الصفحة 216
رأى ناسا من بني أمية على المنابر فساءه ذلك (1).

هذا عن مقدمة بني أمية. أما خاتمتهم الحكم بن العاص. فقد روى أبو يعلى. رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامه كان بني الحكم ينزون على منبره وينزلون فأصبح كالمتغيظ. فقال: ما لي رأيت بني الحكم ينزون على منبري نزو القردة. فما رؤي رسول الله صلى الله عليه وسلم مستجمعا ضاحكا بعد ذلك حتى مات " (2)، وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " أريت في منامي كأن بني الحكم بن أبي العاص ينزون على منبري كما ينزو القردة " (3).

أما كون الشجرة شجرتهم ما رواه مطعم قال. كنا مع النبي فمر الحكم بن العاص فقال النبي: ويل لأمتي مما في صلب هذا (4)، وعن ضمرة ابن حبيب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ويل لأمتي من هذا وولد هذا " (5)، وعن ابن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للحكم: " إن هذا سيخالف كتاب الله وسنة نبيه وسيخرج من صلبه فتن يبلغ دخانها السماء وبعضكم يومئذ شيعته " (6).

أما كون هذه الشجرة ملعونة. ما روى عن عبد الله. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن عنده. ليدخلن عليكم رجل لعين فوالله ما زلت وجلا أتشوف خارجا وداخلا حتى دخل فلان - يعني الحكم - وروى الإمام أحمد: " لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلانا وما ولد من صلبه "، وفي

____________

(1) أبو بكر بن خيثمة (البداية والنهاية 50 / 10).

(2) رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح غير مصعب بن عبد الله وهو ثقة - قاله الهيثمي (الزوائد 244 / 5) والحاكم وصححه (المستدرك 480 / 4).

(3) والبيهقي وابن عساكر وأبو يعلى (كنز العمال 358 / 11) والحاكم (كنز 117 / 11) وقال ابن كثير رواه يعقوب بن سفيان (البداية 50 / 10، 243 / 6).

(4) رواه ابن عساكر (كنز 167 / 11).

(5) ابن عساكر (كنز 167 / 11). (الإصابة 29 / 2).

(6) رواه الدارقطني (كنز 166 / 11) وابن عساكر (360 / 11)، والطبراني (كنز 167 / 11).

الصفحة 217
رواية للبزار: " لعن الله الحكم وما ولد على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم " (1)، وروى البزار أن عبد الرحمن بن أبي بكر قال لمروان ابن الحكم: " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن أباك " (2)، وروى أن عبد الله بن الزبير قال وهو يطوف بالكعبة " ورب هذا البيت الحرام والبلد الحرام أن الحكم بن أبي العاص وولده ملعونين على لسان محمد صلى الله عليه وسلم " (3)، وروى أن الحسن قال لمروان بن الحكم: " لقد لعنك الله على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت في صلب أبيك) (4). وفي الدر المنثور أخرج ابن مردويه عن عائشة أنها قالت لمروان: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأبيك وجدك أنكم الشجرة الملعونة في القرآن. وباختصار: روى أصحاب التفاسير كالطبري وغيره عن سهل بن ساعد وعبد الله بن عمر ويعلى بن مرة والحسين بن علي وسعيد بن المسيب أن هؤلاء هم الذين أنزل فيهم قوله تعالى: (وما جعلنا الرؤيا) إلى قوله: (والشجرة الملعونة في القرآن).

أما كون النبي صلى الله عليه وسلم قد أخذ بالأسباب ونفاه. وذلك بعد أن ارتكب الحكم بن أبي العاص الجريمة التي يستحق عليها هذه العقوبة.

وكما نعلم أن الله لا يظلم الناس شيئا. فلقد خلق الإنسان ليمارس واجب الخلافة في الأرض. ولم يخرج أحدا من الجنة إلا عندما ارتكب آدم وزوجه الخطأ الذي استحقا عليه الاخراج من الجنة. وعندما ارتكب الشيطان الجريمة التي استحق عليها الطرد واللعن. وهناك فرق بين الاخراج والطرد واللعن.

والحكم بن أبي العاص ارتكب الجريمة التي استحق عليها النفي واللعن. وما

____________

(1) قال الهيثمي رواه أحمد والبزار والطبراني بنحو رواية البزار وعنده رواية كرواية أحمد ورجال أحمد الصحيح (الزوائد 5 / 241).

(2) قال الهيثمي رواه البزار وإسناده حسن (الزوائد 241 / 5).

(3) رواه ابن عساكر (كنز 358 / 11) والحاكم وصححه (المستدرك 481 / 4).

(4) رواه أبو يعلى (الزوائد 240 / 5) وابن سعد وابن عساكر (كنز 357 / 11) وذكره ابن كثير في البداية (280 / 8).

الصفحة 218
كانت الجريمة إلا لهدف ومن وراء الهدف حكمة. وروى عن حماد بن سلمة.

إن أصحاب النبي دخلوا عليه وهو يلعن الحكم بن أبي العاص فقالوا: يا رسول الله ما له. قال: دخل على شق الجدار وأنا مع زوجتي فكلح في وجهي.

فقالوا: أفلا نلعنه نحن؟ قال: لا فإني أنظر إلى بنيه يصعدون منبري وينزلونه.

فقالوا: يا رسول الله ألا نأخذهم؟ قال: لا ونفاه (1)، وروى أن سبب نفيه غير ذلك. وهو أن الحكم كان من المرجفين في المدينة ويبلغ فيها أسرار رسول الله صلى الله عليه وآله، وقد نفاه النبي عندما أمره الله بنفي من كانت هذه أعماله. وقد وردت هذه الجرائم وعقوباتها في سورة الأحزاب (2)، وقد أخبر النبي بأن من الأمة من سيتعهد بني أمية وبني الحكم حتى يبلغوا ثلاثين رجلا وفي رواية أربعين. ثم يكون الحديث انطلاقهم عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " إذا بلغ بنو أبي فلان ثلاثين رجلا اتخذوا مال الله دولا (3) ودين الله دخلا (4)، وعباد الله خولا (5) (6) وفي رواية إذا بلغ بنو العاص ثلاثين... " (7)، وفي رواية إذا بلغ بنو الحكم ثلاثين... " (8)، ويبدو والله أعلم أن هذا العدد يتعلق بعدد رجالهم في المناصب القيادية في الدولة. بمعنى إذا فتح لهم الباب وتولي " ثلاثون " أو أربعون منهم المناصب فعلوا هذه الأشياء. وحركة التاريخ تؤيد هذا الرأي كما سيأتي في حينه.

4 - الرسول وإقامة الحجة على القريب والبعيد:

إذا كانت المسيرة بعد النبي وبنص الأحاديث الصحيحة. ستبدأ بفتن تنطلق

____________

(1) الإصابة 28 / 2).

(2) سورة الأحزاب: الآية 60.

(3) أي يكون المال لقوم دون قوم.

(4) أي يدخلوا في دين الله أمور لم ترد في كتاب الله وسنة رسوله.

(5) أي يستخدمون الناس ويستعبدوهم.

(6) رواه أحمد (الفتح 32 / 23). (7) رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني (كنز 165 / 11).

(8) رواه الطبراني والبيهقي (كنز 165 / 11) (البداية 258 / 8).

الصفحة 219
من بيوت الصحابة. وإذا كانت الأحداث ستأتي على رقاب العباد برجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان أنس كما في صحيح مسلم. وبدعاة على أبواب جهنم من أجابهم قذفوه فيها كما ورد في صحيح البخاري. ثم تنتهي الأحداث بقذف الأمة نحو سنن الأولين فنسير عليها شبرا بشبر وذراعا بذراع. وفي النهاية يكونون غثاءا كغثاء السيل لا قيمة لهم ولا وزن. القاتل فيهم لا يدري فيما قتل والمقتول فيهم لا يدري فيما قتل. إذا كان هذا كله قد دخل من تحت لافتة القيادة فكيف يقال أن الشريعة قد تكلمت في كل شئ عدا القيادة. وكيف يستقيم قول كهذا مع ما رواه أبو الدرداء عن النبي صلى الله عليه وآله: " وأيم الله، لقد تركتم على مثل البيضاء ليلها ونهارها سواء " (1).

قال البعض: إن الناس أدرى بشؤون دنياهم. وإن اختيارهم للقيادة ينضوي تحت قوله تعالى: (وأمرهم شورى بينهم) (2)، وقول البعض بهذا. لا يحقق أي دفع لدائرة الرجس. فتحت سقف شؤون دنياهم يجلس أيضا المنافقين والذين في قلوبهم مرض. وشؤون دنياهم لا تنسى أنها قابلة للاختراق من جهة الشيطان بفقه التزيين والإغواء. باختصار ستكون المسيرة غير محمودة العواقب. ولهذا لا بد من مرشد لها حدده الله الذي أخذ على نفسه فتح طريق العبادة وهداية الناس إليه. ثم إن القول بأن الأمر كان شورى في اختيار الخليفة. أمر لا يمكن إثباته.

وذلك لأن اختيار الخليفة على امتداد المسيرة لم يكن له وجد واحد ولم تتوفر الشورى فيه إلا فيما ندر. وعلى سبيل المثال. فإن يوم السقيفة لم يشهده رجل من بني هاشم بل لم يشهده من المهاجرين عدد لا يتعدى خمسة أفراد على أكثر الروايات وأصحها. ويوم السقيفة كان بحق يوم عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

حيث توعد سعد بن عبادة مرشح الأنصار وهتف كما جاء في الصحيح " اقتلوا

____________

(1) رواه ابن ماجة (كنز 370 / 11) وابن أبي عاصم، وقال الألباني له متابع قوي عند الإمام أحمد (كتاب السنة 27 / 1).

(2) سورة الشورى: الآية 38.

الصفحة 220
سعدا "، فأي شورى ترى هنا؟ وقد اعترف عمر فيما بعد وفاة أبي بكر رضي الله عنه بأن بيعة أبي بكر كانت فلتة وقال من عاد إلى مثلها فاقتلوه كما جاء في الصحيح، فإذا كانت البيعة أن عادت على نفس الصورة فجزاء من يقدم عليها القتل. فما القول في هذا؟ وأبو بكر رضي الله عنه وهو على فراش الموت أوصى لعمر بن الخطاب من بعده ولم يشاور المهاجرين والأنصار عند اتخاذه هذا القرار. وعمر بن الخطاب وهو على فراش الموت جعلها شورى في ستة من أهل الجنة كما ورد في الحديث، ووضع نظاما للاختيار وأمر رضي الله عنه بقتل من عارض إختيار الأغلبية. فمن هذا وذاك لا ترى ما تعارف عليه من الشورى. وفي أيام معاوية وبني أمية. عندما أراد البيعة لولده يزيد. روى أنه جاء بأفصح فقهائه. وجمع رؤوس القبائل. ووقف الفقيه المحنك وأشار إلى معاوية وقال:

أنت أمير المؤمنين. فإن مت فيزيد. فمن أبي هذا وأشار إلى السيف. وعلى هذا جاء أولاد الحكم بن أبي العاص في القرن الأول الهجري. وعلى هذا أفتى المحنكون بولاية الفاسق فهل الفاسق يسوق الناس إلى رب العالمين؟ إذا كانت الإجابة نعم، فما معنى قوله تعالى: (والله لا يهدي القوم الفاسقين) (1)، وكيف يسوق الفاسق الناس إلى رب العالمين؟ إذا كانت الإجابة نعم، قال تعالى: (ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون) (2)، ولا يرض عنهم: (فإن الله لا يرض عن القوم الفاسقين) (3)، وكيف يتم وضعهم على رقبة الأمة. والله قد حذر من المنافقين وما الفاسقين إلا عمال في دائرة الرجس قال تعالى: (نسوا الله فنسيهم إن المنافقين هم الفاسقون) (4)، كيف تستأمنه الأمة والله تعالى لم يستأمن الفاسق على نبأ قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فساق بنبأ فتبينوا) (5)، لقد جعل المحنكون من الشذوذ قاعدة استرضاءا منهم لخط نصب

____________

(1) سورة التوبة: الآية 80.

(2) سورة النور: الآية 4.

(3) سورة التوبة: الآية 96.

(4) سورة التوبة: الآية 67.

(5) سوره الحجرات: الآية 6.

الصفحة 221
خيمته ومن داخلها اتخاذ مال الله دولا. ودين الله دخلا وعباد الله خولا. وجميع ذلك تحت شعار الشورى.

والحقيقة أن ولاية الفاسق التي أقرها المحنكون فيها تساهل طويل وعريض. لأن الذي أدلى دلوه كي يخرج لنا فيه فاسقا. كان عليه أولا أن يبحث عن بئر نظيف ليخرج لنا بآخر وقد قال تعالى: (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون) (1)، نعم قد يكون الفاسق في الذروة ولكن وفقا للقاعدة النبوية حيث قال صلى الله عليه وسلم في قريش: " الناس تبع لقريش في هذا الشأن مسلمهم تبع لمسلمهم وكافرهم تبع لكافرهم " (2)، وقال: " صالحهم تبع لصالحهم وشرارهم تبع لشرارهم " (3)، فالناس لا بد لهم من شجرة يستظلون بظلها. وهناك شجرتان، وللفاسق شجرة وذروته، أما قوله تعالى: (وأمرهم شورى بينهم)، قال المفسرون: أي أن الأمر الذي يعزمون عليه فيما بينهم يتشاورون فيه لاستخراج صواب الرأي بمراجعة العقول. وصواب الرأي تمتصه العقول من قوله تعالى: (الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه) (4)، فهذه دائرة أصحاب الشورى، والقرآن الكريم كما سلط الضوء على الذين أمرهم شورى بينهم. سلطة أيضا على الذين فرقوا أمرهم بينهم ووضعهم في دائرة مغلقة عليهم قال تعالى في الصنف الذي رفض الأمة الواحدة والدعوة الواحدة للسبيل الحق (فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون)، ولأن لهذا الحزب سائر على امتداد السيرة لا يكل ولا يمل. قال تعالى لرسوله: (فذرهم في غمرتهم حتى حين * أيحسبون إنما نمدهم به من مال وبنين * نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون) (5)، فأصحاب هذه الآية قطعوا أمرهم. وجعلوا كل قطعة منه كتابا. ثم التقط كل حزب قطعته وانطلق فرحا يقرأ في قطعته كتابه.

____________

(1) سورة السجدة: الآية 18.

(2) رواه البخاري (الصحيح 264 / 2) وسبق تخريجه.

(3) رواه أحمد ورجال ثقات (الفتح 226 / 24) سبق تخريجه.

(4) سورة الزمر: الآية 18.

(5) سورة المؤمنون: الآية 54 - 55 - 56.

الصفحة 222
وفي عالم الزخرف والزينة والإغواء يرقصون طربا لما عندهم من مال وبنين.

وهم في الحقيقة لا يشعرون ماذا ينتظرهم في نهاية الطريق. إنهم قد يرون بداية الطريق أو وسطه. أما نهاية الطريق فلا ترى إلا بعد أن تجيئ. وإذا كان القرآن قد سلط الأضواء على الذين أمرهم شورى بينهم والذين قطعوا أمرهم بينهم، فإن الله تعالى أمر دائرة الإيمان وفيها الذين أمرهم شورى بينهم. أمرهم أمرا واحدا لا اختيار فيه حتى يوازنوا بينه وبين أمرهم فقال جل وعلا: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا) (1). فكيف يكون هناك اختيار والله ورسوله قد اختار. وفي هذا الاختيار قمة الحرية الحقيقية التي توفر للإنسان إنسانيته الحقة. حتى نعود إلى من حيث بدأنا ونقول:

إن علم النبي صلى الله عليه وسلم بما سيحدث في النهاية يقتضي أن يقيم عليه الحجة في البداية. وإقامة الحجة سنة إلهية يترتب عليها الثواب والعقاب. ألم ترى أن الله أقام الحجة على خلقه وهم في عالم الذر. أقامها عند أول أعتاب خلق البشرية. لعلمه أن المسيرة ستنتج المؤمن والكافر والمحسن والمسئ، قال تعالى: (وإذا أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين) (2)، فإذا كان سبحانه قد أقامها في البداية في عالم الغيب. فإنه تعالى قد أقامها على امتداد العصور. وإن كانت الحجة قد سدت الأبواب في وجوه البعض. فإنها فتحتها أمام آخرين. والنبي ما سد شيئا ولا فتحه. ولكنه أمر بشئ فاتبعه وهو في هذا عبدا مأمورا. ما أمر به فعله. إن يتبع إلا ما يوحى إليه. والنبي ما أدخل أحدا وما أخرج أحدا. ولكن الله هو الذي أدخل هذا وأخرج هؤلاء. وذلك لأن المستقبل به أصحاب شجرة خبيثة. والشجرة الخبيثة لا بد أن يقابلها شجرة طيبة، والمستقبل فيه دائرة رجس لا بد أن يقابلها دائرة

____________

(1) سورة الأحزاب: الآية 36.

(2) سورة الأعراف: الآية 172.

الصفحة 223
طهر. والمستقبل به الذين في قلوبهم زيغ الذين يريدون الفتنة المتشابه. ولا بد أن يقابلهم الراسخون في العلم فبعد أن أشارت الأحاديث التي بها كلمة (بعدي) إلى مواقع الفتن. إلى مقدماتها ونتائجها وبداياتها ونهاياتها.

أشارت أحاديث أخرى إلى مواقع الأمان. لتقوم الحجة ويظهر التبشير والتحذير على صفحات التاريخ. وعن هذه الأحاديث عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي: " أنت وليي في كل مؤمن بعدي " (1)، وعن عمران بن حصين قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " علي مني وأنا منه وهو ولي كل مؤمن من بعدي " (2)، وعن بريدة الأسلمي قال: قال النبي صلى الله عليه وآله في علي: فإنه مني وأنا منه وهو وليكم بعدي. وإنه مني وأنا منه وهو وليكم بعدي (3)، وعن بريدة أيضا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا بريدة إن عليا وليكم بعدي. فأحب عليا فإن يفعل ما يؤمر " (4)، وعن أنس قال، قال النبي صلى الله عليه وسلم: " يا علي أنت تبين لأمتي ما اختلفوا فيه من بعدي " (5). وعن وهب بن حمزة قال: قال

____________

(1) رواه أحمد ورجاله ثقات غير أبي بلج وهو ثقة وطيه لين (الفتح 116 / 23) وقال ابن كثير رواه أبو داود الطياليسي (البداية 346 / 7) ورواه ابن أبي عاصم وقال الألباني صحيح (كتاب السنة 263 / 5).

(2) رواه ابن أبي عاصم وقال الألباني: إسناده صحيح ورجاله ثقات على شرط مسلم والحديث أخرجه الترمذي وابن حبان والحاكم وأحمد من طرق أخرى. وقال الترمذي حديث حسن غريب وقال الحاكم صحيح على شرط مسلم وأقره الذهبي (كتاب السنة 565 / 2)، ورواه ابن جرير بسند صحيح (كنز العمال 142 / 13) وابن أبي شيبة بسند صحيح (كنز العمال 608 / 11)، والطبراني وقال الهيثمي رواه أحمد والطبراني في الأوسط وباختصار في الكبير ورجال أحمد رجال الصحيح (الزوائد 109 / 9).

(3) رواه أحمد وقال في الفتح الرباني. رواه الطبراني في الكبير والأوسط وأسانيد الكبير رجاله رجال الصحيح ورجال أحمد ثقات (الفتح 117 / 23)، ورواه ابن أبي شيبة (كنز العمال 608 / 11).

(4) رواه الديلمي (كنز العمال 612 / 11).

(5) رواه الديلمي (كنز العمال 615 / 11).

الصفحة 224
رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تقولن هذا لعلي فإن عليا وليكم بعدي " (1)، وعن ابن عباس قال قال النبي صلى الله عليه وسلم: " أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنك لست نبيا. إنه لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي في كل مؤمن من بعدي " (2).

والمعروف أن أظهر منازل هارون بعد موسى. وزارته له. وخلافته عنه.

واشتراكه في الأمر معه. قال سبحانه حاكيا عن نبيه موسى: (فاجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي أشدد به أزري وأشركه في أمري)، إلى قوله تعالى: (قد أوتيت سؤلك يا موسى) (3)، وقال تعالى: (وقال موسى لأخيه هارون أخلفني في قومي وأصلح) (4)، والنبي صلى الله عليه وسلم عندما نزل قوله تعالى:

(وأنذر عشيرتك الأقربين)، قال لهم كما ذكرنا من قبل في رواية صحيحة: " إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم واسمعوا له وأطيعوا "، وعندما اتسعت الدائرة كما ذكرنا قال: " أنت مني بمنزلة هارون من موسى "، ثم اتسعت الدائرة فبعثه بسورة براءة وقال كما ذكرنا في رواية صحيحة: " ولا يؤدي عني إلا أنا أو علي "، وعندما اتسعت قال: " من كنت مولاه فعلي مولاه "، وعلي بحكم نص منزلة هارون من موسى. خليفة الرسول في النواة التي تدور حولها القرى والقبائل. ولعلي ابن أبي طالب على الأمة جمعاء فرص الطاعة كما كان لهارون بالنسبة إلى أمة موسى. ومن وحيث طاعته لا يكون مأمورا، وها نحن قد أوردنا نخبة من الأحاديث الصحيحة التي توجب الطاعة. فأي حجة بعد ذلك.

ولقد قام النبي بتحصين هذه الطاعة فعن عبيد الله بن عباس قال: نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى علي فقال: يا علي أنت سيد في الدنيا سيد في الآخرة. حبيبك حبيبي. وحبيبي حبيب الله. وعدوك عدوي وعدوي عدو الله.

____________

(1) رواه ابن كثير في البداية (346 / 7).

(2) رواه ابن أبي عاصم وقال الألباني إسناده حسن ورجاله ثقات (كتاب السنة 565 / 2).

(3) سورة طه: الآية 36.

(4) سورة الأعراف: الآية 142.

الصفحة 225
والويل لمن أبغضك بعدي (1)، وعن أم سلمة قالت: أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أحب عليا فقد أحبني. ومن أحبني فقد أحب الله. ومن أبغض عليا فقد أبغضني. ومن أبغضني فقد أبغض الله (2)، وعن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا علي من فارقني فارق الله ومن فارقك يا علي فارقني (3)، وعن علي قال. قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك (4)، أليس في هذا كله سوق للناس نحو الطاعة؟ وعن عمرو بن شاس الأسلمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: يا عمرو والله لقد آذيتني. قلت:

أعوذ بالله أن أوذيك يا رسول الله. قال: بلى من آذى عليا فقد آذاني (5)، وعن سعد بن أبي وقاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمن نالوا من علي:

" ما لكم وما لي. من آذى عليا فقد آذاني " (6)، أليس في هذا تحصين للخليفة وسوق للناس إلى صراط المستقيم؟

ألم تجمع الأمة على حديث من كنت مولاه فعلي مولاه؟ فما جزاء من أهان ولي الله وسلطانه؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: " من أهان لي وليا

____________

(1) رواه الحاكم وقال حديث صحيح على شرط الشيخين. وأبو الأزهر بإجماعهم ثقة. وإذا تفرد الثقة بحديث فهو على أصلهم صحيح. والحديث سمعه يحيى بن معين بن أبو الأزهر فصدقه واعتذر إليه إن كان قد رماه بالكذب (المستدرك 128 / 3) وأورده ابن كثير في البداية 356 / 7.

(2) رواه الطبراني وقال الهيثمي إسناده حسن (الزوائد 132 / 9).

(3) رواه البزار وقال الهيثمي رجاله ثقات (الزوائد 135 / 9).

(4) رواه الطبراني وقال الهيثمي إسناده حسن (الزوائد 203 / 9).

(5) رواه أحمد (الفتح 120 / 23) وقال الهيثمي رواه أحمد والطبراني باختصار والبزار أصغر منه. ورجال أحمد ثقات، ورواه ابن حبان (الزوائد 129 / 9)، ورواه ابن أبي شيبة وابن سعد وأحمد والبخاري في تاريخه والطبراني والحاكم (المستدرك 122 / 3) (كنز العمال 142 / 13).

(6) رواه أبو يعلى ورجاله ثقات (الزوائد 129 / 9) ومر سابقا.

الصفحة 226
فقد بارزني بالعداوة... " (1)، وقال: " من أهان سلطان الله في الأرض أهانه الله " (2)، وقال: " أول فرقة تسير إلى السلطان في الأرض لتذله يذلهم الله قبل يوم القيامة " (3). وقال صاحب تحفة الأحواذي: من أهان من أعز الله وألبسه خلعة السلطنة أهانه الله. وسلطان الله في قوله: (إنا جعلناك خليفة في الأرض) (4) فالله هو الذي جعل. وإضافة السلطان إلى الله أضافت تشريف كبيت الله وناقة الله (5) ولأنه سلطان الله. فمن خرج من السلطان شبرا مات ميتة جاهلية كما ورد في صحيح البخاري (6). ولأنه هذا السلطان في مركز النواة. فهو العمود الفقري للجماعة ومن فارق الجماعة شبرا فمات إلا مات ميتة جاهلية، كما ورد أيضا في البخاري (7)، وعن حذيفة من فارق الجماعة شبرا خلع ربقة الإسلام من عنقه (8)، فإذا لم يكن هذا كله تحصينا للخليفة وحثا للناس كي يكونوا يدا واحدة وسوقا لهم نحو الصراط المستقيم. فأي كلام بعد ذلك يجدي؟

" من كنت مولاه فعلي مولاه "، ألا يستشف عن هذا النص إمارة أي إمارة.

فإذا كانت فيه. فكيف نفهم ما رواه البخاري عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله.

____________

(1) رواه الطبراني وأبو نعيم في الطب عن أبي أمامة. ورواه ابن عساكر عن أنس بلفظ " من أخاف لي وليا فقد بارزني بالمحاربة (كنز 229 / 1)، ورواه أحمد وأبو يعلى والطبراني والبيهقي وأبو نعيم عن عائشة بلفظ " من آذى لي وليا فقد استحل محاربتي " (كنز 230 / 1) ورواه الطبراني عن ابن عباس بلفظ " من عادى لي وليا فقد ناصبني بالمحاربة (كنز 231 / 1).

(2) رواه ابن أبي عاصم وقال الألباي حديث صحيح (كتاب السنة 289 / 2) ورواه الترمذي من أبي بكرة (كنز 182 / 1).

(3) رواه الديلمي عن حذيفة (كنز 215 / 1).

(4) سورة ص: الآية 26.

(5) تحفة الأحواذي 476 / 6.

(6) البخاري (الصحيح 222 / 4) ك. الفتن.

(7) البخاري ك الفتن (الصحيح 222 / 4).

(8) ابن أبي شيبة (كنز 384 / 1).

الصفحة 227
ومن أطاع أميري فقد أطاعني. ومن عصى أميري فقد عصاني " (1)، ألا ينطبق هذا النص على أي شئ مما ذكرناه في علي بن أبي طالب؟

والخلاصة: لقد حذر الله تعالى من دائرة البخس التي يعمل بداخلها حكومة دينية تتخذ الدين ستارا. وهدف هذه الحكومة رد الذين آمنوا بالله عن دينهم ووضعهم على أرضية لا علاقة لها بالصراط المستقيم. وحذر تعالى من دائرة الرجس التي يعم بداخلها طابور خامس تلتقي أهواؤه في الخطوط العريضة مع أهواء حكومة الأحبار وعباقرة الأوثان. ولما كانت الحكومة التي تواجهها إلى حكومة. فقد أمر تعالى بأن يكون المؤمنين كلهم يدا واحدة. ولما كان لكل شئ ذروة أعلن النبي ولاية علي بن أبي طالب على رأس الحكومة الدينية. فإذا نظرت ولم تجد الرأس. فلا تسأل في خاتمة الطريق كيف اتبعت الأمة سنن الأولين التي صممها أحبار الحكومة الدينية وأشرف على تنفيذها جميع الخدم والعبيد.

5 - خاتمة المطاف عند الحوض يوم القيامة:

بعد أن أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن الفتن وكيفية النجاة منها.

وبعد أن قام قبل ذلك بإغلاق الباب الذي تهب منه أعاصير الفتن آخذا بأسباب النجاة مع علمه بأن الأمة مختلفة بعده. فليس معنى أن الموت قد كتب على الإنسان. أن يجلس الإنسان في انتظاره. ولكن عليه أن يأخذ بأسباب الحياة الكريمة التي تحقق له الحياة السعيدة في الآخرة. والنبي قدم كل سبب يؤدي للنجاة من يوم يجد المرء فيه ما قدمت يداه. والذي أخذ بسبب في الدنيا سيتسلقه حتى يرد على الحوض يوم القيامة. وعند الحوض سترى وجوه الجميع ولن ينجو إلا الذي أخذ بالكتاب والعترة، كما أخبر النبي، ومن يشفع له صلى الله عليه وسلم. وذكر ابن ماجة في باب الخطبة يوم النحر

____________

(1) رواه البخاري ك الأحكام (الصحيح 233 / 4) وأحمد بسند صحيح (الفتح 40 / 23) وابن أبي عاصم بسند صحيح (كتاب السنة 507 / 2).

الصفحة 228
ص 629 / 32 أن حديث الحوض كان في حجة الوداع، أي ذكره النبي يوم أن أمر الأمة أن تأخذ بالكتاب والعترة. ومن العجيب أن بعض الأحاديث قد أشارت إلى رجل يظهر عند الحوض يخبر النبي بما حدث بعده. وفي أحاديث أخرى كشف النقاب عن هذا الرجل لنتبين أنه علي بن أبي طالب الذي زوده الله بخاصية أنه لا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق كما ورد في مسلم وغيره، ولنتتبع الأحاديث حتى نصل إلى ما ذكرنا.

روى الشيخان عن سهل. قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

" أنا فرطكم على الحوض من ورد وشرب ومن شرب لم يظمأ أبدا، وليردن علي أقوام أعرفهم ويعرفونني ثم يحال بيني وبينهم (1)، وفي رواية عن عبد الله:

" أقول يا رب أصحابي أصحابي. فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك (2)، وفي رواية عن أبو هريرة، فيقول، " إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى (3)، وفي رواية عن أسماء " فيقال: هل شعرت ما عملوا والله ما برحوا بعدك يرجعون على أعقابهم " (4)، وفي رواية عن ابن عباس:

" فيقال: إن هؤلاء لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم " (5).

فهذه الروايات هي صلب هذا الحدث الخطير. وفي روايات أخرى ظهرت الإشارة إلى الرجل. روى البخاري عن أبي هريرة قال. قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم، بينما أنا قائم، إذا زمرة، حتى إذا عرفتهم. خرج رجل من بيني وبينهم. فقال: هلم. قلت: أين؟ قال: إلى النار والله. وقلت: وما شأنهم؟

قال: إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى. ثم إذا زمرة، حتى إذا عرفتهم.

____________

(1) البخاري ك: الدعوات (الصحيح 141 / 4). مسلم ك الفضائل ب الحوض (الصحيح 53 / 15) وأحمد (الفتح 192 / 1).

(2) البخاري ك الدعوات (الصحيح 141 / 4) مسلم ك الفضائل ب الحوض (الصحيح 59 / 15) وأحمد والبيهقي عن ابن سعود (كنز 418 / 14).

(3) البخاري ك الدعوات (الصحيح 142 / 4) ب الصراط.

(4) رواه مسلم عن أسماء وأحمد ومسلم عن عائشة (كنز العمال 419 / 14).

(5) البخاري في تفسير سورة الأنبياء (الصحيح 160 / 3) مسلم (194 / 17).

الصفحة 229
خرج رجل من بيني وبينهم. فقال: هلم. قلت: أين؟ قال: إلى النار والله.

قلت: ما شأنهم. قال: إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى. فلا أراه يخلص منهم ألا مثل همل النعم. (1). ففي هذه الرواية ظهر رجل شاهد عليهم.

وكلما ذهبت زمرة وجاءت أخرى فالرجل شاهد ولا يغادر موقعه. وفي رواية أخرى أشير إلى الرجل بصورة أخرى فعن أم سلمة " فصرخ صارخ فقال: إنهم قد بدلوا بعدك. فأقول سحقا سحقا " (2)، وفي رواية حدد زمن هذا الرجل، بأنه بعد النبي صلى الله عليه وسلم. فعن أم سلمة رضي الله عنها. قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيها الناس بينما أنا على الحوض. جئ بكم زمرا (أي جماعات) فتفرقت بكم الطرق. فناديتكم: ألا هلموا إلى الطريق (أي اقبلوا) فناداني مناد من بعدي فقال: إنهم قد بدلوا من بعدك. فقلت: ألا سحقا سحقا (3) - وفي رواية - فأقول: سحقا سحقا لمن بدل بعدي (أي بعدا بعدا. أو مكانا سحيقا أو بعيدا) (4).

وبنظرة سريعة على بعض الأصناف التي تدخل تحت بند سحق يمكن أن نحدد طبيعة من هو الرجل أو الصارخ أو المنادي الذي ورد ذكره في الأحاديث.

بمعنى أن المكان الذي به الجاني حتما سنجد فيه ما يشير إلى المجني عليه أو إلى الشاهد. فلينظر في الأصول مرة أخرى. هذا هو حديث الثقلين يوم غدير خم ورواه غير واحدة وفيه " إني تارك فيكم خليفتين "، وفي رواية " ثقلين " - أحدهما أكبر من الآخر - كتاب الله حبل ممدود من السماء والأرض وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يفترقا - حتى يردا علي الحوض (5) - وفي رواية - وإن اللطيف الخبير خبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض فانظروا كيف تخلفوني

____________

(1) البخاري (الصحيح 142 / 4) ك الدعوات ب الصراط.

(2) رواه أحمد بسند صحيح والطبراني (كنز العمال 436 / 14).

(3) رواه أحمد وقال في الفتح إسناد جيد (الفتح الرباني 197 / 1).

(4) فيه إشارة إنهم غير عصاة لأن العاص يشفع له النبي. وهؤلاء أبعدهم.

(5) رواه أحمد والترمذي وقال حديث حسن والطبراني عن أبي سعيد، وقال المناوي رجاله موثقون (الفتح الرباني 186 / 1).

الصفحة 230
فيهما " (1) - وفي رواية: وأنا تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور. فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به. فحث على كتاب الله. ورغب فيه. ثم قال: وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي. أذكركم الله في أهل بيتي. أذكركم الله في أهل بيتي (2) - وفي رواية - إني تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما فإنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض. إن الله مولاي. وأنا ولي كل مؤمن. من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم والي من والاه وعاد من عاداه (3).

من هذا نعلم أن الأقدام الثابتة عند الحوض يوم القيامة هي الكتاب والعترة وعلى رأس أهل البيت علي بن أبي طالب. فالشاهد أو المجني عليه في هذه الدائرة. ثم لننظر نظرة سريعة أيضا في أصناف الذين سيقال لهم سحقا لنعرف من أي دائرة هم - عن خباب قال: إنا لقعود على باب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ننتظره أن يخرج لصلاة الظهر إن خرج علينا. فقال: " اسمعوا " فقلنا:

سمعنا. ثم قال: " اسمعوا " فقلنا: سمعنا. فقال: " إنه سيلي عليكم أمراء فلا تعينوهم على ظلمهم. فمن صدقهم بكذبهم فلن يرد على الحوض " (4) - وفي رواية - اسمعوا. هل سمعتم؟ إنه سيكون بعدي أمراء فمن دخل عليهم (5) فصدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولست منه وليس بوارد على الحوض " (6) - وفي رواية - سيكون بعدي أمراء فمن دخل عليهم فصدقهم

____________

(1) رواه أحمد وأبو يعلى وابن أبي شيبة وابن سعد عن أبي سعيد (كنز 186 / 1).

(2) رواه مسلم والصحيح 179 / 15) ك فضل الصحابة.

(3) رواه الطبراني والحاكم عن زيد بن أرقم (كنز 187 / 1).

(4) رواه أحمد (الفتح الرباني 30 / 27) وابن أبي عاصم وقال الألباني رجاله ثقات أخرجه أحمد وابن حبان (كتاب السنة 322 / 2).

(5) قال في تحفة الأحوازي (فمن دخل عليهم) أي العلماء وغيرهم، (وأعانهم على ظلمهم) أي الافتاء ونحوه (فليس مني ولست منه) أي بيني وبينهم براءة ونقص ذمة (التحفة 537 / 6).

(6) رواه الترمذي عن كعب بن عجرة وصححه (525 / 4) وقال في تحفة الأحوازي أخرجه النسائي وأحمد (التحفة 537 / 6).

الصفحة 231
بكذبهم وأعانهم على فجورهم فليس مني ولست منه ولا يرد علي حوضي " (1).

من هذه الأحاديث نرى أن هناك رؤوس وقواعد طواغيت ورعاع. مادتهم الكذب وهدفهم الفجور وبين هذا وذاك (رحماء) وغوغاء، وهؤلاء لا علاقة لهم بالكتاب. لأن الكتاب له هدف. ولا علاقة لهم بالعترة لأن العترة طاهرة وهؤلاء خرجوا من بحيرات الفجور والدنس. فطردهم من على الحوض شئ طبيعي.

لأنهم بغضوا الطهر والنقاء. بغضوا حكم الكتاب وحركة العترة. ومن كان شأنه هذا كانت النار مثواه، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " لا يبغضنا أهل البيت أحد إلا أدخله الله النار " (2)، وعن الحسن قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " لا يبغضنا أحد ولا يحسدنا أحد إلا دبر يوم القيامة عن الحوض " (3)، وعن أنس قال صلى الله عليه وآله: " لا يشربه أحد أخفر ذمتي ولا قتل أهل بيتي " (4)، ألم تقرأ من قبل الحديث الذي ذكرناه عن زيد بن أرقم قال النبي صلى الله عليه وآله لعلي وفاطمة والحسن والحسين: " أنا حرب لمن حاربتم وسلم لمن سالمتم " (5)، فلا عجب أن يطردوا عند الحوض. لأن الحجة قامت عليهم في الدنيا فضربوا بها عرض الحائط.

ثم نعود مرة أخرى لنعرف من هو الرجل، أو المنادي، أو الصارخ الذي

____________

(1) رواه ابن أبي عاصم بن كعب بن عجرة وقال الألباني حديث صحيح (كتاب السنة 353 / 2).

(2) رواه الحاكم عن أبي سعيد وقال حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه (المستدرك 150 / 3).

(3) رواه الطقراني (كنز العمال 104 / 12).

(4) رواه ابن مردويه (كنز 426 / 12) وابن عدي (كنز 435 / 14).

(5) تم تخريجه سابقا، رواه الترمذي عن زيد بن أرقم، والترمذي وابن ماجة والحاكم عن زيد أيضا. وأحمد والطبراني والحاكم عن أبي هريرة. ورواه الضياء بسند صحيح وابن حبان وابن أبي شيبة (الجامع الصحيح 699 / 5) (تحفة الأحوازي 372 / 10) (المستدرك 149 / 3) (كنز العمال 96، 97 / 12، 640 / 13)، (الفتح الرباني 106 / 22)، (البداية والنهاية 38 / 5).

الصفحة 232
جاء ذكره عند البخاري وأحمد وغيرهما. ولنبدأ من عند طرد الإبل الغريبة من على حوض النبي. روى مسلم عن أبي هريرة قال، قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لأذودن عن حوضي رجالا كما تذاد الغريبة من الإبل " (1)، ومعناه: كما يذود ساقي الناقة الغريبة عن إبله إذا أرادت الشرب مع إبله (2)، وهذا الحديث من جنس الحديث الذي رواه أحمد عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله غافر إلا من شرد على الله شراد البعير على أهله " (3) وبالجملة، بعد النظر في الروايات الواردة في الحوض ونحن نبحث عن الصارخ. وجدنا أنه علي بن أبي طالب عليه السلام.

روى الطبراني قال النبي صلى الله عليه وسلم: يا علي معك يوم القيامة عصا من عصي الجنة تذود بها المنافقين عن حوضي (4). وعن علي قال: أنا أذود عن حوض النبي صلى الله عليه وآله بيدي هاتين القصيرتين. الكفار والمنافقين. كما تذود السقاة غريبة الإبل عن حياضهم " (5)، وعن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: سألت ربي أن تسقي أمتي من حوضي فأعطاني " (6).

وروى، إن معاوية بن خديج كان يسب علي بن أبي طالب. يوم أن كان السب ثقافة أمر بها معاوية ابن أبي سفيان. فلقيه الحسن بن علي فقال له: أنت الساب لعلي! أما والله لتردن على الحوض. وما أراك أن ترده. فتجده مشمر الإزار على ساق يذود عنه. لا يأتي المنافقون ذود (كذا) غريبة الإبل. قول الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم وقد خاب من افترى (7).

____________

(1) رواه مسلم (الصحيح 64 / 15) ك الفضائل ب الحوض.

(2) مسلم شرح النووي 64 / 15.

(3) رواه أحمد والحاكم والضياء بسند صحيح (كنز العمال 12 / 16).

(4) رواه الطبراني وقال الهيثمي رواته ثقات (الزوائد 135 / 9).

(5) رواية الطبراني في الأوسط (الزوائد 135 / 9) (كنز العمال 157 / 13).

(6) رواه شاذان وقال السيوطي لهذا الحديث شاهد (كنز 152 / 13).

(7) رواه ابن أبي عاصم. واختلف أحد رواة الحديث وهو علي بن أبي طلحة. وقال

الصفحة 233
فالرجل والصارخ والمنادي الذي جاء ذكره في الروايات عند البخاري ومسلم وأحمد. وهو علي بن أبي طالب وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول لأصحابه: " لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا " (1)، وذهب صلى الله عليه وسلم يوما إلى القبور. فقال فيما رواه الحسن: السلام عليكم يا أهل القبور. لو تعلمون ما نجاكم منه مما هو كائن بعدكم. ثم قال لأصحابه:

هؤلاء خير منكم. إن هؤلاء خرجوا من الدنيا ولم يأكلوا من أجورهم شيئا.

وخرجوا وأنا الشهيد عليهم. وإنكم قد أكلتم من أجوركم ولا أدري ما تحدثون من بعدي (2)، وروى الإمام مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لشهداء أحد: هؤلاء أشهد عليهم، فقال أبو بكر الصديق: ألسنا يا رسول الله إخوانهم، أسلمنا كما أسلموا وجاهدنا كما جاهدوا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بلى، ولكن لا أدري ما تحدثون بعد. فبكى أبو بكر ثم بكى.

ثم قال: ائنا لكائنون بعدك (3).

إن الطريق إلى الحوض. هو نفسه الصراط المستقيم... الذي يكافح الشيطان وأعوانه من أجل أن يعرقلوا المسيرة البشرية التي خلقها الله لتسير إليه بعبادته سبحانه، والذين ارتدوا على أدبارهم القهقرى هم في الحقيقة الذي سقطوا في شباك الشيطان. قال تعالى: (إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعدما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم وأملى لهم) (4)، فالارتداد على الأدبار.

الرجوع إلى الاستدبار بعد الاستقبال. وهو استعارة أريد بها الترك بعد الأخذ.

وتسويل الشيطان لهم. أي زين لهم ما تحرص النفس عليه. وصور القبيح لهم

____________

الألباني: إن علي بن أبي طلحة سالم مولى بني العباس، وأخرج له مسلم وأصحاب السنن إلا الترمذي. وهو ليس مولى بني أمية كما وقع في الإسناد واتفق عليه الإمامان أحمد بن حنبل وأبو حاتم (كتاب السنة 261 / 2).

(1) رواه مسلم (كنز 408 / 11).

(2) رواه ابن المبارك عن الحسن مرسلا (كنز 179 / 11).

(3) موطأ مالك. كتاب الجهاد ص 371.

(4) سورة محمد: الآية 25.

الصفحة 234
في صورة الحسن. والطرد من على الحوض عقوبة شديدة يتذوقها الذين ارتدوا على أدبارهم قبل أن يذوقوا عذاب النار. قال تعالى: (والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار) (1). فقد بين تعالى جزاء عمل هذا النمط البشري وعاقبة أمرهم بقوله تعالى: (أولئك لهم اللعنة وسوء الدار " واللعن: الإبعاد من الرحمة والطرد من كل كرامة. وليس ذلك إلا لانكبابهم على الباطل ورفض الحق النازل من الله، وليس للباطل إلا البوار.

إن للمؤمنين سبيل فمن سلكه شرب ونال الثواب العظيم. ومن ارتد القهقرى فله الجهة التي ارتد إليها، قال تعالى: (ومن يشاقق الرسول من بعدما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا) (2)، وقيل: المراد بمشاقة الرسول بعد تبين الهدى. فخالفته وعدم إطاعته. وعلى هذا فقوله: " ويتبع غير سبيل المؤمنين " بيان آخر لمشاقة الرسول.

والمراد بسبيل المؤمنين. إطاعة الرسول. فإن طاعته طاعة لله. قال تعالى: (من يطع الرسول فقد أطاع الله) (3).

____________

(1) سورة الرعد: الآية 25.

(2) سورة النساء: الآية 115.

(3) سورة النساء: الآية 80.

الصفحة 235

سادسا - غروب الشمس والقمر

مما سبق علمنا منزلة علي بن أبي طالب. فهو من بني هاشم كالقمر في كبد السماء. وفي الحديث الصحيح قال النبي صلى الله عليه وسلم لبني هاشم: " إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا " (1)، ومن بني هاشم اخترق هذا التكليف والأمر جدار القبيلة. إلى دار الأمة فقال النبي صلى الله عليه وسلم مخاطبا أمته " علي مني وأنا منه ولا يؤدي عني إلا أنا أو علي " (2)، وقال: " من كنت مولاه فعلي مولاه " (3)، وقال لعلي: " أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي " (4)، إلى غير هذا من الأحاديث التي تلقتها الأمة بالقبول وصححها علماء الحديث.

فعلي بن أبي طالب له مكانه الواضح الظاهر في منطقة المركز. ثم في جميع مناطق الاتساع التي تنشأ نتيجة لحركة الدعوة. وهذا المكان تم تأمينه بوضع علامات تحذيرية من حوله. كي يعلم كل من يريده بسوء أن الأمر لن يكون سهلا عندما يقف التابع والمتبوع أمام الله تعالى يوم القيامة. ويكفي من

____________

(1) حديث قوله تعالى: (وأنذر عشيرتك الأقربين) رواه أحمد وابن جرير وصححه والطحاوي والضياء بسند صحيح، وتم تخريجه من قبل راجع (كنز العمال 129 - 133، 174، 175 / 13) (الفتح الرباني 122 / 23) (المستدرك 35 / 3).

(2) تم تخريجه والحديث صحيح راجع (جامع الترمذي 635، 636 / 5) (كنز العمال 599، 636 / 5).

(3) تم تخريجه والحديث صحيح راجع (الفتح الرباني 213 / 21) (كنز العمال 609 / 11، 134 / 13) (المستدرك 110 / 3) (الزوائد 104 / 9).

(4) رواه مسلم وغيره وتم تخريجه من قبل راجع (صحيح مسلم 174 / 15).