وعندما ركن اليهود إلى هذه المقولة ولم يؤمنوا بالرسالة الخاتمة.
وقالوا يوما: ليس علينا في الأميين سبيل. ويوما آخر: نحن أولياء الله من دون الناس ونحن أبناء الله وأحبائه، ثم راحوا يسعون في الأرض فسادا. وينسبوا إلى الله تعالى ما لا يناسب ساحة قدسه وكبرياء ذاته جلت عظمته، فعندما فعلوا هذا وغيره. لعنهم الله. وألقى سبحانه بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة. وقوله تعالى: (وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة) (1) فيه ما لا يخفى من الدلالة على بقاء أمتهم إلى آخر الدنيا. وحذر الله تعالى المسلمين أن يردوا موردهم فيصيبهم ما أصابهم.
ولما كان الله تعالى قد توعد الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق بصرفهم عن آياته. وهو قوله تعالى: (سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق وإن يروا كل آية لا يؤمنون بها وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغي يتخذوه
____________
(1) سورة المائدة آية 64.
ولما كان خروج المسيح الدجال أحد هذه الآيات كما أخبر النبي (ص)، فإن الذين كفروا من بني إسرائيل قد وقعوا في شباك الدجال ولحق بهم الذين اتبعوا سنتهم وأمسكوا بذيولهم.
وإذا كانت النتيجة هي وقوعهم في شباك المسيح الدجال. فإن ذلك يستقيم مع ما قدموه لأنفسهم عند المقدمة. حيث لم ينقادوا إلا إلى اللذة والكمال المادي وما يستحسنه لهم كبرائهم. وعلى هذا الطريق نسجوا للبشرية شباكا من الفتن المتعددة. ومن صنع فتنة وقع فيها. قال تعالى: (لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل وأرسلنا إليهم رسلا كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقا كذبوا وفريقا يقتلون. وحسبوا أن لا تكون فتنة فعموا وصموا ثم تاب الله عليهم ثم عموا وصموا كثير منهم والله بصير بما يعملون) (3) قال في الميزان: والفتنة هي المحنة التي تغر الإنسان. أو هي أعم من شر وبلية. والعمى هو عدم إبصار الحق وعدم تمييز الخير من الشر. والصمم عدم سماع العظة وعدم الأعباء بالنصيحة. وهذا العمى والصمم معلولا حسبانهم أن لا تكون فتنة.
والظاهر أن حسبانهم ذلك معلول ما قدروا لأنفسهم من الكرامة بكونهم من شعب إسرائيل. وأنهم أبناء الله وأحباؤه فلا يمسهم السوء وإن فعلوا وارتكبوا ما ارتكبوا. ومعنى الآية: أنهم لمكان ما اعتقدوا لأنفسهم من كرامة التهود. ظنوا أن لا يصيبهم سوء أو لا يفتنون بما فعلوا. فأعمى
____________
(1) سورة الأعراف آية 146.
(2) سورة الأنعام آية 158.
(3) سورة المائدة آية 71.
فعند بداية الطريق جهر الأنبياء بما ينفع المسيرة، وحذروا من الفتن التي تلقي بأصحابها تحت أقدام المسيح الدجال آخر الزمان، يقول النبي (ص): " إن الله لم يبعث نبيا إلا إمته الدجال (2) " وقال: "... وما صنعت فتنة منذ كانت الدنيا صغيرة ولا كبيرة إلا لفتنة الدجال " (3) وقال:
" إنه لم تكن فتنة في الأرض منذ ذرأ الله ذرية آدم أعظم من فتنة الدجال " (4). ولكن المسيرة الإسرائيلية لم تنصت في نهاية المطاف إلى تحذيرات الأنبياء، ومع تحريفهم المستمر للأصول التقطوا تحذير الدجال ووضعوا عليه لباس التبشير، وذلك عندما وجدوا أن ما معه يلتقي مع فقه الحسن والزينة الذي تشربوا أصوله من أفواه الأخبار، ولقد صرحوا للنبي (ص) بأنهم ينتظرون أميرا يملكون به الأرض (5). وما هذا الأمير إلا المسيح الدجال. وسنبين ذلك في موضعه إن شاء الله.
لقد عموا وصموا ولم ينفعهم ما قدروا لأنفسهم من الكرامة بل أعماهم وأوردهم مورد الهلكة والفتنة، لأن ما قدروه لأنفسهم لم تنطق به الفطرة ولا شرائع الأنبياء ولا حركة التاريخ.
____________
(1) الميزان 68، 69 / 6.
(2) رواه الإمام أحمد (الفتح الرباني 69 / 24) وابن ماجة حديث رقم 4077.
(3) رواه الإمام أحمد والبزار ورجاله رجال الصحيح (الفتح الرباني 69 / 24).
(4) رواه أحمد (الفتح الرباني 69 / 24) وابن ماجة.
(5) تفسير ابن كثير 84 / 4.
ليكون في ذلك حجة على جبين المستقبل. وهذا من سنن الوجود قال تعالى: (بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق) (1).
ولما كان الخير المخبوء والشر المخبوء يقرأ الحاضر أحداثهما كما رواها الأنبياء والرسل عليهم السلام وذلك لينظم الحاضر خطواته في إتجاه الطريق الصحيح. وهو يسير تحت سقف الامتحان والابتلاء لينظر الله إلى عباده كيف يعملون. فإن الحاضر إذ لم يصحح خطواته في يومه فلن ينفعه أن يصحح خطواته عند ظهور الأحداث واشتعال الملاحم في المستقبل، وذلك لأنه سيكون قد ارتبط ارتباطا وثيقا بما يعتقد من انحرافات سياسية واقتصادية واجتماعية، وهذا الارتباط يدعمه المسيح الدجال. الذي قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم في فتنته " ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة أمر أكبر من الدجال " (2).
والقرآن الكريم أشار إلى آيات وفتن وملاحم وأحداث مستقبلية، وأخبر بأن الذين كفروا لن ينفعهم إيمانهم يومئذ. قال تعالى: (ويقولون متى هذا الفتح إن كنتم صادقين. قل يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم ولا هم ينظرون فأعرض عنهم وانتظر إنهم
____________
(1) سورة الأنبياء آية 18.
رواه الامام مسلم (الصحيح 267 / 4).
وذكر ابن كثير. أن هذا الفتح لم يكن هو فتح مكة على زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وإنما هو فتح ما زال في بطن الغيب. وقال تعالى:
(يوم يأت بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا قل انتظروا إنا منتظرون) (2). قال في الميزان: إن الآية تتضمن تهديدا جديا لا تخويفا صوريا فالإيمان لا ينفع نفسا لم تؤمن قبل ذلك اليوم إيمان طوع واختيار، أو آمنت قبله ولم تكن كسبت في إيمانها خيرا ولم تعمل صالحا. بل انهمكت في السيئات والمعاصي. إذ لا توبة لمثل هذا الإنسان، قال تعالى: (وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن) (3). فالنفس التي لم تؤمن من قبل إيمان طوع ورضى. أو آمنت بالله وكذبت بآيات الله ولم تعتن بشئ من شرائع الله واسترسلت في المعاصي الموبقة. ولم تكتسب شيئا من صالح العمل فيما كان عليها ذلك. ثم شاهدت البأس الإلهي فحملها الاضطرار إلى الإيمان لترد به بأس الله تعالى لم ينفعها ذلك. ولم يرد عنها بأسا ولا يرد بأس الله عن القوم المجرمين.. وفي الآية دلالة على أن هذه الأمة سيشملهم القضاء بينهم بالقسط والحكم الفصل مما لا سترة عليها. كقوله: (ولكل أمة رسول فإذا جاء رسولهم قضى بينهم بالقسط وهم لا يظلمون. ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين قل لا أملك لنفسي ضرا ولا نفعا إلا ما شاء الله لكل أمة أجل - إلى أن قال - ويستنبئونك أحق هو. قل أي وربي إنه لحق وما أنتم بمعجزين) (4) إلى آخر الآية.
____________
(1) سورة السجدة آية 28.
(2) سورة الأنعام آية 158.
(3) سورة النساء آية 18.
(4) سورة يونس آية 47 - 53.
وطريق المهدي رموزه هم أئمة الهدى. فعن جابر بن سمرة قال. قال رسول الله (ص) " يكون من بعدي اثنا عشر أميرا " قال: ثم تكلم بشئ لم أفهمه. فسألت الذي يليني فقال: " كلهم من قريش " (4) ولما كان النبي قد ذم قريش وغلمانها في بعض الأحاديث. فلا يمكن فهم هذا الحديث إلا في ضوء الذين لم يذمهم النبي من قريش. وأيضا في
____________
(1) رواه الحاكم وقال حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه (المستدرك 557 / 4).
(2) قال في التاج الجامع للأصول رواه أبو داوود والحاكم بسندين صحيحين (التاج 343 / 5) وأنظر سنن أبو داوود 107 / 4، عون المعبود 371 / 11، كنز العمال 264 / 14، سنن ابن ماجة حديث 4086، مستدرك الحاكم 557 / 4.
(3) رواه الترمذي وقال في تحفة الأحوازي رواه مسلم وابن ماجة (التحفة 483 / 6).
(4) رواه الترمذي وقال في تحفة الأحوازي وأخرجه الشيخان وأبو داوود وغيرهم (التحفة 474 / 6).
ولم يشذ الدين الخاتم عن هذه القاعدة لأن الدعوة الإلهية دعوة واحدة، وفي أحاديث كثيرة ربط النبي (ص) بين أهله بالكتاب ومن هذه الأحاديث قوله: " إني تارك فيكم خليفتين. كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض. أو ما بين السماء إلى الأرض. وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يتفرقا حتى يردوا على الحوض " (2). وفي أحاديث أخرى ربط النبي في (ص) بينه وبين علي بن أبي طالب. كما ربط موسى عليه السلام بين نفسه وبين هارون أخيه، قال النبي (ص) لعلي " أنت مني بمنزلة هارون من موسى. إلا أنك لست نبيا. إنه لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي في كل مؤمن من بعدي " (3).
ولما كانت منزلة علي بن أبي طالب من النبي صلى لله عليه وآله وسلم كمنزلة هارون من موسى، ولما كان أهل موسى من ذرية هارون هم وحدهم أهل الاختصاص بتفسير الشريعة، وأهل محمد (ص). هم
____________
(1) أنظر سفر اللاويين 1 / 9 - 11، 1 - 14.
(2) رواه الإمام أحمد وقال الهيثمي إسناده جيد (مجمع الزوائد 193 / 9) (الفتح الرباني 105 / 22) (كنز العمال 172 / 1).
(3) رواه أحمد (الفتح الرباني 204 / 21) والحاكم وأقره الذهبي (المستدرك 133 / 3) وابن أبي عاصم وصححه الألباني (كتاب السنة 565 / 2).
والأمة الخاتمة امتحنها الله تعالى بأهل بيت النبي (ص) كما امتحن سبحانه بني إسرائيل بأهل بيت موسى من بعده، وروي أن النبي (ص) قال " أذكركم الله في أهل بيتي. أذكركم الله في أهل بيتي. أذكركم الله في أهل بيتي " (3) وقال " يا أيها الناس إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي " (4). وانطلقت المسيرة تحت مظلة الامتحان. لينظر الله تعالى إلى عباده كيف يعملون. بعد أن استخلفهم كما إستخلف الذين من قبلهم، ومن معجزات النبوة قوله صلى الله عليه وآله وسلم " لتتبعن سنن الذين من قبلكم شبرا بشبر. وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لاتبعتموهم " قلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى.
قال " فمن " (5) المراد بالشبر والذراع وجحر الضب التمثيل بشدة الموافقة لهم، وسيأتي تفصيل ذلك كله في موضعه من هذا الكتاب.
وكل مقدمة أول الزمان ستلحق بها نتيجتها آخر الزمان، والناس في بداية الطريق. يعرفون طريق الخير وطريق الشر. ولكن للأهواء
____________
(1) رواه ابن عدي وابن عساكر (كنز العمال 89 / 1) وأبو نعيم (كنز العمال 33 / 12).
(2) رواه أحمد (الفتح الرباني 12 / 23) وأبو يعلى والبزار (مجمع الزوائد 190 / 5) والحاكم (المستدرك 501 / 4).
(3) رواه الإمام مسلم (الصحيح 179 / 15).
(4) رواه الترمذي وحسنه (الجامع 662 / 5) والنسائي (كنز العمال 172 / 1).
(5) رواه البخاري (الصحيح 264 / 4) ومسلم (الصحيح 219 / 16) وأحمد (الفتح الرباني 197 / 1).
7 - [ حكمة الإخبار بالغيب ]
الإخبار بالغيب من الأمور التي يمتحن الله تعالى بها عباده. قال تعالى: (وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز) (1) قال في الميزان: المراد بنصره ورسله. الجهاد في سبيله دفاعا عن مجتمع الدين وبسطا لكلمة الحق، والمراد بعلمه بمن ينصره ورسله تميزهم ممن لا ينصر، وقوله تعالى: (إن الله قوي عزيز) إشارة إلى إن أمره بالجهاد إنما هو ليميز الممتثل منهم من غيره، لا حاجة منه تعالى إلى ناصر ينصره. إنه تعالى قوي لا سبيل للضعف إليه. عزيز لا سبيل للذلة إليه (2).
وعلى طريق الإخبار بالغيب يكون الثواب والعقاب في الحياة الدنيا والآخرة. ومن الذين يدخلون إلى دائرة الأمان كل من تحرك الحركة الصحيحة نحو الأحداث التي تستقبل الناس والتي أخبر بها الأنبياء والرسل. قبل أن تأتي آيات الله لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا، فدائرة الأمان يدخلها من تعامل مع الإخبار بالغيب تعامل المتفكر المتذكر لتكون حركته في الدنيا مرتبطة بالله تعالى. وفي الآخرة يدخل الذين يخشون ربهم بالغيب. والذين أخذوا بأسباب الحياة الكريمة في مغفرة الله جل وعلا. قال تعالى: (إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير) (3) قال في الميزان:
____________
(1) سورة الحديد آية 25.
(2) الميزان 172 / 19.
(3) سورة الملك آية 12.
والله تعالى يعلم الغيب لذاته قال سبحانه (وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو) (1) فالآية أفادت معنى الأصالة، فعلم الغيب في الأصل يختص بالله تعالى وغيره يعلمه منه سبحانه، وهو سبحانه يظهر لرسله ما شاء من الغيب. قال تعالى: (عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول) (2).
وإخبار الأنبياء والرسل بالغيب عند ربهم. فيه لطف من الله لعبادة وهم تحت سقف الامتحان والابتلاء، فالله يعلم أن عباده يجهلون أكثر مصالحهم وطرقها في الحياة، ولذا سن سبحانه الشرايع وما فيه خيرهم.
ليدلهم على الصراط المستقيم والسعادة الدائمة ويزجرهم عما فيه الفساد، ولعلمه سبحانه أن أكثر عباده لا يطيعونه فيما شرع لهم، أظهر لرسله بعض ما يستقبل الناس من أحداث في الدنيا والآخرة، ليكون هذا الإخبار بالغيب حجة وسراج يهدي إلى الطريق المستقيم. ليهلك من هلك عن بينة، والإخبار بالغيب في خطوطه العريضة لطف ورحمة. ولا يرفع هذا اللطف وهذه الرحمة أن يكون العباد متمرسين على طاعته سبحانه غير منقادين إلى أوامره ونواهيه، لأنه سبحانه اللطيف بعباده الجواد الكريم. يلطف ويأمر بالطاعة لأنه مريد لها وينهى عن المعصية لأنه كاره لها.
ومنهج البحث في هذا الكتاب يتخذ من الإخبار بالغيب عمودا فقريا للوصول إلى الحقيقة التي يجلس على قمتها آخر الزمان " المهدي المنتظر " رمزا لطائفة الحق. و " المسيح الدجال " رمزا للانحراف
____________
(1) سورة الأنعام آية 59.
(2) سورة الجن آية 26.
وبالجملة: لقد حذر الوحي من الشيطان. وحذرت النبوءة من المنافقين والمترفين الذين اتخذوا من الصد عن سبيل الله هدفا لهم، وفي دائرة التحذير وقف الشيطان وبرنامجه وأتباعه من أهل الأهواء تحت ضوء الإخبار بالغيب، ليتبين الناس الوقود الذي أمد المسيرة.
ويعلموا أن التاريخ وإن ظهر كوحدة واحدة، إلا أنه في الحقيقة وحدة إنسانية واحدة ذات حركتين، حركة حق وحركة باطل، ولأن الحاضر ابنا للماضي فإنه يرث هذه التركة وينطلق بها إلى المستقبل. وعلى الإنسان في هذه الحالة أن ينقب ويبحث وينظر فيما حوله من حجج عليه. لأنه مستخلف في الأرض. والاستخلاف يقتضي حركة. والحركة منظورة من الله.
وفي دراستنا هذه سنسلط الأضواء على المسيرة التاريخية لبني إسرائيل. من واقع إخبار أنبيائهم بالغيب عن ربهم، وذلك لنقف على الانحراف وحجمه وإلى أين قاد أتباعه، وعلى امتداد عملية الرصد هذه سنسلط الأضواء القرآنية على هذه الأحداث والانحرافات، ليظهر طريق الخير وطريق الشر ونميز ما هو تقوى في هذه الأحداث مما هو فجور، وعند البحث عن الخلل في سيرة الأمة الخاتمة. سننطلق من الأصول وننظر في المسيرة من خلال إخبار النبي (ص) بالغيب عن ربه، ثم ننظر عليها وهي تشق طريقها نحو المستقبل، وعلى هذا التصور أقدم قراءتي لحركة التاريخ.
الحجة والأروقة المتصدعة
[ الطريق إلى المسيح الدجال ]
الحجة والأروقة المتصدعة
[ نقض العهد ]
1 - [ القاعدة والذروة ]
تذكر التوراة الحاضرة. أن الله أمر موسى عليه السلام ببناء خيمة الاجتماع لتكون مركزا للعبادة، وذكر سفر الخروج كيف تم تحديد المكان وكيف تم البناء (1). فقال " وكلم الرب موسى قائلا: في الشهر الأول في اليوم الأول من الشهر تقيم مسكن خيمة الاجتماع " (2) " وأخذ موسى الخيمة ونصبها " (3).
ولأن العلم بالله هو أشرف العلوم وهو ذروة كل العلوم. فإن الله تعالى زكى من عباده طائفة ليحملوا هذا العلم الرفيع ويبينوا مراده وأسراره للناس. بعد أن أخذ الشيطان على عاتقه القعود على الصراط المستقيم يزخرف العلوم ويصد عن العبادة الحق. وفي عهد خيمة
____________
(1) الخروج إصحاح 25، 26 وما بعده.
(2) المصدر السابق 40 / 1.
(3) المصدر السابق 33 / 7.
وفي مرتبة هارون وبنيه الفقهية. تذكر التوراة أن الله كلم هارون وأمره بحفظ الشعائر التي علمها له. لتعليم بني إسرائيل الفرائض التي فرضها الله. " وكلم الرب هارون قائلا: خمرا ومسكرا لا تشرب أنت وبنوك معك.. للتمييز بين المقدس والمحلل وبين النجس والطاهر. ولتعليم بني إسرائيل جميع الفرائض التي كلم الرب بها بيد موسى " (3) وكان الله تعالى يبين الشريعة لموسى وهارون تارة.
ويوصي موسى بأن يبين لهارون وبنيه أمور من الشريعة تارة أخرى " وكلم الرب موسى وهارون قائلا لهما: كلما بني إسرائيل قائلين هذه هي الحيوانات التي تأكلونها من جميع البهائم التي على الأرض " (4) " وكلم الرب موسى قائلا: كلم هارون وبنيه قائلا: هذه شريعة ذبيحة
____________
(1) المصدر السابق 40 / 11 - 15.
(2) اللاويين 8 / 1 - 12.
(3) المصدر السابق، 8 / 10 - 11.
(4) المصدر السابق 11 / 1.
وتذكر التوراة أسماء بني هارون الذين اختارهم الله ليعلموا الشعب (3) وذكرت أن هؤلاء وحدهم لهم حق تفسير الشريعة. " وتوكل هارون وبنيه فيحرسون كهنوتهم والأجنبي الذي يقترب يقتل " (4) وأخبرت التوراة بأن سبط لاوي - ولاوي هو جد موسى وهارون - مهمته خدمة خيمة الاجتماع وحفظ أمتعته، وأن الله وهب هؤلاء لهارون وبنيه (5).
ومما يذكر أن موسى وهارون هما ابنا عمران، وفي ذرية هارون أودع الله فقه الشريعة التي جاء بها موسى، وهذه الذرية من الذين اصطفاهم الله على العالمين، ومنها مريم ابنة عمران وابنها المسيح عليهما السلام.
واختتم الله بهما الشجرة الإسرائيلية، بعد أن حملت الخاتمة بعض أسماء المقدمة لتتذكر المسيرة البداية من عند النهاية، وسنبين ذلك في موضعه. فسبط لاوي جد موسى وهارون. يقول فيهم الله كما ذكرت التوراة " يخدمون خدمة المسكن. فيحرسون كل أمتعة خيمة الاجتماع.. وتعطي اللاويين لهارون وبنيه إنهم موهوبون له هبة من عند بني إسرائيل " (6) أما هارون بن عمران وبنوه. فيقول فيهم " وتوكل هارون وبنيه فيحرسون كهنوتهم والأجنبي الذي يقترب
____________
(1) المصدر السابق 6 / 24.
(2) المصدر السابق 9 / 22.
(3) سفر العدد 3 / 22.
(4) المصدر السابق 3 / 10.
(5) المصدر السابق 3 / 5.
(6) المصدر السابق 3 / 5.
وبالجملة: كان الكاهن الأعلى يقوم بمهمته بعد اختيار الله له، وهذه قاعدة أصيلة في الدعوة الإلهية للناس، والله يزكي من يشاء ويختار من يشاء، والعهد الجديد يقر بذلك فيقول " ولم يكن أحد يتخذ لنفسه هذه الوظيفة الشريفة متى أراد بل كان يتخذها من دعاه الله إليها كما دعا هارون " (2) والرسالة الخاتمة أقرت بهذه الحقيقة، وذلك في قول النبي (ص) لعلي بن أبي طالب " أنت مني بمنزلة هارون من موسى. إلا أنك لست نبيا إنه لا ينبني أن أذهب إلا وأنت خليفتي في كل مؤمن بعدي " (3) وسيأتي الحديث عن هذه المنزلة في موضعه.
ولقد ألقى القرآن الكريم بأضوائه على منزلة هارون، وذلك لما سأل موسى عليه السلام ربه تعالى (اجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي اشدد به أزري وأشركه في أمري كي نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا) (4) قال في لسان العرب: الوزير الذي يحمل ثقل الملك ويعينه برأيه، والوزير في اللغة: اشتقاقه من الوزر. والوزر الجبل الذي يعتصم به لينجي من الهلاك (5). وقال في الميزان في تفسير الآية: وإنما سأل موسى ذلك. لأن الأمر كثير الجوانب متباعد الأطراف، ويحتاج فيه موسى إلى وزير يشاركه في ذلك. فيقوم ببعض الأمر فيخفف عنه.
ويكون مؤيدا لموسى فيما يقوم به موسى، وهذا معنى أقوله (اشدد به أزرى وأشركه في أمري) أي في أمر كان يخص موسى وهو تبليغ ما
____________
(1) المصدر السابق 3 / 10.
(2) العبرانيين 5 / 1 - 4.
(3) رواه الإمام أحمد (الفتح الرباني 204 / 21) والحاكم وأقره الذهبي (المستدرك 33 1 / 3) وابن أبي عاصم وقال الألباني رجاله ثقات (كتاب السنة 565 / 2).
(4) سورة طه آية 29 - 32.
(5) لسان العرب ص 4824.
2 - [ التحذيرات ]
تذكر التوراة أن موسى عليه السلام بعد أن أقام حجته أشهد الله تعالى على بني إسرائيل، وأخبر بالغيب عن ربه أن المسيرة من بعده ستختلف وستفترق وسترتكب جرائم تستحق عليها لعنة الله، تقول التوراة " أمر موسى اللاويين حاملي عهد الرب قائلا: خذوا كتاب التوراة هذا وضعوه بجانب تابوت عهد الرب هناك شاهد عليكم، لأني أنا عارف تمردكم ورقابكم الصلبة. هوذا وأنا معكم اليوم قد صرتم تقاومون الرب. فكم بالحري بعد موتي. اجمعوا إلى كل شيوخ أسباطكم وعرفاءكم. لأنطق في مسامعهم بهذه الكلمات وأشهد عليهم السماء والأرض. لأني عارف إنكم بعد موتي تفسدون وتزيغون عن الطريق الذي أوصيتكم به. ويصيبكم الشر في آخر الأيام لأنكم تعملون الشر أمام الرب " (2).
وفي هذا البيان إشارة إلى انقلاب القوم على الخط الرسالي الذي يقوده أبناء هارون، فبعد موت موسى عليه السلام يبدأ الفساد ويزيغون عن الطريق الذي أوصاهم به، وهذا يستوجب أن يصيبهم الشر في آخر الأيام، لأن الوتد الذي تم دقه عند البداية لم يبليه الزمان وأصبح له جذور عند النهاية..
وتذكر التوراة أن موسى عليه السلام ذكرهم في هذا اليوم بالله الذي خلقهم واستخلفهم. وذكرهم بأيام الله وكيف يأخذ الله الأمم
____________
(1) الميزان تفسير سورة طه.
(2) التثنية 31 / 24 - 28.
وبالجملة: انطلقت المسيرة الإسرائيلية تحت مظلة الامتحان لينظر الله إليهم كيف يعملون، بعد أن أخذ عليهم سبحانه العهود بأن يسمعوا ويطيعوا. وحذرهم من عواقب الكفر والانحراف، ومما ذكرته التوراة قوله لهم " أنظر. أنا واضع أمامكم اليوم بركة ولعنة. البركة إذا سمعتم لوصايا الرب إلهكم التي أنا أوصيكم بها اليوم، واللعنة إذا لم تسمعوا
____________
(1) المصدر السابق إصحاح 32.
(2) اللاويين 26 / 1.
(3) التثنية 28 / 15، 28، 46.
(4) اللاويين 26 / 17.
والقرآن الكريم أشار إلى الحكمة التي من وراء استخلاف بني إسرائيل في الأرض. فقال له (عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون) (2) وأشار إلى العهود التي أخذها الله عليهم ومنها أن لا يقولوا على الله إلا الحق (3) وأن يذكروا ما في الكتاب لعلهم يتقون (4) وأن يوفوا بعهده (5) وأن يذكروا نعمته عليهم وتفضيله لهم في قيادة المسيرة (6) وحذرهم من الكفر بآيات الله ومن قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وقال تعالى: (وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا وذوي القربى واليتامى والمساكين وقولوا للناس حسنا وأقيموا الصلاة وأتوا الزكاة) (7)، وقد بدأت الآية بقوله (لا تعبدون إلا الله) وختمت بقوله (وقولوا للناس حسنا) الآية.
وبين البداية والخاتمة كان للمسيرة وجوه، فعبدوا غير الله وأضاعوا حقوق القربى وعلى رأسهم قربى موسى عليه السلام، وأضاعوا حقوق اليتامى والمساكين وأفسدوا في الأرض، وأضاعوا الصلاة والزكاة واتبعوا الشهوات، وكل هذا شهد به الكتاب المقدس والقرآن الكريم وحركة التاريخ.
____________
(1) التثنية 11 / 26 - 29.
(2) سورة الأعراف آية 129.
(3) سورة الأعراف آية 169.
(4) سورة البقرة آية 63.
(5) سورة البقرة آية 40.
(6) سورة البقر ة آية 47.
(7) سورة البقرة آية 83.
3 - [ الانقلاب على تعاليم خيمة الاجتماع ]
ذكرت التوراة تحذير الله لبني إسرائيل " واللعنة إذا لم تسمعوا لوصايا إلهكم وزغتم عن الطريق " وأخبر القرآن الكريم أنهم لم يسمعوا وزاغوا عن الطريق. وقال تعالى: (فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم والله لا يهدي القوم الفاسقين) (1) والزيغ: الميل عن الاستقامة. ولازمه الانحراف عن الحق إلى الباطل. فهم زاغوا أولا. فأزاغ الله قلوبهم لسوء اختيارهم. وإزاغته تعالى إمساك رحمته وقطع هدايته عنهم كما يفيد التعليل بقوله (إن الله لا يهدي القوم الفاسقين) حيث علل الإزاغة بعدم الهداية (2).
والذين تلبسوا بالزيغ وفتحوا طريق الضلال. ظل منهجهم يعمل على طريق الصد عن سبيل الله على امتداد الرحلة الإسرائيلية. وانطلق تحت ظلاله الذين أخذوا بذيول آبائهم وخرجوا عن سبيل موسى وهارون عليهما السلام. وسنبين في موضعه أن الخط الذي خرج عن طريق هارون وبنيه. هو الذي صد عن سبيل المسيح عيسى عليه السلام وهو الذي مهد للمسيح الدجال بعد ذلك.
ويبين العهد القديم أن الانحراف فتحت أبوابه مع الفتوحات العسكرية من بعد موسى عليه السلام فمع القتال على الملك اتسعت رقعة الأرض ودخل السبي ومعهم آلهتهم الغريبة وثقافاتهم التي تفسد الفطرة، وسجل العهد القديم قول يوشع بن نون لبني إسرائيل " أنتم شهود على أنفسكم إنكم قد اخترتم لأنفسكم الرب لتعبدوه. فقالوا:
نحن شهود. فالآن انزعوا الآلهة الغريبة التي في وسطكم وأميلوا قلوبكم
____________
(1) سورة الصف آية 5.
(2) الميزان 259 / 19.
وتعليمات يوشع بن نون بنزع الآلهة الغريبة لم تلبث طويلا. لأنها ذابت في غبار المسيرة بعد وقت قصير، ويذكر سفر القضاة أن الشعب الإسرائيلي اختار لنفسه مجموعة من الزعماء تولوا قيادته، وكان هؤلاء الزعماء يتم اختيارهم وفقا لصفاتهم الجسمانية أو الشخصية، وكان معظمهم من العسكريين، وعلى أكتاف هذه الزعامة بدأت المسيرة تتجرد من المعنى الديني الذي وضعت أصوله في خيمة الاجتماع، ولبست المسيرة رداء الغزو والاحتلال، ولم يكن الشعب على امتداد هذه المدة يحكمه قائد واحد. فمع تمزيق الوحدة الدينية تمزقت الأرض من تحتهم وتحولت إلى رفع للأسباط والجنود، يقول سفر القضاء " وفي تلك الأيام لم يكن ملك في إسرائيل، كان كل واحد يعمل ما يحسن في عينيه " (2).
ومن القيادات التي ذكرها السفر، امرأة تدعى (ديورة) وكانت من العسكريين، يقول السفر " وديورة.. زوجة لفيدوت. هي قاضية إسرائيل في ذلك الوقت.. وكان بنو إسرائيل يصعدون إليها للقضاء " (3) ومنهم (جدعون) الذي قاد معارك ضد الجوالة، (والجلعاوي) الذي حارب بني عموت، و (شمشون) الذي حارب أهل فلسطين.
ويذكر السفر ما ترتب هذه الفتوحات وهذا القتال على الملك، فيقول " فسكن بنو إسرائيل في وسط الكنعانيين والحيثيين والآموريين والفرزيين والحويين واليبوسيين، واتخذوا لأنفسهم نساء. وأعطوا بناتهم لبنيهم. وعبدوا آلهتهم. فعمل بنو إسرائيل الشر في عيني الرب. ونسوا
____________
(1) يوشع 24 / 21 - 23.
(2) القضا ة 17 / 6.
(3) المصدر السابق 4 / 4 - 6.
والعشتاروت. وآلهة آرام وآلهة صيدون. وآلهة مو آب وآلهة بني عمون وآلهة الفلسطينيين. وتركوا الرب ولم يعبدوه " (2) " وزنوا وراء البعليم وجعلوا لهم بعل يرث إلها " (3).
وهكذا جاءت النتيجة وفقا لمقدمة انقلبوا فيها على أعقابهم بعد وفاة موسى عليه السلام بزمن يسير. لقد ساروا بلا رأس وراء الزخرف والأهواء.
فانتهت بهم أقدامهم وهم تحت سقف الامتحان إلى التيه والضياع.
4 - [ عهد الهيكل ]
1 - الطريق إلى الهيكل:
بعد أن تمزقت الوحدة الدينية واختلف الذين أوتوا الكتاب بعد أن جاءهم العلم، وبعد أن جرت الروح العسكرية حاملة للعدوان في جسد المسيرة، لم تجف الساحة من الأنبياء والمصلحين الذين حملوا مشاعل الفطرة على امتداد الطريق، ومن هؤلاء (طالوت) ويسميه العهد القديم (شاول). اصطفى الله طالوت وزاده بسطة في العلم والجسم، فكان علمه منارا في ساحة ليس فيها علم يرى، وكانت قوته معجزة في ساحة يختار أهلها الزعيم وفقا لصفاته الجسمية ومقدرته العسكرية، ويضاف إلى هذا وذاك أن طالوتا جاء إليهم بما ضيعوه على طريق الاختلاف والافتراق، لقد جاء ومعه تابوت موسى فيه سكينة من الله وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون، لعل المسيرة إن تتذكر وتتدبر وتؤمن.
قال تعالى: (وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا
____________
(1) المصدر السابق 3 / 5 - 7.
(2) المصدر السابق 10 / 6 - 7.
(3) المصدر السابق 7 / 33.
فعندما أخبرهم نبيهم بملك طالوت حكموا الحس في الأمر، واعترضوا بأنهم أحق بالملك منه وأنه لم يؤت سعة من المال، فحمل الرد إليهم: أن الملك وهو استقرار السلطة على مجتمع من الناس، الغرض منه أن يدبر صاحبه المجتمع تدبيرا يوصل كل فرد من أفراده إلى كماله اللائق به، ويجمع الناس تحت إرادة واحدة فلا يزاحم فرد فردا.
ولا يتقدم فرد من غير حق ولا يتأخر فرد من غير حق، والذي يحقق هذا المطلب أمران: (أحدهما): العلم بجميع مصالح الناس ومفاسدها (وثانيهما) القدرة الجسمية على إجراء ما يراه من مصالح المملكة، وهما اللذان يشير إليهما قوله تعالى: (وزاده بسطة في العلم والجسم).
ثم حاصرهم الرد بحجة دافعة وهي قوله تعالى: (والله يؤتي ملكه من يشاء) أي له تعالى التصرف في ملكه كيف شاء وأراد. وليس لأحد أن يقول: لماذا أو بماذا. أي ليس لأحد أن يسأل عن علة التصرف لأن الله هو السبب المطلق.
ويذكر أبو الفتح السامري في تاريخه. أن طالوتا قاتل بني إسرائيل. وجعل ساحات البعل خالية وأبطل طرقها وإنه داهم بني إسرائيل في مرج البهاء وقتل كل من وجده في ساحة البعل. وحفظ الشريعة اثنين وعشرين عاما (2) ولم يقف طالوت أمام الشذوذ الداخلي
____________
(1) سورة البقرة آية 248.
(2) نقد التوراة / حجازي لا السقا ص 92.
ذكر في الميزان أن الجنود كانوا في الظاهر مع طالوت، ولكن لم يتميز بعد الطيب من الخبيث، ولم يتحقق بعد من هم الذين مع طالوت، فكان النهر الذي ابتلاهم به الله. ليتعين به من ليس منه وهو من شرب من النهر، ويتعين به من هو منه وهو من لم يطعمه، وبعد جواز النهر تمت المفاصلة وبقي معه الذين هم منه. والذين لم يخرجهم من المغترفين، والتدبر في الآيات يعطي أن يكون القائلون: لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده. هم المغترفون، والذين قالوا " كم من فئة قليلة " هم الذين لم يطعموا الماء أصلا (3).
وبدأت المعركة لتظهر اسم داوود من خلالها، قال تعالى: (ولما برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربنا أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين. فهزموهم بإذن الله وقتل داوود جالوت وآتاه الله
____________
(1) صموئيل أول 17 / 23.
(2) سورة البقرة آية 249.
(3) الميزان 285 / 2.
ونظرا لأن طالوتا بعث عليهم بالحجة والقبضة الحديدية، فإن سيرته لم تجد لها حظا وافرا ضمن أمجاد بني إسرائيل، والذي يقرأ سفر صموئيل يجد أن كاتب السفر قد وقع في تناقضات عديدة، وهدم قيادة طالوت لحساب قيادة داوود، وأكد معنى يقول أن خلاص الشعب من طالوت كان على أيدي داوود، ويستلزم ذلك أن مملكة داوود هي المتنفس الذي ينبغي أن تتوجه إليه المسيرة وهي تجتر ذكرياتها، ولم ينسى كاتب السفر أن يجعل طالوت عدوا لدودا لداوود، فذكر أن طالوتا (شاول) قال لابنه " ما دام ابن عيسى (داوود) حيا على الأرض. لا تثبت أنت ومملكتك. والآن أرسل وأت به إلي لأنه ابن الموت هو " (2) وذكر أن طالوت أمر عبيده وجنوده بقتل داوود (3). وإن داوود هرب خوفا منه (4). وقال أن طالوت قتل كهنة الرب (5). وكانت نهايته نهاية
____________
(1) سورة البقرة آية 251.
(2) صموئيل أول 20 / 30.
(3) المصدر السابق 19 / 1.
(4) المصدر السابق 27 / 1.