الصفحة 331
ويثيب المسئ، إذ لا يجب عليه شئ ولا يقبح منه شئ وإن مرتكب الكبيرة ليس في منزلة بين المؤمن والكافر، وإنه لا يخلد في النار، وإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يجبان بالسمع لا بالعقل.

والشيعة: يتفقون مع المعتزلة في مسألتي التوحيد والعدل، ويخالفونهم في الثلاثة الباقية، ويقولون في مسألة مرتكب الكبيرة ومسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بما تقول الأشاعرة، وينفردون عن المعتزلة والأشاعرة معا في مسألة الوعد والوعيد حيث ذهبوا إلى أن الله سبحانه وتعالى يفي بالوعد ولا يجب عليه الوفاء بالوعيد، فله أن يعفو عن المذنب، ولا يحق له بحكم العقل أن يخلف وعده مع المحسن. انتهى.

فالفرقة الناجية هي الشيعة الإمامية، لأنها واحدة في أصول الدين وفروعه فقول النبي صلى الله عليه وآله كلها في النار إلا واحدة، لا ينطبق إلا على الشيعة الإمامية.

روى العلامة البحراني في (غاية المرام) عن ابن شهر آشوب عن أبي طالب الهروي من طرق العامة - بإسناده عن علقمة وأبي أيوب: إنه لما نزلت: (ألم، أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون) قال النبي صلى الله عليه وآله لعمار: (إنه سيكون من بعيد هناة حتى يختلف السيف فيما بينهم، وحتى يقتل بعضهم بعضا، وحتى يتبرأ بعضهم من بعض فإذا رأيت فعليك بهذا الأصلع عن يميني علي بن أبي طالب، فإن سلك الناس كلهم واديا فاسلك وادي علي، وخل عن الناس. يا عمار إن عليا لا يردك عن هدى. ولا يردك إلى ردى، يا عمار طاعة علي طاعتي وطاعتي طاعة الله) (1).

____________

(1) فرائد السمطين: للجويني الشافعي: ج 1 - ص 178، غاية المرام: ص 403.

الصفحة 332
فهذا الحديث الشريف الذي ورد في تفسير الآية المذكورة يدل بوضوح على وجوب كون المسلم شيعيا يتبع علي بن أبي طالب، وبعد.

وأخيرا إذا كانت هذه المذاهب الإسلامية قد نشأت في عصور متأخرة من عهد الرسالة السماوية الإسلامية فلا بد أن يكون الحق في غيرها قبل نشوئها لأنه لا بد من وجود طائفة على الحق إلى قيام الساعة، وإلا لزم أن تكون الأمة كلها على ضلال إلى زمان نشوء المذاهب. وهو باطل بالاتفاق.

مرجحات في بيان الفرقة الناجية

1 - من المرجح للقارئ العزيز أن يتأمل في هذه المسألة والظاهرة المهمة جدا وهي: ظاهرة تشيع علماء السنة ومثقفيهم في هذا العصر بالذات.. لماذا..؟

ولم أجد العكس. آلاف مؤلفة من الشباب والعلماء والمثقفين والمفكرين..

يتجهون بهذا الاتجاه.. ولم أجد العكس.. أن عالما شيعيا أو مفكرا أو مثقفا قد انتقل من التشيع إلى التسنن. فكتبت في داخل الكتاب استوقفتني ظاهرة تشيع علماء السنة ومثقفيهم. راجع إن شئت (للاطلاع).

2 - لا تزال من أمتي طائفة ظاهرة على الحق (كما رواه البخاري).

فلنطرح هذا السؤال في العصر الحاضر (من هي الطائفة التي تقارع الصهيونية كل يوم من هي الطائفة التي رفعت راية الإسلام خفاقا في إيران الثورة بقيادة الإمام الخميني (قدس سره).

3 - علماء الشيعة كانوا وما يزالون يدعون أرباب المذاهب للمناظرة والحوار المفتوح والجدل القائم والمتركز على الحجة والدليل والبرهان، فكانت

الصفحة 333
الحجة معهم والغاية لهم على غيرهم فألفوا في ذلك المصنفات الكثيرة المشتملة على أمثال هذه المناظرات راجع إن شئت:

1 - كتاب (الإحتجاج) للشيخ الطبرسي.

2 - كتاب (الغدير) للشيخ الأميني.

3 - (دلائل الصدق) للشيخ المظفر.

4 - (المراجعات) للسيد شرف الدين.

5 - (الفصول المختارة) للسيد المرتضى.

6 - (ليالي بيشاور) للإمام الشيرازي.

7 - (مؤتمر علماء بغداد) مقاتل بن عطية.

فعلماء الشيعة إذا لا زالوا مستمرين بدعوة غيرهم للمناظرة في المذهب ثقة منهم بالأحقية المرتكزة على أدلة القرآن والسنة.

وإتماما للفائدة أذكر لكم هذه المحاورة الطريفة التي جرت بين السيد العلامة الكبير محسن الأمين في دمشق، وعالم سني بدمشق.

قال هذا العالم للسيد: أنا لو علمت مذهب الإمام جعفر الصادق لما عدوته، ولكن لا سبيل إلى العلم به، لأن الشيعة يكذبون في نسبة مذهبهم إليه.

قال له السيد إن مذهب كل إنسان يعلم من أتباعه. ويؤخذ منهم، فقد علمنا مذهب رسول الله صلى الله عليه وآله من المسلمين، وعلمنا مذهب أبي حنيفة مما نقله عنه أتباعه الأحناف، وكذلك مذهب الشافعي وأحمد ومالك، فيجب أن يكون الأمر كذلك بالنسبة لمذهب الإمام الصادق.

فقال العالم السني: لا بد من حكم خارج عن الفريقين.


الصفحة 334
فقال السيد: إذن نحكم اليهود والنصارى.

قال السني: كيف تقول هذا؟

قال السيد: أنت قلته، لا أنا، فبهت وسكت.

ومحاورة أخرى تفرض نفسها على البحث للاستدلال بأن الفرقة الناجية هم الشيعة الإمامية المتمثلة بإمام مذهبهم جعفر الصادق عليه السلام.

فاسمع ما يحدثنا التاريخ عما جرى لأبي حنيفة صاحب المذهب الحنفي مع الإمام جعفر الصادق عليه السلام قال: دخل أبو حنيفة على الصادق عليه السلام فقال له:

يا أبا حنيفة أنت مفتي أهل العراق.

قال: نعم.

قال: بما تفتيهم.

قال: بكتاب الله.

قال: أفأنت عالم بكتاب الله عز وجل، ناسخه ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه قال: نعم، قال: فأخبرني عن قوله تعالى:

(وقدرنا فيهم السير سيروا فيها ليالي وأياما آمنين).

أي موضع هو؟

قال أبو حنيفة هو بين مكة والمدينة، فالتفت الصادق عليه السلام إلى جلسائه فقال : نشدتكم بالله هل تسيرون بين مكة والمدينة ولا تأمنون على دمائكم من القتل وعلى أموالكم من السرقة: اللهم نعم.

قال: ويحك يا أبا حنيفة إن الله لا يقول إلا حقا، ثم قال صلى الله عليه وآله:

أخبرني عن قوله تعالى: (ومن دخله كان آمنا) أي موضع هو؟


الصفحة 335
قال: أبو حنيفة: ذلك بيت الله الحرام، فالتفت الصادق عليه السلام إلى جلسائه فقال لهم: نشدتكم بالله هل تعلمون إن عبد الله بن الزبير وسعيد بن جبير دخلاه فلم يأمنا القتل قالوا: اللهم نعم فقال عليه السلام ويحك يا أبا حنيفة إن الله لا يقول إلا حقا.

فقال أبو حنيفة: ليس لي علم بكتاب الله عز وجل، أنا صاحب قياس قال الصادق عليه السلام: فانظر في قياسك إن كنت مقيسا، أيها أعظم عند الله القتل أم الزنى قال: بل القتل.

قال الصادق عليه السلام: فكيف رضي الله في القتل بشاهدين ولم يرض في الزنا إلا بأربعة ثم قال له عليه السلام الصلاة أفضل أم الصيام قال: الصلاة أفضل.

قال عليه السلام: فيجب على قياسك على الحائض قضاء ما فاتها من الصلاة في حال حيضها دون الصيام، وقد أوجب الله عليها قضاء الصوم دون الصلاة.

ثم قال له الإمام الصادق عليه السلام: البول أقذر أم المني؟

قال: البول أقذر.

قال عليه السلام: يجب على قياسك أنه يجب الغسل من البول دون المني وقد أوجب الله الغسل عن المني دون البول.

قال أبو حنيفة: إنما أنا صاحب حدود.

فقال عليه السلام: فما ترى في رجل أعمى فقأ عين صحيح وأقطع قطع يد أم رجل كيف يقام عليه الحد.

قال أبو حنيفة: أنا صاحب رأي.

قال عليه السلام: فما ترى في رجل كان له عبد فتزوج وزوج عبده في ليلة واحدة

الصفحة 336
ثم سافرا وجعلا المرأتين في بيت واحد فولدتا غلامين فسقط البيت عليهم فقتل المرأتين وبقي الغلامان أيهما في رأيك المالك وأيهما المملوك وأيهما الوارث وأيها الموروث.

قال أبو حنيفة: إنما أنا رجل عالم بمباحث الأنبياء.

قال عليه السلام: فأخبرني عن قوله تعالى لموسى وهارون حين بعثهما إلى دعوة فرعون: (لعله يتذكر أو يخشى) فلعل منه شك قال: نعم قال عليه السلام ذلك من الله شك إذ قال لعله قال أبو حنيفة: لا أعلم.

فقال له الصادق عليه السلام: يا أبا حنيفة لا تقس فإن أول من قاس إبليس فقال:

(خلقتني من نار وخلقته من طين) فقاس ما بين النار والطين ولو قاس نورية آدم نبوية ألف نار لعرف فضل ما بين النورين وصفاء أحدهما على الآخر.

يا أبا حنيفة: إنك تفتي بالكتاب ولست ممن ورثه، وتزعم أنك صاحب قياس وأول من قاس إبليس، ولم يبن دين الإسلام على القياس وتزعم أنك صاحب رأي وكان الرأي من رسول الله صلى الله عليه وآله صوابا ومن دونه خطأ لأن الله تعالى قال: (أن أحكم بينهم بما أراك الله) ولم يقل لغيره وتزعم أنك صاحب حدود ومن أنزلت عليه أولى بعلمها منك. ولولا أن يقال دخل على ابن رسول الله صلى الله عليه وآله فلم يسأله عن شئ ما سألتك عن شئ فقس إن كنت قياسا.

قال أبو حنيفة: لا تكلمت في الرأي والقياس في دين الله بعد هذا المجلس.

فقال له الصادق عليه السلام كلا إن حب الرياسة غير تاركك كما لم يترك غيرك من كان قبلك.

فاعتبروا يا أولي الأبصار!

فاعتبروا يا أولي الألباب.


الصفحة 337

حديث السفينة

قال رسول الله (ص):

(إنما مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح في قومه، من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق) (1).

(وإنما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطة في بني إسرائيل من دخله غفر له) (2).

فالمقصود والمراد بتشبيههم عليهم السلام بسفينة نوح أن من لجأ إليهم في الدين فأخذ فروعه وأصوله عن أئمتهم الميامين نجا من عذاب النار، ومن تخلف عنهم كان كمن أوى (يوم الطوفان) إلى جبل ليعصمه من أمر الله، غير أن ذاك غرق في الماء وهذا في الحميم والعياذ بالله. والوجه في تشبيههم عليهم السلام بباب حطة، هو أن الله تعالى جعل ذلك الباب مظهرا من مظاهر التواضع لجلاله والنجوع لحكمه، وبهذا كان سببا للمغفرة، وهذا وجه الشبه.

وقد حاول ابن حجر بعد أن أورد هذه الأحاديث وغيرها من أمثالها:

(ووجه تشبيههم بالسفينة إن من أحبهم وعظمهم شكرا لنعمة مشرفهم وأخذ بهدي علمائهم نجا، من ظلمة المخالفات، ومن تخلف عن ذلك غرق في

____________

(1) المستدرك للحاكم: ج 2 - ص 448 و ج 3 - ص 150 تلخيص الذهبي، الصواعق المحرقة: ص 184، و 234 ط المحمدية، المعجم الصغير للطبراني: ج 1 - ص 139.

(2) مجمع الزوائد للذهبي: ج 9 - ص 168.

الصفحة 338
بحر كفر النعم. وهلك في مفاوز الطغيان): إلى أن قال:

(وباب حطة - يعني ووجه تشبيههم بباب حطة - أن الله تعالى جعل دخول ذلك الباب الذي هو باب أريحاء أو بيت المقدس مع التواضع والاستغفار سببا للمغفرة وجعل لهذه الأمة مودة أهل البيت سببا لها).

وأقول: إن العجيب عند علماء السنة مسألة الخلط والتلبيس وعدم فهم من هم أهل البيت (ع)؟ فالأغلب منهم يدخلون نساء النبي ويعتبرونهن من أهل بيته مخالفين ما جاء في صحاحهم المعتبرة كصحيح مسلم وغيره الواضحين كل الوضوح في بيان أهل البيت (ع) فقط هم الخمسة (محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين)!!

حديث من سره أن يحيى حياتي

قال رسول الله (ص):

(من سره أن يحيى حياتي، ويموت مماتي، ويسكن جنة عدن غرسها ربي، فليوال عليا من بعدي وليوال وليه، وليقتد بأهل بيتي من بعدي، فإنهم عترتي خلقوا من طينتي، ورزقوا فهمي وعلمي، فويل للمكذبين بفضلهم من أمتي، القاطعين فيهم صلتي، لا أنالهم الله شفاعتي) (1).

____________

(1) حلية الأولياء: ج 1 - ص 86، ينابيع المودة: ص 149، مستدرك الحاكم: ج 3 - ص 128، الجامع الصغير للطبراني والإصابة لابن حجر العسقلاني، كنز العمال: ج 6 - ص 155، تاريخ ابن عساكر: ج 2 - ص 95 - المناقب للخوارزمي ص 234.

الصفحة 339
وأقول: إن هذا الحديث صريح كل الصراحة التي لا تقبل التأويل والتبرير ولا تترك للمسلم أي اختيار بل تقطع عليه كل حجة، وإذا لم يوال عليا ويقتد بأهل البيت عترة الرسول فهو محروم من شفاعة جدهم رسول الله (ص).

فحاول العلماء إيجاد قاعدة (التأويل والتبرير) لإيجاد حلول تخلصهم من هذا الحديث الواضح كل الوضوح ليتأولوا كلمة مولى (أو المحب أو الناصر) فعمد قسم منهم إلى تغطية هذه النصوص وتبديلها وحاولوا حجب الشمس عن إرسال نورها وأبى الله إلا أن يتم نوره رغم أنف المعاندين والمتعصبين.


الصفحة 340

الصفحة 341

الفصل التاسع
الحوادث التي ألوت بعنقي لإعلان التشيع

  • حادثة لا مثيل لها في التاريخ البشري (حادثة رزية يوم الخميس).

  • حادثة الصحابة في سرية أسامة.

  • حادثة الصحابة في صلح الحديبية.

  • حادثة الشورى المصطنعة.


    الصفحة 342

    الصفحة 343

    الحوادث التي ألوت بعنقي لإعلان التشيع

    حادثة لا مثيل لها في التاريخ البشري
    (حادثة رزية يوم الخميس)

    فموضوع الحادثة أن الصحابة كانوا مجتمعين في بيت النبي صلى الله عليه وآله قبل وفاته بثلاثة أيام، فطلب منهم الرسول أن يحضروا له الكتف والدواة ليكتب لهم كتابا يرشدهم من طريق الضلالة إلى طريق الهدى ولكن الصحابة اختلفوا فيما بينهم فمنهم من عصى أمره واتهمه بالهجر فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله وأخرجهم من بيته دون أن يكتب لهم شيئا، وإليك الحادثة بالتفصيل:

    قال ابن عباس: يوم الخميس وما يوم الخميس اشتد برسول الله وجعه فقال: (هلم أكتب كتابا لا تضلوا بعده، فقال عمر إن النبي قد غلبه الوجع، وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله، فاختلف أهل البيت واختصموا. منهم من يقول قربوا يكتب لكم النبي كتابا لا تضلوا بعده، ومنهم من يقول ما قال عمر، فلما أكثروا اللغو والاختلاف عند النبي، قال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله قوموا عني،

    الصفحة 344
    فكان ابن عباس يقول: إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم (1) ولغطهم. وهذه الحادثة صحيحة لا شك فيها، فقد نقلتها كتب الفريقين من السنة والشيعة. وهي حجة ملزمة لمن رآها ووقف عليها وخاصة عندما قرأتها في صحيح البخاري الذي هو أصدق صحيح في كتب السنة بعد القرآن مباشرة فالذي حيرني كيف يقف الخليفة عمر بن الخطاب من أمر رسول الله صلى الله عليه وآله.

    فالسؤال الذي يطرح نفسه..

    كيف تجرأ الخليفة عمر من مخالفة أمر الرسول صلى الله عليه وآله فإن هذه الحادثة المؤسفة والمؤلمة التي أغضبت الرسول حتى طردهم من بيته وجعلت ابن عباس حبر الأمة يبكي حتى يبل دمعه الحصى وسماها أكبر رزية وفي هذه الحادثة تعدو حدود رفع الأصوات والجهر بالقول إلى رميه صلى الله عليه وآله بالهجر والهذيان (والعياذ بالله) ثم أكثروا اللغط والاختلاف وصارت ضجة إعلامية بحضرته فتأمل عزيزي القارئ؟!!

    حادثة الصحابة في سرية أسامة

    فموضوع هذه القصة: أنه صلى الله عليه وآله جهز جيشا لغزو الروم قبل وفاته بيومين وأمر على هذه السرية أسامة بن زيد بن حارثة وعمره ثمانية عشر عاما. وقد عبأ صلى الله عليه وآله في هذه السرية وجوه المهاجرين والأنصار كالخليفة أبي بكر وعمر وأبي عبيدة

    ____________

    (1) صحيح البخاري: ج 3 باب قول المريض قوموا عني، صحيح مسلم: ج 5 - ص 75 في آخر كتاب الوصية، مسند الإمام أحمد ج 1 - ص 255 و ج 5 - ص 116، تاريخ الطبري: ج 3 - ص 192، تاريخ الكامل لابن الأثير: ج 2 - ص 320.

    الصفحة 345
    وغيرهم من كبار الصحابة المشهورين فطعن قوم منهم في تأمير أسامة، وقالوا:

    كيف يؤمر علينا شاب لا نبات بعارضيه، وقد طعنوا من قبل في تأمير أبيه وقد قالوا في ذلك وأكثروا النقد، حتى غضب رسول الله صلى الله عليه وآله غضبا شديدا مما سمع من طعنهم وانتقادهم، فخرج صلى الله عليه وآله معصب الرأس محموما، يتهادى بين رجلين ورجلاه تخطان في الأرض بأبي هو وأمي، من شدة ما به من لغوب، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:

    (أيها الناس ما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأمير أسامة، ولئن طعنتم في تأميري أسامة فقد طعنتم في تأميري أبيه من قبله، وأيم الله إنه كان خليقا بالإمارة، وإن ابنه من بعده لخليق بها...) (1).

    ثم جعل صلى الله عليه وآله يحضهم على التعجيل وجعل يقول: جهزوا جيش أسامة، أرسلوا بعث أسامة. يكرر ذلك على مسامعهم وهم متثاقلون وعسكروا بالجرف وما كادوا يفعلون.

    أقول: إن مثل هذه العقوق في حق الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله الذي هو حريص عليهم بالمؤمنين رؤوف رحيم، لم أكن أتصور كما لا يمكن لأحد أن يتصور تغيرا مقبولا لهذا العصيان وهذه الجرأة.

    كيف لي أن أكذب هذه الأحداث وقد روتها كتب الفريقين من السنة والشيعة؟ فأي تأويل وأي تبرير أجد لهذه الحادثة العجيبة التي ذهلتني عندما

    ____________

    (1) طبقات ابن سعد: ج 2 - ص 190 السيرة الحلبية: ج 3 - ص 207، تاريخ الطبري: ج 3 - ص 226، تاريخ ابن الأثير: ج 2 - ص 317.

    الصفحة 346
    وقفت عليها مليا وقرأتها في طبقات ابن سعد وفي السيرة الحلبية وفي كتب التاريخ...

    كيف وأنا عاهدت أستاذي السيد علي البدري في بداية البحث أن أكون منصفا في بحثي هذا وأقول الحق كما قال الرسول صلى الله عليه وآله: (قل الحق ولو كان على نفسك وقل الحق ولو كان مرا...) والحق في هذه الحادثة إن الصحابة قد خالفوا أمر الرسول صلى الله عليه وآله الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى. أين نحن من قوله تعالى (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) (1) ما هو العذر لكي أعتذر عن الصحابة (رضي الله عنهم).

    وما هو المبرر لهم؟ عندما أواجه قوله تعالى:

    (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا) (2).

    فبدأت أقرأ أكثر وأكثر عسى أن أجد مبررات وتأويلات تقنعني للدفاع بها عن الصحابة.. فلم أجد.

    ما هو الحل؟ الحل الصحيح هو اتباع قوله تعالى في محكم آياته:

    (قل إن كنتم تحبون الله، فاتبعوني يحببكم الله) (3).

    عجبي من هؤلاء الصحابة الذين أقدسهم أنهم أغضبوا نبينا يوم الخميس وما أدراك ما يوم الخميس واتهموه بالهجر والهذيان وقالوا حسبنا كتاب الله ونقل

    ____________

    (1) سورة الحشر: الآية 7.

    (2) سورة الأحزاب: الآية 36.

    (3) سورة آل عمران: الآية 31.

    الصفحة 347
    لنا الدكتور التونسي محمد التيجاني السماوي في كتابه (ثم اهتديت) (1) قائلا:

    (إذا أردنا أن نتمعن في هذه القضية فإننا سنجد الخليفة الثاني من أبرز عناصرها إذ أنه هو الذي جاء بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله إلى الخليفة أبي بكر وطلب منه أن يعزل أسامة ويبدله بغيره فقال له أبو بكر:

    (ثكلتك أمك يا ابن الخطاب! أتأمرني أن أعزله وقد ولاه رسول الله) فأين الخليفة عمر من هذه الحقيقة التي أدركها أبو بكر، أم أن في الأمر سرا آخر خفي عن المؤرخين، أم أنهم هم الذين أسروه حفاظا على كرامته كما هي عادتهم وكما أبدلوا عبارة (يهجر) بلفظ (عليه الوجع).

    عجبي من هؤلاء الصحابة. الذين أقدسهم...

    كيف يتجرؤون على نبي الأمة محمد صلى الله عليه وآله..؟ فتأمل أيها القارئ وراجع المصادر إن شئت لتجد هذا بنفسك.

    حادثة الصحابة في صلح الحديبية

    فموضوع هذه الحادثة، أن رسول الله صلى الله عليه وآله خرج في السنة السادسة للهجرة يريد العمرة مع ألف وأربعمائة من أصحابه فأمرهم أن يضعوا سيوفهم في القرب وأحرم هو وأصحابه بمنطقة تسمى (بذي الحليفة) وقلدوا الهدي ليعلم قريشا أنه إنما جاء زائرا معتمرا وليس محاربا، ولكن قريشا بكبريائها خافت أن يسمع

    ____________

    (1) ثم اهتديت: للدكتور التيجاني السماوي: ص 102، والحادثة: طبقات ابن سعد: ج 2 - ص 190، تاريخ الطبري: ج 3 - ص 226.

    الصفحة 348
    العرب بأن محمدا دخل عنوة إلى مكة وكسر شوكتها، فبعثوا إليه بوفد يرأسه سهيل بن عمرو بن عبد ود العامري وطلبوا منه أن يرجع في هذه المرة من حيث أتى على أن يتركوا له مكة في العام القادم ثلاثة أيام وقد اشترطوا عليه شروطا قاسية قبلها رسول الله لاقتضاء المصلحة التي أوحى بها إليه ربه عز وجل.

    ولكن بعض الصحابة لم يعجبهم هذا التصرف من النبي وعارضوه في ذلك معارضة شديدة وجاء عمر بن الخطاب فقال: ألست نبي الله حقا؟ قال: بلى، قال عمر: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال: بلى، قال عمر: فلم نعطي الدنية في ديننا إذا؟ قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إني رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري، قال عمر: أولست كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به؟ قال: بلى، أفأخبرتك أنا نأتيه العام؟ قال عمر: لا قال: فأنك آتيه ومطوف به.

    ثم أتى عمر بن الخطاب إلى أبي بكر فقال: يا أبا بكر أليس هذا نبي الله حقا؟ قال: بلى. ثم سأله عمر نفس الأسئلة التي سألها رسول الله، وأجابه أبو بكر بنفس الأجوبة قائلا له: أيها الرجل إنه لرسول الله وليس يعصي ربه وهو ناصره فاستمسك بغرزه، ولما فرغ رسول الله من كتاب الصلح قال لأصحابه:

    قوموا فانحروا ثم احلقوا، فوالله ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات، فلما لم يمتثل لأمره منهم أحد دخل خباءه ثم خرج فلم يكلم أحدا منهم بشئ حتى نحر بدنه بيده، ودعا حالقه فحلق رأسه، فلما رأى أصحابه ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضا حتى كاد بعضهم يقتل بعضا (1)...

    ____________

    (1) هذه القصة أخرجها أصحاب التواريخ والسير وأخرجها البخاري في صحيحه من كتاب

    =>


    الصفحة 349
    هذه مجمل قصة الصلح في الحديبية وهي من الأحداث المتفق عليها عند الشيعة والسنة وقد ذكرها المؤرخون وأصحاب السير كالطبري وابن الأثير وابن سعد في الطبقات وغيرهم كالبخاري ومسلم.

    فهذه الحادثة تحتاج إلى وقفة تأمل...

    فهل سلم الخليفة عمر بن الخطاب ولم يجد في نفسه حرجا مما قضى الرسول صلى الله عليه وآله؟! أم كان في موقفه تردد في ما أمر النبي؟ وهل سلم بعد ما أجابه رسول الأمر وخصوصا في قوله: أو لست نبي الله حقا؟

    أو لست كنت تحدثنا؟ إلى آخره.

    الله أكبر!! سبحان الله!! أنا لا أكاد أصدق ما أقرأ وهل يصل الأمر بالصحابة إلى هذا الحد. فقلت: لو أن القصة ترويها كتب الشيعة فقط لقلت بأن كتب الشيعة مزورة، لكن القصة ترويها كتب الفريقين فأين المفر من ذلك..؟

    فحاولت أن أجد مبررا وتأويلا يخرج ويخلص سيدنا عمر من هذه الجرأة على الرسول صلى الله عليه وآله لأنه بهذه الجرأة شجع بقية الصحابة بعدم الامتثال إلى أوامر النبي.

    أقول: كيف يتجرؤون على النبي وهم بحضرته وشاهدوا فيه المعجزات والبراهين؟

    وأزيد على ذلك: اعتراف الخليفة عمر بأنه عمل لذلك أعمالا لم يشأ ذكرها - ما يردده في موارد أخرى قائلا: ما زلت أصوم وأتصدق وأصلي وأعتق مخافة كلامي الذي تكلمت به.. إلى آخر ما هو مأثور في هذه القضية.. وهذه الحادثة العجيبة الغريبة ولكنها حقيقة.

    ____________

    <=

    الشروط، باب الشروط في الجهاد، ج 2 - ص 122.

    الصفحة 350

    حادثة الشورى المصطنعة

    الشورى وسقيفة بني ساعدة:

    اعتمد أهل السنة والجماعة على المرتكز الأساس والواقع الشرعي الذي من خلاله قد حكموا لأبي بكر بالخلافة بطرح نظرية الشورى كوسيلة لتنصيبه خليفة للمسلمين بعد النبي صلى الله عليه وآله فسوف أستعرض لك عزيزي القارئ حادثة السقيفة والشورى التي هي التطبيق الخارجي لهذه النظرية. لنرى من خلال التحليل وعرض الأدلة مدى صدق الالتزام بهذه النظرية أم عدم الالتزام والأخذ بها.

    السقيفة في تاريخ الطبري

    ذكر الطبري هذه الحادثة بشكل مفصل في تاريخه ج 2 مطبعة الاستقلال بالقاهرة سنة 1385 هـ‍ - 1929 م - ننقل منه مختصرا على قدر الحاجة من ص 455 - ص 460 - كالآتي:

    اجتمعت الأنصار في سقيفة بني ساعدة، وتركوا جنازة الرسول يغسله أهله، فقالوا: نولي هذا الأمر بعد محمد، سعد بن عبادة، وأخرجوا سعدا إليهم وهو مريض.. فحمد الله وأثنى عليه، وذكر سابقة الأنصار في الدين وفضيلتهم في الإسلام، وإعزازهم وقال: استبدوا بهذا الأمر دون الناس فأجابوه بأجمعهم أن قد وفقت في الرأي وأصبت في القول، ولن نعدو ما رأيت، نوليك هذا الأمر، ثم إنهم ترادوا الكلام بينهم فقالوا: فإن أثب مهاجرة قريش فقالوا: نحن المهاجرون وصحابة رسول الله الأولون ونحن عشيرته وأولياؤه، فعلام تنازعوننا هذا الأمر بعد؟ فقالت طائفة منهم: فإنا نقول إذا: منا أمير ومنكم أمير فقال سعد بن عبادة: هذا أول الوهن.


    الصفحة 351
    سمع أبو بكر وعمر بأمر الأنصار، فأسرعا إلى السقيفة مع أبي عبيدة بن الجراح وانحاز معهم أسيد بن حضير وعويم بن ساعدة وعاصم بن عدي من بني العجلان، تكلم أبو بكر - بعد أن منع عمر من الكلام - فحمد الله وأثنى عليه ثم ذكر سابقة المهاجرين في التصديق بالرسول دون جميع العرب، وقال:

    (فهم أول من عبد الله في الأرض وآمن بالرسول، وهم أولياءه وعشيرته وأحق الناس بهذا الأمر من بعده ولا ينازعهم ذلك إلا ظالم).

    ثم ذكر فضيلة الأنصار، وقال: (فليس بعد المهاجرين الأولين أحد عندنا بمنزلتكم فنحن الأمراء وأنتم الوزراء).

    فقام الحباب بن المنذر وقال: يا معشر الأنصار أملكوا عليكم أمركم فإن الناس في فيئكم وفي ظلكم، ولن يجترئ مجترئ على خلافكم ولا تختلفوا فيفسد عليكم رأيكم، وينتقض عليكم أمركم. فإن أبى هؤلاء إلا ما سمعتم فمنا أمير ومنهم أمير.

    فقال عمر: هيهات! لا يجتمع اثنان في قرن واحد والله لا ترضى العرب أن يؤمروكم ونبيها من غيركم، ولكن العرب لا تمتنع أن تولي أمرها من كانت النبوة فيهم، وولي أمورهم منها، ولنا على من آمن الحجة الظاهرة والسلطان المبين، من ذا ينازعنا سلطان محمد وإمارته ونحن أولياؤه وعشيرته إلا مول بباطل أو متجانف لإثم أو متورط في هلكة؟!

    فقام الحباب بن المنذر وقال: يا معشر الأنصار أملكوا على أيديكم ولا تسمعوا مقالة هذا وأصحابه فيذهبوا بنصيبكم من هذا الأمر، فإن أبوا عليكم ما سألتموهم فأجلوهم عن هذه البلاد وتولوا عليهم هذه الأمور فأنتم والله أحق

    الصفحة 352
    بهذا الأمر منهم فإنهم بأسيافكم دان لهذا الدين من لم يك يدين به.

    أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب. أما والله لو شئتم لنعيدنها جذعة.

    قال عمر: إذا يقتلك الله.

    قال: بل إياك يقتل.

    فقال أبو عبيدة: يا معشر الأنصار، إنكم كنتم أول من نصر وازر فلا تكونوا أول من بدل وغير.

    فقام بشير بن سعد الخزرجي أبو النعمان بن بشير فقال: يا معشر الأنصار إنا والله لئن كنا أولي فضيلة في جهاد المشركين، وسابقة في هذا الدين، ما أردنا به إلا رضا ربنا وطاعة نبينا والكدح لأنفسنا فما ينبغي لنا أن نستطيل على الناس بذلك ولا نبتغي به من الدنيا عرضا فإن الله ولي النعمة وأولى، وأيم الله لا يراني الله أنازعهم هذا الأمر أبدا فاتقوا الله ولا تخالفوهم ولا تنازعوهم.

    فقال أبو بكر: هذا عمر، وهذا أبو عبيدة، فأيهما شئتم فبايعوا.

    فقالا: والله لا نتولى هذا الأمر عليك...

    وقام عبد الرحمن بن عوف، وتكلم فقال: يا معشر الأنصار إنكم وإن كنتم على فضل فليس فيكم مثل أبي بكر وعمر وعلي، وقام المنذر ابن الأرقم فقال: ما ندفع فضل من ذكرت، وإن فيهم لرجلا لو طلب هذا الأمر لم ينازعه فيه أحد - يعني علي بن أبي طالب -.

    (فقالت الأنصار أو بعض الأنصار: لا نبايع إلا عليا).

    (فقال عمر: فكثر اللغط وارتفعت الأصوات حتى تخوفت الاختلاف قلت: إبسط يدك لأبايعك، فلما ذهبا ليبايعاه، سبقهما إليه بشير بن سعد فبايعه.


    الصفحة 353
    فناداه الحباب بن المنذر: يا بشير سعد عققت عقاق!

    أنفست على ابن عمك الإمارة؟

    فقال: لا والله، ولكني كرهت أن أنازع قوما حقا جعله الله لهم ولما رأت الأوس ما صنع بشير بن سعد وما تدعوا إليه قريش وما تطلب الخزرج من تأمير سعد بن عبادة قال بعضهم لبعض - وفيهم أسيد بن حضير وكان أحد النقباء -:

    والله لئن وليتها الخزرج عليكم مرة، لا زالت لهم عليكم بذلك الفضيلة ولا جعلوا لكم معهم فيها نصيبا أبدا، فقوموا فبايعوا أبا بكر فقاموا إليه فبايعوه، فأنكر على سعد بن عبادة وعلى الخزرج ما كانوا اجتمعوا من أمر... فأقبل الناس من كل جانب يبايعون أبا بكر وكادوا يطأون سعد بن عبادة.

    فقال أناس من أصحاب سعد: اتقوا سعدا لا تطأوه.

    فقال عمر: اقتلوه قتله الله.

    ثم قام على رأسه فقال: لقد هممت أن أطأك حتى تندر عضوك.

    فأخذ قيس بن سعد بلحية عمر فقال: والله لو حصصت منه شعره ما رجعت وفي فيك واضحة.

    فقال أبو بكر: مهلا يا عمر! الرفق ها هنا أبلغ.

    فأعرض عنه عمر.

    وقال سعد: أما والله لو أن بي قوة أقوى بها على النهوض لأسمعت من في أقطارها وسككها زئيرا يحجرك وأصحابك، أما والله إذا لألفينك بقوم كنت فيهم تابعا غير متبوع احملوني من هذا المكان فحملوه فأدخلوه في داره.

    أقول: هذه الحادثة لا تحتاج إلى شرح وتعليق فهي بنفسها تكشف عن كيفية

    الصفحة 354
    تولي أبي بكر للخلافة.

    أين هي الشورى التي تنسجم مع الحوار والتفاهم العقلاني؟!

    هل الشورى تتم في سقيفة أو في مزرعة خارج المدينة. ولماذا؟

    لا تتم في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله الأولى بانعقاد الأمر فيه لماذا تتم في مزرعة خارج عن المدينة؟ وجسد الرسول صلى الله عليه وآله مسجى بعد لم يدفن.

    فأين أبو بكر وعمر (رض) لماذا لم يشهدا دفن الرسول ولا تغسيله ولا تجهيزه حيث كانوا مشغولين بمتاعب الانقلاب (1) ومن باب أولى أن لا يشهد الغسل والتكفين والتجهيز، عائشة زوجة النبي فقد قالت: (ما علمنا بدفن النبي حتى سمعنا صوت المساحي من جوف الليل ليلة الأربعاء) (2).

    هل هناك عاقل يسمي هذا الأمر شورى؟!

    فقول سعد: استبدوا بهذا الأمر دون الناس، أجابوه، أن قد وفقت في الرأي وأصبت في القول، نعدوا ما رأيت.

    وقول عمر: من ذا ينازعنا سلطان محمد وإمارته.

    وقول الحباب: املكوا على أيديكم ولا تسمعوا مقالة هذا وأصحابه فيذهب بنصيبكم من هذا الأمر.

    ____________

    (1) كنز العمال: 3 - 140 تجد أنهما لم يشهدا الدفن.

    (2) سيرة ابن هشام: 4 - 344، تاريخ الطبري: 2 - 452 و 455 طبعة أوروبا، تاريخ ابن كثير:

    5 - 270، ابن الأثير في أسد الغابة: 1 - 34 في ترجمة الرسول، وطبقات ابن سعد: ج 2 ت 2 - 78، وتاريخ الخميس: 1 - 191، تاريخ الذهبي: 1 - 327، مسند أحمد بن حنبل: 6 - 62.

    الصفحة 355
    فكل هذه الكلمات من الطرفين تجد أن القوم يريد سلطة وجاها.

    بالإضافة إلى المفردات الحادة التي صدرت من عمر لسعد بن عبادة:

    اقتلوه قتله الله. وقول عمر للحباب: قتلك الله.

    وقام قيس بن سعد لعمر وهو ماسك بلحيته: والله لو حصصت منه شعرة ما رجعت وفي فيك واضحة.

    هل هذا مستوى الشورى يا مسلمون؟!!

    علي عليه السلام لم يحضر في السقيفة

    لماذا..؟ لأنه كان مشغولا في دفن سيد الكائنات، وخاتم الرسالات بوصية من نبيه ومعلمه محمد صلى الله عليه وآله أنت تغسلني، أنت تكفنني، أنت تهيل علي التراب، أنت تصلي علي، لم يهتم بقضية الخلافة أو الزعامة وهو القائل (إن خلافتكم لا تساوي عندي عفطة عنز أو ورقة تقضمها جرادة).

    فكان ماكثا في بيته هو ومجموعة من أصحابه فقال في صدد ذلك أبو بكر الجواهري في احتجاج علي عليه السلام:

    وعلي يقول: (أنا عبد الله وأخو رسول الله) حتى انتهوا به إلى أبي بكر، فقيل له: بايع فقال: أنا أحق بهذا الأمر منكم لا أبايعكم وأنت أولى بالبيعة لي، أخذتم هذا الأمر من الأنصار واحتججتم عليهم بالقرابة من رسول الله فأعطوكم المقادة وسلموا إليكم الإمارة، وأنا أحتج عليكم بمثل ما احتججتم به على الأنصار، فأنصفونا إن كنتم تخافون الله من أنفسكم، واعرفوا لنا من الأمر مثل ما عرفت الأنصار لكم وإلا فبوؤا بظلم وأنتم تعلمون.

    فقال عمر: إنك لست متروكا حتى تبايع.