الصفحة 39
أشهد أنكم لستم من الفرق الثالثة، الذين قال الله عز وجل فيهم: (والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا) (1) فقوموا عني لا بارك الله فيكم، ولا قرب دوركم، أنتم مستهزئون بالإسلام ولستم من أهله (2).

وروى البخاري في صحيحه بسنده عن ابن أبي مليكة أنه سمع ابن عباس يقول: وضع عمر على سريره، فتكنفه الناس يدعون ويصلون، قبل أن يرفع، وأنا فيهم، فلم يرعني إلا رجل أخذ منكبي، فإذا علي، فترحم على عمر، وقال: " ما خلفت أحدا أحب إلي أن ألقى الله بمثل عمله منك، وأيم الله إن كنت لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك، وحسبت أني كنت كثيرا أسمع النبي (صلى الله عليه وسلم) يقول: ذهبت أنا وأبو بكر وعمر، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر " (3).

وروى مسلم في صحيحه بسنده عن عمر بن سعيد بن أبي حسين عن أبي مليكة قال: سمعت ابن عباس يقول: وضع عمر بن الخطاب على سريره فتكنفه الناس يدعون ويثنون ويصلون عليه، قبل أن يرفع، وأنا فيهم، قال: فلم يرعني إلا رجل قد أخذ بمنكبي من ورائي، فالتفت إليه، فإذا هو علي، فترحم على عمر، وقال: ما خلفت أحدا أحب إلي أن ألقى الله بمثل عمله منك، وأيم الله، إن كنت لأظن أن يجعلك الله مع صاحبك وذاك أني كنت أكثر أسمع رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، يقول: " جئت أنا وأبو بكر وعمر، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر،

____________

(1) سورة الحشر: آية 10.

(2) ابن كثير: البداية والنهاية 9 / 120، حلية الأولياء 3 / 136 - 137، نور الأبصار ص 140، طبقات ابن سعد 5 / 158، عبد الحليم محمود: المرجع السابق ص 66 - 67، السيد محمود أبو الفيض: جمهرة الأولياء وأعلام أهل التصوف - القاهرة 1967 - الجزء الثاني ص 72، محمد بيومي مهران: الإمام علي زين العابدين ص 174 - 175 (بيروت 1991).

(3) صحيح البخاري 5 / 14.

الصفحة 40
وخرجت أنا وأبو بكر وعمر، فإن كنت لأرجو، وأظن، أن يجعلك الله معهما " (1)

وأما الإمام زيد بن علي زين العابدين فلقد اجتمع إليه كثير من رجال الشيعة - عندما بايعه الناس في الكوفة - فقالوا له: ما قولك، يرحمك الله، في أبي بكر وعمر؟ قال: غفر الله لهما، ما سمعت أحدا من أهل بيتي تبرأ منهما، وأنا لا أقول فيهما إلا خيرا، قالوا: فلم تطلب إذن بدم أهل البيت؟ فقال: إنا كنا أحق الناس بهذا الأمر، ولكن القوم استأثروا علينا به، ودفعونا عنه، ولم يبلغ ذلك عندنا بهم كفرا، قد ولوا فعدلوا، وعملوا بالكتاب والسنة، قالوا: فلم تقاتل هؤلاء إذن؟ قال: إن هؤلاء القوم (أي الأمويين) ليسوا كأولئك، إن هؤلاء ظلموا الناس، وظلموا أنفسهم، وإني أدعو إلى كتاب الله وسنة نبيه (صلى الله عليه وسلم)، وإحياء السنن، وإماتة البدع، فإن تسمعوا يكن خيرا لكم ولي، وإن تأبوا فلست عليكم بوكيل، فرفضوه وانصرفوا عنه، ونقضوا ببيعته وتركوه، فلهذا سموا الرافضة من يومئذ، ومن تابعه من الناس على قوله سموا الزيدية (2).

وأخرج الدارقطني بسنده عن عبد الله بن المحض (والد محمد النفس الزكية) إنه سئل: أتمسح على الخفين؟ فقال، أمسح فقد مسح عمر، فقال له السائل: إنما أسألك أنت تمسح، قال: ذلك أعجز لك، أخبرك عن عمر، وتسألني عن رأيي، فعمر خير مني ومل ء الأرض مثلي، فقيل له: هذا تقية،

____________

(1) صحيح مسلم 15 / 158.

(2) ابن كثير: البداية والنهاية 9 / 371، وانظر: البغدادي: الفرق بين الفرق ص 34 - 36، تاريخ الطبري 7 / 180 - 181، تاريخ ابن خلدون 3 / 99، 4 / 364، الكامل لابن الأثير 5 / 242 - 243، الأشعري: مقالات الإسلاميين 1 / 137، ابن تيمية: منهاج السنة 1 / 171، 2 / 105، المقريزي: الخطط 2 / 439، شذرات الذهب 1 / 158، سير أعلام النبلاء 5 / 390، تاريخ دمشق لابن عساكر 6 / 21، 26، المقدسي والتأريخ 6 / 50، الصفدي: الوافي بالوفيات 15 / 33.

الصفحة 41
فقال: نحن بين القبر والمنبر، اللهم هذا قولي في السر والعلانية، فلا تسمع قول أحد بعدي (1).

وأخرج الدارقطني بسنده عن الإمام محمد الباقر أنه قال: أجمع بنو فاطمة، رضي الله عنهم، أن يقولوا في الشيخين (أبي بكر وعمر) أحسن ما يكون من القول (2).

وأخرج الدارقطني عن سالم بن أبي حفصة قال قال لي جعفر: يا سالم، أيسب الرجل جده، أبو بكر جدي، وروي أيضا أنه قال: دخلت على جعفر بن محمد، وهو مريض، فقال: " اللهم إني أحب أبا بكر وعمر، وأتولاهما " (3).

ويقول الأستاذ أحمد مغنية: حورب المذهب الجعفري في عهد العثمانيين والأتراك مئات السنين، محاربة عنيفة لئيمة متواصلة، وتفنن المفرقون بالافتراءات عليهم في ذلك العهد الظالم اللئيم، فلم يتركوا وسيلة من وسائل الإيذاء إلا اقترفوها، كما أن المفرقين وجدوا في اتفاق الإسمين: عمر بن الخطاب - الخليفة العظيم - وعمر بن سعد بن أبي وقاص - قاتل الإمام الشهيد مولانا وسيدنا الإمام الحسين - ميدانا واسعا، يتسابقون فيه في تشويه الحقيقة والدس على الشيعة بأحط أنواع الدس.

وكان طبيعيا أن يكون لعنة اللعنات، عمر بن سعد، لأنه بطل الجريمة، وقائد جيش اللئام الجبناء، ومن من المسلمين، لا يلعن عمر بن سعد - قاتل ابن بنت رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، إن أولئك المفرقين الآثمين قد استغلوا كلمة " عمر "، وقالوا: إن الشيعة تنال من خليفة النبي عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وإني

____________

(1) الصواعق المحرقة ص 78.

(2) الصواعق المحرقة ص 78.

(3) الصواعق المحرقة ص 80.

الصفحة 42
في الوقت الذي أثور فيه على الدساسين التجار، أصحاب الغابات والمصالح الرخيصة، لا أنكر وجود أفراد الأمس من سواد الشيعة وبسطائهم، لا يفرقون بين هذين الإسمين، بل لا يعرفون أن في دنيا التاريخ الإسلامي عمر بن سعد - تقيا أو شقيا - وكل الذين يعرفون أن عمر بن سعد، هو الذي قتل مولانا الإمام الحسين، وداس صدره الشريف تحت سنابك خيله، ومثل به وبأهل بيته وأصحابه، تمثيلا لم تعرفه الجريمة البشرية من قبل، إذن ليكن الغضب على " عمر " قاتل الحسين، ولتكن اللعنات من المآثم السيئية وغيرها عليه إلى يوم يحشرون (1).

8 - الإمام الباقر والإمام أبو حنيفة:

يروي الشيخ محمد أبو زهرة مناقشة جرت بين الإمام الباقر والإمام أبو حنيفة، فقيه العراق، وكان أبو حنيفة قد اشتهر بكثرة القياس في الفقه حتى تناولته الألسن بالملام، وإليك بعض ما جرى بينهما:

قال الإمام الباقر: أنت الذي حولت دين جدي وأحاديثه إلى القياس.

قال أبو حنيفة: أجلس مكانك كما يحق لي، فإن لك عندي حرمة، كحرمة جدك (صلى الله عليه وسلم)، في حياته على أصحابه، فجلس، ثم جثا أبو حنيفة بين يديه، ثم قال: إني أسألك عن ثلاث كلمات فأجبني، الرجل أضعف أم المرأة.

قال الباقر: المرأة أضعف، قال أبو حنيفة: كم سهم المرأة في الميراث، قال الباقر: للرجل سهمان، وللمرأة سهم، قال أبو حنيفة: هذا علم جدك، ولو حولت دين جدك لكان ينبغي القياس أن يكون للرجل سهم، وللمرأة سهمان، لأن المرأة أضعف من الرجل، ثم الصلاة أفضل أم الصوم، قال الباقر: الصلاة

____________

(1) أحمد مغنية: الإمام الصادق - بيروت 1958 ص 113 - 114، محمد أبو زهرة: الإمام الصادق ص 210 - 211.

الصفحة 43
أفضل، قال أبو حنيفة: هذا قول جدك، ولو حولت دين جدك، لكان أن المرأة إذا طهرت من الحيض أمرتها أن تقضي الصلاة، ولا تقضي الصوم.

ثم البول أنجس أم النطفة؟

قال الإمام الباقر: البول أنجس، قال أبو حنيفة: لو كنت حولت دين جدك بالقياس، لكنت أمرت أن يغتسل من البول، ويتوضأ من النطفة، ولكن معاذ الله أن أحول دين جدك بالقياس.

فقام الإمام الباقر، وعانقه، وقبل وجهه.

ويقول الشيخ أبو زهرة (1898 - 1974): ومن هذا الخبر نتبين إمامة الإمام الباقر للعلماء، يحضرهم إليه، ويحاسبهم على ما يبلغه عنهم، أو يبدو منهم، وكأنه الرئيس يحكم مرؤوسيه ليحملهم على الجادة، وهم يقبلون - طائعين غير مكرهين - تلك الرياسة (1).

غير أن المصادر الشيعية إنما ترى في هذه المناقشة أمورا ثلاثة:

الأول: أن أبا حنيفة كان يعمل بالقياس بلا شك، وعليه فقضية محاورته مع الإمام الباقر، عليه السلام، في أمر القياس، لا تخرج عن أن يكون محملها أحد أمور ثلاثة على سبيل مانعة الخلو، فإما أن تكون قبل أن يتشبع ذهن أبي حنيفة من فكرة العمل بالقياس، أو يكون عمله بالقياس فيما لا نص فيه من الشارع، أو تكون قضية هذه المحاورة مكذوبة على الإمامين الباقر وأبي حنيفة.

غير أن الاحتمال الثاني ضعيف، لأن من المسلم به أن مورد عملهم بالقياس، إنما هو فيما لا نص فيه، فيبقى الاحتمال الأول والثالث، ولا يبعد أن يكون الثالث هو الأقرب.

____________

(1) أبو زهرة: الإمام الصادق ص 22 - 23.

الصفحة 44
الثاني: أن الظاهر من هذه المحاورة أن الإمام الباقر عليه السلام، أقر الإمام أبا حنيفة على ما رآه في وجه القياس، وعلة الحكم القياسي، وأن القياس يجعل السهمين للمرأة، لأنها أضعف من الرجل، ولا يمكن للإمام الباقر أن يقره على ذلك، لأن ما أدركه أبو حنيفة بعقله من العلة المذكورة، ليست هي مناط الحكم.

الثالث: أن المحاورة المذكورة مقلوبة، لأنها وقعت بين الإمام الصادق وأبي حنيفة (1). هذا وقد عاد الشيخ أبو زهرة، وذكرها في نفس كتابه (الإمام الصادق) رواية عن الكليني في الكافي، وأنه اعتمدها فيها - كما في الهامش

____________

(1) الإمام أبو حنيفة: - هو أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطي، ولد في الكوفة عام 80 هـ (699 م)، وتوفي ببغداد عام 150 هـ (767 م)، كان جده زوطي جلب عبدا من فارس إلى الكوفة، وأعتقه سيده، وكان من قبيلة تيم الله، أما والده ثابت فقد ولد حرا في هذه القبيلة، وقد سمع أبو حنيفة بعض الصحابة وعددا كبيرا من التابعين بالكوفة، لكنه لم يرو عنهم، ومن شيوخه " أبو عمرو والشعبي (ت 104 هـ / 722 م). و " عطاء بن أبي رياح " (ت عام 114 هـ / 732 م) و " حماد بن أبي سليمان " (ت 120 هـ / 737 م)، والذي أثر فيه كثيرا، فقد سمع له نحو 18 عاما، وأما تلاميذ أبي حنيفة فأشهرهم " أبو يوسف "، (113 - 182 هـ / 731 - 798 م) و " زفر بن الهذيل " (110 - 158 هـ / 728 - 774 م) و " محمد بن الحسن الشيباني " (132 - 189 هـ / 749 - 805 م)، وكان أبو حنيفة يكسب قوته من التجارة، وحاول الخلفاء الأمويون المتأخرون، والخليفة العباسي المنصور أن يجبروه على منصب القضاء، ولكنه كان يرفض وسجن بسبب ذلك. وأما أهم مصادر ترجمته (مقالات الإسلاميين الأشعري 1 / 138 - 139، طبقات الفقهاء للشيرازي ص 67 - 68، تاريخ بغداد للخطيب 13 / 323 - 454، الانتقاء لابن عبد البر ص 121 - 175، الجواهر للقرشي 1 / 26 - 32، تذكرة الحفاظ للذهبي ص 168 - 169، مرآة الجنان لليافعي 1 / 309 - 312، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 2 / 12 - 15، وفيات الأعيان 2 / 215 - 219، كما صدر حديثا مجموعة كتب عنه، من أشهرها: كتاب أبو زهرة (أبو حنيفة) وكتاب عبد الحليم الجندي (أبو حنيفة) وكتاب محمد يوسف موسى (أبو حنيفة) وكتاب السيد عفيفي (حياة الإمام أبي حنيفة).

وأما أهم آثار أبي حنيفة (الفقه الأكبر - مسند أبي حنيفة - رسالة في الفرائض - معرفة المذاهب - دعاء أبي حنيفة - فتاوي أبي حنيفة ومحمد بن الحسن الشيباني - كتاب العالم والمتعلم - وصيته إلى ابنه حماد) وانظر: فؤاد سزكين: تاريخ التراث العربي - المجلد الأول - الجزء الثالث - الفقه - نشر جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - الرياض 1403 هـ / 1983) ص 31 - 50.

الصفحة 45
الأول من ص 293 - على مسند الإمام أحمد بن حنبل، يقول أبو زهرة: جاء في الكافي عن أبي حنيفة قال: استأذنت عليه (أي الإمام الصادق) فحجبني، وجاءه قوم من أهل الكوفة واستأذنوا، فأذن لهم، فدخلت معهم، فلما صرت عنده قلت: يا ابن رسول الله لو أرسلت إلى أهل الكوفة، فنهيتهم أن يشتموا أصحاب محمد (صلى الله عليه وسلم)، فإني تركت فيها أكثر من عشرة آلاف يشتمونهم، فقال: لا يقبلون مني، فقلت: ومن لا يقبل منك، وأنت ابن رسول الله.

فقال الصادق: أنت أول من لا يقبل مني، دخلت داري بغير أذني وجلست بغير أمري، وتكلمت بغير رأيي، وقد بلغني أنك تقول بالقياس، فقلت: نعم.

فقال: ويحك يا نعمان، أول من قاس إبليس، حين أمر بالسجود لآدم فأبى، وقال: خلقتني من نار، وخلقته من طين، أيهما أكبر يا نعمان، القتل أم الزنى؟ قلت: القتل، قال: فلم جعل الله في القتل شاهدين، وفي الزني أربعة أيقاس لك هذا؟ قلت: لا.

قال: فأيهما أكبر البول أو المني؟ قلت: البول، قال فلم أمر الله في البول بالوضوء، وفي المني بالغسل، أيقاس لك هذا؟ قلت: لا.

قال: فأيهما أكبر الصلاة أم الصوم؟ قلت: الصلاة، قال: فلم وجب على الحائض أن تقضي الصوم، ولا تقضي الصلاة، أيقاس ذلك؟ قلت: لا.

قال: فأيهما أضعف المرأة أم الرجل؟ قلت: المرأة، قال: فلم جعل الله تعالى في الميراث للرجل سهمين، وللمرأة سهما، أيقاس ذلك؟ قلت: لا.

قال: وقد بلغني أنك تقرأ آية في كتاب الله تعالى، وهي (لتسألن يومئذ عن النعيم)، أنه الطعام الطيب، والماء البارد في اليوم الصائف، قلت: نعم.

قال: لو دعاك رجل وأطعمك طعاما طيبا، وسقاك ماء باردا، ثم امتن به

الصفحة 46
عليك، ما كنت تنسبه، قلت: للبخل، قال: فتبخل الله علينا، قلت: فما هو قال: حبنا أهل البيت (1).

وروى أبو زهرة رواية أخرى: عن عيسى بن عبد الله القرشي قال: دخل أبو حنيفة على أبي عبد الله (الصادق) فقال له، يا أبا حنيفة بلغني أنك تقيس؟

قال نعم، قال: لا تقس، فإن أول من قاس إبليس، حين قال: خلقتني من نار، وخلقته من طين، فقاس ما بين النار والطين، ولو قاس نورية آدم بنورية النار، لعرف فضل ما بين النورين، وصفا أحدهما (2).

9 - الإمام الباقر وقريش:

روى ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة أن الإمام أبا جعفر محمدا الباقر قال: " يا فلان، لقد لقينا من ظلم قريش إيانا، وتظاهرهم علينا، وما لقي شيعتنا ومحبونا من الناس ما لقينا: إن رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، قبض وقد أخبرنا: أنا أولى الناس بالناس، فتمالأت علينا قريش، حتى أخرجت الأمر عن معدنه، واحتجت على الأنصار بحقنا وحجتنا، ثم تداولتها قريش واحدا بعد واحد، حتى رجعت إلينا، فنكثت بيعتنا، ونصبت الحرب لنا، ولم يزل صاحب الأمر في صعود كئود، حتى قتل ".

" فبويع الحسن ابنه وعوهد، ثم غدر به وأسلم، ووثب عليه أهل العراق، حتى طعن من خنجر في جنبه، ونهب عسكره، وعولجت خلاخيل أمهات أولاده، فوادع معاوية، وحقن دمه، ودم أهل بيته، وهم قليل حق قليل ".

" ثم بايع الحسين من أهل العراق عشرون ألفا، ثم غدروا به وخرجوا عليه، وبيعته في أعناقهم وقتلوه، ثم لم نزل أهل البيت نستذل ونستضام،

____________

(1) أبو زهرة: الإمام الصادق ص 291 - 292، مسند الإمام أحمد 1 / 11 - 13.

(2) أبو زهرة: الإمام الصادق ص 291.

الصفحة 47
ونقضي ونمتهن، ونحرم ونقتل، ونخوف، ولا نأمن على دمائنا ودماء أوليائنا، ووجد الجاحدون الكاذبون لكذبهم وجحودهم موضعا يتقربون به إلى أوليائهم، وقضاة السوء، وعمالة السوء في كل بلدة، فحدثوهم بالأحاديث الموضوعة المكذوبة (1)، ورووا عنا ما لم نقله، وما لم نفعله، ليبغضونا إلى الناس ".

وكان عظم ذلك وكبره زمن معاوية (2)، بعد موت الحسن، فقلت شيعتنا بكل بلدة، وقطعت الأيدي والأرجل على الظنة، ومن يذكر بحبنا والانقطاع إلينا، سجن أو نهب ماله، أو هدمت داره، ثم لم يزل البلاء يشتد ويزداد إلى زمان عبيد الله بن زياد، قاتل الحسين، ثم جاء الحجاج فقتلهم كل قتلة، وأخذهم بكل ظنة وتهمة (3)، حتى إن الرجل ليقال له زنديق (4)، أحب إليه من أن يقال له شيعة علي " (5).

____________

(1) أنظر: (ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة 4 / 63 - 74).

(2) روي عن أبي عثمان الجاحظ: أن معاوية كان يقول في آخر خطبة الجمعة " اللهم إن أبا تراب (يعني الإمام علي - رضي الله عنه، وكرم الله وجهه في الجنة) - ألحد في دينك، وصد عن سبيلك، فالعنه لعنا وبيلا، وعذبه عذابا أليما " وكتب بذلك إلى الآفاق، فكانت هذه الكلمات يشار بها على منابر المسلمين، حتى عهد عمر بن عبد العزيز، فألغاها، ثم عادت مرة أخرى بعد عهده، وروي أن قوما في بني أمية قالوا لمعاوية: يا أمير المؤمنين، إنك قد بلغت ما أملت، فلو كففت عن لعن هذا الرجل (أي الإمام علي) فقال: " لا، والله حتى يربو عليه الصغير، ويهرم عليه الكبير، ولا يذكر له ذاكر فضلا " (شرح نهج البلاغة 4 / 56 - 57).

(3) من عجائب الأيام أن الحجاج الثقفي كان يلعن الإمام علي، ويأمر بلعنه، وقال له متعرض يوما، وهو راكب: أيها الأمير، إن أهلي عقوني فسموني عليا، فغير اسمي، وصلني، بما أتبلغ به، فإني فقير، فقال للطف ما توسلت به، قد سميتك كذا، ووليتك العمل الفلاني، فأشخص إليه (شرح نهج البلاغة 4 / 57).

(4) كان بنو أمية يمنعون إظهار فضائل الإمام علي عليه السلام، وعاقبوا على ذلك الراوي له، حتى أن الرجل كان إذا روى عن الإمام علي حديثا، لا يتعلق يفضله، بل بشرائع الدين، لا يتجاسر على ذكر اسمه، فيقول: عن أبي زينب، وروى عطاء عن عبد الله بن شداد بن الهاد قال: وددت أن أترك فأحدث بفضائل علي بن أبي طالب عليه السلام يوما إلى الليل، وأن عنقي هذه ضربت بالسيف (شرح نهج البلاغة 4 / 73).

(5) محمد أبو زهرة: الإمام الصادق ص 111، شرح نهج البلاغة 3 / 15.

الصفحة 48
هذا ورغم اعتراض أبي زهرة على بعض جمل جاءت في كلام الإمام الباقر، تومئ إلى أن الشيخين قد اغتصبا حق علي، ويستبعد أن يكون ذلك من الإمام الباقر، لأن لآثار المتضافرة تثبت أنه كان يرى صحة إمامة أبي بكر وعمر (1)، غير أنه يقرر أن ما ذكر عن حال آل البيت في العصر الأموي - الذي عاش فيه الإمام الباقر - صادق كل الصدق، ولم يذكر الباقر ما اتخذه ملوك بني أمية من سنة لعن إمام الهدى - علي كرم الله وجهه في الجنة - وإنه ليدل على مقدار ما يكنه حكام بني أمية من حقد دفين لآل البيت، ولقد لام كثيرون معاوية على ذلك العمل البالغ أقصى حدود الحقد، ولقد أرسلت أم المؤمنين، السيدة أم سلمة، تقول: إنكم تلعنون الله ورسوله إذ تلعنون علي بن أبي طالب، ومن يحبه، وأشهد أن الله ورسوله يحبانه.

روى الحاكم في المستدرك بسنده عن أبي عبد الله الجدلي قال: دخلت على أم سلمة، فقالت لي: أيسب رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فيكم، فقلت: معاذ الله، أو سبحان الله، أو كلمة نحوها، فقالت: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: " من سب عليا فقد سبني "، وفي رواية: " ومن سبني فقد سب الله " (2).

ولقد ارتكب معاوية بن أبي سفيان، أشد ما ارتكب لطمس معالم الشورى

____________

(1) كانت وجهة نظر بني هاشم جميعا أن الإمام علي بن أبي طالب هو أحق بالخلافة - بعد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) - من دون الناس جميعا، وأن الإمام علي إنما يؤكد أنه صاحب الحق، كما أنه لم يستشر في اختيار الصديق خليفة، (أنظر: البلاذري: أنساب الأشراف 1 / 582، تاريخ الطبري 3 / 202، 208، المسعودي: مروج الذهب 1 / 594) ولهذا فقد استأخرت يمين الإمام عن بيعة الصديق، وقد أعطي الإمام السبب في ذلك، في وضوح، خلال حواره مع الصحابة، وعلى رأسهم أبو بكر وعمر، قال الإمام علي: " إنكم تدفعون آل محمد عن مقامه ومقامهم في الناس، وتنكرون عليهم حقهم، أما والله لنحن أحق بالأمر منكم، ما دام فينا القارئ لكتاب الله، الفقيه في دين الله، العالم بسنن رسول الله، المضطلع بأمر الرعية، القاسم بينهم بالسوية (في رحاب علي ص 103).

(2) المستدرك للحاكم 1 / 121، 3 / 121، خصائص النسائي ص 56، كنز العمال 6 / 401، مسند أحمد 6 / 323.

الصفحة 49
وفي الحكم الإسلامي، فقد عهد إلى ابنه " يزيد " فحول الخلافة إلى ملك عضوض، بل إلى ملك فاجر، وقد زعم - وهو يعهد إلى ابنه - بأنه يقتدي بأبي بكر، إذ عهد من بعده إلى عمر بن الخطاب، وأن المفارقة بين العهدين واضحة، كالفرق بين عمر بن الخطاب، ويزيد بن معاوية بن أبي سفيان، وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في عمر بن الخطاب " إن الله قد كتب الحق على لسان عمر وقلبه "، بينما يعرف التاريخ أن يزيد بن معاوية كان لا يمتنع عن إتيان المحرمات، وأبو بكر الصديق إنما عهد بالخلافة إلى رجل لم تربطه به قرابة، ثم هو وزير من وزراء النبي (صلى الله عليه وسلم)، وقد قال فيه: " إن الشيطان لا يسير في فج يسير فيه عمر " وقال: " إنه العبقري الذي لم يفر فرية في الإسلام أحد ".

وأما " معاوية بن أبي سفيان " فقد عهد إلى ابنه الذي علم التاريخ عنه ما علم (1) وقد قال في المقام الإمام " الحسن البصري " - فيما يروي الطبري وابن الأثير وابن كثير - " أربع خصال كن في معاوية، لو لم يكن فيه منهن إلا واحدة لكانت موبقة: انتزاؤه على هذه الأمة بالسفهاء، حتى ابتزها أمرها بغير مشورة منهم، وفيهم بقايا الصحابة وذو الفضيلة، واستخلافه ابنه بعده سكيرا خميرا، يلبس الحرير، ويضرب بالطنابير، وادعاؤه زيادا، وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): " الوالد للفراش، وللعاهر الحجر " (2)، وقتله حجرا، ويلا له من حجر، مرتين " (3).

وعن الشعبي: أول من خطب الجمعة جالسا معاوية، حين كثر شحمه، وعظم بطنه، وعن سعيد بن المسيب: أول من أذن وأقام يوم الفطر والنحر

____________

(1) أبو زهرة: الإمام الصادق ص 112.

(2) روى البخاري في صحيحه: قال ابن شهاب قالت عائشة، قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): " الولد للفراش، وللعاهر الحجر " (صحيح البخاري 5 / 192).

(3) تاريخ الطبري 5 / 279، ابن الأثير: الكامل في التاريخ 3 / 487، ابن كثير: البداية والنهاية 8 / 141، وانظر ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة 5 / 129 - 131.

الصفحة 50
معاوية، وقال الإمام أبو جعفر محمد الباقر: كانت أبواب مكة لا أغلاق لها، وأول من اتخذ لها الأبواب معاوية، وقال أبو اليمان عن شعيب عن الزهري:

مضت السنة أن لا يرث الكافر المسلم، ولا المسلم الكافر، وأول من ورث المسلم من الكافر معاوية، وقضى بذلك بنو أمية بعده، حتى كان عمر بن عبد العزيز، فراجع السنة، وأعاد هشام ما قضى به معاوية وبنو أمية من بعده، وبه قال الزهري، ومضت السنة أن دية المعاهد كدية المسلم، وكان معاوية أول من قصرها إلى النصف، وأخذ النصف لنفسه " (1)

10 - علم الباقر:

لا ريب في أن الإمام الباقر - رضوان الله عليه - إنما هو أعلم أهل زمانه - حتى وإن أنكر ابن تيمية ذلك، بل وذهب إلى أن الزهري (2)، وهو من أقرانه، هو عند الناس أعلم منه (3) - وقد سمي الإمام " بالباقر " والباقر ليس اسما للإمام أبو جعفر محمد بن علي، وإنما هو وصف له - كما كان زين العابدين وصفا لأبيه علي - وإنما سمي محمد بالباقر إشارة إلى أنه يبقر العلم بقرا، أو يشقه شقا، ويصل إلى قلب الحكمة، والمقصود هنا بالعلم: علم التفسير والحديث

____________

(1) ابن كثير: البداية النهاية 8 / 150 - 151.

(2) الزهري: هو أبو بكر محمد بن مسلم بن عبد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري، ولد عام 51 هـ (670 م) - أو عام 56 هـ أو 57 هـ أو 85 هـ - وتوفي عام 124 هـ (742 م)، وكان محدثا ومؤرخا، عارفا بالشعر، واشتهر في الحديث بأنه أول من أسند الحديث، وأول من دون الحديث، ووصفه الطبري بأنه كان مؤرخا ورائدا في علم المغازي وفي أخبار قريش، كما كان راوية لأخبار الرسول والصحابة، كما عرف مصطلح السيرة، وأما أهم مصادر ترجمته فهي (حلية الأولياء 3 / 360 - 361، صفة الصفوة لابن الجوزي 2 / 77 - 78)، البداية والنهاية لابن كثير 9 / 340 - 348، غاية النهاية لابن الجزري 2 / 262، الكامل لابن الأثير 7 / 289، تاريخ الإسلام للذهبي 5 / 136 - 152، علم التاريخ للدوري ص 20 - 32، 76 - 102، 143 - 151، الأعلام للزركلي 7 / 317، معجم المؤلفين لكحالة 12 / 21، فؤاد سزكين: تاريخ التراث العربي - المجلد الأول 2 / 74 - 79)، وأما أهم آثاره (المغازي - نسب قريش - أسنان الخلفاء - الناسخ والمسوخ في القرآن - تنزيل القرآن - مشاهد النبي).

(3) ابن تيمية: المنتقي ص 171، منهاج السنة 1 / 132، النشار: المرجع السابق ص 139.

الصفحة 51
والفقه، فقد كان الإمام الباقر مفسرا ومحدثا وفقيها.

وكان الإمام الباقر عالما سيدا كبيرا (1)، كثر الرواة عنه أكثر مما كان عن آبائه، لأنه لم يلق التضييق الذي لقيه آباؤه من بني (2) أمية، كما كان الإمام الباقر وحيد عصره، ذكره الكثيرون من المؤلفين، وأفاضوا فيه، وأثنوا عليه، ورووا وتلقوا، منهم عبد الرحمن الأوزاعي (ت 157 هـ) و " ابن جريح المكي " (ت 150 هـ) ومحمد بن مسلم الزهري (ت 124 هـ) والأعمش (ت 148 هـ) والإمام زيد بن علي زين العابدين وغيرهم.

هذا وقد التف الناس حول الإمام الباقر، واستقوا من منهله، رغم كل الخطط التي وضعها أرباب السلطة من بني أمية، وازدحم العلماء للارتشاف من معينه، فضلا عن الحجازيين من مكة والمدينة، ممن أخلص الحب لآل البيت وأئمتهم، فكان الإمام الباقر مرجعا لهم جميعا، والحكم العدل فيهم، حتى بني أمية - الذين جبلوا على كراهيته وكراهية أسرته من آل بيت النبوة، إنما كانوا يضطرون إليه أحيانا لحل المشاكل، كما كان الإمام الباقر أول من أسس علم الأصول (3).

هذا ولعل أشهر رواته إنما كان " جابر الجعفي " و " زرارة بن أعين " و " بريدة العجلي " و " سدير الصيرفي " وقيل إن جابر الجعفي قد روى عنه أكثر من خمسين ألف حديث، كما روى عنه محمد بن مسلم ثلاثين ألف حديث، ومهما يكن من المبالغة في عدد هذه الأحاديث، فإنها إنما تدل على أن الإمام الباقر قد تفرغ للعلم والحديث، وسار على نهج أبيه الإمام علي زين العابدين

____________

(1) شمس الدين بن طولون: الشذرات الذهبية ص 81.

(2) المظفري: تاريخ الشيعة ص 42 (مطبعة الزهراء - النجف 1342 هـ).

(3) السيد الشريف عبد الرحمن بن محمد بن حسين المشهور: شمس الظهيرة في نسب أهل البيت من بني علوي - فرع فاطمة الزهراء وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب - الجزء الأول ص 37 - 38 (ط جدة 1984).

الصفحة 52
في تأكيد " الإمامة الروحية " دون الخوض في السياسة أو طلب الحكم (1).

ولعل من أهم آثار الإمام الباقر " تفسير القرآن " وقد رواه عنه تلميذه " أبو الجارود زياد بن المنذر " (2)، ومن أمثلة تفسيره الملهم، ما رواه أبو نعيم في الحلية بسنده عن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي قال: كنت جالسا عند خالي محمد بن علي، وعنده يحيى بن سعيد (3) و " ربيعة الرأي " (4)، إذ جاء الحاجب فقال: هؤلاء قوم من أهل العراق، فدخل أبو إسحاق السبيعي وجابر الجعفي وعبد الله بن عطاء والحكم بن عيينة، فتحدثوا فأقبل محمد بن علي الباقر على جابر فقال: ما يروي فقهاء أهل العراق في قوله عز وجل: (ولقد همت به وهم بها، لولا أن رأى برهان ربه) (5) ما البرهان؟ قال: رأى يعقوب عليه السلام، عاضا على إبهامه.

فقال الباقر: لا: حدثني أبي عن جدي عن علي بن أبي طالب، رضي الله تعالى عنه: أنه هم أن يحل التكة فقامت إلى صنم لها مكلل بالدر والياقوت في ناحية البيت فسترته بثوب أبيض بينها وبينه، فقال: أي شئ

____________

(1) أحمد صبحي: المرجع السابق ص 358.

(2) أنظر: ابن النديم: الفهرست ص 33، العاملي: أعيان الشيعة 4 / 3 / 19، فؤاد سزكين: تاريخ التراث - المجلد الأول - 2 / 266.

(3) يحيى بن سعيد الأنصاري: تابعي من المدينة، روى عن الصحابي أنس بن مالك، وعن عدد من كبار التابعين، وروى عنه الزهري ومالك والأوزاعي وسفيان الثوري وشعبة وغيرهم، ولي القضاء في المدينة، زمن الوليد بن عبد الملك (86 - 96 هـ / 705 / 715 م)، ويعد من فقهاء المدينة ذوي المكانة العالية، ويقول الثوري أن أهل المدينة كانوا يعتبرونه أعلم من الزهري، وقد دون ربيعة الرأي آراءه، وتوفي في البصرة عام 143 هـ - (760 م).

(4) ربيعة الرأي: هو ربيعة بن أبي عبد الرحمن فروخ التيمي، ولد بالمدينة وعاش بها، وروى عن الصحابي أنس وعن كبار التابعين، وكان هو تابعيا، وروى عنه مالك وسفيان الثوري وشعبة وحماد بن سلمة وغيرهم، وكان ربيعة من أصحاب الرأي في الفقه أفادوا منه عند عدم وجود نص ولذا سمي " ربيعة الرأي " تقديرا، وكان أصحاب الحديث يعدونه من أفضل رواته ويعارضون اللقب السابق، ويعد الإمام مالك من أحسن تلاميذه، وتوفي في العراق عام 136 هـ (753 م) فؤاد سزكين: تاريخ التراث العربي - المجلد الأول 3 / 23 - 24) (الرياض 1983).

(5) سورة يوسف: آية 24.

الصفحة 53
تصنعين؟ فقالت: أستحي من إلهي أن يراني على هذه الصورة، فقال يوسف عليه السلام: تستحين من صنم لا يأكل ولا يشرب، ولا أستحي أنا من إلهي الذي هو قائم على كل نفس بما كسبت، ثم قال: والله لا تناليها مني أبدا، فهو البرهان الذي رأى (1).

وروى الحافظ أبو نعيم (2) في حليته بسنده عن " بسام الصيرفي " قال:

سألت أبا جعفر محمد الباقر بن علي بن الحسين عن القرآن؟ فقال: كلام الله عز وجل غير مخلوق، وعن عبد الله بن عباس الخراز عن يونس بن بكير عن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين عن عبد الله بن محمد بن علي، قال: سئل علي بن الحسين عن القرآن فقال: ليس بخالق ولا مخلوق، وهو كلام الله عز وجل.

وروى الحافظ أبو نعيم في حليته (3) بسنده عن ثابت بن محمد بن علي الباقر، في قوله عز وجل: (أولئك يجزون الغرفة بما صبروا) (4) قال: على الفقر في دار الدنيا (5)، وفي نور الأبصار: سئل الإمام الباقر عن قوله تعالى:

(أولئك يجزون الغرفة بما صبروا)، فقال: بصبرهم على الفقر، ومصائب الدنيا، حكت سلمى مولاة أبي جعفر الباقر: أنه كان رجل عليه بعض إخوانه فلا يخرجون من عنده حتى يطعمهم الطيب، ويكسوهم في بعض الأحيان، ويعطيهم الدراهم، قال فكنت أكلمه في ذلك، لكثرة عياله، وتوسط حاله، فيقول: يا سلمى، ما حسنة الدنيا إلا صلة الإخوان والمعارف، فكان يصل بالخمسمائة درهم وبالستمائة إلى ألف درهم (4).

____________

(1) حلية الأولياء 3 / 181.

(2) حلية الأولياء 3 / 188.

(3) سورة الفرقان: آية 75.

(4) حلية الأولياء 3 / 181 - 182.

(5) نور الأبصار ص 144.