الصفحة 170
قال يوحنا: فقاموا وتفرقوا وسكتوا أسبوعا لا يخرجون من بيوتهم، فإذا خرجوا أنكر الناس عليهم، ثم بعد أيام اصطلحوا واجتمعوا في المستنصرية فجلست غداة إليهم وفاوضتهم فكان فيما جرى أن قلت لهم: كنت أريد عالما من علماء الرافضة نناظره في مذهبه، فهل عليكم أن تأتونا بواحد منهم فنبحث معه؟

فقال العلماء: يا يوحنا، الرافضة فرقة قليلة لا يستطيعون أن يتظاهروا بين المسلمين لقلتهم، وكثرة مخالفيهم، ولا يتظاهرون فضلا أن يستطيعوا المحاجة عندنا على مذهبهم، فهم الأرذلون الأقلون، ومخالفوهم الأكثرون، فقال يوحنا: فهذا مدح لهم لأن الله سبحانه وتعالى مدح القليل، وذم الكثير بقوله:

(وقليل من عبادي الشكور) (1)، (وما آمن معه إلا قليل) (2)، (وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله) (3)، (ولا تجد أكثرهم شاكرين) (4)، (ولكن أكثر الناس لا يشكرون) (5)، (ولكن أكثرهم لا يعلمون) (6)، (ولكن أكثر الناس لا يؤمنون) (7) إلى غير ذلك من الآيات.

قال العلماء: يا يوحنا حالهم أعظم من أن يوصف، لأننا لو علمنا بأحد

____________

(1) سورة سبأ الآية: 13.

(2) سورة هود الآية: 40.

(3) سورة الأنعام الآية: 17.

(4) سورة الأعراف الآية: 17.

(5) سورة البقرة الآية: 343.

(6) سورة الأنعام الآية: 37.

(7) سورة الرعد الآية: 1.

الصفحة 171
منهم فلا نزال نتربص به نقتله، لأنهم عندنا كفرة تحل علينا دماؤهم، وفي علمائنا من يفتي بحل أموالهم ونسائهم.

قال يوحنا: الله أكبر هذا أمر عظيم، أترى بما استحقوا هذا فهل هم ينكرون الشهادتين؟

قالوا: لا.

قال: أفهم لا يتوجهون إلى قبلة الإسلام؟

قالوا: لا.

قال: إنهم ينكرون الصلاة أم الصيام أم الحج أم الزكاة أم الجهاد؟

قالوا: لا، بل هم يصلون ويصومون ويزكون ويحجون ويجاهدون.

قال: إنهم ينكرون الحشر والنشر والصراط والميزان والشفاعة؟

قالوا: لا، بل مقرون بذلك بأبلغ وجه.

قال: أفهم يبيحون الزنا واللواط وشرب الخمر والربا والمزامر وأنواع الملاهي؟

قالوا: بل يجتنبون عنها ويحرمونها.

قال يوحنا: فيا لله والعجب قوم يشهدون الشهادتين، ويصلون إلى القبلة، ويصومون شهر رمضان، ويحجون البيت الحرام، ويقولون بالحشر والنشر وتفاصيل الحساب، كيف تباح أموالهم ودماؤهم ونساؤهم ونبيكم يقول:

(أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم ونساءهم إلا بحق وحسابهم على

الصفحة 172
الله) (1).

قال العلماء: يا يوحنا إنهم أبدعوا في الدين بدعا فمنها: أنهم يدعون أن عليا عليه السلام أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله ويفضلونه على الخلفاء الثلاثة، والصدر الأول أجمعوا على أن أفضل الخلفاء كبير تيم.

قال يوحنا: أفترى إذا قال أحد: إن عليا يكون خيرا من أبي بكر وأفضل منه تكفرونه؟

قالوا: نعم لإنه خالف الإجماع.

قال يوحنا: فما تقولون في محدثكم الحافظ أبي بكر أحمد بن موسى بن مردويه؟

قال العلماء: هو ثقة مقبول الرواية صحيح المثل.

قال يوحنا: هذا كتابه المسمى بكتاب المناقب روى فيه أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: (علي خير البشر، ومن أبى فقد كفر).

وفي كتابه أيضا سأل حذيفة عليا عليه السلام قال: (أنا خير هذه الأمة بعد نبيها، ولا يشك في ذلك إلا منافق).

وفي كتابه أيضا عن سلمان، عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: (علي بن أبي طالب خير من أخلفه بعدي).

وفي كتابه أيضا عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: (أخي ووزيري وخير من أخلفه بعدي علي بن أبي طالب).

____________

(1) صحيح مسلم ج 1، ص 51 - 53.

الصفحة 173
وعن إمامكم أحمد بن حنبل روى في مسنده أن النبي صلى الله عليه وآله قال لفاطمة:

(أما ترضين أني زوجتك أقدم أمتي سلما، وأكثرهم علما، وأعظمهم حلما) (1).

وروي في مسند أحمد بن حنبل أيضا أن النبي صلى الله عليه وآله قال: (اللهم إئتني بأحب خلقك إليك) (2) فجاء علي بن أبي طالب في حديث الطائر، وذكر هذا الحديث النسائي والترمذي في صحيحهما (3) وهما من علمائكم.

وروى أخطب خوارزم في كتاب المناقب وهو من علمائكم عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (يا علي أخصمك بالنبوة ولا نبوة بعدي، وتخصم الناس بسبع فلا يحاجك أحد من قريش: أنت أولهم إيمانا بالله وأوفاهم بأمر الله وبعهده، وأقسمهم بالسوية، وأعدلهم بالرعية، وأبصرهم بالقضية، وأعظمهم يوم القيامة عند الله عز وجل في المزية) (4).

وقال صاحب كفاية الطالب من علمائكم: هذا حديث حسن عال ورواه

____________

(1) مسند أحمد ج 5 - ص 25، المعجم الكبير للطبراني ج 20 - ص 229 - 230 - ح 538، مجمع الزوائد ج 9 - ص 102، كنز العمال ج 11 - ص 605 - ح 32924.

(2) المعجم الكبير للطبراني ج 1 - ص 226 - ح 730، تاريخ بغداد ج 9 - ص 369، كنز العمال ج 13 - ص 167 - ح 3650، وقد أفردت لهذا الحديث كتب مستقلة، مثل: قصة الطير للحاكم النيسابوري المتوفى سنة 405 هـ‍، وقد تقدم بعض المصادر لهذا الحديث فراجع.

(3) صحيح الترمذي ج 5 - ص 595 - ح 3721، مجمع الزوائد ج 9 - ص 126، المستدرك ج 3 - ص 130 - 131، مشكاة المصابيح للخطيب التبريزي ج 3 - ص 1721 - ح 6085، خصائص أمير المؤمنين للنسائي ص 34 - ح 12.

(4) مناقب الخوارزمي ص 110 - ح 18، فرائد السمطين ج 1 - ص 223 - ح 174.

الصفحة 174
الحافظ أبو نعيم في حلية الأولياء (1).

قال يوحنا: فيما أئمة الإسلام فهذه أحاديث صحاح روتها أئمتكم وهي مصرحة بأفضلية علي وخيرته على جميع الناس، فما ذنب الرافضة؟ وإنما الذنب لعلمائكم والذين يروون ما ليس بحق، ويفترون الكذب على الله ورسوله.

قالوا: يا يوحنا، إنهم لم يرووا غير الحق ولم يفتروا بل الأحاديث لها تأويلات ومعارضات.

قال يوحنا: فأي تأويل تقبل هذه الأحاديث بالتخصيص على البشر، فإنه نص في أنه خير من أبي بكر إلا أن تخرجوا أبا بكر من البشر. سلمنا أن الأحاديث لا تدل على ذلك فأخبروني أيهما أكثر جهادا؟

فقالوا: علي.

قال يوحنا: قال الله تعالى: (وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما) (2).

قالوا: أبو بكر أيضا مجاهد فلا يلزم تفضيله عليه.

قال يوحنا: الجهاد الأقل إذا نسب إلى الجهاد الأكثر بالنسبة إليه قعود، وهب أنه كذلك فما مرادكم بالأفضل؟

قالوا: الذي تجتمع فيه الكمالات والفضائل الجبلية والكسبية كشرف الأصل والعلم والزهد والشجاعة والكرم وما يتفرع عليها.

____________

(1) كفاية الطالب ص 270، حلية الأولياء ج 1 - ص 65 - 66.

(2) سورة النساء الآية: 95.

الصفحة 175
قال يوحنا: هذه الفضائل كلها لعلي عليه السلام بوجه هو أبلغ من حصولها لغيره.

قال يوحنا: أما شرف الأصل فهو ابن عم النبي صلى الله عليه وآله وزوج ابنته، وأبو سبطيه.

وأما العلم فقال النبي صلى الله عليه وآله: (أنا مدينة العلم وعلي بابها) (1) وقد تقرر في العقل أن أحدا لا يستفيد من المدينة شيئا إلا إذا أخذ من الباب، فانحصر طريق الاستفادة من النبي صلى الله عليه وآله في علي عليه السلام وهذه مرتبة عالية، وقال صلى الله عليه وآله (أقضاكم علي) (2) وإليه تعزى كل قضية، وتنتهي كل فرقة، وتنحاز إليه كل طائفة، فهو رئيس الفضائل وينبوعها، وأبو عذرها، وسابق مضمارها، ومجلي حلبتها، كل من برع فيها فمنه أخذ، وبه اقتفى، وعلى مثاله احتذى، وقد عرفتم أن أشرف العلوم العلم الإلهي، ومن كلامه اقتبس وعنه نقل ومنه ابتدأ.

فإن المعتزلة الذين هم أهل النظر ومنهم تعلم الناس هذا الفن هم تلامذته، فإن كبيرهم واصل بن عطاء تلميذ أبي هاشم عبد الله بن محمد ابن الحنفية (3)،

____________

(1) راجع: ابن جرير الطبري في مسند علي من تهذيب الآثار ص 105 - ح 173، المستدرك ج 3 - ص 126، مجموع الزوائد ج 9 ص 114، المعجم الكبير للطبراني ج 11 ص 65 - 66 - ح 11061، تاريخ بغداد ج 4 - ص 348، كنز العمال ج 11 - ص 614 - ح 32977 و 32078، ذخائر العقبى ص 83، وقد أفردت لهذا الحديث كتب مستقلة، مثل فتح الملك العلي بصحة حديث باب مدينة العلم علي، للمغربي.

(2) طبقات ابن سعد ج 2 ص 135، ذخائر العقبى ص 83، مناقب الخوارزمي ص 81 - ح 66، مسند أحمد ج 5 - ص 113.

(3) هو عبد الله بن محمد بن الحنفية الملقب بالأكبر، والمكنى بأبي هاشم، إمام الكيسانية مات سنة 98 أو 99. تنقيح المقال للمامقاني ج 2 - ص 212.

الصفحة 176
وأبو هاشم عبد الله تلميذ أبيه، وأبوه تلميذ علي بن أبي طالب عليه السلام.

وأما الأشعريون فإنهم ينتهون إلى أبي الحسن الأشعري وهو تلميذ أبي علي الجبائي، وهو تلميذ واصل بن عطاء (1).

وأما الإمامية والزيدية فانتهاؤهم إليه ظاهر.

وأما علم الفقه فهو أصله وأساسه، وكل فقيه في الإسلام فإليه يعزي نفسه.

أما فأخذ الفقه عن ربيعة الرأي، وهو أخذه عن عكرمة، وهو أخذه عن عبد الله، وهو أخذه عن علي.

وأما أبو حنيفة فعن الصادق عليه السلام.

وأما الشافعي فهو تلميذ مالك، والحنبلي تلميذ الشافعي (2)، وأما فقهاء الشيعة فرجوعهم إليه ظاهر، وأما فقهاء الصحابة فرجوعهم إليه ظاهر كابن عباس وغيرهم، وناهيكم قول عمر غير مرة: (لا يفتين أحد في المسجد وعلي حاضر) وقوله: (لا بقيت لمعضلة ليس لها أبو الحسن) (3)، وقوله: (لولا علي لهلك عمر) (4).

____________

(1) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 1 - ص 17.

(2) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 1 - ص 17 - 18.

(3) مناقب الخوارزمي ص 96 و 97 - ح 97 و 98، فرائد السمطين ج 1 - 344 و 345 - ح 266 و 267.

(4) فيض القدير ج 4 - ص 357، فضائل الخمسة من الصحاح الستة ج 2 - ص 309، علي إمام المتقين لعبد الرحمن الشرقاوي ج 1 - ص 100 و 101، مناقب ابن شهرآشوب ج 2 - ص

=>


الصفحة 177
وقال الترمذي في صحيحه والبغوي عن أبي بكر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله:

(من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في فهمه، وإلى يحيى بن زكريا في زهده، وإلى موسى بن عمران في بطشه فلينظر إلى علي بن أبي طالب) (1).

وقال البيهقي بإسناده إلى رسول الله صلى الله عليه وآله: (من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في تقواه، وإلى إبراهيم في حلمه، وإلى موسى في هيبته، وإلى عيسى في عبادته، فلينظر إلى علي بن أبي طالب) (2)، وهو الذي أفتى في المرأة التي وضعت لستة أشهر (3)، وبقسمة الدراهم على صاحب الأرغفة (4) والآمر بشق الولد نصفين (5)، والآمر بضرب عنق العبد، والحاكم في ذي الرأسين (6) ومبين

____________

<=

361.

(1) البداية والنهاية ج 7 ص 356، كفاية الطالب ص 121.

(2) الموطأ لمالك ج 2 - ص 842 - ح 2، المستدرك ج 4 - ص 375، فضائل الخمسة ج 2 - ص 310.

(3) الإستيعاب ج 3 ص 1103، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 1 ص 19، وذكر القرطبي في تفسيره ج 16 ص 390 عند الكلام على تفسير قوله تعالى: (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) سورة الأحقاف الآية 15، أن عثمان قد أتي بامرأة ولدت لستة أشهر، فأراد أن يقيم عليها الحد فقال له علي عليه السلام ليس ذلك عليها، قال الله تعالى: (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا).

(4) الإستيعاب ج 3 - ص 1105 - 1106: فضائل الخمسة من الصحاح الستة ج 2 - ص 302، ذخائر العقبى ص 84، الصواعق المحرقة ص 77.

(5) مناقب ابن شهر آشوب ج 2 - ص 367، الفصول المائة ج 5 ص 366 - ح 15، كنز العمال ج 3 - ص 379، بحار الأنوار ج 40 - ص 252، الغدير ج 6 - ص 174.

(6) كنز العمال ج 3 - ص 179، بحار الأنوار ج 40 - ص 257.

الصفحة 178
أحكام البغاة (1)، وهو الذي أفتى في الحامل الزانية (2).

ومن العلوم علم التفسير، وقد علم الناس حال ابن عباس فيه وكان تلميذ علي عليه السلام وسئل فقيل له: أين علمك من علم ابن عمك؟

فقال: كبشة مطر في البحر المحيط (3).

ومن العلوم علم الطريقة والحقيقة، وعلم التصوف، وقد علمتم أن أرباب هذا الفن في جميع بلاد الإسلام إليه ينتهون، وعنده يقفون، وقد صرح بذلك الشبلي والحنبلي وسري السقطي وأبو زيد البسطامي وأبو محفوظ معروف الكرخي وغيرهم، ويكفيكم دلالة على ذلك الخرقة التي هي شعارهم وكونهم يسندونها بإسناد معنعن إليه أنه واضعها (4) ومن العلوم علم النحو والعربية، وقد علم الناس كافة أنه هو الذي ابتدعه

____________

(1) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 9 - ص 321، كتاب الأم ج 4 - ص 233، باب الخلافة في قتال أهل البغي، وقد قال الشافعي: عرفنا حكم البغاة من علي عليه السلام.

(2) فقد روي أنه أتى عمر بن الخطاب بامرأة حامل قد اعترفت بالفجور فأمر برجمها فلقيها علي فقال: ما بال هذه؟ فقالوا: أمر عمر برجمها، فردها علي عليه السلام وقال: هذا سلطانك عليها فما سلطانك على ما في بطنها؟ ولعلك انتهرتها، أو أخفتها، قال: قد كان ذلك، قال: أو ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله قال: لا حد على معترف بعد بلاء أنه من قيد أو حبس أو تهدد فلا إقرار له، فخل سبيلها ثم قال: عجزت النساء أن تلد مثل علي بن أبي طالب، لولا علي لهلك عمر، راجع:

الرياض النضرة ج 3 - ص 163، ذخائر العقبى ص 81، مطالب السؤول ص 13، مناقب الخوارزمي ص 48، الأربعين للفخر الرازي ص 466، الغدير ج 6 - ص 110.

(3) نهج الحق وكشف الصدق ص 238، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 1 ص 19.

(4) نهج الحق وكشف الصدق ص 228، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 1 - ص 19.

الصفحة 179
وأنشأه، وأملى على أبي الأسود الدؤلي جوامع تكاد تلحق بالمعجزات، لأن القوة البشرية لا تفي بمثل هذا الاستنباط.

فأين من هو بهذه الصفة من رجل يسألونه ما معنى (أبا) فيقول: لا أقول في كتاب الله برأيي، ويقضي في ميراث الجد بمائة قضية يغاير بعضها بعضا، ويقول:

إن زغت فقوموني وإن استقمت فاتبعوني (1). وهل يقيس عاقل مثل هذا إلى من قال: سلوني قبل أن تفقدوني (2)، سلوني عن طرق السماء فوالله إني لأعلم بها من طرق الأرض! وقال: إن ها هنا لعلما جما، وضرب بيده على صدره، وقال: لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا فقد ظهر أنه أعلم (3).

وأما الزهد فإنه سيد الزهاد، وبدل الأبدال، وإليه تشد الرحال، وتنقص الأحلاس، وما شبع من طعام قط، وكان أخشن الناس لبسا ومأكلا.

قال عبد الله بن أبي رافع: دخلت على علي عليه السلام يوم عيد فقدم جرابا مختوما فوجد فيه خبز شعير يابسا مرضوضا فتقدم فأكل.

فقلت: يا أمير المؤمنين فكيف تختمه وإنما هو خبز شعير؟

فقال: خفت هذين الولدين يلتانه بزيت أو سمن (4). وكان ثوبه مرقوعا بجلد تارة وبليف أخرى، ونعلاه من ليف، وكان يلبس الكرباس الغليظ فإن وجد كمه طويلا قطعه بشفرة ولم يخيطه، وكان لا يزال ساقطا على ذراعيه حتى

____________

(1) تقدمت تخريجاته.

(2) تقدمت تخريجاته.

(3) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 7 - ص 253، وقد تقدمت تخريجاته فيما سبق.

(4) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 7 - ص 253، وقد تقدمت تخريجاته فيما سبق.


الصفحة 180
يبقى سدى بلا لحمة، وكان يأتدم إذا ائتدم بالخل والملح فإن ترقى عن ذلك فبعض نبات الأرض، فإن ارتفع عن ذلك فبقي ألبان الإبل، ولا يأكل اللحم إلا قليلا ويقول: لا تجعلوا بطونكم مقابر الحيوانات، وكان مع ذلك أشد الناس قوة، وأعظمهم يدا (1).

وأما العبادة فمنه تعلم الناس صلاة الليل، وملازمة الأوراد، وقيام الناقلة، وما ظنك برجل كانت جبهته كثفنة البعير، ومن محافظته على ورده أن بسط له نطع بين الصفين ليلة الهرير فيصلي عليه والسهام تقع عليه وتمر على صماخيه يمينا وشمالا فلا يرتاع لذلك ولا يقوم حتى يفرغ من وظيفته.

فأنت إذا تأملت دعواته ومناجاته ووقفت على ما فيها من تعظيم الله سبحانه وتعالى وإجلاله وما تضمنته من الخضوع لهيبته والخشوع لعزته عرفت ما ينطوي عليه من الإخلاص.

وكان زين العابدين عليه السلام يصلي في كل ليلة ألف ركعة ويقول: أنى لي بعبادة علي عليه السلام (2).

وأما الشجاعة فهو ابن جلاها وطلاع ثناياها، أنسى الناس فيها ذكر من قبله، ومحى اسم من يأتي بعده، ومقاماته في الحروب مشهورة تضرب بها الأمثال إلى يوم القيامة، وهو الشجاع الذي ما فر قط ولا ارتاع من كتيبة ولا بارز أحدا إلا قتله، ولا ضرب ضربة قط فاحتاجت إلى ثانية.

____________

(1) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 1 - ص 26.

(2) الإرشاد للمفيد ص 256، إعلام الورى ص 255، بحار الأنوار ج 46 - ص 74 ح 12.

الصفحة 181
وجاء في الحديث إذا ضرب واعتلا قد، وإذا ضرب واعترض قط، وفي الحديث: كانت ضرباته وترا (1)، وكان المشركون إذا أبصروه في الحرب عهد بعضهم إلى بعض، وبسيفه شيدت مباني الدين، وثبتت دعائمه، وتعجبت الملائكة من شدة ضرباته وحملاته.

وفي غزوة بدر الداهية العظمى على المسلمين قتل فيها صناديد قريش كالوليد بن عتبة والعاص بن سعيد ونوفل بن خويلد الذي قرن أبا بكر وطلحة قبل الهجرة وعذبهما، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: (الحمد لله الذي أجاب دعوتي فيه) (2) ولم يزل في ذلك يصرع صنديدا بعد صنديد حتى قتل نصف المقتولين فكان سبعين، وقتل المسلمون كافة مع ثلاثة آلاف من الملائكة مسومين النصف الآخر (3)، وفيه نادى جبرائيل:

(لا سيف إلا ذو الفقار * ولا فتى إلا علي) (4)

ويوم أحد لما انهزم المسلمون عن النبي صلى الله عليه وآله ورمي رسول الله صلى الله عليه وآله إلى الأرض وضربه المشركون بالسيوف والرماح وعلي عليه السلام مصلت سيفه قدامه، ونظر النبي صلى الله عليه وآله بعد إفاقته من غشوته فقال: يا علي ما فعل المسلمون؟

____________

(1) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 1 - ص 20.

(2) المغازي للواقدي ج 1 - ص 92.

(3) المغازي ج 1 - ص 147 و 152، الإرشاد للشيخ المفيد ص 41 و 43، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 1 - ص 24.

(4) المغازي للواقدي ج 1 - ص 92.

الصفحة 182
فقال: نقضوا العهود وولوا الدبر.

فقال: اكفني هؤلاء، فكشفهم عنه ولم يزل يصادم كتيبة بعد كتيبة وهو ينادي المسلمين حتى تجمعوا، وقال جبرائيل عليه السلام إن هذه لهي المواساة، لقد عجبت الملائكة من حسن مواساة علي لك بنفسه.

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: (وما يمنعه من ذلك وهو مني وأنا منه) (1). ولثبات علي عليه السلام رجع بعض المسلمين ورجع عثمان بعد ثلاثة أيام، فقال له النبي صلى الله عليه وآله:

لقد ذهبت بها عريضة (2) وفي غزوة الخندق إذ أحدق المشركون بالمدينة كما قال الله تعالى: (إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا) (3)، واقتحم عمرو بن عبد ود الخندق على المسلمين ونادى بالبراز فأحجم عنه المسلمون وبرز علي عليه السلام متعمما بعمامة رسول الله صلى الله عليه وآله وبيده سيف فضربه ضربة كانت توازن عمل الثقلين إلى يوم القيامة (4)، وأين كان هناك أبو بكر وعمر وعثمان.

____________

(1) ذخائر العقبى ص 8 6، فضائل الصحابة لأحمد ج 2 ص 594 - ح 1010، مجمع الزوائد ج 6 - ص 114، نهج الحق وكشف الصدق ص 249.

(2) تاريخ الطبري ج 2 - ص 203، الكامل لابن الأثير ج 2 ص 110، السيرة الحلبية ج 2 - ص 227، البداية والنهاية ج 4 - ص 28، السيرة النبوية لابن كثير ج 3 - ص 55، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 15 - ص 21، الدر المنثور ج 2 - ص 89.

(3) سورة الأحزاب الآية 10.

(4) المغازي للواقدي ج 2 - ص 470 - 471، وقد تقدم حديث قتل عمر بن ود.

الصفحة 183
ومن نظر غزوات الواقدي وتاريخ البلاذري علم محله من رسول الله من الجهاد وبلاءه يوم الأحزاب، ويوم بني المصطلق، ويوم قلع باب خيبر، وفي غزاة الخيبر، وهذا باب لا يغني الإطناب فيه لشهرته.

وروى أبو بكر الأنباري في أماليه أن عليا عليه السلام جلس إلى عمر في المسجد وعنده أناس، فلما قام عرض واحد بذكره ونسبه إلى التيه والعجب.

فقال عمر: لمثله أن يتيه، لولا سيفه لما قام عمود الدين، وهو بعد أقضى الأمة، وذو سابقتها، وذو شأنها.

فقال له ذلك القائل: فما منعكم يا أمير المؤمنين منه؟

فقال: ما كرهناه إلا على حداثة سنه، وحبه لبني عبد المطلب، وحمله سورة براءة إلى مكة.

ولما دعا معاوية إلى البراز لتسريح الناس من الحرب بقتل أحدهما فقال له عمرو: قد أنصفك الرجل.

فقال له معاوية: ما غششتني في كل ما نصحتني إلا اليوم، أتأمرني بمبارزة أبي الحسن وأنت تعلم أنه الشجاع المطوق؟ أراك طمعت في إمارة الشام بعدي (1).

وكانت العرب تفتخر لوقوعها في الحرب في مقابلته، فأما قتلاه فافتخر رهطهم لأنه عليه السلام قتلهم وأقوالهم في ذلك أظهر وأكثر من أن تحصى وقالت أم كلثوم (2) في عمر بن عبد ود ترثيه:

____________

(1) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 1 - ص 20 و ج 8 - ص 53.

(2) وهي أخته عمرة وكنيتها أم كلثوم.

الصفحة 184

لو كان قاتل عمرو غير قاتله * بكيته أبدا ما عشت في الأبد
لكن قاتله من لا يعاب به * أبوه قد كان يدعى بيضة البلد (1)

وجملة الأمر أن كل شجاع في الدنيا إليه ينتمي، وباسمه يستبهل من مشارق الأرض ومغاربها.

وأما كرمه وسخاؤه فهو الذي كان يطوي في صيامه حتى صام طاويا ثلاثة أيام يؤثر السائل كل ليلة بطعامه حتى أنزل الله فيه: (هل أتى على الإنسان) (2) وتصدق بخاتمه في الركوع فنزلت الآية: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) (3)، وتصدق بأربعة دراهم فأنزل الله فيه الآية: (الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية) (4) وتصدق بعشرة دراهم يوم النجوى (5) فخفف الله سبحانه عن سائر الأمة بها، وهو الذي كان يستسقي للنخل بيده ويتصدق بأجرته، وفيه قال عدوه معاوية بن أبي سفيان لمحجن الضبي لما قال له: جئتك من عند أبخل الناس، فقال: ويحك كيف قلت؟

____________

(1) المستدرك على الصحيحين ج 3 - ص 33، الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ص 62، الإرشاد للمفيد ج 1 - ص 108، لسان العرب لابن منظور ج 7 - ص 127.

(2) سورة الإنسان الآية: 1، تقدمت تخريجاته.

(3) سورة المائدة الآية: 55.

(4) سورة البقرة الآية: 274.

(5) تقدمت تخريجاته.

الصفحة 185
تقول له أبخل الناس ولو ملك بيتا من تبر وبيتا من تبن لأنفق تبره قبل تبنه (1)، وهو الذي يقول يا صفراء ويا بيضاء غري غيري، أبي تعرضت أم إلي تشوقت، هيهات هيهات قد طلقتك ثلاثا لا رجعة لي فيك (2)، وهو الذي جاد بنفسه ليلة الفراش وفدى النبي صلى الله عليه وآله حتى نزل في حقه (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله) (3).

قال يوحنا: فلما سمعوا هذا الكلام لم ينكره أحد منهم، وقالوا: صدقت إن هذا الذي قلت قرأناه من كتبنا ونقلناه عن أئمتنا لكن محبة الله ورسوله وعنايتهما أمر وراء هذا كله، فعس الله أن يكون له عناية بأبي بكر أكثر من علي فيفضله عليه.

قال يوحنا: إنا لا نعلم الغيب، ولا يعلم الغيب إلا الله تعالى، وهذا الذي قلتموه تخرص، وقال الله تعالى: (قتل الخراصون) (4) ونحن إنما نحكم بالشواهد التي لعلي عليه السلام على أفضليته فذكرناها.

وأما عناية الله به فتحصل من هذه الكمالات دليل قاطع عليها، فأي عناية خير من أن يجعله الله بعد نبيه أشرف الناس نسبا، وأعظمهم حلما، وأشجعهم قلبا، وأكثرهم جهادا وزهدا وعبادة وكرما وورعا، وغير ذلك من الكمالات

____________

(1) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 1 - ص 22.

(2) نهج البلاغة صبحي الصالح ص 480 - 481، قصار الحكم 77.

(3) سورة البقرة الآية: 207، تقدمت تخريجات نزولها.

(4) سورة الذاريات الآية: 10.

الصفحة 186
القديمة، هذه هي العناية.

وأما محبة الله ورسوله فقد شهد بها رسول الله صلى الله عليه وآله في مواضع، منها:

الموقف الذي لا ينكر وهو يوم خيبر، إذ قال النبي صلى الله عليه وآله: (لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله) (1) فأعطاها عليا.

وروى عالمكم أخطب خوارزم في كتاب المناقب أن النبي صلى الله عليه وآله قال: (يا علي لو أن عبدا عبد الله عز وجل مثلما قام نوح في قومه، وكان له مثل جبل أحد ذهبا فأنفقه في سبيل الله، ومد في عمره حتى حج ألف حجة على قدميه، ثم قتل ما بين الصفا والمروة مظلوما ثم لم يوالك يا علي لم يشم رائحة الجنة ولم يدخلها) (2).

____________

(1) ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج 1 - ص 205 - ح 269 و ص 157 - ح 219 و 231، سنن الترمذي ج 5 - ص 596 - ح 3724، فرائد السمطين ج 1 - ص 259، مجمع الزوائد د 6 - ص 151، المستدرك للحاكم ج 3 - ص 38، و ص 438، عيون الأثر ج 2 - ص 132، مسند أحمد بن حنبل ج 2 - ص 384، صحيح مسلم ج 4 - ص 1878 - ح 33 - (2405) أنساب الأشراف للبلاذري ج 2 ص 93، خصائص النسائي ص 34 - ح 11، مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي ص 181 - ح 216، الطبقات لابن سعد ج 2 - ص 110، ينابيع المودة ص 49، المعجم الصغير للطبراني ج 2 - ص 100، مسند أبي داود الطيالسي ص 320، تذكرة الخواص للسبط بن الجوزي ص 24، السنن الكبرى للبيهقي ج 9 - ص 106 و ص 131، حلية الأولياء ج 1 - ص 62، أسنى المطالب للجزري ص 62، صحيح البخاري ج 5 - ص 22، أسد الغابة ج 4 - ص 21، البداية والنهاية ج 4 - ص 182، تاريخ الطبري ج 3 - ص 12، ذخائر العقبى ص 87، تاريخ الإسلام للذهبي ج 2 - ص 194، العقد الفريد ج 2 - ص 194، الكامل في التاريخ ج 2 - ص 149، مروج الذهب ج 3 - ص 14، إحقاق الحق ج 5 ص 400، فضائل الخمسة ج 2 - ص 161.

(2) لسان الميزان ج 5 - ص 219، ميزان الاعتدال ج 3 ص 597.

الصفحة 187
وفي الكتاب المذكور قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (لو اجتمع الناس على حب علي بن أبي طالب لم يخلق الله النار) (1) وفي كتاب الفردوس: حب علي حسنة لا تضر معها سيئة، وبغضه سيئة لا تنفع معها حسنة (2).

وفي كتاب ابن خالويه عن حذيفة بن اليمان قال، قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (من أراد أن يتصدق بفصه الياقوت التي خلق الله بيده ثم قال لها: كوني فكانت فليتول علي بن أبي طالب بعدي).

وفي مسند أحمد بن حنبل في المجلد الأول: أن رسول الله صلى الله عليه وآله أخذ بيد حسن وحسين وقال: (من أحبني وأحب هذين وأحب أباهما. كان معي في درجتي يوم القيامة) (3).

قال يوحنا: يا أئمة الإسلام هل بعد هذا كلام في قول الله تعالى ورسوله في محبته وفي تفضيله على من هو عاطل عن هذه الفضائل؟

قالت الأئمة: يا يوحنا، الرافضة يزعمون أن النبي صلى الله عليه وآله أوصى بالخلافة إلى علي عليه السلام ونص عليه بها، وعندنا أن النبي صلى الله عليه وآله لم يوص إلى أحد بالخلافة.

قال يوحنا: هذا كتابكم فيه: (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين) (4).

____________

(1) مناقب الخوارزمي ص 67 - ح 39، الفردوس ج 3 - ص 373 - ح 5135.

(2) الفردوس ج 2 - ص 143 - ح 3725، مناقب الخوارزمي ص 75 - ح 56.

(3) مسند أحمد ج 1 - ص 77، سنن الترمذي ج 5 - ص 599 - ح 3733، تاريخ بغداد ج 13 - ص 288، كنز العمال ج 13 - ص 639 ح 37613.

(4) سورة البقرة الآية: 180.

الصفحة 188
وفي بخاريكم يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (ما من حق امرئ مسلم أن يبيت إلا وصيته تحت رأسه) (1) أفتصدقون أن نبيكم يأمر بما لا يفعل مع أن في كتابكم تقريعا للذي يأمر بما لا يفعل من قوله (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون) (2).

فوالله إن كان نبيكم قد مات بغير وصية فقد خالف أمر ربه، وناقض قول نفسه، ولم يقتد بالأنبياء الماضية من إيصائهم إلى من يقوم بالأمر من بعدهم، على أن الله تعالى يقول: (فبهداهم اقتده) (3) لكنه حاشاه من ذلك وإنما تقولون هذا لعدم علم منكم وعناد، فإن إمامكم أحمد بن حنبل روى في مسنده أن سلمان قال: يا رسول الله فمن وصيك.

قال: يا سلمان من كان وصي أخي موسى عليه السلام.

قال: يوشع بن نون! قال: فإن وصيي ووارثي علي بن أبي طالب.

وفي كتاب ابن المغازلي الشافعي بإسناده عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: لكل نبي وصي ووارث، وأنا وصيي ووارثي علي بن أبي طالب (4).

وهذا الإمام البغوي محيي سنة الدين، وهو من أعاظم محدثيكم ومفسريكم، وقد روى في تفسيره المسمى بمعالم التنزيل عند قوله تعالى: (وأنذر

____________

(1) صحيح البخاري ج 4 - ص 2، صحيح مسلم ج 3 - ص 1249 - ح 1، سنن ابن ماجة ج 2 - ص 901 - ح 2699.

(2) سورة البقرة الآية: 44.

(3) سورة الأنعام الآية: 90.

(4) مناقب ابن المغازلي ص 200 - 201 - ح 238، ذخائر العقبى ص 71.

الصفحة 189
عشيرتك الأقربين) (1) عن علي (ع أنه قال: لما نزلت هذه الآية أمرني رسول الله صلى الله عليه وآله أن أجمع له بني عبد المطلب فجمعتهم وهم يومئذ أربعون رجلا يزيدون رجلا أو ينقصون، فقاله لهم بعد أن أضافهم برجل شاة وعس من لبن شبعا وريا وإن كان أحدهم ليأكله ويشربه: يا بني عبد المطلب إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني ربي أن أدعوكم إليه فأيكم يؤازرني عليه، ويكون أخي ووصيي وخليفتي من بعدي؟ فلم يجبه أحد.

قال علي: فقمت إليه، وقلت: أنا أجيبك يا رسول الله.

فقال لي: أنت أخي ووصيي وخليفتي من بعدي، فاسمعوا له وأطيعوا، فقاموا يضحكون ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع (2).

وهذه الرواية قد رواها أيضا إمامكم أحمد بن حنبل في مسنده (3) ومحمد بن إسحاق الطبري في تاريخه (4) والخركوشي أيضا رواها، فإن كانت كذبا فقد شهدتم على أئمتكم بأنهم يروون الكذب على الله ورسوله، والله تعالى يقول: (ألا لعنة الله على الظالمين) (5) (الذين يفترون على الله الكذب) (6)، وقال الله تعالى في كتابه:

(فنجعل لعنة الله على الكاذبين) (7) وإن كانوا لم يكذبوا وكان الأمر على ذلك فما

____________

(1) سورة الشعراء الآية: 214.

(2) معالم التنزيل للبغوي ج 3 ص 400.

(3) مسند أحمد ج 1 - ص 159.

(4) تاريخ الطبري ج 2 - ص 319 - 321.

(5) سورة هود الآية: 18.

(6) سورة يونس الآية 69 و 96، وسورة النحل الآية 116.

(7) سورة آل عمران الآية 61.

الصفحة 190
ذلك فما ذنب الرافضة؟ إذن فاتقوا الله يا أئمة الإسلام، بالله عليكم ماذا تقولون في خبر الغدير الذي تدعيه الشيعة؟

قال الأئمة: أجمع علماؤنا على أنه كذب مفترى.

قال يوحنا: الله أكبر، فهذا إمامكم ومحدثكم أحمد بن حنبل روى في مسنده أن البراء بن عازب قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله في سفر فنزلنا بغدير خم فنودي فينا الصلاة جامعة وكسح لرسول الله صلى الله عليه وآله تحت شجرتين، وصلى الظهر، وأخذ بيد علي عليه السلام فقال: ألستم تعلمون أني أولى بكل مؤمن من نفسه؟

قالوا: بلى فأخذ بيد علي ورفعها حتى بان بياض إبطيهما وقال لهم: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله.

فقال له عمر بن الخطاب: هنيئا لك يا بن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة.

ورواه في مسنده بطريق آخر وأسنده إلى أبي الطفيل، ورواه بطريق آخر وأسنده إلى زيد بن أرقم (1)، ورواه ابن عبد ربه في كتابه العقد الفريد (2)، ورواه سعيد بن وهب، وكذا الثعالبي في تفسيره (3) وأكد الخبر مما رواه من تفسير (سأل

____________

(1) مسند أحمد ج 2 - ص 93، و ج 4 - ص 368 و ص 372 و ص 381.

(2) العقد الفريد ج 5 ص 61.

(3) وممن ذكر خبر الحارث بن النعمان: فرائد السمطين ج 1 - ص 82 - ح 53، نور الأبصار للشبلنجي ص 71 ط السعيدية و ص 71 ط العثمانية، نظم درر السمطين للزرندي الحنفي ص 93، ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص 328 ط الحيدرية و ص 274 ط إسلامبول و ج 2 - ص

=>