الصفحة 126

مصادر التشريع عند الشيعة

المتتبع لفقه الشيعة الإمامية يجدهم ينقطعون في كل الأحكام الفقهية ـ إلا المستحدثة ـ(1) إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن طريق الأئمة الاثني عشر من أهل البيت (عليهم السلام).

وهؤلاء عندهم مصادر التشريع اثنان لا ثالث لهما:

الكتاب والسنة، أعني المصدر الأول هو القرآن الكريم، والمصدر الثاني هي السنة النبوية الشريفة على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى السلام.

وهذه هي أقوال الشيعة قديماً وحديثاً، بل هي أقوال الأئمة من أهل البيت الذين لم يدع واحد منهم أنه اجتهد برأيه أو حكم حكماً من عنده.

فهذا الإمام الأول علي بن أبي طالب عندما اختاروه للخلافة واشترطوا عليه أن يحكم فيهم بسنة الشيخين أبي بكر وعمر، قال: لا أحكم إلا بكتاب الله وسنة رسوله(2) .

____________

(1) ونقصد بها اجتهاد العلماء في ما لا نص فيه والذي حدث بعد غيبة الإمام الثاني عشر.

(2) وفي بعض الروايات قال: «وما عداهما فأجتهد رأيي» وهي زيادة مكذوبة من أصحاب الاجتهاد وانصاره، لأن الإمام علياً لم يدع يوماً بأنه اجتهد برأيه، بل كان دائماً يستنبط الأحكام من كتاب الله وسنة رسوله أو كان يقول: عندنا الجامعة وفيها كل ما يحتاجه الناس حتى أرش الخدش، وهذه الصحيفة هي من إملاء رسول الله وخط علي، وقد مر الكلام عن الصحيفة الجامعة في فصل «أهل السنة ومحق السنة» من هذا الكتاب.

الصفحة 127

وسنوضح في أبحاث لاحقة بأنه (عليه السلام) كان دائماً يتقيد بسنة النبي ولا يحيد عنها أبداً، ويحاول بكل جهوده إرجاع الناس إليها حتى سبب له ذلك غضب الخلفاء، ونفور الناس منه لشدته في ذات الله وتشبثه بسنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

كما أن الإمام الباقر (عليه السلام) كان يقول دائماً:

لو حدثناكم برأينا ضللنا كما ضل من كان قبلنا، ولكنا نحدثكم ببينة من ربنا بينها لنبيه فينها نبيه لنا.

وقال مرة أخرى: يا جابر، إنا لو كنا نحدثكم برأينا وهوانا لكنا نحدثكم برأينا وهوانا لكنا من الهالكين، ولكنا نحدثكم بأحاديث نكنزها عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما يكنز هؤلاء ذهبهم وفضتهم.

وهذا الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) يقول:

والله ما نقول بأهوائنا ولا نقول برأينا، ولا نقول إلا ما قال ربنا، فمهما أجبتك فيه بشيء فهو عن رسول الله لسنا نقول برأينا من شيء.

وأهل العلم والمحققون يعرفون ذلك من أئمة أهل البيت فلم يسجلوا عن أحدهم القول بالرأي ولا بالقياس ولا بالاستحسان أو بشيء غير القرآن والسنة(1) .

وحتى إذا رجعنا للمرجع الكبير المعاصر الشهيد آية الله محمد باقر الصدر (رضوان الله عليه) تجده يقول في رسالته العملية لفقه العبادات والمعاملات ـ في الفتاوى الواضحة ـ يقول حرفياً: «ونرى من الضروري أن نشير أخيراً بصورة موجزة إلى المصادر التي اعتمدناها بصورة رئيسية في استنباط هذه الفتاوى الواضحة وهي كما ذكرنا في مستهل الحديث عبارة عن الكتاب الكريم والسنة

____________

(1) أنظر إلى علماء الشيعة كيف يأخذون عن الثقات المتورّعين مهما كان مذهبهم، وهو ردّ على القائلين بأنّ الشيعة لا يثقون في الصّحابة، وإنّما يرفض الشيعة حديث الصحاب] إذا تعارض مع ما يرويه أئمة أهل البيت (عليهم السلام).

الصفحة 128
الشريفة المنقولة عن طريق الثقات المتورعين في النقل مهما كان مذهبهم(1) . أما القياس والاستحسان ونحوهما فلا نرى مسوغاً شرعياً للاعتماد عليها.

وأما ما يسمى بالدليل العقلي الذي اختلف المجتهدون والمحدثون في أنه هل يسوغ العمل به أولا، فنحن وإن كنا نؤمن بأنه يسوغ العمل به، ولكنا لم نجد حكماً واحداً يتوقف إثباته على الدليل العقلي بهذا المعنى، بل كل ما يثبت بالدليل العقلي فهو ثابت في نفس الوقت بكتاب أو سنة.

وأما ما يسمى بالأجماع فهو ليس مصدراً إلى جانب الكتاب والسنة، وإنما لا يعتمد عليه إلا من أجل كونه وسيلة إثبات في بعض الحالات.

وهكذا كان المصدران الوحيدان هما الكتاب والسنة ونبتهل إلى الله أن يجعلنا من المتمسكين بهما. «ومن استمسك بهما فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم»(1) .

نعم، ونجد هذه الظاهرة هي السائدة عند الشيعة قديماً وحديثاً ولا يعتمد عندهم إلا على الكتاب والسنة ولا تجد لأحدهم فتوى واحدة ناتجة عن القياس أو الاستحسان، وقصة الإمام الصادق مع أبي حنيفة معروفة، وكيف أنه نهاه عن القياس وقال له فيما قال: لا تقس في دين الله فإن الشريعة إذا قيست محقت، وإن أول من قاس إبليس عندما قال: أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين».

هذه هي مصادر التشريع عند الشيعة من عهد علي بن أبي طالب وإلى يومنا هذا. فما هي مصادر التشريع عند «أهل السنة والجماعة» ؟

____________

(1) الفتاوى الواضحة للشهيد باقر الصدر ص 98.

الصفحة 129

مصادر التشريع عند «أهل السنة والجماعة»

وإذا تتبعنا مصادر التشريع عند «أهل السنة والجماعة» وجدناها كثيرة تتعدى حدود الكتاب والسنة التي رسمها الله ورسوله.

فالمصادر عندهم ـ بالإضافة إلى الكتاب والسنة ـ هي سنة الخلفاء الراشدين، وسنة الصحابة، وسنة التابعين وهم علماء الأثر وسنة الحكام ويسمونها صوافي الأمراء، ثم القياس، والاستحسان، والإجماع، وسد باب الذرائع.

وهي كما ترى عشرة مصادر عندهم كلها تتحكم في دين الله، وحتى لا نتكلم بدون دليل ونلقي الكلام على عواهنه، أو يتهمنا البعض بالمبالغة، لابد من إعطاء بعض الأدلة من أقوالهم وكتبهم كي يتبين للقارىء الكريم ذلك واضحاً.

ونحن لا نناقش «أهل السنة والجماعة» في المصدرين الأولين المتمثلين في الكتاب والسنة، فهو أمر لا خلاف فيه، بل هو الواجب الذي جاء به النقل والعقل والإجماع، وهو من باب قوله تعالى: «ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا» (الحشر: 7) وقوله: «وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول» (المائدة: 92) وقوله: «إذا قضى الله ورسوله» (الأحزاب: 36) وغيرها من الآيات البينات الدالة على وجوب تشريع الأحكام من كتاب الله وسنة رسوله فقط، ولكن نقاشنا معهم في المصادر الأخرى التي أضافوها من عندهم.

الصفحة 130

أولاً: سنة الخلفاء الراشدين

فقد احتجوا بحديث «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ»(1) .

وقد بينا في كتاب «مع الصادقين» بأن المقصود من الخلفاء الراشدين في هذا الحديث هم أئمة أهل البيت، وأضيف هنا بعض الأدلة الأخرى لمن فاته ذلك البحث.

أخرج البخاري ومسلم وكل المحدثين بأن رسول الله حصر خلفاءه في اثني عشر، فقال: الخلفاء من بعدي اثنا عشر كلهم من قريش. فدل هذا الحديث الصحيح على أن المقصود هم أئمة أهل البيت (عليهم السلام) وليسوا الخلفاء «الحكام» الذين اغتصبوا الخلافة.

ولقائل أن يقول: سواء أكان المقصود بالخلفاء أئمة أهل البيت الاثني عشر كما يقول الشيعة، أم الخلفاء الراشدين الأربعة كما يقول «أهل السنة» فإن مصادر التشريع ثلاثة: القرآن والسنة وسنة الخلفاء ؟

وهذا صحيح على رأي «أهل السنة» ولكنه لا يصح على رأي الشيعة لأن أئمة أهل البيت كما قدمنا لم يكونوا يشرعوا باجتهادهم وآرائهم بل كل ما قالوه هو سنة جدهم رسول الله تعلموها منه واحتفظوا بها كي يظهروها للناس إذا اقتضت الحاجة ذلك.

أما «أهل السنة والجماعة» فقد حفلت كتبهم بالاستدلال سنة أبي بكر وسنة عمر كمصدر للتشريع الإسلامي ولو خالفت الكتاب والسنة.

ومما يزيدنا يقيناً بأن أبا بكر وعمر غير مقصودين بحديث النبي، أن علياً رفض أن يحكم بسنتهم عندما اشترط عليه الصحابة ذلك.

فلو كان الرسول يقصد بالخلفاء الراشدين أبا بكر وعمر لما جاز لعلي أن يرد على رسول الله ويرفض سنتهم، فدل الحديث على أن الخلفاء الراشدين ليس منهم أبو بكر ولا عمر.

____________

(1) أخرجه الترمذي وابن ماجه والبيهقي وأحمد بن حنبل.

الصفحة 131

على أن «أهل السنة والجماعة» يقصدون بالخلفاء الراشدين أبا بكر وعمر وعثمان دون سواهم. لأن علياً لم يكن معدوداً عندهم من الخلفاء وإنما ألحق في زمن متأخر كما قدمنا، ولأنه كان يلعن على المنابر فكيف يتبعون سنته ؟ ؟ !

وإذا قرأنا ما رواه جلال الدين السيوطي في تاريخ الخلفاء تحقق لدينا صحة ما ذهبنا إليه.

قال السيوطي نقلاً عن حاجب بن خليفة: شهدت عمر بن عبد العزيز يخطب وهو خليفة، فقال في خطبته:

«ألا إن ما سن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصاحباه فهو دين نأخذ به وننتهي إليه، وما سن سواهما فإنا نرجئه»(1) .

والحقيقة أن جل الصحابة والحكام الأمويين والعباسيين كانوا يرون أن ما سن أبو بكر وعمر وعثمان هو دين يأخذون به وينتهون إليه:

وإذا عمل هؤلاء الخلفاء الثلاثة على منع سنة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كما عرفنا ذلك في ما سبق، فلا يبقى بعد ذلك من السنة إلا ما سنوه ومن الأحكام إلا ما احكموه.

ثانياً: سنة الصحابة عموماً

إننا نجد أدلة كثيرة وشواهد عديدة على اقتداء «أهل السنة والجماعة» سنة الصحابة عموماً بدون اسثناء.

فهم يحتجون بحديث مكذوب وافينا البحث فيه في كتاب «مع الصادقين» والحديث يقول: «أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم» وقد احتج ابن القيم الجوزية بهذا الحديث على حجية رأي الصحابي(2) .

وقد اعترف بهذه الحقيقة أيضاً الشيخ أبو زهرة إذ قال: «لقد وجدناهم

____________

(1) تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 160.

(2) أعلام الموقعين ج 4 ص 122.

الصفحة 132
(يعني فقهاء أهل السنة) جميعاً يأخذون بفتوى الصحابي» ثم يضيف في مقطع آخر قوله:

«والاحتجاج بأقوال الصحابة وفتاويهم هو مسلك جماهير الفقهاء وخالفهم الشيعة(1) ولكن ابن القيم الجوزية أيد الجمهور بنحو ستة وأربعين وجهاً وكلها حجج قوية …».

ونحن نقول للشيخ أبي زهرة: كيف تكون الحجة ـ التي تخالف كتاب الله وسنة رسوله ـ قوية ؟ !

فكل الحجج التي جاء بها ابن القيم واهية كبيت العنكبوت وأنت بنفسك قد نسفتها عندما قلت:

«ولكننا وجدنا الشوكاني يقول: والحق أن قول الصحابي ليس بحجة فإن الله سبحانه وتعالى لم يبعث إلى هذه الأمة إلا نبينا محمداً صلى الله عليه وآله وسلم وليس لنا إلا رسول واحد، والصحابة ومن بعدهم مكلفون على السواء باتباع شرعه في الكتاب والسنة، فمن قال بأنه تقوم الحجة في دين الله بغيرهما، فقد قال في دين الله بما لا يثبت وأثبت شرعاً لم يأمر الله به»(2) .

فتحية إلى الشوكاني الذي قال حقاً ونطق صدقاً، ولم يتأثر بالمذهب فكان قوله موافقاً لأئمة الهدى من العترة الطاهرة ورضي الله عنه وأرضاه إن كانت أعماله مطابقة لأقواله.

ثالثاً: سنة التابعين «علماء الأثر»:

كذلك نجد «أهل السنة والجماعة» يأخذون بآراء التابعين ويسمونهم «علماء الأثر» كالأوزاعي وسفيان الثوري وحسن البصري وابن عيينة وغيرهم كثير، كما أنهم متفقون على الأخذ باجتهادات أئمة المذاهب الأربعة وتقليدهم رغم أنهم من تابعي التابعين.

____________

(1) وهذه شهادة أخرى من الشيخ أبي زهرة تؤيد ما قلناه بأن الشيعة لا يقبلون في شرع الله إلا الكتاب الكريم والسنة النبوية.

(2) كتاب الشيخ أبي زهرة ص 102.

الصفحة 133

وإذا كان الصحابة أنفسهم يعترفون بخطأهم في عديد من المرات وأنهم يقولون ما لا يعلمون.

فهذا أبو بكر يقول عندما يسأل عن مسألة: سأقول فيها برأيي فإن أصبت فمن الله، وإن أخطأت فمني أو من الشيطان. وهذا عمر يقول لأصحابه: لعلي آمركم بالأشياء التي لا تصلح لكم وأنهاكم عن أشياء تصلح لكم(1) .

وإذا كان هذا هو مبلغهم من العلم وأنهم يتبعون الظن الذي لا يغني من الحق شيئاً، فكيف يحق لمسلم عرف الإسلام أن يجعل أفعال هؤلاء وأقوالهم سنة متبعة ومصدراً من مصادر التشريع ؟ وهل يبقى بعد هذا الحديث «أصحابي كالنجوم» من أثر ؟

وإذا كان هؤلاء هم الصحابة الذين حضروا مجالس النبي وتعلموا منه يقولون مثل هذه الأقوال، فكيف تكون حال من جاء بعدهم وأخذ عنهم وشارك في القتنة ؟

وإذا كان أئمة المذاهب الأربعة يقولون في دين الله بآرائهم مصرحين ومعترفين بإمكانية الخطأ، فيقول الواحد منهم: هذا ما أعتقد أنه صحيح وقد يكون رأي غيري هو الصحيح، فلماذا ألزم المسلمون أنفسهم بتقليدهم؟!

رابعاً: سنة الحكام

ويسمى عند «أهل السنة والجماعة» صوافي الأمراء، وقد استدلدوا عليه بقوله تعالى: «أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم» (النساء: 59)(2) .

فأولي الأمر عندهم الحكام وإن كانوا متسلطين بالقوة والقهر، وهم يعتقدون بأن الحكام أمرهم الله على رقاب العباد فيجب لذلك طاعتهم والأخذ بسنتهم.

____________

(1) تاريخ بغداد ج 14 ص 81.

ونحن نقول لهؤلاء: إن كان هذا هو مبلغكم من العلم، فماذا تقدمتم من عنده علم الأولين والآخرين وحرمتم الأمة من هديه ونوره وتركتموها تتخبط في الفتنة والجهالة والضلالة ؟ !

(2) لقد أوضحنا بالأدلة في كتاب «مع الصادقين» بأن أولي الأمر هم أئمة الهدى من العترة الطاهرة وليس المقصود بهم الحكام الغاصبين، ومن المستحيل أن يأمر الله سبحانه بطاعة الظالمين والفاسقين والكافرين.

الصفحة 134

ورد بان حزم الظاهري على «أهل السنة والجماعه» رداً عنيفاً بقوله: «بناء على ما تقولون فللأمراء أن يبطلوا ما شاؤوا من الشرائع التي أمر الله ورسوله بها، كما لهم أن يزيدوا فيها، ولا فرق بين الزيادة والنقص في ذلك، وهذا كفر ممن أجازه بلا خلاف»(1) .

ورد الذهبي على ابن حزم بقوله:

«هذا تقرير فاسد وخطأ فاحش، فإن الأمة أجمعت إلا داود بن علي ومن مشى خلفه، على أن أولي الأمر هلم الحكم بالرأي والاجتهاد إذا لم يكن في النازلة نص، ويقولون: لا يحل لهم الحكم بالرأي والاجتهاد مع علمهم بالنص في النازلة، فظهر بهذا أن لهم أن يزيدوا في الشرع زيادة ساغت في الشرع ولييس لهم أن يبطلوا ما شاؤوا من الشرع».

ونحن نقول للذهبي: كيف تدعي إجماع الأمة وأنت نفسك استثنيت داود بن علي ومن مشى خلفه ! ؟ ولماذا لم تسم من مشى خلفه ؟ ثم لماذا لم تستثن الشيعة وأئمة أهل البيت، ألأنهم عندك ليسوا من الأمة الإسلامية ؟ ! أم أن تزلفك للحكام هو الذي جعلك تبيح لهم أن يزيدوا في الشرع، لكي يزيدوا في عطائك وشهرتك ؟

وهل كان الحكام الذين حكموا المسملين باسم الإسلام يعرفون النصوص القرآنية والنصوص النبوية حتى يقفوا عند حدودها ؟

وإذا كان الخليفتان أبو بكر وعرم تعمدا مخالفة النصوص القرآنية والنبوية كما قدمنا في أبحاث سابقة، فكيف يلتزم من جاء بعدهما بتلك النصوص التي بذلت وغيرت وأعفيت آثارها ؟

وإذا كان فقهاء «أهل السنة والجماعة» يفتون للأمراء بأن يقولوا في دين الله ما يشاؤون، فليس غريباً على الذهبي أن يقلدهم.

فقد جاء في طبقات الفقهاء عن سعيد بن جبير قال: سألت عبد الله بن عمر عن الإيلاء ؟ فقال: أتريد أن تقول: قال ابن عمر قال ابن عمر ؟ !

____________

(1) ابن حزم في ملخص إبطال القياس ص 37.

الصفحة 135

قال: قلت: نعم، ونرضى بقولك ونقنع. فقال ابن عمر: يقول في ذلك الأمراء، بل يقول في ذلك الله ورسوله ومن يقول عنهما.

وعن سعيد بن جبير قال: كان رجاء بن حيوة يعد في أفقه فقهاء الشام ولكن كنت إذا حركته وجدته شاميا يقول: قضى عبد الملك بن مروان فيها بكذا وكذا(1) .

كما جاء في طبقات ابن سعد عن المسيب بن رافع قال: كان إذا جاء النبي من القضاء وليس في الكتاب ولا في السنة سمي «صوافي الأمراء» فدع إليهم فجمع له أهل العلم، فما اجتمع عليه رأيهم فهو الحق(2) .

ونحن نقول: «ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض، بل جاءهم بالحق وأكثرهم للحق كارهون».

خامساً: بقية مصادر التشريع عند «أهل السنة»

ونذكر منها القياس والاستحسان والاستصحاب وسد باب الذرائع، والإجماع فمشهورة جدا ومعروفة عندهم.

وقد اشتهر الإمام أبو حنيفة بالعمل بالقياس ورد الأحاديث كما اشتهر الإمام مالك بالرجوع لعمل أهل المدينة وسد باب الذرائع واشتهر الإمام الشافعي بالرجوع إلى فتاوى الصحابة وقد رتبهم على أقسام ودرجات فقال بأولوية العشرة المبشرين بالجنة، ثم المهاجرين الأولين، ثم الأنصار، ثم مسلمة الفتح ويقصد بهم الطلقاء والذين أسلموا بعد فتح مكة(3) .

كما اشتهر الإمام أحمد بن حنبل بعدم الاجتهاد والابتعاد عن الفتوى وأخذه برأي أي صحابي كان.

فقد نقل عنه الخطيب البغدادي أن رجلاً سأله عن مسألة في الحلال

____________

(1) طبقات الفقهاء ترجمة سعيد بن جبير.

(2) طبقات ابن سعد ج 6 ص 179.

(3) مناقب الإمام الشافعي ج 1 ص 443.

الصفحة 136
والحرام، فقال له أحمد: سل عافاك الله غيرنا، قال: إنما نريد جوابك يا أبا عبد الله، قال: سل عافاك الله غيرنا، سل الفقهاء سل أبا ثور(1) .

كما نقل عن المروزي قوله: أما الحديث فقد استرحنا منه وأما المسائل فقد عزمت إن سألني أحد عن شيء فلا أجيبه(2) .

ولا شك بأن أحمد بن حنبل هو الذي أوحى بفكرة عدالة الصحابة كلهم بدون استثناء فأثر مذهبه في «أهل السنة والجماعة».

فقد ذكر الخطيب في تاريخ بغداد في جزئه الثاني بالإسناد عن محمد بن عبد الرحمان الصيرفي قال: قلت لأحمد بن حنبل: إذا اختلف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مسألة، هل يجوز لنا أن ننظر في أقوالهم، لنعلم مع من الصواب منهم، فنتبعه ؟

فقال لي: لا يجوز النظر بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقلت: كيف الوجه في ذلك ؟

قال: تقلد أيهم أحببت.

ونحن نقول: وهل يجوز تقليد من لا يعرف الحق من الباطل ؟ وغريب أن يفتي أحمد وهو الذي يتهرب من الفتوى، بتقليد أي صحابي أحب وبدون النظر في أقوالهم لمعرفة الصواب !

وبعد هذا العرض الوجيز لمصادر التشريع الإسلامي عند الشيعة وعند «أهل السنة والجماعة»، يتبين لنا بوضوح لا لبس فيه بأن الشيعة هم الذين يتقيدون بسنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا يبغون عنها حولاً حتى كانت سنة النبي هي شعارهم كما شهد بذلك أعداؤهم.

أما «أهل السنة والجماعة» فهم يتبعون سنة أي صحابي وأي تابعي وأي حاكم.

____________

(1) تاريخ بغداد ج 2 ص 66.

(2) مناقب الإمام أحمد بن حنبل ص 57.

الصفحة 137

وهذه كتبهم وأقوالهم تشهد عليهم وكفى بها شهيداً وسوف نبحث في فصل قادم إن شاء الله تعالى أفعالهم لنعرف بأنها ليست من سنة النبي في شيء.

وأترك للقارئ نفسه أن يستنتج من هم أهل السنة، ومن هم أهل البدعة؟

الصفحة 138

تعليق لابد منه لإكمال البحث

وتجدر الإشارة إلى أن الشيعة تقيدوا بمصادر التشريع من الكتاب والسنة ولم يزيدوا عليها شيئاً وذلك لوجود النصوص الكافية عند أئمتهم لكل مسألة من المسائل التي يحتاجها الناس.

وقد يستغرب ذلك بعض الناس ويستبعدون أن يكون لأئمة أهل البيت نصوص كافية لكل ما يحتاجه الناس لمواكبة كل العصور حتى تقوم الساعة.

ولتقريب هذا الواقع لذهن القارئ لابد من الإشارة إلى الأمور التالية:

إذا اعتقد المسلم بأن الله سبحانه بعث محمداً بشريعة مكملة لكل الشرائع السابقة ومهيمنة عليها لتكمل مسيرة الإنسانية فوق هذه الأرض لتعود بعدها إلى الحياة الإبدية.

«هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله» (التوبة: 33).

وإذا اعتقد المسلم بأن الله سبحانه أراد من الإنسان أن يكون خاضعاً لأحكامه في كل أقواله وأفعاله ويسلم إليه مقاليد أموره.

«إن الدين عند الله الإسلام» (آل عمران: 19)، «ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه» (آل عمران: 85).

وإذا كان الأمر كذلك فلابد أن تكون أحكام الله كاملة وشاملة لتغطية كل

الصفحة 139
ما يحتاجه الإنسان في مسيرته الشاقة للتغلب على كل العقبات والصمود أمام التحديات والوصول إلى الهدف المنشود.

ولكل ذلك عبر سبحاه وتعالى عن هذه الحقيقة بقوله:

«ما فرطنا في الكتاب من شيء» (الانعام: 38).

وعلى هذا الأساس فليس هناك من شيء إلا وهو مذكور في كتاب الله تعالى، ولكن الإنسان بعقله المحدود لا يدرك كل الأشياء التي ذكرها الله سبحانه وتعالى لحكمة بالغة لا تخفى على أهل المعرفة. وذلك كقوله سبحانه وتعالى:

«وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم» (الإسراء: 44).

و «إن من شيء» بدون استثناء تدل على الإنسان والحيوان والجماد يسبح وقد يقبل الإنسان تسبيح الحيوان والكائنات الحية من النباتات ولكن عقله لا يفقه تسبيح الحجارة مثلاً. قال تعالى:

«أنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق» (ص: 18).

وإذا سلمنا بذلك وآمنا به، فلابد من التسليم والإيمان بأن كتاب الله فيه كل الأحكام التي يحتاجها الناس إلى يوم القيامة، ولكننا لا ندركها إلا إذا رجعنا لمن أنزل عليه وفهم كل معانيه، وهو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال تعالى:

«ونزلنا عليك لكتاب تبياناً لكل شيء» (النحل: 89).

وإذا سلمنا بأن الله سبحانه بين كل شيء إلى رسوله ليبين للناس ما نزل إليهم، فلابد أن نسلم بأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد بين كل شيء ولم يترك شيئاً يحتاجه الناس إلى يوم القيامة إلا وأعطى فيه حكماً.

وإذا لم يصلنا ذلك البيان أو لم نعرفه نحن اليوم فذلك ناتج عن قصورنا وتقصيرنا وجهلنا، أو هو ناتج عن خيانة الواسطة التي بيننا وبينه أو هو ناتج عن جهل الصحابة وعدم وعيهم لما بينه صلى الله عليه وآله وسلم.

الصفحة 140

ولكن الله سبحانه وتعالى جلت حكمته يعلم أن كل هذه الاحتمالات ممكنة أو واقعة فلا يترك شريعته تضيع، فاصطفى من عباده أئمة أورثهم علم الكتاب وتبيانه، لكي لا يكون للناس على الله حجه، قال تعالى: «ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا» (فاطر: 32).

ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين للناس ما يحتاجون إليه واختص وصية علياً بكل ما يحتاج الناس بعده إلى قيام الساعة وذلك للمزايا التي كان يتمتع بها علي من بين الأصحاب جميعاً من ذكاء مفرط وفهم حاد وحفظ قوي ووعي لكل ما يسمع، فعلمه النبي كل ما يعلم وأرشد الأمة إليه على أنه بابه الذي منه يؤتى.

وإذا قال قائل بأن رسول الله بعثه الله للناس كافة فليس من حقه أن يختص بالعلم أحدهم ويحرم الآخرين، قلنا: ليس لرسول الله في ذلك الأمر شيء إنما هو عبد مأمور ينفذ ما يوحى إليه من ربه، فالله هو الذي أمره بذلك، لأن الإسلام هو دين التوحيد ومبني على الوحدة في كل شيء فلابد لتوحيد الناس وجمعهم من قيادة واحدة، فهذا أمر بديهي قرره كتاب الله وحكم به العقل والوجدان قال تعالى:

«لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا» (الأنبياء: 22) وقال أيضاً: «وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض» (المؤمنون: 81).

كذلك لو أرسل الله رسولين في زمن واحد، لانقسم الناس إلى أمتين وتفرق أمرهم إلى حزبين متعارضين. قال تعالى: «وإن من أمة إلا خلا فيها نذير» (فاطر: 24).

كذلك كان لكل نبي وصي يخلفه في قومه وأمته، كي لا يتشتت امرهم ويتفرق جمعهم.

وهذا لعمري أمر طبيعي يعرفه الناس كافة سواء كانوا علماء أو جاهلين مؤمنين أو كافرين، ألا ترى أن كل قبيلة وكل حزب وكل دولة لابد لها من رئيس واحد يتزعمها ويقودها، ولا يمكن أن يخضعوا لرئيسين في نفس الوقت.

الصفحة 141

لكل هذا اصطفى الله سبحانه من الملائكة رسلا ومن الناس، وشرفهم بمهمة القيادة لعباده وجعلهم أئمة يهدون بأمره. قال تعالى: «إن الله اصطفى آدم ونوح وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين» (آل عمران: 33). والأئمة الذين اصطفاهم الله سبحانه لختم الرسالة المحمدية، هم أئمة الهدى من عترة النبي وكلهم من آل إبراهيم ذرية بعضها من بعض هؤلاء هم الذين أشار إليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: «الخلفاء من بعدي اثنا عشر كلهم من قريش»(1) .

ولكل زمان إمام معلوم، فمن مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية.

والله سبحانه وتعالى إذا اصطفى إماماً طهره وعصمه وعلمه فلا يؤتى الحكمة إلا لأهلها ومستحقيها.

وإذا رجعنا إلى أصل الموضوع وهو معرفة الإمام كل ما يحتاج إليه الناس من أحكام الشريعة من خلال النصوص التي جاءت في الكتاب والسنة والتي تواكب مسيرة البشرية إلى قيام الساعة، فإننا لا نجد في الأمة الإسلامية من ادعى ذلك غير أئمة أهل البيت (عليهم السلام) الذين صرحوا عديد المرات بأن عندهم الجامعة وهي من إملاء رسول الله وخط علي بن أبي طالب وفيها كل ما يحتاجه الناس إلى يوم القيامة حتى أرش الخدش.

وقد أشرنا إلى هذه الصحيفة الجامعة التي كان يحملها علي معه وقد أشار إليها البخاري ومسلم في صحيحهما ولا يمكن لأي واحد من المسلمين تكذيب ذلك.

وعلى هذا الأساس فإن الشيعة الذين انقطعوا لأئمة أهل البيت حكموا في الشريعة بنصوص القرآن والسنة ولم يضطروا لغيرها وذلك على الأقل طيلة ثلاثة قرون حياة الأئمة الاثني عشر.

____________

(1) أخرج الحديث البخاري في صحيحه ج 8 ص 127 وصحيح مسلم ج 6 ص 3 وفي بعض الروايات كلهم من بني هاشم بدلاً من قريش، وسواء أكان من بني هاشم أم من قريش فكلهم من آل إبراهيم كما هو معلوم.

الصفحة 142

أما «أهل السنة والجماعة» فقد اضطروا للاجتهاد والقياس وغير ذلك لفقدان النصوص وجهل أئمتهم من أيام الخلافة الأولى.

وإذا كان الخلفاء عندهم قد عمدوا لحرق النصوص النبوية والعمل على منعها وكتمانها.

وإن كان كبيرهم يقول: حسبنا كتاب الله، ضارباً بالسنة النبوية عرض الجدار، فمن الطبيعي جداً أن يفتقروا إلى النصوص المبينة لأحكام القرآن نفسه.

فكلنا يعلم بأن أحكام القرآن الظاهرية قليلة جداً وهي في عمومها تفتقر إلى بيان النبي، ولذلك قال تعالى: «وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم» (النحل: 44).

وإذا كان القرآن يفتقر للسنة النبوية لتبين أحكامه ومقاصده.

وإذا كان أقطاب «أهل السنة والجماعة» قد أحرقوا السنة المبينة للقرآن، فلم يبق عندهم بعدها نصوص لا لبيان القرآن ولا لبيان السنة نفسها.

فلابد والحال هذه أن يعمدوا للاجتهاد والقياس واستشارة العلماء عندهم فيأخذوا بالاستحسان وبما يرون فيه مصلحتهم الوقتية.

ومن الطبيعي جداً أن يحتاجوا إلى كل ذلك لفقد النصوص ويضطروا إليه اضطراراً.

الصفحة 143

والمرجعية عند الشيعة التقليد

لابد لكل مكلف من المسلمين، إذا لم يكن مجتهداً ـ يمعنى أنه قادر على استنباط الأحكام الشرعية من الكتاب والسنة ـ أن يقلد مرجعاً جامعاً للشرائط من العلم والعدل والورع والزهد والتقوى وذلك لقوله تعالى: «فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون» (النحل: 43).

وإذا بحثنا هذا الموضوع نجد الشيعة الإمامية قد واكبوا الأحداث فلم تنقطع عندهم سلسلة المرجعية أبداً من وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإلى يوم الناس هذا.

وقد واصل الشيعة تقليد الأئمة الاثني عشر من أهل البيت (عليهم السلام)، وقد استمر وجود هؤلاء الأئمة أكثر من ثلاثة قرون على نسق واحد فلم يخالف واجد منهم قول الثاني لأن النصوص الشرعية من الكتاب والسنة كانت هي المتبعة عندهم جميعاً ولم يعملوا بقياس ولا باجتهاد ولو فعلوا لكان الاختلاف عندهم شائعاً، كما وقع لأتباع «أهل السنة والجماعة».

ويستنتج من هذا أن مذهب «أهل السنة والجماعة» سواء كان حنفياً أم مالكياً أم شافعياً أم حنبلياً، فهو مبني على رأي رجل واحد بعيد عن عصر الرسالة ولا تربطه بالنبي أية صلة.

أما مذهب الشيعة الإمامية فهو متواتر عن اثني عشر إماماً من ذرية النبي صلى الله عليه وآله وسلم ينقل الابن عن أبيه فيقول أحدهم: حديثي هو حديث أبي وحديث أبي هو حديث جدي وحديث جدي هو حديث أمير المؤمنين علي وحديث علي

الصفحة 144
هو حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحديث رسول الله هو حديث جبريل (عليه السلام) وهو كلام الله تعالى.

«ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً» (النساء: 82).

ثم جاءت مرحلة ما بعد غيبة الإمام المعصوم الذي أرجع الناس إلى تقليد العالم الفقيه الجامع للشرائط.

وبدأت سلسلة الفقهاء المجتهدين منذ ذلك العهد إلى اليوم تتوالى بدون انقطاع، وفي كل عهد يبرز في الأمة مرجع واحد أو عدة مراجع للشيعة يقلدونهم في أعمالهم حسب الرسائل العملية التي يستبطها كل مرجع من الكتاب والسنة، ولا يجتهد إلا في الأمور المستحدثة التي عرفها هذا القرن بسبب التقدم العلمي والتكنولوجي، كعملية زرع القلب أو أي عضو جسدي من شخص لآخر، أو الحمل الاصطناعي، أو المعاملات البنكية وغير ذلك.

وقد يبرز من بين المجتهدين أعلمهم فيسمى المرجع الأعلى للشيعة أو زعيم الطائفة والحوزة العلمية، والذي يحظى بتقدير واحترام كل المراجع الآخرين.

ويقلد الشيعة على مر العصور الفقيه الحي الذي يعيش مشاكل الناس ويهتم بهمومهم فيسألونه ويجيبهم.

وبهذا بقي الشيعة في كل العصور يحافظون على المصدرين الأساسيين للشريعة الإسلامية من الكتاب والسنة والنصوص المنقولة عبر الأئمة الاثني عشر من العترة الطاهرة جعلت علماءهم يستغنون عن القياس والقول بالرأي، لأن الشيعة اعتنوا بتدوين السنة النبوية من زمن علي بن أبي طالب الذي كان يحتفظ بالصحيفة الجامعة التي جمعت كل ما يحتاجه الناس إلى يوم القيامة كان الأئمة من ولده يتوارثونها كابراً عن كابر ويكنزونها كما يكنز الناس الذهب والفضة.

وقد نقلنا قول الشهيد آية الله الصدر في رسالته العملية والتي ذكر فيها بأنه لم يعتمد إلا على القرآن والسنة.

الصفحة 145

وليس ذكرنا للشهيد الصدر إلا مثالاً، وإلا فإن كل مراجع الشيعة بدون استثناء يقولون نفس القول.

وبهذا البحث الوجيز في مسألة التقليد الشرعي والمرجعية الدينية يتبين لنا بأن الشيعة الإمامية هم أهل القرآن والسنة النبوية المنقولة مباشرة عن علي «باب مدينة العلم» العالم الرباني والمرشد الثاني للأمة بعد نبيها من كان في القرآن كنفس النبي(1) .

فمن جاء للمدينة ودخلها من بابها فقد وصل إلى المعين الصافي وأخذ بالكيل الوافي والعلاج الشافي، وقد استمسك بالعروة الوثقى لا انقصام لها لقوله تعالى: «وائتوا البيوت من أبوابها» (البقرة: 189).

ومن أتى البيوت من غير أبوابها سمي سارقاً فلم يتمكن من الدخول ولم يعرف سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسيعاقبه الله على عصيانه.

____________

(1) إشارة إلى قوله تعالى: «قل تعالوا ندع أنفسنا وأنفسكم» ، فدعا علي بن أبي طالب: أخرجه مسلم في صحيحه في باب فضائل علي (عليه السلام).

الصفحة 146

التقليد والمرجعية عند أهل السنة والجماعة

وإذا بحثنا موضوع التقليد والمرجعية عند «أهل السنة والجماعة» فإننا نتحير لإيجاد علاقة تربط هؤلاء بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم فكلنا يعلم بأن «أهل السنة والجماعة» يرجعون في التقليد إلى أئمة المذاهب الأربعة أبو حنيفة ومالك والشافعي وابن حنبل، وكل هؤلاء لا يعرفون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا صاحبوه.

وفي وقت كان الشيعة يقلدون علي بن أبي طالب (عليه السلام) الذي لم يفارق النبي طيلة حياته ومن بعده يقلدون سيدي شباب أهل الجنة الإمام الحسن والإمام الحسين سبطي النبي والإمام علي بن الحسين زين العابدين، وابنه الإمام الباقر وحفيده الإمام الصادق (عليهم السلام)، لم يكن «لأهل السنة والجماعة» وجود في ذلك العصر ولم يحدثنا التاريخ عنهم اين كانوا ومن هو إمامهم الذي يقلدونه ويرجعون إليه في الأحكام الشرعية من الحلال والحرام، من يوم وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى ظهور المذاهب الأربعة ؟

ويظهر بعد ذلك على مسرح الحياة أئمة المذاهب الأربعة واحداً بعد واحد وعلى فترات متفاوتة حسب رغبة الحكام العباسيين كما قدمنا في بحث سابق.

ثم يظهر بعد ذلك تكتل يجمع المذاهب الأربعة تحت شعار براق يأخذ بالألباب ويتسمى بـ «أهل السنة والجماعة» ويلتف حوله كل من عادى علياً والعترة الطاهرة وكان من أنصار الخلفاء الثلاثة وكل الحكام من بني أمية وبني العباس، فاعتنق الناس تلك المذاهب طوعاً وكرهاً، لأن الحكام عملوا على تأييدها بوسائل الترغيب والترهيب والناس على دين ملوكهم.

الصفحة 147

ثم نجد «أهل السنة والجماعة» وبعد موت الأئمة الأربعة يغلقون باب الاجتهاد في وجه علمائهم فلا يسمحون لهم إلا بالتقليد لأولئك الائمة الميتين.

ولعل الحكام والأمراء هم الذين أغلقوا عليهم باب الاجتهاد ولم يسمحوا لهم بالنقد والنظر في شؤون الدين خوفاً من التحرر الفكري الذي قد يسبب لهم قلاقل وفتناً قد تهدد مصالحهم وكيانهم.

واصبح «أهل السنة والجماعة» مقيدين لتقليد رجل ميت لم يشاهدوه ولم يعرفوه حتى يطمئنوا لعدالته وورعه وعلمه، وإنما كل ما هنالك أنهم أحسنوا الظن بأسلافهم الذين يروي كل فريق منهم مناقب خيالية في الإمام الذي يتبعه فجاء أغلبها فضائل منامية لا تتعدى أضغاث أحلام أو طيف منام، أو ظناً وأوهاماً، فكل حزب بما لديهم فرحون.

ولو نظر المثقفون من «أهل السنة والجماعة» اليوم إلى المثالب التي رواها أسلافهم أيضاً وتضارب الأقوال في بعضهم حتى وصل بهم الأمر إلى الحروب والتكفير في ما بينهم، لراجعوا موقفهم من أولئك الأئمة ولكانوا من المهتدين.

ثم كيف يقلد المسلم العاقل في هذا الزمان رجلاً لا يعرف من مستحدثات العصر شيئاً، ولا يجيبه إذا سأله عن حل لبعض مشاكله، ومن المؤكد بأن مالكاً وأبا حنيفة وغيرهم سيتبرأون من «أهل السنة والجماعة» يوم القيامة ويقولون: ربنا لا تؤاخذنا بما فعل هؤلاء الذين لم نعرفهم ولم يعرفونا، وما قلنا لهم يوماً بوجوب تقليدنا.

ولا أدري ماذا سيكون جواب «أهل السنة والجماعة» عندما يسألهم رب العالمين عن الثقلين ؟ ثم يأتي عليهم بالرسول شهيداً، وسوف لن يقدروا على دفع شهادته، ولو تذرعوا بطاعة ساداتهم وكبرائهم.

وإذا سألهم: هل وجدتم في كتابي أو في سنة رسولي عهداً أو ميثاقاً أو حجة على اتباع المذاهب الأربعة ؟ ؟

والجواب على هذا معروف ولا يتطلب مزيداً من العلم، فليس في كتاب الله ولا في سنة رسوله شيء من ذلك، وإنما في كتاب الله وسنة رسوله أمر صريح بالتمسك بالعترة الطاهرة وعدم التخلف عنهم.

الصفحة 148

ولعلهم سيقولون: «ربنا أبصرنا وسمعنا فأرجعنا نعمل صالحاً إنا موقنون» (السجدة: 12) وسكون الرد: كلا، تلك كلمة أنتم قائلوها.

وسيقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: يارب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً، إنني أوصيتهم بعترتي وبلغتهم ما أمرتني به من مودة قرابتي، فنكثوا بيعتي وقطعوا رحمي، وذبحوا ولدي وأباحوا حرمي، فلا ترزقهم يا رب شفاعتي.

ومرة أخرى يتبين لنا بأن «أهل السنة والجماعة» لا تربطهم بالرسول صلة ولا مودة، فمن فارق العترة فقد فارق القرآن ومن فارق القرآن فلن تجد له من دون الله وليا ولا نصيرا «ويوم يعض الظالم على يديه يقول ياليتني اتخذت مع الرسول سبيلا * يا ويلتي ليتني لم اتخذ فلاناً خليلاً * لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولاً» (الفرقان: 27 ـ 29).

الصفحة 149

الخلفاء الراشدون عند الشيعة

هم الأئمة الاثنا عشر من العترة النبوية الطاهرة، أولهم:

* أمير المؤمنين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين وسيد المسلمين ويعسوب الدين أسد الله الغالب علي بن أبي طالب (عليه السلام) باب مدينة العلم الذي حير العقول وبهر النفوس وأنار القلوب ولولاه ـ بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ـ لما قام للدين عمود.

* والثاني هو الإمام هو محمد الحسن بن علي (عليه السلام) سيد شباب أهل الجنة ريحانة النبي في هذه الأمة، العابد الزاهد الناصح الأمين.

* والثالث هو الإمام أبو عبد الله الحسين بن علي (عليه السلام) سيد شباب أهل الجنة وريحانة النبي في هذه الأمة، سيد الشهداء وذبيح كربلاء الذي بذل مهجته لإصلاح أمة جده.

* والرابع هو الإمام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام) وسيد الساجدين.

* الخامس هو الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السلام) الذي يقر علوم الأولين والآخرين.

* والسادس هو الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) الذي ما رأت عين ولا سمعت أذن ولا خطر على قلب بشر أفقه منه علماً وعملاً.

الصفحة 150

* والسابع هو الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) سليل النبوة ومعدن العلم.

والثامن هو الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) الذي أوتي الحكمة في حال صباه.

والتاسع هو الإمام محمد بن علي الجواد (عليه السلام) إمام الجود والكرم والأخلاق.

والعاشر هو الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام) صاحب الفضل والهدى.

والحادي عشر هو الإمام الحسن بن علي العسكري (عليه السلام) إمام الزهد والتقوى.

* الثاني عشر هو الإمام محمد بن الحسن المهدي (عليه السلام) الذي سيملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً، ويصلي خلفه ابن مريم (عليه السلام) ويتم الهل به ويفرح به المؤمنون.

فهؤلاء هم أئمة الشيعة وعددهم اثنا عشر إماما فإذا قيل: الشيعة الإمامية، أو الاثنا عشرية، أو الجعفرية كانوا هم المقصودين دون سواهم. فلم يقل أحد من الفرق الإسلامية بإمامتهم غيرهم.

وإذا تتبعنا الآيات القرآنية النازلة بخصوصهم والتي تبين فضلهم وشرف منزلتهم وطيب عنصرهم وطهارة نفوسهم وعظيم شأنهم، كآية المودة وآية إذهاب الرجس والتطهير، وآية المباهلة، وآية الأبرار، وآية الصلاة والتسليم، وغيرها كثير.

وإذا تتبعنا الأحاديث النبوية الشريفة الواردة في فضلهم وتقدمهم على الأمة وأعلميتهم وعصمتهم فإننا سنسلم قطعاً بإمامتهم وأنهم آمان الأمة من الضلالة وسبيلها الوحيد إلى الهداية.

الصفحة 151

وسيتبين لنا جلياً بأن الشيعة هم الفائزون لأنهم تمسكوا بحبل الله المتين وهو ولاؤهم واستمسكوا بالعروة الوثقى لا انفصام لها وهي مودتهم، وركبوا سفينة النجاة وآمنوا من الغرق والهلاك.

ولذلك نحكم ونجزم بمزيد اليقين والمعرفة بأن الشيعة الإمامية هم أهل السنة المحمدية. «لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد» (ق: 22).

صدق الله العلي العظيم


الصفحة 152

الخلفاء الراشدون عند أهل السنة والجماعة

هم الخلفاء الأربعة الذين اعتلوا منصة الخلافة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فأهل «السنة والجماعة» يقولون فأفضليتهم على حسب ترتيب خلافتهم وعلى سائر الخلق بعد النبي. هذا ما نسمعه اليوم، وقد عرفنا في ما سبق من أبحاث بأن الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) لم يكن معدوداً عندهم من الخلفاء العاديين فضلاً عن الراشدين، وإنما لحقه في ركب الخلفاء الإمام أحمد بن حنبل في زمن متأخر جداً، وكان قبلها يلعن على منابرهم في كل البلاد الإسلامية والإمبراطورية الأموية.

ولمزيد التحقيق وليطمئن القارئ إلى هذه الحقيقة المؤسفة لابد من لفت نظره إلى ما يأتي:

قد قدمنا أن عبد الله بن عمر هو من أكابر فقهاء «أهل السنة والجماعة» وقد اعتمده مالك في موطأه، والبخاري ومسلم في صحيحهما، وباقي المحدثين عن بكرة أبيهم.

فهذا الرجل كان من النواصب الكبار الذين عرفوا ببغضهم الصريح لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ويحدثنا التاريخ أنه رفض البيعة لولي المؤمنين وأسرع يبايع الحجاج اللعين عدو الله ورسوله(1) .

____________

(1) الحجاج بن يوسف الثقفي المعروف بفسقه وكفره وجرائمه واستهتاره بالذين، أخرج الحاكم في المستدرك ج 3 ص 556 وابن عساكر ج 4 ص 69 أن الحجاج كان يقول: يزعم ابن مسعود أنه يقرأ قرآنا من عند الله، والله ما هو إلا رجز من رجز الأعراب. وكان يقول: اتقوا الله ما استطعتم فليس فيها مشوبة واسمعوا وأطيعوا لأمير المؤمنين عبد الملك بن مروان فإنها المثوبة.

كما أخرج أبن عقيل في كتاب النصائح الكافية ص 81 أن الحجاج خطب بالكوفة فذكر الذين يزورون قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالمدينة قال: تبا لهم إنما يطوفون بأعواد ورمة بالية، هلا طافوا بقصر أمير المؤمنين عبد الملك ؟ ألا يعلمون أن خليفة المرء خير من رسوله.

الصفحة 153

وقد كشف عبد الله بن عمر عن مكنون قلبه واباح بخالص سره، عندما حدث بأنه لا يعد لعلي (عليه السلام) فضلاً ولا فضيلة ولا منفية واحدة تجعله على الأقل في المرتبة الرابعة بعد عثمان بن عفان.

وقد عرفنا بأنه يفضل أبا بكر وعمر وعثمان فقط، أما علي (عليه السلام) فهو بالنسبة إليه من سوقة الناس إن لم يكن أقلهم عنده، وإليك حقيقة أخرى أخرجها المحدثون والمؤرخون تعرب بصراحة عن نفسية ابن عمر الحاقدة والمبغضة لعلي ولكل الأئمة (عليهم السلام) من عترة النبي صلى الله عليه وآله وسلم الطاهرة.

قال عبد الله بن عمر وهو يفسر حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قوله: «الخلفاء من بعدي اثنا عشر كلهم من قريش»، قال عبد الله بن عمر: يكون على هذه الأمة اثنا عشر خليفة وهم:

أبو بكر الصديق، عمر الفاروق، عثمان ذو النورين، معاوية وابنه ملكا الأرض المقدسة، والسفاح، وسلام، ومنصور، وجابر، والمهدي، والأمين، وأمير العصب، كلهم من بني كعب بن لؤي، كلهم صالح لا يوجج مثله(1) .

إقرأ واعجب أيها القارئ العزيز من هذا الفقيه المعظم عند «أهل السنة والجماعة» كيف يحرف الحقائق ويقلبها فيجعل معاوية وابنه يزيد، والسفاح من أفضل العباد، إذ يقول صراحة: كلهم صالح ولا يوجد مثله !

وقد أعمى بصره الحقد والجهل، كما أعمى بصيرته الحسد والبغض(2) فلم ير لأمير المؤمنين علي (عليه السلام) فضلاً ولا فضيلة فيقدم عليه معاوية الطليق وابنه يزيد الزنديق والمجرم السفاح، وما عشت أراك الدهر عجباً !

____________

(1) تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 140 كنز العمال ج 6 ص 67 تاريخ ابن عساكر والذهبي. (2) اقرأ ولا تنس قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الذي أخرجه البخاري ومسلم بأن حب علي بن أبي طالب إيمان وبغضه نفاق وإن المنافقين كانوا لا يعرفون زمن النبي إلا ببغضهم لعلي.

الصفحة 154

فعبد الله بن عمر هو ابن أبيه حقاً والشيء من مأتاه لا يستغرب وكل إناء بالذي فيه ينضح، فأبوه عمل بكل جهوده لإبعاد علي (عليه السلام) عن الخلافة واحتقاره وانتقاصه في أعين الناس.

وهذا ابنه الحاقد البغيض، ورغم وصول علي (عليه السلام) إلى الخلافة بعد مقتل عثمان إذ بايعه المهاجرون والأنصار، نراه امتنع عن مبايعته وعمل بكل جهوده على أطفاء نوره وتأليب الناس عليه لإسقاطه فجعل يحدث ويوهم المسلمين بأن علياً (عليه السلام) لا فضل له وهو كسائر الناس العادين.

وقد خدم عبد الله بن عمر الدولة الأموية وتوج معاوية وابنه يزيد بتاج الخلافة كذباً وافتراء على النبي صلى الله عليه وآله وسلم واعترف بخلافة السفاح والمنصور ولك فساق بني أمية وقدمهم على سيد المسلمين وولي المؤمنين بنص القرآن والسنة ولم يعترف بخلافته رغم وقوعها، إن هذا لشيء عجيب !

ولنا مع ابن عمر لقاء آخر في بحث لاحق لنكشف الستار عنه أكثر، مع أن فيما قدمناه كفاية لإسقاطه من الاعتبار وتجريده من العدالة، وعده في زمرة النواصب الذين أسسوا مذهب «أهل السنة والجماعة» وأصبح عندهم من أكبر الفقهاء والمحدثين.

وأنت إذا جبت الأرض شرقاً وغرباً وصليت في مساجد «أهل السنة والجماعة» قاطبة وتحدثت مع علمائهم فسوف يملأ سمعك قول أئمتهم في كل مناسبة: «عن عبد الله بن عمر رضي اله عنهما».

الصفحة 155

النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يقبل تشريع «أهل السنة والجماعة»

عرفنا مما سبق بأن الشيعة اقتداءً بأئمة أهل البيت (عليهم السلام) لم يعملوا بالرأي ولا بالقياس بل حرموهما، وذلك لأن النصوص النبوية كانت هي القاضية والحاكمة عندهم، وقد توارثوها كابراً عن كابر، وقد جاء ذكر الصحيفة الجامعة وطولها سبعون ذراعاً وفيها كل ما يحتاجه المسلمون إلى قيام الساعة.

كما عرفنا أيضاً بأن «أهل السنة والجماعة» اضطروا للعمل بالرأي وبالقياس وذلك لعدم وجود النصوص النبوية عندهم وافتقارهم إليها، لأن كبراءهم وساداتهم رفضوها وأحرقوها ومنعوا من تدوينها وكتابتها.

وقد عمد أنصار الاجتهاد والقول بالرأي إلى وضع حديث على لسان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لتأييد مذهبهم وتلبيس الحق بالباطل، فقالوا بأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعث معاذ بن جبل إلى اليمن وسأله: كيف تقضي إذا عرض لك القضاء ؟ فقال معاذ: أقضي بكتاب الله، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إن لم تجد في كتاب الله ؟ قال: أقضي بسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: إن لم تجد في سنة رسوله ؟ فقال معاذ عند ذلك: إن لم أجد أجتهد برأيي.

فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند ذلك: الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي الله ورسوله.

وهذا الحديث باطل ولا يمكن أن يصدر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فكيف يقول النبي لمعاذ: إن لم تجد في كتاب الله وسنة رسوله ؟ والله يقول لرسوله: «ونزلنا