الثالث: ما قدمناه من إسراع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالخروج وهو في تلك الحال من المرض الشديد وصلاته من جلوس صلاة المضطر، فإن في ذلك دلائل واضحة على أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أراد بخروجه أن يرفع ما أذاعوه بين الناس، من أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) هو الآمر لأبي بكر (رض) بالصلاة فيهم لا سيما إذا لاحظتم خطبته في رواية الطبري المتقدمة من قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): " سعرت النار وأقبلت الفتن " الدال صريحا على أن تلك الصلاة لم تكن من أمره، وإنما كانت فتنة اتخذها أصحاب الخليفة أبي بكر (رض) ذريعة لإثبات ما يبتغون، لذا ترون أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يعتد بها وصلى مبتدئا كما في رواية الطبري (1) مدلا للناس على عدم اعتداده بتلك الصلاة، الأمر الذي يدلنا بصراحة على أنه لم يكن من أمره (صلى الله عليه وآله وسلم) الرابع: إن الثابت في التاريخ الصحيح وصحيح الأحاديث عند أهل السنة إن الخليفة أبا بكر (رض) كان وقتئذ في جيش أسامة بن زيد وتحت إمرته، وقد لعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من تخلف عنه كما سجله محمد بن عبد الكريم الشهرستاني في كتاب (الملل والنحل)، فكيف يصح هذا مع دعواكم أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أمره بالصلاة في الناس، وإلا لزمكم أن تقولوا بتخلفه (رض) عن جيش أسامة، وذلك مع كونه مانعا من أمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) له بالصلاة فيهم لا يمكنكم أن تذهبوا إليه كما تعلمون.
الخامس: لو كانت تلك الصلاة بأمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لما كان يناسب خطاب أمهات المؤمنين (رض) بذلك الخطاب القارص ويقول لهن " إنكن لأنتن صويحبات يوسف " ولا يجوز لمسلم أن يظن برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا بما هو أهله، فإن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أعظم خلقا وأعلى قدرا، وأجل شأنا عما يتحدث به عنه المفترون.
ومن كل هذا ونحوه تعلمون عدم إمكان صدور مثل هذا الحديث عن
____________
(1) تاريخ الطبري: ج 2 ص 449.
فأقول لحضرة الدكتور:
لو فرضنا جدلا صحة حديث عائشة أم المؤمنين (رض)، وغضضنا النظر عن تلك الوجوه المتقدمة.
ومع ذلك فإن الأمر بالصلاة خلفه لا يوجب للخليفة أبي بكر (رض) الإمامة العامة على المسلمين لعدة أمور منها:
أولا: فلما اتفق عليه أئمة السنة والحفاظ عندكم من أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) صلى خلف عبد الرحمن بن عوف على ما حكاه ابن كثير (1) في كتابه، وهذا شئ لا تختلفون فيه، فلم يوجب ذلك فضلا لعبد الرحمن على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولا يقتضي أن يكون إماما واجب الطاعة عليه (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلى غيره من أصحابه، فكما أن صلاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) خلف ابن عوف لم توجب له الإمامة على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا على غيره من الناس، فكذلك لم توجب صلاة أبي بكر (رض) بالمسلمين إمامته عليهم.
ثانيا: لا خلاف بين الفريقين في أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد استعمل عمرو بن العاص على الخليفتين أبي بكر وعمر (رض) وجماعة المهاجرين والأنصار، وكان يؤمهم في الصلاة مدة إمارته عليهم في واقعة ذات السلاسل على ما حكاه ابن كثير (2) أيضا، فلم توجب صلاته فيهم (3) وإمامته عليهم، ولا فضلا عليهم، لا في الظاهر، ولا عند الله تعالى على حال من الأحوال، فكذلك الحال في صلاة أبي بكر (رض) فيهم، لا توجب إمامته (رض) عليهم، ولا فضلا عليهم.
____________
(1) البداية والنهاية لابن كثير: ج 5 ص 2.
(2) البداية والنهاية لابن كثير: ج 4 ص 273.
راجع في ذلك إمامة عمرو بن العاص في الخليفتين أبي بكر وعمر (رض) تلك المصادر:
السيرة الحلبية للحلبي الشافعي: ج 3 ص 19، وراجع أيضا تاريخ الخميس: ج 2 ص 82، والدحلاني في ص 11 من سيرته بهامش الجزء الثاني من السيرة الحلبية.
وهناك دليل آخر:
ولو كان ذلك مما يوجب ولاية لأحد على المسلمين لكان عتاب بن أسيد أحق بالخلافة من الخليفة أبي بكر (رض) إذ كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد قدمه يصلي الناس حين فتح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مكة ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مقيم بمكة، وأبو بكر معه يصلي خلف عتاب بن أسيد فقدمه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يصلي بالناس في المسجد الحرام من غير علة ولا ضرورة دعته إلى ذلك، وهذا بإجماع الأمة فكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يصلي بالناس الظهر والعصر، وعتاب بن أسيد يصلي بالناس الثلاث صلوات بإجماع الأمة وبإجماع الأمة أن المسجد الحرام أفضل من سمد (2) المدينة ومكة أفضل من المدينة ويلزم في النظر أن من قدمه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في الموطن الأفضل من غير علة أفضل ممن قدمه في مسجد هو دونه في الفضل مع ضرورة العلة.
تجويزكم للصلاة خلف البر والفاجر (3)
ثم إنكم متفقون على أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أرشدكم إلى الصلاة خلف كل
____________
(1) صحيح البخاري: ج 1 ص 89 (باب: إمامة العبد من أبواب صلاة الجماعة من كتاب الآذان).
(2) ينقل لنا صاحب الاستغاثة: فيقول: كذا في الأصل والظاهر أنه أفضل من مسجد رسول الله بالمدينة. الاستغاثة ص 151.
(3) رواه البيهقي في السنن 4 / 19 من مرسل مكحول عن أبي هريرة، الفتح الكبير: 2 / 190 وهذا ما أخذته من كتاب العقيدة الطحاوية المسماة " بيان أهل السنة والجماعة " للإمام أبي جعفر الطحاوي، قدم له الشيخ محمد صالح قرقور ص 108 ط دار الفكر 1992 الطبعة الثانية.
فإذا كانت الصلاة تجوز عندكم خلف كل فاسق وفاجر والاقتداء بكل ظالم وعاص بإجماع أئمة أهل السنة نصا، وفتوى، وعملا، وكانت صلاة الخليفة أبي بكر (رض) بالمسلمين دليلا على خلافة الرسالة، وإمامة الأمة، كان ذلك دليلا أيضا على إمامة هؤلاء جميعا ولكان كلهم خلفاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من بعده، وكأن قوله تعالى: (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار) باطلا لا معنى له، وليس له في الوجود صورة، وهذا باطل بالضرورة من الدين والعقل، وذلك مثله باطل. وفي نهاية المطاف أنصح كل من أراد الكشف عن الأمور المتباينة والمتضادة في هذا الحديث، وأراد البحث عن الأدلة الواضحة على عدم صدور هذا الحديث من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والذي أكد هذا الاختلاف في الحديث (1) فليراجع ما قاله الحافظ ابن حجر وأكده.
____________
(1) فراجع الحافظ ابن حجر العسقلاني في كتابه (فتح الباري في شرح صحيح البخاري) في أواخر ص 106 وما بعدها من جزئه الثاني في باب (حد المريض أن يشهد الجماعة) فراجعوا ذلك وفقكم الله لتعلموا ثمة صحة ما ذكرنا.
الحديث الثالث:
عن عائشة رضي الله عنها وعن أبيها قالت:
دخل علي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في اليوم الذي بدئ فيه، فقال:
" ادعي لي أباك وأخاك حتى أكتب لأبي بكر كتابا " ثم قال: " يأبى الله والمسلمون إلا أبا بكر ".
قائلا لم يكتب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) خوفا من أن تكون الخلافة وراثة فتنقلب ملكا عضوضا وتابع قوله: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أعلن هذا الكلام ولم ينفذه..!!
فأقول: إن هذا الحديث موضوع، وضع مقابل الحديث المشهور في البخاري الذي يقول ائتوني بدواة وكتف أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعدي ولما واجه القوم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بتلك الكلمة القارصة والعبارة الجارحة.
خاصة وهو في آخر أيامه من الدنيا رأى (صلى الله عليه وآله وسلم) أن من الحكمة والمصلحة أن يعدل عن كتابته حفاظا على الدين وقياما بما أوجبه (صلى الله عليه وآله وسلم) من تقديمهم الأهم على المهم لأنه (صلى الله عليه وآله وسلم) نظر إلى صدور الشك منهم فعلم (صلى الله عليه وآله وسلم) أن ذلك الكتاب لا يرفعه ولن يرفعه أبدا كما أن عدوله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن كتابته لم يكن بعدم الفائدة فيه بعد تلك المعارضة وموافقة جمهور الصحابة لقائله. فحسب، بل لأنه (صلى الله عليه وآله وسلم) لو لم يعتن بقولهم، وكتبه، لقالوا فيما قلنا (كتبه وهو يهجر) أو مغلوب للوجع فهو يتكلم بكلام المرضى المحمومين الذي هو الهذيان والهذر.
وحينئذ تكون خلافة علي وبنيه الطاهرين من البيت النبوي (صلى الله عليه وآله وسلم) الثابتة بالنصوص القولية القطعية موضعا للشك وموردا للطعن، بل لا يبقى أثر لكتابة ذلك الكتاب سوى توسعة شقة الخلاف، واللغط بينهم على حد قول ابن عباس بل لا يؤمن من وقوع الفتنة من بعده في أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) هل هجر (والعياذ بالله) فيما كتب أو لم يهجر؟ كما تنازعوا وأكثروا من الاختلاف واللغط بحضرته (صلى الله عليه وآله وسلم) وفي آخر أيام حياته (صلى الله عليه وآله وسلم) فلم يتسن له (صلى الله عليه وآله وسلم) يومئذ أكثر من أن يقول: " قوموا عني فلا ينبغي عند نبي تنازع " بل لو أصر، على كتابته لأصروا على قولهم هجر. وأكثروا في إشاعته ونشره، ولتوسع أتباعهم وأنصارهم في إثبات هجره (صلى الله عليه وآله وسلم) فسطروا الأساطير وملأوا الطوامير ردا منهم على ذلك الكتاب، وإسقاطا منهم له من الحساب وعن درجة الاعتبار لذلك
وقال أيضا حضرته: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أعلن هذا الكلام ولم ينفذه..!!
أقول: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أراد أن يكتب وقوله في الحديث: (لن تضلوا بعدي) دليل على وجوب الأخذ بهذا الكتاب الذي سيكتبه لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، لكن القوم أعرضوا، ونسبوا إليه المرض والهذيان والوجع فأعرض عن ذلك. والسبب الرئيس لإعراض النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
فيذهب الدين من أصله، لا سيما وهو المعارض ويعلم كل العلم أن عليا (عليه السلام) وأشياعه خاضعون لمدلول ذلك الكتاب وأنه يستهدف به أجر الخلافة، وأنه (صلى الله عليه وآله وسلم) يريد أن يجعلها في علي والأئمة الأحد عشر من أبنانه الطاهرين بنص ذلك الكتاب، تأكيدا لنصه عليهم يوم الغدير، وفي حديث الثقلين، والنجوم، والسفينة وغيرها من الأدلة المتقدم ذكرها سواء عندهم أكتبه أم لم يكتبه.
وإن قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في هذا الأمر:
" دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه " ورأيت ما قالوا به من ذلك القول الخشن بلا تدبر ولا روية.
هذا وهو لا يزال (صلى الله عليه وآله وسلم) حيا بين ظهرانيهم، فكيف يكون حالهم من الاختلاف والتنازع بعد وفاته (صلى الله عليه وآله وسلم)..؟
لذا رأى (صلى الله عليه وآله وسلم) أن من حسن تدبيره (صلى الله عليه وآله وسلم) لهم ورعايته لشؤونهم أن يضرب الصفح عن ذلك الكتاب، خوفا من وقوع الفتنة، وحفظا لكيان الدين، وصيانة لدماء المسلمين، واحتياطا على نصوصه في خلافة علي وبنيه (عليه السلام) من بعده، لئلا تصبح غرضا لنبال الشك، وهدفا لسهام الطعن والتشكيك من المعارضين.
ولكن سبق النص على علي (عليه السلام) يوم (الغدير) الذي كان على مرأى منهم ومسمع، كان من الأدلة الواضحة عندهم، وليعلم الدكتور وكل من أراد التشكيك بأنه (صلى الله عليه وآله وسلم) عندما طلب منهم الدواة والكتف حتى يكتب لهم أراد لهم تجديد العهد والوصية لعلي وبنيه الطاهرين، ويؤكد عليهم الحجة ففهموا ذلك، وأبوا عليه (صلى الله عليه وآله وسلم) تحقيقه، فقالوا فيه تلك الكلمة الكزة، ولأن الذي يضرهم كما قلنا إنما هو كتابة الخلافة لعلي وبنيه (عليه السلام) دون غيره، ويؤكد لك ذلك ويثبته ويقطع أمامك الشك باليقين.
ما سجله ابن أبي الحديد المعتزلي في (شرح نهج البلاغة) (1) عن أحمد بن أبي طاهر المعروف بابن أبي طيفور وكان في العقد الثاني من الهجرة النبوية وهو صاحب (تاريخ بغداد) (2) عن ابن عباس أنه قال في حديث طويل جرى بينه وبين الخليفة عمر بن الخطاب (رض).
" قال عمر (رض) في بعض ما أجاب به ابن عباس ما ملخصه:
(إني لما علمت أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أراد في مرضه أن يكتب لعلي (عليه السلام) بالخلافة ويعهد بها إليه، فمنعته من ذلك، لعلمي بأن العرب تنتقض عليه لبغضها له) ".
وهو يرشدكم إلى أنهم كانوا يعلمون مسبقا بالنص عليه (عليه السلام) ولكنهم يرون أن مصلحة الأمة وانتقاض العرب، وعدم رغبتهم في اجتماع النبوة والإمامة في أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، كل ذلك يقتضي منع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والحيلولة بينه (صلى الله عليه وآله وسلم) وبين ما أوحى الله تعالى به إليه، من وجوب طاعتهم المطلقة لعلي (عليه السلام) من بعده، وتنصيصه (صلى الله عليه وآله وسلم) على علي تم بالخلافة عليه (عليه السلام)، وهذا واضح لا سبيل إلى إنكاره.
وحتى أكشف لكم زيف ما تحدث به حضرة الدكتور البوطي.
____________
(1) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 3 ص 97.
(2) تاريخ بغداد: ج 4 ص 211.
" قال عمر بن الخطاب لابن عباس: يا بن عباس، أتدري ما منع قومكم منهم بعد محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ فكرهت أن أجيبه، فقلت: إن لم أكن أدري فإن أمير المؤمنين يدريني، فقال عمر: كرهوا أن يجمعوا لكم النبوة والخلافة فتبجحوا على قومكم بجحا بجحا، فاختارت قريش لأنفسها فأصابت ووفقت، فقلت:
يا أمير المؤمنين إن تأذن لي في الكلام وتمط عني الغضب تكلمت، قال:
تكلم، قلت: أما قولك يا أمير المؤمنين: اختارت قريش لأنفسها فأصابت ووفقت، فلو أن قريشا اختارت لأنفسها حيث اختار الله لها لكان الصواب بيدها غير مردود ولا محسود، وأما قولك: إنهم أبوا أن تكون لنا النبوة والخلافة، فإن الله عز وجل وصف قوما بالكراهة، فقال: (ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم). فقال عمر: هيهات والله يا بن عباس، قد كانت تبلغني عنك أشياء كنت أكره أن أقرك عليها فتزيل منزلتك مني " (1).
ولهذا يقول الدكتور طه حسين: " ولكن المسلمين لم يختاروه، خوف قريش أن تستقر الخلافة في بني هاشم إن صارت إلى أحد منهم... " (2).
ولهذا يقول عمر بن الخطاب: "... لقد كان - أي النبي - يربع في أمره وقتا ما، ولقد أراد في مرضه أن يصرح باسمه فمنعته من ذلك إشفاقا وحيطة على الإسلام.
لا ورب هذه البنية لا تجتمع عليه قريش أبدا. ولو وليها لانتفضت عليه العرب في أقطارها فعلم رسول الله أنني علمت ما في نفسه فأمسك " (3).
____________
(1) تاريخ الطبري: ج 4 ص 223 - الكامل لابن الأثير: ج 3 ص 34.
(2) طه حسين: الفتنة الكبرى - عثمان - ص 153 - 152 - 1976.
(3) محمد جواد شري: أمير المؤمنين - ص 162 - 163 - نقلا عن نهج البلاغة لابن أبي الحديد وتاريخ الطبري.
ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم وقوله تعالى: (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا " (1).
____________
(1) سورة النساء: الآية 115.
المسألة الخامسة
قوله: " بأن الصحابة اتفقوا على حديث نحن معاشر الأنبياء لا نورث " (1).
فأقول: إن الخليفة أبو بكر تفرد برواية هذا الحديث.
فتعال معي أيها القارئ الكريم لنختصم إلى القرآن الكريم مقتدين بكلام الإمام الصادق (عليه السلام): ما جاءكم من الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعن أئمة أهل البيت فاعرضوه على القرآن فإن كان موافقا للقرآن فخذوا به، وإن كان مخالفا للقرآن فاضربوا عرض الحائط.
قال تعالى في كتابه العزيز: (وورث سليمان داوود).
فإن قلت لي يا سماحة الدكتور: أن الميراث المطلوب في هذه الآية هو العلم والنبوة والحكمة.
أقول لك: من فضلك اسمع ما قالت الزهراء (عليها السلام) سيدة نساء العالمين في خطبتها المشهورة للخليفة أبي بكر (رض):
" يا ابن أبي قحافة! أفي كتاب الله أن ترث أباك ولا أرث أبي؟
لقد جئت شيئا فريا!! فعلى عمد تركتم كتاب الله، ونبذتموه وراء ظهوركم؟ إذ يقول: (وورث سليمان داوود). وقال: فيما اختص من خبر يحيى بن زكريا إذ قال:
____________
(1) المحاضرة بتاريخ 2 / 10 / 1995 جامعة دمشق في درس من دروس العقيدة الإسلامية.
وقال: (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله).
وقال: (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) وقال: (إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين).
وزعمتم! أن لا حظوة لي، ولا إرث من أبي، ولا رحم بيننا، أفخصكم الله بآية أخرج أبي منها؟
أم هل تقولون: إن أهل ملتين لا يتوارثان؟
أولست أنا وأبي من ملة واحدة؟
أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمي؟!
فدونكها مخطومة مرحولة، تلقاك يوم حشرك، فنعم الحكم الله، والزعيم محمد، والموعد القيامة، وعند الساعة يخسر المبطلون ولا ينفعكم إذ تندمون، (ولكل نبأ مستقر وسوف تعلمون)، (من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم) (1).
ويكفينا جوابا قول بضعة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لأنها أخرست ألسنتنا وأسكتت أقلامنا، فوقفت مبهوتا أمام الحجة والبيان والدليل والبرهان لمن اعتبر وارتدع وعاد إلى رشده بتعقل وتفكر.
____________
(1) شرح النهج: 4 / 93 لابن أبي الحديد المعتزلي.
بلاغات النساء: للإمام أبي الفضل أحمد بن طيفور البغدادي - (خطبة الزهراء) ص 9 - 12 الطبعة الحيدرية.
المسألة السادسة
قوله: كان المسلمون على مستوى الشورى الحقيقية (1)؟
فأقول لحضرة الدكتور:
دعنا نستعرض الأحداث التاريخية للشورى الحقيقية التي بلغت أرقى مستوياتها من وجهة نظرك..!
ودعنا نستعرض كيف تمت هذه الشورى..؟
كلنا نعلم أن الخليفة عمر فكر في طريقة ابتكار مسألة الشورى المخالفة لصاحبه أبي بكر (رض) الذي تم أمره من غير شورى، فقال قولته المشهورة:
إن بيعة أبي بكر كانت فلتة وقى الله المؤمنين شرها ومن عاد إليها فاقتلوه (2)، فحاول الخليفة الثاني بأن لا تكون بيعته فلتة، مثلما كانت بيعة صاحبه فلتة، فابتكر هذه المسألة (أعني الشورى) للتغطية على مواقفه السابقة مع صاحبه، والدفاع عنه في كل المواقف حتى آلت إليه الخلافة وهذا ما يذكرني بقول علي (عليه السلام) عندما أخرجوه قهرا من بيته إلى سقيفة بني ساعدة، فقال عمر لعلي (عليه السلام): بايع أبا بكر - إنك لست متروكا حتى تبايع.
فقال له علي: احلب يا عمر حلبا لك شطره، أشدد له اليوم أمره لترد عليك غدا.. وحقا ما قال الإمام (عليه السلام) لقد تحقق وفاز عمر بالخلافة بتعيين من صاحبه.
____________
(1) المحاضرة بتاريخ 2 / 15 / 1995.
(2) صحيح البخاري ج 8 ص 540 كتاب الحجازيين من أهل الكفر.
أو لم يفكر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كما كان يفكر أبو بكر..؟
حقا إن هذا الأمر لعجيب! ويحتاج منا أن ندقق ونبذل الجهد للوصول إلى كشف الحقائق التي تنطلي على كثيرين من أبناء الأمة الإسلامية الذين يتخبطون في غياهب الظلمات، فكانوا ضحية إعلام تاريخي قد سقط وانتهى... فآن الأوان أن نستيقظ من هذا السبات العميق، ونتخلى عن رواسب الماضي، ونحطم تلك الحواجز المصطنعة التي وضعها بنو أمية، لتضليل طائفة من المسلمين تحمل أفكارا وهمية لا حجة فيها ولا سند.
كيف تمت هذه الشورى..؟
عندما استولى الخليفة الثاني (رض) على الخلافة... وتربع على عرشها فترة من الزمن فقد جاءت الأقدار بطعن الخليفة عمر فمرض.. فقيل له وهو في مرضه: ماذا تستخلف من بعدك..؟
فقال: لو كان أبو عبيدة بن الجراح حيا لاستخلفته، فإن سألني ربي قلت:
نبيك يقول: إنه أمين هذه الأمة.
ولو كان سالم مولى أبي حذيفة حيا لاستخلفته (1).
أقول: بالله عليكم ما دام الخليفة عمر قد عين ونص على الخليفة من بعده، فأين نحن من مسألة الشورى التي ننادي بها.. حتى ملأت هتافاتنا كل بيت فأصبحت حديث الساعة.
لو أن الخليفة لم يقل هذا... فلربما اقتنعنا بمسألة الشورى.
ولكن علاوة على ذلك.. قال: ادعوا له ستا.
____________
(1) العقد الفريد: لابن عبد ربه 5 / 275 أوردناه ملخصا.
1 - عثمان بن عفان.
2 - علي بن أبي طالب.
3 - عبد الرحمن بن عوف.
4 - سعد بن أبي وقاص.
5 - الزبير بن العوام.
6 - طلحة بن عبيد الله.
فقال عبد الرحمن بن عوف: اجعلوا أمركم إلى ثلاثة منكم، أي:
ليبايع كل واحد فيكم واحدا آخر فجعل كل من الثلاثة أمرهم إلى الثلاثة الباقين. كالتالي:
1 - الزبير بن العوام إلى 4 - علي بن أبي طالب 2 - طلحة بن عبد الله إلى 5 - عثمان بن عفان 3 - سعد بن أبي وقاص إلى 6 - عبد الرحمن بن عوف
فاجتمع في الأمر عليا، وعثمان، وعبد الرحمن. فأمسك عبد الرحمن بيد علي وعثمان، وتبرأ هو من الأمر.
فقال: يا علي لعل هؤلاء سيعرفون لك قرابتك من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وصهرك وما أنالك الله من الفقه والعلم، فإن وليت هذا الأمر فاتق الله فيه.
ثم قال لعثمان: يا عثمان، لعل هؤلاء القوم يعرفون لك صهرك من رسول الله وسنك فإن وليت هذا الأمر فاتق الله فيه ولا تحمل آل أبي معيط على رقاب الناس. ثم قال: ادعوا لي صهيبا. فدعي، فقال: صل بالناس ثلاثا، وليخل هؤلاء النفر في بيت، فإذا اجتمعوا على رجل منهم، فمن خالفهم فاضربوا رأسه. فلما خرجوا من عند عمر قال: إن ولوها الأجلح (1) سلك بهم الطريق.
____________
(1) الأجلح: من انحسر شعره من جانبي رأسه.
وروى البلاذري في أنساب الأشراف أن عمر قال:
(إن رجالا يقولون إن بيعة أبي بكر فلتة وقى الله شرها، وإن بيعة عمر كانت عن غير مشورة والأمر بعدي شورى، فإذا اجتمع رأي أربعة فليتبع الاثنان الأربعة، وإن اجتمع رأي ثلاثة وثلاثة فاتبعوا رأي عبد الرحمن بن عوف فاسمعوا وأطيعوا وإن صفق عبد الرحمن بإحدى يديه على الأخرى فاتبعوه) (2). وروى البلاذري في ج 5 / 19 من كتابه أنساب الأشراف:
(إن عليا شكا إلى عمه العباس ما سمع من قول عمر: كونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف، وقال: والله لقد ذهب الأمر منا، فقال العباس:
وكيف قلت ذلك يا ابن أخي؟
فقال: إن سعدا لا يخالف ابن عمه عبد الرحمن بن عوف.
وعبد الرحمن نظير عثمان وصهره فأحدهما لا يخالف صاحبه لا محالة. وإن كان الزبير وطلحة معي فلن أنجح بذلك إذ كان ابن عوف في الثلاثة الآخرين.
وقال ابن الكلبي: عبد الرحمن بن عوف زوج أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، وأمها أروى بنت كريز، وأروى أم عثمان فلذلك قال صهره (3).
فأقول بعد كل هذا العرض التاريخي للأحداث.
فأين تلك الشورى الحقيقية؟
وأين هي أدلتها.. والله لقد صدق معاوية عندما قال (ولقد شق عمر عصا الأمة... آخر حياته كما شقها - يوم السقيفة...
____________
(1) راجع طبقات ابن سعد ج 3 ص 257، الإستيعاب لابن عبد البر ومنتخب الكنز ص 529 والرياض النضرة ج 2 ص 72 وأخرجه النسائي أيضا.
(2) أنساب الأشراف للبلاذري: ص 5 / 15.
(3) أنساب الأشراف للبلاذري: ج 5 / 19، والعقد الفريد لابن عبد ربه: ج 3 / 75.
فقد زعم الدكتور أن الشورى حقيقية وبلغت أرقى مستوياتها بين المسلمين كافة.
هذا أولا.
وبعضهم قال بالنص القرآني الذي يقول: (وأمرهم شورى بينهم) أو:
(وشاورهم في الأمر).
وهناك رأي آخر مزعوم بما هو اتفاق الأمة..
وهناك رأي آخر يقول العقل هو الدليل.
فأقول: ما هو النص القرآني الصريح الذي تستندون إليه في هذه الشورى؟
إن قلتم لي: (وأمرهم شورى بينهم) [ الشورى: 38 ].
أو: (وشاورهم في الأمر) [ آل عمران: 159 ].
فأقول: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يستشير أصحابه في الأمور المهمة.
وثانيا مسألة الشورى، أو التشاور بين القوم هو صحيح وارد لكن أين يرد وأين وجه الشورى في تلك الأمور..؟
في الأمور التي لم يرد فيها نص من الله ومن رسوله يمكننا التشاور بها، لكن في الأمور التي ورد فيها نص قراني صريح أو نص نبوي.. فلا لقوله تعالى في كتابه العزيز:
(ما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم، ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا) (1) ونلاحظ من خلال آيتي الشورى:
إن أمر الشورى أو المشاورة كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقصد الملاينة معهم والرحمة بهم، ولم يكن أمرا بالعمل برأيهم بل قال تعالى له: فإذا عزمت
____________
(1) سورة الأحزاب: الآية 35.
فخاظبه تعالى: (فبما رحمة من الله لنت لهم، ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر، فإذا عزمت فتوكل على الله) (1).
فأقول: كيف غاب عن ذهن الدكتور البوطي ولم يتنبه إلى أن ما قاموا به من عقد البيعة لم يكن ناتجا عن الشورى التي تحدثت بها.
فهذا الإمام البخاري يحدثنا في صحيحه (2).
إن السابق إليها والمحرك الكبير فيها الخليفة عمر بن الخطاب (رض) قال على المنبر على مرأى من الصحابة ومسمع " إنما كانت بيعة أبي بكر فلته وتمت، ولكن الله وقى شرها - إلى أن قال - من بايع منكم رجلا من غير مشورة من المسلمين، فلا يبايع هو، ولا الذي بايعه ثغرة أن يقتلا - إلى قوله - إلا أن الأنصار خالفوا، واجتمعوا بأسرهم، في سقيفة بني ساعدة، وخالف عنا علي والزبير ومن معهما ".
____________
(1) سورة آل عمران: الآية 139 - 155.
(2) صحيح البخاري: ج 4 ص 119 (باب رجم الحبلى من الزنى إذا أحصنت).
فصل (2)
كيف نفسر معنى الفلتة..؟
يتجلى لنا من خلال النص بأن معنى كلمة فلتة تعني زلة أو بغتة أو فجأة أي ما نفهمه بأن بيعة الخليفة أبي بكر قد تمت فجأة، أو بغتة أعني بدون تأمل وتدبر وتمت عن غير مشورة، فنستنتج من هذا معنى إن وضع في الميزان.
فيكشف لنا هذا المعنى قول الخليفة عمر (رض) " من بايع رجلا من غير مشورة المسلمين، فلا يبايع هو، ولا الذي بايعه ثغرة أن يقتلا ".
أقول لحضرة الدكتور:
إذا وقعت خلافة أبي بكر (رض) من غير مشورة المسلمين وتمت بغتة، ما الذي يا ترى أخرت الخليفتين (رض) عن عموم حكم الخليفة عمر (رض) بقتلهما، وخصه بغيرهما؟ وكيف يستقيم هذا الحكم للخليفة عمر (رض) وقد صار هو الآخر خليفة بتنصيص الخليفة أبي بكر (رض) عليه خاصة. دون مشورة المسلمين أجمعين؟ وكل ما تقولونه في غيرهما نقوله نحن فيهما.
وأقول للدكتور البوطي:
لو سلمت معك جدلا بأن الخلافة قد تمت بالشورى الحقيقية كما تقول، لكن هذا يتنافى بل ويتناقض مع قول الخليفة عمر (بأنها كانت فلتة، وقد وقى الله المؤمنين شرها)، فإذا خلافة عمر (رض) جاءت نتيجة تلك الفلتة فالذي أود أن تعلمه بأن ما أحدثوه كان شرا بإقرارهم واعترافهم جميعا.
ويؤكد لنا ذلك الدليل القاطع الذي يقطع الشك باليقين وهو قول الخليفة عمر (رض) " فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه " وهذا ما أكده وأثبته عليه ابن حجر الهيثمي في صواعقه في الشبهة السادسة من شبهاته، كغيره من مؤرخي أهل السنة وحفاظهم.
علي يرفض الحكم بسيرة الشيخين
ما قرأته في كتابك فقه السيرة النبوية (1) حضرة الدكتور بأن عبد الرحمن بن عوف قد فرض باستلام الخلافة شرطا أساسيا على الإمام علي (عليه السلام) وهو الحكم بكتاب الله، وسنة نبيه، وسيرة الشيخين أبي بكر وعمر (رض)، فقبل الإمام علي (عليه السلام) الشرط بحكم كتاب الله وسنة نبيه واجتهاده، أي بذل ما بوسعه في الاجتهاد.
لكنه رفض الحكم بسيرة الشيخين، فقبل عثمان ذلك الشرط فآلت إليه الخلافة.
فأقول إن رفض باب مدينة علم رسول الله الحكم بسيرة الشيخين يضعنا أمام مؤشرات كثيرة وعلامات استفهام..؟؟
حول سيرتهم وسنتهم التي جاؤوا بها وأنها ليست بصحيحة على الإطلاق.. لأنه لو كانت صحيحة لقبل بالشرط خليفة رسول الله علي (عليه السلام).
فهنا سؤال يطرح نفسه.
هل كانت سيرة الشيخين مخالفة لسيرة رسوله وسنته، فرفضها الإمام علي (عليه السلام)..؟
أم أنها موافقة لسيرة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).
____________
(1) فقه السيرة النبوية: للدكتور البوطي.
فكيف جاز للإمام مخالفة سيرة الشيخين أبي بكر وعمر وسنتهم مع أنها موافقة لسيرة رسول الأمة؟
ومن هنا يتجلى لنا الحق والحق أحق أن يتبع.
آية الإكمال تتناقض مع الشورى
فأقول لحضرته:
إن ما يقع عليه الشورى بين المؤمنين، إما أن يكون من دين رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أو لا؟ فإن كان من الناحية الدينية فأنت تعلم بأن الله تعالى قد أكمل الدين على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: (اليوم أكملت لكم دينكم، وأتممت عليكم نعمتي)، فلا يحتاج إكمال الدين إلى شورى ممن لا يوحى إليهم، اللهم إلا إذا قال أحدهم بنزول الوحي على أهل السقيفة في عقدها بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وانقطاع الوحي، وهذا لا يقول به من كان من الإسلام على شئ.
وإن لم يكن ما وقعت عليه الشورى من دين رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فكل من اتبع طريقا لنفسه وسبيلا غير سبيل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلا يستحقون المدح عليه، لأن مشاقة لله تعالى ولرسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولا يكونون مجتهدين بذلك، لقوله تعالى: (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى، ويتبع غير سبيل المؤمنين، نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا) (1).
وأنت تعلم أيها المسلم أن سبيل المؤمنين هو سبيل نبي الأمة ورسولها (صلى الله عليه وآله وسلم)، وسبيل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هو دينه الذي أنزله الله تعالى عليه (صلى الله عليه وآله وسلم) كاملا غير منقوص، ولم يكن منه قطعا ما حدث في السقيفة بعد وفاته (صلى الله عليه وآله وسلم)، وحينئذ يختص مدحهم والثناء عليهم في خصوص تطبيقهم ما أنزل الله تعالى على رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) تطبيقا كاملا لا على إدخالهم في دينه (صلى الله عليه وآله وسلم) ما ليس داخلا فيه.
____________
(1) سورة النساء: الآية 115.
أقول: أين الشورى التي بلغت أرقى مستوياتها من وجهة نظر الدكتور؟!
والله لقد صدق الشاعر عندما قال:
المسألة السابعة
محاولته صرف حديث المنزلة عن مكانته
قوله: وهناك طبعا وجهة نظر، أفلا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ومحاولته صرف حديث المنزلة عن محله بالتأويل (1).
فأقول للدكتور حديث المنزلة حديث رسول الأمة الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى تعتبره مجرد وجهة نظر فقط؟!
أنسيت قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام):
" أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه ليس نبي بعدي إنه لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي ".
إنه من النصوص الصريحة الجلية على وجود النص بتعيين علي بن أبي طالب خليفة للأمة.
وهذا ما يرويه أهل السنة وحملة الآثار وهي من أهم الأحاديث الصريحة التي تثبت الإمامة والخلافة لأمير المؤمنين (عليه السلام) ونحن نذكر جملة ليرى الدكتور البوطي وغيره من المعاندين الذين أسرتهم العصبية المذهبية، أن وجود النص الصريح أمر قضت به الضرورة العقلية والشرعية الأخذ به وأن المنكر لوجوده كالمنكر للشمس في رابعة النهار.
____________
(1) محاضرة بتاريخ: 2 / 10 / 1995 جامعة دمشق.