هذا على مستوى منصب الخلافة، أما على مستوى المناصب المتفرعة عن منصب الخلافة كالإمارات والولايات، وقيادات الجيش والأعمال، وكبار الوظائف فقد كانت مملوكة للخليفة أيضا يتصرف بها تصرف المالك بملكه، فيحرم منها عباد الله المخلصين كسعد بن عبادة وعمار بن ياسر وأبي ذر والمقداد والحباب بن المنذر وغيرهم يحرمها عليهم حرمة دائمة، ويعطيها لأعداء الله السابقين الذين لعنهم الله على لسان رسوله، وحذر منهم رسول الله كمعاوية والحكم بن العاص ومروان بن الحكم وعبد الله بن أبي سرح وأمثالهم والأعور السلمي الذي شهد حنينا مشركا وقد لعنه رسول الله، ومؤهله الوحيد أنه كان من أشد المبغضين للإمام علي، لقد استعان به عمر وجعله على مقدمة جيش (3) واستعان أيضا
____________
(1) مقدمة ابن خلدون ص 127.
(2) الإمامة والسياسة ج 1 ص 23، وأعلام النساء ج 3 ص 786.
(3) الإصابة لابن حجر ج 2 ص 541.
____________
(1) الاستيعاب ج 3 ص 662 - 663.
(2) الاستيعاب ج 1 ص 120.
(3) البداية والنهاية لابن الأثير ج 7 ص 130.
(4) البداية والنهاية ج 8 ص 125، وتاريخ الطبري ج 6 ص 184.
(5) البداية والنهاية ج 8 ص 125، والاستيعاب ج 8 ص 397.
(6) الطبقات الكبرى لابن سعد ج 5 ص 535.
(7) الدلائل لابن سعد، وكنز العمال ج 12 ص 354.
والخلاصة أن ذلك النفر قد حول منصب الخلافة إلى ملك خاص له وعبأ كافة المناصب المتفرعة عن منصب الخلافة بالعناصر المؤيدة له ولسياسته والكارهة لآل محمد وللقلة المؤمنة، ونتيجة ذلك صارت السلطة كلها ملكا شخصيا خالصا لهذا النفر وأعوانه، وسيفا مسلطا على أعدائهم!!.
الفصل الثاني
التناقض الصارخ بين واقع دولة الخلافة والشريعة الإلهية
على صعيد الإمامة أو الرئاسة العامة أو الخلافة: لقد اختار الله محمدا، فأعده وهيأه وأهله للرئاسة العامة وأسند إليه منصب الرئاسة العامة لأنه الأفضل والأعلم والأفهم والأقرب لله، وكل هذه مؤهلات ضرورية لتتكون القدوة المثالية، وليتمكن من قيادة الأمة وفض ما يشجر بين أفرادها وجماعاتها من مشكلات وفق أحكام القانون الإلهي السائد في دولته، لقد كان النبي معصوما عن الوقوع في الخطأ والزلل، لذلك فلا يخشى منه إساءة استعمال السلطة أو استغلال الصلاحيات الهائلة المخولة له كرئيس بموجب القانون الإلهي، لأن عصمته والتزامه بالشرعية الإلهية وفهمه اليقيني لها ضمانات حقيقية ضد الانحراف أو إساءة استعمال السلطة.
وكان من المفترض أن تنتقل الإمامة أو الرئاسة العامة أو خلافة النبي بعد وفاة النبي إلى ذلك الشخص الذي أعده الله لهذه المهمة ليتابع طريق النبوة ويتم ويكمل ما لم يتحقق من برامجها هذا هو التنظير الديني للرئاسة وهذا هو حكم الإسلام.
أما على صعيد الواقع فالأمر قد اختلف جدا، فالمؤهل الوحيد لكل
فالخليفة الأول صدق في ما قال، واعترف صراحة وضمنا بأن بين المخاطبين من هو أعلم وأفضل وأقرب لله ولرسوله منه، ومع هذا فقد تولى الخلافة رسميا لأنه الغالب، وعلى الأمة أن تقبل ذلك شاءت أم أبت، وأن تبايعه راضية أو كارهة لأنه غالب، ولنفترض أن جماعة من المسلمين قد رفضت بيعته، فليس بينه وبينها إلا السيف، فمن يغلب فهو الخليفة وهو القائم مقام الرسول (2) ولتبرير ذلك قالوا بجواز إمامة المفضول عند عارض يمنع من نصب الفاضل (3) وقال القاضي في المواقف: جوز الأكثرون إمامة المفضول مع وجود الفاضل إذ لعله أصلح للإمامة من الفاضل... وقال الشريف الجرجاني: كما إذا فرض أن العسكر والرعية لا ينقادون للفاضل بل للمفضول (4).
فحسب قواعد القانون الإلهي فإن الإمام من بعد النبي هو علي بن أبي طالب، ومن المفترض أن تنقاد له الأمة لأن الله قد اختاره وأعلنه رسوله، ولكن تتحرك فئة معينة لا يعجبها هذا الاختيار فتدعي أن الناس لا ينقادون لهذا الذي اختاره الله ورسوله ثم تستقطب الناس حولها، ثم تنصب خليفة، وتجير الناس على بيعة هذه الخليفة ثم تدعي أن الفتنة قد انقطعت
____________
(1) الطبقات لابن سعد ج 2 ف 2 ص 78 طبعة ليدن.
(2) الأحكام السلطانية للماوردي ص 7 - 8 و 7 - 11، والأحكام السلطانية لأبي يعلى ص 15.
(3) التمهيد للباقلاني تحقيق عماد الدين أحمد حيدر ص 494، والسنة بعد الرسول للسيد علي الشهرستاني، تراثنا عدد 59 و 60 ص 118.
(4) شرح المواقف ج 3 ص 379، وانظر المرجعين السابقين.
وهنا تقع المشكلات فالسلطة الفعلية والأمر والنهي بيد الخليفة الفعلي القائم مقام النبي والمفروض بالقوة والتغلب، وبهذه الحالة فإن هذا الخليفة الفعلي الواقعي لا يعرف الحكم الشرعي، ولا المقاصد الشرعية، ولا برامج النبوة، ولا معنى كل آية وليس محيطا بالبيان النبوي، وليس لديه علم يقيني لا بالماضي ولا بالحاضر ولا بالمستقبل، لأنه أصلا غير معد ولا مؤهل لهذه الأمور!! ولكن بوصفه الحاكم الفعلي فإن عليه أن يدير أمور الدولة، فإذا رجع إلى الإمام الشرعي فإنه سيضطر للرجوع إليه دائما، وفي هذا حط من مقام الخليفة واعتراف ضمني وعلني بأن الإمام الشرعي هو المؤهل الوحيد!! ولكن الخليفة الجديد وأعوانه لن يعترفوا بذلك بل سيتجاهلون القوانين الإلهية التي لا يعرفونها ويسيرون شؤون الحكم بالرأي لا بالشرع، فهم وإن كانوا لا يعرفون الشرع إلا أنهم كأي واحد من البشر يعرفون الرأي مهما كان وزنه، لذلك يترك الخليفة وأعوانه الشرع الإلهي أو القوانين الإلهية، التي لا يحيطون بها، ولا يجيدون الحكم وفق أحكامها المفصلة ويجتهدون أو يعملون بالرأي، أو يخترعون أحكاما وضعية من آرائهم الشخصية!!
أما على مستوى الولايات والإمارات على الأقاليم والجيوش فقد رأينا أن الموازين والمقاييس التي اخترعها الخلفاء لاختيار الأمراء والولاة والعمال، فكانوا يصرفون أمور أقاليمهم وفق الآراء الشخصية، ولنأخذ على سبيل المثال عبد الله بن سرح الذي افترى على الله الكذب، والموسوم بأنه عدو لله ولرسوله لقد أمر الرسول بقتله حتى لو تعلق بأستار الكعبة، ويوم فتح مكة أمر الرسول بالبحث عنه وقتله، فلجأ ابن سرح إلى أخيه في الرضاعة عثمان بن عفان فغيبه عثمان وأخفاه عن العيون وفي يوم من الأيام بعد الفتح بفترة جاء به عثمان إلى رسول الله فاستأمنه، فصمت الرسول
فكيف بربك يطبق الإسلام من كان هذا وضعه، وكيف يعلم المصريين دين الله.
هذه الكوادر الفنية التي حلت عرى الإسلام كلها، وركزت المعالم الواقعية لعصر ما بعد النبوة، ومن خلال البرامج التربوية والتعليمية التي فرضتها على المسلمين قرابة قرن من الزمان، ومن خلال هذه المناهج خلطوا الأوراق خلطا عجيبا، فبدلوا وعدلوا، وباعدوا الهون بين الواقع المفروض وبين القانون الإلهي أو الشرعية الإلهية، ولم يبق من الإسلام إلا كتاب الله، وأهل بيت النبوة، لمواجهة برامج تربوية وتعليمية مدعومة من دولة عظمى، ومع اختلاط العرب بالأمم المغلوبة، وامتزاج الحضارات بدأت الأذهان بالتفتح، وبدأ الناس يتساءلون عن حجم الهوة بين الواقع والشرعية الإلهية، فلم ير الخلفاء بدا من منع كتابة ورواية أحاديث رسول الله حتى لا يقف الناس على الحقائق الشرعية وحجم التناقض الهائل بين الواقع المفروض وبين أحكام الشريعة الإلهية!!
____________
(1) ترجمة ابن أبي سرح في الاستيعاب ج 2 ص 378، والإصابة لابن حجر ج 2 ص 309، وأسد الغابة ج 3 ص 173.
الفصل الثالث
منع كتابة ورواية سنة الرسول
قبل أن يستولوا على منصب الخلافة
بعد أن تجاهلوا سنة رسول الله التي بينت من يخلف النبي، وبعد إن استولوا على منصب الخلافة بالقوة والتغلب، وأسندوا كافة المناصب المتفرعة عن الخلافة لأوليائهم، وبعد أن صاروا يتصرفون بهذه المناصب تصرف المالك بملكه، وبعد أن قضوا قضاء تاما على كل معارضة لحكمهم، ظهورا بمظهر الخلفاء الشرعيين لرسول الله ولأن سنة الرسول التي عالجت موضوع من يخلف النبي محكمة ومتماسكة، وتناقض مظهر الشرعية، ولأنها تذكر المسلمين بأن الخلفاء قد أخذوا ما ليس لهم، وجلسوا في مكان مخصص لغيرهم، وحرصا على الاستقرار، ووحدة المحكومين، ومنعا لوقوع الخلاف والاختلاف فقد قرر الخلفاء منع رواية وكتابة سنة الرسول لأنه إن بقي باب رواية وكتابة سنة الرسول مفتوحا فسيعرف المسلمون هذه السنة، وستختمر هذه السنة في نفوس المسلمين، وسيتساءلون يوما لماذا تجاهل الخلفاء سنة الرسول!! ولماذا لم يقبلوا بمن استخلفه الرسول!! وتلك بداية النهاية بالنسبة لهم لذلك قرروا منع كتابة ورواية سنة الرسول!! هذا من جهة ومن جهة أخرى، فإن هنالك فئة من
أقدم صد ومنع لكتابة سنة الرسول وروايتها
قال عبد الله بن عمرو بن العاص: " كنت أكتب كل شئ سمعته من رسول الله أريد حفظه فنهتني قريش!! وقالوا تكتب كل شئ سمعته من رسول الله ورسول الله بشر يتكلم في الغضب والرضا... " (1) وهذا أقدم صد عن سنة رسول الله، وأول محاولة لمنع كتابة سنن الرسول، ومن يحرض على منع كتابة سنة الرسول، يحرض أيضا على منع روايتها، الجهة التي حرضت عبد الله بن عمرو بن العاص على عدم كتابة سنة الرسول جهة معروفة، ولكن عبد الله بن عمرو يخشى الكشف عنها مما يدل على أنها جهة مرموقة أو حاكمة، لذلك كنى عنها بقوله: " فنهتني قريش " في سقيفة بني ساعدة كان أبو بكر وعمر وأبو بكر عبيدة يتكلمون باسم قريش كلها، فكانوا يعتبرون أنفسهم الناطقين الرسميين باسم عشيرة النبي قريش!!!
وعندما ذكر عبد الله بن عمرو بن العاص هذه الواقعة كان الثلاثة يشكون أركان دولة الخلافة، فلم يكن من الملائم أن يسميهم بأسمائهم حتى لا يحمل قوله على محمل الطعن بهم، لذلك عبر عنهم بكلمة " فنهتني قريش " والأحداث التي تلت ذكر عبد الله بن عمرو لهذه الواقعة تؤكد أن النهي قد صدر من ذلك النفر وبالتحديد من أبي بكر وعمر!! وسبب تحريض عبد الله بن عمرو على عدم كتابة كل شئ يسمعه من رسول الله هو اعتقاد " قريش " أن الرسول بشر يتكلم في الغضب والرضا، فلا ينبغي أن يكتب من كلامه إلا ما صدر عنه وهو في حالة رضا، أما كلامه وهو في حالة الغضب
____________
(1) سنن أبي داود ج 2 ص 126، وسنن الدارمي ج 1 ص 125، ومسند أحمد ج 2 ص 162 و 207 و 216، والمستدرك للحاكم ج 1 ص 105 و 106، وجامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر ج 1 ص 85، وكتابنا المواجهة ص 254.
الصد العلني عن سنة الرسول وتحريز المسلمين على عدم اتباعها حتى والرسول على قيد الحياة!!!
المعروف أن سنة الرسول تعني " قوله وفعله وتقريره " وأبرز الأمثلة على صد ذلك النفر للمسلمين عن سنة الرسول، وتحريض المسلمين على عدم اتباعها هو موقف ذلك النفر من جيش أسامة!! لقد عبأ الرسول ذلك الجيش بنفسه وعبأ ذلك النفر فيه، وعين أسامة قائدا لهذا الجيش وأعطاه الراية بنفسه وحث الرسول هذا الجيش على الخروج سريعا (3) وقال الرسول: " جهزوا جيش أسامة لعن الله من تخلف عنه " (4).
____________
(1) مسند أحمد ج 2 ص 207.
(2) سنن أبي داود ج 2 ص 126، وسنن الدارمي ج 1 ص 125، ومسند أحمد ج 2 ص 162 و 207 و 216، والمستدرك للحاكم ج 1 ص 105 و 106، وجامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر ج 1 ص 85.
(3) المغازي للواقدي ج 3 ص 117، والسيرة الحلبية ج 3 ص 207، والطبقات الكبرى لابن سعد ج 2 ص 190.
(4) الملل والنحل للشهرستاني ج 1 ص 23 وج 1 ص 20 بهامش الفصل لابن حزم ج 1 ص 24.
لقد نجحوا في تثبيط الناس، ومارسوا ضغوطا شديدة على أسامة فطلب من الرسول أن يؤجل هذا الجيش، فقال له الرسول: " أخرج وسر على بركة الله "، وراجعه أسامة مرة ثانية طالبا منه أن يبقى فقال له الرسول: " سر علي النصر والعافية " فراجعه أسامة مرة ثالثة فقال له الرسول: " انفذ لما أمرتك به " (3).
وبعد أن توفي الرسول أصروا على رأيهم، وضغطوا على الخليفة الأول حتى ينزع أسامة لأن تأمير الرسول لأسامة ليس مناسبا ولا صحيحا!!
ويبدو أن الذي كان يقود هذا التيار هو عمر بن الخطاب بدليل قول أبي بكر وفعله: فأخذ بلحية عمر بن الخطاب وقال له: " ثكلتك أمك يا بن الخطاب وعدمتك استعمله رسول الله وتأمرني أن أنزعه " (4) لقد أدرك الخليفة الأول
____________
(1) المغازي للواقدي ج 3 ص 119، والطبقات الكبرى ج 2 ص 190، وشرح النهج ج 1 ص 57، والسيرة الحلبية ج 3 ص 207 و 234.
(2) كنز العمال ج 10 ص 573، ومنتخب الكنز بهامش مسند الإمام أحمد ج 4 ص 182.
(3) المغازي للواقدي ج 3 ص 112، والطبقات الكبرى ج 3 ص 191، والسيرة الحلبية ج 3 ص 208 وص 235، والسيرة الدحلانية ج 2 ص 340، وشرح النهج ج 1 ص 160، وكنز العمال ج 10 ص 574.
(4) تاريخ الطبري ج 3 ص 226، والكامل لابن الأثير ج 2 ص 335، والسيرة الحلبية ج 3 ص 209 =
____________
= و 236، والسيرة الدحلانية ج 2 ص 340.
وحالوا بين النبي وبين كتابة وصيته وتوجيهاته النهائية
أثنا مرض الرسول أراد أن يكتب وصيته وتوجيهاته النهائية للأمة، وتلخيصه للموقف، كما يفعل قادة الأمم، وكما فعل أبو بكر وعمر في ما بعد وفوق هذا وذاك، فإن كتابة الوصية حق إنساني لكل إنسان فكيف يسيد الخلق، ومن المؤكد أن رسول الله قد ضرب موعدا لذلك، ودعا بعض الصفوة من أصحابه ليشهدوا كتابة وصيته وتوجيهاته النهائية للأمة وتلخيصه للموقف.
ويبدو أن عمر بن الخطاب قد علم بذلك، فأطلع أركان حزبه على ما سمع، واتفق من أعوانه على أن يدخلوا حجرة الرسول في الوقت الذي حدده لكتابة وصيته وتوجيهاته النهائية، وأن يحولوا بين الرسول وبين ما أراد كتابته!! لأنهم قد توقعوا أن ما سيكتبه الرسول غير مناسب!!
حضر الذين اصطفاهم رسول الله ليكتب أمامهم وصيته وتوجيهاته النهائية، وجلسوا بين يدي رسول الله، وفجأة وبدون استئذان دخل عمر بن الخطاب ومعه أركان حزبه وعدد كبير من أعوانه الذين اتفق معهم على خطة تحول بين الرسول وبين ما أراد كتابته، وجلسوا فقال الرسول للذين دعاهم:
" إئتوني بالكتف والدواة أو اللوح والدواة أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا " (1).
____________
(1) راجع صحيح البخاري كتاب المرض باب قول المريض قوموا عني ج 3 ص 9، وصحيح مسلم آخر =
وما إن تم عمر هذه الجملة حتى قال أعوانه وبصوت واحد: " القول ما قاله عمر، إن رسول الله يهجر، ما له أهجر!! ما شأنه أهجر، استفهموه إنه يهجر " (2) متجاهلين بالكامل وجود الرسول وموجهين كلامهم لأولئك الذين استدعاهم الرسول.
صعقت الصفوة التي اختارها النبي من هول ما سمعت فقالت: " ألا تسمعون رسول الله يقول قربوا يكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا " (3).
فكرر عمر أقواله السابقة، وعلى الفور ضج أتباع عمر فرددوا اللازمة التي اتفقوا عليها قبل دخولهم إلى منزل النبي: " القول ما قاله عمر، إن الرسول يهجر... " (4) إلى آخر اللازمة!!. كان واضحا أن عمر وحزبه على استعداد لفعل أي شئ يحول بين الرسول وبين كتابة ما أراد!! فطلت النسوة من وراء الستر وقلن لعمر وحزبه: " ألا تسمعوا رسول الله يقول قربوا يكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا "!! فصاح بهن عمر قائلا: " إنكن
____________
= كتاب الوصية ج 5 ص 75 وج 2 ص 16، وصحيح مسلم بشرح النووي ج 11 ص 94 و 95، ومسند أحمد ج 1 ص 355 وج 4 ص 356، وصحيح البخاري ج 4 ص 31، وتاريخ الطبري ج 2 ص 194، والكامل لابن الأثير ج 2 ص 320 وتذكرة الخواص للسبط ابن الجوزي ص 62، وسر العالمين، وكشف ما في الدارين لأبي حامد الغزالي.
(1) المصدر السابق.
(2) المصدر السابق.
(3) المصدر السابق.
(4) المصدر السابق.
وارتفعت الأصوات وكثر اللغو واللغط فتدخل الرسول فقال:
" دعوهن فإنهن خير منكم " (2) " دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه، قوموا عني لا ينبغي عندي تنازع " (3) لقد اكتفى الرسول بتأكيداته اللفظية السابقة، ورد على عمر وحزبه ردا يليق بجلال النبوة وطبيعة الظروف، ولم يعد هنالك ما يوجب بقاءهم لقد تحقق ما تمناه عمر وحزبه، إذ حالوا بين الرسول وبين كتابة ما أراد، وكسروا خاطر النبي الشريف، وقصموا ظهر الدين والأمة معا فلو أصر الرسول على الكتابة، لأصروا على الهجر، مع ما يفتحه هذا الادعاء الكاذب من مخاطر على الدين.
وفي ما بعد بين عمر بن الخطاب الغاية التي استهدفها هو وحزبه من الحيلولة بين الرسول وبين كتابة ما أراد فقال: " حتى لا يجعل الأمر خطيا لعلي بن أبي طالب " (4) فيؤكد تأكيداته اللفظية بتأكيد خطي، وقد اعترف عمر بذلك لأنه كان يعتقد أن مصلحة الإسلام والمسلمين تقتضي أن لا يتولى الخلافة علي بن أبي طالب لحداثة سنة والدماء التي عليه (5) وأن اختيار الرسول للإمام علي كاختياره لأسامة عمل غير صحيح وغير مناسب!! فإنا لله وإنا إليه راجعون!!!
____________
(1) الطبقات الكبرى لابن سعد ج 2 ص 243 - 244.
(2) المصدر السابق.
(3) راجع صحيح البخاري كتاب المرض باب قول المريض قوموا عني ج 3 ص 9، وصحيح مسلم آخر كتاب الوصية ج 5 ص 75 وج 2 ص 16، وصحيح مسلم بشرح النووي ج 11 ص 94 و 95، ومسند أحمد ج 1 ص 355 وج 4 ص 356، وصحيح البخاري ج 4 ص 31، وتاريخ الطبري ج 2 ص 194، والكامل لابن الأثير ج 2 ص 320، وتذكرة الخواص للسبط ابن الجوزي ص 62، وسر العالمين، وكشف ما في الدارين لأبي حامد الغزالي.
(4) شرح النهج لعلامة المعتزلة ابن أبي الحديد ج 7 ص 114 سطر 27 الطبعة الأولى بيروت وج 2 ص 79 سطر 3 تحقيق أبو الفضل مكتبة الحياة، وج 3 ص 167 طبعة دار الفكر.
(5) شرح النهج ج 2 ص 18، والطبقات الكبرى لابن سعد ج 3 ص 130، وكتابنا المواجهة ص 473.
كيف يعتذرون عن هذه البائقة!! كيف يبررونها!!! في وقت يطول أو يقصر سيخرجون من كهوف التاريخ، وسيعيدون النظر بثقافة التاريخ التي أشربوها فتخيلوا الأبيض أسودا والأسود أبيضا ساعتها سيكتشفون كم ضيعوا في جنب الله تعالى!!
وما يعنينا في هذ ا المقام أن الرسول أراد أن يكتب شيئا من سنته أثناء مرضه، فاستمات عمر بن الخطاب وحزبه ليحولوا بين الرسول وبين كتابة ما أراد، لأنهم من حيث المبدأ ضد كتابة السنة، ومن يقف ضد كتابة السنة يقف ضد روايتها.
____________
(1) سلطنا الأضواء في البحوث السابقة على مرض أبي بكر وعمر وكتابتهما لوصيتيهما وتوجيهاتهم النهائية، وكيف نفذت كأنها وحي من الله تعالى، وتوفيرا لوقتك راجع في هذا الخصوص تاريخ الطبري ص 429، وسيرة عمر لابن الجوزي ص 37، وتاريخ ابن خلدون ج 2 ص 85، وكتابنا المواجهة ص 540 لترى كيف أتاحوا الفرصة لأبي بكر ليكتب وصيته وتوجيهاته النهائية وراجع تاريخ الطبري طبعة أوروبا ج 1 ص 2138 لترى موقف عمر المؤيد لوصيته وتوجيهات أبي بكر، وراجع الإمامة والسياسة ج 1 ص 15. وما فوق، والطبقات الكبرى لابن سعد ج 2 ص 364 وج 3 ص 347، وأنساب الأشراف ج 5 ص 18، وتاريخ الطبري ج 5 ص 23 لترى كيف كتب عمر وصيته وتوجيهاته النهائية وكيف نفذت مع أن فيها أوامر بقتل نفوس حرم الله قتلها.
الفصل الرابع
منعهم لكتابة ورواية سنة الرسول بعد استيلائهم على منصب الخلافة
في عهد أبي بكر الخليفة الأول
كانت " قريش " أو ذلك النفر من قريش ينهى سرا عن كتابة ورواية سنة الرسول، ويشكك بصحة وصواب جانب من سنة الرسول، وأثناء مرض الرسول، كشف ذلك النفر عن نفسه، فأخذ ينهى عن كتابة سنة الرسول ويحرض علنا على عدم اتباعها!! معبرا عن قناعته الخاصة من خلال قوته!!
وعندما استولى ذلك النفر على منصب الخلافة أعلن رسميا وعلى مستوى الدولة منع كتابة ورواية سنة الرسول!! ويبدو أن أول أمر أو مرسوم قد أصدره الخليفة الأول كان يتضمن قراره بمنع رواية وكتابة سنة الرسول.
قال الذهبي في ترجمة أبي بكر: إن الصديق - يعني أبا بكر - قد جمع الناس بعد وفاة نبيهم فقال:
" إنكم تحدثون عن رسول الله (ص) أحاديث تختلفون فيها، والناس بعدكم أشد اختلافا، فلا تحدثوا عن رسول الله شيئا، فمن سألكم فقولوا
فالخليفة الأول يرى أن رواية سنة الرسول تسبب الخلاف بين أمة متفقة في عهده، فإذا حدث الخلاف في عهده، فإن الخلاف في العهود اللاحقة سيكون شديدا، وبصفته خليفة للمسلمين، ولأن سنة الرسول تسبب الخلاف والاختلاف بين المسلمين، وحرصا من الخليفة على وحدتهم خلف قيادته وقطعا لدابر الخلاف والاختلاف فإنه يأمر المسلمين " أن لا يحدثوا شيئا عن رسول الله "!!
وإغلاقا لباب التساؤل عن طريقة معرفة الحكم الشرعي قال الخليفة الأول: " فمن سألكم فقولوا: بيننا وبينكم كتاب الله فاستحلوا حلاله وحرموا حرامه " أي أن الأحكام الشرعية يمكن استخراجها من القرآن الكريم، ويمكن الاستغناء بالقرآن الكريم عن سنة الرسول!! فالقرآن الكريم هو البديل لإغلاق باب التحديث عن رسول الله!! وهذه النظرية متطابقة مع نظرية عمر بن الخطاب فعندما حال هو وحزبه بين رسول الله وبين كتابة ما أراد قال عمر أمام الرسول والحاضرين: " إن المرض قد اشتد برسول الله أو قال إن النبي يهجر وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله " فقناعة الاثنين كانت راسخة بأن القرآن وحده يكفي وليست هنالك حاجة لسنة الرسول!!!
والذي يفهم من مرسوم الخليفة الأول يفيد: منع المسلمين من رواية أي شئ على الإطلاق من سنة الرسول بدليل قول الخليفة " فلا تحدثوا عن رسول الله شيئا " فهذا المنع شامل لكل شئ حسب الظاهر، ولكن في الحقيقة فإن الخليفة الأول لم يقصد هذا الإطلاق فهو الذي يقرر ما ينبغي تطبيقه أو ما لا ينبغي تطبيقه من سنة الرسول، فلا ضرر من رواية بعض سنة الرسول طالما أن بيديه مفاتيح إعمالها أو إهمالها.
____________
(1) تذكرة الحفاظ للذهبي ج 1 ص 2 - 3، والأنوار الكاشفة ص 53، وتدوين السنة شريفة للسيد محمد رضا الحسيني الجلالي ص 423.
وعندما حرمهم من سهم ذوي القربى ادعى بأنه سمع رسول الله يقول: " سهم ذوي القربى للقربى حال حياتي وليس لهم بعد مماتي " (2).
وبغض النظر عن صحة أو عدم صحة هذين الحديثين، فإن الخليفة قد احتج بما نسبه للرسول، فلو كان منعه للحديث شاملا لما احتج بما سنبه للرسول!!!
لقد أراد الخليفة أن يمنع الأحاديث المتعلقة بمن يخلف النبي، والتي تؤكد بأن الرسول قد استخلف الإمام عليا وأحد عشر من ذريته ومن صلب علي والأحاديث التي أعطت المراتب السنية للإمام علي، وحددت مكانة أهل بيت النبوة.
فإذا بقي باب التحديث عن رسول الله فما الذي يمنع أنصار الشرعية الإلهية من أن يرووا مثلا قوله (ص): " من كنت وليه فهذا علي وليه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره، واخذل من خذله " وما الذي يمنعهم من أن يرووا حديث الثقلين، أو حديث السفينة، أن يذكروا المسلمين ببيعتهم للإمام علي في غدير خم، أو قول الرسول لعلي كذا وكذا!!!.
____________
صحيح الترمذي ج 1 ص 11 ح 60، وسنن الترمذي ج 7 ص 1009، والطبقات ج 5 ص 77.
(2) صحيح مسلم ج 3 ص 12، وصحيح البخاري ج 1 ص 81، وسنن أبي أبي داود ج 1 ص 212.
وما يؤكد ما ذهبنا إليه، هو تعليل الخليفة للمنع خشية الاختلاف فعندما يروي الرواة حديث الثقلين مثلا، أو أحاديثا عن مراتب الإمام علي في الوقت الذي يرى فيه المسلمون الخليفة وأعوانه ينكلون بالإمام وأهل بيته، فإن المسلمين الذي انقادوا للخليفة الجديد سيتعاطفون مع الإمام علي وأهله بيته أو على الأقل فإن قسما منهم سيفعل ذلك، وقد ينمو هذا التعاطف ويتحول إلى ولاء عندئذ ينشق المجتمع إلى قسمين قسم يؤيد الدولة الفعلية، وآخر يؤيد الإمام عليا وينمو الخلاف والاختلاف بين الفريقين، ويشتد مع الأيام، وتفوت الحكمة من استيلائهم على منصب الخلافة، ويفوز الإمام علي وأهل بيت النبوة ويجمعوا النبوة والخلافة معا ويقع المحظور!!
لذلك رأي الخليفة من الأنسب أن يكون إعلانه عن منع رواية أحاديث الرسول شاملا وهذا تقدير منطقي وعلماني تقتضيه مصلحة المحافظة على الملك أو الخلافة!!! بغض النظر عن انسجامها أو عدم انسجامها مع الشرعية الإلهية تأسيسا وممارسة!
ولك أن تتصور حجم تأثير هذا المرسوم على نظرة المسلمين لسنة رسول الله، فإذا كان صاحب الرسول في الغار وصهره، وخليفته يأمر الناس بأن لا يحدثوا أي شئ عن رسول الله بدعوى أن التحديث عن رسول الله يسبب الخلاف والاختلاف!! فكيف تكون نظرة حديثي العهد بالإسلام إلى سنة رسول الله!!! لقد تم فتح باب الاستهانة بسنة رسول الله رسميا وعلى مستوى الدولة، لذلك فإن أية مجهودات فردية لإغلاق هذا الباب أو لتغيير المسار الرسمي للدولة تبقى محدودة الأثر!!
الخليفة الأول يحرق سنة الرسول التي جمعها بنفسه
لم يكتف الخليفة بهذا المرسوم الذي منع بموجبه المسلمين من أن يحدثوا أي شئ من سنة رسول الله، بل تناول الأحاديث التي جمعها بنفسه، وسمعها بنفسه من رسول الله، فأحرقها!! قال الذهبي: " إن أبا بكر جمع أحاديث النبي (ص) في كتاب، فبلغ عددها خمسمائة حديث، ثم دعا بنار فأحرقها " (1) روى القاسم بن محمد أحد أئمة الزيدية عن الحاكم بسنده إلى عائشة قالت: " جمع أبي الحديث عن رسول الله، فكانت خمسمائة حديث فبات ليله يتقلب، فلما أصبح قال أي بنية، هلمي الأحاديث التي عندك، فجئته بها فدعا بنار فأحرقها " (2).
فالخليفة صاحب النبي 23 عاما، وصاهره، ولازمه، وشهد كل مواقعه كما يجمع المؤرخون على ذلك. وفوق هذا وذلك فهو يقرأ ويكتب، فهل
____________
(1) تذكرة الحفاظ للذهبي ج 1 ص 5، وعلوم الحديث ص 39.
(2) الاعتصام بحبل الله المتين ج 1 ص 30، وتدوين السنة الشريفة ص 264، وتذكرة الحفاظ ج 1 ص 5، وكنز العمال ج 1 ص 285.
"... جمع أبي الحديث عن رسول الله (ص)، وكانت خمسمائة حديث، فبات ليلته يتقلب كثيرا قالت فضمني، فقلت أتتقلب لشكوى أو لشئ بلغك؟ فلما أصبح قال: أي بنية هلمي الأحاديث التي عندك، فجئته بها، فدعا بنار فأحرقها!! فقلت لم أحرقها؟ قال: خشيت أن أموت وهي عندي فتكون فيها أحاديث عن رجل قد ائتمنته ووثقت، ولم يكن كما حدثني فأكون قد نقلت ذلك " انتهى النص (1).
السيدة عائشة تؤكد بأن أباها قد جمع الحديث عن رسول الله وتؤكد أن عدد الأحاديث كان خمسمائة حديث، وأن هذه الأحاديث، فلما أصبح طلب الأحادث التي سمعها من رسول الله بنفسه وكتبها بخط يده، ثم دعا بنار فأحرقها أمام السيدة عائشة، حتى الآن فإن وقائع الرواية متماسكة، ومتفقة مع توجهات الخليفة، ومنسجمة مع المرسوم الذي أصدره بعد توليه لمنصب الخلافة، ومع أمره للمسلمين " بأن لا يحدثوا شيئا عن رسول الله "، بل وتتناغم مع الواقع ومع نفسية الخليفة الرقيقة، فالتصرف قد حدث بعد توليه منصب الخلافة، وأثناه الفترة التي كان فيها غاضبا من الإمام علي ومن أهل بيت النبوة الذين رفضوا بيعته بدعوى أنهم
____________
(1) تذكرة الحفاظ ج 1 ص 5، وكنز العمال ج 10 ص 285، وتدوين القرآن ص 370.
فأجابها الاثنان بصوت واحد اللهم نعم قد سمعناه!! " (3) فما الذي يمنع بأن يكون هذا الحديث هو أحد الخمسمأة!!! فعندما يتذكر أبو بكر هذا الحديث وأمثاله من المكتوبة عنده، ويتذكر ما فعله بأهل بيت النبوة، فإن هذا يجلب القلق، ويذهب النوم خاصة عن شخصية رقيقة كشخصية الخليفة الأول!!! ثم إن الشخص العادي إذا اقتنع بأنه قد ظلم في يومه إنسانا، فإنه
____________
(1) بالفصول السابقة وثقنا كل كلمة قلناها.
(2) أنساب الأشراف ج 1 ص 587.
(3) تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 115.
(4) الإمامة والسياسة لابن قتيبة ج 1 ص 7 وما فوق.
ثم إن الثابت بأن أبا بكر قد جمع خمسمأة حديث، بينما الموجود بأيدي المسلمين من حديثه لا يتجاوز 142 حديثا كما أحصاها ابن حزم والسيوطي (1) بمعنى أنه قد ضاع منها 358 حديثا!!! فإن صح ما ذهبنا إليه، فمن غير المعقول أن يروي الإنسان عن رسول الله ما يدينه!!!
أما عجز الحديث " آخره " الذي يتضمن السبب المعلن الذي دفع الخليفة الأول لحرق الأحاديث التي جمعها بنفسه، فالصناعة والتكلف واضح فيه، وأكبر الظن بأنه قد ألحق بالحديث إلحاقا فالنفس الذي صيغ فيه العجز مختلف تماما عن النفس الذي صيغ فيه بقية الحديث، ثم إن المؤرخين والمحدثين يجمعون بأن أبا بكر كان من أقرب الصحابة لرسول الله، وكان من الملازمين له، ولم تكن هنالك حواجز بين الرسول وبين أبي بكر فهو صهره وصاحبه، فما هو الداعي ليترك رسول الله وهو النبع النقي ويأتي إلى غيره ليروي له أحاديث رسول الله!!!، لأنه أقرب من الغير لرسول الله، وألصق به!! ثم إنه ليس كثيرا على قارئ وكاتب كأبي بكر أن يجمع 500 حديث خلال صحبة للرسول دامت 23 سنة، ودعمت الصحبة رابطة المصاهرة!!! إن عجز الحديث لا يتفق مع أوله وهو غير معقول ومن المؤكد أن القوم قد أضافوا عجز الحديث لأوله ليجعلوا من إحراق الخليفة الأول لسنة الرسول التي كتبها فضيلة من فضائله، وليبرروا عملية إحراقه للسنة النبوية المطهرة لأن إحراق السنة المطهرة لا يمكن الدفاع عنه إلا بمثل هذا المبرر.
____________
(1) تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 66، وتدوين السنة للجلالي ص 277.
الفصل الخامس
منع رواية وكتابة سنة الرسول في عهد عمر بن الخطاب
لقد كان لعمر بن الخطاب مفهومه الخاص به عن سنة الرسول
بأنواعه الثلاثة القولية والفعلية والتقريرية، وبقي عمر وفيا لهذا المفهوم،
في صحة النبي وفي مرضه، وقبل أن يتولى عمر الخلافة، وبعد أن تولاها،
والظاهر من أقوال عمر ومن تصرفاته، أنه كان لا يعتقد بأن كل ما يقوله
الرسول أو يفعله صحيحا أو من عند الله!!! لقد أقنع نفسه بأن له الحق
بإبداء مطالعاته على ما يقوله الرسول أو يفعله!! خاصة في الفترة التي
سبقت وفاة الرسول!!، وقد وسع الرسول الأعظم الرجل بحلمه العظيم،
لكونه من أصحابه، ولكونه من أصهاره، لأنه يعرف مفاتيح شخصيته،
وطبيعة النفس الإنسانية، وقدر الرسول أن عمر بوقت يطول أو يقصر سيعود
لوضعه الطبيعي، وسيستقر نفسيا!! ثم إن الرسول الأعظم ليس مخولا بأن
يعاقب الناس على نواياهم، ما لم تخرج هذه النوايا إلى حيز الوجود
الخارجي، وتأخذ شكل فعل كامل التكوين ومحظور، والرسول الأعظم
كان لا يرى أن له الحق بمصادرة حريات الناس، خاصة حرية القول، بل
كان هدف الرسول منصبا بالدرجة الأولى والأخيرة على توجيه هذه الحريات
توجيها شرعيا، بحيث يتكون لدى الإنسان الإحساس الذاتي، بمسؤوليته