الصفحة 156
عليك الكتاب تبياناً لكل شيء» (النحل 89). ويقول: «ما فرطنا في الكتاب من شيء» (الأنعام: 38) وكذلك قوله: «وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا» (الحشر: 7).

وقال أيضاً لرسوله: «انا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله» (النساء: 105).

فكيف يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد هذا لمعاذ: إن لم تجد في كتاب الله ولا في سنة رسوله ؟ ! وهل هذا إلا اعتراف بأن كتاب الله وسنة رسوله ناقصان ولم يبينا كل الأحكام القضائية !

ولقائل أن يقول: ربما كان هذا الحديث لمعاذ بن جبل في بداية الدعوة ولم يكمل بعد نزول القرآن.

قلنا: لا يصح ذلك، أولاً: لقول معاذ: أحكم بكتاب الله. فدل على أن كتاب الله كامل عندهم.

وإذا أضفنا إليه قوله: أقضي بسنة رسوله، علمنا بما لا شك فيه بأن الحديث وضع في زمن متأخر جداً عندما كثر القول بالاجتهاد مقابل النصوص، لأن مصطلح كتاب الله وسنة رسوله كان يستعمل دائماً فيما بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

ولا يصح ثانياً لأنه يصبح حجة لكل من جهل أحكام الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم بأن يقضي برأيه بما شاء ولا يكلف نفسه معرفة النصوص.

ولا يصح ثالثاُ لقول الله سبحانه: «ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون» «ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون» «ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون» (المائدة: 44 ـ 45 ـ 47).

ولا يصح رابعاً لأن الذي يجهل الأحكام لا يحق له القضاء ولا الإفتاء حتى يعرف حكم الله ورسوله في ذلك.

وإذا كان النبي نفسه هو رسول الله وقد أعطاه الله سبحانه حق التشريع للأمة فقال: «ما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم» (الأحزاب: 36)، ومع ذلك فإنه لم يعمل طيلة حياته ولم

الصفحة 157
يحكم في قضية واحدة برأي ولا بقياس، ولا باجتهاد، بل كان دائماً يتبع النصوص الإلهية التي ينزل بها جبريل (عليه السلام) كلما دعت الحاجة لذلك، والروايات التي تخالف هذا الواقع كلها موضوعة.

ولمزيد الاطمئنان بما قدمناه، إليك الدليل من صحاح «أهل السنة» أخرج البخاري في صحيحه قوله:

«ما كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يسأل مما لم ينزل عليه الوحي فيقول: لا أدري أو لم يجب حتى ينزل عليه الوحي، ولم يقل برأي ولا قياس لقوله تعالى: «بما أراك الله» (النساء: 501)(1) .

نعم هذا هو رب العالمين وأحكم الحاكمين يقول لرسول الله: «وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله..» (المائدة:48).

نعم هذا هو القرآن يقول لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم: «إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله …» (النساء: 105).

وإذا كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يعمل برأي ولا بقياس بشهادتهم في صحاحهم، فكيف تسنى لهم أن يعملوا بذلك ؟ ! وكيف يخالفون أحكام الله وسنة رسوله ثم يقولون بأنهم «أهل السنة» إنه حقاً أمر عجيب وغريب.

____________

(1) صحيح البخاري ج 8 ص 148 من كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة (النساء / 105).

الصفحة 158

تنبيه لابد منه

إذا تكلمنا في الفصول القادمة عن «أهل السنة والجماعة» فإننا لا نقصد بهم المسلمين المعاصرين فقد لاحظنا في عديد الفقرات بأن هؤلاء أبرياء وليس لهم في ما اقترفه السلف من ذنب ولا إثم وقلنا بأنهم ضحايا الدس والتعتيم التاريخي الذي صاغه الأمويون والعباسيون وأذنابهم لمحق السنة النبوية وإرجاع الأمر إلى الجاهلية.

ولقد كنا منهم نسير في ركبهم ونهتدي بهديهم فمن الله علينا وهدانا إلى سفينة النجاة، وليس لنا إلا التضرع والابتهال إليه سبحانه أن يهدي لذلك كل الأمة الإسلامية حتى لا يبقى إلا الحق.

ولقائل أن يقول: إن تناول الصحابة بهذا النقد والتجريح يخدش شعور الأغلبية من المسلمين الذين يعتقدون بعدالتهم جميعاً ويعتبرونهم أفضل الخلق بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم فنقول بأن المسلمين مطالبون بالاعتقاد في الله وفي رسوله والعمل بما افترضاه والوقوف عند الحدود التي رسماها، ويتوقف نجاة المسلمين بما فيهم الصحابة على ذلك، فمن خرج عن ذلك مصيره إلى النار ولو كان عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو ولده.

وإن تناول البعض من الصحابة بالنقد والتجريح فرضته الأحداث التاريخية التي تفاعلوا معها واختلفوا وكانوا سبب اختلاف الأمة ورزيتها.

الصفحة 159

عداوة «أهل السنة» لأهل البيت تكشف عن هويتهم

إن الباحث يقف مبهوتاً عندما تصدمه حقيقة «أهل السنة والجماعة» ويعرف بأنهم كانوا أعداء العترة الطاهرة، يقتدون بمن حاربهم ولعنهم وعمل على قتلهم ومحو آثارهم.

ولذلك تجد «أهل السنة والجماعة» يوثقون المحدثين إذا كانوا من الخوارج أو من النواصب العثمانية، ويتهمون ويوهنون المحدثين إذا كانوا من شيعة أهل البيت.

وإنك تجد ذلك مذكوراً في كتبهم بصراحة عندما يحاولون تكذيب الأحاديث الصحيحة التي وردت في فضائل علي بن أبي طالب (عليه السلام) ويوهنون راويها بقولهم: وفي سنده فلان وهو رافضي(1) .

ويصححون الأحاديث المكذوبة التي وضعت لتفضيل وتمجيد الخلفاء الآخرين، وإن كان راويها من النواصب، لأن النصب عندهم هو شدة وصلابة في السنة.

فهذا ابن حجر يقول عن عبد الله بن إدريس الأزدي المعروف بالنصب: يقول: إنه صاحب سنة وجماعة وكان صلباً في السنة وكان عثمانياً(2) .

ويقول في عبد الله بن عون البصري: إنه موثق وله عبادة وصلابة في السنة،

____________

(1) رافضي بمعنى يتشيع لعلي ويرفض خلافة الذين تقدموه.

(2) تهذيب التهذيب لابن حجر ج 5 ص 145 وكذلك ج 1 ص 82.

الصفحة 160
وشدة على أهل البدع، قال ابن سعد: وكان عبد الله بن عون البصري عثمانياً(1) .

كما يقول في إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني المعروف ببغضه لعلي (عليه السلام): إنه كان حريزي المذهب أي على مذهب حريز بن عثمان الدمشقي المعروف بالنصب(2) .

قال ابن حيان: إنه كان صلباً في السنة حافظاً للحديث.

وتجد الإشارة هنا بأن هذا الناصبي الذي يمدحونه بالصلابة في السنة ويحفظ الحديث، كان يغتن المحدثين على بابه، فيبعث بجارية له ومعها دجاجة في يدها، فتطوف في المدينة، ثم تعود لتقول لسيدها الجوزجاني بأنها لم تجد من يذبح لها الدجاجة، فيصيح عند ذلك قائلاً: سبحان الله ! ! فروجة لا يوجد من يذبحها وعلي يذبح في صحوة من نهار نيفاً وعشرين ألف مسلم !!

وبمثل هذا المكر والدهاء يحاول النواصب أعداء أهل البيت تحريف الناس عن الحق وإضلالهم بمثل هذه الأراجيف الكاذبة حتى يملأوا قلوب المسلمين وخصوصاً المحدثين منهم، حقداً وبغضاً لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) ويستبيحوا بذلك سبه وشتمه ولعنه.

وإنك لتجد هذه الظاهرة موجودة إلى يوم الناس هذا فرغم ادعاء «أهل السنة والجماعة» في زماننا بأنهم يحبون أهل البيت ويترضون عن سيدنا علي (كرم الله وجهه) كما يقولون، إلا أنك عندما تروي حديثاً فيه فضيلة لعلي (عليه السلام) تراهم يغمزون ويهزأون، ويرمونك بالتشيع وقول البدع والغلو في الدين.

____________

(1) المعروف أن العثمانيين هم النواصب الذين يكفرون عليا ويتهمونه بقتل عثمان وعلى رأسهم معاوية بن أبي سفيان ابن عم عثمان، فهو رئيسهم وزعيمهم.

(2) النواصب هم أعداء علي وأهل بيته من الخوراج والقاسطين والناكثين والذين ناصبوا له العداء وحاربوه، وبعد استشهاده عملوا على سبه ولعنه.

الصفحة 161

وعندما تحدث عن الخلفاء أبي بكر وعمر وكل الصحابة بدون استثناء وتقول في فضلهم ما شئت وتغالي في ذلك، فإنهم يطمئنون إليك ويستأنسون بحديثك ويقدموك على أنك كثير العلم واسع الاطلاع.

إنها بالضبط عقيدة سلفهم «الصالح»، فقد نقل المؤرخون بأن الإمام أحمد بن حنبل كان يضعف من أهل الحديث كل من ينتقص أبا بكر أو عمر أو عثمان، بينما كان يكرم إبراهيم الجوزجاني الناصبي المتقدم ذكره إكراماً شديداً، ويراسله ويقرأ كتبه على المنبر ويحتج بها.

وإذا كان هذا حال أحمد بن حنبل الذي فرض على معاصريه القول بخلافة علي (عليه السلام) وربع بها، فلا تسأل عن الآخرين الذين لم يعترفوا له بفضيلة واحدة أو الذين سبوه ولعنوه على المنابر في الجمعة والأعياد.

وهذا الدارقطني يقول: كان ابن قتيبة متكلم أهل السنة يميل إلى التشبيه، منحرف عن العترة(1) .

وبهذا يتبين بأن أغلب «أهل السنة والجماعة» كانوا منحرفين عن عثرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.

وهذا المتوكل الذي لقبه أهل الحديث بـ «محيي السنة» والذي كان يكرم أحمد بان حنبل ويعظمه ويطيع أوامره في تنصيب القضاة، كان من أكبر النواصب لعلي ولأهل البيت (عليهم السلام) حتى وصل به الحقد إلى نبش قبر الحسين بن علي ومنع من زيارته، وقتل من يتسمى بعلي. وذكره الخوارزمي في رسائله وقال بأنه كان لا يعطي مالاً ولا يبذل نوالاً إلا لمن شتم آل أبي طالب (عليهم السلام) ونصر مذهب النواصب(2) .

وغني عن التعريف بأن مذهب النواصب هو مذهب «أهل السنة والجماعة» فناصر مذهب النواصب المتوكل هو نفسه «محيي السنة» فافهم.

____________

(1) لسان الميزان للذهبي ج 3 ص 357.

(2) رسائل الخوارزمي ص 135.

الصفحة 162

وهذا ابن كثير يحدثنا في البداية والنهاية بأن «أهل السنة والجماعة» عندما سمعوا الأعمش يروي حديث الطير المشوي الذي فيه فضيلة علي بن أبي طالب (عليه السلام)، أخرجوه من المسجد وغسلوا مكانه(1) .

كما أنهم حاولوا منع دفن الإمام محمد بن جرير الطبري صاحب التفسير الكبير والمؤرخ العظيم لا لشيء إلا لأنه صحح حديث غدير خم «من كنت مولاه فهذا علي مولاه» وجمع رواياته من طرق متعدد÷، بلغت حد التواتر.

قال ابن كثير: وقد رأيت له كتاباً جمع فيه أحاديث غدير خم في مجلدين ضخمين، وكتاباً جمع فيه حديث الطير المشوي(2) ، وذكره أيضاً ابن حجر في لسان الميزان فقال: هو الإمام الجليل والمفسر، ثقة، صادق، فيه تشيع يسير وموالاة لا تضر(3) .

وهذا المحدث الكبير الإمام النسائي وهو صاحب أحد الصحاح الست عند «أهل السنة»، عندما كتب كتاب الفضائل في أمير المؤمنين علي (عليه السلام، سألوه عن فضائل معاوية، فقال: لا أعرف له فضيلة إلا لا أشبع الله بطنه، فضربوه على مذاكيره حتى غشي عليه ونقل ومات من ذلك.

كما يحدثنا ابن كثير في تاريخه عن حوادث سنة 363 التي وقعت في بغداد بين الشيعة و «أهل السنة والجماعة» بمناسبة يوم عاشوراء، قال:

إن جماعة من «أهل السنة» أركبوا امرأة سموها عائشة وتسمى بعضهم بطلحة، وبعضهم بالزبير، وقالوا: نقاتل أصحاب علي (عليه السلام)، فقتل بسب ذلك خلق كثير(4) .

وهذا بالضبط ما يقع اليوم في الهند فإن «أهل السنة والجماعة» يهجمون على الشيعة في يوم عاشوراء ليمنعوهم من موكب التعزية فيقتل بسبب ذلك خلق كثير من المسلمين الأبرياء.

____________

(1) ابن كثير في كتاب البداية والنهاية ج 11 ص 147.

(2) البداية والنهاية لابن كثير ج 11 ص 147.

(3) لسان الميزان لابن حجر في ترجمة ابن جرير الطبري.

(4) البداية والنهاية لابن كثير ج 11 ص 275.

الصفحة 163

وبعد هذا العرض يتبين لنا بوضوح بأن النواصب الذين عادوا علياً (عليه السلام) وحاربوا أهل البيت (عليهم السلام)، هم الذين سموا أنفسهم بـ «أهل السنة والجماعة»، وقد عرفنا ماذا يقصدون بالسنة وماذا يقصدون بالجماعة.

ومن البديهي أن من كان عدواً لعترة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فهو عدو لجدهم رسول الله، ومن كان عدواً لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهو عدو الله.

ومن البديهي أيضاً أن عدو الله ورسوله وأهل بيته ليس هو من عباد الرحمان وليس هو من أهل السنة، إلا أن تكون سنة الشيطان هي المقصودة.

أما سنة الرحمان فهي مودة الله ورسوله وأهل البيت وموالاتهم والسير على هديهم، قال تعالى: «قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى» (الشورى: 23).

فأين معاوية من علي وأين أئمة الضلال من أئمة الهدى، وأين «أهل السنة والجماعة» من الشيعة الأبرار.

«هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين» (آل عمران: 138)

صدق الله العلي العظيم


الصفحة 164

تحريف أهل السنة والجماعة كيفية الصلاة على محمد وآله

تمعن ـ رعاك الله ـ في هذا الفصل فإنك ستعرف خفايا «أهل السنة والجماعة» إلى أي مدى وصل بهم الحقد على عترة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلم يتركوا شيئاً من فضائل أهل البيت عليهم السلام إلا وحرفوه.

من ذلك، الصلاة على محمد وآل محمد التي نزل بها القرآن الكريم، فقد أخرج البخاري ومسلم وكل المحدثين من «أهل السنة والجماعة» بأن الصحابة جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عندما نزل قول الله تعالى: «إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً» (الأحزاب ك 56) فقالوا: يا رسول الله، عرفنا كيف نسلم عليك، ولم نعر فكيف نصلي عليك ؟ !

فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: قولوا اللهم صلي على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل ابراهيم إنك حميد مجيد …(1)

وزاد بعضهم قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ولا تصلوا علي الصلاة البتراء، قالوا: وما الصلاة البتراء يا رسول الله ؟ قال: «أن تقولوا اللهم صل على محمد وتسكنوا، وإن الله كامل لا يقبل إلا الكامل».

مما حدا بالإمام الشافعي أن يقول ويصرح بأن الذي لا يصلي على أهل البيت، لا يقبل إلا الكامل».

مما حدا بالإمام الشافعي أن يقول ويصرح بأن الذي لا يصلي على أهل البيت، لا يقبل الله صلاته.

وفي سنن الدارقطني بسنده عن أبي مسعود الأنصاري قال: قال رسول الله

____________

(1) صحيح البخاري ج 4 ص 118.

الصفحة 165
صلى الله عليه وآله وسلم: من صلى صلاة لم يصل فيها علي ولا على أهل بيتي لم تقبل صلاته(1) .

وأخرج ابن حجر في صواعقه قال: أخرج الديلمي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: الدعاء محجوب حتى يصل على محمد وأهل بيته(2) .

كما أخرج الطبراني في الأوسط عن علي (عليه السلام) قال: كل دعاء محجوب حتى يصلى على محمد وآل محمد(3) .

وبعدما عرفنا من صحاح «أهل السنة والجماعة» كيفية الصلاة على محمد وآل محمد وعرفنا أيضاً بأن الله لا يقبل صلاة عبد إذا لم يصل فيها على محمد وآل محمد، كما وأن دعاء المسلم محجوب حتى يصلي على محمد وآل محمد.

وإنها لعمري فضيلة عظيمة ومنقبة جليلة فضلت أهل البيت على سائر البشر فيهم يتقرب المسلم إلى ربه.

ولكن «أهل السنة والجماعة» غاظهم أن يتركوا هذه الفضيلة لأهل البيت وأحسوا بخطورتها، إذ أن أبا بكر وعمر وعثمان وكل الصحابة مهما قيل فيهم من فضائل مكذوبة ومناقب مزعومة، فإنهم لا يبلغون هذه المنزلة ولا يطاولون هذه المنقبة لأنهم وبأجمعهم لا يقبل الله صلاتهم إذا لم يتقربوا إلى الله بالصلاة على علي بن أبي طالب بعد محمد لأنه سيد العترة كما لا يخفى.

فعمدوا إلى تحريفها بإضافة جزء من عندهم لم يأمر به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليرفعوا بذلك مكانة أسيادهم من الصحابة، كما عمدوا على بترها من القرن الأول، فإذا ما كتبوا كتاباً تراه خال من الصلاة الكاملة، وعند ذكرهم لاسم محمد أو النبي أو رسول الله يكتبون فقط، صلى الله عليه وسلم بدون ذكر آل محمد.

وإذا تكلمت اليوم مع أحدهم وقلت له: صل على محمد، فسيجيبك

____________

(1) سنن الدار قطني ص 136.

(2) الصواعق المحرقة لابن حجر ص 88.

(3) فيض القدير ج 5 ص 19 كنز العمال ج 1 ص 173.

الصفحة 166
صلى الله عليه وسلم بدون ذكر الآل حتى أن بعضهم يلفلفها لفاً، فلا تسمع منه إلا (صل وسلم).

أما إذا سألت أي شيعي عربي كان أو فارسي أن يصلي على محمد فسيقول: اللهم صل على محمد وآل محمد.

وقد جاء في كتب «أهل السنة والجماعة» قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: قولوا: اللهم صل على محمد وآل محمد بصيغة الحاضر والمستقبل وبصيغة الدعاء والطلب منه سبحانه.

ولكنهم مع ذلك يكتفون بعبارة صلى الله عليه وسلم بصيغة الماضي الإخباري وبدون ذكر الآل.

وقد حاول زعيم «أهل السنة والجماعة» معاوية بن أبي سفاين أن يمحو ذكر محمد من الأذان(1) .

فلا غرابة أن يعمد أتباعه ومقلدوه على بتر الصلاة وتحريفها، ولو قدروا على حذفها لفعلوا ولكن هيهات هيهات.

وقد تسمع اليوم في كل منبر من منابرهم وبالخصوص منابر الوهابية لا تسمع إلا الصلاة المحرفة، فإما أنهم يصلون صلاة بتراء وإذا ما اضطروا إلى إكمالها فإنهم عندئذ يزيديون عليها لفظاً: وعلى أصحابه أجمعين، أو يقولون: وعلى أصحابه الطيبين الطاهرين ويحولون بذلك آية التطهير النازلة في أهل البيت إلى الصحابة ليموهوا على عامة الناس بأن أهل البيت والصحابة في الفضل سواء.

وقد أخذوا علم التمويه والتحريف على فقيههم الأول ومرشدهم الكبير عبد الله بن عمر الذي عرفنا بغضه لأهل البيت.

فقد أخرج مالك في الموطأ أن عبد الله بن عمر كان يقف على قبر النبي فيصلي على النبي وعلى أبي بكر وعلى عمر(2) .

____________

(1) يراجع في ذلك كتاب «فاسألوا أهل الذكر» ص 46.

(2) تنوير الحوالك في شرح موطأ مالك ج 1 ص 180.

الصفحة 167

وأنت أيها الباحث إذا تأملت في الواقع فإنك لا تجد لهذه الزيادة من الصلاة على الصحابة أصلاً لا في الكتاب ولا في السنة النبوية، وإنما أمر الكتاب والسنة بالصلاة على محمد وآل محمد، والأمر هو موجه للصحابة قبل غيرهم من المكلفين.

وإنك لا تجد هذه الزيادة إلا عند «أهل السنة والجماعة» فكم لهم من بدعة في الدين ابتدعوها وسموها سنة وهم يريدون من ورائها طمس فضيلة أو ستر حقيقة. «يريدون أن ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون» (الصف: 8).

وبهذا يتبين لنا أيضاً من هم أهل السنة الحقيقيين من الأدعياء المزيفين.

الصفحة 168

أكاذيب تكشفها حقائق

نريد أن نبين في هذا الفصل لكل عاقل حر ترك التعصب ورفع الحجب والغشاوة عن بصره وبصيرته ليصل إلى الهداية والحق.

فنقول له بأن كل أقطاب «أهل السنة والجماعة» وأئمتهم قد خالفوا صريح السنة النبوية ونبذوها وراء ظهورهم، وتركوها عامدين طائعين.

فلا يغترن مسلم بما يسمعه هنا وهناك من مدح وإطراء مزيف، لا يقوم على دليل واضح ولا برهان ساطع.

ونحن إذ نكشف عن هذه الحقائق لا نتقول عليهم ولانزيد شيئاً على ما ذكروه هم أنفسهم في صحاحهم ومسانيدهم وتواريخهم. وقد ذكرنا البعض من هذه الحقائق في كتبنا السابقة، ومررنا عليها مرور الكرام، ولا بأس بذكرها بشيء من التفصيل هنا حتى تشرق شمس الهداية وتتبدد سحب الضلال ويحل النور محل الظلام.

وقد قلنا فيما سبق بأن في الإعادة إفادة، وإذا ما تكررت الأحداث بأساليب متعدد÷ قد يستفيد منها القارئ أكثر، لأن القراء قد يستهويهم أسلوب معين فيقرأونه بدون ملل، وقد تعلمنا من القرآن الكريم هذا الأسلوب الحكيم فهو يقص علينا قصة موسى وعيسى (عليهما السلام) في العديد من السور وبأساليب متعددة يعضد بعضها بعضاً.

وسوف نأتي على ذكر الأئمة والأقطاب الذين يعتمدهم «أهل السنة

الصفحة 169
والجماعة» ويعتبرونهم قمة العلم والفقه، ويقدمونهم على الأئمة الأطهار من آل بيت المصطفى المختار مهملين بعض الصحابة الذين عرفوا لدى الخاص والعام من العلماء وغير العلماء بفسقهم وفجورهم وبعدهم عن روح الإسلام وأخلاقه، أمثال معاوية وابنه يزيد(1) وابن العاص وابن مروان وابن شعبة وغيرهم.

ولوجبت في بعض البلاد العربية والإسلامية لـ «أهل السنة والجماعة» فسوف تجد لهؤلاء ذكراً وتمجيداً، وشوارع بأسمائهم وكتباً في عبقرياتهم وحسن سياستهم وصحة خلافتهم.

ومع ذلك فنحن لا نضيع الوقت في الكتابة عنهم وكشف عوراتهم فقد كفانا ذلك بعض الأحرار من المؤرخين والمفكرين.

ولكن سنتناول في هذا البحث أولئك الأئمة الذين اشتهروا بالصلاح والعدل والزهد والتقوى فكانوا عمدة «أهل السنة والجماعة» حتى نتعرف من قريب كيف أنهم غيروا سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأحدثوا في هذه الأمة البدع التي سببت الفرقة والضلالة، وحطمت ذلك البناء الشامخ الذي شيده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقضى حياته كلها عملاً وجهاداً لصيانته وتثبيته.

وقد انتقيت من بين أقطاب «أهل السنة والجماعة» اثني عشر شخصية كان لها دور كبير في التأثير على سير الأحداث وتغيير معالم الدين والمساهمة في تفريق الأمة وتشتيتها.

____________

(1) اخرج ابن سعد في طبقاته الكرى ج 5 ص 47 عن عبد الله بن حنظلة غسيل الملائكة قال: والله ماخرجنا على على يزيد حتى خفنا أن نرمى بحجارة من السماء، إن رجلا ينكح الأمهات والبنات والأخوات، ويشر الخمر، ويدع الصلاة، والله لو يكن معي أحد من الناس لأبليت لله فيه بلاء حسناً.

الصفحة 170

أئمة «أهل السنة والجماعة» وأقطابهم

1 ـ أبو بكر بن أبي قحافة الخليفة الأول.

2 ـ عمر بن الخطاب الخليفة الثاني.

3 ـ عثمان بن عفان الخليفة الثالث.

4 ـ طلحة بن عبيد الله.

5 ـ الزبير بن العوام.

6 ـ سعد بن أبي وقاص.

7 ـ عبد الرحمان بن عوف.

8 ـ عائشة بنت أبي بكر «أم المؤمنين».

9 ـ خالد بن الوليد.

10 ـ أبو هريرة الدوسي.

11 ـ عبد الله بن عمر.

12 ـ عبد الله بن الزبير.

فهؤلاء اثنا عشر شخصية اخترتهم من بين كثير من أقطاب «أهل السنة والجماعة» لكثرة ذكرهم وتمجيدهم والثناء عليهم أو لكثرة رواياتهم وغزارة علمهم كما يزعمون.

الصفحة 171

وسوف نتناول بالبحث الموجز لكل واحد منهم ونبرز مخالفته للسنة النبوية اما عمداً أو جهلاً حتي يتبين للباحث بأن (أهل السنة والجماعة) يدعون ما ليس لهم ويتبعون أهواءهم زاعمين بأنهم علي الحق وغيرهم على ضلال !

1 ـ أبو بكر (الصديق) ابن أبي قحافة

لقد وافينا في بعض الابحاث السابقة من كتبنا بأنه جمع خمسمائة حديث للنبي (ص) أحرقها بالنار، وخطب في الناس قائلاً: لا تحدثوا عن رسول الله شيئاً فمن سألكم فقولوا: بيننا وبينكم القرآن فأحلوا حلاله وحرموا حرامه.

وقد ذكرنا أيضاً بأنه خالف سنة النبي (ص) في كتابه الكتاب وأيد عمر في قوله (ان رسول الله يهجر وحسبنا كتاب الله يكفينا).

كما ضرب بنصوص النبي في اسبخلاف علي عرض الجدار واغتصب الخلافة

كما ترك سنة صلى الله عليه وآله وسلم في تأمير أسامة عليه وسيرة في جيشه.

كما ترك سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ايذار بضعته الزهراء وتحدى غضبها.

كما ترك سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حرب وقتل المسلمين الذين منعوه الزكاة.

كما ترك سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حرقة الفجاءة السلمي وقد نهى النبي عن ذلك.

كما ترك سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في منعه سهم المؤلفة قلوبهم واتبع رأي عمر.

كما ترك سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في استخلافه عمر على المسلمين دون مشورتهم.

نعم كل هذه المخالفات وغيرها لسنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم سجلها صحاح (اهل السنة والجماعة) ومؤرخوهم وطفحت بها كتب السير.

فاذا كانت السنة النبوية كما عرفها العلماء: هي كل قول أو فعل أو اقرار لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقد خالف أبو بكر السنة بأجمعها من قول وفعل وتقرير.

الصفحة 172

* ومن القول مثلاُ: قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: فاطمة بضعة مني من أغضها فقد أغضبني، وقد ماتت فاطمة وهي غاضبة عليه كما أخرج ذلك البخاري.

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: لعن الله من تخلف عن جيش أسامة، قاله عندما طعنوا في تأميره اسامة ورفضوا الخروج معه والالتحاق بجيشه، وقد تخلف أبو بكر رغم كل ذلك متذرعاً بالخلافة.

* ومن الفعل مثلاً: ما فعله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع المؤلفة قلوبهم إذ عاملهم بالحسنى وأعطاهم سهماً من الزكاة بأمر من الله تعالى.

ولكن أبا بكر حرمهم من ذلك الحق الذي نص عليه القرآن وفعله النبي صلى الله عليه وآله وسلم نزولاً على رغبة عمر بن الخطاب الذي قال لهم: لا حاجة لنا فيكم.

* ومن الإقرار مثلاً: ما أقره النبي صلى الله عليه وآله وسلم من كتابة أحاديثه ونشرها بين الناس، ولكن أبا بكر أحرقها ومنع من نشرها والتحدث بها.

أضف إلى ذلك أنه كان يجهل كثيراً من أحكام القرآن الكريم، فقد سئل عن الكلالة التي نزل بحكمها القرآن، فقال: إني سأقول فيها برأيي فإن يك صواباً فمن الله وإن يك خطأ فهو مني ومن الشيطان(1) .

كيف لا تعجب من خليفة المسلمين الذي يسأل عن حكم الكلالة التي أوضحها الله في كتابه وبينها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في سنته، فيترك الكتاب والسنة ويقول فيها برأيه، ثم يعترف بأن الشيطان قد يستحوذ على رأيه، وهذا ليس بغريب على خليفة المسلمين أبي بكر فقد قال غير مرة: إن لي شيطانا يعتريني.

وقد قرر علماء الإسلام بأن من قال في كتاب الله برأيه فقد كفر، كما عرفنا بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما كان يقول برأي ولا بقياس.

أضف إلى ذلك أنه كان يقول: «لا تحملوني على سنة نبيكم فإني لا أطيقها»

____________

(1) تفسير الطبري وتفسير ابن كثير وتفسير الخازن وكذلك تفسير جلال الدين السيوطي في الجامع الكبير وكلهم في تفسير سورة النساء في قوله: «يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة» .

الصفحة 173
فإذا كان أبو بكر لا يطيق سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فكيف يدعي أتباعه وأنصاره أنهم «أهل السنة».

ولعله لا يطيقها لأنها تذكرة بانحرافه وبعده عن صاحب الرسالة، وإلا كيف نفسر قول الله تعالى: «ما جعل عليكم في الدين من حرج» (الحج: 78) وقوله: «يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر» (البقرة: 185) وقوله «لا يكلف الله نفساً إلا وسعها» (البقرة: 286) وأخيراً قوله سبحانه وتعالى: «ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا» (الحشر: 7).

فقول أبي بكر بأنه لا يطيق سنة النبي هو رد على هذه الآيات وإذا كان أبو بكر الخليفة الأول بعد النبي لا يطيق سنته في ذلك العهد، فكيف يطلب من مسلمي العصر الحاضر أن يقيموا حكم الله بكتابه وسنة نبيه ؟ !

على أننا وجدنا أبا بكر يخالف السنة النبوية حتى في الأمور الميسورة التي يقدر عليها فقراء الناس وجهالهم.

وقد ترك أبو بكر الأضحية التي كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يفعلها ويؤكد عليها، وقد عرف كل المسلمين بأن الأضحية هي سنة مستحبة ومؤكدة، فكيف يتركها خليفة المسلمين ؟ !

قال الشافعي في كتاب الأم وغيره من المحدثين(1) :

إن أبا بكر وعمر (رضي الله عنهما) كانا لا يضحيان، كراهية أن يقتدى بهما فيظن من رآهما أنها واجبة.

إنه تعليل باطل لا يقوم على دليل وكل الصحابة عرفوا من النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن الأضحية سنة وليست واجبة.

وعلى فرض أن الناس ظنوا أنها واجبة فماذا يترتب عن ذلك، وقد رأينا عمر يبتدع صلاة التراويح وهي ليست سنة ولا واجبة بل إن النبي نهى عنها، ومع ذلك فأغلب ((أهل النسة والجماعة» اليوم يظنون أنها واجبة.

____________

(1) البيهقي في ننه الكبرى ج 9 ص 265 جمع الجوامع للسيوطي ج 3 ص 45.

الصفحة 174

ولعل أبا بكر وعمر بتركهم سنة النبي في الأضحية أرادا أن يوهما الناس بأن كل ما فعله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليس بواجب ويمكن تركه وإهماله.

وبذلك يستقيم قولهم: حسبنا كتاب الله يكفينا، ويستقيم أيضاً قول أبي بكر: لا تحدثوا عن النبي شيئاً وقولوا بيننا وبينكم كتاب الله فأحلوا حلاله وحرموا حرامه.

وعلى هذا لو حاجج رجل أبا بكر بالسنة النبوية في الأضحية مثلاً فسيكون جواب أبي بكر: لا تحدثني عن النبي شيئاً، وأرني الأضحية في كتاب الله !

وبعد هذا يفهم الباحث لماذا بقيت سنة البني صلى الله عليه وآله وسلم عندهم مجهولة ومتروكة، ولماذا بدلوا أحاك الله ورسوله بآرائهم وقياسهم وما استحسنوه من أمور تتماشى وأهواءهم.

وهذه الأمثلة التي أخرجناها هي غيض من فيض لما فعله أبو بكر تجاه السنة النبوية الشريفة وما لقيت منه من إهانة وحرق وإهمال ولو شئنا لكتبنا في ذلك كتاباً مستقلاً.

فكيف يطمئن المسلم إلى شخص هذا مبلغه من العلم وهذه علاقته بالسنة النبوية الشريفة، وكيف يتسمى أتباعه بـ «أهل السنة» ؟ ؟ !

فأهل السنة لا يهملونها ولا يحرقونها.

كلا، بل أهل السنة هم الذين يتبعونها ويقدسونها.

«قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم * قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين» (آل عمران: 31 ـ 32).

صدق الله العلي العظيم

2 ـ عمر بن الخطاب «الفاروق»:

عرفنا في أبحاث سابقة من كتبنا بأنه كان بطل المعارضة للسنة النبوية الشريفة، وأنه الجريء الذي قال: إن رسول الله يهجر وحسبنا كتاب الله

الصفحة 175
يكفينا، وحسب قول الرسول الذي لا ينطق عن الهوى، فإن عمر هو الذي تسبب في ضلالة م نضل في هذه الأمة(1) .

وعرفنا بأنه عمل على إهانة الزهراء وإيذائها، فروعها وأدخل الرعب عليها وعلى صغارها عندما هجم على بيتها وهدد بحرقها.

وعرفنا بأنه عمل على جمع كل ما كتب من السنة النبوية فأحرقها ومنع الناس من التحدث بأحاديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

وقد خالف عمر سنة النبي في كل أدوار حياته وبمحضر النبي،

____________

(1) دليل ذلك قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً، وقول ابن عباس: لو كتب ذلك الكتاب ما اختلف من الأمة اثنان، ولما كان عمر هو الذي منع رسول الله من الكتابة واتهمه بالهجر كي لا يصر النبي على الكتابة، عرفنا بأنه تسبب في الضلالة وحرم الأمة الإسلامية من الهداية.

الصفحة 176
كما خالف سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في تسييره ضمن جيش أسامة، ولم يخرج معه بدعوى إعانة أبي بكر على أعباء الخلافة.

كما خالف القرآن والسنة في منع سهم المؤلفة قلبوبهم.

كما خالف القرآن والسنة في متعه الحج وكذلك في متعة النساء.

كما خالف القرآن والسنة في الطلاق ثلاث فجعله طلقة واحدة.

كما خالف القرآن والسنة في فريضة التيمم وأسقط الصلاة عند فقد الماء.

كما خالف القرآن والسنة في عدم التجسس على المسلمين فابتدعه.

كما خالف القرآن والسنة في إسقاط فصل من الأذان وإبداله بفصل من عنده.

كما خالف القرآن والسنة في عدم إقامة الحد على خالد بن الوليد وكان يتوعده بذلك.

كما خالف السنة النبوية في النهي عن صلاة النافلة جماعة فابتدع التراويح.

كما خالف السنة النبوية في العطاء فابتدع المفاضلة وخلق الطبقية في الإسلام.

كما خالف السنة النبوية باختراعه مجلس الشورى وعهده لابن عوف.

والغريب أنك تجد «أهل السنة والجماعة» ينزلونه بعد كل هذا منزلة المعصومين، ويقولون بأن العدل مات معه، وبأنه لما وضع في قبره وجاءه الملكان ليسألانه، فصاح بهما عمر: «من ربكما ؟» ويقولون بأنه الفاروق الذي فرق الله به الحق من الباطل».

أليس ذلك دليلاً على الاستهزاء والسخرية من بني أمية وحكامهم على الإسلام والمسلمين، وبوضعهم أمثال هذه المناقب لشخص عرف بالفظ الغليظ كما عرف بمعارضته المستمرة للرسول(1) . فكأن لسان حالهم يقول للمسلمين: لقد ولى عهد محمد بما فيه، وأقبل عهدنا نحن لنشرع لكم من الدين ما نريد وما يعجبنا، فها أنتم أصبحتم لنا عبيداً رغم أنوفكم ورغم نبيكم الذي فيه تعتقدون.

أليس هذا من قبيل رد الفعل والأخذ بالثأر لتعود زعامة قريش بقيادة بني أمية الذين حاربوا الإسلام ونبي الإسلام ؟

وإذا كان عمر بن الخطاب يعمل على طمس السنن النبوية ويسخر منها ويعارضها حتى بحضور النبي نفسه، فلا غرابة أن تسلم له قريش قيادتها وتجعله زعيمها الأكبر، لأنه أصبح بعد ظهور الإسلام لسانها الناطق وبطلها المعارض، كما أصبح بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم قوتها الضاربة وأملها العريض في تحقيق أحلامها وطموحاتها للوصول إلى السلطة وإرجاع عادات الجاهلية التي يعشقونها وما زالوا يحنون إليها.

وليس من قبيل الصدفة أن نجد عمر بن الخطاب يخالف السنة النبوية في خلافته ويعمل على تأخير مقام إبراهيم عن البيت إلى ما كان عليه أيام الجاهلية.

فقد أخرج ابن سعد في طبقاته وغيره من المؤرخين:

____________

(1) أخرج مسلم في صحيحه ج 4 ص 59 أن ابن عباس وابن الزبير اختلفا في المتعتين فقال جابر بن عبد الله: فعلناهما مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم نهانا عنهما عمر فلم نعد لهما.

الصفحة 177

إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما فتح مكة ألصق مقام إبراهيم بالبيت كما كان على عهد إبراهيم وإسماعيل (عليهما السلام) لأن العرب في الجاهلية أخروه إلى مكانه اليوم. فلما ولي عمر بن الخطاب أخره إلى موضعه الآن، وكان على عهد النبي وأبي بكر ملصقاً بالبيت(1) .

فهل ترى بربك من مبرر لعمر بن الخطاب حتى يعمد فيميت سنة النبي الذي أعاد ما فعله إبراهيم وإسماعيل (عليهما السلام) فيحيي عمر سنة الجاهلية ويعيد بناء المقام كما كان على عهدهم ؟

فكيف لا تقدمه قريش وكيف لا تروي في فضائله ما يتعدى الخيال، حتى أن صاحبه أبا بكر الذي تقدمه في الخلافة لم يبلغ شأوه وكان في نزعه ضعف حسب ما يرويه البخاري ولكن عمر أخذها منه فلم ير عبقرياً يفري فريه.

وهذا نزر يسير من بدعه التي أحدثها في الإسلام وهي مخالفة كلها لكتاب الله وسنة رسوله، ولو شئنا جمع البدع والأحكام التي قال فيها برأيه وحمل الناس عليها، لكتبنا في ذلك كتاباً مستقلاً، لولا توخي الاختصار.

ولقائل أن يقول: كيف خالف عمر بن الخطاب كتاب الله وسنة رسوله، والله تعالى يقول: «ما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً» (الأحزاب: 36) ؟

وهذا ما يردده أكثر الناس اليوم وكأنهم يكذبون ولا يصدقون أن عمر بن الخطاب يفعل ذلك.

فنقول لهؤلاء: هذا ما أثبته له أولياؤه وأتباعه من «أهل السنة والجماعة» الذين يفضلونه على النبي من حيث لا يشعرون.

فإذا كان ما قيل فيه كذباً، فصحاحهم كلها تسقط عن الاعتبار ولا حجة لهم بعد ذلك على كل ما يعتقدون ! على أن جل الأحداث التاريخية كتبت في

____________

(1) الطبقات الكبرى لابن سعد ج 3 ص 204، وكذلك السيوطي في تاريخه لخلافة عمر بن الخطاب.

الصفحة 178
عهد دولة «أهل السنة والجماعة» الذين لا يشك في حبهم واحترامهم وتقديرهم لابن الخطاب.

وإذا كانت صحيحة وذلك هو الواقع الذي لا مفر منه فعلى المسلمين اليوم أن يراجعوا موقفهم ويعيدوا النظر في كل عقائدهم إن كانوا من «أهل السنة والجماعة».

وإنك تجد أكثر المحققين اليوم لما أعيتهم الحيلة لرد مثل هذه الروايات والأحداث التاريخية التي أجمع عليها العلماء والمحدثون، ولا يقدرون على تكذيبها، فتراهم يتأولون ويلتمسون بعض الأعذار الواهية التي لا تقوم على دليل علمي، والبعض منهم أخذ يعدد بدعه ويقلبها مناقب من مفاخرة التي يشكر عليها.

وكأن الله ورسوله ما كانا يعرفان مصلحة المسلمين وغفلا عن تلك البدع ـ أستغفر الله ـ، فاكتشفها عمر بن الخطاب فسنها لهم بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

إنه بهتان عظيم وكفر صريح نعوذ بالله من خطل الآراء وزلل الأهواء، وإذا كان عمر هو زعيم وإمام «أهل السنة والجماعة» فإني أبرأ إلى الله من تلك السنة وتلك الجماعة.

وأسأله سبحانه أن يميتني على سنة خاتم النبيين وسيد المرسلين سيدنا محمد وعلى منهاج أهل بيته الطيبين الطاهرين.

3 ـ عثمان بن عفان «ذو النورين»:

وهو الخليفة الثالث الذي وصل الخلافة بتدبير عمر بن الخطاب وعبد الرحمان بن عوف الذي أخذ عليه العهد والميثاق بأن يحكم فيهم بكتاب الله وسنة رسوله وسنة الخليفتين.

وأنا شخصياً أصبحت أشك في الشرط الثاني الذي يتمثل في الحكم بسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

الصفحة 179

لأن عبد الرحمان بن عوف يعرف أكثر من غيره بأن الخليفتين أبا بكر وعمر لم يحكما السنة النبوية، وإنما حكما باجتهادهما وآرائهما، وأن السنة النبوية على عهد الشيخين كادت تكون معدومة تماماً لولا وقوف الإمام علي على إحيائها كلما سمحت له الظروف بذلك.

وأغلب الظن أنه اشترط على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بأن يحكم فيهم بكتاب الله وسنة الشيخين، فرفض علي هذا العرض قائلاً: لا أحكم إلا بكتاب الله وسنة رسوله، فخسر الخلافة لأنه أراد إحياء سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفاز بها عثمان لأنه قبل أن يواصل درب أبي بكر وعمر اللذين صرحا غير مرة بأن لا حاجة بالسنة النبوية وإنما يكفي القرآن ليحللوا حلاله ويحرموا حرامه.

ويزيدنا يقيناً صحة ما ذهبنا إليه أن عثمان بن عفان فهم من هذا الشرط أن عليه أن يجتهد برأيه في الأحكام كما فعل صاحباه، وهي السنة التي سنها الشيخان بعد النبي.

ولذلك نرى عثمان أطلق العنان لرأيه واجتهد أكثر من صاحبه حتى أفكر عليه الصحابة، وجاؤوا يلومون عبد الرحمان بن عوف قائلين له: هذا عمل يديك !

ولما كثرت المعارضة والإنكار على عثمان، قام في الصحابة خطيباً فقال لهم: «لماذا لم تنكروا على عمر بن الخطاب اجتهاده، ألانه كان يخيفكم بدرته ؟».

وفي رواية ابن قتيبة: قام عثمان خطيباً على المنبر لما أنكر الناس عليه فقال: أما والله يا معشر المهاجرين والأنصار لقد عبتم علي أشياء ونقمتم على أموراً، قد أقررتم لابن الخطاب مثلها، ولكنه وقمكم وقمعكم، ولم يجترئ أحد بملأ بصره منه ولا يشير بطرفه إليه، أما والله لأنا أكثر من ابن الخطاب عدداً وأقرب ناصرا(1) .

وأعتقد شخصياً بأن الصحابة من المهاجرين والأنصار لم ينكروا على عثمان اجتهاده، فقد ألقوا الاجتهاد وباركوه من أول يوم، ولكنهم أنكروا عليه لما عزلهم

____________

(1) تاريخ الخلفاء لابن قتيبة ج 8 ص 31.

الصفحة 180
وولى المناصب والولايات الفساق من بني عمومته وقرابته الذين كانوا بالأمس القريب حرباً على الإسلام والمسلمين.

وقد سكت المهاجرون والأنصار على أبي بكر وعمر لأنهما أشركاهم في الحكم وأعطياهم المناصب التي فيها المال والجاه.

أما عثمان فإنه عزل أكثرهم وأعطى الأموال الطائلة إلى بني أمية بغير حساب، عند ذلك أنكروا عليه وأثاروا حوله الشبهات إلى أن قتلوه.

وهذه هي الحقيقة التي تنبأ بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عندما قال لهم: «إني لا أخاف عليكم أن تشركوا بعدي، ولكني أخاف عليكم أن تنافسوا فيها».

وقال الإمام علي (عليه السلام).

«كأنهم لم يسمعوا قول الله تعالى: «تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين» (القصص: 83).

بل والله لقد سمعوها ووعوها ولكنهم حليت الدنيا في أعينهم وراقهم زبرجها».

فهذا هو الواقع، أما أن نعتقد بأنهم أنكروا عليه تغيير سنة النبي فهذا مما لا سبيل إليه، ولأنهم لم ينكروا على أبي بكر وعمر، فكيف ينكرونها عليه، والمفروض أن عثمان بن عفان أكثر عدداً وأقرب ناصراً من أبي بكر وعمر كما صرح هو نفسه بذلك، لأنه زعيم بني أمية وبنو أمية أقرب للنبي من تيم وعدي، قبيلتي أبي بكر وعمر وأشد منهما قوة ونفوذاً وأشرف منهما حسباً ونسباً.

ولأن الصحابة لم ينكروا على أبي بكر وعمر، بل كانوا يقتدون بسنتهما ويتركون سنة النبي وهم يعلمون فلا يمكن أن ينكروا على عثمان ما أقروه لغيره.

والدليل أنهم حضروا في كثير من المواقف التي غير فيها عثمان سنة النبي كإتمامه صلاة السفر ومنعه من التلبية وتركه التكبير في الصلاة ومنعه من التمنع في الحج، فلم ينكر عليه غير علي بن أبي طالب كما سنعرفه قريباً بحول اله.

والصحابة كانوا يعرفون سنة النبي ويعمدون على مخالفتها من أجل إرضاء الخليفة عثمان.