وكلما أصبحنا وأتانا يوم جديد يقول لي فكر... بمذهب أهل البيت عليهم السلام فكر لتنقذ نفسك، بموالاة علي بن أبي طالب عليه السلام.
قلت له: أنا وأنت متفقان على حب علي (كرم الله وجهه) لكن مذهب أهل البيت هذا مصطلح جديد لأول مرة يطرق ذهني، قلت له: وماذا تقصد من كلمة موالاة علي؟
سألني الشيعي قائلا: ألم تقل عندكم سيدنا معاوية (رض) قتل سيدنا الحسن (عليه السلام)؟
قلت له نعم: يقول علماؤنا ذلك، بأن سيدنا معاوية (رض) اجتهد فأخطأ فله نصف الأجر.
الشيعي: وما تقول في البخاري؟
المحاور: أصدق كتاب عندنا وهو لا يقبل الشك.
الشيعي: ينقل لنا البخاري في صحيحه حديثا مشهورا ومتواترا اسأل عنه علماؤكم؟
(يا عمار تقتلك الفئة الباغية، يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار).
أليس الفئة الباغية هي فئة معاوية من خلال الحديث؟ (وهي التي قتلت عمارا).
ألم يقل الرسول صلى الله عليه وآله في عمار (عمار ملئ إيمانا من رأسه حتى مشاش قدميه)؟
قلت له نعم، قال: فمن أين جاء؟ فأين له وجه الاجتهاد كي يحصل على
(صبرا صبرا آل ياسر فإن موعدكم الجنة).
فأين له من عمار بن ياسر.؟
وجاء الليل وجاء الصراع، عقلي يقول هل علماؤنا مضللون عبر التاريخ؟
هل علماؤنا ضحايا لإعلام مضلل؟ تفكيرهم قائم على الطريقة التقليدية الموروثة.
لا يقبلون النقاش والحوار ومن خالفهم في الرأي اتهموه بالكفر وفسقوه وضللوه وأقاموا عليه الدنيا وأقعدوها لأنه خالفهم في الرأي، وأخذوا يشهرون به في المجالس، ويحذرون الناس منه لمجرد أنه أثار تساؤلا لا يعرفون الإجابة عليه أو لا يريدون الخوض فيه.
أستاذي العالم لا تريد أن تبحث فدعني أبحث دعني أقرأ.. دعني أفكر فإلى متى (ممنوع أن تقرأ، ممنوع أن تبحث، ممنوع أن تفكر) إلا بإذن من الشيخ وإلا فسقني ودمرني وأقام علي أهل البلد الله أكبر ما هذه السلطة المستبدة..؟
ما هذه الدكتاتورية؟
نفسي تقول... إياك أن تقرأ!! الرعب مسيطر عليها تحذيرات الشيخ في المنطقة والشيخ الدكتور عبد الفتاح صقر، والتحذيرات الحادة من الشيخ طارق اللحام دوامة لا أعرف متى الخروج منها؟ فاستيقظت ليلا من شدة الصراع الذي أرهقني وهد كياني، أفكار هذا الصديق الشيعي وطريقته في الحوار مقنعة. إذا كان هذا الكتاب على ضلال فليرد عليه علماؤكم؟!!
فليحاوروا هذا الكتاب، وإلا فإن هذا الكتاب كتاب صحيح...؟ وكيف
هل الدين جاء بالتناقض؟ لا والله. لم يأت بالتناقض.
وفي اليوم الثاني وبعد أن انتهينا من العمل قلت لأخي ما رأيك في أن تنزل معي إلى بيروت قال لي: أنا متعب جدا هذا اليوم.
فعزمت أن أنزل لوحدي وذهبت إلى مسجد صبرا والتقيت بالشيخ صالح عيزوقي وبعد أن أديت فريضة صلاة المغرب خلفه قلت له: شيخنا الجليل: لدي بعض الأسئلة فسألني من أين الأخ؟ فأجبته من سوريا.
فقال لي أنا درست في دمشق. وتتلمذت على شيوخ دمشق.
فقلت له: سماحة الشيخ.. أريدك أن ترشدني إلى كتب الصحاح وهل كتب الصحاح كلها صحيحة عندنا أهل السنة؟
فأخذني إلى جانب من الناس وقال لي: يا بني رحم الله من قبلنا إن الصحاح عندنا مليئة بالمسيحيات والإسرائيليات وتغيير بعض الحقائق..
فقلت له البخاري ومسلم هل فيه مسيحيات وإسرائيليات؟
قال نعم: كلها جاءتنا عن طريق كعب الأحبار اليهودي، وتميم الداري المسيحي وغيرهما، قلت له: سماحة الشيخ... ما تنصحني؟ هناك صديق شيعي نعمل أنا وإياه في ورشة عمل في خلدة وقدم لي كتابين للقراءة (المراجعات، ثم اهتديت) وصار له فترة بعد أن امتنعت عن قراءتهما بسبب فتاوى من علمائنا، أصبحت محرجا أمامه في بعض الحوارات، فقال لي يا أخي: المذهب الخامس
لكن أنصحك بعدم الخوض في حوارات معه مع صديقك هذا لأن القضية شائكة والبحث طويل وطريق صعب ومتعب هم لديهم أدلة مقنعة ونحن لدينا أدلة مقنعة فاتركه يا أخي فودعت الشيخ صالح ورجعت إلى مكان عملي. أفكر بكلمات الشيخ صالح.
وجاء الليل، وجاء التفكير، لديهم أدلة مقنعة، ولدينا أدلة مقنعة فقلت ما دام لديهم أدلة مقنعة كما قال لي الشيخ ما المانع من أن أقرأ كتاب المراجعات وكتاب ثم اهتديت؟ وأقف على هذه الأدلة.
وقعت في تناقض حاد، الشيخ المصري حذرني!! والشيخ طارق حذرني!!
والشيخ فتح الباب ولكن في مصراع واحد، لماذا لا أكمل رحلة البحث؟
فسألت أحد أصدقائي من الذين يعملون معنا في الورشة، فقلت له من يصلي عندكم إماما للجماعة؟ فقال لي: نحن في برج البراجنة عندنا شيخ كبير اسمه الشيخ إسماعيل عرناسي (جامع العرب) وفي اليوم الثاني وبعد الانتهاء من العمل ذهبت إليه حيث انتظرت في المسجد موعد صلاة المغرب ومجئ الشيخ : فجاء الشيخ وصلينا خلفه جماعة، وعندما انتهى صافحته واقتربت منه فقلت له سماحة الشيخ: أنا شاب سوري وأعمل في ورشة في منطقة خلدة واشتغل مع صديق شيعي، وكل ساعة يحاورني في الدين ويسألني ويحرجني فما تنصحني
فقال لي يا بني صار لي أكثر من أربعين سنة في هذا المسجد ولم اختلط مع واحد شيعي والكل يعلم ذلك، لكن أنصحك هؤلاء الشيعة يقولون في آخر الصلاة (تاه الوحي ثلاث مرات وينسبون أقوالا للرسول صلى الله عليه وآله ويقولون قال الإمام علي.. فقلت له شيخنا الجليل أنا قرأت في كتيب لتعليم الصلاة عندهم حيث يقولون آخر الصلاة ثلاث مرات الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر.
فرد علي يا بني ماذا تعرف من دهاء هؤلاء الشيعة إنهم يستعملون التقية.
وإمامهم الصادق يقول (التقية ديني ودين آبائي). فرجعت إلى مكاني مخذولا. تائها.. محتارا.
وأوشكت من أن أصاب بأزمة نفسية، وسيطر علي القلق. بحيث لم أعد أستطيع العمل، أصبت برجفة حادة وقشعريرة فأخذني أخي إلى الدكتور، وقال لي الدكتور: جسميا لا يوجد فيك شئ فأنت مرهق نفسيا وفكريا، يا أخي بماذا تفكر.؟ هذه الدنيا لا تستحق التفكير، خذ إجازة من العمل وسافر إلى البلد...
فنمت يومين في الفراش، محاولا التخلص من التفكير وصرت أجلس مع أصدقائي أشاهد برامج التلفزيون والمسلسلات لأروح عن نفسي التعب والإرهاق.
وبعدها عزمت أن أكمل قراءة كتاب المراجعات، وقلت لصديقي الشيعي:
إذا سمحت غدا اجلب لي معك كتاب المراجعات ففرح صديقي. وقال أين أنت هذين اليومين فقلت له مكابرا والله إن أعصابي وجسمي مرهقان وأخذني أخي دحام إلى الدكتور، وقال لي تحتاج إلى إجازة وراحة من العمل.
قوله: (نحن الشعار والأصحاب والخزنة والأبواب، ولا تؤتى البيوت إلا من أبوابها).
فمن أتاها من غير أبوابها سمي سارقا.
ثم قال في ص 82 وإليك بيان ما أشرنا إليه من كلام النبي صلى الله عليه وآله إذ أهاب بالجاهلين وصرخ في الغافلين، فنادى: (يا أيها الناس إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي) وقال صلى الله عليه وآله: (إني تارك فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي:
كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما) (1).
فسجلت مصادر الحديث الذي ينقلها العالم الشيعي في كتابه (المراجعات) وبعد يومين نزلت إلى مكتبة دار الفتوى (عائشة بكار) لأفتش عن المصادر لأرى
____________
(1) الحديث الأول يذكره من صحاحنا: صحيح الترمذي: ج 5، ص 28، ح 3874 - طبعة دار الفكر في بيروت، ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص 232 طبعة الحيدرية. وتفسير ابن كثير ج 4، ص 12، طبعة دار إحياء الكتب العربية بمصر إحياء الميت للسيوطي بهامش الإتحاف ص 114 طبعة الحلبي. جامع أصول الأثير: ج 1 ص 187 ح 65 طبعة مصر. والحديث الثاني نفس المصادر.
أحدث نفسي إصبر تابع البحث فصبرت نفسي على فرحها الشديد.
ورجعت أتابع القراءة وأي شئ كان يثيرني كنت أسجله وأنزل إلى المكتبة فقط أنزل إلى مكتباتنا حذرا من الصحاح الموجودة عند الشيعة كما يقول علماؤنا السنة أغلبها مزورة ومحرفة!!
وأثارني حديث آخر استغربت منه أشد الاستغراب:
عن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
(من يريد أن يحيا حياتي، ويموت موتي، ويسكن جنة الخلد التي وعدني ربي، فليتول علي بن أبي طالب، فإنه لن يخرجكم من هدى، ولن يدخلكم في ضلالة) (1).
____________
(1) أخرجه الحاكم في آخر ص 128 من الجزء 30 من صحيحه المستدرك. وأخرجه الطبراني في الكبيرة وأبو نعيم في فضائل الصحابة وهو الحديث 2577 من أحاديث الكنز في ص 155 من جزئه 6 وأورده في منتخب الكنز أيضا فراجع هامش ص 32 من الجزء 5 من المسند.
وأخرج النسائي في صحيحه نزولها في علي عن طريق رواية عبد الله بن سلام. وأخرج نزولها صاحب الجمع بين الصحاح الستة في تفسير سورة المائدة.
وأخرج الثعلبي في تفسيره الكبير نزولها في أمير المؤمنين. فراجعت المصادر ووقفت عليها واستدل العالم الشيعي على أن الولاية بعد الله ورسوله لعلي بن أبي طالب.
وتابع القول في آية أخرى: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين) (2).
ويقول ألم يصدع رسول الله صلى الله عليه وآله بتبليغها عن الله يوم الغدير حيث هضب خطابه وعب عبابه فأنزل الله يومئذ: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) (3) ألم تر كيف فعل ربك يومئذ بمن جحد
____________
(1) وقفت على صحة هذه الأقوال: يقول العالم الشيعي: أجمع المفسرون كما اعترف به القوشجي الأشعري وهو من فطاحل علماء السنة في مبحث الإمامة من شرح التجريد على أن الآية نزلت في علي عندما تصدق بخاتمه وهو راكع.
(2) آية التبليغ المائدة: 67 نزلت هذه الآية يوم 18 من ذي الحجة سنة 10 من الهجرة في حجة الوداع في رجوع النبي (ص) من مكة إلى المدينة في مكان يقال له غدير خم. فأمر الله نبيه (ص) أن ينصب عليا إماما وخليفة من بعده.
(3) سورة المائدة: آية 3، هذه الآية نزلت يوم الغدير 18 من ذي الحجة سنة 10 من الهجرة بعد أن
=>
(سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع) (1).
وهنا جاء التأمل والصراع، والمسألة مع النفس ومع الذات.. فراجعت المصادر ووقفت عليها ووجدت صدق ما يأتي به العالم الشيعي فاستغربت من قوة استدلال هذا العالم وإحاطته الدقيقة بالتاريخ والسيرة والصحاح واستهواني الكتاب بأسلوبه الجذاب وثوبه الناعم المزركش وصرت أفكر يا إلهي أين كنت أنا؟
أين علماؤنا من هذه الكتب؟ فهل يعرف علماؤنا ما في هذه الكتب من أدلة ويتعمدون طمس هذه الحقائق عنا؟ لأنه ليس من اختصاصنا البحث في الدين وإنما هو حكر على الشيوخ والعلماء فقط، أم أنهم لا يعلمون حقيقة هذه الكتب؟!
وتابعت القراءة إلى أن وصلت إلى الخطبة الشقشقية ص 680 من المراجعات. فاستوقفتني خطب ومناشدات للإمام علي عليه السلام وشدت انتباهي.
وأسرت تفكيري لما فيها من البيان والتصريح عن مظلوميته بعد النبي صلى الله عليه وآله حيث كان يبث شكواه من خلال هذه الخطب والمناشدات فيقول إمامنا علي عليه السلام أيام
____________
<=
خطب النبي أصحابه ونصب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب خليفة من بعده.
(1) سورة المعارج: 1 - 3، نزلت هذه الآيات في النعمان الفهري لما شك في تنصيب النبي لعلي عليهم السلام
الخلافة فوقع عليه العذاب. راجع: شواهد التنزيل: للحسكاني الحنفي: ج 2، ص 286
حديث: 1030 - 31 - 32 تذكرة الخواص للسبط بن الجوزي الحنفي ص 30.
(أما والله لقد تقمصها فلان وهو يعلم أن محلي منها محل القطب من الرحى، ينحدر عني السيل، ولا يرقى إلي الطير، فسدلت دونها ثوبا.
وطويت عنها كشحا، وطفقت أرتئي بين أن أصول بيد جذاء، أو أصبر على طخية عمياء، يهرم فيها الكبير، ويشيب فيها الصغير، ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربه، فرأيت أن الصبر على هاتا أحجى، فصبرت وفي العين قذى، وفي الحلق شجا، أرى تراثي نهبا...) الخ الخطبة.
وكم وقف متظلما من القوم يبث شكواه قائلا:
(اللهم إني أستعينك على قريش ومن أعانهم، فإنهم قطعوا رحمي، وصغروا عظيم منزلتي، وأجمعوا على منازعتي أمرا هو لي، ثم قالوا: ألا إن في الحق أن تأخذه وفي الحق أن تتركه).
يا الله!! ما أعظم هذه الكلمات؟ إنها تخرق الحجر، وليس الدم واللحم، فيتابع قوله: (فنظرت فإذا ليس لي معين إلا أهل بيتي، فضننت بهم عن الموت، أغضيت على القذى، وشربت على الشجا، وصبرت على أخذ الكظم، وعلى أمر من طعم العلقم).
فصرت أتساءل.. ما ذنب علي عليه السلام في التاريخ؟ الله أكبر وأتابع البحث من جديد وأشحذ همتي كي أستطيع التأمل والتفكر في مناشدات وخطابات سيدي وإمامي علي عليه السلام روحي فداه.
ما قرأت مقطعا من كلماته إلا وانهمرت دموعي!!
ومرة أخرى يبث شكواه بمرارة (فجزت قريش عني الجوازي، فقط قطعوا
وقوله أيضا في خطبة له خطبها بعد البيعة له:
(لا يقاس بآل محمد صلى الله عليه وآله من هذه الأمة أحد، ولا يسوى بهم من جرت نعمتهم عليه أبدا، هم أساس الدين، وعماد اليقين، إليهم يفئ الغالي، وبهم يلحق التالي، ولهم خصائص حق الولاية وفيهم الوصية والوراثة، الآن إذ رجع الحق إلى أهله، ونقل إلى منتقله). فكلمات الإمام بعد البيعة تؤكد على صدق ما ذهبنا إليه.
فكلما وصلت إلى مقطع.. يزداد ألمي. هذه الكلمات القوية لا تخرج من إنسان عادي، كلمات بحد ذاتها معجزة، يتدفق الإشعاع منها إلى أعماق قلبي، عبارات رصينة أدلة قوية تسيطر على القارئ المتدبر.
وحسبك قوله في خطبة أخرى:
(رجع قوم على الأعقاب، وغالتهم السبل، واتكلوا على الولائج، ووصلوا غير الرحم، وهجروا السبب الذي أمروا بمودته، ونقلوا البناء عن رص أساسه، فبنوه في غير مواضعه، معادن كل خطيئة، وأبواب كل ضارب في غمرة، قد ماروا في الحيرة، وذهلوا في السكرة، على سنة من آل فرعون، من منقطع إلى الدنيا راكن، أو مفارق للدين مباين) فما تمالكت من نفسي إلا والدموع تعاودني بالانهمار فوقفت مبهوتا من هذه الأمة وهؤلاء القوم الذين يدعون الإسلام!! ما أقوى هذه
وتابعت البحث حتى عثرت على مناشدة للإمام علي عليه السلام يوم الشورى.
وما أدراك ما يوم الشورى؟!!
مناشدة علي بن أبي طالب عليه السلام يوم الشورى
قال الخوارزمي الحنفي: أخبرني الشيخ الإمام شهاب الدين أفضل الحفاظ أبو النجيب سعد بن عبد الله بن الحسن الهمداني المعروف بالمروزي فيما كتب إلي من همدان، أخبرني الحافظ أبو علي الحسن بن أحمد بن الحسن الحداد فيما أذن لي في الرواية عنه، أخبرني الشيخ الأديب أبو يعلى عبد الرزاق بن عمر بن إبراهيم الطهراني سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة، أخبرني الإمام الحافظ طراز المحدثين أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه الأصفهاني، قال الشيخ الإمام شهاب الدين أبو النجيب سعد بن عبد الله الهمداني، وأخبرنا بهذا الحديث عليا الإمام الحافظ سليمان بن إبراهيم الأصبهاني في كتابه إلي من أصبهان سنة 488 عن أبي بكر أحمد بن موسى بن مردويه، حدثني سليمان بن محمد بن أحمد، حدثني يعلى بن سعد الرازي، حدثني محمد بن حميد، حدثني زاهر بن سليمان بن الحرث بن محمد عن أبي الطفيل عامر بن وائلة، قال: كنت مع علي في البيت يوم
لأحتجن عليكم بما لا يستطيع عربيكم ولا عجميكم تغيير ذلك. ثم قال:
أنشدكم الله أيها النفر جميعا، أفيكم أحد وحد الله قبلي؟ قالوا: لا، قال: فأنشدكم بالله، هل منكم أحد له أخ مثل جعفر الطيار في الجنة مع الملائكة؟ قالوا: اللهم لا، قال: أنشدكم بالله، هل فيكم أحد له عم كعمي حمزة أسد الله وأسد رسوله سيد الشهداء غيري؟ قالوا: اللهم لا، قال:
أنشدكم بالله، هل فيكم أحد له زوجة مثل زوجتي فاطمة بنت محمد سيدة نساء أهل الجنة غيري؟ قالوا: اللهم لا، قال: أنشدكم بالله هل فيكم أحد له سبطان مثل سبطي الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة غيري؟
قالوا: اللهم لا، قال: فأنشدكم بالله، هل فيكم أحد ناجى رسول الله صلى الله عليه وآله عشر مرات قدم بين يدي نجواه صدقة قبلي؟ قالوا: اللهم لا، قال:
فأنشدكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله: (من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، ليبلغ الشاهد الغائب غيري)؟ قالوا: اللهم لا، قال: فأنشدكم بالله، هل فيكم أحد قال له رسول الله صلى الله عليه وآله: (اللهم إئتني بأحب خلقك إليك وإلي وأشدهم لك حبا ولي حبا، يأكل معي من هذا الطير، فأتاه وأكل معه) غيري؟ قالوا: اللهم لا، قال:
فأنشدكم بالله، هل فيكم أحد قال له رسول الله صلى الله عليه وآله: لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، لا يرجع حتى يفتح الله على يده، إذ رجع غيري منهزما غيري؟ قالوا: اللهم لا، قال: فأنشدكم، هل فيكم أحد قال فيه رسول الله لوفد بني وليعة: (لأبعثن إليكم رجلا نفسه كنفسي، وطاعته كطاعتي، ومعصيته كمعصيتي، يقتلكم بالسيف) غيري؟ قالوا:
هذه هي المواساة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: إنه مني وأنا منه، وقال جبرائيل:
وأنا منكما، غيري؟ قالوا: اللهم لا. قال: فأنشدكم الله، هل فيكم أحد نودي من السماء، لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي، غيري؟ قالوا: اللهم لا، قال: فأنشدكم بالله، هل فيكم أحد يقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين على لسان النبي، غيري؟ قالوا: اللهم لا، قال: فأنشدكم الله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلى الله عليه وآله: إني قاتلت على تنزيل القرآن وتقاتل على تأويل القرآن، غيري؟ قالوا: اللهم لا، قال: فأنشدكم الله، هل فيكم أحد ردت عليه الشمس حتى صلى العصر في وقتها، غيري؟ قالوا: اللهم لا. قال:
فأنشدكم الله، هل فيكم أحد أمره رسول الله أن يأخذ براءة من أبي بكر، فقال أبو بكر: يا رسول الله، نزل في شئ، فقال: إنه لا يؤدي عني إلا علي، غيري؟ قالوا: اللهم لا، قال: فأنشدكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله : لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا كافر، غيري؟ قالوا: اللهم لا، قال:
فأنشدكم بالله، أتعلمون أنه تعالى أمر بسد أبوابكم وفتح بابي، فقلتم في ذلك، فقال رسول الله: ما سددت أبوابكم ولا فتحت بابه، بل الله سد أبوابكم وفتح بابه غيري؟ قالوا: اللهم نعم، قال: فأنشدكم بالله أتعلمون أنه ناجاني يوم الطائف دون الناس، فأطال ذلك فقلتم: ناجاه دوننا، فقال ما
فأنشدكم الله، هل فيكم أحد وقى رسول الله من المشركين بنفسه واضطجع في مضجعه غيري؟ قالوا: اللهم لا، قال: فأنشدكم الله هل فيكم أحد بارز عمرو بن عبد ود العامري، حيث دعاكم إلى البراز، غيري؟ قالوا: اللهم لا، قال: فأنشدكم بالله، هل فيكم أحد أنزل الله فيه آية التطهير حيث قال:
(إنما يريد...) غيري؟ قالوا: اللهم لا، قال: فأنشدكم بالله، هل فيكم أحد قال له رسول الله: أنت سيد العرب، غيري؟ قالوا: اللهم لا، قال: فأنشدكم الله، هل فيكم أحد قال له رسول الله صلى الله عليه وآله: ما سألت الله شيئا إلا سألت لك غيري؟ قالوا: اللهم لا.
وعن عامر بن واثلة قال: كنت على الباب يوم الشورى، فسمعت عليا يقول: (أنشدكم بالله أمنكم من نصبه رسول الله يوم غدير خم للولاية غيري؟ قالوا: اللهم لا) (1).
____________
(1) المناقب: لابن المغازلي الشافعي ص 222.
بداية الحيرة والشك والتساؤل
بعد تأثري الشديد بخطب ومناشدات علي عليه السلام الذي أوردها صاحب كتاب المراجعات في الصفحة 680 تحقيق وتعليق حسين الراضي الطبعة (الدار الإسلامية) عام 1986. صحيح آني تأثرت وصدمت إثر قراءتها. ولكن بدأت بالبحث للتأكد من صحة ما يذهب إليه السيد الشيعي (رحمه الله وقدس سره) فوجدت قسما للخطب ينقلها ابن أبي الحديد المعتزلي في شرحه لنهج البلاغة.
فقلت في نفسي إن ابن أبي الحديد معتزلي وليس شيعيا حتى ينتصر لمذهبه أو عقيدته، وكان لدي من المسلمات أن نهج البلاغة للإمام علي عليه السلام وليس للشريف الرضي كما يقول بعض المتقولين والمتعصبين حيث إنه شرحه وعلق عليه أكثر من عالم من علمائنا السنة الكبار أمثال الشيخ محمد عبده شيخ الأزهر والدكتور صبحي الصالح الأستاذ في الجامعة اللبنانية سابقا.
وبقي لدي تساؤل واحد إذا ثبتت لدي خطبة ومناشدة علي عليه السلام يوم الشورى. سوف أعلن عن تشيعي وولائي واستبصاري. لخط أهل البيت عليهم السلام.
وعندما بدأت أقرأ وأحقق مصادر هذه الخطبة فعثرت على أكثر من مصدر منهم: 1 - شيخ الإسلام الشافعي الحمويني صاحب كتاب فرائد السمطين.
2 - مناقب علي بن أبي طالب، ابن المغازلي الشافعي.
ومنها رجعت إلى أمر آخر وهو تحليل خطبة الشورى...
والوقوف على مصادر ما قاله الإمام علي عليه السلام من أحاديث وحجج فوجدتها بمصادرها (من حيث الحديث والآية التي استشهد بهما) حيث كنت أقف على المصدر ونقله من كتاب المراجعات وأراجع في ذلك فأجد كل هذا الكلام موجودا.
لقاء الصدفة
كنت أبحث عن بعض المصادر في مدينة بيروت التي تخص بحثي عن الحقيقة.. وإذ بشيخ موجود في دار النشر.
فدفعني الفضول لأتعرف عليه، فقال لي أنا الشيخ عبد الأمير الهويدي من العراق.
وسألني من أين أنت؟ فأجبته من سوريا.
فسألني ماذا تعمل هنا؟ فأجبته بكل صراحة. لقد أعارني أحد الشباب الشيعة كتاب المراجعات، ومن هنا كانت بداية البحث والتساؤل والحيرة؟
فقال لي: لماذا تتعب نفسك 1 + 1 = 2؟
أسألك سؤال: هل النبي وصى أم لم يوص؟
فقلت له: ماذا تقصد؟ قال: أقصد خلافنا كله قائم على الخلافة من بعد الرسول. إذا وصى الرسول صلى الله عليه وآله فالخلافة لعلي عليه السلام.
وإذا لم يوص؟ فالرسول فيه نقص وكلامه مخالف للقرآن.
فقلت له: حاشا لرسول الله صلى الله عليه وآله أن يخالف القرآن.
قال لي: أنت متأكد أن الرسول صلى الله عليه وآله لا يخالف القرآن؟
فقلت له نعم، أنا متأكد.
فقال إذا: (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية).
لا يعقل أن الرسول صلى الله عليه وآله يموت بلا وصية. ويخالف القرآن والقرآن يقول (ما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا).
وبعدها قال لصاحب دار النشر أعطيه كتاب الإمام الصادق والمذاهب
أين أراك؟ فقال لي سجل رقم هاتفي في دمشق: فسجلته. وقلت له في أمان الله.. وخرجت من الدار ذاهبا لزيارة صديق لي وبعد أن أنهيت الزيارة رجعت مبكرا لقراءة هذه الرسالة التي أشار إليها الشيخ الهويدي وهذه هي الرسالة.
رسالة الجاحظ (1) التي أرشدني إليها الشيخ الهويدي في تفضيل علي عليه السلام
قال: هذا كتاب من أعتزل الشك والظن، والدعوى والأهواء، وأخذ باليقين والثقة من طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وآله وبإجماع الأمة بعد نبيها عليه السلام مما يتضمنه الكتاب والسنة وترك القول بالآراء، فإنها تخطئ وتصيب، لأن الأمة أجمعت أن النبي صلى الله عليه وآله شاور أصحابه في الأسرى ببدر، واتفق على قبول الفداء منهم فأنزل الله تعالى:
(ما كان لنبي أن يكون له).
فقد بان لك أن الرأي يخطئ ويصيب ولا يعطي اليقين، وإنما الحجة لله ورسوله وما أجمعت عليه الأمة من كتاب الله وسنة نبيها، ونحن لم ندرك النبي صلى الله عليه وآله ولا أحدا من أصحابه الذين اختلفت الأمة في أحقهم، فنعلم أيهم أولى ونكون معهم كما قال تعالى: (وكونوا مع الصادقين) ونعلم أيهم على الباطل فنجتنبهم؟
____________
(1) الإمام الصادق والمذاهب الأربعة: ج 2 - ص 94.
حتى أدركنا العلم فطلبنا معرفة الدين وأهله. وأهل الصدق والحق، فوجدنا الناس مختلفين يبرأ بعضهم من بعض، ويجمعهم في حال اختلافهم فريقان:
أحدهما، قالوا: إن النبي صلى الله عليه وآله مات ولم يستخلف أحدا، وجعل ذلك إلى المسلمين يختارونه، فاختاروا أبا بكر.
والآخرون، قالوا: إن النبي صلى الله عليه وآله استخلف عليا، فجعله إماما للمسلمين بعده وادعى كل فريق منهم الحق. فلما رأينا ذلك وقفنا الفريقين لنبحث ونعلم المحق من المبطل؟
فسألناهم جميعا: هل للناس؟؟ من وال يقيم أعيادهم، ويحيي زكاتهم، ويفرقها على مستحقيها، ويقضي بينهم، ويأخذ لضعيفهم من قويهم ويقيم حدودهم؟
فقالوا: لا بد من ذلك.
فقلنا: هل لأحد يختار أحدا فيوليه، بغير نظر من كتاب الله وسنة نبيه؟
فقالوا: لا يجوز ذلك إلا بالنظر.
فسألناهم جميعا عن الإسلام الذي أمر الله به؟
فقالوا: إنه الشهادتان، والإقرار بما جاء من عند الله، والصلاة، والصوم، والحج - بشرط الاستطاعة - والعمل بالقرآن يحل حلاله ويحرم حرامه.
فقبلنا ذلك منهم لإجماعهم.
ثم سألناهم جميعا:
هل لله خيرة من خلقه، اصطفاهم واختارهم؟
فقلنا: ما برهانكم؟
فقالوا: قوله تعالى: (وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة من أمرهم).
فسألناهم: من الخيرة؟
فقالوا: هم المتقون.
فقلنا: ما برهانكم؟
فقالوا: قوله تعالى: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم).
فقلنا: هل لله خيرة من المتقين؟
قالوا: نعم، المجاهدون بأموالهم بدليل قوله تعالى: (فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة).
فقلنا: هل لله خيرة من المجاهدين؟
قالوا جميعا: نعم - السابقون من المهاجرين إلى الجهاد بدليل قوله تعالى:
(لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل).
فقبلنا ذلك منهم لإجماعهم عليه، وعلمنا أن خيرة الله من خلقه المجاهدون السابقون إلى الجهاد. ثم قلنا:
هل لله منهم خيرة؟
قالوا: نعم. قلنا: من هم؟
قالوا: أكثرهم عناء في الجهاد. وطعنا وحربا وقتلا في سبيل الله، بدليل قوله تعالى: (من يعمل مثقال ذرة خيرا يره).
فقبلنا منهم ذلك، وعلمنا وعرفنا: أن خيرة الخيرة أكثرهم في الجهاد عناء، وأبذلهم لنفسه في طاعة الله، وأقتلهم لعدوه.
فسألناهم عن هذين الرجلين - علي بن أبي طالب وأبي بكر - أيهما كان أكثر عناء في الحرب، وأحسن بلاء في سبيل الله؟
فأجمع الفريقان على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أنه كان أكثر طعنا وحربا وأشد قتالا، وأذب عن دين الله ورسوله.
فثبت بما ذكرنا من إجماع الفريقين، ودلالة الكتاب والسنة أن عليا أفضل.
وسألناهم - ثانيا - عن خيرته من المتقين؟
فقالوا: هم الخاشعون، بدليل قوله تعالى: (وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد، هذا ما توعدون لكل أواب حفيظ، من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب). وقال تعالى: (وأعدت للمتقين الذين يخشون ربهم).
ثم سألناهم: من الخاشعون؟
فقالوا: هم العلماء، لقوله تعالى: (إنما يخشى الله من عباده العلماء).
ثم سألناهم جميعا: من أعلم الناس؟
قالوا أعلمهم بالقول، وأهداهم إلى الحق، وأحقهم أن يكون متبوعا ولا يكون تابعا بدليل قوله تعالى: (يحكم به ذوا عدل منكم) فجعل الحكومة لأهل العدل. فقبلنا ذلك منهم، وسألناهم عن أعلم الناس بالعدل من هو؟
قالوا: أدلهم عليه.
قلنا: فمن أدل الناس عليه؟
فدل كتاب الله وسنة نبيه عليه السلام والإجماع: أن أفضل الأمة بعد نبيها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، لأنه إذا كان أكثرهم جهادا كان أتقاهم، وإذا كان أتقاهم كان أخشاهم. وإذا كان أخشاهم كان أعلمهم، وإذا كان أعلمهم كان أدل على العدل، وإذا كان أدل على العدل كان أهدى الأمة إلى الحق، وإذا كان أهدى كان أولى أن يكون متبوعا، وأن يكون حاكما لا تابعا ولا محكوما.
وأجمعت الأمة - بعد نبيها صلى الله عليه وآله - أنه خلف كتاب الله تعالى ذكره وأمرهم بالرجوع إليه إذا نابهم أمر، وإلى سنة نبيه صلى الله عليه وآله فيتدبرونهما ويستنبطوا منهما ما يزول به الاشتباه فإذا أقرأ قارؤكم: (وربك يخلق ما يشاء ويختار). فيقال له:
أثبتها، ثم يقرأ (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) وفي قراءة ابن مسعود - إن خيركم عند الله أتقاكم - (وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد، هذا ما توعدون لكل أواب حفيظ، من خشي الرحمن بالغيب).
فدلت هذه الآية على أن المتقين هم الخاشعون.
ثم يقرأ فإذا بلغ قوله: (إنما يخشى الله من عباده العلماء).
فيقال له: اقرأ حتى ننظر هل العلماء أفضل من غيرهم أم لا؟
فإذا بلغ قوله تعالى: (هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) علم أن العلماء أفضل من غيرهم.
ثم يقال: اقرأ، فإذا بلغ إلى قوله:
(يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات).