الصفحة 272
وشمالا. حتى بقي في أصحابه الذين جاؤوا معه من المدينة. وذكر الطبري:

وإنما فعل ذلك، لأنه ظن إنما اتبعه الأعراب، لأنهم ظنوا أنه يأتي بلدا قد استقامت له طاعة أهله، فكره أن يسيروا معه إلا وهم يعلمون على ما يقدمون.

وقد علم أنهم إذا بين لهم. لم يصحبه إلا من يريد مواساته والموت معه (1).

إلى هنا انتهت قصة الذين خذلوه في أصولها العريضة. فأي خطوة سيخطوها الحسين بعد ذلك فلن تكون بحال من أجل الذهاب إلى الذين خذلوه، وإنما ستكون نحو القوة الباغية التي تعوق تقدم الأمر الفطري بأحجار الكسروية وقيصرية وجاهلية. وانطلق الحسين حتى مر بطن العقبة فنزل بها، وبينما هو جالس جاءه أحد عمومته فسأله: أين تريد؟ فحدثه فقال للحسين: إني أنشدك الله لما انصرفت، فوالله لا تقدم إلا على الأسنة وحد السيوف، فإن هؤلاء الذين بعثوا إليك لو كانوا كفوك مؤنة القتال، ووطئوا لك الأشياء فقدمت عليهم، كان ذلك رأيا. فأما على هذه الحال التي تذكرها، فإني لا أرى لك أن تفعل. فقال الحسين: يا عبد الله إنه ليس بخفي علي الرأي ما رأيت، ولكن الله لا يغلب على أمره (2) ".

أي والله يا أبا عبد الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون. إن الناس لا يرون إلا أول الطريق أو وسطه أما نهاية الطريق فلا ترى إلا بعد أن تجئ. والله غالب على أمره. وروي أن ابن زياد بعث إلى الحصين بن نمير أن يبعث من القادسية الحر بن يزيد وبين يديه ألف من الجنود ليستقبل الحسين، وانطلق الحر بقواته لاستقبال الحسين ومراقبته.

وروي أن الحسين خرج فأمر مناديه فنادى بالعصر، وكان الحر وقواته يصلون مع الحسين وأتباعه، وبعد الصلاة: قام الحسين فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس فإنكم أن تتقوا وتعرفوا الحق لأهله يكن أرضى لله. ونحن أهل البيت أولى بولاية هذا الأمر عليكم من هؤلاء المدعين ما ليس لهم والسائرين

____________

(1) الطبري 226 / 6، البداية 169 / 8.

(2) الطبري 226 / 6.

الصفحة 273
فيكم بالجور والعدوان. وإن أنتم كرهتمونا وجهلتم حقنا. وكان رأيكم غير ما أتتني كتبكم وقدمت به علي رسلكم انصرفت عنكم " (1)، فالحسين يوضح هنا أن الدعوة إليه كانت صادرة من صدور ماضيه، وعلى هذا الرضى جاءت الرسائل التي لم يجد أمامها إلا أن يتحرك، وإنه لو لم تأت هذه الرسائل ما كان له أن يتحرك. وكيف يتحرك نحو قوم كرهوه وجهلوا حقه. فالرسائل هي دليل الرضا، والحر وقواته دليلا على كبت هذا الرضا. ولذا قال له الحر: إنا والله ما ندري ما هذه الكب؟ التي تذكر. فقال الحسين: يا عقبة بن سمعان أخرج الخرجين اللذين فيهما كتبهم إلي، فأخرج خرجين مملوءين صحفا. فنشرها بين أيديهم. فقال الحر: فإنا لسنا من هؤلاء الذين كتبوا إليك، وقد أمرنا إذا نحن لقيناك أن لا نفارقك حتى نقدمك على عبيد الله بن زياد. فقال له الحسين: الموت أدنى إليك من ذلك. قال الحر: لم أؤمر بقتالك وإنما أمرت أن لا أفارقك حتى أقدمك الكوفة، فإذا أبيت فخذ طريقا لا تدخلك الكوفة ولا تردك إلى المدينة، تكون بيني وبينك نصفا، حتى أكتب إلى ابن زياد. وتكتب أنت إلى يزيد بن معاوية إن أردت أن تكتب إليه أو إلى عبيد الله بن زياد إن شئت فلعل الله إلى ذلك أن يأتي بأمر يرزقني فيه العافية من أن أبتلى بشئ من أمرك (2). وسار الحسين في طريق والحر في طريق آخر يسايره ويراقبه.

وروي أن الحسين خطب أصحابه وأصحاب الحر بالبيضة. فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من رأى سلطانا جائرا مستحلا لحرم الله، ناكثا لعهد الله، مخالفا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغير عليه بفعل ولا قول. كان حقا على الله أن يدخله مدخله. إلا وإن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد، وعطلوا الحدود، واستأثروا بالفئ، وأحلوا حرام الله، وحرموا حلاله. وأنا أحق من غير، وقد آتتني

____________

(1) الطبري 228 / 6، البداية 172 / 8.

(2) الطبري 229 / 6، البداية 173 / 8.

الصفحة 274
كتبكم، وقدمت علي رسلكم ببيعتكم إنكم لا تسلموني ولا تخذلوني، فإن أتممتم علي بيعتكم تصيبوا رشدكم. فأنا الحسين بن علي وابن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، نفسي مع أنفسكم، وأهلي مع أهليكم، فلكم في أسوة، وإن لم تفعلوا ونقضتم عهدكم وخلعتم بيعتي من أعناقكم، فلعمري ما هي لكم بنكر. لقد فعلتموها بأبي وأخي وأبن عمي مسلم، والمغرور من اغتر بكم، فحظكم أخطأتم، ونصيبكم ضيعتم، ومن نكث فإنما ينكث على نفسه وسيغني الله عنكم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته (1).

إن الحسين وهو يخاطب الجنود الذين لم يكتبوا إليه، خاطبهم من على أرضيه الحجة، فوضعهم مع الذين بعثوا إليه في مربع واحد. فالذين بعثوا إليهم هم أشراف القوم ورؤوسهم، والجنود لا ينفصلوا عنهم بحال، لذا كان الخطاب واحدا وموجه إلى مربع واحد.

وروي أنه خطب فيهم بمنطقة ذي حسم، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:

إنه قد نزل من الأمر ما قد ترون. وإن الدنيا قد تغيرت وتنكرت، وأدبر معروفها، واستمرت جدا، فلم يبق منها إلا صبابة الإناء. وخسيس عيش كالمرعى الوبيل، ألا ترون أن الحق لا يعمل به، وأن الباطل لا يتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء الله محقا. فإني لا أرى الموت إلا سعادة، والحياة مع الظالمين إلا برما. وعندئذ قام زهير بن القين فقال لأصحابه: تتكلمون أم أتكلم. قالوا: بل تكلم، فحمد الله فأثنى عليه ثم قال: قد سمعنا هداك الله يا ابن رسول الله مقالتك. والله لو كانت الدنيا لنا باقية، وكنا فيها مخلدين، إلا أن فراقها في نصرك ومواساتك لآثرنا الخروج معك على الإقامة فيها. فدعا له الحسين. فأقبل الحر وقال: يا حسين إني أذكرك الله في نفسك، فإني أشهد لئن قاتلت لتقتلن، ولئن قوتلت لتهلكن فيما أرى، فقال له الحسين: أفبالموت تخوفني؟ ما أدري ما أقول لك، ولكن أقول كما قال أخو الأوس لابن عمه ولقيه وهو يريد نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال له: أين تذهب

____________

(1) الطبري 229 / 6، الكامل لابن الأثير 285 / 3، نهاية الإرب 419 / 20.

الصفحة 275
فإنك مقتول فقال:

سأمضي وما بالموت عار على الفتي * إذا ما نوى حقا وجاهد مسلما
وواسى الرجال الصالحين بنفسه * وفارق مثبورا وخالف مجرما

فلما سمع ذلك منه الحر تنحى عنه وسار، وكان يسير بأصحابه في ناحية وحسين في ناحية أخرى، وبينما هم على ذلك إذا بأربعة من الكوفة قد أقبلوا على رواحلهم، وعندما انتهوا إلى الحسين قال الحر بن يزيد: إن هؤلاء النفر الذي من أهل الكوفة، ليسوا ممن أقبل معك، وأنا حابسهم أو رادهم فقال الحسين: لأمنعنهم بما أمنع منه نفسي، إنما هؤلاء أنصاري وأعواني. وقد كنت أعطيتني أن لا تعرض لي بشئ حتى يأتيك كتاب من ابن زياد، فقال الحر: أجل ولكن لم يأتوا معك، قال: هم أصحابي وهم بمنزلة من جاء معي. فإن تممت علي ما كان بيني وبينك وإلا ناجزتك، فكف عنهم الحر (1).

وروي أن الحسين قال لهم: أخبروني خبر الناس وراءكم، فقال له مجمع بن عبد الله، وهو أحد النفر الأربعة الذين جاؤوه: أما أشراف الناس فقد أعظمت رشوتهم، وملئت غرائرهم، يستمال ودهم، ويستخلص به نصيحهم، فهم ألب واحد عليك. وأما سائر الناس بعد. فإن أفئدتهم تهوى إليك، وسيوفهم غدا مشهورة عليك. قال أخبرني فهل لكم برسولي إليكم؟ قالوا: من هو؟ قال: قيس بن مسهر. فقالوا: نعم. أخذه الحصين بن نمير، فبعث به إلى ابن زياد، فأمره ابن زياد أن يلعنك ويلعن أباك، فصلى عليك وعلى أبيك. ولعن ابن زياد وأباه. ودعا إلى نصرتك. وأخبرهم بقدومك، فأمر به ابن زياد فألقى من طمار القصر، فترقرقت علينا حسين عليه السلام، ولم يملك دمعه، ثم قال:

منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا. الله اجعل لنا ولهم الجنة نزلا، واجمع بيننا وبينهم في مستقر من رحمتك ورغائب مذخور ثوابك " (2).

وكان الحسين قد علم بقتل مسلم بن عقيل، وهانئ بن عروة، وعبد الله بن يقطر.

____________

(1) الطبري 230 / 6، البداية 173 / 8.

(2) الطبري 230 / 6، البداية 173 / 8.

الصفحة 276
عندما نزل بزباله. ولم يكن يعلم بقتل قيس إلا هنا عندما قابل النفر الأربعة.

ولأن الحسن حجة وخطواته من أجل هدف ومن وراء الهدف حكمة، لم يلجأ إلى أي قوة لتحميه من بني أمية. فهو سائر على طريق، فمن شاء أن ينصره فلينصره، والموعد الله: لقد عرض عليه أن يلجأ إلى قرية أو إلى قبيلة من القبائل، ولكنه أبى إلا أن يسير نحو الهدف. روي أن الطرماح بن عدي قال له:

إني لأنظر فما أرى معك أحدا، ولو لم يقاتلك إلا هؤلاء الذين أراهم ملازميك لكان كفى بهم - أي قوات الحر - وقد رأيت قبل خروجي من الكوفة إليك، ظهر الكوفة وفيه من الناس ما لم تر عيناي في صعيد واحد جمعا أكثر منه. فسألت عنهم. فقيل: إنهم اجتمعوا ليعرضوا، ثم يسرحون إلى الحسين. فأنشدك الله، إن قدرت على أن لا تقدم عليهم شبرا إلا فعلت، فإن أردت أن تنزل بلدا يمنعك الله به حتى ترى من رأيك، ويستبين لك ما أنت صانع. فسر حتى أنزلك مناع جبلنا، الذي يدعى أجا، امتنعنا والله به من ملوك غسان وحمير ومن النعمان بن المنذر ومن الأسود والأحمر. والله إن دخل علينا ذل قط فأسير معك. حتى أنزلك القرية. ثم نبعث إلى الرجال ممن بأجا وسلمى من طئ.

فوالله لا يأتي عليك عشرة أيام حتى يأتيك طئ رجالا وركبانا. ثم أقم فينا ما بدا لك، فإن هاجاك هيج، فأنا زعيم لك بعشرين ألف طئ يضربون بين يديك بأسيافهم، والله لا يوصل إليك أبدا ومنهم عين تطرف (1).

إن هذا عرض سخي، ولكنه لا يستقيم مع الحجة في هذه الأحداث، لأن الهجرة إلى موطن آخر. تفرضها أحداث أخرى وإنسان آخر. أما الأحداث حول أبي عبد الله الحسين فتدور على ساحة يدعى تيار القوة أنه منار الهدى فيها، وأنه الجماعة التي أمر الله بالتزامها، لهذا فلا بد من المفاصلة لا إلى الهجرة. لهذا قال أبو عبد الله الحسين لمن عرض هذا العرض: جزاك الله وقومك خيرا. إنه قد كان بيننا وبين هؤلاء القوم قول لسنا نقدر معه على الانصراف (2).

____________

(1) الطبري 231 / 6.

(2) الطبري 231 / 6.

الصفحة 277
إن المفاضلة لا بد منها، والحق واضح وضوح الشمس، والأربعة الذين فارقوا؟ أهل الكوفة هم في حقيقة الأمر حجة على أهل الكوفة الذين خذلوا الحسين. فالحسين كان في حاجة إلى الناس، لأنه حجة ظاهرة فيه من الله برهان، ولم يكن في حاجة لكي يقتحم بنفسه على الناس، لأن الحركة حركة اختيار لينظر الله كيف يعملون. وفي هذا المقام نسلط الضوء على ثلاث حركات لها إيقاع واحدة في دائرة الحجة.

أولها: أن الطرماح بن عدي، الذي عرض عليه العرض السابق ذكره، قال للحسين بعد أن سمع منه: دفع الله عنك شر الجن والإنس، إني قد امترت لأهلي من الكوفة ميره ومعي نفقة لهم. فأتيهم فأضع ذلك فيهم ثم أقبل إليك إن شاء الله فإن ألحقك فوالله لأكونن من أنصارك. فقال له الحسين: فإن كنت فاعلا فعجل رحمك الله. يقول الطرماح: فعلمت أنه مستوحش إلى الرجال حتى يسألني التعجيل (1). فهو في هذه الحركة وهذا الايقاع يطلب الرجال. الذين يعلمون إلى أي هدف يسيرون.

ثانيها: ما رواه البغوي بسند صحيح أن أنس بن الحارث قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن ابني - يعني الحسين - يقتل بأرض يقال لها كربلاء، فمن شهد منكم ذلك فلينصره.

وخرج الحارث إلى كربلاء فقتل مع الحسين (2). فالحارث عمل بما سمع، ما سمعه كان حجة ليس على الحارث وحده، وإنما حجة على طريق طويل. وعلى عصر ما الحارث فيه إلا فردا واحدا.

ثالثها: ما رواه الطبري من أن الحسين دخل إلى فسطاط عبيد الله بن الحر الجعفي. وقال: ادعوه لي فلما أتاه الرسول قال لعبيد الله بن الحر: هذا الحسين بن علي يدعوك. فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون والله ما خرجت من

____________

(1) الطبري 231 / 6.

(2) البداية والنهاية (199 / 8).

الصفحة 278
الكوفة. إلا كراهة أن يدخلها الحسين وأنا بها. والله ما أريد أن أراه ولا يراني.

فأخبر الرسول الحسين بذلك. فأخذ الحسين نعليه ثم قام فجاءه، فسلم وجلس، ثم دعاه إلى الخروج معه. فأعاد إليه ابن الحر تلك المقالة. فقال له الحسين:

فإلا تنصرنا، فاتق الله فينا إن تكون ممن يقاتلنا، فوالله لا يسمع وأعيتنا أحد، ثم لا ينصرنا إلا هلك. فقال ابن الحر: أما هذا فلا يكون أبدا إن شاء الله (1)، فالحسين هنا دعا وذكر وأنذر. ولم يلوح بدينار ولا بدرهم. فمما سبق نرى أنه طلب الرجال الذين يعرفون الموقف على حقيقته. ولقد أوردنا قبل ذلك أنه قال في بيانه الذي ألقاه بعد أن علم بقتل رسله " فمن أحب منكم الانصراف، فليس عليه منا ذمام " لأنه كره أن يسير معه الأعراب وغيرهم، إلا وهم يعلمون حقيقة ما يقدمون عليه. أنه يريد الرجال الذين يسيرون بوقود فيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم برهان، لأن هؤلاء ذروة الذين يؤمنون بالغيب. فأحاديث الإخبار بالغيب. بما أنها تفصل بين الحق والباطل، وبين الظلام والنور وبما أنها تبين ماذا يترتب على الانحراف. وأين تقع بصمات التزيين والإغواء، التي أخذ الشيطان على عاتقه أن يضعها ليقع عليها أكثر الناس ولا يؤمن منهم إلا القليل.

وبما أنها حجة على الأكثرية، لأن الله تعالى كشف لهم بهذه الأحاديث أمورا حتى لا تكون لهم حجة على الله يوم القيامة. (أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين * أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون * وكذلك نفصل الآيات ولعلهم يرجعون) (2). وبما أن في أحاديث الإخبار بالغيب مبشرات بعد أن ذهبت النبوة وفيها محذرات، فكذلك هي في عهد الحسين، إن فيها إخبار بالدم، ومن لبي النداء فهو إلى القتل أقرب.

لهذا فمن يشهد الحسين ونصره، وهو على بينة من أمره، يكون في ذروة دائرة الذين يؤمنون بالغيب. وفي عصر الحسين يدخل في هذه الدائرة الذين كان هواهم فيه ولم يشهدوا خروجه، ويدخل فيها بني هاشم الذين شهدوا خروجه ولم يخرجوا - وذلك لأن الحسين أذن لهم في البقاء. ومنهم من كان يبعث إليه

____________

(1) الطبري 231 / 6.

(2) سورة الأعراف: الآية 172 - 174.

الصفحة 279
بالرسائل ليحيطه علما بما وراءه من أحداث. وفي هذه الآونة كان بني أمية يطلبونه ليقتلوه ومنهم من كان يشرح قضيته للأشراف الذين جاؤوا من الأمصار إلى موسم الحج.

تاسعا - وجاء الطغاة:

في الكوفة بدأت القيادة العليا تعد العدة للقضاء على الحسين ومن معه، وكانت الخطوة الأولى نحو هذا الهدف أمر القيادة الصادر إلى الحر بن يزيد، الذي يلازم الحسين ويسير معه كظله، وفيه: أما بعد، فجعجع بالحسين حتى يبلغك كتابي ويقدم عليك رسولي، فلا تنزله إلا بالعراء في غير حصن وعلى غير ماء، وقد أمرت رسولي أن يلازمك ولا يفارقك حتى يأتيني بإنفاذك أمري " (1).

وبعد أن قرأ الحر البيان قال للحسين هذا كتاب الأمير عبيد الله بن زياد، وهذا رسوله. فنظر أحد أتباع الحسين إلى رسول ابن زياد فعرفه فقال له: ثكلتك أمك، ماذا جئت فيه؟ فقال له: وما جئت فيه أطعت إمامي ووفيت ببيعتي، فقال: عصيت ربك وأطعت إمامك في هلاك نفسك، كسبت العار والنار، قال تعالى: (وجعلنا منهم أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون) فهو إمامك (2).

وسار الحسين والحر بن يزيد يرفض أن تنزل قافلة الحسين إلى أي مكان به ماء، وروي أن زهير بن القين قال للحسين: يا ابن رسول الله، إن قتال هؤلاء أهون من قتال من يأتينا من بعدهم... فقال الحسين: ما كنت لأبدأهم بالقتال، فقال له زهير: سر بنا إلى هذه القرية حتى ننزلها، فإنها حصينة، وهي على شاطئ الفرات، فإن منعونا قاتلناهم. فقال الحسين: وأية قرية هي قال: هي العقر، فقال: اللهم إني أعوذ بك من العقر (3).

____________

(1) الطبري 232 / 6.

(2) الطبري 232 / 6.

(3) الطبري 232 / 6.

الصفحة 280
وبينما كان الحسين في قرية العقر، كان ابن زياد قد بعث إليه بقوة عسكرية تحت قيادة عمر بن سعد بن أبي وقاص. وكان ابن زياد قد كتب لعمر ولاية الري إذا رجع من حرب الحسنين، فجد الرجل وشمر عن ساعده (1). وعندما جاء بعث إلى الحسين يسأله ما الذي جاء به، وماذا يريد؟ فأخبر الحسين رسوله:

كتب إلي أهل مصركم هذا أن أقدم، فأما إذ كرهوني فأنا انصرف عنهم (2) وبهذا الرد طوق الحسين النظام بطوق الحجة، لقد أخبرهم أن الأشراف وغيرهم كتبوا إليه ومعه الدليل على ذلك. فإذا كانوا قد كرهوه فقد كان عليهم أن يبينوا له ذلك، وعندئذ ينصرف عنهم. ولكن الحال الآن أنه لا يراهم وإنما يرى جنودا مجندة تنتشر حوله في كل مكان. فإذا كان الجند قد جاؤوا ليبلغوه رد الذين كتبوا إليه، فهو على استعداد أيضا للانصراف.

ولقد كان في هذا الرد ما أزاح الستار عن وجه السياسة الأموية، فعندما كتب عمر بن سعد إلى عبيد الله بن زياد: " أما بعد فإني حيث نزلت بالحسين بعثت إليه رسولي، فسألته عما أقدمه، وماذا يطلب ويسأل، فقال: كتب إلي أهل هذه البلاد، وآتتني رسلهم فسألوني القدوم ففعلت، فأما إذ كرهوني فبدا لهم غير ما أتتني به رسلهم. فأنا منصرف عنهم " (3). قال ابن زياد:

الآن إذا علقت مخالبنا به * يرجو النجاة ولات حين مناص

وكتب إلى عمر بن سعد: أما بعد فقد بلغني كتابك وفهمت ما ذكرت.

فأعرض على الحسين أن يبايع ليزيد بن معاوية هو وجميع أصحابه. فإذا فعل ذلك رأينا رأينا والسلام (4). فالتيار الأموي رفض تقديم أي دليل يثبت أن الناس كرهوا الحسين، بل ورفض أن تقوم قواته المسلحة بإبلاغ الحسين أن الناس قد كرهوه، لأن تقديم ذلك إليه سيؤدي إلى نجاته، وهم لا يريدون ذلك.

____________

(1) الإصابة 17 / 2، الطبري 233 / 6.

(2) الطبري 334 / 6.

(3) الطبري 334 / 6.

(4) الطبري 334 / 6.

الصفحة 281
باختصار: كان التيار الأموي قد سبح شوطا طويلا في مستنقعات الأوحال. حيث البغي والنكث والفساد في الأرض... لقد رفضوا إظهار بينة، وهذا من أمور الدين. وطالبوه بمبايعة يزيد بن معاوية، وهذا ليس من أمور الفطرة. وأوصاف يزيد التي اتفق عليها العلماء تثبت ذلك. والذين قالوا إن الحسين طلب أن يضع يده في يد يزيد أو طلب منهم أن يسيروه إلى أي ثغر من ثغور المسلمين لم يصيبوا الحقيقة، لأن هذه الأقوال لا تستقيم مع المقدمات، وإذا كانت هناك أحاديث قد روت هذا، فإن هناك ما يعارضها فعن عقبة بن سمعان قال: صحبت حسينا فخرجت معه من المدينة إلى مكة ومن مكة إلى العراق، ولم أفارقه حتى قتل. وليس من مخاطبته الناس كلمة بالمدينة ولا بمكة. ولا في الطريق ولا بالعراق ولا في عسكر إلى يوم مقتله إلا وقد سمعتها. ألا والله ما أعطاهم ما يتذاكر الناس. وما يزعمون من أن يضع يده في يد يزيد بن معاوية، ولا أن يسير إلى ثغر من ثغور المسلمين ولكنه قال: دعوني فلأذهب في هذه الأرض العريضة حتى ننظر ما يصير من أمر الناس (1). فهذا القول يستقيم مع المقدمة وفيه حجة على القوم الذي يريدون قتله.

وبعد وصول كتاب ابن زياد إلى عمر بن سعد، صدر إليه الأمر التالي: من عبيد الله بن زياد إلى عمر بن سعد. أما بعد، فخل بين الحسين وأصحابه وبين الماء، ولا يذوقوا منه قطرة، كما صنع بالتقي الزكي المظلوم أمير المؤمنين عثمان بن عفان ". فبعث عمر بن سعد خمسمائة فارس، على رأسهم عمرو بن الحجاج، فنزلوا على الشريعة وحالوا بين حسين وأصحابه وبين الماء أن يسقوا منه قطرة، وذلك قبل قتل الحسين بثلاث. وبينما جنود بني أمية عند الماء، نادى عبد الله بن أبي حصين على الحسين وقال: يا حسين ألا تنظر إلى الماء كأنه كبد السماء، والله لا تذوق منه قطرة حتى تموت عطشا. فقال الحسين: اللهم اقتله عطشا ولا تغفر له أبدا.

روي أن حميد بن مسلم قال: إنه شاهد ابن أبي حصين بعد ذلك في

____________

(1) الطبري 335 / 6، البداية 175 / 8.

الصفحة 282
مرضه. فوالله الذي لا إله إلا هو لقد رأيته يشرب حتى يغر، ثم يقئ، ثم يعود فيشرب حق يقر، فما زال ذلك دأبه حتى لفظ نفسه (1).

ورغم قرار منع الماء عن الحسين إلا أن فوارس الحسين كانوا يحصلون على الماء، بدفع الحراس عنها بين حين وآخر (2). وروي أن عمر بن سعد كان يريد أن يفتح بابا للسلامة والعافية، فكتب إلى ابن زياد بذلك، فبعث إليه ابن زياد كتاب مع شمر بن ذي الجوشن، وقال لشمر: أخرج بهذا الكتاب إلى عمر بن سعد فليعرض على الحسين وأصحابه النزول على حكمي، فإن فعلوا فليبعث بهم إلي سلما، وإن هم أبو فليقاتلهم، فإن فعل فاسمع له وأطع، وإن هو أبى فقاتلهم، فأنت أمير الناس، وثب عليه فاضرب عنقه وابعث إلي برأسه (3). وكانت الرسالة التي حملها شمر إلى عمر بن سعد، تحمل في مضمونها أمر القتال، وفيها: أما بعد، فإني لم أبعثك إلى حسين لتكف عنه، ولا لتطاوله، ولا لتمنيه السلامة والبقاء ولا لتقعد له عندي شافعا. انظر، فإن نزل حسين وأصحابه على الحكم واستسلموا فأبث بهم إلي سلما. وإن أبوا فازحف إليهم حتى تقتلهم وتمثل بهم فإنهم لذلك مستحقون، فإن قتل حسين فأوطئ الخيل صدره وظهره، فإنه عاق مشاق قاطع ظلوم، إن أنت مضيت لأمرنا فيه، جزيناك جزاء السامع المطيع، وإن أبيت فاعتزل عملنا وجندنا، وخل بين شمر بن ذي الجوشن وبين العسكر فإنا قد أمرناه بأمرنا... " (4).

وعندما حمل شمر الرسالة إلى عمر بن سعد واطلع عليها قال شمر:

أخبرني ما أنت صانع، أتمضي لأمر أميرك وتقتل عدوه، وإلا فخل بيني وبين الجند والعسكر، فقال له: لا ولا كرامة لك، وأنا أتولى ذلك (5). ونادى

____________

(1) الطبري 334 / 6.

(2) الطبري 334 / 6.

(3) الطبري 336 / 6، البداية 172 / 8.

(4) الطبري 336 / 6، البداية 175 / 8.

(5) الطبري 337 / 6، البداية 175 / 1.

الصفحة 283
عمر بن سعد: يا خيل الله اركبي وابشري! فركب في الناس، ثم زحف نحو الحسين بعد صلاة العصر وحسين جالس أمام بيته محتبيا بسيفه إذ خفق برأسه على ركبتيه، وسمعت أخته زينب الصيحة فدنت من أخيها فقالت: يا أخي أما تسمع الأصوات قد اقتربت. فرفع الحسين رأسه وقال: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فقال لي: إنك تروح إلينا (1).

وبينما كانت الخيل تتقدم، اتجه العباس بن علي إليهم، وعندما انتهى إليهم قال: يا هؤلاء إن أبا عبد الله يسألكم أن تنصرفوا هذه العشية، حتى ينظر في هذا الأمر.... فإذا أصبحنا التقينا. وإنما أراد بذلك أن يردهم عنه تلك العشية حتى يأمر بأمره، ويوصي أهله. فجاء رسول من قبل عمر بن سعد إلى معسكر الحسين وقال: إنا قد أجلناكم إلى غد، فإن استسلمتم سرحنا بكم إلى أميرنا عبيد الله بن زياد وإن أبيتم فلسنا تاركيكم (2). وأثناء الليل جمع الحسين أصحابه وقال: إني لا أعلم أصحابا أوفى ولا خيرا من أصحابي. ولا أهل بيت أبر ولا أوصل من أهل بيتي، فجزاكم الله عني جميعا خيرا. ألا وإني أظن يومنا من هؤلاء الأعداء غدا. إلا وإني قد رأيت لكم، فانطلقوا جميعا في حل، ليس عليكم مني ذمام، هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا، ثم ليأخذ كل رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي، ثم تفرقوا في سوادكم ومدائنكم حتى يفرج الله، فإن القوم إنما يطلبوني، ولو قد أصابوني لهوا عن طلب غير (3).

فقال له أخوته وأبناؤه، وبنو أخيه، وابنا عبد الله بن جعفر: لم نفعل لنبقى بعدك، لا أرانا الله ذلك أبدا. وقام إليه مسلم بن عوسجة فقال: أنحن نخلي عنك، ولما نعذر إلى الله في أداء حقك، أما والله حتى أكسر في صدورهم رمحي، وأضربهم بسيفي ما ثبت قائمة في يدي، ولا أفارقك، ولو لم يكن معي سلاح أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة دونك حتى أموت معك. وتكلم جماعة

____________

(1) الطبري 337 / 6.

(2) الطبري 238 / 6.

(3) البداية 176 / 8، الطبري 239 / 6.

الصفحة 284
من أصحابه بكلام يشبه بعضه بعضا في وجه واحد، فقالوا: والله لا نفارقك ولكن أنفسنا لك الفداء، نقيك بنحورنا، وجباهنا، وأيدينا، فإذا نحن قتلنا، كنا وفينا وقضينا ما علينا (1).

وقام الحسين وأصحابه إلى الصلاة، فقاموا الليل كله، يصلون ويستغفرون ويدعون ويتضرعون. والحسين يقرأ قوله تعالى: (ولا يحسبن الذين كفروا إنما نملي لهم خيرا لأنفسهم. إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب) (2).

وفي الصباح، وكان يوم سبت، وكان ذلك اليوم يوم عاشوراء، خرج الحسين فيمن معه من الناس. وكان معه اثنان وثلاثون فارسا وأربعون راجلا، فعبأهم وصلى بهم صلاة الغداة، وجعل البيوت في ظهورهم وأمر بحطب وقصب كان من وراء البيوت تحرق بالنار مخافة أن يأتوهم من ورائهم (3). وكل ذلك من باب الأخذ بالأسباب. وروي أن الحسين رفع يده ودعا الله تعالى، فلما دنا منه القوم، دعا براحلته، فركبها ثم نادى بأعلى صوته: أيها الناس، اسمعوا قولي، ولا تعجلوني حتى أعظكم بما هو حق لكم علي، وحتى أعتذر إليكم من مقدمي عليكم، فإن قبلتم عذري، وصدقتم قولي وأعطيتموني النصف، كنتم بذلك أسعد، ولم يكن لكم علي سبيل. وإن لم تقبلوا مني العذر ولم تعطوا النصف من أنفسكم " فاجمعوا أمركم وشركاءكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة. ثم اقضوا إلي ولا تنظرون إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين. " فلما سمع أخواته كلامه هذا، صحن وبكين، وبكى بناته فارتفعت أصواتهن. فأرسل إليهن أخاه العباس بن علي، وعليا ابنه، وقال لهما: أسكتاهن فلعمري ليكثرن بكاؤهن. فلما سكتن حمد الله وأثنى عليه، وذكر الله بما هو أهله، وصلى على محمد صلى الله عليه وسلم وعلى ملائكته وأنبيائه، يقول الضحاك: فوالله ما

____________

(1) البداية 177 / 8، الطبري 239 / 6.

(2) الطبري 240 / 6، البداية 178 / 8.

(3) الطبري 241 / 6.

الصفحة 285
سمعت متكلما قط قبله ولا بعده أبلغ في منطق منه. ثم قال الحسين: أما بعد، فانسبوني، فانظروا من أنا؟ ثم ارجعوا إلى أنفسكم وعاتبوها، فانظروا أهل يحل لكم قتلي وانتهاك حرمتي؟ ألست ابن بنت نبيكم صلى الله عليه وسلم، وابن وصيه وابن عمه، وأول المؤمنين بالله، والمصدق لرسوله بما جاء من عند ربه.

أو ليس حمزة سيد الشهداء عم أبي. أو ليس جعفر الشهيد الطيار ذو الجناحين عمي، أولم يبلغكم قول مستفيض فيكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي ولأخي: " هذان سيدا شباب أهل الجنة "، فإن صدقتموني بما أقول، وهو الحق والله ما تعمدت كذبا مذ علمت أن الله يمقت عليه أهله، ويضر به من اختلقه، وإن كذبتموني، فإن فيكم من إن سألتموه عن ذلك أخبركم، سلوا جابر بن عبد الله الأنصاري، أو أبا سعيد الخدري، أو سهل بن سعد الساعدي، أو زيد بن أرقم، أو أنس بن مالك، يخبروكم أنهم سمعوا هذه المقالة من رسول الله صلى الله عليه وسلم لي ولأخي. أما في هذا حاجز لكم عن سفك دمي، فإن كنتم في شك من هذا القول أفتشكون أثرا ما أني ابن بنت نبيكم، فوالله ما بين المشرق والمغرب ابن بنت نبي غيري لا منكم ولا من غيركم، أنا ابن بنت نبيكم خاصة، أخبروني أتطلبوني بقتيل منكم قتلته، أو مال لكم استهلكته، أو بقصاص من جراحه، ثم نادى: يا شبث بن ربعي، ويا حجار بن ابجر، ويا قيس بن الأشعث، ويا يزيد بن الحارث، ألم تكتبوا إلي أن قد أينعت الثمار واخضر الجناب وطمت الجمام، وإنما تقدم على جند لك مجند فأقبل؟

فقالوا له: لم نفعل. فقال: سبحان الله، بل والله لقد فعلتم، ثم قال: أيها الناس إذ كرهتموني فدعوني أنصرف عنكم إلى مأمني من الأرض. فقال له قيس بن الأشعث: أولا تنزل على حكم بني عمك، فإنهم لن يروك إلا ما تحب ولن يصل إليك منهم مكروه. فقال الحسين: أنت أخو أخيك، أتريد أن يطلبك بنو هاشم بأكثر من دم مسلم بن عقيل، لا والله لا أعطيهم بيدي إعطاء الذليل ولا أقر إقرار العبيد، عباد الله " إني عذت بربي وربكم أن ترجمون "، " أعوذ بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب "، ثم أناخ في راحلته، وأمر عقبة بن سمعان

الصفحة 286
فعقلها وأقبلوا يزحفون نحو (1).

قال كثير بن عبد الله الشعبي: لما زحفنا قبل الحسين، خرج إلينا زهير بن القين فقال: يا أهل الكوفة، نذار لكم من عذاب الله نذران. حقا على المسلم نصيحة أخيه المسلم. ونحن الآن إخوة وعلى دين واحد وملة واحدة، ما لم يقع بيننا وبينكم السيف، وأنتم للنصيحة منا أهل، فإذا وقع السيف انقطعت العصمة، وكنا أمة وأنتم أمة، إن الله ابتلانا وإياكم بذرية نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم، لينظر ما نحن وأنتم عاملون، إنا ندعوكم إلى نصرهم، وخذلان الطاغية عبيد الله بن زياد، فإنكم لا تدركون منهما إلا بسوء عمر سلطانهما كله ليسملان أعينكم، ويقطعان أيديكم وأرجلكم ويمثلان بكم، ويرفعانكم على جذوع النخل، ويقتلان أماثلكم وقراءكم أمثال حجر بن عدي وأصحابه، وهانئ بن عروة وأشباهه. وعند ما قال لهم زهير ذلك، سبوه وأثنوا على عبيد الله بن زياد ودعوا له، وقالوا: والله لا نبرح حتى نقتل صاحبك ومن معه، أو نبعث به وبأصحابه إلى الأمير عبيد الله سلما. فقال لهم: عباد الله إن ولد فاطمة رضوان الله عليها أحق بالود والنصر من ابن سمية. فإن لم تنصروهم، فأعيذكم بالله أن تقتلوهم، فخلوا بين هذا الرجل وبين يزيد بن معاوية... فرماه شمر بن ذي الجوشن بسهم وقال: اسكت اسكت الله نأمتك أبرمتنا بكثرة كلامك. فأقبل زهير على الناس رافعا صوته: عباد الله، لا يغرنكم من دينكم هذا الجلف الجافي وأشباهه فوالله لا تنال شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم قوما هرقوا دماء ذريته وأهل بيته، وقتلوا من نصرهم وذب عن حريمهم. فناداه رجل من معسكر الحسين: يا زهير، أن أبا عبد الله يقول لك أقبل، فلعمري لئن كان مؤمن آل فرعون نصح لقومه وأبلغ في الدعاء، لقد نصحت لهؤلاء وأبلغت لو نفع النصح والإبلاغ (2).

وهكذا قامت الحجة عليهم من كل اتجاه، ليقفوا عراة أمام التاريخ، ويقفوا في الدائرة الأضيق عندما يعرضون على الله قاصم الجبارين. وبينما كان أبناء

____________

(1) الطبري 242 / 6، البداية 179 / 8.

(2) الطبري 244 / 6، البداية 180 / 8.

الصفحة 287
ثقافة السب وعبيد الدينار يستعدون لاجتياح معسكر الحسين، كان هناك رجل بين الرجال يراقب الأحداث ويسمع من هذا ومن ذاك، إنه الحر بن يزيد، الذي كانت مهمته، تنحصر في مراقبة الحسين على طول الطريق إلى الكوفة. وروي أن الحر ركب فرسه ونظر إلى معسكر الحسين، فقال له المهاجر بن أوس: ما تريد يا ابن يزيد؟ أتريد أن تحمل؟ فسكت. فقال له الرجل: يا ابن يزيد والله إن أمرك لمريب. فقال له: إني والله أخير نفسي بين الجنة والنار، ووالله لا أختار على الجنة شيئا ولو قطعت وحرقت، ثم ضرب فرسه فلحق بالحسين عليه السلام فقال له: جعلني الله فداك يا ابن رسول الله، أنا صاحبك الذي حبستك عن الرجوع، وسايرتك في الطريق وجعجعت بك في هذا المكان.. وإني جئتك تائبا مما كان مني إلى ربي ومواسيا لك بنفسي حتى أموت بين يديك، أفترى ذلك لي توبة؟ قال: نعم يتوب الله عليك ويغفر لك (1).

عاشرا - القتلة واللصوص:

بعد أن وقف الحر بن يزيد في معسكر الحسين، خاطب القوات الأموية فقال: " ويحكم منعتم الحسين ونساءه وبناته ماء الفرات الذي يشرب منه اليهود والنصارى، ويتمرغ فيه خنازير السواد وكلابه، فهو كالأسير في أيديكم لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا (2). وبدأ الحسين بن علي عليه السلام، يتصرف وفقا لما أخبره النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم بخصوص نهايته. فقال الحسين:

إئتوني ثوبا لا يرغب فيه أحد، أجعله تحت ثيابي. فأتوه بتبان فقال: لا.

ذاك لباس من ضربت عليه الذلة، فأخذ ثوبا مخرقة، فجعله تحت ثيابه حتى إذ قتل وجردوه من ثيابه بقي عليه هذا الثوب (3).

وبدأت المعركة، معركة الطهر ضد الرجس، معركة قتلت فيها القوات الأموية الأطفال، واستعملت أساليب في القتال، يندى لها الجبين خجلا. ليس

____________

(1) الطبري 244 / 6، البداية 180 / 8.

(2) البداية والنهاية 181 / 8.

(3) سروال صغير يستر العورة المغلظة فقط، ويلبسه الفلاحون.

الصفحة 288
لأنها لا تستقيم مع تعاليم الإسلام، ولكن لأنها لا تستقيم مع المروءة العربية الجاهلية. ولقد حدثنا التاريخ عن معارك قادها جنكيزخان، وهولاكو، والقياصرة، والأكاسرة. وعلمنا سيرة قادتهم مع أبناء الملوك المهزومين، وكيف كانوا يتعاملون معهم وفقا لأعراف وقوانين متفق عليها. وعلمنا من تاريخهم أيضا أن الجبان ليس هو الإنسان الذي يفر من ساحة القتال وإنما هو ذلك الإنسان الذي إذا قدر كان أكثر جبنا أي أكثر قتلا. والتحرك الأموي في كربلاء ضد أبناء النبي صلى الله عليه وسلم، هو في كثير من بنوده، لا يرتقي إلى مستوى تعامل الجبابرة مع أبناء الملوك المنهزمين. ويلتقي مع تعريف الإنسان الأكثر جبنا.

وفيما سبق ألقينا الضوء على تحرك الحسين نحو كربلاء من مصادر معتمدة ومعتبرة، ألا وهي: الطبري في كتابه المسمى بتاريخ الأمم والملوك، والبداية والنهاية لابن كثير، ولقسوة بني أمية كقادة وأمراء، وأهل الكوفة كجنود لهذه السياسة، سيكون مصدرنا الأساسي في إلقاء الضوء على ساحة المعركة هو، البداية والنهاية لابن كثير. وما اتفق معه من مصادر سنبينه بالهامش. واختيارنا لهذا المصدر في هذا الموضع بالذات له أسبابه. منها حتى لا يقال إن الأحداث مبالغ فيها. ومنها أن ابن كثير في كتابه يميل ميلا كبيرا نحو السياسة الأموية في خطوطها العريضة، وإن كان ينتقدها في بعض الأمور الثانوية، إلا أنه مؤيد لرموزها بلا استثناء، وهذا يجعل تلقي أخبار القتال مقبولا ولا شبهة فيه. ولقد أجاد ابن كثير عندما تحدث عن مقتل الحسين تحت عنوان " وهذه صفة مقتله مأخوذة من كلام أئمة هذا الشأن، لا كما يزعمه أهل التشيع من الكذب " (1).

وقدم نخبة من المرويات تكفي لما نريد أن نبينه في هذا المقام.

وعن تحديد الذي بدأ القتال، يقول ابن كثير: فتقدم عمر بن سعد بن أبي وقاص وقال لمولاه: يا دريد ادن رايتك، فأدناها، ثم شمر عمر بن سعد عن ساعده، ورمى بسهم وقال: اشهدوا، إني أول من رمى القوم. فترامى الناس

____________

(1) رواه الطبراني وقال الهيثمي رجاله ثقات (الزوائد 193 / 9).

الصفحة 289
بالنبال (1). وبدأت المبارزة بين الفريقين، ووقف رجل وقال: يا حسين أبشر بالنار. فقال له الحسين: كلا، ويحك إني أقدم على رب رحيم وشفيع مطاع، بل أنت أولى بالنار، وكثرت المبارزة بين الفريقين والنصر في ذلك لأصحاب الحسين، لقوة بأسهم، وأنهم مستميتون لا عاصم لهم إلا سيوفهم. فأشار بعض الأمراء على عمر بن سعد بعدم المبارزة (3). وبعث عمر نحوا من خمسمائة رجل فجعلوا يرمون خيول أصحاب الحسين فعقروها كلها، حتى بقي جميعهم رجالة.

وأمر ابن سعد بحرق الأبنية التي تحمي أجناب قوات الحسين. فقال الحسين:

دعوهم يحرقونها فإنهم لا يستطيعون أن يجوزوا منها وقد أحرقت (4). ونادى ابن الحجاج أمير ميمنة جيش ابن زياد: قاتلوا من مرق من الدين وفارق الجماعة.

فقال له الحسين: يا عمر بن الحجاج أعلي تحرض الناس، أنحن مرقنا وأنتم ثبتم عليه؟ أما والله لتعلمن لو قبضت أرواحكم، ومتم على أعمالكم، أينا مرق من الدين، ومن هو أولى بصلي النار (5).

إن المعركة تكشف فيما تكسف عن سياسة الترقيع والتشويه، وعن انتاج ثقافة السب حيث الجيل والعصر الذي ضيع الصلاة. واتهام الحسين بأنه من أهل النار، وأنه مارق من الدين، دليل قاطع على أن الرحلة الأموية كارثة كبرى في بدايتها فما بالك بها عند نهاية الطريق، ففي أول الطريق ضاع الدين ورموز الدين، فبأي وقود تسير القاطرة بعد ذلك؟ ثم انظر إلى هذا الجندي الأموي الذي ضاعت الصلاة في عهودهم، ماذا قال عندما سمع الحسين يقول: مروهم فليكفوا عن القتال حتى نصلي. لقد قال للحسين إن الصلاة لا تقبل منكم. فرد عليه أحد جنود الحسين قال له: ويحكم أتقبل منكم ولا تقبل من آل رسول

____________

(1) البداية 181 / 8.

(2) البداية 181 / 8، والطبراني وقال الهيثمي رجاله ثقات (الزوائد 193 / 9)، والطبري 246 / 6.

(3) البداية 182 / 8.

(4) البداية 182 / 8، الطبري 250 / 6.

(5) الطبري 249 / 6، البداية 185 / 8.

الصفحة 290
الله (1). وفي رواية الطبري قال له: زعمت الصلاة من آل رسول الله لا تقبل، وتقبل منك يا حمار (2). فهذا دليل على مدى السقوط الذي انحدرت إليه الأمة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأقل من خمسين عاما، وليس بعد ثلاثة قرون. وبعد أن قامت القوات الأموية برفض المبارزة، وهي قانون قتالي لا خلاف عليه. وبعد أن وجهت النبال إلى خيول الحسين، وحرقت الأبنية التي تحمي أجنابه. يقول ابن كثير: كان الرجل من أصحاب الحسين إذا قتل بان فيهم الخلل، وإذا قتل من أصحاب عبيد الله بن زياد الجماعة الكثيرة لم يتبين ذلك فيهم لكثرتهم (3). فالقوات الأموية في الأساس يتمتعون بكثرة عددهم، ولكنهم كانوا أكثر جبنا، فهم خائفون ولكنهم بما لديهم من عتاد، يضربون في كل مكان حتى أخبية النساء ما سلمت منهم.

وروي أن حبيب بن مظاهر، قاتل بجانب الحسين قتالا شديدا، فضربه رجل بالسيف على رأسه فقتله. وحمل عليه آخر فطعنه فوقع، فنزل إليه الذي ضربه بالسيف فاحتز رأسه. فقال له الذي طعنه إني لشريكك في قتله. فقال الآخر: والله ما قتله غيري. فقال الذي طعنه وهو من بني تميم: أعطنيه أعلقه في عنق فرسي كيما يرى الناس ويعلموا أني شاركت في قتله، ثم خذه أنت بعد ذلك فامض به إلى عبيد الله بن زياد، فلا حاجة لي فيما تعطاه على قتلك إياه. فأبى عليه فأصلح قومه فيما بينهما على هذا، فدفع إليه الرأس، فجال به في العسكر وقد علقه في عنق فرسه. وبعد المعركة أقبل به إلى ابن زياد في القصر، وبينما هو يسير، شاهده ابن حبيب بن مظاهر فقال له: إن هذا الرأس الذي معك رأس أبي، أفتعطينيه حتى أدفنه؟ فقال له: يا بني لا يرضى الأمير أن يدفن، وأنا أريد أن يثيبني الأمير على قتله ثوابا حسنا. فقال له الغلام: لكن الله لا يثيبك على ذلك إلا أسوأ الثواب، وبكى الغلام. وروي أن هذا الغلام لم يكن له همه إلا

____________

(1) البداية 183 / 8.

(2) الطبري 251 / 6.

(3) البداية 183 / 8.

الصفحة 291
اتباع أثر قاتل أبيه. فلما كان زمان مصعب بن الزبير، دخل الغلام معسكر مصعب فوجد الرجل فقتله (1).

وبدأت جحافل بني أمية تتدفق على معسكر الحسين من كل ناحية، وقتل الحر بن يزيد. وبعد ذلك صلى الحسين صلاة الخوف، ثم اقتتلوا بعدها قتالا شديدا، فلما رأى أصحاب الحسين أنهم قد كثروا، وأنهم لا يقدرون عن أن يمنعوا حسينا ولا أنفسهم، تنافسوا في أن يقتلوا بين يديه. فجاء عبد الله، وعبد الرحمن ابنا عزرة الغفار، فقالا: يا أبا عبد الله عليك السلام، حازنا العدو إليك، فأحببنا أن نقتل بين يديك، نمنعك وندفع عنك. قال: مرحبا بكما ادنوا مني. فدنوا منه، فجعلا يقاتلان. وجاء الفتيان الجابريان، سيف بن الحارث، ومالك بن عبد، فأتيا حسينا، فدنوا منه وهما يبكيان. فقال: ما يبكيكما، فوالله إني لأرجو أن تكونا عن ساعة قريري عين. فقالا للحسين: جعلنا الله فداك، لا والله ما على أنفسنا نبكي ولكن نبكي عليك، نراك قد أحيط بك ولا نقدر أن نمنعك. فقال: جزاكما الله بوجدكما من ذلك ومواساتكما إياي بأنفسكما أحسن جزاء المتقين (2).

وجاء حنظلة بن أسعد، فقام بين يدي حسين، فأخذ ينادي: يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب. مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم. وما الله يريد ظلما للعباد. ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد يوم تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم، ومن يضلل الله فما له من هاد. يا قوم لا تقتلوا حسينا فيسحتكم الله بعذاب وقد خاب من افترى. فقال له الحسين: يا ابن سعد رحمك الله. إنهم قد استوجبوا العذاب حين ردوا عليك ما دعوتهم إليه من الحق، ونهضوا إليك ليستبيحوك وأصحابك. فكيف بهم الآن، وقد قتلوا إخوانك الصالحين. قال: صدقت جعلت فداك أنت أفقه مني. وأحق بذلك، أفلا نروح إلى الآخرة ونلحق بإخواننا. فقال له: رح إلى خير من الدنيا وما فيها.

____________

(1) الطبري 652 / 6، البداية 183 / 8.

(2) الطبري 253 / 6، البداية 184 / 8

الصفحة 292
وإلى ملك لا يبلى. فقال: السلام عليك يا أبا عبد الله وعلى أهل بيتك، وعرف بيننا وبينك في جنته. فقال: آمين آمين فاستقدم فقاتل حتى قتل (1).

ثم آتاه أصحابه مثنى، وفرادى يقاتلون بين يديه، وهو يدعو لهم ويقول:

جزاكم الله جزاء المتقين. فجعلوا يسلمون على الحسين ويقاتلون حتى يقتلوا. ثم جاء حبس بن أبي شبيب، فقال: يا أبا عبد الله، أما والله ما أمسى على ظهر الأرض قريب ولا بعيد أعز علي منك، ولو قدرت أن أدفع عنك الضيم أو القتل بشئ، أعز علي من نفسي ودمي لفعلته. السلام عليك يا أبا عبد الله، اشهد لي أني على هديك. ثم مشى بسيفه صلتا وبه ضربة على جبينه، فنادى: ألا رجل لرجل، ألا ابرزوا إلي. فعرفوه - وكان من أشجع الناس - فنكلوا عنه. ثم قال عمر بن سعد: أرضخوه بالحجارة، فرمي بالحجارة من كل جانب، فلما رأى ذلك ألقى درعه ومغفره، ثم شد على الناس، فكرد أكثر من مائتين بين يديه، ثم إنهم عطفوا عليه من كل جانب فقتل رحمه الله. وأخذ رأسه. عدد من الرجال، كل يدعي قتله، فأتوا به عمر بن سعد فقال لهم: لا تختصموا فيه فإنه لم يقتله إنسان واحد. ففرق بينهم بهذا القول (2).

وقاتل زهير بن القين بين يدي الحسين قتالا شديدا، فشد عليه كثير بن عبد الله، ومهاجر بن أوس فقتلاه (3). وكان آخر من بقي مع الحسين من أصحابه سويد بن عمر، وكان أول قتيل من بني أبي طالب يومئذ، على الأكبر بن الحسين بن علي. فلقد أخذ يشد على الناس وهو يقول:

أنا علي بن حسين بن علي * نحن ورب البيت أولى بالنبي
تالله لا يحكم فينا ابن الدعي

وبينما هو يقاتل، اعترضه مرة بن منقذ فطعنه، واجتمع عليه الناس فقطعوه بأسيافهم، فقال الحسين: قتل الله قوما قتلوك يا بني، ما أجرأهم على الرحمن

____________

(1) الطبري 254 / 6.

(2) البداية 185 / 8.

(3) البداية 184 / 8

الصفحة 293
وعلى انتهاك حرمة الرسول على الدنيا بعدك العفاء. وخرجت زينب، ابنة فاطمة ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم تنادي: يا أخياه ويا ابن أخاه، فجاءت حتى أكبت عليه. فجاءها الحسين فأخذ بيدها فردها إلى الفسطاط. وأقبل الحسين إلى ابنه، وأقبل فتيانه إليه، فقال: احملوا أخاكم. فحملوه من مصرعه حتى وضعوه بين يدي الفسطاط الذي كانوا يقاتلون أمامه (1). ثم قتل عبد الله بن مسلم بن عقيل، ثم قتل عون، ومحمد ابنا عبد الله بن جعفر، ثم قتل عبد الرحمن وجعفر ابنا عقيل بن أبي طالب، ثم قتل القاسم بن الحسن بن علي بن أبي طالب (2). وعن حميد بن مسلم قال: وخرج غلام كأن وجهه شقة قمر في يده السيف. عليه قميص وإزار، ونعلاه قد انقطع " شسع أحدهما. فقال عمرو بن سعد بن نفيل: والله لأشدن عليه. فقيل له: سبحان الله وما تريد إلى ذلك، يكفيك قتل هؤلاء الذين تراهم قد احتولوهم. فقال: والله لأشدن عليه، فشد عليه، فما ولي حتى ضرب رأسه بالسيف، فوقع الغلام لوجهه، وقال: يا عماه. فجلى الحسين كما يجلى الصقر، ثم شد شدة ليث أغضب، فضرب عمر بالسيف فاتقاه بالساعد فأطنها من لدن المرفق، فصاح ثم تنح عنه. وحملت خيل الكوفة ليستنقذوا عمر من الحسين... فاستقبلت عمر بصدورها، وحركت حوافرها، وجلت الخيل بفرسانه عليه، فتوطأته حتى مات. وقام الحسين على رأس الغلام، والغلام يفحص برجليه. والحسين يقول: بعدا لقوم قتلوك، ومن خصمهم يوم القيامة فيك جدك. ثم قال: عز والله على عمك أن تدعوه فلا يجيبك، أو يجيبك ثم لا ينفعك، صوت والله كثر واتره وقل ناصره، ثم احتمله وكأني أنظر إلى رجلي الغلام يخطان في الأرض، وقد وضع الحسين صدره على صدره، ثم جاء به حتى ألقاه مع ابنه الأكبر ومع من قتل من أهل بيته فسألت عن الغلام فقيل: هو القاسم بن الحسين بن علي بن أبي طالب (3).

____________

(1) البداية 185 / 8، الطبري 256 / 6.

(2) البداية 185 / 8، الطبري 256 / 6.

(3) البداية 186 / 8، الطبري 256 / 6.