الصفحة 235
للأجسام ونحوها مما لا نقص لمنزلته ولا فساد لما تمهد من شريعته، وقد سحر النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى صار يخيل إليه أنه فعل الشئ ولم يكن فعله) (1).

وأما بشأن الكتاب الذي أراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم كتابته، فيعلق النووي: (وقد اختلف العلماء في الكتاب الذي هم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بكتابته، فقيل: أراد أن ينص على الخلافة في إنسان معين لئلا يقع نزاع وفتن، وقيل: أراد كتاباً يبين فيه مهمة الأحكام ملخصة ليرفع النزاع فيها ويحصل الاتفاق على المنصوص عليه) (2).

ثم ينقل قولاً للخطابي فيه المزيد من التبرير لتصرف عمر: (ولا يجوز أن يحمل قول عمر على أنه توهم الغلط على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم... لكنه لما رأى ما غلب عليه الوجع وقرب الوفاة مع ما اعتراه من الكرب، خاف أن يكون قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مما يقول به المريض مما لا عزيمة فيه (؟!)، فيجد المنافقون بذلك سبيلاً إلى الكلام في الدين) (3) - إلى قوله: إن أكثر العلماء يجوزون الخطأ على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيما لم ينزل عليه، وأنه كان يسهو في صلاته.

وأما بشأن مخالفة عمر للرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فهي من الأمور الصائبة لأنها - على رأيه - تأتي ضمن الأمور التي قال فيها النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (اختلاف أمتي رحمة) (4).

2 - محاولة النبي صلى الله عليه وآله وسلم رمي نفسه من قمة جبل!

وهذه الحادثة المزعومة تعد من أكثر الأمور غرابة، حيث تصف حال النبي صلى الله عليه وآله وسلم عندما تأخر عليه الوحي بعد نزوله عليه أول مرة في غار حراء.

وهذا نص ما ذكره البخاري في صحيحه نقلاً عن عائشة قالت: (... وفتر الوحي فترة حتى حزن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيما بلغنا حزناً غدا منه مراداً كي يتردى من رؤوس شواهق الجبال، فكلما أوفى بذروة جبل لكي يلقي منه نفسه تبدى له

____________

(!) صحيح مسلم بشرح النووي، ج 4 ص 172.

(2) المصدر نفسه.

(3) المصدر نفسه.

(4) المصدر نفسه.

الصفحة 236
جبريل فقال: يا محمد، إنك رسول الله حقاً، فيسكن لذلك جأشه وتفر نفسه فيرجع، فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك، فإذا أوفى بذروة جبل تبدى له جبريل، فقال له مثل ذلك) (1).

3 - نسيان النبي صلى الله عليه وآله وسلم آيات الكتاب!

روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عائشة قالت: (سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم رجلاً يقرأ في المسجد، فقال: رحمه الله، لقد أذكرني كذا وكذا آية كنت أسقطتها من سورة كذا وكذا) (2). أو حسب رواية أخرى: (.. رحمه الله، لقد أذكرني آية كنت أنسيتها) (3).

وقال النووي في شرحه لهذا الحديث: (قوله صلى الله عليه وآله وسلم كنت أنسيتها دليل على جواز النسيان عليه صلى الله عليه وآله وسلم فيما قد بلغه إلى الأمة!) (4). وقال القاضي عياض: (وأما نسيان ما بلغه في هذا الحديث فيجوز) (5).

4 - غفلة النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن أداء الصلاة في وقتها!

فقد روى أصحاب الصحاح عدة حوادث زعم فيها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم غفل عن أداء بعض الصلوات في أوقاتها، ومن ذلك ما روي عن أبي هريرة قال:

(إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين قفل من غزوة خيبر.. نام وأصحابه، ولم يستيقظ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا بلال ولا أحد من أصحابه حتى ضربتهم الشمس، ففزع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: أي بلال. فقال بلال: أخذ نفسي الذي أخذ. بأبي أنت وأمي يا رسول الله بنفسك..) (6).

____________

(1) المصدر نفسه، ص 173.

(2) صحيح البخاري، كتاب التعبير، باب أول ما بدي به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ج 9 ص 93.

(3) المصدر نفسه، كتاب الدعوات، باب قوله تعالى - وصل عليهم -، ج 8 ص 234.

(4) صحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب فضائل القرآن، ج 2 ص 443.

(5) المصدر نفسه، ص 444.

(9) المصدر نفسه.

الصفحة 237
وعن أبي هريرة أيضاً قال: (عرسنا مع نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم فلم يستيقظ حتى طلعت الشمس، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ليأخذ كل رجل برأس راحلته فإن هذا منزل حضرنا فيه الشيطان، ثم دعا بالماء فتوضأ ثم سجد سجدتين، ثم أقيمت الصلاة، فصلى) (1).

وفي صحيح البخاري، عن جابر بن عبد الله قال: (إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء عمر بن الخطاب يوم الخندق فقال: يا رسول الله، والله ما كدت أن أصلي حتى كادت الشمس تغرب، وذلك بعدما أفطر الصائم. فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

والله ما صليتها. فنزل النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى بطحان وأنا معه فتوضأ ثم صلى العصر بعدما غربت الشمس، ثم صلى بعدها المغرب) (2).

وفيما يتعلق بصلاته صلى الله عليه وآله وسلم، روى البخاري عن أبي هريرة قال: (أقيمت الصلاة وعدلت الصفوف قياما، فخرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلما قام في مصلاه ذكر أنه جنب. فقال لنا: مكانكم. ثم رجع فاغتسل، ثم خرج إلينا ورأسه يقطر فكبر فصلينا معه) (3).

ثم يروي أبو هريرة المزيد من سهو النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيقول: (صلى بنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم الظهر ركعتين ثم سلم، ثم قام إلى خشبة في مقدمة المسجد، ووضع يديه عليها، وفي القوم يومئذ أبو بكر وعمر، فهابا أن يكلماه، وخرج سرعان الناس. فقالوا: يا نبي الله أنسيت أم قصرت؟ فقال: لم أنس ولم أقصر. وكان في القوم رجل يدعى ذا اليدين فقال: بل نسيت يا رسول الله. قال: صدق ذو اليدين) (4).

____________

(1) صحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب قضاء الصلاة الفائتة، ج 2 ص 325.

(2) صحيح البخاري، كتاب الأذان، باب قول الرجل للنبي - ما صلينا - ج 1 ص 349.

(3) المصدر نفسه، كتاب الغسل، باب إذا ذكر في المسجد أنه جنب، ج 1 ص 168.

(4) المصدر نفسه، كتاب الأدب، ما يجوز من ذكر الناس، ج 8 ص 8 48.

الصفحة 238
وعن أنس بن سيرين قال: (تلقينا أنس بن مالك حين قدم الشام فرأيته يصلي على حماد، ووجهه إلى يسار القبلة. فقلت له: رأيتك تصلي لغير القبلة. قال: لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يفعله لم أفعله) (1).

5 - هيام النبي صلى الله عليه وآله وسلم بحب عائشة على حساب عدله مع بقية نسائه

تشير بعض الروايات الواردة في الصحاح أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان متيماً جداً بحب عائشة إلى حد العشق والهيام وبصورة غير عادية. فهذا البخاري عن أبي هشام قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما كان في مرضه جعل يدور في نسائه ويقول: أين أنا غداً؟ حرصاً على بيت عائشة. قالت عائشة: فلما كان يومي سكن) (2). وفي رواية صحيح مسلم: (... أين أنا اليوم؟ أين أنا غداً؟ استبطاء ليوم عائشة. قالت عائشة: فلما كان يومي قبضه الله بين سحري ونحري) (3).

وتروي عائشة أيضاً: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه، وكان يقسم لكل امرأة منهن يومها وليلتها، غير أن سودة بنت زمعة وهبت يومها وليلتها لعائشة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم تبتغي بذلك رضا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (4).

وعن عائشة أيضاً قالت: (إن الناس كانوا يتحرون بهداياهم يوم عائشة يبتغون بذلك مرضاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (5)... وكانت أم سلمة تغار من ذلك، فقال لها النبي صلى الله عليه وآله وسلم: يا أم سلمة، لا تؤذيني في عائشة، فإنه والله ما نزل علي الوحي وأنا في لحاف امرأة منكن غيرها) (6).

____________

(1) صحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب جواز صلاة النافلة على الداية حيث توجهت، ج 2 ص 353.

(2) صحيح البخاري، كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل عائشة، ج 5 ص 77.

(3) صحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل عائشة، ج 5 ص 299.

(4) صحيح البخاري، كتاب الهبة، باب هبة المرأة لغير زوجها، ج 3 ص 462.

(5) صحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل عائشة، ج 5 ص 296.

(6) صحيح البخاري، كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل عائشة، ج 5 ص 78.

الصفحة 239
ثم تقول عائشة في شدة غيرة بقية النساء منها: (أرسل أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاستأذنت عليه وهو مضطجع معي في مرطي فأذن لها فقالت: يا رسول إن أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة يعني عائشة - فقال لها النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أي بنية، ألست تحبين ما أحب؟

فقالت: بلى، قال: فأحبي هذه... إنها ابنة أبي بكر) (1).

والحقيقة أن كل هذه الروايات وغيرها الواردة في هذا الصدد تزعم أن سبب عشق النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعائشة، وتفضيله إياها على غيرها من نسائه صلى الله عليه وآله وسلم هو ليس كونها ابنة أبي بكر، وإنما لتميزها عن بقية نسائه صلى الله عليه وآله وسلم بصغر السن والبكارة حين زواجه منها، وبصورة تظهر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكأنه كان رجلاً شهوانياً أو ذواقاً (والعياذ بالله). وهذه رواية أخرى مفتراة كسابقاتها تؤكد هذا الزعم الباطل. فعن أنس بن مالك قال: (كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار، وهن إحدى عشرة. قال: قلت لأنس: أو كان يطيقه؟ قال: كنا نتحدث أنه أعطي قوة ثلاثين رجلاً) (2).

6 - وقوع النبي صلى الله عليه وآله وسلم تحت تأثير السحر!

وهذا الزعم أيضاً مما روته عائشة وأخرجه البخاري في صحيحه قالت:

(سحر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى أنه يخيل إليه أنه فعل الشئ وما فعله، حتى إذا كان ذات يوم وهو عندي دعا الله ودعاه، ثم قال: أشعرت يا عائشة، أن [ كان ] الله قد أفتاني فيما استفتيته فيه؟) (3).

وفي رواية أخرى، قالت عائشة: (مكث النبي صلى الله عليه وآله وسلم كذا وكذا يخيل إليه أنه يأتي أهله ولا يأتي... فقال ذات يوم: يا عائشة، أتاني رجلان فجلس

____________

(1) صحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل عائشة، ج 5 ص 296 - 298.

(2) صحيح البخاري، كتاب الغسل، باب إذا جامع ثم عاد ومن دار على نسائه في غسل واحد، ج 1 ص 165.

(3) المصدر نفسه، كتاب الطب، باب السحر، ج 7 ص 444.

الصفحة 240
أحدهما عند رجلي، والآخر عند رأسي، فقال الذي عند رجلي للذي عند رأسي:

ما بال الرجل؟ قال: مطبوب، يعني مسعوراً. قال: ومن طبه؟ قال: لبيد بن أعصم) (1). وكان الشيخ محمد عبده يستنكر هذه الروايات وأمثالها لتعارضها مع قوله تعالى: (وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلاً مسحوراً) [ الفرقان / 8 ].

7 - أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم الناس بما لا يعلم!

روى رافع بن خديج وعائشة: (قدم نبي الله المدينة وهم يأبرون النخل فقال: ما تصنعون؟ قالوا: يلقحونه. قال: لعلكم لو لم تفعلوا لصلح - وفي رواية صحيح مسلم كان قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ما أظن يغني ذلك شيئاً - (2) قال الراوي: فلما أخبروا بذلك تركوه. فخرج النخل شيصاً والمعنى ظهور فساد رأي النبي صلى الله عليه وآله وسلم - وعندما مر بهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ما لنخلكم؟

قالوا: قلت لنا كذا وكذا. فقال: إن كان ينفعهم ذلك [ التلقيح ] فليصنعوه، فإني ظننت ظناً فلا تؤاخذوني بالظن، ولكن إذا حدثتكم عن الله شيئاً فخذوا به، فإني ظننت ظناً فلا تؤاخذني بالظن، ولكن إذا حدثتكم عن الله شيئاً فخذوا به، فإني لن أكذب على الله عز وجل (3) - وفي رواية أخرى كان قوله: إنما أنا بشر إذا أمرتكم بشئ من دينكم فخذوا به وإذا أمرتكم بشئ من رأيي فإنما أنا بشر (4). وفي رواية ثالثة، قال لهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أنتم أعلم بأمور دنياكم) (5).

8 - إعراض النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن أعمى لانشغاله مع كفار!

يرى كثير من المسلمين أن الآيات الكريمة (عبس وتولى * إن جاءه الأعمى * وما يدريك لعله يزكى * أو يذكر فتنفعه الذكرى..) [ عبس / 1 - 4 ]

____________

(1) المصدر السابق، كتاب الأدب، باب إن الله يأمر بالعدل والإحسان، ج 8 ص 57.

(2) صحيح مسلم، كتاب الفضائل، باب وجوب امتثال ما قاله شرعاً النبي على سبيل الرأي، ج 5 ص 212 - 213.

(3) المصدر نفسه.

(4) المصدر نفسه.

(5) المصدر نفسه.

الصفحة 241
أنها نزلت عتاباً للنبي صلى الله عليه وآله وسلم لإعراضه عن عبد الله بن مكتوم - وكان مؤمناً ضريراً جاء يستقري النبي صلى الله عليه وآله وسلم مما علمه الله - وظهور الكراهية في وجهه لقطعه كلامه مع من كان منشغلاً بالكلام معهم، وهم سادة كفر قريش كعتبة بن ربيعة وأبي جهل وأمية بن خلف يدعوهم إلى الإيمان بالله ويرجو إسلامهم. وكان سبب ظهور الكراهية في وجهه صلى الله عليه وآله وسلم حسب هذا الزعم قوله صلى الله عليه وآله وسلم في نفسه:

يقول هؤلاء الصناديد أنما أتباعه من العميان والعبيد، فعبس صلى الله عليه وآله وسلم في وجهه وأقبل على القوم الذين يكلمهم. فنزلت الآيات تعاتبه في ذلك. وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يكرم ذلك الأعمى إذا رآه ويقول له: مرحباً بمن عاتبني فيه ربي) (1).

وحقيقة هذه الآيات إنها نزلت استنكاراً لرجل من بني أمية كان عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فجاءه ابن أم مكتوم، فلما رآه تقذر في نفسه، وعبس وأعرض بوجهه عنه. فأين أخلاق نبينا الكريم صلى الله عليه وآله وسلم من هذا التصرف؟

ومن علماء أهل السنة القلائل الذين نفوا نزول هذه الآيات في النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو فخر الدين الرازي بقوله: (لا نسلم أن هذا الخطاب متوجه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم: لأن يقال أن أهل التفسير قالوا: الخطاب مع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فإنا نقول: هذه رواية آحاد لا تقبل في هذه المسألة) (2).

ويقول السيد محمد حسين الطباطبائي في تفسيره (الميزان في تفسير القرآن):

(وليست الآيات ظاهرة الدلالة على أن المراد بها هو النبي صلى الله عليه وآله وسلم، بل خبر محض لم يصرح بالمخبر عنه، بل فيها ما يدل على أن المعني بها غيره لأن العبوس ليس من صفات النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع الأعداء المباينين فضلاً عن المؤمنين المسترشدين. ثم الوصف بأنه يتصدى للأغنياء ويتلهى عن الفقراء لا يشبه أخلاقه الكريمة) (3).

____________

(1) أسباب النزول للواحدي، ص 252.

(2) فخر الدين الرازي، عصمة الأنبياء، 95.

(3) محمد حسين الطباطبائي: الميزان في تفسير القرآن، ج 2 ص 223.

الصفحة 242

9 - خطأ النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الصلاة على أحد المنافقين!

وتروى هذه الحادثة كما يلي في صحيح البخاري: (لما توفي عبد الله بن أبي جاء ابنه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله، أعطني قميصك أكفنه فيه، وصل عليه واستغفر له. فأعطاه قميصه... فجاء [ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ] ليصلي عليه، فجذبه عمر فقال: أليس قد نهاك الله أن تصلي على المنافقين، فقال [ لك ] في كتابه: (استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم) [ التوبة / 80 ] قال ابن عمر: فنزلت الآية (ولا تصل على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره) [ التوبة / 84 ] قال: فترك الصلاة عليهم) (1).

والحقيقة التي غابت عن عمر في هذه المسألة أن الله سبحانه وتعالى لم يحرم على رسوله كما يفهم من الآية (استغفر لهم) الصلاة على المنافقين، وإنما خيره في ذلك بالرغم أن النتيجة في الحالتين هي عدم غفران الله لهم.

وقد اختار الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أن يصلي على ذلك المنافق لمصلحة وفائدة بالغة توخاها في استئلاف قلوب أبناء قبيلته الخزرج، حيث أسلم منهم بعد صلاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم تلك ألف رجل وبعد تحقق هذه الفائدة، نزل قوله تعالى: (ولا تصل على أحد منهم مات أبداً). [ التوبة / 84 ].

ومما يكن من الأمر، فلا بد وأن يكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم أعلم الناس بحلال الله وحرامه وأفهمهم لكتابه، ولا يحتمل أن يكون هناك أحد أعلم أو أفهم منه بذلك، وإلا لما كان النبي الذي أرسله الله للناس ليعلمهم الكتاب والحكمة، ولكان الأولى على الله أن يرسل الآخر بدلاً منه (والعياذ بالله). حتى أن عمر نفسه اعترف (بتجرئه) على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: (فعجبت بعد من جرأتي على رسول الله) (2).

____________

(1) صحيح البخاري، كتاب اللباس القميص، ج 7 ص 462.

(2) المصدر نفسه، كتاب الجنائز، ج 2 ص 252.

الصفحة 243

10 - خطأ النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأخذ الفداء من أسرى بدر!

يرى غالبية المسلمين أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أخطأ عندما قرر الصفح عن أسرى بدر وأخذ الفداء منهم مقابل ذلك. ويعتقدون أن الصواب كان في جانب عمر بن الخطاب في اعتراضه على النبي صلى الله عليه وآله وسلم والذي كان رأيه قتلهم جميعاً. وقد اعتبروا رأي عمر هذا من الكرامات والإلهامات لأنه على حسب فهمهم نزل قرأناً ليس فقط في تأييد موقفه، بل وعتاباً للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، والآيات هي: (ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم * لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم) [ الأنفال / 68 ]. وما يوافق هذا التفسير ما أخرجه مسلم في صحيحه بإسناده إلى عمر نفسه قال: (فلما كان من الغد - بعد نزول الآية - فإذا رسول الله وأبو بكر قاعدين يبكيان. قلت: يا رسول الله، أخبرني من أي شئ تبكي أنت وصاحبك.. فقال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: أبكي للذي عرض علي أصحابك من أخذ الفداء، لقد عرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة) (1) وفي رواية أخرى، كان قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (إن كاد ليمسنا في خلاف ابن الخطاب عذاب عظيم، ولو نزل عذاب ما أفلت منه إلا ابن الخطاب) (2).!!

وحقيقة هذه الحادثة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد قرر الصفح عن الأسرى لمصلحة وحكمة متوخياً إسلامهم كما حصل فعلاً فيما بعد. وأما آية العتاب والعذاب تلك فإنها لم تنزل لتندد أو لتهدد النبي صلى الله عليه وآله وسلم - والعياذ بالله - وأصحابه الذين أيدوه بالصفح عن الأسرى وأخذ الفداء، وإنما نزلت قبل حدوث معركة بدر لتندد بالصحابة الذين أرادوا مخالفة رأي النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قتال المشركين، وفضلوا بدلاً من ذلك الاكتفاء بأخذ العير وما تحمله قافلة أبي سفيان، كما في قوله تعالى: (وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير

____________

(1) صحيح مسلم، كتاب الجهاد والسير، ج 4 ص 377.

(2) السيرة النبوية للدحلاني، ج 1 ص 512.

الصفحة 244
ذات الشوكة تكون لكم ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين) [ الأنفال / 7 ] وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد استشار أصحابه فقال لهم: إن القوم قد خرجوا على كل صعب وذلول، فماذا تقولون؟ العير أحب إليكم أم النفير؟

قالوا: بل العير أحب إلينا من لقاء العدو. وقال بعضهم حين رآه مصراً على القتال: هلا ذكرت لنا القتال لنتأهب له؟ إنا خرجنا للعير لا للقتال وهنا نزل قوله تعالى (ما كان لنبي). وكذب من زعم أنه صلى الله عليه وآله وسلم اتخذ الأسرى، وأخذ منهم الفداء قبل أن يثخن في الأرض، فإنه إنما فعل ذلك بعد أن أثخن في الأرض وقتل صناديد قريش وطواغيتها كأبي جهل وعتبة وشيبة والوليد وحنظلة إلى سبعين من رؤوس الكفر وزعماء الضلال، فكيف يمكن بعد هذا أن تفسر الآية على أنها عتاب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم (1)؟

وكان من بين أسرى بدر العباس عم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وقد أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم الصحابة بعدم التعرض له، أو لأي من أسرى بني هاشم بالأذى لأنهم أخرجوا لقتال المسلمين مكرهين. ولكن عمر قام بشد وثاق العباس، حتى أنه كان يود قتله، وكان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يسمع أنينه وتضوره من الأذى فلا يأتيه النوم حتى أطلقه الأنصار (2). ومن المعلوم أن العباس كان ممن تحملوا العذاب مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في بداية البعثة والدعوة في مكة، وكان معه عندما حوصروا في الشعب مع بقية أبناء بني هاشم لثلاث سنين، وهو كان من الذين أمرهم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بكتم إسلامهم والبقاء في مكة ليكتب له أخبار قريش وأسرارهم، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم احتدام القتال في بدر: من لقي منكم العباس فلا يقتله، فإنه خرج مستكرها (3).

____________

(1) بتصرف عن النص والاجتهاد ص 322 - 323، والفصول المهمة ص 112. لشرف الدين الموسوي.

(2) كنز العمال ج 5 ص 272.

(3) السيرة النبوية للدحلاني، ج 1 ص 504.

الصفحة 245
وأخيراً، نذكر مثال ابن حجر المكي في دفاعه عن معاوية اضطر إلى الطعن، بكمال خلق النبي صلى الله عليه وآله وسلم ورشده. حيث وجدنا ابن حجر يقول في محاولته تبرير دعاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم على معاوية (لا أشبع الله بطنه): (ولا نقص على معاوية في هذا الحديث أصلاً... [ ثم قدم أعذاراً محتملة لمعاوية ] وعند هذه الاحتمالات اللائقة بكمال معاوية وفقهه ومكانته، يتعين أن يكون هذا الدعاء عليه هو وليس له بأهل، فيكون له زكاة وأجراً ورحمة، كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: اللهم إني أغضب كما يغضب البشر فمن سببته أو لعنته أو دعوت عليه وليس هو أهلاً لذلك فاجعل اللهم ذلك له زكاة وأجراً ورحمة... فهذا الحديث من مناقب معاوية الجليلة لأنه بان بما قررته إنه دعاء لمعاوية لا عليه) (1).

خطورة الشبهة والافتراء وتفنيدهما:

أو ليس في كل هذه الروايات وغيرها كثير والتي تطعن بعصمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكمال خلقه وعلمه ما فيه فتحاً واسعاً للطعن والسخرية برسالة الإسلام ونبيها؟ فأي دين هذا إذا كان نبيه ومبلغه يتصف بمثل هذه الصفات، وبه مثل ذلك الضعف أمام السحر والغرائز، بل حتى نسيانه آيات الكتاب، وغفلته ونومه عن أداء الفرائض... فلم يعد الأمر متعلقاً بمجرد (خطأ) النبي بأمور الدنيا، لأن حفظ آيات الكتاب وأداء الفرائض ليست من أمور الدنيا على حسب تصنيف من جعلوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم معصوماً بأمور الدين وتبليغه ليس إلا!.

والأدهى من ذلك كله، تصحيح عمر له في أكثر من موقف، حتى أصبح الخليفة وكأنه أعلم وأبعد نظراً من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والعياذ بالله. فكيف لنا أن نقبل بتصديق تلك الإلهامات المزعومة لشخص أفنى شبابه وغالبية عمره في

____________

(1) ابن حجر العيثمي المكي، تطهير الجنان واللسان، ص 29 - 30.

الصفحة 246
الجاهلية يعبد الأصنام ويشرب الخمر ويأد البنات، بل هو نفسه كان يعترف بكثرة أخطائه التي أرتكبها بعد إسلامه، وفي نفس الوقت نغفل عن كل تلك الآيات القرآنية الساطعة بكمال رأي النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسداده وعصمته في أمور الدين والدنيا، وبراءته من كل نقيصة وذنب مهما صغر، بل وما يقتضيه العقل السليم بضرورة كون مبلغ الرسالة مثالاً ورمزاً في العلم والخلق! ومن تلك الآيات قوله تعالى: (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) [ الحشر / 7 ]، وقوله: (إنه لقول رسول كريم * وما هو بقول شاعر قليلاً ما تؤمنون * ولا بقول كاهن قليلاً ما تذكرون * تنزيل من رب العالمين) [ الحاقة / 40 - 43 ]، وقوله سبحانه وتعالى: (إنه لقول رسول كريم * ذي قوة عند ذي العرش مكين * مطاع ثم أمين * وما صاحبكم بمجنون) [ التكوير / 19 - 22 ]، وقوله تعالى: (ما ضل صاحبكم وما غوى * وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى * علمه شديد القوى) [ النجم / 2 - 5 ].

فبالرغم من كل هذه الأدلة القطعية على عدم احتمال فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو تفوهه إلا بما هو حق وصواب في جميع شؤون الدين والدنيا، ودون أي استثناء، فإنك تجد نفس الذين يصرون على كمال إلهامات عمر وموافقاته لله في مواقف عديدة اختلف فيها مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم تجدهم يقومون بتأويل بعض الآيات لأخذها ذريعة في إثبات خطأ النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإنكار تمام عصمته، ويصرون على هذا الرأي أيما إصرار!

ومن تلك الآيات قوله تعالى: (إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً * ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما * وينصرك الله نصراً عزيزاً) [ الفتح / 1 - 3 ]. ويرد السيد الطباطبائي في تفسيره (الميزان في تفسير القرآن) حول هذه الشبهة والتي تعد أكبر مستمسك بيد الطاعنين بكمال عصمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: (ليس المراد بالذنب في هذه الآيات هو الذنب المعروف بمخالفة التكليف الشرعي، ولا المراد بالمغفرة

الصفحة 247
معناها المعروف بترك العقاب على المخالفة المذكورة. فالذنب في اللغة كما يستفاد من موارد استعمالاته هو العمل الذي له تبعة سيئة كيفما كان، والمغفرة هي الستر على الشئ... وفي الآيات، فإن المراد بالذنب التبعة السيئة التي كانت لدعوته صلى الله عليه وآله وسلم عند الكفار والمشركين، وهو ذنب له عليهم كما في قول موسى لربه: (ولهم علي ذنب فأخاف أن يقتلون) [ الشعراء / 14 ].

وما تقدم من ذنبه هو ما كان منه صلى الله عليه وآله وسلم بمكة قبل الهجرة، وما تأخر من ذنبه هو ما كان منه بعد الهجرة، ومغفرته تعالى لذنبه هو ستره عليه بإبطال تبعته بإذهاب شوكتهم وهدم بنيتهم) (1).

ويقدم الشيخ جعفر السبحاني رداً آخر لهذه الشبهة بقوله: (إن إمعان النظر في فقرات الآيات خصوصاً في جعل غفران الذنب غاية للفتح المبين، يتضح أن المقصود بالذنب هو الاتهامات والنسب الباطلة التي كان الأعداء يلصقونها به، وأن ذلك الفتح المبين دل على افتعالها وعدم صحتها من أساسها، ونزه صحيفة حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن تلك النسب) (2).

____________

(1) الطباطبائي، تفسير الميزان، ج 18 ص 258 - 259.

(2) السبحاني: عصمة الأنبياء، ص 204.

الصفحة 248

الفصل الثاني
أخطر الآثار

تفتت الأمة وانقسام إسلامها إلى فرق ومذاهب

لم يكن ضمن تعاليم الشريعة الإلهية حين نزولها ما يجعل من المسلمين مذاهب وفرق متعددة تخاصم وتكفر بعضها بعضاً كما حصل على مر تاريخنا الإسلامي وإلى اليوم، وإنما كان الأمر الإلهي يجمع المسلمين تحت راية واحدة وأن يدينوا بإسلام واحد: (إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون) [ الأنبياء / 92 ].

وكان المسلمون في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم على دين واحد وهو التسليم بما جاء من عقائد التوحيد والنبوة واليوم الآخر وأحكام الدين الضرورية كأحكام الصلاة والصيام وغيرها، وكانوا يرجعون فيما اختلفوا فيه إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الذي كان عندهم النبي والحاكم والقاضي راضين بذلك ومسلمين، ولم يكن حينئذ لأي أحد الفرصة لمنافسته أو مجرد التفكير بتكوين خط معارض أو بديل.

ولكن بعد وفاته صلى الله عليه وآله وسلم مباشرة، وحتى قبل أن يوارى جثمانه الطاهر، بدأ النزاع على الزعامة والحكم، والذي كان في بدايته على شكل بروز تحزبات وتحالفات سياسية كما حصل في سقيفة الأنصار، ثم تحول إلى صراعات مسلحة وحروب دامية أودت بحياة عشرات الآلاف من المسلمين كما حصل في مواقع الجمل وصفين والنهروان. وبسبب هذه المآسي، وبتشجيع من السلطات بدأت الفرق والمذاهب بالتشكل والظهور، وأخذت تنقسم وتتفرع حتى صارت مع مرور الأيام وتوالي الحكومات تعد بالمئات. وبالرغم من

الصفحة 249
انقراض الغالبية العظمى لهذه الفرق، فإن الأمة لا زالت تدفع الثمن الغالي من جراء التنازع وسوء الظن بين ما تبقى من تلك الفرق.

وفي فترات سابقة وصل التعصب بين بعض أتباع المذاهب الأربعة - على سبيل المثال - حد التكفير، فهذا محمد بن موسى الحنفي قاضي دمشق المتوفى سنة 506 ه‍ يقول: (لو كان لي من الأمر شيئاً لأخذت على الشافعية الجزية). وسئل أحد متعصبي الشافعية عن حكم طعام وقعت فيه قطرة نبيذ، فقال: يرمى لكلب أو حنفي) (1)!

ويروي الشيخ محمد الغزالي في أحد كتبه أنه عاش الزمن الذي كان يدخل المسجد تقام فيه أربع جماعات منفصلة للصلاة حسب المذاهب الأربعة. ووصل الأمر إلى مجال التراشق بوضع الأحاديث على لسان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - من ذلك قول الأحناف: (سيكون في أمتي رجل يقال له أبو حنيفة هو سراج أمتي)، ووضع الشافعية قولاً نسبوه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (عالم قريش يملأ طباق الأرض علماً) يقصدون بذلك محمد بن إدريس الشافعي - فرد عليهم الأحناف بحديث: (سيكون في أمتي رجل يقال له محمد بن إدريس أضر على أمتي من إبليس) (2).

ومن أمثلة هذا التعصب في زماننا نكتفي بالفتوى المؤرخة في 12 / 2 / 1412 ه‍ والتي أصدرها الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين عضو مجلس الإفتاء السعودي في تحريم أكل ذبائح الشيعة لأنهم برأيه مشركون ومرتدون ويستحقون بذلك القتل؟!.

وأمام هذا التعصب المذهبي الأعمى من جهة، وتلك النزاعات وأحياناً الحروب بين المسلمين أنفسهم والمشحونة بالأهواء والنعرات الجاهلية من

____________

(1) أسد حيدر، الإمام الصادق والمذاهب الأربعة، ج 1 ص 190.

(2) المصدر نفسه.

الصفحة 250
جهة أخرى، يمكننا فهم مغزى النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم من تحذيره للصحابة وعموم الأمة في كل عصر من مغبة الوقوع في الفتن والنزاع بعده بقوله لهم:

(لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض) (1)!

وفيما يلي نلقي نظرة في حال أمهات الفرق الإسلامية والتي كانت ولادتها وتشكلها من نتاج أزمة الخلافة والإمامة، وهي أربة:

1) أهل السنة والجماعة 2) الشيعة 3) المعتزلة 4) الخوارج

أولاً: أهل السنة والجماعة

نشوء الفرقة وتطورها:

إن المفهوم السائد في أذهان عموم أهل السنة أن الإسلام الصحيح هو المتمثل بما هم عليه وحدهم، وأن غيرهم من الفرق الإسلامية إما ضالة ومنحرفة أو خارجة عن الملة، وقليلون من علماء أهل السنة من يعطوا الفرق الإسلامية الأخرى أهمية البحث والدراسة. ولماذا يعطوا ذلك الاهتمام ما داموا يرون أن لقب (أهل السنة والجماعة) يعني أنهم وحدهم أتباع السنة النبوية وأبناء الفرقة الناجية؟

أما إذا أردنا أن ننظر إلى هذه المسألة بصورة موضوعية، فالاسم وحده لا يكفي لتمييز فرقة على أخرى وتفضيلها، والاقتداء بسنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو عنوان تقول به الفرق الإسلامية الأخرى كالشيعة والمعتزلة وحتى الخوارج. فكل هذه الفرق توجب التمسك بالسنة النبوية وتقديسها. فكيف إذن احتكر أهل السنة والجماعة هذا الوصف دون غيرهم من الفرق؟

____________

(1) صحيح البخاري، كتاب الحج، باب الخطبة أيام منى، ج 2 ص 462.

الصفحة 251
أن لقب (أهل السنة) كان ابتداء وصفاً لمجموعة من العلماء المشتغلين بتدوين الأحاديث النبوية، والذين عرف منهجهم في تحصيل العقائد والأحكام من ظواهر الروايات باسم (فرقة أهل الحديث) التي ظهرت في عهد الأمويين.

ولأن موضوع الأحاديث هو السنة النبوية فإن كلمة السنة أصبحت تستخدم أحياناً بديلاً لكلمة الحديث. وكما يظهر في رسالة لعمر بن عبد العزيز يرد فيها على القدرية قال فيها: (... وقد علمتم أن أهل السنة كانوا يقولون:

الاعتصام بالسنة نجاة...، وقول عمر بن الخطاب: إنه لا عذر لأحد عند الله بعد البينة إلا بضلالة ركبها حسبها هدى...). فمن الواضح هنا أن من يشير إليهم عمر بن عبد العزيز بوصف أهل السنة هم مدونو السنة النبوية وليس أي فرقة أو طائفة وإلا لما فرق بين قول عمر بن الخطاب وقول أهل السنة (1).

ومن المعلوم أن تدوين الأحاديث النبوية لم يبدأ إلا في مطلع القرن الثاني الهجري بأمر من الخليفة عمر بن عبد العزيز، حيث كان التدوين ممنوعاً في عهود من قبله.

وعندما برز الإمام أحمد بن حنبل وتصدر العمل في تدوين العقائد والمعارف المأخوذة من تلك الأحاديث في مطلع القرن الثالث الهجري، أخذ يوسع استخدام لقب (أهل السنة) والذي كان مخصوصاً بالعلماء مدوني السنة النبوية، ليشمل أيضاً الأتباع المقلدين لمذهبه والعوام المؤيدين لمنهج أهل الحديث. وبهذا يكون أحمد بن حنبل قد احتكر اسم أهل السنة ليكون عنواناً خاصاً لبعض المسلمين دون غيرهم من أهل القبلة.

ويذكر أحد المحققين المعاصرين أن أحمد بن حنبل قام بذلك ليوحد آراء أهل الحديث التي كانت مختلفة ومشتتة قبله في مجال العقائد (2)، ويقدم شاهداً على ذلك من كتاب تدريب الراوي للسيوطي، يكشف فيه عن وجود

____________

(1) جعفر السبحاني، بحوث في الملل والنحل، ج 1 ص 343، 270.

(2) المصدر نفسه، ص 310.

الصفحة 252
الاتجاهات المتعددة والمتناقضة عندهم، وجاء إمام الحنابلة ليوحدهم ويقضي على الفاسد من آرائهم ومذاهبهم. فهم كانوا كما يصف السيوطي بين مرجئة ونواصب وشيعة وقدرية وجهمية وخوارج وواقفية وغير ذلك (1).

وهناك رأي ثان حول أصل تسمية أهل السنة والجماعة، حيث يذكر الحاكم أنه لما أمر معاوية بلعن الإمام علي عليه السلام على المنابر زعم أن ذلك سنة يثاب فاعلها، وسمي ذلك العام (عام السنة). ولما قتل علي عليه السلام وأصلح الحسن عليه السلام مع معاوية، واستقر الأمر للأمويين، قام معاوية بتسمية ذلك العام (عام الجماعة) (2)، تمشياً على ما يبدو مع الحديث الذي وضع خصيصاً لهذه المناسبة والذي يصف الفرقة الناجية: (... وواحدة في الجنة وهي الجماعة). فأصبح كل من يعتقد بإمامة معاوية يقول نحن (أهل السنة والجماعة)، ومن الواضح أن المراد بهم ليس أتباع سنة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ولا الجماعة الناجية.

ولشيخ الإسلام ابن تيمية رأي ثالث في منشأ التسمية والمذهب يقول فيه: (فلفظ أهل السنة يراد به من إثبات خلافة الخلفاء الثلاثة (يقصد أبو بكر وعمر وعثمان)، فيدخل في ذلك جميع الطوائف إلا الرافضة (يقصد الشيعة)، وقد يراد به أهل الحديث والسنة المحضة، فلا يدخل فيه إلا من يثبت الصفات لله تعالى، ويقول أن القرآن غير مخلوق، وأن الله يرى في الآخرة، ويثبت القدر وغير ذلك من الأصول المعروفة عند أهل والحديث) (3).

ولا أرى تناقضاً بين هذه الآراء الثلاثة حول أصل تسمية فرقة أهل السنة والجماعة ونشوئها. فالتفسيران اللذان قدمهما ابن تيمية يمكن توفيقهما مع

____________

(1) تدريب الراوي للسيوطي، ج 1 ص 328.

(2) أحمد بن يحيى اليماني، المنية والأمل في شرح الملل والنحل، ص 106.

(3) أحمد بن تيمية، منهاج السنة، ج 2 ص 221.

الصفحة 253
الرأيين الأول والثاني. فقوله أن أهل السنة تعني من اعتقد بخلافة الخلفاء الثلاثة الأوائل ينسجم مع ما نسب إلى معاوية في الرأي الثاني. فمعاوية لم يكن يعمل فقط على ترسيخ فكرة أفضلية الثلاثة الأوائل وإثبات أحقيتهم بالخلافة، وإنما قام بمحاربة الخليفة الرابع وعمل بكل ما أوتي من سلطات على التقليل من فضائل أهل البيت عليه السلام ورفع غيرهم من الصحابة، وتجاوز ذلك إلى حد أمره لخطباء المسلمين بسب الإمام علي عليه السلام على المنابر واعتبار ذلك سنة.

وأما قول ابن تيمية أن أهل السنة يراد بها أهل الحديث والسنة المحضة، فإنه ينسجم مع الرأي الأول والذي أعطى فيه لقب أهل السنة لمعتنقي العقائد والمعارف التي استخرجها ودونها رجال الحديث.

وبناء على ما سبق فإن نشوء فرقة أهل السنة ينظر إليها من ناحيتين: الأولى متعلقة بالخلافة ببعدها السياسي البحت، والثانية متعلقة بالعقائد والأحكام.

فأما من الناحية السياسية، فقد وقع بشأنها أول خلاف بين المسلمين بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وذلك في سقيفة بني ساعدة عندما تنازع الإمارة المهاجرون والأنصار، وقاطع علي عليه السلام ومن معه من الهاشميين وبعض الصحابة نزاعهم ومن ثم اتفاقهم لأنهم كانوا يرون أن علياً كان أحق بالخلافة ممن تنازعوا عليها، وبقوا على رفضهم لمبايعة أبي بكر لستة شهور (1).

وهكذا يمكن اعتبار أن ولادة فرقة أهل السنة كانت في السقيفة وإن لم يظهر من معالمها المميزة آنذاك سوى الخط السياسي، حيث كان يعرف الأتباع من تأييدهم لخلافة أبي بكر وعمر وعثمان، ثم نما وترعرع هذا الخط في عهد الأمويين بحيث كانت تظهر السلطة الحاكمة كممثل ومدافع عن خلافة الثلاثة، وناقمة بل ومقطعة لرؤوس الموالين لعلي وأهل البيت والقائلين بأفضليتهم.

____________

(1) صحيح البخاري، كتاب المغازي، باب غزوة خيبر، ج 5 ص 382.

الصفحة 254
وأما من ناحية العقائد والأحكام، فقد كان ظهور أهل السنة والجماعة كفرقة إسلامية لها عقائدها المميزة ومدرستها الفكرية والفقهية المستقلة والواضحة المعالم على يد جماعة أهل الحديث في أواخر العصر الأموي، ثم تبلورت ونضجت زمن الإمام أحمد بن حنبل في مطلع القرن الثالث الهجري.

ولكن لا بد من الملاحظة هنا أن ابن حنبل ومن قبله أهل الحديث قد استندوا فيما ذهبوا إليه من عقائد وأحكام بصورة كبيرة على (اجتهادات) الخليفة عمر وآلاف الأحاديث التي رواها الصحابة معتبرين صحتها جميعاً، مما يظهر تأثرهم وارتباطهم الوثيق بالخط السياسي، والذي تولد نتيجة لصراعات وتنازعات تدخلت فيها الأهواء، بل وسالت بسببها بحار من الدماء، الأمر الذي يضع كثيراً من تلك العقائد والأحكام في محل الشك والارتياب.

إنقسام الفرقة وتشعبها

كان لتوسع الدولة الإسلامية وتباعد البلدان واختلافها في العادات والمشاكل السائدة في بيئاتها أكبر الأثر في ظهور حركة الاجتهاد وبألوان متعددة يمكن إجمالها بمنهجين رئيسيين في معرفة العقائد الإسلامية واستنباط الأحكام الشرعية: أحدهما يكثر فيه الرأي والقياس (بمعنى كثرة استخدام العقل) في المواضع التي لا تعطي فيها النصوص الشرعية الوضوح والتفصيل الكافيين لمعرفة الأحكام، وثانيهما يغلب عليه التمسك الصارم بالرواية وعدم الخروج عن حدود ألفاظ النص وظاهرها مهما كلف الأمر، ولا يأخذ بالعقل كأسلوب في تحصيل المعارف والأحكام. وهذان المنهجان (أهل الحديث وأهل الرأي أو النقلي والعقلي) تطوراً على شكل مدرستين لكل منهما علماؤها ومنظروها مما ساعد على ظهور الفرق الكلامية أو المذاهب العقائدية والمذاهب الفقهية.

أولاً: الفرق الكلامية (المذاهب العقائدية):

شهدت أواخر خلافة الإمام علي عليه السلام وبداية العصر الأموي أول ظهور للفرق الكلامية (وعلم الكلام هو العلم الذي يدور حول عقيدة التوحيد بآراء

الصفحة 255
فلسفية) وذلك من جراء الحوادث التي ألمت بالأمة ابتدأ بمقتل عثمان ومعارك الجمل وصفين وقتل المعارضين لبني أمية وغيرها، حيث كانت تدور المجادلات في مسائل المصير الأخروي لمرتكب الكبيرة والقضاء والقدر كالمعركة التي حصلت مثلا في صفين، هل كانت بقضاء الله وإرادته المفروضة على الناس أم كانت بفعل الذين شاركوا فيها وبكامل اختيارهم، وما هو حكم قادتها والمسلمين الذين ذهبوا ضحيتها. وقد كانت تتشكل المذاهب العقائدية تبعاً لآراء أصحابها تجاه هذه المسائل. ومن هذه الفرق التي حسبت تاريخياً من تشعبات أهل السنة ما يلي:

1 - المرجئة:

وهم الذين قالوا لا يضر مع الإيمان معصية، كما لا ينفع مع الكفر طاعة، ويرون تقديم الإيمان وإرجاء العمل. ويقولون أن المعرفة والاعتقاد القلبي كافيان للفوز بالجنة والسعادة الأخروية، حتى لو لم يصلوا ويصوموا (1). وأول ما أطلق هذا الاسم على الذين اجتمعوا مع معاوية بعد مقتل الإمام علي عليه السلام، وسموا المرجئة لأنهم والوا المتنازعين جميعاً في الجمل وصفين، وقالوا: أن أهل القبلة كلهم مؤمنون بإقرارهم الظاهر بالإيمان، ورجوا لهم جميعاً المغفرة (2).

ويرى المؤرخون أن هذه الفرقة نشأت أساساً بإيعاز ودعم من الحكم الأموي، فحكمت بمشروعية حكمهم، وتركت الحكم فيما اقترفوه من الأحداث الجسام إلى الله تعالى، فهو الذي يحكم بين عباده بالحق يوم القيامة، والمسلم يكفي أن يكون مسلماً، وليس لأحد أن يخوض في أعمالهم أو يحكم عليهم بشئ من عنده (3).

____________

(1) شريف الأمين، معجم الفرق الإسلامية، ص 219.

(2) المصدر نفسه، ص 221.

(3) باقر شريف القرشي، موسوعة الإمام الصادق، ج 7 ص 212.

الصفحة 256
ويقول الخليفة المأمون: (أن الإرجاء دين الملوك) (1). وقد كان واضحاً أن هذه الفرقة كانت فعلاً أحد أجهزة السلطة الأموية آنذاك، ثم تحول فكر المرجئة كأداة للسلطات الحاكمة في كل العصور لتبرير سياسة الحاكمين والحيلولة دون نقدها في حالة مخالفتها لأحكام الشريعة.

2 - المجبرة:

وهم الذين قالوا أن العبد مجبر على ما هو فيه من طاعة أو معصية، ويسمون أيضاً بالقدرية لقولهم أن كل حادث حسناً كان أو قبيحاً هو بقضاء الله وقدره. وهم الذين وقفوا مع معاوية في حربه ضد الإمام علي عليه السلام، وقالوا أن كل ما حصل بينهما كان بقضاء الله وقدره ولا ذنب لهما فيه (2).

وهذا معاوية نفسه يقول في إحدى خطبه: (أن الله يقول: (وإن من شئ إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم) [ الحجر / 2 ] فلم نلام نحن؟ فقام إليه الأحنف فقال: إنا لا نلومك على ما في خزائن الله، ولكن نلومك على ما أنزل الله علينا من خزائنه فأغلقت بابك دونه يا معاوية) (3). وأما الحجاج، فقد قال بعد أن قتل رجلاً لإظهاره حب الإمام علي عليه السلام: اللهم أنت قتلته ولو شئت لمنعتني منه (4).

وهكذا فإن بني أمية - كما يذكر المؤرخون - كانوا يركزون على مسألة الجبر لتبرير سلوكهم ومظالمهم ضد المسلمين ليكونوا معذورين، فقتلوا معبد الجهني (على يد الحجاج سنة 80 هجرية)، وغيلان الدمشقي (على يد هشام بن عبد الملك سنة 106 هجرية) لقولهما بحرية الإرادة (5).

____________

(1) المصدر نفسه.

(2) أحمد اليماني، المنية والأمل في شرح الملل والنحل، ص 105.

(3) المصدر نفسه.

(4) المصدر نفسه، ص 87.

(5) مفيد الفقيه، العقل في أصول الدين، ص 27.

الصفحة 257
وقد انقسمت الجبرية إلى قسمين: متوسطة وهي التي تثبت للعبد كسباً في الفعل كالأشعرية، وخالصة لا تثبت للعبد أي فعل كالجهمية والنجارية والضرارية، وبهذا يلزمهم نفي التكليف الذي أوجبه الشرع (1).

3 - أهل الحديث:

وتشكلت هذه الفرقة أساساً من الذين عملوا على جمع الأحاديث تدوينها في القرن الثاني الهجري، وبنوا عقائدهم وأحكامهم بالاعتماد الكلي على ظواهر الآيات والروايات التي رواها الصحابة والتابعون الأوائل عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ويحرمون تأويلها، فكثر فيهم من يقولون بأن الله جسم ينتقل ويحرك أعضاءه كاليد والرجل والوجه. وهم يحرمون المناظرات الكلامية أو المناقشات الفلسفية المتعلقة مثلاً بالقضاء والقدر أو التطرق بالحديث عن خلافات الصحابة ومواقع كالجمل وصفين وكربلاء. وهم بذلك عملوا على إعدام العقل في مجال التعامل مع الأحاديث والعقائد المأخوذة منها، أو أي قضية حصل حولها الجدال.

وقد كانت فرقة أهل الحديث تمثل الغالبية العظمى لأهل السنة زمن الأمويين وبداية العصر العباسي، وكانت على أقسام حسب درجة تعامل أصحابها مع الأحاديث لا سيما فيما يتعلق بتحقيق الأسانيد والرواة، فكان منهم ممن عرفوا بلقب (الحشوية) لأنهم كانوا يحشون الروايات التي لا أصل لها ويقبلونها على علاتها دون أي تحقيق.

وكان الإمام أحمد بن حنبل (160 - 241 هجرية) أشهر رجال الحديث المحققين حيث عمل على تنظيم الأحاديث المروية وتوحيد العقائد (السنية)، والتي يمكن إجمال أهمها في النقاط التالية حسب ما جاء في رسالة له (2):

____________

(1) شريف الأمين، معجم الفرق الإسلامية، ص 81.

(2) أحمد حنبل، السنة، ص 44 - 50 (بتصرف).