استغفر الله العظيم من أقوال الشياطين الأبالسة الذين يتقوّلون على الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم، هذا الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم الذي لم ير أزواجه وأقرب الناس إليه عورته والذي يبيح الشرع له أن يكشف عورته لهن ومع ذلك فإنّ أم المؤمنين عائشة تقول «ما نظرت وما رأيت فرج رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قطّ»(1) . فإذا كان هذا فعله مع زوجاته اللاتي كنّ يغتسلن معه في إناء واحد فيستر عورته عنهن وما رأينه عرياناً أبداً فكيف مع أصحابه والنّاس عامّة.
نعم كل ذلك من وضع خنافس الأمويين الذين كانوا لا يتورّعون عن أي شيء وإذا كان الخليفة منهم وهو أمير المؤمنين يطرب لقول شاعر من الشعراء الذي ينشده قصيدة في الغزل فيقوم إليه ويكشف عورته ويقبّل قضيبه، فلا غرابة بعدها أن يكشفوا عورة النبي وقد تفشى منهم هذا المرض النفسي وأصبح اليوم أمراً عاديّاً عند بعض المستهترين الذين لا يقيمون وزناً للأخلاق والحياء فأصبح هناك نوادي ومجاميع للعراة في كل مكان يجمع النساء والرجال تحت شعار (ربّنا ها نحن كما خلقتنا).
ولتبرير تلاعبهم بالدّين وبالأحكام الشرعية إليك ما يلي:
النّبي يسهو في صلاته
أخرج البخاري في صحيحه في كتاب الأدب باب ما يجوز من ذكر النّاس وأخرج مسلم في صحيحه كتاب المساجد ومواضع الصّلاة في باب السهو في الصلاة والسجود له.
«عن أبي هريرة، قال: صلّى بنا النبي صلّى الله عليه وسلّم الظّهر ركعتين، ثم سلّم، ثم قام إلى خشبة في مقدّم المسجد ووضع يده عليها،
____________
(1) سنن ابن ماجة: 1/619.
فقام فصلّى ركعتين ثم سلّم، ثم كبّر فسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع رأسه وكبّر، ثم وضع مثل سجوده أو أطول، ثم رفع رأسه وكبّر(1) .
* حاش رسول الله أن يسهو في صلاته ولا يدري كم صلّى وعندما يقال له بأنّه قصّر من الصلاة يقول (لم أنس ولم تقصر) إنّه الكذب لتبرير خلفاءهم الذين كانوا كثيراً ما يأتون إلى الصّلاة وهم سكارى فلا يدرون كم يصلّون وقصّة أميرهم الذي صلّى بهم صلاة الصبح أربع ركعات ثم التفت إليهم وقال أزيدكم أو يكفيكم؟ مشهورة في كتب التاريخ.
كما أخرج البخاري في صحيحه كتاب الأذان في باب إذا قام الرجل عن يسار الإمام.
قال عن ابن عبّاس رضي الله عنهما قال: نمت عند ميمونة والنبي صلّى الله عليه وسلّم عندها تلك الليلة فتوضّأ ثم قام يصلّي فقمت عن يساره، فأخذني فجعلني عن يمينه فصلّى ثلاث عشرة ركعة، ثم نام حتّى نفخ وكان إذا نام نفخ ثمّ أتاه المؤذّن فخرج فصلّى ولم يتوضّأ.
قال عمرو فحدثت به بكيراً فقال: حدّثني كريب بذلك.
ويمثل هذه الرّوايات المكذوبة عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ييستخفّ الأمراء والسّلاطين من بني أمية وبني العبّاس وغيرهم بالصّلاة وبالوضوء وبكل شيء حتى أصبح المثل شائعاً عندنا «صلاة القيّاد في الجمعة والأعياد».
____________
(1) صحيح البخاري وصحيح مسلم في كتاب اللؤلؤ والمرجان: 1/115.
النّبي يحلف ويحنث
روى البخاري في صحيحه في كتاب المغازي قصّة عمان والبحرين باب قدوم الأشعريّين وأهل اليمن.
عن أبي قلابة عن زهدمٍ قال: لمّا قدم أبو موسى أكرم هذا الحيّ من جرمٍ وإنّا لجلوس عنده وهو يتغدى دجاجاً وفي القوم رجل جالس فدعاه إلى الغداء فقال: إنّي رأيته يأكل شيئا فقذرته، فقال: هلمّ فإنّي رأيت النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يأكله، فقال: إنّي حلفت لا أكله، فقال: هلمّ أخبرك عن يمينك، إنّا أتينا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم نفر من الأشعريين فاستحملناه فأبى أن يحملنا فاستحملناه فحلف أن لا يحملنا ثم لم يلبث النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أن أُتي بنهب إبل فأمر لنا بخمس ذودٍ فلمّا قبضناها، قلنا تغفّلنا النبي صلّى الله عليه وسلّم يمينه لا نفلح بعدها أبداً، فأتيته فقلت: يا رسول الله إنّك حلفت أن لا تحملنا وقد حملتنا، قال: أجل ولكن لا أحلف على يمينٍ فأرى غيرها خيراً منها إلاّ أتيت الذي هو خير منها.
أنظر إلى هذا النبيّ الذي بعثه الله سبحانه ليعلّم النّاس الحفاظ على الأيمان ولا ينقضوها إلاّ بكفّارة ولكنّه هو يأمر بالشيء ولا يأتيه قال تعالى: (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقّدتم الأيمان فكفّارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبةٍ فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيّام ذلك كفّارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم كذلك يبيّن الله لكم آياته لعلكم تشكرون) [ المائدة: 89].
وقال أيضاً: (ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها) [النحل: 91]. ولكنّ هؤلاء لم يتركوا لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فضلاً ولا فضيلة.
أعتقت عائشة أربعين رقبة لتكفّر عن يمينها
وأين رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم من زوجته عائشة التي كفرت عن يمين نقضته بتحرير أربعين رقبة فهل هي أبرّ وأتقى لله من رسول الله؟ ج7 ص90.
أخرج البخاري في صحيحه من كتاب الأدب باب الهجرة وقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا يحلّ لرجلٍ أن يهجر أخاه فوق ثلاث.
* إنّ عائشة حدّثت أنّ عبدالله بن الزبير قال في بيع أو عطاءٍ أعطته عائشة: والله لتنتهينّ عائشة أو لأحجرنّ عليها، فقالت: أهو قال هذا؟ قالوا: نعم! قالت: هو لله عليّ نذر أن لا أكلّم ابن الزبير أبداً، فاستشفع ابن الزبير إليها حين طالت الهجرة، فقالت: لا والله لا أشفع فيه أبداً ولا أتحنّث إلى نذري، فلمّا طال ذلك على ابن الزبير كلّم المسور بن مخرمة وعبدالرحمن بن الأسود بن عبد يغوث وهما من بني زهرة وقال لهما: أنشدكما ابلله لمّا أدخلتماني على عائشة فإنها لا يحلّ لها أن تنذر قطيعتي. فأقبل به المسور وعبدالرحمن مشتملين بأرديتهما حتّى استأذنا على عائشة، فقالا: السّلام عليك ورحمة الله وبركاته أندخل؟ قالت عائشة: ادخلوا. قالوا: كلّنا؟ قالت: نعم ادخلوا كلّكم ولا تعلم أنّ معهما ابن الزبير.
فلمّا دخلوا، دخل ابن الزبير الحجاب فاعتنق عائشة وطفق يناشدها ويبكي وطفق المسور وعبدالرحمن يناشدانها إلاّ ما كلّمته وقبلت منه، ويقولان إن النبي صلّى الله عليه وسلّم نهى عمّا قد علمت من الهجرة فإنّه لا يحلّ لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليالٍ، فلمّا أكثروا على عائشة من التذكرة والتحريج طفقت تذكرهما وتبكي وتقول إني نذرت والنّذر شديد فلم يزالا بها حتّى كلّمت ابن الزبير وأعتقت في نذرها ذلك أربعين رقبةً وكانت تذكر نذرها بعد ذلك فتبكي حتّى تبلّ دموعها خمارها.
ورغم أنّ قسم عائشة لا يجوز لأن النّبي صلّى الله عليه وسلّم حرّم أن
إنّهم لم يتركوا سيئة أو نقيصة إلاّ وألصقوها به كل ذلك ليبرروا افعال أمرائهم قاتلهم الله أنّى يؤفكون.
ولتبرير استهتارهم بالأحكام الشرعية إليك ما يلي:
النّبي يتنازل في أحكام الله حسبما يريد
أخرج البخاري في صحيحه في كتاب الصّوم باب اغتسال الصائم وأخرج مسلم في صحيحه في كتاب الصّيام باب تغليظ تحريم الجماع في نهار رمضان على الصائم، ووجوب الكفارة الكبرى فيه. وأنها تجب على الموسر والمعسر.
«عن أبي هريرة قال: بينما نحن جلوس عند النّبي صلّى الله عليه وسلّم إذ جاءه رجل فقال: يا رسول الله هلكت! قال: مالك؟ قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: هل تجد رقبة تعتقها؟ قال: لا. قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا. فقال: فهل تجد إطعام ستّين مسكيناً؟ قال: لا. قال فمكث عند النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فبينما نحن على ذلك أتي النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعرق فيه تمر، والعرق المكتل قال: أين السّائل؟ فقال: أنا، قال: خذه فتصدّق به، فقال الرّجل: أعلى أفقر منّي يا رسول الله؟ فوالله ما بين لابتيها يريد الحرّتين أهل بيتٍ أفقر من أهل بيتي. فضحك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حتّى بدت أنيابه ثم قال أطعمه أهلك.
أنظر كيف تصبح أحكام الله وحدود الله التي رسمها لعباده من تحرير رقبة على الموسرين والذين لا يقدرون على تحرير رقبة فما عليهم إلاّ إطعام ستين مسكينا وإذا تعذّر وكان فقيراً فما عليه إلاّ بالصوم وهو كفارة الفقراء الذين لا يجدون أموالاً كافية لتحرير أو لإطعام المساكين ولكن هذه الرواية تتعدّى حدود الله التي رسمها لعباده ويكفي أن يقول هذا الجاني كلمة يضحك لها الرّسول حتّى تبدو أنيابه فيتساهل في حكم الله ويبيح له أن يأخذ الصدقة لأهل بيته.
وهل هناك أكبر من هذه الفرية على الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم فيصبح الجاني مجازاً على ذنبه الذي تعمّده بدلاً من العقوبة وهل هناك تشجيعاً أكبر من هذا لأهل المعاصي والفسقة الذين سيتشبثون بمثل هذه الروايات المكذوبة ويرقصون لها.
وبمثل هذه الرّوايات أصبح دين الله وأحكامه لعباً وهزؤاً وأصبح الزاني يفتخر بارتكابه الفاحشة ويتغنّى باسم الزّاني في الأعراس والمحافل كما أصبح المفطر في شهر الصيام يتحدّى الصائمين.
كما أخرج البخاري في صحيحه في كتاب الأيمان والنذور باب إذا حنث ناسياً.
عن عطاء عن ابن عبّاس رضي الله عنهما قال: قال رجل للنبي صلّى الله عليه وسلّم زرت قبل أن أرمي (أي طفتّ بالبيت طواف الزيارة) قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: لا حرج قال آخر: حلقت قبل أن أذبح قال: لا حرج، قال آخر ذبحت قبل أن أرمي قال: لا حرج.
وعن عبدالله بن عمرو بن العاص أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بينما هو يخطب يوم النّحر إذ قام إليه رجل فقال: كنت أحسب يا رسول الله كذا وكذا قبل كذا وكذا، ثم قام آخر: فقال: يا رسول الله كنت أحسب كذا وكذا لهؤلاء الثلاث (الحلق والنحر والرمي) فقال النّبي صلّى الله عليه وسلّم: افعل
والغريب أنّك عندما تقرأ هذه الروايات مستنكراً لها يجابهك بعض المعاندين بأنّ دين الله يسر وليس عسراً. وأنّ الرّسول صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: يسّروا ولا تعسّروا.
وإنها كلمة حق يراد بها باطلاً، لأنّه ليس هناك شكاً في أنّ الله يريد بنا اليسر ولا يريد بنا العسر وما جعل علينا في الدّين من حرج ـ ولكن فيما سطره ورسمه لنا من أحكام وحدود عن طريق القرآن الكريم والسنّة النبويّة المطهّرة وأعطانا الرخّص اللاّزمة عند اقتضاء الحال كالتيمّم عند فقدان الماء أو الخوف من الماء البارد، وكالصّلاة جالساً عند الاقتضاء وكالإفطار وتقصير الصّلاة في السّفر، كل هذا صحيح ولكن أن نخالف أوامره سبحانه بأنّ نجعل مثلاً ترتيب الوضوء أو التيمّم كما نريد فنغسل اليدين قبل الوجه مثلاً أو نمسح الرجلين قبل الرأس فهذا لا يجوز.
ولكن الوضّاعين أرادوا أن يتنازل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عن كلّ شيء ليجدوا منفذاً وكما يقول كثير من النّاس اليوم (عندما تجادلهم في الأمور الفقهية) لا عليك يا خي، المهم صلّ فقد، صلّ كما يحلو لك!.
والغريب أنّ البخاري نفسه يخرج في نفس الصفحة التي بها قول الرّسول (افعل افعل ولا حرج) واقعةً يظهر فيها النبي متشدّداً إلى أبعد الحدود. قال عن أبي هريرة أنّ رجلاً دخل المسجد يصلّي ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم في ناحية المسجد فجاء فسلّم عليه فقال له: إرجع فصلّ فإنّك لم تصلّ فرجع فصلّى ثم سلّم فقال وعليك، ارجع فصلّ فإنك لم تصلّ، وكرّر الرجل الصّلاة ثلاث مرّات وفي كل مرة يقول له الرّسول ارجع فصل فإنك لم تصلّ، فقال الرجل للرسول علّمني يا رسول الله فعلّمه
كما أخرج البخاري في صحيحه في كتاب التوحيد باب قول الله عز وجلّ فاقرؤوا ما تيسّر من القرآن.
عن عمر بن الخطاب يقول سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فاستمعت لقرائته فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فكدت أساوره في الصلاة فتصبرت حتى سلّم فلبيته بردائه فقلت من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرأ قال: اقرأنيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقلت: كذبت أقرأنيها علي غير ما قرأت.
فانطلقت به أقوده إليى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقلت إنّي سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على حروفٍ لم تقرئنيها، فقال أرسله إقرأ يا هشام فقرأ القراءة التي سمعته، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كذلك أنزلت، ثم قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إقرأ يا عمر فقرأت التي أقراني فقال: كذلك أنزلت، إنّ هذا القرآن أنزل على سبعة أحرفٍ فاقرؤوا ما تيسر منه.
فهل يبق بعد هذه الرواية شكّ في أنّ الوضاعين تطاولوا على قداسة الرّسول صلّى الله عليه وسلّم حتى من خلال القرآن الكريم وأنه علّم الصحابة بقراءات مختلفة ويقول لكلّ منهم كذلك أنزل ولو لم تكن القراءة فيها اختلاف كبير ما كان عمر يكاد يقطع على هشام الصّلاة ويتهدّده. وهذا يذكّرني بعلماء أهل السنّة الذين يتشبّثون بقراءة معيّنة فلا يجيزون لأحدٍ أن يقرأ على غير ما يعرفون، وكن يوماً أقرأ (اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم) فانتهرني
قلت: كيف كسرت القرآن؟
قال: اذكروا نعمتي، وليس نعمتي.
كما أخرج البخاري في صحيحه من كتاب الاستقراض وأداء الدّين في باب الخصومات من جزئه الثالث صفحة 88.
عن عبدالملك بن ميسرة أخبرني قال سمعت النزّال، سمعت عبدالله يقول سمعت رجلاً قرأ آيةً سمعت من النّبي صلّى الله عليه وسلّم خلافها، فأخذت بيده فأتيت به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: كلاكما محسن.
قال شعبة أظنّه قال: لا تختلفوا، فإنّ من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا.
سبحان الله وبحمده، كيف يقرّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم اختلافهم بقوله كلاكما محسن؟ ولا يرجع بهم إلى قراءة موحّدة تقطع دابر الاختلاف.
ثم بعد ذلك يقول لهم: لا تختلفوا فتهلكوا، أليس هذا هو التناقض؟ يا عباد الله افتونا يرحمكم الله. وهل اختلفوا إلاّ فإقراره هو ومباركته وتشجيعه. كلاّ وحاش رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم من هذا التناقض والاختلاف الذي تنفر منه العقول.
ـ أفلا يتدبّرون القرآن الذي يقول:
(ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً) [ النساء: 82]. وهل وقع اختلاف أكبر وأخطر على الأمّة الإسلامية من القراءات المتعدّدة التي غيّرت معاني القرآن إلى تفاسير وآراء مختلفة فأصبحت آية الوضوء الواضحة مختلفاً فيها.
النبي يتصرّف كالصّبيان! ويعاقب من لايستحق العقوبة !
أخرج البخاري في صحيحه في كتاب المغازي باب مرض النّبي صلّى الله عليه وسلّم ووفاته.
ومسلم في صحيحه في كتاب السّلام باب كراهة التداوي باللّدود. «عن عائشة قالت لددنا(1) رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في مرضه، فجعل يشير إلينا أن لا تلدّوني. فقلنا: كراهية المريض للدّواء، فلمّا افاق، قال: ألم أنهكم أن تلدّوني؟ قلنا: كراهية المريض للدّواء، فقال: لا يبقى أحد في البيت إلاّ لدّ وأنا أنظر، إلاّ العبّاس فإنّه لم يشهدكم».
عجيب أمر هذا النبي المفترى عليه، الذي جعل المفترون كالصّبي الذي يغرغروه الدّواء المرّ الذي لا يقبله، فيشير إليهم أن لا يلدوه، ولكنّهم يغصبونه على ذلك رغم أنفه.
ولمّا يفيق يقول لهم: ألم أنهكم أن تلدّوني؟ فيعتذرون له بأنهم طنّوا بأن النهي هو كراهية المريض للدّواء، فيحكم عليهم جميعاً بأن يلدّوا وهو ينظر ليشفي غليله منهم ولا يستثني منهم إلاّ عمّه العبّاس لأنه لم يكن حاضراً عملية اللّدود.
ولم تكمل السيّدة عائشة نهاية القصة وهل نفّذ النّبي صلّى الله عليه وآله وسلذم حكمه فيهم أم لا، وعلى طريق من وكيف تمت عملية اللّدود بين النّساء والرّجال الحاضرين.
النبي يسقط بعض آيات من القرآن !
أخرج البخاري في صحيحه في كتاب فضائل القرآن باب نسيان القرآن وكذلك في باب من لا يرى بأساً أن يقول سورة كذا وكذا. وأخرج
____________
(1) يقول ابن منظور في لسان العرب عن هذه العمليّة: اللدُّ: هو أن يؤخذ بلسان الصّبي فيمدّ إلى أحد شقيه ويوجر في الشق الآخر الدّواء في الصدف بين اللّسان والشدق.
حدثنا أبو أسامة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجلاً يقرأ في سورةٍ باللّيل، فقال: يرحمه اللّه لقد أذكرني آية كذا وكذا كنت أنسيتها من سورة كذا وكذا.
كما أخرج البخاري رواية أخرى عن علي بن مسهرٍ عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمع النبي صلّى الله عليه وسلّم قارئاً يقرأ في اللّيل في المسجد فقال: يرحمه الله لقد أذكرني كذا وكذا أيةً اسقطتها من سورة كذا وكذا.
ها هو النّبي الذي أرسله الله سبحانه بالقرآن وهو معجزته الخالدة والذي كان يحفظه من يوم نزوله عليه جملة قبل نزوله أنجماً وقد قال له تعالى: (لا تحرّك به لسانك لتعجل به) ، وقال أيضاً: (وإنّه تنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين وإنّه لفي زبر الأوّلين) [ الشعراء: 196].
ولكن الكذّابين والدجّالين والوضّاعين يأبون إلاّ أن يلصقوا به كل الأباطيل وكل السفاسف والمخاريق التي لا يقبلها عقل ولا ذوق سليم ومن حقّ المسلمين الباحثين أن ينزّهوا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عن أمثال هذه الروايات المزيفة التي ملأت كتب الأحاديث وخصوصاً منها المعدودة من الصّحاح. فنحن لم نخرج إلا من كتاب البخاري ومسلم اللذين هما عند أهل السنة أصح الكتب بعد كتاب الله وإذا كان هذا شأن الصّحاح بخصوص الطّعن بقداسة الرّسول صلّى الله عليه وآله وسلّم وعصمته فلا تسأل عن باقي الكتب الأخرى. كل ذلك من وضع أعداء الله وأعداء رسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم الذين تزلّفوا إلى حكّام بني أميّة في عهد معاوية وما بعده حتّى ملأوا المطامير بالأحاديث المكذوبة والتي يريدون من خلالها الطّعن على صاحب الرّسالة صلّى الله عليه وآله وسلّم لأنهم
والله لو لقيتهم فرداً وهم ملء الأرض ما باليت ولا استوحشت، وإني من ضلالتهم التي هم فيها، والهدى الذي نحن عليه لعلى ثقة وبيّنة ويقين وبصيرة، وإنّي إلى لقاء ربي لمشتاق ولحسن ثوابه لمنتظر، ولكن أسفاً يعتريني وحزناً يخامرني أن يلي أمر هذه الأمة سفهاؤها وفجارها فيتّخذوا مال الله دولاً وعباد الله خولاً، والصالحين حرباً والقاسطين حزباً(4) .
وبما أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قد لعنهم كما مرّ عليك ولم يجدوا لتلك الأحاديث دسّاً لأنّ جلّ الصحابة كانوا يعرفونها فوضعوا في مقابلها أحاديث أخرى تقلب الحق باطلاً وتجعل من رسول الله صلّى الله
____________
(1) تاريخ الطبري: 11/357.
(2) مسند الإمام أحمد: 4/421 والطبراني في الكبير.
(3) مسند أحمد: 4/421 لسان العرب: 7/404.
(4) الإمام والسياسة لابن قتيبة: 1/137.
أخرج البخاري في صحيحه في كتاب الدعوات باب قول النبي صلّى الله عليه وسلّم من آذيته فاجعله له زكاة ورحمة.
وأخرج مسلم في صحيحه في كتاب البر والصلة والآداب باب من لعنه النبي صلّى الله عليه وسلّم أو سبّه أو دعا عليه وليس هو أهلاً لذلك كان له زكاة وأجراً ورحمة على عائشة قالت: دخل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجلان فكلّماه بشيء لا أدري ما هو فأغضباه فلعنهما وسبّهما، فلمّا خرجا قلت: يا رسول الله من اصاب من الخير شيئا ما أصابه هذان. قال: وما ذاك قالت قلت: لعنتهما وسببتهما قال: أو ما علمت ما شرطت عليه ربّي، قلت: اللهمّ إنّما أنا بشر فأيّ المسلمين لعنته أو سببته فاجعله له زكاة وأجراً.
وعن أبي هريرة أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: اللهمّ إنّي أتّخذ عندك عهداً لن تخلفنيه فإنّما أنا بشر فأيّ المؤمنين آذيته شتمته، لعنته، جلدته فاجعلها له صلاة وزكاة وقربة تقرّبه بها إليك يوم القيامة.
وبمثل هذه الأحاديث الموضعة يصبح النّبي يغضب لغير الله ويسب ويشتم بل ويلعن ويجلد من لا يستحقّ ذلك أي نبي هذا الذي يعتريه الشيطان فيخرج عن دائرة المعقول وهل يسمح أي رجل دين عادي أن يفعل ذلك؟ أم هل لا يستقبح منه ذلك؟ وبمثل هذه الأحاديث يصبح حكّام بني أمية الذين لعنهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ودعا عليهم وجلد البعض منهم لارتكابهم الفاحشة وافتضحوا أمام النّاس عامّة، يصبحون مظلومين بل يصبحون مزكين ومرحومين ومقرّبين إلى الله.
وهذه الأحاديث الموضعة تكشف عن نفسها بنفسها وتفضح
وتكفينا رواية واحدة أخرجها البخاري ومسلم عن عائشة نفسها لدحض هذه المزاعم الكاذبة.
أخرج البخاري في صحيحه في كتاب الأدب باب لم يكن النبي صلّى الله عليه وسلّم فاحشاً ولا متفحشاً.
عن عائشة قالت: أن يهوداً أتوا النّبي صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: السّام عليكم، فقالت عائشة فقلت: عليكم ولعنكم الله وغضب عليكم، قال النّبي صلّى الله عليه وسلّم: مهلاً يا عائشة عليك بالرّفق وإيّاك والعنف والفحش: قلت: أو لم تسمع ما قالوا؟ قال: أو لم تسمعي ما قلت؟ رددت عليهم فيستجاب لي فيهم، ولا يستجاب لهم فيّ.
كما أخرج مسلم في صحيحه كتاب البر والصلة والآداب بأنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نهى أن يكون المسلم لعّاناً. ونهاهم حتى عن لعن الحيوان والدّواب، وقيل له يا رسول الله ادع على المشركين فقال: إنّي لم أبعث لعّاناً وإنما بعثت رحمة.
وهذا هو الذي يتماشى مع الخلق العظيم والقلب الرحيم الذي اختصّ به رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فلم يكن يلعن ويسبّ ويجلد من لا يستحق إنّما إذا غضب فإنّه يغضب لله وإذا لعن فإنه يلعن من يستحق اللّعن وإذا جلد فإنّما يجلد لإقامة حدود الله لا أن يجلد الأبرياء الذين لم تقم عليهم البينة أو الشهود أو الاعتراف.
ولكن هؤلاء غاضهم وأحرق قلوبهم أن تتفشّى الرّوايات التي فيها لعن معاوية وبني أمية فاختلقوا هذه الرّوايات للتّمويه على النّاس وليرفعوا مكانة معاوية الوضيعة ولذلك تجد مسلم في صحيحه بعد إخراج هذه الرّوايات
ونجد في كتب التاريخ بأنّ الإمام النّسائي بعدما كتب كتاب الخصائص التي اختصّ بها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام، دخل الشام فاعترضه أهل الشام وقالوا له لماذا لم تذكر فضائل معاوية فقال لهم: لا أعرف له فضيلة إلا لا أشبع الله بطنه. فضربوه على مذاكيره حتى استشهد. والمؤرّخون يذكرون بأنّ دعوة النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم نفذت فكان معاوية يأكل ويأكل حتى يتعب من الأكل ولا يشبع.
وفي الحقيقة لم أكن أعرف هذه الرّوايات التي تجعل اللّعنة رحمة وقربة من الله، إلى أن عرّفني عليها أحد المشايخ في تونس وهو موصوف بالعلم والمعرفة وكنّا في مجمعٍ نتجاذب أطراف الحديث حتّى جاء ذكر معاوية بن أبي سفيان وكان الشيخ يتحدّث عنه بكل إعجاب ويقول هو داهية ومشهور بالذكاء وحسن التدبير، وأخذ يتكلم عنه وعن سياسته وانتصاره على سيدنا علي كرّم الله وجهه في الحرب وصبرت عليه بمضض ولكنّه ذهب شوطاً بعيداً في إطراء معاوية والثناء عليه حتّى عيل صبري وقلت له: بأن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ما كان يحبّه وقد دعا عليه ولعنه، فاستغرب الحاضرون ومنهم من غضب من قولي، ولكنّ الشيخ بكل هدوء ردّ عليّ يصدّقني، ممّا زاد دهشة الحاضرين وقالوا له: نحن لم نفهم شيئاً! من ناحية، أنت تمدحه وتترضّى عنه ومن ناحية أخرى توافق على أنّ النبي لعنَه؟ فكيف يصحّ هذا؟ وتساءلت أنا معهم كيف يصحّ ذلك. وأجابنا الشيخ
____________
(1) صحيح مسلم: 8/27.
ووجدت بعدها روايات كثيرة ترمي إلى نفس الهدف، وحتّى يطمئن المتآمرون فقد اختلقوا أكثر من ذلك على لسان رب العالمين فقد أخرج البخاري في صحيحه في كتاب التوحيد باب قول الله تعالى يريدون أن يبدّلوا كلام الله.
عن أبي هريرة أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: قال رجل لم يعمل خيراً قطّ، فإذا مات فحرّقوه وأذروا نصفه في البرّ ونصفه في البحر، فوالله لئن قدر الله عليه ليعذّبنّه عذاباً لا يعذّبه أحداً من العالمين، فأمر الله البحر فجمع ما فيه وأمر البرّ فجمع ما فيه ثم قال: لم فعلت؟ قال: من خشيتك وأنت أعلم! فغفر له.
وعنه أيضاً في نفس الصفحة: قال أبو هريرة سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: إنّ عبداً أصاب ذنباً وربّما قال أذنب ذنباً فقال ربّ أذنبت ذنباً وربّما قال أصبت فاغفر.
فقال ربّه: أعلم عبدي أنّ له ربّاً يغفر الذّنب ويأخذ به غفرت لعبدي، ثم مكث ما شاء الله ثم أصاب ذنباً أو أذنب ذنباً فقال: ربّ أذنبت أو أصبت آخر فاغفره، فقال: أعلم عبدي أنّ له ربّاً يغفر الذنب ويأخذ به
أي ربّ هذا يا عباد الله؟ ورغم أنّ العبد علم من الوهلة الأولى بأنّ له ربّاً يغفر الذنب، غير أن ربّه بقي جاهلاً بهذه الحقيقة وفي كل مرة يتساءل أعلم عبدي بأن له ربّاً يغفر الذنب؟؟
أيّ ربّ هذا الذي من كثرة الذنوب المتكرّرة وكثرة المغفرة المتكرّرة فقد كلّ وملّ وقال لعبده: اعمل ما شئت «وريحني الله يخلّيك».
وكبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلاّ كذباً فلعلّك باع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفاً».
نعم لقد زعموا أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لعثمان: «اعمل ما شئت فلن يضرّك ما فعلت بعد اليوم». وذلك عندما جهّز عثمان جيش العسرة حسبما يقولون. إنها صكوك الغفران التي يقبّضها رهبان الكنيسة مقابل دخول الجنّة.
فليس من الغريب إذاً أن يفعل عثمان تلك الأعمال الشّنيعة التي سبّبت الثورة عليه وقتله ودفنه في غير مقابر المسلمين بغير تغسيل ولا تكفين.
تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين.
النّبيّ يتناقض في حديثه
أخرج البخاري في صحيحه في كتاب الفتن باب إذا التقى المسلمان بسيفهما ـ من جزئه الثامن صفحة 92.
عن عبدالله بن عبدالوهاب حدّثنا حمّاد عن رجل لم يسمّه عن الحسن قال: خرجت بسلاحي ليالي الفتنة فاستقبلني أو بكرة فقال: أين
كما أخرج مسلم في صحيحه من كتاب الفتن وأشراط الساعة باب إذا تواجد المسلمان بسيفهما.
حديث أبي بكرة عن الأحنف بن قيس، قال: ذهبت لأنصر هذا الرّجل، فلقيني أبو بكرة، فقال: أين تريد، قلت: أنصر هذا الرجل قال: ارجع فإنّي سمعت رسول الله يقول: «إذا التقى المسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول في النّار» فقلت يا رسول الله! هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال: «إنّه كان حريصاً على قتل صاحبه»(1) .
من خلال هذه الأحاديث الموضوعة يفهم القارئ بوضوح الأسباب التي دعت لوضعه، ويتجلّى أبو بكر بعداوته إلى ابن عمّ المصطفى وكيف عمل على خذلان أمير المؤمنين ولم يكتف بذلك حتّى أخذ يثبّط عزائم الصّحابة الذين أرادوا نصرة الحقّ ضدّ الباطل فيختلق لهم مثل هذا الحديث الذي لا تقبله العقول ولا يقرّه القرآن الكريم ولا الصحيح من السنة النبوية. فقول الله سبحانه وتعالى: (فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله) [ الحجرات: 9]. أمرٌ صريح في قتال البغاة والظالمين ولذلك تلاحظ أن شارح البخاري نفسه كتب على هامش الحديث هذه العبارة (أنظر هل في هذا الحديث حجّة على مقاتلة البغاة مع قول الله تعالى فقاتلوا التي تبغي) وإذا تعارض الحديث مع كتاب الله فهو مكذوب وليضرب به عرض الجدار. أمّا
____________
(1) أخرج هذا الحديث أيضاً البخاري في كتاب الإيمان باب المعاصي من أمر الجاهلية.
ثم لو تأملت في حديث البخاري لوجدت هناك في سلسلة الرواة واحداً مجهولاً لم يذكروا اسمه إذ يقول: حدثنا حماد عن رجل لم يسمّه، وهذه تدل دلالة جليّة بأن هذا المجهول هو من المنافقين الذين يبغضوا عليّاً ويحاولون جهدهم طمس فضائله أو بالأحرى القضاء عليه وعلى ذكره ما استطاعوا لذلك سبيلاً. وقد قال سعد بن أبي وقّاص الذي امتنع هو الآخر عن نصرة الحق «ائتنوني بسيف يقول هذا على حق وهذا على باطل لأقاتل به» وبمثل هذا التمويه يلبس الحق بالباطل وتضيع السّبل الواضحة لتحل محلّها الظلمات.
على أنّنا نجد في كتب السنّة المعتمدة أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بشّر الكثير من أصحابه بالجنة وخصوصاً العشرة الذين اشتهروا بين المسلمين بأنّهم المبشرين بالجنّة.
فقد أخرج أحمد والترمذي وأبو داود أنّ النّبي صلّى الله عليه وسلّم قال: أبو بكر في الجنة وعمر في الجنة وعثمان في الجنة وعلي في الجنة وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وعبدالرحمن بن عوف في الجنة، وسعد بن أبي وقاص في الجنة، وسعيد بن زيد في الجنة وأبوعبيدة بن الجراح في الجنة(1) .
وقد صحّ عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم قوله: ابشروا آل ياسر فإن موعدكم الجنّة وقوله اشتاقت الجنة إلى أربع علي وعمّار، وسلّمان
____________
(1) مسند أحمد: 1/193، صحيح الترمذي: 13/183، سنن أبو داود: 2/264.
وإذا كان الأمر كذلك فلماذا تختص أحاديث البشارة بالجنّة إلا على هؤلاء العشرة فلا تجد مجمع ولا مجلس إذا ما تحدّثوا عن الجنة إلا وجاءوا بذكر العشرة المبشرين بالجنة.
ونحن لا نحسدهم على ذلك ولا نضيّق رحمة الله الواسعة التي وسعت كل شي ولكن نقول فقط بأنّ هذه الأحاديث تناقض وتتعارض مع حديث إذا التقى المسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول في النّار. لأنّنا لو صدّقنا به لتبخّر حديث البشارة بالجنّة إذا أنّ معظم هؤلاء تحاربوا وتقاتلوا وقتل بعضهم بعضاً، فطلحة والزبير قتلا في حرب الجمل التي قادتها أم المؤمنين عائشة ضد الإمام علي بن أبي طالب وسلّت سيوفهم بل وتسبّبوا في قتل الآلاف من المسلمين.
كما أنّ عمّار بن ياسر قتل في حرب صفين التي أشعل نارها معاوية بن أبي سفيان وكان عمار متواجداً بسيفه مع علي بن أبي طالب فقتلته الفئة الباغية كما نصّ على ذلك رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم كما أنّ سيد الشهداء سيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين تواجد بسيفه هو وأهل بيت المصطفى صلّى الله عليه وآله وسلّم مقابل جيش يزيد بن معاوية، وقد قتلهم كلهم ولم ينج منهم إلاّ علي بن الحسين.
فعلى رأي هؤلاء الكذّابين فإنّ كل هؤلاء في النّار القاتلين والمقتّولين، لأنهم التقوا بسيوفهم.
وواضح أن الحديث لا يمكن أن تصح نسبته إلى من لا ينطق عن الهوى إن هو إلاّ وحي يوحى، وهو كما قدّمنا يصدم مع المنطق والعقل، ويناقض كتاب الله وسنّة نبيه صلّى الله عليه وآله وسلّم والسؤال الذي يطرح هنا، كيف يغفل البخاري ومسلم عن مثل هذه الأكاذيب ولا يتنبهون لها؟ أمّ أنّ لهما في أمثال هذه الأحاديث مذهب وعقيدة؟
التّناقض في الفضائل
ومن الأحاديث المتناقضة التي تجدها في الصّحاح هو تفضيل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم على كل الأنبياء والمرسلين، وأحاديث أخرى ترفع من شأن موسى درجة أعلى من درجته، وأعتقد بأنّ اليهود الذين أسلموا في عهد عمر وعثمان أمثال كعب الأحبار وتميم الدّاري ووهب بن منّبه هم الذين وضعوا تلك الأحاديث على لسان بعض الصّحابة الذين كانوا معجبين بهم أمثال أبي هريرة وأنس بن مالك وغيرهم. فقد أخرج البخاري في صحيحه في كتاب التوحيد باب قوله تعالى: (وكلّم الله موسى تكليما) .
عن أنس بن مالك حكاية طويلة تحكي إسراء النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ثم عروجه إلى السماوات السّبع ثم إلى سدرة المنتهى وقصّة فرض الصّلوات الخمسين التي فرض على محمد وأمّته وبفضل موسى ردت إلى خمس عمليّة وما فيها من الكذب الصريح والكفر الشنيع من أن الجبّار ربّ العزّة دنا فتدلّى حتّى كان من النّبي قاب قوسين أو أدنى، وغيرها من التخريف ولكن ما يهمّنا في هذه الرواية هو أنّ محمّداً لمّا استفتح السّماء السّابعة وكان فيها موسى وأنّ الله رفعه في السابعة بتفضيل كلام الله فقال موسى: ربّ لم أظنّ أن يرفع عليّ أحدٌ. وأخرج مسلم في صحيحه
____________
(1) صحيح البخاري: 8/204.
وأخرج البخاري في صحيحه كتاب بدء الخلق باب ذكر الملائكة صلوات الله عليهم قصّة أخرى تشبه الأولى وتحكي الإسراء والمعراج ولكن تقول بأنّ موسى كان في السّماء السادسة وإبراهيم في السابعة والذي يهمّنا منها هو هذا المقطع.
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: فأتينا على السّماء السّادسة، قيل من هذا؟ قيل جبرئيل، قيل من معك؟ قال محمد صلّى الله عليه وسلّم، قيل وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل مرحباً به ولنعم المجيء جاء. فأتيت على موسى فسلّمت عليه، فقال: مرحباً بك من أخ ونبيّ، فلمّا جاوزت بكى، فقيل ما أبكاك؟ فقال: يا ربّ هذا الغلام الذي بعث بعدي يدخل الجنّة من أُمّته أفضل ممّا يدخل من أُمّتي.
كما أخرج مسلم في صحيحه في كتاب الإيمان باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها عن أبي هريرة قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أنا سيّد الناس يوم القيامة وهل تدرون ممّ ذلك؟ يجمع النّاس الأولين والآخرين في صعيد واحد يسمعهم الدّاعي، وينفذهم البصر، وتدنو الشمس فيبلغ النّاس من الغمّ والكرب ما لا يطيقون ولا يحتملون، فيقول النّاس ألا ترون ما قد بلغكم؟ ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربّكم؟ فيقول بعض النّاس لبعض، عليكم بآدم، فيأتون آدم عليه السّلام، فيقولون له: أنت أبو البشر، خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأمر الملائكة فسجدوا لك، اشفع لنا إلى ربّك، ألا ترى إلى ما نحن فيه، ألا ترى إلى ما قد بلغنا؟ فيقول آدم: إنّ ربّي غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله وإنّه نهاني عن الشجرة فعصيته، نفسي، نفسي، نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى نوحٍ، وتمضي الرواية وهي طويلة جدّاً (ونحن دائماً نريد الاختصار) إلى أن يطوف النّاس على نوح ثم على إبراهيم ثم على موسى ثم على عيسي وكلّهم يقول نفسي، نفسي نفسي، ويذكر خطيئته أو ذنبه، عدا عيسى
وفي هذه الأحاديث يقول رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بأنّه سيد النّاس يوم القيامة! ويقول بأنّ موسى قال: يارب ما كنت أظنّ أن يرفع علي أحدٌ. ويقول بأنّ موسى بكى وقال: يا ربّ هذا الغلام الذي بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أفضل مما يدخل من أمتي.
ونفهم من خلال هذه الأحاديث بأنّ كلّ الأنبياء والمرسلين من آدم حتى عيسى مروراً بنوح وإبراهيم وموسى (عليهم وعلى نبينا أفضل الصّلاة وأزكى التسليم) لن يشفعوا عند الله يوم القيامة وخص الله بها محمّداً صلّى الله عليه وآله وسلّم ونحن نؤمن بكلّ ذلك ونقول بتفضيله صلّى الله عليه وآله وسلّم على سائر البشر ولكنّ الإسرائيليين وأعوانهم من بني أميّة لم يتحمّلوا هذا الفضل والفضيلة لمحمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم حتى اختلقوا رواياتٌ تقول بتفضيل موسى عليه، وقد مرّ بنا في خلال أبحاث سابقة قول موسى لمحمد ليلة الإسراء والمعراج ولما فرض الله عليه خمسين صلاة: قال له موسى أنا أعلم بالنّاس منك. وهذا لم يكف فاختلقوا روايات أخرى تقول بتفضيله (أي موسى على محمد) على لسان محمد نفسه فإليك بعض هذه الروايات.
أخرج البخاري في صحيحه من كتاب التوحيد باب في المشيئة
عن أبي هريرة قال: استبّ رجل من المسلمين ورجل من اليهود فقال المسلم: والذي اصطفى محمّداً على العاملين في قسمٍ يقسم به فقال اليهودي: والذي اصطفى موسى على العالمين، فرفع المسلم يده عند ذلك فلطم اليهوديُّ فذهب اليهوديُّ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأخبره بالذي كان من أمره وأمر المسلم فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: لا تخيّروني على موسى فإنّ النّاس يصعقون يوم القيامة فأكون أوّل من يفيق فإذا موسى باطش بجانب العرش، فلا أدري أكان فيمن صعق فأفاق قبلي أو كان ممن استثنى الله.
وفي رواية أخرى للبخاري قال: جاء رجل من اليهود إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم قد لطم وجهه وقال: يا محمد إن رجلاً من أصحابك من الأنصار لطم في وجهي، قال: ادعوه فدعوه قال: لما لطمت وجهه؟ قال: يا رسول الله إني مررت باليهود فسمعته يقول: والذي اصطفى موسى على البشر فقلت: وعلى محمد وأخذتني غضبة فلطمته.
قال: لا تخيّروني من بين الأنبياء فإنّ النّاس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من يفيق فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش فلا أدري أفاق قبلي أم جزي بصعقة الطّور.
كما أخرج البخاري في صحيحه في كتاب تفسير القرآن سورة يوسف عليه الصلاة والسلام باب قوله فلما جاءه الرسول:
عن أبي هريرة: قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يرحم الله لوطاً لقد كان يأوي إلى ركن شديد، ولو لبثت في السجن ما لبث يوسف لأجبت الدّاعي ونحن أحقّ من إبراهيم إذا قال له أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي.
ولم يكفهم كل ذلك حتّى جعلوا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم
أخرج البخاري في صحيحه باب في الجنائز من كتاب الكسوف من جزئه الثاني الصفحة 71.
عن خارجة بن زيد بن ثابت أنّ أمّ العلاء أمرأةً من الأنصار بايعت النّبي صلّى الله عليه وسلّم أخبرته أنه اقتسم المهاجرون قرعةً فطار لنا عثمان بن مظعون فأنزلناه في أبياتنا فوجع وجعه الذي توفي فيه، فلمّا توفّي وغسّل وكفّن في أثوابه دخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقلت: رحمة الله عليك أبا السّائب فشهادتي عليك لقد أكرمك الله، فقال النّبي صلّى الله عليه وسلّم: وما يدريك أنّ الله أكرمه؟ فقلت: بأبي أنت يا رسول الله فمن يكرمه الله، فقال عليه السلام: أمّا هو فقد جاءه اليقين والله إنّي لأرجو له الخير، والله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي.
قالت: فوالله لا أزكي أحداً بعده أبداً.
إن هذا لشيء عجاب والله! فإذا كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقسم بالله أنّه لا يدري ما يفعل به، فماذا يبقى بعد هذا.
وإذا كان الله سبحانه يقول (بل الإنسان على نفسه بصيرة) وإذا كان الله يقول لنبيه: (إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطاً مستقيماً وينصرك الله نصراً عزيزاً) [ الفتح: 1].
وإذا كان دخول الجنة للمسلمين موقوفاً على اتباعه وإطاعته والتصديق به، فكيف نصدّق هذا الحديث الذي لا أقبح منه نعوذ بالله من عقيدة بني أمية الذين ما كانوا يؤمنون يوماً بأنّ محمّداً هو رسول الله حقّاً وإنّما كانوا
النّبي يتناقض مع العلم والطب
إن العلم يثبت بما لا شك فيه أنّ هناك بعض الأمراض التي تنقل بالعدوى وهذا ما يعرفه أغلب النّاس حتّى غير المثقّفين، أمّا طلبة العلوم الذين يدرسون علم الطّب في الجامعات، فإنّهم إذا ما قيل لهم بأنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ينكر ذلك، فإنّهم سيسخرون ويجدون منفذاً للطّعن على نبي الإسلام خصوصاً منهم الأساتذة العلمانيين الذين يبحثون عن ثغراتٍ مثل هذه، ومع الأسف الشّديد فإنّ من الأحاديث التي أخرجها البخاري ومسلم تؤكّد على عدم العدوى، وفيها أيضاً ما يؤكّد أنّ هناك عدوى، ونحن إذ نسجل هنا هذه التناقضات تحت عنوان النّبي يتناقض، لا نؤمن بأنّه صلّى الله عليه وسلّم تناقض مرةً واحدة في أقواله أو في أفعاله، ولكن جرياً على العادة لجلب مهجة القارىء حتى يتنبه إلى الأحاديث التي وضعت كذباً وبهتاناً على صاحب الرّسالة المعصوم، ويعرف قصدنا من تخريج أمثال هذه الأحاديث لتنزيه النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وإعطاءه مكانته العلميّة التي سبقت كل العلوم الحديث فليس هناك نظرية علمية صحيحة تتعارض مع حديث نبويّ صحيح، وإذا ما تعارضت أو تناقضت عرفنا بأنّ الحديث مكذوب عليه صلّى الله عليه وآله وسلّم هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإنّ الحديث نفسه قد يعارضه حديث آخر يتماشى مع النظرية العلمية فيجب قبول الثّاني وطرح الاول كما لا يخفى.
ومثال على ذلك أسوق حديث العدوى لأنه مهمّ في البحث ويعطينا صورة حقيقة على تناقض الصّحابة والرّواة والوضّاعين لا على تناقض صاحب الرّسالة صلّى الله عليه وآله وسلّم فذلك لا يمكن أبداً. فالبخاري في صحيحه يذكر الحديثين وأنا أقتصر عليه لأنه اصحّ الكتب عند أهل السنّة
أخرج البخاري في صحيحه من كتاب الطّب في باب لا هامة، عن أبي هريرة: قال: قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا عدوى ولا صفر ولا هامة» فقال أعرابي: يا رسول الله فما بال الإبل تكون في الرمل كأنها الظّباء فيخالطها البعير الأجرب فيجربها؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: فمن أعدى الأوّل؟
اُنظر إلى هذا الأعرابي كيف يهتدي بفطرته إلى طبيعة الأمراض المعدية من خلال البعير الأجرب الذي يجرب كل الإبل إذا خالطها، بينما لا يجد الرّسول جواباً على سؤال الأعرابي يقنعه به، فيقول: فمن أعدى الأول؟ ويصبح هو الذي يسأل.
وهذا أيضاً يذكّرني بالطبيب الذي سأل الأم التي جاءت بولدها المصاب بالحصبة: هل عندكم في البيت أو في الجيران من هو مصاب بهذا الداء؟ فقالت الأم: كلاّ، فقال الطّبيب لعلّه التقطها من المدرسة؟ فأجابت الأم على الفور: كلاّ إنه لم يدخل بعد إلى المدرسة فعمره أقل من خمس سنين، فقال: ففي الروضة إذن، قالت: لا إنه لا يذهب للروضة. فقال الطبيب: لعلّك ذهبت به إلى زيارة بعض أقاربك أو زاركم بعض الأقارب الذي يحمل الجرثومة، فأجابت بالنفي! وعند ذلك قال لها الطبيب: جاءت إليه الجرثومة في الهواء.
نعم فالهواء يحمل الجراثيم والأمراض المعدية وقد يصيب قرية كاملة أو مدينة بأكملها ولذلك وجد التلقيح والوقاية لما قد تحمله الرّياح من أمراض فتاكة كالوباء والطّاعون وغير ذلك، فكيف يخفى كل ذلك على من لا ينطق عن الهوى؟ إنّه رسول رب العالمين الذي لا يعزب عن علمه شيء
مع أنّ الحديثين المتناقضين (لا عدوى، ولا يوردنّ ممرضٍ على مصحّ) رواهما أيضاً مسلم في صحيحه في كتاب السّلام باب لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر ولا نوء ولا غول ولا يوردنّ ممرض على مصحّ.
ومن خلال هذه الأحاديث نعلم أنّ حديث لا يوردن ممرض على مصح هو الحديث الصحيح الذي قاله رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لأنه لا يتناقض مع العلم وأمّا حديث لا عدوى فهو مكذوب عليه لأنّه حديث جاهل بالحقائق الطبيعية ولذلك فهم بعض الصّحابة تناقض الحديثين فعارضوا أبا هريرة واستغربوا منه حديثه الأول، ولم يجد أبو هريرة مخرجاً من هذه الورطة فرطن بالحبشية. يقول شارح البخاري: تكلّم غضباً بما لا يفهم!..
ومما يزيدنا تأكيداً بأنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم كان أسبق مما أثبته العلم حديثاً في خصوص الأمراض المعدية أنّه كان يحذّر المسلمين من الطّاعون ومن الجذام ومن الوباء وغير ذلك.
أخرج البخاري في صحيحه في كتاب الأنبياء باب حدثنا أبو اليمان وكذلك مسلم في صحيحه كتاب السّلام، باب الطاعون والطيرة والكهانة وغيرها.
* عن أسامة بن زيد قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
وقد صح عنه صلّى الله عليه وآله وسلّم قوله في هذا المعنى: فرّ من المجذوم فرارك من الأسد، وقوله: إذا شرب أحدكم فلا يتنفّس في الإناء وقوله: إذا ولغ الكلب في أناء أحدكم فاغسلوه سبع مرات أحداهن بالتراب كل ذلك ليعلم أمته النظافة وأسباب الصحة والوقاية، لا أن يقول لهم: إذا سقط الذباب في شراب أحدكم فليغمسه، وهذا سبق الحديث عنه فليراجع.
على أنّنا نجد التناقض ظاهراً حتى في ما يختصّ بالهامة التي كان يتشاءم العرب بها وهي الطائر المعروف من طير الليل وقيل هي البومة وهو تفسير مالك بن أنس ـ فإذا كان النّبي صلّى الله عله وآله وسلّم يقول: لا هامة فكيف يتناقض ويتعوّذ منها.
فقد أخرج البخاري في صحيحه من كتاب بدء الخلق باب يزفّون النسلان في المشي من جزءه الرابع صفحة 119.
عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس رضي الله عنهما قال: كان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يعوّذ الحسن والحسين ويقول إن أباكما كان يعوّذ بها إسماعيل وإسحاق. أعوذ بكلمات الله التامّة من كلّ شيطان وهامّة ومن كل عين لامّة.
نعم أردنا في هذا الفصل أن نذكر بعض الأمثلة من الأحاديث المتناقضة التي تنسب إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وهو منها بريء.
وهناك مئات الأحاديث الأخرى المتناقضة التي أخرجها البخاري ومسلم في صحيحيهما وقد ضربنا عليها صفحاً لما عوّدنا القارىء دائماً بالاختصار والإشارة، وعلى الباحثين أن يكبّوا على دراسة ذلك عسى أن
(يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرّأه الله ممّا قالوا وكان عند الله وجيهاً يا أيها الذين آمنوا اتّقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً) [الأحزاب: 71].