الفصل السادس
فيما يتعلّق بالخلافة
الخلافة، وما أدراك ما الخلافة! فهي التي جعلها الله فتنة الأمة وهي التي قسمتها وأطمعت فيها الطّامعين، وهي التي أهرقت في سبيلها الدّماء البريئة وهي التي كفر من أجلها مسلمون فأغرتهم وأبعدتهم عن الصراط المستقيم وأدخلتهم نار الجحيم ولا بدّ لنا من دراسة تكون على اختصارها محيطة بالخفايا والملابسات التي كانت الخلافة مسرحاً لها قبيل وبعد وفاة الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم.
وأوّل ما يتبادر للأذهان أنّ الزعامة عند العرب كانت من الأمور الضرورية في كلّ العصور فتراهم يقدّمون رئيس القبيلة أو زعيم العشيرة على أنفسهم فلا يبرمون أمراً دونه ولا يتخذون قراراً إلاّ بمشورته ولا يسبقونه بالقول.
فزعيم العشيرة هذا عادة ما يكون أكبرهم سنّاً وأعلمهم بالأمور وأشرفهم حسباً ونسباً.
ويبدوا أنّ هذا الرئيس يبرز من خلال الأحداث في عشيرته ومما يظهر عليه من ذكاء وفطنة وشجاعة وعلم بالأمور وسخاء وإكرام الضيف وغير ذلك من الخصال الحميدة، ولكن في أغلب الأحيان هي وراثة وليست اختيار.
ونجد بعد ذلك أن القبائل والعشائر رغم استقلاليتها فهي تخضع
ولمّا جاء الإسلام أقرّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى حدّ ما هذا الأسلوب في التعامل فكان يولّي على القبائل التي وفدت عليه وأقرّت بالإسلام سيّدهم وشريفهم ليكون والياً عليها فيصلّي بهم ويجمع زكاتهم ويكون همزة الوصل بينهم وبينه.
ثم إن محمداً صلّى الله عليه وآله وسلّم أنشأ بأمر الله سبحانه الدولة الإسلامية التي تخضع في كل أحكامها وقراراتها إلى ما ينزل به الوحي من الله، فكان نظام المجتمع ونظام الفرد من عقود نكاح وطلاق وبيع وشراء وأخذ وعطاء وإرث وزكاة وكل ما يخص الفرد والمجتمع في الحرب والسلم من معاملات وعبادات كلها خاضعة إلى أحكام الله، ومهمّة الرّسول صلّى الله عليه وآله وسلّم هي التنفيذ والسّهر على تطبيق تلك الأحكام.
ومن الطبيعي أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم كان يفكّر فيمن سيخلفه في هذه المهمّة العظمى ألا وهي قيادة الأمّة.
ومن الطبيعي أنّ يهتمّ كلّ رئيس دولة (إن كان يهمّه شعبه) بالشخص الذي يختاره ليكون نائبه في كل المهمّات التي يكون هو غائبٌ عنها فيكون وزيره الأول والمقرّب الذي يحضر إذا يغيبون ومن الطبيعي أيضاً أن يكون نائبه معلوماً لدى كل الوزراء وعند الشعب أيضاً.
فلا يمكن أن يصدّق العقل بأنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أغفل كل ذلك ولم يهتمّ به ولا شك بأنّه كان شغله الشاغل، ولا شك بأن الأحاديث المتعلّقه بالموضوع خضعت للحصار الذي ضربه الخلفاء الذين كانوا يتزعّمون نظريّة الشورى والذين عملوا بكل جهودهم لمعارضة النّصوص التي عيّنت وشخّصت الخليفة وكان من هذه الجهود أيضاً الطعن
ثم ضرب الحصار والمنع الباتّ على الأحاديث النّبوية الشريفة عامّة، حتّى لا تتفشّى النّصوص بين النّاس وتضطرب الأمور، ولو أدّى ذلك للاغتيال الفردي والقتال الجماعي لإخماد المعارضة بدعوى القضاء على الفتنة مرّة والردّة أخرى.
كل ذلك عرفناه من خلال ما كتبه المؤرّخون، وإن كان بعضهم يحاول تغطية الحقيقة بوضع بعض الروايات المتناقضة أو بعض التأويلات والاعتذارات التي كشفت خفاياها الأيام والأحداث والأبحاث.
وقد يكون بعضهم معذوراً، لأنه أخذ معلوماته من المصادر الأولى التي كتبت تحت التأثير السيّاسي والاجتماعي الذي خلّفته الفتنة الكبرى وما أعقبها من أحداث عندما استولى بنو أميّة على الخلافة وأغدقوا الأموال والمناصب على بعض الصّحابة والتابعين المأجورين.
فأخذ بعض المؤرّخين من هؤلاء لحسن ظنّه بهم، وهو لا يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصّدور، فاختلطت الرّوايات الصحيحة بالرّوايات المكذوبة، واصبح من العسير على الباحث الوصول إلى الحقيقة.
ولتقريب القارىء الباحث من هذه الحقيقة، لابدّ من إثارة وطرح هذه
أسئلة وأجوبة لا غنى عنها لكلّ باحثٍ
وردت عليّ رسائل عديدة من أقطار كثيرة تحمل في طيّها بعض التساؤلات المهمّة والتي تنبىء عن حرص القرّاء الكرام لمزيد البحث والتنقيب عن الحقائق، وقد أجبت على البعض منها وأعرضت عن البعض الآخر غير مستخف بها ولكن لأنّ الجواب عليها موجود في كتابي «ثم اهتديت» و«لأكون مع الصادقين»، وتعميماً للفائدة فأنا أنشرها في هذا الفصل مع الأجوبة ومع الملاحظة بأنّ القارىء سيجد بعض الأحاديث والأحداث مكرّرة في الكتاب الواحد أو في الكتب الثلاثة، فقد تعمدت ذلك اقتداءاً بكتاب الله العزيز الذي يكرر الحادثة في عدة سور لترسخ في ذهن المؤمن ولتكون في متناول الجميع.
س1: إذا كان الرسول يعلم ما سيؤول إليه أمر الأمة من النزاع والاختلاف بسبب الخلافة، فلماذا لم يعيّن خليفة له؟
* ج: لقد عيّن صلّى الله عليه وآله وسلّم خليفة له بعد حجة الوداع وهو علي بن أبي طالب وأشهد على ذلك صحابته الذين حجّوا معه، وكان يعلم بأنّ الأمة ستغدر به وتنقلب على أعقابها.
س2: كيف لم يسال الرسول أحدّ من أصحابه عن هذا الأمر وقد كانوا يسألونه عن كل شيء؟
* ج: لقد سألوه وأجاب: قال تعالى: (يقولون هل لنا من الأمر من شيء قل إن الأمر لّه لله) [آل عمران: 154]. وسألوه وقال: (إنما وليّكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصّلاة ويؤتون الزّكاة وهم راكعون) [المائدة: 56]. وسألوه فقال: «إن هذا أخي ووصيّي وخليفتي من بعدي»(1) .
____________
(1) تاريخ الطبري وتاريخ ابن الأثير في باب وانذر عشيرتك الأقربين.
س3: لماذا عارض بعض الصّحابة رسول الله حين أراد أن يكتب لهم كتاباً يعصمهم من الضلالة بعده، وقالوا بأنّه يهجر؟
* ج: لقد عارض بعض الصحابة النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم حين أراد أن يكتب لهم ما يمنعهم من الضلالة واتهموه بالهجر، لمّا عرفوا بأنّه يريد تعيين علي بن أبي طالب كتابيّاً، لأنّه سبقَ أن قال لهم في حجّة الوداع بأنّ المتمسّك بالكتاب والعترة لن يضلّ بعده أبداً، ففهموا بأنّ مضمون الكتاب سيكون بنفس الألفاظ، لأن علياً هو سيد العترة وإنّما اتهموه بالهجر ليعدل عن الكتابة نهائياً ولأنّ النزاع والخلاف قام حول الكتاب قبل كتابته، وإذا كان النبيّ يهجر (حسب اعتقادهم) فإنّ كتابه سيكون هذياناً فالحكمة تقتضي عدم الكتابة.
س4: لماذا لم يصرّ على كتابة الكتاب خصوصاً وأنّه يعصم الامّة الإسلامية من الضّلالة؟
* ج: لم يكن في وسع الرّسول صلّى الله عليه وآله وسلّم أن يصرّ على الكتابة، لان العصمة من الضلالة قد انتفت لموافقة الكثير من الصّحابة على أنّه يهجر، فأصبح الكتاب هو مصدر ضلالة بدلاً أن يكون عاصماً منها، ولو أصرّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم على كتابته لقامت عبده دعاوى باطلة قد تشكّك حتّى في كتاب الله ونصوص القرآن.
س5: لقد أوصى النّبي قبل موته بثلاث وصايا شفويّة فلماذا وصلت إلينا وصيّتان وضاعت الوصية الثالثة؟
* ج: الأمر واضح في أنّ الوصيّة الأولى هي التي ضاعت لأنها تخصّ استخلاف علي ـ ولان الخلافة التي قامت منعت الحديث عنها، وإلاّ كيف يصدّق عاقل أن يوصي النّبي فتنسى وصيّته كما ذكره البخاري.
س6: هل كان النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم يعلم بموعد موته؟
* ج: لا شكّ بأنّه كان يعلم مسبّقاً بموعد وفاته في الوقت المعلوم وقد علم بذلك قبل خروجه لحجّة الوداع. ومن أجل ذلك سمّاها حجة
س7: لماذا جهز النبي جيشاً عبّا فيه وجوه المهاجرين والأنصار من كبار الصّحابة وأمرهم بالمسير إلى مؤتة بفلسطين قبل وفاته بيومين؟
* ج: عندما علم النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم بالمؤامرة التي دبّرتها قريش وأنهم تعاقدوا على نبذ العهد بعده وإبعاد علي عن الخلافة، عمد إلى تعبئة هؤلاء ليبعدهم عن المدينة وقت وفاته فلا يرجعون إلاّ وقد استتب الأمر لخليفته، فلا يقدرون بعدها على تنفيذ مخطّطهم وليس هناك تفسيراً مقبولاً غير هذا لسريّة أسامة، لأنّه ليس من الحكمة أن يخلي النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم عاصمة الخلافة من الجيش والقوّة قبل وفاته بيومين فقط.
س8: لماذا لم يعيّن النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم علياً في جيش أسامة؟
* ج: لأنّه لا ينبغي لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أن يذهب إلا ويترك خليفة ليدبّر الأمور بعده، وبما أنّه لم يعبىء عليّاً ضمن ذلك الجيش الذي عبّأ فيه وجوه المهاجرين والأنصار بما فيهم أبو بكر وعمر وعثمان وعبد الرحمن بن عوف، فدلّ هذا التصرّف الحكيم بأنّ عليّاً هو الخليفة بعد النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم مباشرة، ولأنّ الذين لم يعبوهم رسول الله في الجيش ليس فيهم من يطمع في الخلافة ولا من يبغض عليّاً ويريد الغدر به.
س9: لماذا أمر عليهم شاباً صغيراً لا نبات بعارضيه؟
* ج: لمّا كان الحاسدون والغادرون لعلي يتذرّعون بصغر سنّه وأنّ عظماء قريش الذين بلغوا السّتين لا ينقادون لعلي وعمره لم يجاوز الثلاثين إلاّ قليلاً ـ فأمّر عليهم النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم أسامة وعمره سبعة عشر ـ لا نبات بعارضيه وهو من الموالي ليّاً لأعناقهم وإرغاماً لأنوفهم، كي يبيّن لهم أولاً ولكل المسلمين ثانياً بأنّ المؤمن الصادق في إيمانه يجب عليه أن يسمع ويطيع ولو وجد في نفسه حرجاً ممّا قضى الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم ويسلّم تسليماً ـ وأين أسامة بن زيد بن حارثة من علي بن أبي طالب أمير المؤمنين
س10: لماذا اشتدّ غضب النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم على المتخلّفين منهم حتّى لعنهم؟
* ج: لقد اشتدّ غضبه صلّى الله عليه وآله وسلّم عليهم لمّا علم أنّهم طعنوا في تأميره، فالطّعن موجّه إليه لا إلى أسامة وتحقق بذلك عنده عدم إيمانهم وإخلاصهم لله ولرسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم وأنّهم عازمون على تنفيذ مخطّطهم كلّفهم ذلك ما كلّفهم عند ذلك أطلق لعنته الأخيرة على المتخلّفين ليفهمهم وأتباعهم والمسلمين كافة بأنّ الأمر قد بلغ منتهاه ليهلك من هلك عن بيّنة.
س11: هل يجوز لعن المسلم خصوصاً من النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم؟
*ج: إذا كان الإسلام هو التلفّظ بالشهادتين بأن يقول الإنسان اشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمّداً رسول الله ثم لا يمتثل إلى أوامرهما ولا يسمع ولا يطيع لله وللرّسول صلّى الله عليه وآله وسلّم فيجوز لعنه، وفي القرآن الكريم آيات كثيرة نذكر منها قوله تعالى: (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البيّنات والهدى من بعد ما بيّناه للنّاس في الكتاب، أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاّعنون) [البقرة: 159].
وإذا كان الله يلعن من كتم الحقّ فما بالك بمن عاند الحق وعمل على إبطاله.
س12: هل عيّن الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم أبا بكر ليصلّي بالنّاس؟
* ج: من خلال الروايات المتناقضة نفهم أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لم يعيّن أبا بكر ليصلّي بالنّاس، اللّهم إلا إذا اعتقدنا ما قاله
س13: لماذا اقسم عمر بن الخطاب بأن رسول الله لم يمت، وتهدّد كلّ من يقوم بموته بالقتل، ولم يهدأ إلا بوصول أبي بكر؟
* ج: لقد هدّد عمر بالقتل كلّ من حاول أن يقول بموت النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ليشكّكهم ويتركهم في حيص بيص حتى لا تتمّ بيعة لعلي، وحتى يصل إلى المدينة أبطال المعارضة الذين عاقدوا على الأخذ بزمام الأمور والذين لم يصلُوا بعد فوجد نفسه قد سبقهم فلعب دور المصاب بالذّهول وسلّ سيفه فخوف النّاس، ولا شكّ بأنّه منع النّاس الدخول إلى الحجرة النبوية ليتثبّتوا الأمر، وإلا لماذا لم يجرؤا أحدٌ على الدخول إلاّ أبو بكر عندما وصل دخل وكشف عن وجهه وخرج ليقول لهم «من كان يعبد محمّداً فإنّ محمّداً قد مات ومن كان يعبد الله فإنّ الله حيّ لا يموت».
ولا بد لنا هنا من تعليقة صغيرة على هذا القول. فهل كان أبو بكر يعتقد بأنّ في المسلمين من يعبد محمّداً؟ كلاّ وإنما هو تعبير مجازي على شتم وانتقاص بني هاشم عامّة وعلي بن أبي طالب خاصّة الذين كانوا يفخرون على سائر العرب بأن محمّداً رسول الله منهم وهم أهله وعشيرته وأحقّ الناس به.
وهو أيضاً تعبير عمّا أفصح به عمر بن الخطاب يوم رزية الخميس
أما عمر بن الخطاب وبعض الصّحابة من سراة قريش فكانوا كثيراً ما يعارضوا أحكام النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ويناقشوه ويعصوه، بل وينزّهون أنفسهم عن أفعاله(2) . وقد قطع عمر بن الخطّاب شجرة بيعة الرضوان لأنّ بعض الصّحابة كانوا يتبرّكون بها ـ كما فعل الوهابيون في هذا القرن فإنّهم محوا آثار النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم من الوجود، وحتّى البيت الذي ولد فيه لم يتركوه، وهم يحاولون الآن بكل جهودهم وأموالهم أن يمنعوا المسلمين من الاحتفال بذكرى مولده الشريف. ومن التبرّك به وبالصّلاة عليه حتّى أفشوا لدى المغفّلين بأنّ الصّلاة الكاملة هي شركٌ.
س14: لماذا اجتمع الأنصار في سقيفة بني ساعدة سرّاً؟
* ج: لمّا علم الأنصار بالمؤامرة التي دبّرتها قريش لإبعاد علي عن الخلافة، اجتمعوا عند وفاة الرّسول صلّى الله عليه وآله وسلّم وأرادوا إبرام الأمر فيما بينهم على ان يكون الخليفة منهم، فإذا كان زعماء قريش وهم المهاجرون من قرابة
____________
(1) الدر المنثور في التفسير المأثور لجلال الدّين السيوطي في سورة البيّنة.
(2) صحيح البخاري: 3/114 كتاب المظالم باب الاشتراك في الهدي.
س15: لماذا أسرع أبو بكر وعمر وأبو عبيدة إلى السقيفة وفاجؤوا الأنصار؟
*ج: لمّا كان للمهاجرين ـ أعني زعماء قريش ـ أعين تراقب تحرّكات الأنصار وما يدور من تدبيرهم، فقد أسرع أحدهم وهو سالم مولى أبي حذيفة وأعلم أبا بكر وعمر وأبا عبيدة بالاجتماع السرّي فأسرعوا إلى السّقيفة ليفسدوا على الأنصار تخطيطهم وما أبرموه وليفاجئوهم بأنّهم على علم بكلّ ما يحدث في غيابهم.
س16: لماذا كان عمر بن الخطّاب طوال الطريق يهيىء مقالة لإقناع الأنصار؟
* ج: لا شكّ بأنّ عمر بن الخطاب كان يخشى ردّة فعل الأنصار، كما يخشى أن لا يوافق الأنصار على إبعاد علي بن أبي طالب، فيسبب ذلك هدم كلّ ما خطّطوه ودبّروه وتذهب جهودهم أدراج الرّياح بعدما تجرّؤوا على النّبي نفسه وأفسدوا كلّ تدبيره من أجل الخلافة ولذلك كان عمر بن الخطاب في طريقه للسّقيفة يزوّر ماذا سيقوله لهم حتى يكسب تأييدهم وموافقتهم على المخطّط.
ص17: لماذا انتصر المهاجرون على الأنصار وسلّموا الأمر لأبي بكر؟
* ج: هناك عدة عوامل لعبت دورها في هزيمة الأنصار وفوز المهاجرين فقد كان الأنصار قبيلتين متنافستين على الزّعامة منذ عهد الجاهلية وسكنت فورتهم بوجود الرّسول صلّى الله عليه وآله وسلّم بينهم، أمّا والرسول صلّى الله عله وآله وسلّم قد
كما أن أبا بكر أثار فيهم النّعرة الجاهلية وضرب على الوتر الحسّاس بقوله: لو سلّمنا هذا الأمر للأوس فلن ترض الخزرج، وإذا سلمناه للخزرج فلن ترض الأوس ـ ثم إنّه أطمعهم بان يقاسمهم الحكومة بقوله: نحن الأمراء وأنتم والوزراء ولا نستبد عليكم بالرأي أبداً.
ثم أنّه بذكاء لعب دور النّاصح الأمين للأمّة إذ أخرج نفسه وأظهر زهده في الخلافة وأنّه لا يرغب فيها بقوله: اختاروا من شئتم من هذين الرجلين يعني عمر بن الخطاب أو أبا عبيدة عامر بن الجرّاح.
وكانت الخطّة محكمة والمسرحية ناجحة، فقال عمر وأبو عبيدة: لا ينبغي لنا أن نتقدّم عليك وأنت أوّلنا إسلاماً وأنت صاحبه في الغار فابسط يدك نبايعك، فبسط أبو بكر يده لهذه الكلمات، فسبق إلى بيعته بشير بن سعد سيد الخزرج وتتابع الباقون إلا سعد بن عبادة.
س18: لماذا امتنع سعد بن عبادة عن البيعة وهدّده عمر بالقتل؟
* ج: عندما بايع الأنصار وتسابقوا إلى أبي بكر لينالوا بذلك الجاه والقُربى من الخليفة، امتنع سعد بن عبادة عن البيعة وحاول جهده منع قومه عنها ولكنّه عجز عن ذلك لشدّة مرضه إذ كان طريح الفراش ولا يسمع صوته، عند ذلك قال عمر: اقتلوه إنّه صاحب فتنة ليقلع بذلك دابر الخلاف ولئلاّ يتخلّف عن البيعة أحد، لأنّه سيشق عصا المسلمين ويتسبّب في انقسام الأمّة وخلق الفتنة.
س19: لماذا هدّدوا بيت فاطمة الزهراء بالحرق؟
ج: لقد تخلّف عدد كبير من الصّحابة الذين لم يبايعوا أبا بكر في
وبهذا القول لا يبقى في النّاس أحد تسوّل له نفسه شقّ عصا الطاعة وعدم الدخول في البيعة، فأي حرمة له أكبر من حرمة سيدة نساء العالمين وزوجها سيّد الوصيّين؟
س20: لماذا سكت أبو سفيان بعدما هدّدهم وتوعّدهم؟
* ج: لمّا رجع أبو سفيان للمدينة بعد وفاة النّبي صلّى الله عليه آله وسلّم وكان أرسله لجمع الصّدقات، فوجىء بخلافة أبي بكر وأسرع إلى دار علي بن أبي طالب وحرّضه على الثورة وعلى حرب الجماعة واعداً إيّاه بالمال والرّجال، ولكنّ علياً طرده لعلمه بنواياه ولمّا علم أبو بكر وعمر بذلك ذهبا إليه واستمالاه ووعداه بإعطائه كل ما جمعه من الصدقات وبإشراكه في الأمر بتعيين ابنه والياً على الشام ـ فرضي أبو سفيان بذلك وسكت عنهم. فعيّنوا يزيد بن أبي سفيان والياً على الشام ولمّا مات عيّنوا أخاه معاوية بن أبي سفيان مكانه ومكّنوه من الوصول إلى الخلافة.
س21: هل رضي الإمام علي بالأمر الواقع وبايع الجماعة؟
ج: لا أبداً لم يرض الإمام علي بالأمر الواقع ولم يسكت، بل احتجّ عليهم بكل شيء ولم يقبل أن يبايعهم رغم التهديد والوعيد، وذكر ابن قتيبة في تاريخه بأنّ عليّاً قال لهم: والله لا أبايعكم وأنتم أولى بالبيعة لي، وحمل زوجته فاطمة الزهراء يطوف بها على مجالس الأنصار فكانوا يعتذرون بأنّ أبا بكر سبق إليهم ـ وقد ذكر البخاري بأنه لم يبايع مدة حياة فاطمة، فلما توفّيت واستنكر وجوه النّاس اضطرّ لمصالحة أبي بكر، وقد
س22: لماذا أثاروا فاطمة وأغضبوها بينما هم في حاجة إلى المصالحة؟
* ج: لقد تعمّدوا إثارة فاطمة بانتزاع أرضها وممتلكاتها ومنعها ميراث أبيها وتكذيبها في كلّ دعواها حتّى يسقطوا بذلك هيبتها وعظمتها من نفوس النّاس وحتّى لا يصدّقوها. إذا ما أثارت نصوص الخلافة، ولذلك اعتذر الأنصار إليها بأنّ بيعتهم سبقت لأبي بكر ولو سبق إليهم زوجها لما تخلّفوا عنه.
ولذلك اشتدّ غضبها على أبي بكر وعمر حتّى صارت تدعو عليهما في كلّ صلاة تصلّيها، وأوصت زوجها بأن لا يحضر جنازتها أحدٌ منهما وأن يجنّبها تلك الوجوه التي تكرهها.
وقد تعمّدوا إيذاءها ليشعروا عليّاً بأنه أهون عليهم من ابنة النّبي التي هي سيدة نساء العالمين والتي يغضب الله لغضبها ويرضى لرضاها، فما عليه إلا السّكوت الرّضا.
س23: لماذا تخلّف عن سريّة أسامة عظماء القوم؟
* ج: لمّا استتبّ الأمر لأبي بكر وأصبح خليفة المسلمين بجهود عمر رغم أنوف المعارضين، طلب من أسامة أن يترك له عمر بن الخطّاب ليستعين به على أمر الخلافة، لأنّه لا يقدر على إتمام المخطّط بمفرده ولا بدّ له من العناصر الفعّالة الذين لهم من القوّة والجرأة ما عارضوا بها رسول
س24: لماذا أبعد الإمام علي عن كلّ مسؤولية ولم يشركوه في شيء؟
* ج: بالرّغم من أنّهم قرّبوا عدداً كبيراً من الطلقاء وأعطوهم المناصب في حكومتهم وأشركوهم في أمرهم، وعيّنوا منهم أمراء وولاة في كل الجزيرة العربية وفي كلّ الأقطار الإسلاميّة ومن هؤلاء الوليد بن عقبة ومروان بن الحكم ومعاوية ويزيد ابنا أبي سفيان وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة وأبو هريرة وكثيرون من الذين كانوا يجرّعون رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم الغصص إلا أنهم أبعدوا علي بن أبي طالب فنبذوه وتركوه حبيس داره ولم يشركوه في شيء من أمرهم طيلة ربع قرن ليذلّوه ويحقّروه ويبعدوا النّاس عنه لأنّ الناس عبيد الدنيا يميلون مع صاحب السّلطة والجاه والمال وما دام علي لا يجد قوت يومه إلاّ بكسب يمينه وعرق جبينه فسيتفرق النّاس عنه ولا يميلون إليه.
وفعلاً فقد بقي عليّ سلام الله عليه على تلك الحالة مدّة خلافة أبي بكر وخلافة عمر وخلافة عثمان رهين البيت يعمل الجميع على تحقيره وإطفاء نوره وإخفاء فضائله ومناقبه، ولي له من حطام الدّنيا وما يرغّب النّاس فيه.
س25: لماذا حاربوا مانعي الزّكاة رغم تحريم النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم لذلك؟
* ج: لأن الصّحابة الذين حضروا بيعة الإمام علي في غدير خم وهم راجعون من حجّة الوداع بصحبة النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم امتنعوا عن أداء الزّكاة لأبي بكر، لأنّهم لم يحضروا وفاة النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ولا الأحداث التي أعقبتها في شأن تبديل الخلافة من علي لأبي بكر، لأنهم لا يسكنون المدينة، ولا شك بأنّ بعض الأخبار وصلت إليهم بأنّ فاطمة
ومن هنا قرّر أبو بكر وعمر وجهاز الحكم أن يبعثوا إليهم جيشاً بقيادة خالد بن الوليد الذي كان سيفهم المسلول، فأخمد ثورتهم وأسكت حسّهم وقتل رجالهم وسبى نساءهم وذراريهم، ليكونوا عبرةً لمن تحدّثه نفسه بعدم الطاعة أو بمسّ هيبة الدّولة.
س26: لماذا منعوا تدوين ونقل الأحاديث النّبوية؟
* ج: عملوا من الأيام الأولى على منع الأحاديث النّبويّة جملة وتفصيلاً، ليس فقط لأنها تتضمّن نصوص الخلافة وفضائل الإمام علي بل لأن الكثير منها يتعارض مع أقوالهم وأفعالهم الّتي يديرون بها شؤون الحياة ويركّزون على أسُسها معالم الدوّلة الجديدة التي ابتدعوها وفق اجتهاداتهم.
س27: هل كان أبو بكر قادراً على تحمّل أعباء الخلافة؟
* ج: لم يكن أبو بكر قادراً على تحمّل أعباء الخلافة لولا عمر بن الخطاب وبعض الدّهاة من رؤوس بني أميّة ـ ولقد سجّل التاريخ بأنّ أبي بكر كان دائماً يخضع إلى أحكام وآراء عمر بن الخطاب الحاكم الفعلي ودليل ذلك قصة المؤلَّفة قلوبهم الذين جاؤوا لأبي بكر في بداية خلافته وكتب لهم كتاباً وبعثهم إلى عمر الذي كان بيده أمر بيت المال فمزّق عمر الكتاب وطردهم، فرجعوا إلى أبي بكر يسألونه: أأنت الخليفة أم هو؟ فأجابهم: هو إن شاء الله!
وكذلك عندما أقطع أبو بكر قطعة أرض إلى عيينة بن حصن والأقرع بن حابس، فرفض عمر عندما قرأ كتاب أبي بكر وتفل فيه ومحاه، فرجعا إلى أبي بكر يتذمّران ممّا فعله عمر وقالا لأبي بكر: والله ما ندري أأنت الخليفة أم عمر؟ فقال: بل عمر هو الخليفة، ولمّا أقبل عمر مغضباً وناقش أبا بكر على إعطائه الأرض بكلام غليظ، قال له أبو بكر: ألم أقل لك إنّك أقوى
وقد أخرج البخاري في صحيحه بأنّ عمر كان يحثّ النّاس على بيعة أبي بكر فيقول لهم: إنّ أبا بكر صاحب رسول الله ثاني اثنين وإنه أولى المسلمين بأموركم فقوموا فبايعوه قال أنس بن مالك: سمعت عمر يقول لأبي بكر يومئذ: أصعد المنبر، فلم يزل به حتّى صعد المنبر فبايعه النّاس عامّة.
س28: لماذا عقد أبو بكر الخلافة وعهد بها إلى عمر قبل وفاته؟
* ج: بما أنّ عمر بن الخطاب هو الذي لعب الدور البطولي في إقصاء علي عن الخلافة بمعارضته العنيفة للنّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم أوّلاً وبحمل الأنصار على بيعة أبي بكر وفرضها على النّاس بكل حزم وشدّة حتّى وصل به الأمر إلى تهديد بيت فاطمة بالحرق.
وبما أنه كان هو الخليفة الفعلي كما قدّمنا فكانت له الكلمة الأولى والأخيرة ولا شكّ بأنّه كان من دُهاة العرب فعلم بأنّ المسلمين وخصوصاً الأنصار لا يوافقون على بيعته لطبعه الفظ الغليظ وسرعة غضبه، فعمل على تقديم أبي بكر لهم لأنّ في طبعه ليناً ورقة وهو أسبقهم للإسلام وابنته عائشة هي المرأة الجريئة القادرة على ركوب الصّعاب وتغيير الأمور، وهو يعلّم علم اليقين بانّ أبا بكر طوع يديه ورهن إشارته في كل ما يصبوا إليه.
ولم يكن عهد أبي بكر بالخلافة لعمر يخفى على كثير من الصّحابة من قبل كتابته، فقد قال له الإمام علي منذ اليوم الأول: أحلب حلباً لك شطره، واشدد له اليوم ليردّه عليك غداً، كما قال آخر لعمر عندما خرج بالكتاب الذي عهد فيه أبو بكر قال له: أنا أعرف ما فيه إنّك أمّرته عام أول وأمّرك هذا العام.
____________
(1) العسقلاني في كتابه الإصابة في معرفة الصّحابة «ترجمة عيينة» وابن أبي الحديد في شرح النهج: 12/108.
وبهذا يتبين لنا مرّة أخرى بأنّ ما يقوله أهل السنّة بأنّ الخلافة لا تكون إلا بالشورى أمرٌ ليس له وجود، ولي له في خيال أبي بكر وعمر أي اعتبار، وإذا كان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم توفّي وترك الأمر شورى بين النّاس كما يزعمون، فإنّ أبا بكر هو أوّل من هدّم هذا المبدأ، وخالف سنّة النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم بعهده لعمر بن الخطاب من بعده.
وأهل السنّة دائماً تراهم يتبجّحون بكل فخر واعتزاز على أنهم يؤمنون بالشّورى ولا تصلح الخلافة إلا بها، ويسخرون من قول الشيعة الذين يعتقدون بأنها لا تكون إلا بالنّص من الله ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وتسمع أغلبهم ينتقد هذا الاعتقاد على انّه دخيل على الإسلام من قبل الفرس الذين يقولون بوراثة السّلطة الإلهية.
وكثيراً ما يستدلّ أهل السنّة بآية (وأمرهم شورى بينهم) على أنّها نازلة بخصوص الخلافة ـ وعلى هذا فيحقّ لنا بان نقول: إنّ أبا بكر وعمر خالفا الكتاب والسنّة معاً ولم يقيما لهما وزناً في شأن الخلافة.
س29: لماذا اشترط عبد الرحمن بن عوف على علي بن أبي طالب أن يحكم بسنّة الخليفتين؟
* ج: من هوان الدنيا على الله أن يصبح عبد الرحمن بن عوف هو الذين يتحكّم بمصير الأمّة بعد عمر فيختار لهم من يشاء ويقصي من يشاء كل ذلك من تدبير عمر الذي رجّح كفّته على بقيّة الصّحابة، وعبد الرحمن بن عوف هو الآخر من دهاة العرب، ولا شكّ بأنّه من أعضاء الحزب المخطط للخلافة وصرفها عن صاحبها الشرعي وإذا كان البخاري
لذلك اشترط عبد الرحمن على علي أن يحكم بسنّة أبي بكر وعمر وهو يعلم مسبقاً أكثر من غيره بأنّ علياً لا يداهن ولا يكذب ولا يقبل بذلك الشرط أبداً. كما كان يعلم بأنّ صهره عثمان هو الذي ترتاح إليه قريش وكل أعضاء المخطّط.
س30: حديث الأئمة الأثني عشر، هل له وجود عن أهل السنة؟
* ج: أخرج البخاري ومسلم وكل المحدّثين من أهل السنّة حديث النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم «لا يزال الدين قائماً حتى تقوم السّاعة أو يكون عليكم أثنا عشر خليفة كلّهم من قريش»(2) وبقي هذا الحديث من الألغاز العويصة التي لا جواب لها عند أهل السنة والجماعة ولم يجرؤ أحد من علمائهم أن يعدّ بعد الخلفاء الراشدين الأربعة سوى عمر بن عبد العزيز وهؤلاء خمسة ويبقي من العدد سبعة لا وجود لهم.
فإما أن يقولوا بإمامة علي وبنيه الذين تقول بهم الإمامية ويصبحوا شيعة لأهل البيت النّبوي ـ وإما أن يكذّبوا الحديث وتصبح صحاحهم مجرّدة من الحق وليس فيها إلا الأكاذيب.
أضف إلى ذلك بأنّ هذا الحديث الذي يخصّص الخلافة في قريش وحدها يتنافى مع مبدأ الشورى الذي يقولون به، لأن الاختيار والديمقراطية تشمل كل أفراد الأمة ولا تختص بقبيلة معيّنة دون سائر القبائل الأخرى. بل
____________
(1) صحيح البخاري: 8/123 باب كيف يبايع الناس الإمام من كتاب الأحكام.
(2) صحيح البخاري: 8/127. صحيح مسلم: 6/3.
هذه أجوبة سريعة ومختصرة لنوضّح للقارىء بعض المسائل التي قد تخامر ذهنه، على أنّه قد يجد إجابة مفصّلة في كتاب التاريخ وكذلك في كتابي «ثم اهتديت» و«لأكون مع الصادقين».
فعلى الباحث أن يرجع إلى المصادر الموثوقة، وان يتجرّد للحقيقة فيمحّص الروايات والأحداث التاريخية ليكتشف من خلالها الحقائق المكسوّة بثياب الباطل فيجرّدها وينظر إليها في ثوبها الأصلي.
الفصل السّابع
فيما يتعلّق بالحديث الشريف
سأبيّن للقارىء بأنَ مشكلة الأحاديث هي من أكبر المشاكل التي يعيشها المسلمون اليوم وبالخصوص في الزّمن الحاضر إذ تخرّج من جامعات الوهّابية دكاترة متخصّصون في فنون الأحاديث فتراهم يحفظون من الأحاديث ما يتماشى مع مذهبهم وعقيدتهم وأغلب هذه الأحاديث هي من وضع الأموييين أسلافهم الذين كان همّهم أيضاً إطفاء نور الرّسالة وتصوير النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم بذلك المخرّف المهرّج الذي لا يدري ما يقول ولا يتنبّه إلى أحاديثه وأفعاله المتناقضة التي تُضحك المجانين.
ورغم ما قام به المحقّقون والعلماء من أهل السنة لتنقية الأحاديث وغربلتها فما زال هناك للأسف الشديد داخل الكتب الصّحيحة والمعتبرة الشيء الكثير، وكذلك لم تسلم كتب الشّيعة من هذا الدسّ والوضع، ولكن هؤلاء يعترفون بأنّ ليس عندهم كتاباً صحيحاً إلا كتاب الله وما سواه فيه الغث والسّمين أمّا أهل السنّة فإنهم متّفقون بأنّ الصّحيحين البخاري ومسلم أصحّ الكتب بعد كتاب الله بل يقولون بأنّ كل ما جاء فيهما هو صحيح ومن أجل ذلك فسأحاول أن أضع بين يدي القارىء بعض النماذج من الأحاديث التي أخرجها البخاري ومسلم والتي فيها ما فيها من الحطّ من قداسة الرّسول العظيم صلّى الله عليه وآله وسلّم أو من أهل بيته عليهم السلام،
النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم يختل
أخرج البخاري في صحيحه في كتاب الاستئذان وفي كتاب الديّات باب من اطّلع في بيت قومٍ ففقؤوا عينه فلا ديّة له.
وكذلك مسلم في صحيحه في كتاب الآداب باب تحريم النظر في بيت غيره. عن أنس بن مالك، أنّ رجلاً اطّلع من بعض حجر النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، فقام إليه النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، بمشقصٍ أو بمشاقص، فكأني أنظر إليه يختل الرّجل ليطعنه.
إن الخلق العظيم يأبى هذا التصرف من نبي الرّحمة الذي هو بالمؤمنين رؤوف رحيم، والمفروض أن يقوم النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم لهذا الرّجل الذي اطّلع علي حجرة النّبي ويعلّمه الآداب الإسلامية ويفهمه بأن ما فعله حرامّ، لا أن يأخذّ مشقصاً ويختله ليطعنه ويفقأ عينه، على أنّ الرجل قد يكون على حسن نيّة لأن الحجرة لم تكن حجرة أزواجه والدّليل أنّ أنس بن مالك كان موجوداً فيها. فأي تهمة هذه توجّه إلى رسول الله وتصوّره بالفظ الغليظ الذي يختل أي يستغفل الرّجل ليفقأ عينه.
وناهيك أنّ شارح البخاري استفظعها وقال ما نصه: «يختله أي يستغفله ويأتيه من حيث لا يراه، كذا فسروه ـ والاستغفال مستبعد منه صلّى الله عليه وسلّم».
النّبي يعاقب عقاباً شنيعاً ويمثل بالمسلمين
أخرج البخاري في صحيحه من كتاب الطبّ من جزئه السابع ص13 في باب الدّواء بألبان الإبل وفي باب الدّواء بأبوال الإبل. قال: حدثنا ثابت
هل يصدّق مسلم أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم الذي ينهى عن المثلة يقوم هو بنفسه فيمثّل بهؤلاء القوم فيقطع أيديهم وأرجلهم ويسمر أعينهم لأنهم قتلوا راعيه ولو قال الراوي بأنّ هؤلاء القوم مثّلوا بالرّاعي لكان للنّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم عذر في المعاقبة بالمثل ولكن ذلك غير واردٍ وكيف يقتلهم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ويمثل بهم هذه المثلة بدون بحث وتحرّ منهم حتّى يتبين من القاتل منهم فيقتله به. ولعلّ البعض يقول بأنهم شاركوا جميعاً في قتله، أفلم يكن في وسع الرّسول صلّى الله عليه وآله وسلّم أن يعفو ويصفح عنهم لأنهم مسلمون بدليل قولهم: يا رسول الله، ألم يسمع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قول الله تعالى له: (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به، ولئن صبرتم لهو خير للصّابرين) [النحل: 126].
وإذا كانت هذه الآية نازلة على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عندما احترق قلبه على عمّه سيد الشهداء حمزة بن عبدالمطلب الذي بقروا بطنه وأكلوا كبده وقطعوا مذاكيره اغتاظ رسول الله عندما رأى عمّه على تلك الحال وقال لئن مكّنني الله منهم لأمثلنّ بسبعين فنزلت عليه الآية فقال «صبرت يا ربّ» وعفى عن وحشي قاتل عمّه وهند التي مثلت بجسده الطّاهر وأكلت كبده. وهذا هو خلق النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم.
وممّا يدلّك على فظاعة الرواية وأن الرّاوي نفسه استفظعها فأردف يقول: قال قتادة فحدّثني محمد بن سيرين أنّ ذلك كان قبل أن تنزل الحدود ليبرّر فعل النّبي صلّى الله عليه وسلّم بذلك فحاشى رسول الله أن يحكم من عند نفسه قبل
وأنه لمن اليسير جداً على من يتأمل في ذلك ليعرف إنها روايات موضوعة من جهة الأموّيين وأتباعهم ليرضوا بها الحكّام الذين لا يتورّعون عن قتل الأبرياء على الظنّ والتهمة ويمثلون بهم أشنع التمثيل والدّليل على ذلك ما جاء في ذيل الرواية نفسها التي أخرجها البخاري يقول: قال سلام فبلغني أنّ الحجّاج قال لأنس حدّني بأشدّ عقوبة عاقبها النبي صلّى الله عليه وسلّم فحدّثه بهذا. فبلغ الحسن فقال وددت أنّه لم يحدّثه بهذا»(1) .
ويشمّ من الرواية رائحة الوضع لإرضاء الحجاج الثّقفي الذي عاث في الأرض فساداً وقتل من شيعة أهل البيت آلاف الأبرياء ومثّل بهم فكان يقطع الأيدي والأرجل ويسمل الأعين ويخرج الألسن من القفا ويصلب الأحياء حتى يحترقوا بالشمس، ومثل هذا الرواية تبرّر أعماله فهو إنّما يقتدي برسول الله ولكم في رسول الله أسوة حسنة ـ فلا حول ولا قوّة إلا بالله.
ولذلك تفنّن معاوية في التّنكيل والتمثيل بالمسلمين الذين كانوا شيعة لعلي فكم أحرق بالنار وكم دفن أحياء وكم صلب على جذوع النخل ومن الفنون التي ابتكرها وزيره عمرو بن العاص أنّه مثل بمحمد بن أبي بكر واُلبسه جلد حمار وقذف به في النار.
ولتبرير مجونهم وكثرة شغفهم بالجواري والنّساء إليك ما يلي:
النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم يحب الجماع
أخرج البخاري في صحيحه في كتاب الغسل باب إذا جامع ثم عادّ ومن دار على نسائه في غسلٍ واحدٍ.
____________
(1) صحيح البخاري: 7/13.
قال: حدثنا معاذ بن هشام قال: حدّثني أبي عن قتادة قال: حدّثنا أنس بن مالك قال. كان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يدور على نسائه في السّاعة الواحدة من الليل والنّهار وهنّ إحدى عشرة. قال قلت لأنس: أو كان يطيقه؟ قال: كنّا نتحدث أنّه أعطى قوّة ثلاثين…
إنها رواية موضوعة للنيل من عظمة الرّسول صلّى الله عليه وآله وسلّم حتّى يبرّروا بلاط الرّشيد وأفعال معاوية ويزيد الماجن! ومن أين لأنس بن مالك أن يعرف بأنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم كان يجامع إحدى عشرة زوجة في ساعة واحدة فهل أعلمه الرّسول بذلك أم أنّه كان حاضراً؟ أعوذ بالله من قول الزّور، ومن أين له أنّه أعطي قوة ثلاثين؟
إنّها جنايات بحقّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الذي قضى حياته جهاداً وعبادة وتدريساً وتعليماً لأمّته.
وماذا يعتقد هؤلاء الجهلة عندما يروون مثل هذه الخزايات وكأنّهم وحسب عقلياتهم المتنجّسة بالشّهوات البهيمية أنّهم كانوا يفتخرون على أترابهم بكثرة الجماع وقوة النكاح وفي الحقيقة فهي روايات وضعت للنّيل من قدسيّة النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، وثانياً لتبرير مجون الحكّام والخلفاء الذين امتلأت قصورهم بالجواري والنّساء بلا حدود لأنهم ملك يمين وماذا يقول أنس بن مالك راوي هذا الحديث إذا ما عارضته أم المؤمنين عائشة زوج النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم والتي كانت تقول بأنّه صلّى الله عليه وآله وسلّم كغيره من الرّجال في شأن الجماع، فقد أخرج مسلم في صحيحه من كتاب الطهارة في باب نسخ الماء من الماء ووجوب الغسل بالتقاء الختانين.
عن أبي الزبير عن جابر بن عبدالله عن أم كلثوم عن عائشة زوج النبي صلّى الله عليه وسلّم قالت: إنّ رجلاً سأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن الرجل يجامع أهله ثم يكسل هل عليهما الغسل؟ وعائشة جالسة فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إنّي لأفعل ذلك أنا وهذه ثمّ نغتسل.
ثم يضيف شارح الحديث على هامش صحيح مسلم قوله: ثم يكسل معناه في المصباح أكسل المجامع بالألف إذا نزع ولم ينزل ضعفاً كان أو غيره. فأين هذا من أنه أعطي قوة ثلاثين؟
وهذه الرواية هي الأخرى من وضع الوضّاعين قاتلهم الله وضاعف لهم العذاب الأليم، وإلاّ كيف يقبل عاقل مثل هذه الروايات عن صاحب الرسالة الذي ذهب عنه الحياء فيقول للرجال بحضرة زوجته ما يستحي المؤمن العادي أن يقول مثله.
ولتبرير الغناء والرّقص الذي اشتهر في عهد الأمويين إليك ما يلي
الرسول يتفرّج على الرقص ويستمع للغناء.
أخرج البخاري في صحيحه في كتاب النكاح باب ضرب الدفّ في النكاح والوليمة قال:
حدثنا بشر بن المفضّل حدثنا خالد بن ذكوان قال: قالت الربيع بنت معوذ بن عفراء جاء النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فدخل حين بني عليّ فجلس على فراشي كمجلسك مني فجعلت جويريات لنا يضربن بالدّف ويندبن من قتل من آبائي يوم بدر إذ قالت إحداهنّ: وفينا نبيّ يعلم ما في غدٍ فقال: دعي هذه وقولي بالذي كنت تقولين.
كما روى البخاري في صحيحه من كتاب الجهاد باب الدرق وكذلك مسلم في صحيحه في كتاب صلاة العيدين باب الرخصة في اللّعب الذي لا معصية فيه).
عن عائشة قالت: دخل علي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث فاضطجع على الفراش وحوّل وجهه فدخل أبو بكر فانتهرني وقال: مزمارة الشيطان عند رسول الله فأقبل عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: دعهما، فلمّا غفل غمزتهما فخرجتا.
وعن عائشة قالت: كان يوم عيد يلعب السودان بالدّرق والحراب فإمّا سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وإمّا قال: تشتهين تنظرين؟ فقلت: نعم فأقامني وراءه خدّي على خدّه ويقول: دونكم يا بني أرفدة حتّى إذا مللت قال: حسبك قلت: نعم. قال: اذهبي.
كما أخرج البخاري في صحيحه في كتاب النّكاح باب نظر المرأة إلى الحبش ونحوهم من غير ريبة.
قالت عائشة: رأيت النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يسترني بردائه وأنا أنظر إليه الحبشة يلعبون في المسجد حتّى أكون أنا الذي أسأم فاقدروا قدر الجارية الحديثة السنّ الحريصة على اللّهو.
كما روى مسلم في صحيحه كتاب صلاة العيدين باب الرخصة في اللّعب عن عائشة قالت: جاء حبش يزفنون في يوم عيد (أي يرقصون) في المسجد فدعاني النبي صلّى الله عليه وسلّم فوضعت رأسي على منكبيه فجعلت أنظر إلى لعبهم حتّى كنت أنا التي أنصرف عن النظر إليهم.
كما أخرج البخاري في صحيحه في كتاب النّكاح باب ذهاب النّساء والصبيان إلى العرس.
عن أنس بن مالك قال: أبصر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم نساءً وصبياناً مقبلين من عرسٍ فقام ممتناً فقال: اللّهم أنتم من أحبّ النّاس إليّ.
يقول شارح البخاري ممتناً معناه قام مسرعاً مشتداً في ذلك فرحاً بهم.
ولتبرير معاقرة الخمر المسكرات إليك ما يلي:
النّبي يشرب النّبيذ
روى البخاري في صحيحه كتاب النّكاح في باب قيام المرأة على الرّجال في العرس وخدمتهم بالنّفس وكذلك في باب النّقيع والشراب الذي
عن أبي حازم عن سهل قال: لما عرس أبو أسيد الساعدي دعا النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه فما صنع لهم طعاماً ولا قرّبه إليهم إلاّ امرأته أم أسيدٍ بلّت تمراتٍ في تور من حجارة من اللّيل فلمّا فرغ النّبي صلّى الله عليه وسلّم من الطّعام أماثته له فسقته إيّاه تتحفه بذلك.
وممّا يدلّك على أنّهم يقصدون بهذه الرواية أنّ النّبي صلّى الله عليه وسلّم شرب النبيذ. لعل المراد هو غير النبيذ المعروف وإنما هي عادة كانت لدى العرب وهي وضع تمرات في الماء لتذهب رائحة الماء، فهو ليس النبيذ الحقيقي، وبعضهم يرى صحة استعمال. فقد أخرج مسلم هذه الرواية في صحيحه من كتاب الأشربة باب إباحة النّبيذ الذي لم يشدّد ولم يصر مسكراً. ومن هنا بدأ شرب النّبيذ وذهب الحكّام إلى إباحة الخمر بدعوة أنها حلال ما لم تسكر.
ولتبرير الإباحية التي كان عليها الأمويون والعباسيون إليك ما يلي:
النبي والابتذال !
روى البخاري في صحيحه في كتاب الحج باب الزيارة يوم النّحر عن عائشة قالت: حججنا مع النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأفضنا يوم النّحر فحاضت صفيّة فأراد النبيّ صلّى الله عليه وسلّم منها ما يريد الرّجل من أهله فقلت يا رسول الله إنّها حائض.
عجباً لهذا النبي الذي يحب مجامعة زوجه على مشهد وعلم من زوجته الأخرى، فتعلمه بأنها حائض بينما لا تعلم المعنية بالأمر من ذلك شيئاً.
النبي لا يستحي!
كما روى مسلم في صحيحه كتاب الفضائل باب فضائل عثمان بن عفان قال:
عن عائشة زوج النّبي صلّى الله عليه وسلّم وعثمان حدّثاه أن أبا بكر استأذن على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو مضطجع على فراشه لابس مرط عائشة فأذن لأبي بكر وهو على تلك الحال فقضى إليه حاجته ثم انصرف قال عثمان: ثم استأذن عمر فأذن له وهو على تلك الحال فقضى إليه حاجته ثم انصرف قال عثمان: ثم استأذنت عليه فجلس وقال لعائشة أجمعي عليك ثيابك فقضيت إليه حاجتي ثم انصرفت فقالت عائشة: يا رسول الله ما لي لم أرك فزعت لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما كما فزعت لعثمان قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إنّ عثمان رجل حيي وإنّي خشيت إن أذنت له على تلك الحال أن لا يبلغ إليّ في حاجته.
أي نبي هذا الذي يستقبل أصحابه وهو مضطجع في مرط زوجته على فراشه وبجانبه زوجته في لباس مبتذل حتى إذا جاء عثمان جلس وأمر زوجته بان تجمع عليها ثيابها.
النّبي يكشف عورته !
أخرج البخاري في صحيحه في كتاب الصلاة باب كراهية التعرّي في الصّلاة وكذلك أخرج مسلم في كتاب الحيض باب الاعتناء بحفظ العورة.
عن جابر بن عبدالله، أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان ينقل معهم الحجارة للكعبة، وعليه إزاره، فقال له العبّاس عمّه: ياابن أخي، لو حللت إزارك فجعلته على منكبيك دون الحجارة، قال فحلّه فجعله على منكبيه، فسقط مغشيّاً عليه، فما رئي بعد ذلك عرياناً صلّى الله عليه وسلّم.
أنظر أيها القارىء إلى الاتّهامات المزوّرة على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الذي جعل الحياء من دعائم الإيمان والذي كان أشدّ حياءً من العذراء في خدرها، ولم يكتفوا برواية الابتذال وكشف فخذيه أمام أصحابه حتّى اتّهموه بكشف عورته بهذه الرّواية الموضوعة، فهل كان رسول