها القارئ بأن علماء «السنة والجماعة» لم يزيلوا حيرتنا باضطراب أقوالهم، بل قد ضاعفوا شكنا لقولهم بأن السنة خالفت القرآن، وحاشا للنبي أن يخالف القرآن ويغسل رجليه في الوضوء، ولو غسل النبي رجليه في الوضوء لما جاز لكبار الصحابة مخالفته وهم من هم في العلم والمعرفة والقرب منه أمثال علي بن أبي طالب وابن عباس والحسن والحسين وحذيفة بن اليمان وأنس بن مالك وكل الصحابة الذين قرأوا بالجر وهم أغلب القراء الذين أوجبوا المسح وكل الشيعة الذين اقتدوا بالأئمة من العترة الطاهرة قالوا بوجوب المسح.
فما هو الحل ؟ !
ألم تر أيها القارئ العزيز بأن المسلم سيبقى محتاراً في شكه وبدون الرجوع إلى من يعتمد عليه فسوف لا يعرف وجه الصواب ولا يدري ما هو حكم الله الصحيح من المكذوب عليه ؟
وقد تعمدت أن أضرب لك هذا المثال من القرآن الكريم أيها القارئ العزيز حتى تعرف مدى الاختلاف والتناقض الذي يتخبط فيه علماء المسلمين من
____________
(1) هو الإمام الفخر الرازي في تفسيره الكبير ج 11 ص 161.
وكان من المفروض أن يعرفه الخاص والعام من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإذا بالعلماء عند «أهل السنة» يختلفون في القراءات فينصبون، ويجرون ويرتبون على ذلك أحكاماً متضاربة !
وللعلماء في تفسير كتاب الله وترتيب الأحكام على حسب القراءات المتعددة اختلافات كثيرة لا تخفى على الباحثين.
وإذا كان اختلافهم في كتاب الله ظاهراً فهو في السنة النبوية أظهر وأكثر.
فما هو الحل إذن ؟
إذا قلت بوجوب الرجوع إلى من يعتمد عليه في شرح وبيان الأحكام الصحيحة من القرآن والسنة، فسوف نطالبك بالشخص العاقل المتكلم، لأن القرآن والسنة لا يعصمان من الضلالة، فهما صامتان لا يتكلمان ويحملان عدة وجوه كما قدمنا في آية الوضوء، ولقد اتفقنا عزيزي القارئ على وجوب تقليد العلماء العارفين بحقائق القرآن والسنة، وبقي الخلاف بيننا فقط في معرفة هؤلاء العلماء العارفين بحقائق القرآن والسنة.
فإذا قلبت بأنهم علماء الأمة وعلى رأسهم الصحابة الكرام، فقد عرفنا اختلافهم في آية الوضوء وفي غيرها من المسائل، كما عرفنا بأنهم تقاتلوا وكفر بعضهم بعضاً، فلا يمكن الاعتماد عليهم جميعاً، وإنما يعتمد على المحقين منهم دون المبطلين ويبقى المشكل قائماً.
وإذا قلت بالرجوع إلى ائمة المذاهب الأربعة، فقد عرفت بأنهم اختلفوا أيضاً في أكثر المسائل حتى قال بعضهم بكراهة البسملة في الصلاة وقال بعضهم ببطلان الصلاة بدونها، وقد عرفت أحوال هذه المذاهب وأنها من صنائع الحكام الظالمين، وعرفت أيضاً بأنهم بعيدون عن عهد الرسالة ولم يعرفوا الصحابة فضلاً عن النبي نفسه.
فلم يبق أمامنا إلا حل واحد لا ثاني له، ألا وهو الرجوع الى أئمة العترة من
فقد أورثهم الله علم الكتاب بعد أن اصطفاهم، وعلمهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كل ما يحتاجه الناس، ودل الأمة عليهم بقوله: «مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق» وقد قال ابن حجر وهو من علماء «أهل السنة والجماعة» في شرح هذا الحديث بعد أن صححه:
«ووجه تشبيههم بالسفينة أن من أحبهم وعظمهم شكراً لنعمة مشرفهم، واخذ بهدي علمائهم نجا من ظلمة المخالفات ومن تخلف عن ذلك غرق في بحر كفر النعم وهلك في مفاوز الطغيان»(3) .
أضف إلى ذلك أنك لا تجد عالماً في الأمة الإسلامية قديماً وحديثاً من عهد الصحابة إلى اليوم، من ادعى لنفسه أنه أعلم أو أفضل من أئمة العترة النبوية الطاهرة، كما أنك لا تجد في الأمة قاطبة أحداً ادعى بأنه علم واحداً من أئمة أهل البيت أو أرشدهم لأمر ما.
وإذا أردت أيها القارئ مزيداً من البيان والتفصيل فعليك بقراءة «المراجعات» و «الغدير».
وما قدمته أنا إليك فيه الكفاية إن كنت من المنصفين فحديث «تركت فيكم كتاب الله وعترتي» هو الحق الذي يسلم به العقل والوجدان وتثبته السنة والقرآن.
____________
(1) قوله تعالى: «إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً» .
(2) قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: كتاب الله وعترتي إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً، فكما أن كتاب الله معصوم عن الخطأ فكذلك العترة الطاهرة، فغير المعصوم لا يضمن الهداية والذي يجوز عليه الخطأ هو في حاجة إلى الهداية.
(3) الصواعق المحرقة لابن حجر الشافعي ص 151.
وبكل هذا يتبين لنا مرة أخرى بالأدلة الواضحة التي لا تدفع بأن الشيعة الإمامية هم أهل السنة النبوية الحقيقة، وأن «أهل السنة والجماعة» قد أطاعوا ساداتهم وكبراءهم فأضلوهم السبيل وتركوهم في ظلمات يعمهون، وأغرقوهم في بحر كفر النعم وأهلكوهم في مفارز الطغيان على حد تعبير ابن حجر الشافعي.
«والحمد لله رب العالمين على هدايته لعباده المخلصين».