الصفحة 427
هذه الآية هم هم عترة النبي وأقاربه، وتاج العترة وناصيتهم هم " محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين " فهم أول المعنيين بآية التطهير، والأئمة الأعلام من ذرية النبي ومن صلب علي.

ما هو الدليل على أن رسول الله قد بين هذه الآية في سنته الشريفة؟!!

لقد رأينا أن قادة التاريخ قد أحرقوا سنة الرسول المكتوبة، ومنعوا المسلمين من أن يحدثوا شيئا عن رسول الله طوال مدة مائة عام ونيف، ورأينا أن دولة الخلافة قد أباحت دم كل مسلم يروي شيئا من فضل أهل بيت النبوة، وأنها قد ألزمت المسلمين بأن يشتموا ويلعنوا أهل بيت النبوة في بداية أي عمل وعند نهايته!! وفي العشي والإبكار، وأن الأغلبية الساحقة من المسلمين كانوا يتعبدون بذلك، وينفذونه بدقة حتى في الصلاة، وأن الذين كانوا يوالون أهل بيت النبوة كانوا يتعرضون لاضطهادات أقلها الحرمان من كافة الحقوق المدنية والسياسية " فقد كانوا يعاملون معاملة " النور " فلا تقبل من أحدهم شهادة وفي النهاية كانوا يهدمون دورهم ويقتلونهم إستنادا إلى أمر مباشر من الخليفة (1) وعلى ذلك شب الصغير، وعلى ذلك هرم الكبير، وعلى ذلك صنعت ثقافة التاريخ، وأشربتها الأمة، كما أشربت قلوب بني إسرائيل العجل!!!

بهذا المناخ بالذات أباح عمر بن عبد العزيز كتابة ورواية سنة الرسول!!! بعد أن كان من المفترض خلال مدة المائة عام أن ينقرض أهل بيت النبوة!! وأن يباد كل أعوانهم!! ومن المفترض أن تجتث سنة الرسول من الوجود، وأن لا يبقى لها أي ذكر، وأن تتبخر كافة الأحكام الشرعية التي بينها رسول الله والمتعلقة بأهل البيت.

____________

(1) شرح النهج تحقيق حسن تميم ج 3 ص 595 - 596.


الصفحة 428
لكن مكر الله محيط بمكرهم، وكيد الله أكبر من كيدهم، وسنة الله أنفذ وأقوى من كل تدابيرهم، فبمجرد أن أباحوا كتابة ورواية سنة الرسول اخترقت سنة الرسول مائة عام، واخترقت المناخ المظلم، كأن نصوصها كواكب درية ووصلت إلى أسماع الجميع لتقيم الحجة على الجميع، ومع أن مجتمع دولة الخلافة كان بحالة تعبئة عامة ضد أهل بيت النبوة، الذين كان يلعنهم ويشتمهم بالعشي والإبكار، ويعاقب محبيهم بالموت، إلا أن ذلك المجتمع قد سمع الرواة يجمعون بأن آية التطهير خاصة بأهل بيت النبوة، وأن أحاديث الرسول قد تواترت على ذلك، ولشد ما دهشوا عندما شاهدوا أصح الصحاح حسب موازينهم تؤكد هذه الحقيقة وتثبت بأن رسول الله قد بين بأن المعنيين بآية التطهير هم عترة النبي أهل بيته وهذا ما أشرنا إليه عند ذكرنا للآية قبل قليل وبأدناه طائفة من مراجع أهل السنة التي تؤكد هذه الحقيقة (1) أما أهل بيت النبوة فهم مجمعون على أن رسول الله قد بين في سنته بأن آية التطهير خاصة، بأهل بيته.

وقد شهدت أم المؤمنين أم سلمة بأن الرسول قد بين في سنته هذه الآية وسمى الخمسة الذين ذكرناهم، وعندما أرادت أم سلمة أن تدخل نفسها معهم، بين لها الرسول أنها على خير ولكنها ليست منهم، وقد ذكر هذه الشهادة، الكثير الكثير من علماء دولة الخلافة (2).

____________

(1) صحيح مسلم كتاب الفضائل باب فضائل أهل البيت ج 2 ص 368، وج 15 ص 195 بشرح النووي، وصحيح الترمذي ج 5 ص 30 ح 3258، وج 5 ص 328 ح 3875، ومسند أحمد ج 1 ص 330 بسند صحيح، والمستدرك على الصحيحين للحاكم ج 3 ص 133 و 146 و 158، وج 2 ص 416، والمعجم الصغير للطبراني ج 1 ص 65 و 135، وترجمة علي من تاريخ دمشق لابن عساكر ج 1 ص 185، وأسد الغابة لابن الأثير ج 2 ص 12 و 20، وج 3 ص 413، وتفسير الطبري ج 22 ص 6 - 8، والدر المنثور للسيوطي ج 5 ص 198 - 199، وراجع كتابنا " الهاشميون " في الشريعة والتاريخ ص 132 لترى مزيدا من المراجع.

(2) صحيح الترمذي ج 5 ص 30 ح 3258 وص 328 ح 3875، وص 361 ح 3963، وأسد الغابة لابن الأثير ج 2 ص 12 وج 3 ص 413، وتفسير ج 2 ص 7 و 8، وتفسير ابن كثير ج 3 ص 330 والفصول المهمة لابن الصباغ ص 8، وشواهد التنزيل للحاكم الحسكاني ج 2 ص 4 حديث 659 وراجع كتابنا " الهاشميون في الشريعة والتاريخ " ص 133 للوقوف على مراجع أخرى مذكورة فيه.


الصفحة 429
وقال الرسول مشيرا إلى علي وفاطمة والحسن والحسين " اللهم هؤلاء أهل بيتي، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، وإلى هذا المعنى أشار الرسول في مناسبات متعددة وبصيغ متعددة، ولكنها تفصح عن ذات المضمون (1).

وشهدت السيدة عائشة بنت أبي بكر بأن الرسول قد بين في سنته بأن المراد بأهل البيت الواردة ذكرهم في آية التطهير " هم علي وفاطمة والحسن والحسين " (2).

وطوال مدة سنة شهور كان الرسول يمر بباب علي وفاطمة إذا خرج للصلاة ويقول " الصلاة يا أهل البيت (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) (3) وطوال حياة الرسول المباركة كان أهل بيته يسكنون وإياه في منزل واحد!!!

بيان الرسول لآية المودة في القربى

قال تعالى: (قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) (4) لما نزلت

____________

(1) صحيح الترمذي ج 5 ص 31 ح 3258 وص 328 ح 3875 وص 61 ح 3963 وصحيح مسلم كتاب الفضائل، فضائل علي ج 2 ص 360 وج 5 ص 176 بشرح النووي وخصائص أمير المؤمنين للنسائي ص 4 و 16، والمستدرك على الصحيحين ج 2 ص 150 و 416 وج 3 ص 108 و 146 و 147 و 150 و 158، ومسند أحمد ج 1 ص 85 وج 3 ص 59 و 285، وأسد الغابة ج 3 ص 12 وج 3 ص 413، والتاريخ الكبير للبخاري ج 1 ف 2 ص 69 تحت رقم 1719... الخ.

(2) صحيح مسلم كتاب الفضائل باب فضائل أهل البيت ج 2 ص 368 وج 15 ص 194 بشرح النووي، وشواهد التنزيل للحاكم الحسكاني الحنفي ج 2 ص 33، وقد اعترفت السيدة عائشة بأن نساء النبي لسن من أهل البيت، والمستدرك للحاكم ج 3 ص 147، الدر المنثور للسيوطي ج 5 ص 198 و 199... الخ.

(3) المراجع السابقة وص 134 من الهاشميين.

(4) سورة الشورى آية 23.


الصفحة 430
هذه الآية، بينها رسول الله كما بين غيرها من الآيات وأكدت سنته المباركة أن القربى المقصودة في هذه الآية هم قرابة الرسول وعلى رأسهم علي وفاطمة والحسن والحسين.

وأهل بيت النبوة وفي كل الأزمان قد أجمعوا على أن رسول الله قد بين بأن المقصود من كلمة القربى الواردة في هذه الآية هو قرباه وعلى رأسهم علي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة الكرام.

وإجماع أهل بيت النبوة حجة على العامة والخاصة حسب الموازين الشرعية الحقيقة، ولا يحتاج مع إجماعهم إلى دليل آخر، ومع هذا نسوق طائفة من مراجع القوم المؤيدة لإجماع أهل بيت النبوة حول بيان الرسول لهذه الآية فيها (1).

بيان رسول الله لآية المباهلة

قال تعالى: (فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنت الله على الكاذبين) (2).

لما نزلت هذه الآية بينها رسول الله على الفور في سنته الطاهرة،

____________

(1) شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني ج 2 ص 130 حديث 822 وما فوق، ومناقب علي لابن المغازلي الشافعي ص 307 ح 352، وذخائر العقبى للطبري ص 25 و 138، والصواعق المحرقة لابن حجر ص 101 و 135 و 136، ومطالب السؤول لابن طلحة الشافعي ص 8 والفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ص 11، ومقتل الحسين للخوارزمي الحنفي ج 1 ص 1، وتفسير الطبري ج 22 ص 25، والمستدرك للحاكم ج 3 ص 172، وتلخيص المستدرك للذهبي بذيل المستدرك ج 3 ص 172، وتفسير الكشاف للزمخشري ج 3 ص 403، وتفسير الرازي ج 27 ص 166 وتفسير البيضاوي ج 4 ص 123، وتفسير القرطبي ج 16 ص 22، وفتح القدير للشوكاني ج 4 ص 537، والدر المنثور للسيوطي ج 6 ص 7، وينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص 106، وحلية الأولياء ج 3 ص 201، وفضائل الخمسة ج 1 ص 259.

(2) سورة آل عمران آية 61.


الصفحة 431
فخرج للمباهلة ومعه علي والحسن والحسين وخلفهم فاطمة، ولم يشرك معهم بهذه المباهلة أحدا من المسلمين. لقد أجمع أهل بيت النبوة على أن الرسول قد خرج للمباهلة ومعه علي والحسن والحسين وخلفهم فاطمة ولم يشرك مع هؤلاء الأربعة أحدا من المسلمين، ففعل الرسول سنة بمثابة قوله، وأجمعت على ذلك الأمة أيضا (1) فالرسول يصدع بأمر ربه، ويتحدى معانديه أن يباهلوا، ثم يأخذ بيد علي والحسن والحسين، ويأمر فاطمة أن تسير خلفهما، ثم يقول أمام المسلمين والمعاندين هؤلاء أبناؤنا وأنفسنا ونساؤنا، فادعوا أبناءكم وأنفسكم ونساءكم ودعونا نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين!!!

فهل كان اختيار الرسول لهؤلاء الأربعة بالذات تدبيرا منه أم أمرا من الله، فهل كان بيان الرسول للآية وحيا من الله أم اجتهادا شخصيا منه!! فإن قالوا بأن بيان الرسول لهذه الآية كان بمثابة الاجتهاد منه فقد جادلوا بالمحسوس وأنكروا الواضحات، وحكموا على أنفسهم بالبلاهة وقلة

____________

(1) صحيح مسلم كتاب الفضائل باب فضائل علي ج 2 ص 360 وج 15 ص 176 بشرح النووي، وصحيح الترمذي ج 4 ص 293 ح 3085 وج 5 ص 301 ح 3808، وشواهد التنزيل للحاكم الحسكاني الحنفي ج 1 ص 120، والمستدرك على الصحيحين للحاكم ج 3 ص 150 ومعرفة علوم الحديث للحاكم ذكره في النوع 17، وقد تواترت الأخبار بأن الرسول قد أخذ يوم المباهلة بيد علي والحسن والحسين وجعلوا فاطمة وراءهم ثم قال هؤلاء أبناؤنا وأنفسنا ونساؤنا... راجع مسند أحمد ج 1 ص 185، وترجمة علي من تاريخ دمشق لابن عساكر ج 1 ص 21، وتفسير الطبري ج 3 ص 299 و 301 وج 3 ص 192، وتفسير الكشاف للزمخشري ج 1 ص 368 و 370، وتفسير ابن كثير ج 1 ص 370 و 371، وتفسير القرطبي ج 4 ص 104، وأحكام القرآن للجصاص ج 2 ص 295 و 296، وأحكام القرآن لابن العربي ج 1 ص 275، وزاد المسير لابن الجوزي ج 1 ص 299، وفتح القدير للشوكاني ج 1 ص 247 وتفسير الرازي ج 2 ص 699، وجامع الأصول لابن الأثير، ج 9 ص 470، والدر المنثور للسيوطي ج 2 ص 38 و 39، وتذكرة الخواص لابن الجوزي ص 17، وتفسير البيضاوي 29 - 22، وتاريخ الخلفاء للسيوطي ص 169، وشرح النهج ج 16 ص 291... الخ.


الصفحة 432
العقل، وإن قالوا أن بيان الرسول لهذه الآية كان وحيا من الله فقد أدانوا أنفسهم، لأنهم فجعوا الرسول ببعض نفسه، وبولده، وبالنساء اللواتي عناهم الله وهي فاطمة، أما فاطمة فقد ماتت كمدا، وأما علي فقد أخروه ثم خرجوا عليه وحاربوه وقتلوه، وأما الحسن فقد سموه، وأما الحسين فقد ذبحوه وأبناءه وأحفاده وأبناء عمومته كما تذبح الأضاحي، وبأعصاب باردة كما يفعل القتلة المحترفون!!! غضب الله عليكم، وسود الله وجوهكم في الدنيا والآخرة، إن الإنسان لا يكاد يصدق أنكم بشر، فكيف يصدق بأنكم مسلمون!!! والأنكى من ذلك هو ادعاء الأولين بأنهم أولى بالنبي وبسلطانه لأن النبي من قبيلة قريش، وهم من قريش!!! ألا بعد للظالمين كما بعت ثمود!!! والأشد نكاية هو إشاعتهم بأن الذين فعلوا ذلك من المبشرين في الجنة، بل ومن أهل الجنة!! وأنهم مأجورون على ذلك أجرا واحدا لأنهم مجتهدون!!! فويل لهم مما كسبت أيديهم، وويل لهم مما يفترون!!!

بيان الرسول لآية الإطعام

قال تعالى: (إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا (5) عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا (6) يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا (7) إلى قوله تعالى: (إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا) (1).

لما نزلت هذه الآيات المباركات قام الرسول الأعظم ومن خلال سنته الطاهرة ببيانها كما بين غيرها من آيات القرآن فأكد أن الذين قصدهم الله في هذه الآيات هم: علي وفاطمة والحسن والحسين وقد أجمع أهل بيت النبوة على صدور هذا البيان من رسول الله، وبالرغم من الستار الحديدي الذي كان مفروضا حول أهل بيت النبوة، وبالرغم من أن دولة عظمى بكل إمكانياتها كانت تقف ضدهم إلا أن هذا البيان قد تسرب إلى العامة وذكره الكثير من

____________

(1) سورة الدهر آية 5 و 22.


الصفحة 433
علمائهم (1) وأنت تلاحظ بأن الله تعالى قد شهد - وكفى بالله شهيدا - بأن أهل البيت أبرار وأنهم عباد الله حقا، والعبودية الحقيقية لله هي أرفع مرتبة يصلها الإنسان، وأنهم يوفون بالنذر، ويخافون يوم القيامة، وأن الله قد أعد لهم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، فقد أكد الله دخولهم الجنة قبل أن يعرف أولئك الذين قد أشيع في ما بعد بأنهم من المبشرين بالجنة.

بيان الرسول لآية أولي الأمر

قوله تعالى: (يا أيها الذين ءامنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) (2).

عندما نزلت هذه الآية بينها رسول الله من خلال سنته الشريفة كما بين غيرها من الآيات، فأكد بأن أولي الأمر هم أئمة أهل بيت النبوة الطاهرين الاثنا عشر وعلى رأسهم الإمام علي والإمام الحسن، والإمام الحسين وبقية الأئمة الذين سماهم رسول الله قبل أن يولدوا (3) لقد أجمع علماء دولة الخلافة على أن الأئمة من بعد النبي اثنا عشر وأن رسول الله هو الذي أخبر بذلك (4).

____________

(1) شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني الحنفي ج 1 ص 159 ح 350 و 356، وكفاية الطالب للكنجي الشافعي ص 226، وترجمة الإمام علي من تاريخ دمشق لابن عساكر ص 421 ح 923، وتذكرة الخواص لابن الجوزي، الحنفي ص 16، والمناقب للخوارزمي الحنفي ص 198، ونظم " السمطين للزرندي الحنفي، ص 91، وفتح القدير للشوكاني ج 2 ص 414، والصواعق المحرقة لابن حجر الشافعي ص 150، وينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص 136 و 140، والدر المنثور للسيوطي الشافعي ج 3 ص 390، وروح المعاني للألوسي ج 11 ص 41، وغاية المرام باب 42 ص 248، وفرائد السمطين للحمويني ج 1 ص 314 ح 250 وص 270 ح 299 و 300.

(2) سورة النساء آية 59.

(3) راجع ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ج 2 ص 445، وكمال الدين للصدوق ص 157، وسيرة الرسول وأهل بيته ج 2 ص 189 مؤسسة البلاغ وكفاية الأثر للرازي ص 19 وص 7، وسيرة الرسول ج 2 ص 190، وأعلام الورى بأعلام الهدى للطبرسي ص 27، وكتابنا المواجهة ص 460 وما فوق.

(4) صحيح البخاري ج 9 ص 729 ح 2034، وصحيح مسلم كتاب الإمارة ج 3 ص 1452، وصحيح الترمذي ج 4 ص 501، ومسند أبي داود ج 2 ص 207، ومسند أحمد ج 1 ص 298، وكنز العمال ج 6 ص 201، وكتابنا الخطط السياسية ص 354، وكتابنا المواجهة ص 460.


الصفحة 434
وقد حاولوا وبكل قواهم أن يفصلوا هذا النص على وقائع التاريخ، ولكنهم والحمد لله قد فشلوا فشلا ذريعا، فلم يقبل هذا النص أي فترة من فترات الخلافة التاريخية، وكانت تلك الفترات نابية عليه، ومن المستحيل أن تأتي على مقاسه!!! فالإمام هو القدوة، وهو الأعلم، وهو الأفضل ومن المستحيل أن يأمر الإمام بهدم الكعبة المشرفة، وأن يستبيح مدينة الرسول، وأن يشرب الخمر، وأن يجهر بفسوقه كيزيد بن معاوية، ومن المستحيل عقلا أن يلعن الإمام الله ورسوله!! كما فعل معاوية عندما أمر المسلمين وفرض عليهم لعن الإمام علي، وكيفما عد علماء دولة الخلافة، فمعاوية ويزيد في منتصف هذا العدد!! فهل يعقل أن يجعل الله ورسوله الإمامة والولاية والرئاسة في أعداء الله ورسوله السابقين، وفيمن ناصبوا أهل بيت النبوة العداء!!

لقد أجمع أهل بيت النبوة على أن الأئمة الاثني عشر منهم، وإجماع أهل بيت النبوة دليل كاف للمؤمنين، ولا يحتاجون معه إلى دليل آخر، ومع هذا فقد تسربت أنباء من السنة النبوية التي عالجت هذه الناحية عن طريق الكثير من علماء دولة الخلافة (1).

فأئمة أهل بيت النبوة هم أولي الأمر الذين أمر الله الذين آمنوا بطاعتهم كما بين ذلك رسول الله في سنته.

قال تعالى: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون)(2)

لما سئل رسول الله الحنفي عن أهل الذكر، بين أن أهل بيت النبوة وعلى

____________

(1) ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص 134 و 137، وشواهد التنزيل للحاكم الحسكاني الحنفي ج 1 ص 148 حديث 202 و 204، وتفسير الرازي ج 3 ص 357، وفرائد السمطين ج 1 ص 314 ح 250.


الصفحة 435
رأسهم الأئمة علي والحسن والحسين هم أهل الذكر، وأهل البيت مجمعون على ذلك، وقد ذكر الكثير من علماء دولة الخلفاء بيان الرسول في هذا الموضوع (1).

بيان الرسول لآية القربى

" لما نزل قوله تعالى: (وآت ذا القربى حقه) بين الرسول بأن القربى في هذه الآية هم فاطمة وزوجها وأولادها " (2).

وبين الرسول في سنته الشريفة، آية الإنذار، وآية القربى، وآية الفئ، وآية الخمس، وآية سلام على آل ياسين، وآية الوراثة، ومن خلال بيان الرسول لهذه الآيات، أبرز مكانة أهل بيت النبوة عند الله وعند رسول الله وحقهم الثابت بالتقدم على الجميع، وواجبهم الملقى عليهم لقيادة الجميع وتوجيه الجميع (3).

وقد بين رسول الله آية الخصومة، وآية المتقين والفجار، وآية المؤمنين والفاسقين، وآية الأعراف، وآية الصادقين، وآية المصدق الأول وآية الإنفاق في السر، وآية المؤمن والفاسق، وآية شراء النفس، وآية خير البرية، وآية الهادي، وكلها آيات نزلت في أهل بيت النبوة، وبينها الرسول وكشف من خلال بيانه، المراتب السنية التي خص الله بها أهل بيت نبيه مجتمعين ومنفردين " (4).

____________

(1) شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني الحنفي ج 1 ص 334 حديث 459 و 466، وينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص 51 و 140 وتفسير القرطبي ج 11 ص 272، وتفسير الطبري ج 14 ص 105، وتفسير ابن كثير ج 2 ص 570، وروح المعاني ج 4 ص 134.

(2) شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني ج 2 ص 338، والدر المنثور للسيوطي ج 4 ص 177، ومجمع الزوائد ج 7 ص 49، وتفسير الطبري ج 15 ص 72، وينابيع المودة ص 49 و 140.

(3) راجع كتابنا الهاشميون في الشريعة والتاريخ ص 138 و 140، وراجع المراجع المدونة تحت كل آية من الآيات التي ذكرناها.

(4) راجع كتاب الهاشميون في الشريعة والتاريخ ص 140 - 150.


الصفحة 436
وبين الرسول بأن أهل بيت النبوة في المسلمين كسفينة نوح من قومه من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق، وأنهم مثل باب حطة في بني إسرائيل من دخله غفر له، وقال لأصحابه " النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق، وأهل بيتي أمان لأمتي من الاختلاف " فإذا خالفتها قبيلة من قبائل العرب اختلفوا فصاروا حزب إبليس، وقال: النجوم أمان لأهل السماء وأهل بيتي أمان لأمتي " وأكد الرسول في سنته بأن الفضل والشرف والمنزلة لرسول الله ولذريته، وحذر الناس من أن تذهب بهم الأباطيل، وأكد الرسول للصحابة قائلا: " في كل خلف من أمتي عدول من أهل بيتي ينفون عن هذا الدين تحريف الضالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، ألا وإن أئمتكم وفدكم إلى الله فانظروا من توفدون ".

وقال لأصحابه يوما " واجعلوا أهل بيتي منكم مكان الرأس من الجسد ومكان العينين من الرأس ولا يهتدي الرأس إلا بالعينين " (1)... الخ.

أهل بيت النبوة أحد ثقلي الإسلام

لخص النبي الأعظم الموقف للأمة قبل التحاقه بالرفيق الأعلى، ولإضفاء الأهمية على هذا التلخيص أعلن الرسول في أكبر تجمع سياسي شهدته الجزيرة أنه يوشك أن يدعى فيجيب، بمعنى أنه موشك على الموت، وقد أراد أن يلقي هذا القول معذرة إلى الأمة، حتى لا تؤخذ على حين غرة، فلا نجد من تفزع إليه بعد موت النبي.

لقد بين الرسول في هذا التلخيص وبكل وسائل البيان بأن الإسلام يقوم على ثقلين وهما كتاب الله وعترة النبي أهل بيته، وأن الهدى لن يدرك

____________

(1) راجع كتابنا الهاشميون في الشريعة والتاريخ فقد أشرنا فيه إلى دور أهل بيت النبوة في نصرة الإسلام، وذكرنا فيه الآيات النازلة فيهم والأحاديث الواردة فيهم ووثقنا ذلك توثيقا تاما، وإني أوصي كل أولياء أهل بيت النبوة بمطالعته.


الصفحة 437
إلا بالتمسك بالثقلين حقا وأن الضلالة لا يمكن تجنبها إلا بالتمسك بهذين الثقلين معا، فهما تأمين للهدى وتأمين ضد الضلالة، وبعد أن كشف الفوائد العظيمة للتمسك بالثقلين تشوق الناس لمعرفة هذين الثقلين وأضفى على الأمر أهمية خاصة عندما أعلن ذلك بعد عودته من الحج، وقبل أن تتفرق الوفود المشاركة بالحج وعندما أعلن بأن حجته تلك هي آخر حجة له وهي حجة الوداع. وعندما اختار منطقة غدير خم لتكون المكان الذي يعلن فيه أخطر تصريحاته على الإطلاق. فحشد النبي الأعظم كل وسائل التشويق، وكل مقومات التذكر لتعي الأمة الإسلامية وليعي العالم كله " تلخيص النبي الموقف " وبعد ذلك حدد النبي وبين من هما الثقلان فقال الثقل الأكبر كتاب الله عز وجل، فاستمسكوا به ولا تضلوا ولا تبدلوا، أما الثقل الثاني فهو عترتي أهل بيتي، فإنه قد أنبأني اللطيف الخبير أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض.

أعظم تلخيص للموقف

كلما أمعنت ودققت النظر بما قاله رسول الله في غدير خم، تكتشف أنه ليس بالإمكان تلخيص الموقف، بأوضح ولا أعظم من تلخيص النبي، فالقرآن الكريم هو القانون النافذ في مجتمع الأمة الإسلامية وهذا أمر يعرفه المسلمون جميعا ويعرفه العالم كله.

كذلك فإن أهل بيت محمد يعرفهم المسلمون ويعرفهم العالم كله وهم فئة متميزة عن غيرها من فئات المجتمع، وفي الوقت نفسه هم القاسم المشترك بين كل المسلمين لأنهم الأقرب إليه والألصق به، ومستودع علم البيان النبوي، وهم الأولى به وفق المعابير العقلية والشرعية.

وهم المقبولون بدون إكراه لقيادة الأمة. وبدون تأثيرات الكل يرضى بهم وهذا يعني بأن القانون النافذ في مجتمع الأمة الإسلامية هو القرآن،

الصفحة 438
وأن أهل بيت النبوة هم جهة التوجيه أو القيادة أو المرجعية للأمة الإسلامية، لأنهم عاشوا مع النبي طوال حياته المباركة في بيت واحد وتحت سقف واحد، وانتهى إليهم علم البيان النبوي، وأسرار علوم النبوة وهي من لوازم فهم القرآن الكريم، ولأنهم خيرة الخيرة بعد نبيهم، فإذا حسمت مسألة القانون، وحسمت مسألة القيادة أو المرجعية، فلم يعد هنالك أي سبب للخلاف أو الاختلاف. في مجتمع يتمسك بفكرة الشرعية والمشروعية، وحسم هاتين المسألتين يقطع دابر الخلاف والاختلاف في أي مجتمع من المجتمعات.

وبالفعل وعمليا فإنه ليس بإمكان أحد المسلمين في أي زمان من الأزمان أن يدعي بأنه أقرب للنبي من أهل بيته، ولا أولى به منهم، ولا أعلم بالدين منهم، لأن علوم الدين تلقاها هذا المدعي أو ذاك من النبي، فأهل البيت سمعوا من النبي ما سمع هذا المدعي أو ذاك، وزادوا عنه بأنهم سمعوا زيادة على ما سمع لأنهم عاشوا وإياه في بيت واحد بعكس هذا المدعي أو ذاك، ثم إن المكانة الدينية والاجتماعية التي احتلها أهل بيت النبوة دونها بالضرورة أية مكانة أخرى لأي مسلم قط.

هذا كله يجعل تلخيص النبي للموقف محكما من جميع الوجوه العقلية والشرعية، ولا يمكن نقض هذا التلخيص لا عن طريق العقل، ولا عن طريق الشرع دون أن يوقع الناقض نفسه بمطبات تكشف حقيقته، وبطلان دعواه، ودون أن يستعين الناقض بوسائل أخرى تفرض بالقوة وجهة نظره، أو بالكثرة، الآن وبعد مضي أربعة عشر قرنا على هذا التلخيص تبين لنا أن سبب الخلاف والاختلاف يكمن في التنازع على القيادة والمرجعية، والمتنازعون يؤولون القرآن تأويلات تخدم توجهاتهم في غياب الفهم اليقيني للنص.


الصفحة 439

حديث الثقلين وأهل بيت النبوة

رواة حديث الثقلين

روى حديث الثقلين جمع كبير من الصحابة (35) صحابيا وصحابية، منهم علي بن أبي طالب، والحسن بن علي بن أبي طالب، وسلمان الفارسي، وأبو ذر الغفاري وابن عباس، وأبو سعيد الخدري، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وأبو الهيثم بن النبهان، وحذيفة بن اليمان وحذيفة بن أسيد الغفاري، وخزيمة بن ثابت، وذو الشهادتين وزيد بن ثابت، وزيد بن أرقم، وأبو هريرة، وعبد الله بن حنطب وجابر بن مطعن، والبراء بن عازب، وأنس بن مالك، وطلحة بن عبد الله التميمي، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وعمرو بن العاص، وسهل بن سعد الأنصاري، وعدي بن حاتم، وأبو أيوب الأنصاري، وأبو شريح الخزاعي، وعقبة بن عامر، وأبو قدامة الأنصاري، وأبو ليلى الأنصاري، وحمزة الأسلمي، وعامر بن ليلى بن حمزة، وفاطمة الزهراء، وأم سلمة زوج الرسول، وأم هاني أخت الإمام وابنة عم الرسول (1).

فهل يعقل أن يجتمع هذا العدد الكبير من الصحابة على الكذب " حاشاهم " في موضوع خطير كهذا الموضوع، ثم إنه لم يجمع الرواة على

____________

(1) راجع رواياتهم في عبقات الأنوار الجزء الأول والجزء الثاني.


الصفحة 440
أي أمر من الأمور الدينية إجماعهم على صحة صدور حديث الثقلين عن رسول الله، ولم يتوافر هذا العدد من الرواة على أمر واحد، بما فيه تفاصيل الصلوات المفروضة على العباد، وإذا أخذنا بعين الاعتبار أنه قد مر حين من الدهر على الأمة كان فيها مجرد رواية فضيلة من فضائل أهل البيت أو إظهار الحب لهم من جرائم الخيانة العظمى التي يعاقب مرتكبها بالموت بالإضافة لتجريده من حقوقه السياسية والمدنية بحيث لا تقبل شهادته (1).

صيغ حديث الثقلين

نظرا لأهمية حديث الثقلين ولأهمية الأحكام التي تترتب عليه، فإننا سنسوق كافة صيغ حديث الثقلين التي نقلها الرواة ال‍ 35 صحابيا، ولا بد من التذكير بأن هذه الصيغ مقاطع من خطبة الرسول في غدير خم، وهي متفقة من حيث المبدأ على المضمون.

الصيغة الأولى:

قول الرسول الأعظم " يا أيها الناس إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي " (2).

الصيغة الثانية:

قول الرسول الأعظم " إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا، أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض

____________

(1) راجع شرح النهج لابن أبي الحديد ج 3 ص 595 و 596 تحقيق حسن تميم.

(2) راجع صحيح الترمذي ج 5 ص 328 وج 4 ص 387، مطبعة دار الفكر، ودرر السمطين للزرندي الحنفي ص 242 مطبعة القضاء، وينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص 33 و 45 و 445 المطبعة الحيدرية، وكنز العمال ج 2 ص 135، وتفسير ابن كثير ج 4 ص 113 مطبعة إحياء الكتب، ومصابيح السنة للبغوي ص 206 مطبعة القاهرة، وجامع الأصول لابن الأثير ج 1 ص 187، ح 65 مطبعة مصر، والمعجم الكبير للطبراني ص 137، ومشكاة المصابيح ج 3 ص 258 طبعة دمشق، وإحياء الميت للسيوطي بهامش الإتحاف ص 114 مطبعة المجلسي، والفتح الكبير للنبهاني ج 1 ص 507 وج 3 =

الصفحة 441
وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما " (1).

الصيغة الثالثة:

قوله عليه الصلاة والسلام: " إني تارك فيكم خليفتين كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض، أو ما بين السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض " (2).

الصيغة الرابعة:

قول الرسول الكريم: " إني أوشك أن أدعى فأجيب ألا إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وأهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض " (3).

____________

= ص 385 مطبعة دار الكتب مصر، وعبقات الأنوار قسم حديث الثقلين ج 1 ص 94 و 112 و 114 و 151 و 184 و 211 و 237، ورفع الثياب للإدريسي، راجع كتابنا الخطط السياسية ص 258.

(1) راجع الترمذي ج 5 ص 329، ح 3876 مطبعة دار الفكر، ودرر السمطين للزرندي الحنفي ص 231، والدر المنثور للسيوطي ج 6 ص 7 و 306، وذخائر العقبى للطبري ص 16، والصواعق المحرقة ص 147 و 226، والمعجم الصغير للطبراني ج 1 ص 135، وأسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير ج 2 ص 12، وتفسير ابن كثير ج 4 ص 113، وعقبات الأفراد ص 25 وج 1 ص 31 و 93 و 114 و 135 و 173، وكنز العمال ج 1 ص 154، والفتح الكبير للنبهاني ج 1 ص 451، وتفسير الخازن ج 1 ص 4، ومصابيح السنة للبغوي 206، وجامع الأصول لابن الأثير ج 1 ص 187، ومنتخب تاريخ ابن عساكر ج 5 ص 436، ومشكاة المصابيح للعمري، وتيسير الوصول لابن الديبع ج 1 ص 16، والتاج الجامع للأصول ج 3 ص 208...

(2) الدر المنثور للسيوطي ج 2 ص 60، وإحياء الميت للسيوطي بهامش الإتحاف بحب الأشراف ص 116، وينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص 38 و 183، ومجمع الزوائد للهيثمي ج 9 ص 162، وعقبات الأفراد من حديث الثقلين ص 16، وكنز العمال ج 1 ص 154 ح 873 و 948، والجامع الصغير للسيوطي ج 1 ص 353، والفتح الكبير للنبهاني ج 1 ص 451...

(3) راجع مناقب علي لابن المغازلي الشافعي ص 534، ح 281، والمناقب للخوارزمي الحنفي ص 223، وفرائد السمطين للحمويني الشافعي، ج 2 ص 143 باب 33 وفيه بعد عزتي أهل بيتي، ألا وهما الخليفتان من بعدي وراجع عبقات الأنوار قسم حديث الثقلين ج 1 ص 131، وكتابنا الخطط السياسية ص 260.


الصفحة 442

الصيغة الخامسة:

قوله صلى الله عليه وآله وسلم: " إني أوشك أدعى فأجيب ألا إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله عز وجل وعترتي، كتاب الله حبل ممدود... " (1).

الصيغة السادسة:

قوله صلى الله عليه وآله وسمل: " كأني دعيت فأجبت إني قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله وعترتي " (2).

الصيغة السابعة:

قوله صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه: " ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قال الصحابة بلى يا رسول الله قال: " فإني سائلكم عن اثنين، القرآن وعترتي " (3).

الصيغة الثامنة:

قوله صلى الله عليه وآله وسلم: " يا أيها الناس يوشك أن أقبض قبضا سريعا، فينطلق بي وقد قدمت إليكم القول معذرة إليكم، مخلف فيكم كتاب الله ربي عز وجل

____________

(1) راجع كنز العمال ج 1 ص 165 ح 945، ومناقب علي لابن المغازلي الشافعي ص 225 ح 283، والصواعق المحرقة لابن حجر ص 148 وفيها لا يفترقا، والصحيح لن يفترقا كما في الطبعة الأولى ص 89، وإسعاف الراغبين بهامش نور الإبصار ص 108، وينابيع المودة ص 35، و 40 و 226 و 355، والمعجم الصغير للطبراني ج 1، ص 131، ومقتل الحسين للخوارزمي ج 1 ص 104، ومجمع الزوائد ج 9 ص 163، وإحياء الميت بهامش الإتحاف للسيوطي ص 111، والطبقات الكبرى لابن سعد ج 2 ص 194، وجامع الأصول لابن الكثير ج 1 ص 187، والأنوار المحمدية للنبهاني ص 435.

(2) راجع خصائص النسائي الشافعي ص 21، والمناقب للخوارزمي الحنفي ص 93، والصواعق المحرقة ص 136، وذكر صدر الحديث وصححه، وينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص 32، وكنز العمال ج 1 ص 167.

(3) راجع مجمع الزوائد ج 5 ص 195، وأسد الغابة لابن الأثير ج 3 ص 147، وإحياء الميت للسيوطي ص 115، وكتابنا الخطط السياسية ص 261.


الصفحة 443
وعترتي أهل بيتي، ثم أخذ بيد علي فرفعها فقال هذا علي مع القرآن والقرآن مع علي لا يفترقان حتى يردا علي الحوض " (1).

الصيغة التاسعة:

عن زيد بن أرقم قال قام فينا رسول الله بماء يدعى خما بين مكة والمدينة، فحمد الله وأثنى عليه، ووعظ وذكر ثم قال أما بعد: فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وإني تارك فيكم الثقلين، أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله، واستكملوا به، فحث على كتاب الله ورغب فيه، ثم قال: وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي " (2).

الصيغة العاشرة:

عن زين بن أرقم قال رسول الله: " ألا وإني تارك فيكم الثقلين، كتاب الله عز وجل وأهل بيتي... إلى أن قال الراوي عن زيد فقلنا من أهل بيته نساؤه؟ قال زيد لا، وأيم الله إن المرأة تكون مع الرجل العمر من الدهر ثم يطلقها فترجع إلى بيت أبيها " (3).

____________

(1) راجع الصواعق المحرقة لابن حجر ص 124 و 75، وينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص 285، وعبقات الأنوار حديث الثقلين ج 1 ص 277، قال ابن حجر الشافعي: " اعلم أن لحديث الثقلين طرقا كثيرة وردت عن نيف وعشرين صحابيا ".

(2) راجع صحيح مسلم كتاب الفضائل فضائل علي ج 2 ص 362 وج 5، ص 179 - 180 بشرح النووي، ومصابيح السنة للبغوي ج 2 ص 278، وتفسير الخازن ج 1 ص 4، وتفسير ابن كثير ج 4 ص 113، ومشكاة المصابيح للعمري ج 3 ص 255، وينابيع المودة ص 29 و 191 و 296، والسيرة الحلبية ج 3 ص 330 الهامش البحيرة الرملانية لمغنى مكة.

(3) راجع صحيح مسلم كتاب الفضائل ج 2 ص 362، وج 5 ص 181 بشرح النووي، والصواع المحرقة لابن حجر ص 148، وفرائد السمطين ج 2 ص 250 حديث 520، وعبقات الأنوار حديث الثقلين ج 1 ص 36 و 104، 242، 261، 367.


الصفحة 444

التعميم والتخصيص معا

التركيز على أهل بيت النبوة عامة، وعلى أئمتهم الأعلام في الوقت نفسه

في الوقت نفسه الذي كان فيه رسول الله يركز تركيزا مكثفا وخاصا على حقيقة وطبيعة المكانة الخاصة المميزة التي اختارها الله تعالى لأهل بيت النبوة، كان النبي يسلط أضواء ربانية كاشفة عن الرجال الأعلام من أهل بيت النبوة، فكأنه يقول للمسلمين إن الله يعلم حيث يضع رسالته.

ففي غدير خم على سبيل المثال

ففي الخطبة نفسها التي أعلن الرسول فيها حديث الثقلين الشهير أعلن فيه أن علي بن أبي طالب مولى كل مؤمن ومؤمنة، وأنه ولي كل مؤمن ومؤمنة، وأنه الولي من بعد النبي في الوقت نفسه الذي أكد فيه الرسول بأن الإسلام في حقيقته يقوم على ركنين، ويستند إلى ثقلين أحدهما كتاب الله وبيان النبي لهذا الكتاب، والآخر عترة النبي أهل بيته، أبرز تباعا علي بن أبي طالب، وقدمه كمولى للمؤمنين، والمؤمنات، وكمولى لهم، وعندما حث النبي على حب أهل بيت النبوة وحذر من بغضهم خص الإمام علي بن أبي طالب كما وضحنا سابقا.


الصفحة 445

مداخل لفهم التعميم والتخصيص معا

المدخل الأول: قال حذيفة بن أسيد الغفاري إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال يوم غدير خم: " إن الله مولاي، وأنا مولاي المؤمنين وأنا أولى منهم على أنفسهم، فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه... ثم قال " إني سائلكم عن الثقلين " (1).

المدخل الثاني: " قال زيد بن أرقم إن الرسول قد قال: "... وإني قد تركت فيكم الثقلين... ثم قال إن الله عز وجل مولاي وأنا مولى المؤمنين، ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب فقال: من كنت مولاه فهذا وليه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه " (2).

المدخل الثالث: قال البراء بن عازب: إن الرسول قد صلى الظهر في غدير خم وأخذ بيد علي فقال للمسلمين: ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟

قالوا: بلى، فقال الرسول: " من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه " (3).

المدخل الرابع: قال سعد بن أبي وقاص "... إن رسول الله قد قال أيها الناس إني وليكم؟ قالوا: نعم، ثم رفع يد علي بن أبي طالب فقال هذا وليي ويؤدي عني ديني، وأنا موال من والاه ومعاد من عاداه " (4).

____________

(1) راجع على سبيل المثال تاريخ دمشق / ترجمة علي لابن عساكر ج 2 ص 45 ح 47، وكنز العمال ج 1 ص 168 ح 959، ونوادر الأصول للترمذي ص 259، وراجع الأحاديث الواردة وارجع الثقلين.

(2) راجع على سبيل المثال الخصائص للنسائي ص 93 و 26، والمناقب للخوارزمي الحنفي ص 93، وكنز العمال ج 5 ص 91.

(3) راجع على سبيل المثال ذخائر العقبى للطبري ص 67، وفضائل الخمسة ج 1 ص 350، والفصول المهمة ص 24، والحاوي للفتاوي للسيوطي ج 1 ص 122، وأنساب الأشراف للبلاذري ج 2 ص 215.

(4) الخصائص للنسائي ص 102، والبداية والنهاية لابن كثير ج 5 ص 212، والمراجع السابقة.


الصفحة 446
المدخل الخامس: قال سعد بن أبي وقاص، كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلما بلغ غدير خم... ثم قال " أيها الناس من وليكم؟ قالوا الله ورسوله ثم أخذ بيد على فأقامه ثم قال " من كان الله ورسوله وليه، فهذا وليه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه " (1).

الصحابة الكرام فهموا المقصود

فهم المسلمون مغزى كلام النبي، استوعبوا تلخيصه للموقف، فتقدم كبار المسلمين وقدموا التهاني لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وكان من جملة المهنئين عمر بن الخطاب، فقال لعلي بن أبي طالب " هنيئا لك يا بن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة " (2).

المعروف بالبداهة

أهل بيت النبوة يعرفهم المسلمون قاطبة، والمسلمون يعرفون أيضا بأن علي بن أبي طالب هو عميد أهل البيت النبوة بلا منازع، وهو رجلهم المقدم الذي لا يتقدم عليه أحد، ولا ينازعه بالعمادة أحد، فأنت تلاحظ أن النبي قد أعلن عميد أهل بيت النبوة في الوقت نفسه الذي أعلن فيه حديث الثقلين.

سبب تقطيع النصوص وبترها

كافة النصوص المتعلقة بحديث الثقلين والتي سقناها قبل قليل وحديث من كنت مولاه فهذا علي مولاه مقاطع من خطبة الرسول في غدير

____________

(1) راجع خصائص أمير المؤمنين للنسائي ص 101، وفضائل الخمسة ج 1 ص 365، وإسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار ص 149، والرياض النضرة للطبري ج 2 ص 282، وملحق المراجعات وكتابنا نظرية عدالة الصحابة ص 252.

(2) راجع ذخائر العقبى للطبري ج 2 ص 23، والفصول المهمة لابن الصباغ المالكي، والرياض النضرة للطبري ج 2 ص 23، وفضائل الخمسة ص 350، والحاوي للفتاوي للسيوطي ج 1 ص 122، وكنز العمال ج 15، ص 117، وقريب من ترجمة علي من تاريخ دمشق لابن عساكر ج 2 ص 50 و 52، =

الصفحة 447
خم، وقد ألقيت الخطبة في مكان واحد وزمان واحد، لكن الجانب الذي يتعلق بموالاة علي سبق وحده في أكثر الروايات، والجانب المتعلق بحديث الثقلين سيق وحده، ولم يثر الموضوع بعد وفاة الرسول الأعظم، وظل ساكنا، لأنه كان مناقضا للواقع السياسي الذي كان سائدا آنذاك، وإثارته فيها حرج كبير. لكن فيما بعد أثير الجانب المتعلق بالإمام علي أثناء فترة العداء لعلي بن أبي طالب التي قادها معاوية والخلفاء الأمويون، ففرضوا على الناس مسبة الإمام علي (1).

فقام سعد بن أبي وقاص اعتراضا منه على مسبة الإمام علي وذكر الجانب المتعلق بموالاة الإمام علي، ولم يكن أمام طلاب الدنيا وقت لسماع بقية حديث الثقلين كله، ولا رغبة لسماعه، ولا مع سعد بن أبي وقاص في هكذا مناخ الوقت لإتمام حديث الثقلين، لقد كان المجتمع المسلم مشعوطا يومئذ تماما وكأنه على كف عفريت، لا يسمع وإذا سمع فإنه لا يريد أن يعقل، وأي حيادي، غير متأثر بالثقافة التاريخية يكتشف أن الأمور الثلاثة التي أعلنها النبي في غدير خم مترابطة تماما وتصب في ذات المغزي الذي عناه رسول الله (2).

____________

= ح 550 و 551، وأنساب الأشراف للبلاذري ج 2 ص 15، والمناقب للخوارزمي الحنفي ص 94، والغدير للأميني ج 1 ص 18 و 20.

(1) راجع صحيح مسلم ج 2 ص 360، وصحيح الترمذي ج 5 ص 301 ح 3808، والمستدرك على الصحيحين للحاكم ج 3 ص 109، وترجمة علي في تاريخ دمشق لابن عساكر ج 1 ص 206 ح 271 و 272، وخصائص أمير المؤمنين للنسائي ص 28، ومعظم درر السمطين للزرندي الحنفي ص 107، وكفاية الطالب للكنجي الشافعي ص 84، والمناقب للخوارزمي الحنفي ص 59، وأسد الغابة لابن الأثير ج 1 ص 134 وج 4 ص 25 و 26، والإصابة لابن حجر العسقلاني ج 2 ص 509، والغدير للأميني ج 1 ص 257 وج 3 ص 200، والعقد الفريد لابن عبد ربه ج 4 ص 29، ووقعة صفين لنصر بن مزاحم ص 92 و 82، وشرح النهج لابن أبي الحديد ج 1 ص 256 و 361 وج 3 ص 100 وج 4 ص 72 تحقيق أبو الفضل، وتذكرة الخواص لابن الجوزي ص 62.

(2) راجع كتابنا المواجهة ص 450 وما فوق وكتابنا الهاشميون ص 171 - 183.


الصفحة 448

الفصل الثاني
دور أهل بيت النبوة بالمحافظة على سنة رسول الله

بأمر من الله أعد رسول الله الإمام عليا ليكون أول إمام للأمة بعد موت النبي وأهله تأهيلا خاصا ليكون قادرا على الإجابة على أي سؤال من أي إنسان على وجه الأرض يتعلق بالقرآن أو سنة الرسول أو دين الإسلام بشكل عام في أي أمر من أمور الدنيا أو الآخرة، والإمام علي هو الإنسان الوحيد في زمانه الذي أعلن على رؤوس الأشهاد قائلا " سلوني عن كتاب الله فإنه ليس من آية إلا وقد عرفت بليل نزلت أم بنهار، في سهل نزلت أم في جبل " (1) ولقد أقسم الإمام علي قائلا: " والله ما نزلت آية إلا وقد علمت في من نزلت، وعلى من نزلت، وأين نزلت " (2) قال الإمام علي: " ما دخل رأسي نوم ولا عهد إلى رسول الله حتى علمت من رسول الله ما نزله به جبريل من حلال أو حرام أو سنة أو أمر أو نهي فيما نزل فيه، وفيمن نزل " وكان الرسول يتحفظ عدد الأيام التي غاب بها عن الإمام علي فإذا التقيا قال له رسول الله يا علي نزل علي في يوم كذا كذا وفي يوم كذا كذا حتى

____________

(1) طبقات ابن سعد ترجمة علي ج 2 ف 20 ط أوروبا.

(2) المصدر السابق.


الصفحة 449
يعدهما عليه إلى آخر اليوم الذي وافى فيه... " (1).

كان علي يعلم كل ما يعلم رسول الله، ولم يعلم الله رسوله شيئا إلا وقد علمه رسول الله لأمير المؤمنين علي (2).

لقد علم الله رسوله القرآن وعلمه شيئا سوى ذلك، فما علمه الله ورسوله فقد علم رسول الله عليا (3).

قال الإمام الصادق: " إن الله علم رسوله الحلال والحرام والتأويل، وعلم رسول الله علمه كله عليا " (4).

وأمر رسول الله الإمام عليا أن يكتب ما يمليه عليه رسول الله قائلا " اكتب ما أملي عليك " فقال الإمام علي يا نبي الله أتخاف علي النسيان!!

فقال الرسول لست أخاف عليك النسيان ولكن اكتب لشركائك، ولما سأله الإمام عن شركائه قال هم الأئمة من ولدك، وأومأ إلى الحسن، وقال هذا أولهم، ثم أومأ إلى الحسين، ثم قال الأئمة من ولده (5).

قال الإمام الباقر " يا حمران في هذا البيت صحيفة طولها سبعون ذراعا بخط علي وإملاء رسول الله، ولو ولينا الناس لحكمنا بما أنزل الله لم نعد ما في هذه الصحيفة " (6).

وقال الإمام عن هذه الصحيفة يوما " ما على الأرض شئ يحتاج إليه إلا هو فيها حتى أرش الخدش " (7).

____________

(1) بصائر الدرجات ص 197 ح 4.

(2) بصائر الدرجات ص 292 ح 13.

(3) بصائر الدرجات ص 290 - 291 ح 3 و 9، ومعالم المدرستين ج 2 ص 304 - 305.

(4) بصائر الدرجات ص 290، والوسائل ج 3 ص 391 ح 19، ومستدرك الوسائل ج 3 ص 192 ح 21.

(5) الأمالي للشيخ أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي ج 2 ص 56، والمعالم ج 2 ص 306.

(6) بصائر الدرجات ص 143.

(7) بصائر الدرجات ص 147.


الصفحة 450
ووضح الإمام الصورة بقوله " إن عليا كتب العلم كله القضاء والفرائض، فلو ظهر أمرنا لم يكن شئ إلا فيه نمضيها " (1) وفي رواية " لم يكن شئ إلا وفيه سنة نمضيها " (2) وأكد الإمام الصادق هذه الحقيقة بقوله " إن عندنا صحيفة من كتاب علي طولها سبعون ذراعا فنحن نتبع ما فيها فلا نعدوها " (3) وقال أيضا " ما ترك الإمام علي شيئا إلا وكتبه حتى أرش الخدش " (4) وقال الإمام الصادق " والله إن عندنا لصحيفة طولها سبعون ذراعا فيها جميع ما يحتاج إليه الناس حتى أرش الخدش، أملاه رسول الله وكتبه الإمام علي بيده " (5).

ووضح الإمام جعفر الصادق الصورة بقوله " إن عندنا جلدا أملى رسول الله وخطه علي بيده، وإن فيه جميع ما يحتاجون إليه حتى أرش الخدش " (6).

وقل الإمام جعفر: " ما ترك علي شيعته وهم يحتاجون إلى أحد في الحلال والحرام حتى إنا وجدنا في كتابه أرش الخدش " قال الراوي ثم قال " أما إنك إن رأيت كتابه لعلمت أنه من كتب الأولين " (7).

والخلاصة أن الإمام عليا قد تعلم من رسول الله القرآن، وبيان النبي لهذا القرآن، وأن رسول الله قد أملى على الإمام علي سنته الشريفة، وأن الإمام عليا كتبها بخط يده، واحتفظ بها طيلة حياته، ولما دنت منيته سلمها إلى الإمام الحسن، واحتفظ بها الإمام الحسن طيلة حياته، ولما دنت منيته

____________

(1) بصائر الدرجات ص 143.

(2) بصائر الدرجات ص 146.

(3) المصدر السابق.

(4) بصائر الدرجات 148.

(5) بصائر الدرجات ص 145.

(6) بصائر الدرجات ص 147 و 143.

(7) بصائر الدرجات ص 166.


الصفحة 451
سلمها إلى الإمام الحسين، وقبل أن يسافر الإمام إلى العراق أودعها عند أم المؤمنين أم سلمة، وأمرها بأن تسلمها إلى ابنه علي، ثم بقيت عند الإمام علي بن الحسين طيلة حياته، ولما دنت منيته سلمها إلى الإمام محمد الباقر، وهكذا انتقلت سنة الرسول التي أملاها الرسول بنفسه وكتبها الإمام علي بخط يده من إمام إلى إمام حتى استقرت الآن بحوزة الإمام المهدي (عجل الله فرجه)، فكتب الإمام علي وسلاحه وسيفه ودرعه محفوظة الآن عند الإمام المهدي وهو الإمام الثاني عشر من أئمة أهل بيت النبوة، كما كانت محفوظة من قبل عند كل إمام من الأئمة الأحد عشر.

الأئمة توارثوا سنة الرسول

قال الإمام جعفر الصادق: "... ولكنها آثار من رسول الله أصل علم نتوارثها كابر عن كابر نكنزها كما يكنز الناس ذهبهم وفضتهم " (1).

وقال الإمام الباقر: "... ولكنا نحدثهم بآثار عندنا من رسول الله نتوارثها كابر عن كابر نكنزها كما يكنز هؤلاء ذهبهم وفضتهم " (2).

وقال الإمام جعفر الصادق: "... إنا والله ما نقول بأهوائنا ولا نقول برأينا، ولا نقول إلا ما قال ربنا، أصول عندنا نكنزها كما يكنز هؤلاء ذهبهم وفضتهم " (3).

إن سنة الرسول المكتوبة كلها قد انتقلت من إمام إلى إمام وهي ليست مروية من الناس إنما هي من إملاء رسول الله بالذات وكتبها الإمام علي بخط يده وعلى ذلك أجمع أهل بيت النبوة.

____________

(1) بصائر الدرجات ص 299.

(2) بصائر الدرجات ص 299.

(3) بصائر الدرجات ص 300 - 301.


الصفحة 452

أئمة أهل بيت النبوة لا يقولون برأيهم

أهل بيت النبوة لا يقولون برأيهم، ولا يحتاجون إلى الرأي، لأن سنة الرسول قد بينت كل شئ، الذين يقولون بالرأي ويلجؤون إلى الاجتهاد هم الذين يجهلون الحكم الشرعي، أو الذين لا يعجبهم الحكم الشرعي، وأهل بيت النبوة يعرفون الأحكام الشرعية ويلتزمون بها لذلك كان الأئمة الكرام قد أعلنوا وبكل وسائل الإعلان المتاحة لهم أن العمل بالرأي في مجال الأحكام جريمة.

قال الإمام جعفر الصادق لرجل سأله " مهما أجبتك من شئ فهو عن رسول الله، لن نقول برأينا من شئ " (1).

قال الإمام محمد الباقر " إنا لو حدثنا برأينا ضللنا كما ضل من كان قبلنا ولكن حديثا ببينة من ربنا بينها لنبيه فبينها لنا " (2) فلولا ذلك كنا كهؤلاء الناس (3).

وعن سماعة عن أبي الحسن قال قلت له " كل شئ نقول به في كتاب الله وسنة نبيه أو تقولون فيه برأيكم؟ قال: بل كل شئ نقوله في كتاب الله وسنة رسوله " (4).

قال الإمام الباقر " يا جابر والله لو كنا نحدث الناس أو حدثناهم برأينا لكنا من الهالكين لكننا نحدثهم بآثار عندنا من رسول الله نتوارثها كابر عن كابر... " (5) " والله ما نقول بأهوائنا ولا نقول برأينا، ولا نقول إلا ما قال ربنا، أصول عندنا نكنزها... " (6).

____________

(1) بصائر الدرجات ص 30.

(2) بصائر الدرجات ص 299 ح 2.

(3) بصائر الدرجات ص 300.

(4) بصائر الدرجات ص 301.

(5) بصائر الدرجات ص 299.

(6) بصائر الدرجات ص 299.


الصفحة 453

أهل بيت النبوة يعلمون من سنة رسول الله كل شئ

كان أهل بيت النبوة يعلمون تفاصيل كل شئ لأن رسول الله قد أملى على الإمام علي كل شئ، وكتبه الإمام علي بخط يده، فكان إمام أهل بيت النبوة - كل في زمانه - يرجع إلى سنة الرسول المكتوبة، ويراها وهي تشق طريقها إلى الواقع خطوة خطوة قال عبد الله بن الحسن: إن ابني هذا المهدي، وقال أبو جعفر المنصور، أن الناس يريدون هذا الفتى محمد بن عبد الله بن الحسن كان أبو جعفر أحد ثوار بني هاشم فبايع الحاضرون جميعا محمد بن عبد الله بن الحسن على أساس أنه المهدي، وأرسلوا إلى الإمام جعفر الصادق، فأخبروه بما فعلوا.

فقال الإمام جعفر لا تفعلوا فإن هذا الأمر لم يأت بعد، إن كنت ترى بأن ابنك هو المهدي فليس به، ولا هذا أوانه، وإن كنت تريد أن تخرج غضبا لله وليأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، فإنا والله لا ندعك وأنت شيخنا ونبايع ابنك، فغضب عبد الله وقال: والله ما أطلعك الله على غيبه ولكن يحملك على هذا الحسد لابني، فقال الإمام جعفر، والله ما ذاك يحملني، ولكن هذا وإخوته وأبناؤهم دونكم.. إنها والله ما هي إليك ولا إلى ابنيك ولكنها لهم " بني العباس " وإن ابنيك لمقتولان، ثم نهض الإمام جعفر فقال لعبد العزيز بن عمران أرأيت صاحب الرداء الأصفر، يعني أبا جعفر، فإنا والله نجده يقتله!! قال عبد العزيز أبو جعفر يقتل محمدا!! قال الإمام جعفر نعم... وحدث تماما كما قال الإمام جعفر، وقال الإمام جعفر يقتل محمد عند بيت رومي، ويقتل أخوه لأبيه وأمه بالعراق، وحوافر فراسه بالماء (1) " من خلال سنة الرسول المكتوبة علم أئمة أهل بيت النبوة ماذا سيحدث، ومن سيملك، وكيف تتجه حركة الأحداث.

____________

(1) راجع مقاتل الطالبيين ص 206 - 208 و 259 - 260 و 253 - 256، والطبري ج 9 ص 230 ط أوروبا ج 3 ص 254.


الصفحة 454

أئمة أهل بيت النبوة كانوا قادة التيار المعادي لسياسة منع كتابة ورواية سنة الرسول

لقد تمسك أئمة أهل بيت النبوة - كل في زمانه - بسنة الرسول، وحثوا الناس على كتابتها وروايتها والتمسك بها، وقاوموا ما وسعهم الجهد سياسة الخلفاء القائمة على منع كتابة ورواية سنة الرسول، وبينوا للناس مساوئ هذه السياسة ومخاطرها، وكانوا ينشرون سنة الرسول ما وسعهم الجهد ويحثون المسلمين على نشرها وكتابتها، وكانوا يشجعون من والاهم على تحدي سياسة دولة الخلافة تجاه سنة الرسول، وكان الأئمة يجيبون السائلين عن حكم سنة الرسول في أي أمر من الأمور، ولم يجد إمام أهل بيت النبوة حرجا من بيان سنة الرسول للخليفة نفسه إذا استفتاه وإذا رأى إمام أهل بيت النبوة أو أحد، من مواليه الخليفة وهو يمارس عملا مناقضا لسنة الرسول كانوا يأمرونه بالمعروف وينهونه عن المنكر بألسنتهم ويبينون له الحكم الشرعي الوارد في سنة الرسول، ولكن لم تكن لهم طاقة على إجبار الخليفة أو أركان دولته باتباع سنة الرسول.

لما أوهم الخليفة الثاني المسلمين بأنه يريد أن يجمع سنة الرسول، وناشد الناس أن يأتوه بالمكتوب عندهم منها، اكتشف أهل بيت النبوة، مقاصد الخليفة، فأنكروا وجود سنة الرسول المكتوبة عندها وحذروا من يواليهم من تسليم ما هو مكتوب عندهم من سنة الرسول للخليفة لأنه يريد أن يحرقها، وقد وثقنا ذلك وفصلناه.

ولما آلت الخلافة إلى الإمام علي ركز الجزء الأعظم من اهتمامه على نشر سنة الرسول، وتشجيع المسلمين على كتابتها، وعندما أحس الإمام علي بتمسك الأغلبية بسنة الخليفتين، لجأ الإمام إلى أسلوب المناشدة، بأن يسأل الحاضرين من المسلمين بالله أن من سمع رسول الله يقول كذا أن ينهض، ومن خلال هذا الأسلوب المبتكر، ومن خلال ممارسات الإمام

الصفحة 455
هيئت أذهان المسلمين من جديد لتقبل فكرة كتابة ورواية سنة الرسول.

وكان كل إمام من أئمة أهل بيت النبوة يبذل كل جهده ليحث من يواليه، ومن يراه من المسلمين على كتابة ورواية أحاديث الرسول، ويفتون السائلين بسنة رسول الله المكتوبة عندهم، وقد وثقنا ذلك.

لقد كان إمام أهل بيت النبوة في زمانه كالكوكب الدري المتألق في ليل مظلم.

وخرج الأئمة الكرام كل في زمانه كوادر فنية علموها الأصول، وكيفية التفريع عليها، وأمر الأئمة أتباعهم بمقاطعة قضاء دولة الخلافة، وأن يتجنبوا اللجوء إليه لأنه لا يحكم لا بكتاب الله ولا بسنة رسوله، وأن يختاروا من بينهم من يعرف حلال الله من حرامه ليقضي بينهم بكتاب الله وسنة رسوله ولما فتح باب رواية وكتابة سنة الرسول الصحيحة، فأبدوا مطالعتهم على النصوص المنسوبة للرسول، وحذروا المسلمين من أصحاب الأهواء، ومن الرواية الكذابين ولو أن علماء دولة الخلفاء قد فزعوا ساعتها لأهل بيت النبوة، وسألوهم الرأي، وطلبوا منهم أن يميزوا لهم ما قاله الرسول بالفعل عما تقوله الرواية عليه لكان للسنة الشريفة شأن غير هذا الشأن، ووضع غير هذا الوضع.

لقد حمل أئمة بيت النبوة كل في زمانه راية سنة الرسول الصحيحة والموثوقة ودافعوا عنها، واضطروا وأتباعهم بإمكانياتهم المحدودة أن يواجهوا دولة عظمى تتخذ من سنة الرسول موقفا مغايرا لموقف أهل بيت النبوة، لقد تحمل أئمة أهل بيت النبوة وأولياؤهم أعباء المواجهة مئات السنين، وحافظوا على سنة الرسول كما يحافظون على أنفسهم وذراريهم، وتوارثوها كما يتوارث الآخرون أنفس ما لديهم.

ولولا فضل الله وقوة سنة الرسول ويقظة أهل بيت النبوة لكان من

الصفحة 456
الممكن أن تضيع السنة تماما! لقد جاء وقت من الأوقات كانت فيه دولة الخلافة بكل إمكانياتها ونفوذها تقف ضد رواية وكتابة سنة الرسول وتبذل كل جهودها للقضاء عليها، ورغبة أو رهبة وقفت الأكثرية الساحقة من المسلمين مع دولة الخلافة، وسارت على خطها، واتبعت سنتها. ولم يقف إلى جانب سنة الرسول غير أهل بيت النبوة والقلة المؤمنة التي والتهم ولولا يقظة أهل بيت النبوة وجهودهم المتواصلة، لما وصلنا حديث صحيح واحد!! ولكن الله سلم.

ومن المفارقات المدهشة حقا أن الذين أحرقوا سنة الرسول المكتوبة ومنعوا رواية وكتابة السنة طوال مائة عام ونيف، وأحلوا محل سنة رسول الله سنة الخلفاء المتغلبين قد سموا أنفسهم بأهل السنة، وقصدهم الإيحاء للمسلمين بأن أهل بيت النبوة وشيعتهم ليسوا بأهل السنة!!

ولكن لا أحد من أجيالهم اللاحقة يعرف أي سنة تلك التي هي أهلها!! هل هي سنة الرسول التي أحرقوا المكتوب منها، وعمموا على كافة الأمصار الخاضعة لحكمهم ليمحوا سنة رسول الله المكتوبة في أمصارهم، ثم أمروا كافة المسلمين بأن لا يحدثوا شيئا عن رسول الله، ونفذوا هذه السياسة طوال مائة عام ونيف!!! فهل هم أهل سنة الرسول هذه أم هم أهل سنة الخلفاء التي حلت بالكامل محل سنة الرسول!! فحتى يومنا هذا فهم يعملون بسنة الخلفاء في كل الأمور المتعلقة بنظام الحكم، أما سنة الرسول المتعلقة بهذا الموضوع فهي مهجورة هجرا تاما، وقد أثبتنا ذلك بالبرهان الساطع والدليل القاطع.