وإيليا النبي. وضعه اليهود وفقا لعلم حساب الحروف، ومجموع هذا الاسم يشير إلى اسم النبي الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم. الذي يختتم به الله المسيرة البشرية (2).
وبهذه الخاتمة انتهى العهد القديم ليبدأ العهد الجديد، الذي يتحدث عن المسيح عيسى بن مريم عليهما السلام.
2 - [ على أبواب المسيح عليه السلام ]
1 - " آل عمران ":
انقسم اليهود حول المسيح المنتظر، ففريق قال إنه يأتي من نسل يوسف. وقال آخرون إنه يأتي من نسل داوود، وذكر (ملاخى) أن الله جعل عهده في سبط (لاوي بن يعقوب). وذكر العهد القديم أن من أبناء لاوي (نحشوم) وولد له (عمرام) وولد لعمرام موسى وهارون ومريم (3) ومن هذا النسل اختار الله تعالى الهداة الذين يسوقون المسيرة الإسرائيلية إلى الصراط المستقيم.
____________
(1) المصدر السابق 4 / 1 - 6.
(2) أنظر كتاب بشارة نبي الإسلام / د. حجازي السقا.
(3) العدد 26 / 60.
وعندما بعث المسيح بن مريم عليهما السلام. وهو من نسل (عجرام) كما سنبين في موضعه. كانت ثقافة التفسير الشفهي للتوراة تغمر الساحة وتمد أتباعها بوقود انتظار بن داوود، وعندما لم يأت المسيح لليهود بما تشتهي أنفسهم رفضوه وتآمروا عليه، وبعد عصر المسيح عليه السلام أراد النصارى إثبات دعوة المسيح أمام اليهود، فألحقوا المسيح بنسل داوود، ليجعلوا اليهود بهذا الالحاق من الخارجين على المسيح عليه السلام، وترتب على هذا الالحاق إشكال، هو أنهم جعلوا للمسيح عليه السلام أربعة أجداد من الزنا، ومن كان كذلك فقد خرج من حزب الله كما صرح العهد القديم، والأجداد
____________
(1) تثنية 23 / 1 - 2.
فوقها لهذه النصوص يكون الذين ألحقوا المسيح عليه السلام بنسل داوود، قد أخرجوه في الحقيقة من جماعة الرب إلا الأبد، لأنه لا يدخل جماعة الرب كل ولد زنا ولا سيما المؤابيين وبني عمي وهو منهما، ومما يزيد الإشكال إشكالا أنهم على الرغم من هذا النسب اعتبروا المسيح عليه السلام ابنا لله أو إلها متجسدا في الناسوت وتلك مصيبة كبرى.
وفي إشكال نسب المسيح يقول موريس بوكاي: تطرح شجرتا النسب اللتان يحتوي عليهما إنجيلا متي ولوقا، مشاكل تتعلق بالمعقولية وبالاتفاق مع المعطيات العلمية، ومن هنا فهي مشاكل تتعلق بالصحة، وهي مشاكل تحرج جدا المعلقين المسيحيين.. وبادئ ذي بدء يجب ملاحظة أن هذين النسبين من جهة الرجال كما ذكر إنجيلا متي ولوقا،
____________
(1) تكوين 19 / 30 - 38.
(2) تثنية 23 / 2 - 3.
(3) تكوين 38 / 6 - 0 3.
(4) صموئيل 12 / 7 - 23.
(5) تثنية 23 / 1 - 2.
ولقد تضارب إنجيل متي مع إنجيل لوقا في نسب المسيح إلى داوود، فبينما يذكر متي أن من داوود إلى المسيح 26 جيلا، يذكر لوقا إنه 41 جيلا، وبينما يذكر متي أن يوسف النجار ابن يعقوب، يذكر لوقا إنه ابن هالي، وبينما يذكر متي أن المسيح من ولد سليمان بن داوود، يذكر لوقا إنه من ولد ناثان بن داوود، وبينما يذكر متي أن شلتائيل ابن يكنيا، يذكر لوقا إنه ابن نيري، وبينما يذكر متي أن ابن زور بابل يدعى أبيهود، يذكر لوقا إنه يدعى ريسا (2). وبالجملة: النسب في العهد القديم به ولد زنا، والنصوص القاطعة تفيد أن من جاء من هذا الطريق لا يدخل جماعة الرب، وبعد بعثة المسيح انطلق متي ولوقا في إنجيل كل منهما. من دائرة المسيح إلى دائرة نسب داوود التي ذكرها العهد القديم، لإثبات أن المسيح بن مريم عليه السلام. هو ابن داوود المذكور عند اليهود. فجاء الانطلاق من دائرة إلى دائرة محرجا أمام النصوص.
والقرآن الكريم ينسب المسيح إلى أمه نسبة الولادة، وينسبه إلى الله نسبة الخلقة، ولقد طهر الله تعالى المسيح عن العهر عبر الأصلاب والأرحام وعما ينافي الطهارة إطلاقا بكلمة واحدة، وهي قوله عند ولادته (وجعلني مباركا أينما كنت) (3) أي أينما كنت قبل الولادة في رحم أمي وجداتي حتى أمي الأولى حواء، وفي صلب أبيها والآباء حتى
____________
(1) دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة / موريس بوكاي ص 105.
(2) أنظر متي الإصحاح الأول، لوقا الإصحاح الثالث.
(3) سورة مريم آية 31.
وجميع الأنبياء والرسل خرجوا من شجرة واحدة أصلها ثابت وفرعها في السماء، ولقد اصطفى الله الأنبياء وآلهم على العالمين كما في قوله تعالى: (إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين، ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم) (1) اصطفى سبحانه آدم عليه السلام لأنه أول خليفة له في الأرض، واصطفى نوح عليه السلام لأنه أول الخمسة أولي العزم من الرسل، وهو أيضا الأب الثاني للنوع الإنساني بعد الطوفان، لقوله تعالى: (وجعلنا ذريته هم الباقين) (2) واصطفى سبحانه آل إبراهيم. وهم إسحاق وإسرائيل والأنبياء من بني إسرائيل عليهم السلام. وإسماعيل والطاهر من ذريته وسيدهم محمد (ص)، وقد جاء ذكره في دعاء إبراهيم وإسماعيل عند رفعهما قواعد بيت الله الحرام بمكة. (ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك) إلى قوله تعالى (ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم) (3) واصطفى الله آل عمران. وآل عمران من ذرية إبراهيم عليه السلام، ولكن الله أفردهم في آية الاصطفاء ليكون في هذا إشارة بأن الله تعالى قدمهم على الناس في أمر أو أمور لا يشاركهم فيه أو فيها غيرهم.
وآية الاصطفاء في خطوطها العريضة إعلان للبشر بأن هؤلاء
____________
(1) سورة آل عمران آية 33.
(2) سورة الصافات آية 77.
(3) سورة البقرة آية 129.
إن المقدمة جاء ذكرها في العهد القديم. بقوله " إن امرأة عمرام يوكابد. ولدت لعمرام هارون وموسى ومريم " (1) أما الخاتمة فقد جاء ذكرها في القرآن في آيات كثيرة منها قوله تعالى: (إذ قالت امرأة عمران رب إني نذرت لك ما في بطني محررا) (2) وقال تعالى: (ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها) (3) فالخاتمة أمام اليهود تحمل عناوين المقدمة، واليهود كانوا يعلمون أن مريم بنت عمران في حاضرهم تنتسب إلى عمران في ماضيهم. لكنهم ركبوا مراكب الاستكبار، ومن الدليل على ذلك. أن التشريع الوارد في سفر العدد.
يحتم أن تتزوج كل بنت من أسراتها إن أرادت الزواج من يهودي، لقوله " وكل بنت ورثت نصيبا من أسباط بني إسرائيل، تكون امرأة لواحد من عشرة سبط أبيها، لكي يرث بنو إسرائيل كل واحد نصيب
____________
(1) العدد 26 / 60.
سورة آل عمران آية 35.
سورة التحريم آية 12.
ومن الدليل أيضا على أن اليهود كانوا يعرفون حقيقة النسب، أنهم أفسحوا للمسيح الطريق ليلقي بمواعظه داخل الهيكل. ذكر يوحنا: أن المسيح حضر إلى الهيكل. وجاء إليه جميع الشعب فجلس يعلمهم (3).
وذكر لوقا: دخل المسيح المجمع حسب عادته يوم السبت وقام ليقرأ (4) وما كان اليهود ليسمحوا بذلك إلا لعلمهم أن المسيح الذي تربت أمه في الهيكل بعد أن كفلها زكريا الذي ينسب لهارون. يحمل العلم الذي علموا موضعه على امتداد المسيرة والقرآن الكريم أخبر في آياته أن اليهود كانوا يعرفون هذا. وأن الحجة قامت عليهم بما علموا وبما قدمه المسيح وحمله إليهم، وقال تعالى بعد أن وضعت العذراء ولدها (فأتت به قومها تحمله. قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا) (5) قال صاحب الكشاف: قوله " يا أخت هارون " إنما عنى هارون النبي، وكانت من أعقابه في طبقة
____________
(1) العدد 36 / 8.
(2) لوقا 1 / 5.
(3) يوحنا 8 / 1 - 6.
(4) لوقا 4 / 16.
(5) سورة مريم آية 27.
لقد كانت شرافة النسب تقتضي القول: أنها أخت موسى لا هارون، لأفضلية موسى على هارون، ولكن جاء انتسابها لهارون دون أبيها عمران ودون موسى. لتكون الحجة عليهم دافعة وهم يتلون الكتاب ويفسرونه التفسير الذي لا يقره أبناء هارون.
والخلاصة: لقد وضع اليهود النسب الذي يتفق مع أهوائهم، ثم شيدوا على هذا النسب فتن لا تقود إلا إلى الدجال، ولقد بينت الرسالة الخاتمة أن للدجال كنى وأسماء تستقيم مع فتنته. منها: ابن داوود، أبو يوسف (2) والنصارى الذين دونوا نسب المسيح لم يلتفتوا إلى أن المسيح ليس له أب بيولوجي، وأن نسبته إلى يوسف النجار لا جدوى من ورائها، لأن النسب يجب أن يكون من جهة العذراء فقط، لكنهم عملوا خلاف ذلك، واتبعوا النسب الذي وضعه اليهود، اعتقادا منهم أن متابعة اليهود في هذا، فيه إدانة لليهود الذين لم يؤمنوا بدعوة المسيح عليه السلام، ولكن هذا النسب الذي تجاهل سبط لاوي الذي على ذروته آل عمران، قاد الذين ينتظرون المسيح ابن داوود أو المسيح ابن يوسف، إلى فتنة وصفتها الرسالة الخاتمة بأنها أعظم فتنة منذ ذرأ الله ذرية آدم.
2 - " الأعمدة المتصدعة وآل هارون ":
وقبل بعثة المسيح عليه السلام كانت المسيرة قد ارتوت من مياه الأمم الذين تعاقبوا على حكم فلسطين، وكان لهذا الارتواء أثرا بالغا في بناء الشخصية الإسرائيلية بعد عهد السبي، والدول التي تعاقبت على
____________
(1) تفسير ابن كثير 118 / 3.
(2) بيان الأئمة ص 104. الفتن والملاحم / ابن كثير ص 133 بيان الأئمة ص 104
____________
(1) مفاتيح الأسفار ص 55، 56.
(2) مفاتيح الأسفار ص 56.
(3) متي 24 / 10.
(4) مفاتيح الأسفار الإلهية ص 56.
(5) المصدر السابق 56.
(6) المصدر السابق 57.
(7) المصدر السابق 57.
(8) المصدر السابق ص 58.
فتحت حكم الأمم تشكلت الشخصية الإسرائيلية بعد السبي، وهذا التشكيل حمل معالم الشخصية الإسرائيلية قبل وأثناء السبي، وقبل بعثة المسيح عليه السلام كانت الفرق الإسرائيلية المتعددة تتصارع على رقعة الاختلاف والجميع يتجه نحو هدف واحد، وهذا الهدف نسجته الفتن المتعددة. وفي النهاية ارتدى ثياب أمير السلام. الذي يعيد مجد مملكة داوود الوعد الإلهي لإبراهيم. وهذه الثياب يشرف على صيانتها العديد من المؤسسات التي تتمركز حول التفسير الشفهي للناموس (التلمود). وفي هذه الأجواء المشحونة بالرفض لكل منهج لا يخلص اليهود من حكم الأجانب، لطف الله تعالى بعباده وبعث إليهم من يقيم عليهم الحجة ويسوقهم إلى صراط الله العزيز الحميد، لينظر سبحانه إلى عباده كيف يعملون تحت سقف الامتحان والابتلاء.
وعند خاتمة المسيرة الإسرائيلية، بعث الله تعالى النبي يحيى والنبي عيسى، وكل منهما يحمل معالم جفاف المسيرة، ليتدبر فيها أصحاب العقول والأفهام، وليعلموا أن القيادة ستنزع من أيديهم وتكون
____________
(1) المصدر السابق ص 58.
(2) المصدر السابق 58.
(3) المصدر السابق 58.
(4) المصدر السابق 58.
لهذا كان الباب الذي دخل منه آخر أنبياء بني إسرائيل، باب يدعو المسيرة إلى التدبر والإيمان. وليحذروا المخالفة لأنها ستنتج على آخر الطريق فتنة، ومعنى أن يغلقوا على أنفسهم باب الفتنة. أن قيادة المسيرة البشرية لن تكون من داخل الأبواب المغلقة، إنما ستنتقل إلى مكان أوسع وأرحب، والله تعالى يورث الأرض لمن يشاء من عباده.
في نهاية المسيرة جاءت دعوة زكريا عليه السلام، وكان متزوجا من اليصابات من بنات هارون (1) ويقول إنجيل لوقا فيهما إنهما بارين أمام الله سالكين في جميع وصايا الرب وأحكامه " (2). وقال " لم يكن لهما ولد. إذ كانت اليصابات عاقرا وكلاهما قد تقدم في السن كثيرا " (3). وذكر لوقا: بينما كان زكريا يؤدي خدمته الكهنوتية أمام الله سأله الولد. فظهر له ملاك وقال له: لا تخف يا زكريا لأن طلبتك قد سمعت. وزوجتك ستلد لك ابنا تسميه يوحنا. وسوف يكون عظيما أمام الرب، والقرآن الكريم ذكر هذه المعجزة في قوله تعالى: (قال رب إني
____________
(1) لوقا 1 / 5.
(2) المصدر السابق 1 / 6.
(3) المصدر السابق 1 / 8 - 16.
وجاء يحيى وريث زكريا وآل يعقوب، ليكون حجة على مسيرة خرج معظمها عن سبيل آل يعقوب، وبدأ يحيى دعوته، جاء في إنجيل متي " في تلك الأيام جاء يوحنا المعمدان (يحيى) يكرز في برية اليهودية قائلا: توبوا لأنه قد اقترب ملكوت السماوات. فإن هذا هو الذي قيل عنه بأشعيا النبي القائل: صوت صارخ في البرية. أعدوا طريق الرب.
اصنعوا سبله مستقيمة " (2)، ويقول متي هنري في تفسيره: كانت مهمة يوحنا دعوة الناس للتوبة عن خطاياهم، فقوله " توبوا " هي في الأصل اليوناني " تأملوا أو فكروا مليا " أي: ليكن لكم فكرا آخر لتصلحوا أخطاء الماضي، تأملوا طرقكم. جددوا أذهانكم، لقد أخطأتم التفكير فأعيدوا التفكير وأحسنوا التفكير (3).
ولكن القوم لم يتأملوا ولم يفكروا وعكفوا على أطروحة أرض الميعاد التي كتبها الله لإبراهيم دون قيد وشرط. ورفعت فرقة (الفريسيين) أعلام الصد عن سبيل الله. يقول إنجيل متي " ولما رأى يوحنا كثيرين من الفريسيين والصدوقيين يأتون اليه ليتعمدوا قال لهم: يا أولاد الأفاعي. من أراكم أن تهربوا من الغضب الآتي. فأثمروا ثمرا يليق بالتوبة ولا تغللوا أنفسكم قائلين: لنا إبراهيم أبا. فإني أقول لكم:
إن الله قادر أن يطلع من هذه الحجارة أولاد إبراهيم، وها إن الفأس قد
____________
(1) سورة مريم آية 4 - 7.
(2) إنجيل متي 3 / 1 - 4.
(3) متي هنري 58 / 1.
ولا يوجد هنالك داع لتجديد أذهانكم وإصلاح طرقكم، ولا تفتكروا بأنكم ستنجحون حتى وإن كنتم لا تتوبون... أو وأن الله سيتغاضى عن عدم توبتكم لأنكم أولاد إبراهيم " (3) ويقول متي هنري " يقولون لنا إبراهيم أبا. ولذلك لنا الحق في امتيازات العهد الذي قطعه الله معهم..
يا لغباوتهم في هذا الادعاء الذي لا أساس له، لقد توهموا بأنهم وقد صاروا أولاد إبراهيم. فإنهم هم شعب الله الوحيد في هذا العالم، ولقد بين لهم يوحنا جهلهم الفاضح في هذا الادعاء الباطل والغرور الكاذب.
فقال " مهما افتكرتم أن تقولوا في أنفسكم. أن الله قادر أن يقيم من هذه الحجارة أولاد إبراهيم، إن امتحانكم دقيق جدا وقريب جدا، الآن قد وضعت الفأس وقد رفعت أمام أنظاركم ووضعت على أصل الشجرة،
____________
(1) إنجيل متي 7 / 3 - 11.
(2) متي هنري في تفسيره 66 / 1.
(3) المصدر السابق ص 69 / 1.
ويقول متي هنري: لقد كانوا عصابة الأفاعي كلهم متساوون في الشر، ورغم أنهم كانوا أعداء بعضهم لبعض. إلا إنهم كانوا متحالفين في الشر، إن نسل الشرير هو نسل الأفاعي، ولقد كان الانذار الذي وجهه لهم يوحنا " من أراكم أن تهربوا من الغضب الآتي " يتضمن أنهم كانوا في خطر الوقوع تحت طائلة الغضب الآتي. وأنه لا أمل لهم في النجاة منه، لأن قلوبهم قد قست، الفريسيين بسبب تمسكهم بمظهر الديانة. والصدوقيون بسبب كثرة مناقشتهم عن الديانة، حتى كان يصبح كل مجهود لمحاولة التأثير عليهم مقضيا عليه بالفشل، لقد كان هناك غضبا آتيا. ومن واجب كل واحد أن يهرب من هذا الغضب. ومن رحمة الله أنه يحذر للهروب من هذا الغضب.
لقد كان يحيى (يوحنا) يتحدث بالحق الذي تحدث به آل يعقوب، وكان عليه السلام يقف على أرضية آل عمران (آل هارون)،
____________
(1) تفسير متي هنري 68، 69، 70 / 1.
وعندما ولدت العذراء وشب ولدها عليه السلام، يقول إنجيل متي " جاء يسوع من الجليل إلى الأردن إلى يوحنا ليتعمد منه " (4) ولأن حبل النبوة حبل واحد. وحلقات الأنبياء يكمل بعضها بعضا، قال يوحنا للمسيح: " هكذا يليق بنا أن نكمل كل بر " (5). وكان المسيح عليه السلام آخر أنبياء الشجرة الإسرائيلية التي جعلها الله حجة على المسيرة الإسرائيلية، وانتهت حياة نبي الله زكريا ونبي الله يحيى نهاية دموية، روى أن القوم عندما عقدوا العزم على قتل زكريا. هرب منهم فانفرجت له شجرة فدخل جوفها ثم التأمت عليه، وعندما علم القوم نشروا الشجرة فقطعوها وقطعوه نصفين، أما يحيى عليه السلام. فسجنوه. ثم قتلوه. ثم قطعوا رأسه. وحملت إلى ملك بني إسرائيل ليقدمها هدية لامرأة كان قد افتتن بها (6)
____________
(1) متي هنري 57 / 1.
(2) إنجيل يوحنا 3 / 28.
(3) أشعيا 7 / 14.
(4) متي 3 / 13.
(5) متي 3 / 16.
(6) متي هنري 466 / 1.
ثانيا [ دعوة المسح عليه السلام ]
1 - [ أصول الدعوة ]
تجري دعوة المسيح عليه السلام في اتجاهين يصبان في هدف واحد، الاتجاه الأول: دعوة بني إسرائيل وتصحيح عقائدهم واتجاهاتهم وسوقهم إلى صراط الله العزيز الحميد، وهذا الاتجاه ينطلق من التوراة التي أنزلها الله على موسى عليه السلام، والاتجاه الثاني: هو التبشير بنبي الإسلام خاتم الأنبياء والمرسلين، وهذا الاتجاه ينطلق من بشارات الأنبياء السابقين، ويبشر به المسيح عليه السلام وفقا لسنة الإخبار بالغيب عن الله، وهي سنة جارية. فكل نبي يخبر بالذي يليه، ويمكن القول بأن دعوة المسيح عليه السلام دعوة تربط بين الدعوة الإلهية التي حملها بنو إسرائيل. وبين الدعوة الإلهية التي يبعث بها النبي الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم، والدعوة الإلهية منذ ذرأ الله ذرية آدم هي دعوة واحدة. ولا تدعو النبوة إلا إلى دين واحد وهو التوحيد، وعلى هذا فإذا كذب الناس أحد الأنبياء فقد كذبوا كل الأنبياء في الحقيقة.
وأصول دعوة المسيح عليه السلام في قوله تعالى: (وإذ قال عيسى بن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي
فالذي حكاه تعالى عن عيسى عليه السلام ملخص دعوته، وقد أعلن أصل دعوته بقوله " أني رسول الله إليكم " فأشار إلى أنه لا شأن له إنه حامل رسالة من الله إليهم، ثم بين متن ما أرسل إليهم لأجل تبليغه في رسالته بقوله " مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول " الخ.
فقوله " مصدقا لما بين يدي من التوراة " بيان أن دعوته لا تغاير دين التوراة. ولا تناقض شريعتها بل تصدقها ولم تنسخ من أحكامها إلا يسيرا، والنسخ بيان انتهاء أمد الحكم وليس بإبطال. ولذا جمع عليه السلام بين تصديق التوراة ونسخ بعض أحكامها فيما حكاه الله تعالى من قوله (مصدقا لما بين يدي من التوراة ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم) (2)، ولم يبين لهم إلا بعض ما يختلفون فيه، كما في قوله (قد جئتكم بالحكمة ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه فاتقوا الله وأطيعون) (3).
وبالجملة: فالمسيح يحمل رسالة من الله إلى بني إسرائيل، وهذه الرسالة لا تناقض التوراة التي أنزلها الله تعالى على موسى عليه السلام، بل هو مصدقا لما علمه الله من التوراة النازلة على موسى، وأنه عليه السلام جاء لنسخ بعض الأحكام المحرمة المكتوبة عليهم، كما في قوله تعالى: (ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم) (4). وما حرم عليهم أشار إليه قوله تعالى: (فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم) (5).
____________
(1) سورة الصف آية 6.
(2) سورة آل عمران آية 50.
(3) سورة الزخرف آية 63.
(4) سورة آل عمران آية 50.
(5) سورة النساء آية 160.
أكرم والديه وقدس السبت وصلى وأعطى صدقه. وأطاع طاعة كاملة (3).
وكان المسيح عليه السلام يحمل المعجزات التي تؤيد صدق دعوته. ومنها النفخ في الطين فيكون طيرا بإذن الله. وإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى بإذن الله. وينبأهم بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم. وكان عليه السلام يحمل معجزة العلم بالكتاب والحكمة. وهو قوله تعالى: (ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل) (4) وما جاء به المسيح عليه السلام. أصاب علماء بني إسرائيل بالدهشة. وعلى الرغم من هذا حاولوا قتله. جاء في إنجيل يوحنا " صعد يسوع إلى الهيكل وبدأ يعلم الناس. فدهش اليهود وتساءلوا: كيف يعرف هذا الكتاب وهو لم يتعلم. فأجابهم يسوع: ليس تعليمي من عندي بل من عند الذي أرسلني. ومن أراد أن يعمل بمشيئة الله يعرف ما إذا كان تعليمي من عند الله أو أنني أتكلم من عندي. من يتكلم من عنده يطلب المجد لنفسه.
أما الذي يطلب المجد لمن أرسله فهو صادق لا إثم فيه. أما أعطاكم
____________
(1) متي إصحاح 15 / 25.
(2) المصدر السابق 5 / 17.
(3) تفسير متي هنري ص 142 / 1.
(4) سورة آل عمران آية 48.
كان هذا هو الشطر الأول من دعوته عليه السلام، أما الشطر الثاني فهو قوله " ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد " ومن المعلوم أن البشرى هي الخبر الذي يسر المبشر ويفرحه. ولا يكون إلا بشئ من الخير يوافيه ويعود إليه، والخير المترقب من بعثة النبي أحمد ودعوته. هو انفتاح باب من الرحمة الإلهية على الناس فيه سعادة دنياهم وعقباهم، من عقيدة حقة أو عمل صالح أو كليهما.
وقال صاحب الميزان: ويعود معنى كلامه " إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا.. " الآية. إلى: أني رسول الله إليكم أدعو إلى شريعة التوراة ومنهاجها - ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم - وهي شريعة سيكملها الله ببعث نبي يأتي من بعدي اسمه أحمد، وهو كذلك. فإمعان التأمل في المعارف الإلهية التي يدعو إليها الإسلام، يعطي أنها أدق مما في غيره من الشرائع السماوية السابقة، وخاصة ما يندب إليه من التوحيد. الذي هو أصل الأصول الذي يبتني عليه كل حكم ويعود إليه كل من المعارف الحقيقية، وكذا الشرائع والقوانين العملية التي لم تدع شيئا مما دق وجل من أعمال الإنسان الفردية والاجتماعية. إلا عدلته وحدت حدوده وقررته على أساس التوحيد ووجهته إلى غرض السعادة، وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى: (الذين يتبعون النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات
____________
(1) يوحنا 7 / 14 - 20.
(2) متي 7 / 29.
وقوله " اسمه أحمد " دلالة السياق على تعبير عيسى عليه السلام عنه صلى الله عليه وآله وسلم بأحمد، وعلى كونه اسما له يعرف به عند الناس، كما كان يسمى بمحمد ظاهرة لا سترة عليها، ويدل عليه قوله حسان:
ومن أشعار أبي طالب قوله:
وقوله مخاطبا للعباس وحمزة وجعفر وعلي بنصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
ومن شعره فيه صلى الله عليه وآله وسلم وقد سماه باسمه الآخر محمد:
ويستفاد من البيت أنهم عثروا على وجود البشارة به صلى الله عليه وآله وسلم. في الكتب السماوية التي كانت عند أهل الكتاب يومئذ ذاك، ويؤيده أيضا إيمان جماعة من أهل الكتاب من اليهود والنصارى وفيهم قوم من علمائهم كعبد الله بن سلام وغيره، وقد كانوا يسمعون هذه الآيات القرآنية التي تذكر البشارة به صلى الله عليه وآله وسلم،
____________
(1) سورة الأعراف آية 157.
وهو المعجزة الباقية، والبشارات بنبي الإسلام (ص) لا يخلو الكتاب المقدس منها، وبعض هذه البشارات حرفت وغيرت إما بتغيير لفظ أو محل. وإما بزيادة أو نقصان. أو غير ذلك.
ولقد ذكر العهد القديم بشارات إذا تدبرها الباحث وجد أنها لا تستقيم إلا مع البعثة الخاتمة، وسنلقي ضوءا على هذه البشارات في موضعها، أما العهد الجديد فلقد بشر بالنبي الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم في مواضع، وبشر بشريعته تحت عنوان " اقترب ملكوت السماوات "، وكان المسيح عليه السلام يقول لتلاميذه " أكرزوا قائلين: إنه اقترب ملكوت السماوات " (2)، ومعنى الملكوت الذي أشار إليه المسيح:
السلطنة والحكم، ويشير إليه قول الله تعالى لرسوله الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم (قل من بيده ملكوت كل شئ وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون. سيقولون لله. قل فأنى تسحرون. بل أتيناهم بالحق وإنهم لكاذبون. ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون) (3)، وقال المفسرون: الملكوت هو الملك. بمعنى: السلطنة والحكم، وقد فسر تعالى ملكوته بقوله: (إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون. فسبحانه الذي بيده ملكوت كل شئ) (4)، فكون ملكوت كل شئ بيده
____________
(1) الميزان 253 / 19.
(2) متي 10 / 7.
(3) سورة المؤمنون آية 88 - 91.
(4) سورة يس آية 83.
فالمسيح عليه السلام بشر بالنبي الخاتم الذي تحقق شريعته الاستكمال الإنساني، ويقوم دينه على التوحيد الذي لا يرى غير الله من يملك أي شئ، وينطلق في دعوته من ينبوع دين الله في فطرة الإنسان نفسه. إلى صفحة الكون الواسع العريض التي تعليه على الوجود. إن الإيمان بالله أمر فطري ولا يحتاج إلى معجزة لتثبته، فدعوته من الفطرة وإلى الفطرة، ويؤكد هذا المعنى أن المسيح عليه السلام أشار إلى الفطرة وهو يتحدث عن ملكوت الله، جاء في إنجيل متي " في تلك الساعة تقدم التلاميذ إلى يسوع يسألونه: من هو الأعظم إذن في ملكوت السماوات؟ فدعا إليه بولد صغير وأوقفه وسطهم وقال: الحق أقول لكم إن كنتم لا تتحولون وتصيرون مثل الأولاد الصغار. فلن تدخلوا ملكوت السماوات أبدا " (2) ويقول متي هنري في تفسيره: قوله " إن لم ترجعوا " وحسب الترجمة الإنجليزية " يجب أن تتجددوا " أو " تتغيروا، أي: يجب تجديد ذهنكم. يجب أن يكون لكم شكل آخر وطبع آخر وأفكار أخرى، سواء عن أنفسكم أو عن ملكوت السماوات، يجب أن ترجعوا إلى أنفسكم، يجب أن تصيروا مثل الأولاد (3).
لقد دعا المسيح عليه السلام إلى طرح الاعتقادات الباطلة التي
____________
(1) سورة الأعراف آية 185.
(2) متي 18 / 1 - 3.
(3) متي هنري 106 / 2.
والمسيح عليه السلام كان يمهد الطريق أمام نبي الدعوة الخاتمة.
وأقام الحجة على أصحاب شباك التعتيم في المسيرة الإسرائيلية. لكي يستقبلوا وتستقبل أجيالهم الدعوة التي ما زالت في بطن الغيب. على أرضية ذات شكل آخر وطبع آخر وأفكار أخرى، ولكي يزيل المسيح عليه السلام شباك التعتيم، كان يكلم الشعب بطريقة ضرب الأمثال لهم لعلهم يفقهون، جاء في إنجيل متي " فتقدم إليه التلاميذ وسألوه: لماذا تكلمهم بالأمثال؟ فأجاب: لأنه قد أعطى لكم أن تعرفوا أسرار ملكوت السماوات، أما أولئك فلم يعط لهم ذلك، فإن من عنده يعطي المزيد فيفيض. وأما من ليس عنده ينتزع منه، لهذا السبب أكلمهم بأمثال، فهم ينظرون دون أن يبصروا ويسمعوا دون أن يسمعوا أو يفهموا، ففيهم قد تمت نبوءة أشعيا حيث يقول: سمعا تسمعون ولا تفهمون، ونظرا تنظرون ولا تبصرون، لأن قلب هذا الشعب قد صار غليظا. وصارت آذانهم ثقيلة السمع. وأغمضوا عيونهم. لئلا يبصروا بعيونهم. ويسمعوا بآذانهم. ويفهموا بقلوبهم. ويرجعوا إلي فأشفيهم " (2) يقول متي هنري:
أجابهم المسيح أنه علم بالأمثال، لأن بها تصبح الأمور أكثر وضوحا
____________
(1) رواه الإمام مسلم ك القدر بكل مولود يولد على الفطرة (الصحيح 52 / 8).
(2) متي 13 / 10 - 15.
لأنهم أحبوا الظلمة أكثر من النور. إن النظر والسمع والفهم لازمه للرجوع والتجديد (1).
وفي أوامر المسيح للتلاميذ " أكرزوا قائلين إنه اقترب ملكوت السماوات " (2) يقول متي هنري: هذا هو رأس الموضوع، ويجب أن يتوسعوا في شرحه، ليعرف الناس أن ملكوت المسيا (3) يجب أن يؤسس الآن حسبما جاء في الكتب، الأمر الذي يتطلب أنهم يجب أن يتوبوا عن خطاياهم. ويتركوها لكي يؤهلوا لامتيازات هذا الملكوت، والتوبة تتفق مع تطبيق هذا التعليم الخاص باقتراب الملكوت، لذلك يجب أن ينتظروا وأن يسمعوا عن هذا المسيا الذي طال انتظاره. أكثر مما سمعوا. يجب أن يكونوا مستعدين لقبول تعاليمه والإيمان به والخضوع له، لقد كانت المناداة بهذا كنور الصباح الذي يبشر بقرب شروق الشمس (4).
كانت هذه إشارات إلى رسالة النبي الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم، يتبينها كل باحث عن الحقيقة. عند تدبره لأحداث المسيرة الإسرائيلية وما أنتجته من فتن واختلافات، وعند تدبره لمنهج البعثة
____________
(1) متي هنري 433 / 1 وما بعدها.
(2) متي 10 / 7.
(3) المسيا / إشارة إلى نبي الإسلام. راجع كتاب: المسيا المنتظر نبي الإسلام / د. أحمد حجازي السقا.
(4) متي هنري 323 / 1.
والخلاصة: كان الشطر الأول من دعوة المسيح عليه السلام، يتعلق الحجة التي تهدي إلى صراط الله، وكان الشطر الثاني من الدعوة هو تجهيز الماضي وحاضر الدعوة، لاستقبال دعوة جديدة في أرض جديدة، وعلى هذا فدعوة المسيح دعوة رابطة، تهدي مسيرة إلى مسيرة، لينطلق الجنس البشري تحت سقف الامتحان والابتلاء. لينظر الله كيف يعملون.
2 - [ الدعوة والمفاصلة ]
بدأ المسيح عليه السلام في بث دعوته داخل بني إسرائيل. واختار عليه السلام اثني عشر رجلا ليلازموه ويرسلهم ليبشروا بملكوت السماوات، ولم تكن مهمة المسيح مهمة سهلة داخل الحي اليهودي.
لأن هذا الحي عج بالعديد من الفرق والمؤسسات التي تتجه نحو هدف واحد. حددته الأطروحات والثقافات التي تقول بشعب الله المختار.
وتنتظر المسيح بن داود ليعيد الميراث الذي أعطاه الله لإبراهيم، ولم تكن مهمة المسيح أن يأتي لهؤلاء بما تهوى أنفسهم، وإنما كانت مهمته أن يدعوهم إلى عبادة الله عبادة خالصة، وأن يعيدهم إلى الطريق الذي يخلو من جميع بصمات الأمم، ذكر إنجيل مرقص أن المسيح سئل " أية وصية هي أول الكل؟ وأجاب يسوع: إن أول كل الوصايا هي: إسمع يا إسرائيل الرب إلهنا رب واحد، وتحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك ومن كل قدرتك، هذه هي الوصية الأولى " (1) وهذه الوصية أشار إليها القرآن الكريم. في قوله تعالى: (ووصى بها
____________