لقد سلطوا الأضواء على موقف ابن عمر، وعتموا على مواقف أبي ذر، وعمار، والمقداد، وحجر بن عدي، وزيد بن صوحان، وغيرهم، ولا تخفى الأسباب على أصحاب الضمائر والأفهام والأبصار. وفوق هذا التعتيم، وضعوا عباءة عبد الله بن سبأ. فقالوا: إن ابن سبأ هو السبب في جميع الأحداث التي عصفت بالأمة. وأشهد أن ابن سبأ ما هو إلا أقصوصة، جاء بها عالم القص ليعتم بها على حركة التاريخ.
لم ينظر أصحاب الاحتناك إلا في مقدمة ابن عمر، ولم ينظروا إليه في نهاية الطريق، حيث كان يعلوه الندم. فعن الزهري عن حمزة بن عبد الله بن عمر. أنه بينما هو جالس مع عبد الله بن عمر، إذ جاءه رجل من أهل العراق فقال: يا أبا عبد الله، إني والله لقد حرصت أن أتسم بسمتك، وأقتدي بك في أمر فرقة الناس، واعتزال الشر ما استطعت، وإني أقرأ آية من كتاب الله محكمة، قد أخذت بقلبي فاخبرني عنها، أرأيت قوله عز وجل: (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما. فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله)، أخبرني عن هذه الآية.
فقال ابن عمر: ما لك ولذلك. انصرف عني. فانطلق الرجل حتى تواري عنا سواده. وعندما أقبل علينا عبد الله قال: ما وجدت في نفسي شيئا من أمر هذه الآية، ما وجدت في نفسي أني لم أقاتل هذه الفئة الباغية كما أمرني الله عز وجل (1). وفي رواية قال: لم أجدني آسي على شئ، إلا أني، لم أقاتل الفئة الباغية مع علي (2).
____________
(1) رواه الحاكم وقال: هذا باب كبير، وقد رواه عن عبد الله بن عمر جماعة من كبار التابعين وإنما قدمت حديث شعيب بن أبي حمزة عن الزهري واقتصرت عليه لأنه صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه (المستدرك 116 / 3).
(2) رواه الطبراني بإسنادين ورجاله رجال الصحيح (الزوائد 242 / 7)، ورواه ابن سعد في
2 - حركة أنس بن مالك:
كان أنس من الذين كتموا حديث الغدير، يوم أن قال علي بن أبي طالب في الرحبة: " أنشد الله رجلا سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول يوم الغدير إلا قام " وقام الناس ولم يقم أنس. فدعا علي بن أبي طالب على كل من كتم، ولم يشارك أنس في معارك علي. لكنه تحدث بعد علي عن مناقب أهل البيت، وذلك عندما علم أن مقدمته كانت مقدمة خطأ. روى ابن كثير أن أنس بن مالك جاء إلى الحجاج بن يوسف. فقال له الحجاج، هي يا خبيث، جوال في الفتن، مرة مع ابن الزبير، ومرة مع ابن الأشعث، أما والذي نفس الحجاج بيده لأستأصلنك كما تستأصل الصمغة، ولأجردنك كما تجرد الضب. فقال أنس:
إياي يعني الأمير، قال الحجاج: إياك أعني أصم الله سمعك.
فاسترجع أنس، وشغل الحجاج. فخرج أنس، فتتبعناه. فقال: لولا أني ذكرت أولادي الصغار، وخفت عليهم، ما باليت أي قتل أقتل، وكلمته بكلام في مقامي هذا لا يستخفني بعده أبدا. وروي أن أنسا بعث إلى عبد الملك بن مروان يشكو إليه الحجاج. فكتب عبد الملك إلى الحجاج أن يترضاه (1). وروى ابن سعد: كان أنس بن مالك من أحرص أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم على المال (2).
وفقهاء السلطان وقفوا عند المقدمة، وعزلوا غزلهم، ونسجوا نسيجهم، ولم ينظروا في الخاتمة، حيث كان أنس يبكي في آخر أيام حياته، وهو آخر من مات من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
____________
= الطبقات بإسنادين (الطبقات الكبرى 185، 187 / 4).
(1) البداية والنهاية 91 / 9.
(2) الطبقات الكبرى 18 / 7.
ولو تدبر أصحاب الغزل والنسيج، في أقوال أنس في آخر حياته، لرؤا فيها الندم. ولعلموا أن غرسهم بعد الندم لا قيمة له إلا في خزائن السلطان. فعن ابن عمران الجوني قال: سمعت أنس بن مالك يقول: ما أعرف شيئا اليوم، مما كنا عليه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. قلنا: فأين الصلاة؟ قال:
أولم تصنعوا في الصلاة، ما قد علمتم (3). وروى البخاري أن الزهري دخل على أنس، فوجده يبكي. فقال ما يبكيك قال: لا أعرف شيئا مما أدركت إلا هذه الصلاة، وهذه الصلاة قد ضيعت (4)، إن معنى أن يضيع كل شئ عند النتيجة، أن المقدمة بعد وفاة الرسول يجب البحث فيها لنقف على الداء.
وما نسجوه على موقف أنس وابن عمر، فعلوه أيضا في حركة عائشة.
تلك الحركة التي قام فقهاء السلطان بترقيعها، وتلوينها، حتى لا يصل أحد إلى حقيقة، وكان يكفيهم أن ينظروا إلى موقف عائشة في المحطة الأخيرة، حيث التوبة والندم. فعائشة بعد قتل محمد بن أبي بكر وحجر بن عدي، تبينت الحقيقة، واعترفت بأنه لولا موافقها السابقة، لكان لها شأن آخر في مقابل هذه الأحداث (5). ثم بدأت في نشر فضائل أهل البيت، وقيل أن حديثها ينشر الفضائل، كان بعد وفاة الحسن بن علي. وقيل غير ذلك. وروي أنها قالت عند وفاتها: إني قد أحدثت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقالت: ليتني لم أخلق. يا ليتني كنت شجرة أسبح وأقضي ما علي (6).
وإذا كنا قد ذكرنا أن الحجاج عقاب، وتحت هذا العقاب ينظر الله تعالى
____________
(1) الطبقات الكبرى 26 / 7.
(2) الطبقات الكبرى 20 / 7.
(3) رواه أحمد والترمذي وحسنه وقال في الفتح الرباني 199 / 1، روي من غير وجه عن أنس.
(4) الفتح الرباني 200 / 1.
(5) راجع الطبري 156 / 6، ابن أبي الحديد 272 / 3.
(6) رواه الطبراني (الزوائد 74 / 8) وابن سعد (الطبقات 238 / 7).
____________
(1) رواه أبو داوود حديث 4345 ص 124 / 4.
(2) البخاري (الصحيح 77 / 4) والترمذي وصححه (الجامع 596 / 4).
(3) رواه أبو داوود حديث 4642 ص 209 / 4، البداية 131 / 9.
وعلي بن الحسين كان علما وحده في هذه الساحة، ودليلا ينير لمن أراد أن يتوجه إليه، روي أن الزهري قارف ذنبا فاستوحش منه وهام على وجهه، وترك أهله وماله فلما اجتمع بعلي بن الحسين قال له علي: يا زهري قنوطك من رحمة الله التي وسعت كل شئ، أعظم من ذنبك. فقال الزهري: " والله أعلم حيث يجعل رسالاته "، وفي رواية: أنه كان أصاب دما حراما خطأ، فأمره بالتوبة والاستغفار، وأن يبعث الدية إلى أهله. وعندما سمع منه الزهري قال: " والله أعلم حيث يجعل رسالاته " (2). لقد كان علي بن الحسين علما في الساحة. روي أن هشام بن عبد الملك حج في خلافة أبيه، فطاف بالبيت، فلما أراد أن يستلم الحجر لم يتمكن حتى نصب له منبر، فاستلم وجلس عليه. وقام أهل الشام حوله، فبينما هو كذلك إذ أقبل علي بن الحسين، فلما دنا من الحجر ليستلمه.
تنحى عنه الناس إجلالا له وهيبة واحتراما. فقال أهل الشام لهشام: من هذا؟
فقال: لا أعرفه استنقاصا به، واحتقارا، لئلا يرغب فيه أهل الشام. فقال
____________
(1) البداية والنهاية 107 / 9.
(2) البداية والنهاية 107 / 9.
إلى أن قال:
إلى أن قال:
يقول ابن كثير: فغضب هشام من ذلك، وأمر بحبس الفرزدق بين مكة والمدينة، فلما بلغ ذلك علي بن الحسين، بعث إلى الفرزدق باثني عشر ألف درهم، فلم يقبلها، وقال: إنما قلت ما قلت لله عز وجل، ونصرة للحق، وقياما بحق رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذريته، ولست أعتاض عن ذلك بشئ. فأرسل إليه علي بن الحسين يقول: قد علم الله صدق نيتك في ذلك
لقد كانت هناك معارضة، للذين يقاتلون من أجل الدنيا، ولكن هذه المعارضة لم يكن لها رأس هدفها الآخرة، وتسوق الناس في الدنيا إلى عالم البركات، وشرط عالم البركات أن يؤمن أهل القرى وأن يتقوا. أهل القرى كلهم، وليس قبيلة من القبائل، أو فردا من الأفراد، فالدعوة عالمية. وتتحرك بعالميتها تحركا واحدا، على امتداد العصور. وهذا التحرك على أرض إذا سقط عليها الماء، اهتزت وأنبتت نبات عالم البركات، وليس نبات عالم الضنك.
فالإنسان مرتبط بالكون، فإن استقام على الفطرة التي فطر الله الناس عليها، التقي مع فطرة الكون في معزوفة واحدة. أما إذا شذ، فإنه بهذا الشذوذ يصطدم من فطره الله في خلقه، فتضربه جميع الأسباب وفي عالم الفرية، وفي عالم القتال من أجل الدنيا، وفتح أبواب الفتن، ونشر ثقافة السب، روي أن يحيى بن سعيد قال: سمعت علي بن الحسين، وهو أفضل هاشمي أدركته يقول: يا أيها الناس، أحبونا حب الإسلام، فما برح بنا حبكم حتى صار علينا عارا. وفي رواية: حتى بغضونا إلى الناس (2).
وفي عالم البغض والحقد والكراهية. مارس الحجاج بن يوسف مهمته بكل ارتياح. فصد عن سبيل الله، وتتبع أصحاب الإمام علي في كل مكان، وشكك في أهل البيت. روي أنه طلب كميل بن زياد ليقتله، وكان كميل صحابي أدرك من الحياة النبوية، ثمان عشرة سنة، وشهد صفين مع علي (3)، وكان شجاعا، فاتكا، وزاهدا عابدا (4). وعندما وقف كميل أمام الحجاج، نال الحجاج من علي، فصلي كميل عليه. فقال له الحجاج: والله لا بعثن إليك من يبغض عليا أكثر مما تحبه، فأرسل إليه ابن أدهم، وكان من أهل
____________
(1) البداية والنهاية 108 / 9.
(2) البداية والنهاية 104 / 9.
(3) الإصابة 318 / 3.
(4) البداية والنهاية 46 / 9.
وفي عالم البغض والكراهية، أنكر الحجاج أن يكون الحسين من ذرية النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه ابن ابنته. فقال له يحيى بن معمر: كذبت.
فقال الحجاج. لتأتيني على ما قتل ببينة من كتاب الله أو لأضربن عنقك فقال:
قال تعالى: (ومن ذريته داوود وسليمان) إلى قوله: (وزكريا ويحيى وعيسى) ثم قال للحجاج: فعيسى من ذرية إبراهيم، وهو إنما ينتسب إلى أمه مريم.
والحسين ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الحجاج: صدقت، ونفاه إلى خرسان (3).
وعلى ساحة البغض والكراهية، كان الحجاج ينال من عبد الله بن مسعود ويقول: والله لو أدركت عبد هذيل، لأضربن عنقه (4). وكان يمنع الناس من القراءة في المصحف بقراءة ابن مسعود. ويقول: لا أجد أحدا يقرأ على قراءة ابن عبد إلا ضربت عنقه. ولأحكنها من المصحف، ولو بضلع خنزير!! (5)، وقال ابن كثير: وإنما نقم على قراءة ابن مسعود لكونه خالف القراءة، على المصحف الإمام الذي جمع الناس عليه عثمان (6). وروي أن الحجاج قال على المنبر: عبد الله بن مسعود رأس المنافقين، لو أدركته لأسقيت الأرض من دمه (7). وروي أنه تلا على المنبر هذه الآية: (هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي)، وقال: والله إن كان سليمان لحسودا. قال ابن كثير: وهذا جراءة
____________
(1) البداية والنهاية 47 / 9.
(2) الإصابة 318 / 3.
(3) البداية والنهاية 126 / 9.
(4) البداية والنهاية 128 / 9.
(5) البداية والنهاية 128 / 9، وقال ابن كثير رواه غير واحد.
(6) البداية 128 / 9.
(7) البداية والنهاية 128 / 9.
من كل ما سبق، نعلم أن الحجاج اقتحم على الناس من الباب الذي لا ينبغي للناس أن يسمحوا له بالدخول منه، ولكن الغالب الأعم تعامى عن حركة الحجاج، كما تعاموا من قبل، عن أعمال يزيد، ومن قبله عن أعمال معاوية.
وتعامى الرأي العام وإن كان يعود إلى ثقافة السب، ورشوة النبلاء، إلا أنه عذر لا تقبله الفطرة التي هي حجة بذاتها على الإنسان.
وفي عالم البغض والتعامي، تحركت جيوش الحجاج، بعد أن صدرت الأوامر إليها من عبد الملك بن مروان. وكان تحركها في اتجاه مكة لقتل ابن الزبير، وابن الزبير لم يدع شيئا مقدسا، أو راية نقية، إلا تاجر بها لبسط نفوذه، وعبد الملك ما ترك سجنا، ولا سيفا، إلا واستعمله من أجل بسط نفوذه. لقد كانت المواجهة بين الطرفين في مكة. وعلى مكة تحذير من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن الله حرم مكة. يوم خلق السماوات والأرض، فهي حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، لم تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي، ولا تحل لي قط إلا ساعة من الدهر، لا ينفر صيدها، ولا يعضد شوكها، ولا يختلي خلاها، ولا تحل لقطتها إلا لمنشد (2). وفي رواية قالوا: إلا الأذخر يا رسول الله، فإنه لا بد منه للقين، والبيوت. قال: إلا الإذخر فإنه حلال.
وفي رواية قال صلى الله عليه وسلم: وهي اليوم حرام كما حرمها الله عز وجل أول مرة، وإن أعتى الناس على الله عز وجل ثلاثة: رجل قتل فيها، ورجل قتل غير قاتله، ورجل طلب بذحل (3) الجاهلية (4).
ومن أجل هذا، تحرك أهل البيت بعيدا عن الدائرة الحرام، وكانت حركتهم من أجل أن يدخلوا بالناس إلى المنطقة الأمان. أما غيرهم فقد تسلق
____________
(1) البداية والنهاية 129 / 9.
(2) رواه البخاري (كنز العمال 198 / 12).
(3) ذحل / أي ثأر.
(4) رواه الإمام أحمد والبيهقي (كنز العمال 206 / 12).
روي أن الحجاج زحف إلى مكة. فحاصر ابن الزبير بها وكتب إلى عبد الملك: أني ظفرت بأبي قبيس. فلما ورد كتابه على عبد الملك بحصار ابن الزبير، كبر عبد الملك، فكبر من معه في داره، واتصل التكبير بمن في جامع دمشق فكبروا، واتصل ذلك بأهل الأسواق فكبروا ثم سألوا عن الخبر فقيل لهم:
إن الحجاج حاصر ابن الزبير بمكة، وظفر بأبي قبيس (1). منع ابن الزبير الحجاج أن يطوف بالبيت. ووقف الحجاج بعرفة محرما في درع مغفر (2)، وكانت مدة الحصار خمسين ليلة (3). ثم بدأ الحجاج يصب الحجارة على مسكة صبا، وابن الزبير متحصن بالكعبة، وتفرق عن ابن الزبير أصحابه، وخذله من معه خذلانا شديدا. وجعلوا يخرجون إلى الحجاج، حتى خرج إليه نحو من عشرة آلاف، وذكر أنه كان ممن فارقه وخرج إلى الحجاج ابنا الزبير، وخبيب، فأخذا منه لأنفسهما أمانا (4).
وروي أنه عندما رمى البيت بالحجارة والمنجنيق، أرسل الله تعالى الصواعق والبروق والرعود. فنزلت الصواعق على المنجنيق وأحرقته، فوقف أهل الشام عن الرمي، فقال لهم الحجاج، ويحكم ألم تعلموا أن النار كانت تنزل على من كان قبلنا. فتأكل قربانهم إذا تقبل منهم. فلولا أن عملكم مقبول ما نزلت النار فأكلته. فعاد أهل الشام للضرب. وقتل ابن الزبير (5). وأمر الحجاج بصلب الزبير بمكة. وكان مقتله سنة ثلاث وسبعين. (6)
____________
(1) مروج الذهب 135 / 3.
(2) المغفر / الدرع الذي يغطى به الرأس.
(3) مروج الذهب 135 / 3.
(4) الطبري 202 / 7.
(5) البداية والنهاية 222، 229 / 8.
(6) مروج الذهب 138 / 3.
وبعد أن شيد عبد الملك البيت وزوقه، أمر عبد الملك الحجاج أن يقتدي بعبد الله بن عمر في مناسك الحج (4). وروي أنه لما مات عبد الله بن عمر، صلى عليه الحجاج بن يوسف (5)، وأن عبد الملك حج في بعض أعوامه، فأمر للناس بالعطاء. فخرجت بدرة مكتوب عليها: " من الصدقة " فأبي أهل المدينة من قبولها. وقالوا: إنما كان عطاؤنا من الفئ. فقال عبد الملك: نعلم أنكم لا تحبوننا أبدا. وأنتم تذكرون يوم الحرة. نحن لا نحبكم أبدا، ونحن نذكر مقتل عثمان (6).
وعلى بساط البغض والحقد، دارت الأحداث. وفي نهايتها مات
____________
(1) مروج الذهب 138 / 3.
(2) ابن أبي شيبة (كنز 251 / 11).
(3) ابن أبي شيبة (كنز 251 / 11).
(4) ثبت ذلك في الصحيحين راجع: فتح الباري 195 / 13، البداية والنهاية 353 / 8.
(5) أسد الغابة 344 / 3.
(6) مروج الذهب 146 / 147 / 5.
____________
(1) تاريخ الخلفاء 205 / 1.
(2) تاريخ الخلفاء 205 / 1.
ما أشبه الليلة بالبارحة
أولا - رياح الفرعونية
لكل شئ في الوجود مقدمة، ولم يعد من المقبول أن نقف عند النتيجة ونقول: ما الذي جاء بهؤلاء؟ لأن الفطرة لا تسمح بهذا الشطط، ومعركة التاريخ تصرخ من حولنا وتقول: إن ثغرة صغيرة عند المقدمة، قد تؤدي إلى فيضان كبير عند النتيجة. ولم يعد مقبولا أن نمر على الأحداث التاريخية بفكر يقدم أسوا الحلول، لأن الحقيقة لا تقبل إلا أن تكون كلمة الله هي العليا.
فعند مقدمة ما، قتل الحسين بن علي، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: " والذي نفسي بيده، لا تقتلوه بين ظهراني قوم لا يمنعونه، إلا خالف الله بين صدروهم وقلوبهم. وسلط عليهم شرارهم وألبسهم شيعا " (1). ولقد جاؤا وجلسوا فوق الرقاب عذابا واختبارا، وفي دولتهم يقول الإمام علي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "... تطول دولتهم حتى لا يدعون لله محرما إلا استحلوه، ولا يبقى بيت ولا مدد ولا وبر، إلا دخله ظلمهم. وحتى يكون أحدكم تابعا لهم، وحتى تكون نصرة أحدكم منهم كنصرة العبد من سيده. إذا شهد أطاعه، وإذا غاب سبه، وحتى يكون أعظمكم فيها - أي في دولتهم - غنا أحسنكم بالله ظنا، فإن آتاكم الله بالعافية فاقبلوا (2)، فإن ابتليتم فاصبروا، فإن
____________
(1) رواه الطبراني (الزوائد 190 / 9).
(2) فاقبلوا / أي تقدموا
وجاء الوليد بن عبد الملك كنتيجة لمقدمة، كما جاء فرعون موسى في الدولة الحديثة (1575 - 945 قبل الميلاد) هاضما للتجربة الفرعونية كلها، منذ بدأت في العصور التاريخية (2780 قبل الميلاد). فكان تجسيدا حيا للشذوذ الذي دونه آباءه في عالم الانحراف. وعلى امتداد تاريخ الفرعون، غرست بذور لم تمت شجرتها بموت الفرعون، وإنما امتدت ظلال الشجرة لتشمل عصور الدولة الفرعونية المتأخرة (945 - 343 ق. م). ثم تمتد بعد ذلك إلى دولة الإغريق، ودولة الرومان، بعد اندحار دولة الفراعنة أمام الغزاة الإغريق.
فالفراعنة كانوا في عالم الأموات، وشذوذهم له أعلام في عالم الأحياء. وفيهم يقول تعالى: (وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون * وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة هم من المقبوحين) (2). قال المفسرون: الدعوة إلى النار، هي الدعوة إلى ما يستوجب النار من الكفر والمعاصي. ومعنى جعلهم أئمة يدعون إلى النار، تعييرهم سابقين في النار، يقتدي بهم اللاحقون. وقوله تعالى: (وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة....)، أي لكونهم أئمة يقتدى بهم من خلفهم في الكفر والمعاصي، لا يزال يتبعهم ضلال الكفر والمعاصي، من مقتديهم ومتبعيهم، وعليهم من الأوزار مثل ما للمتبعين فيتبعهم لعن مستمر، باستمرار الكفر والمعاصي بعدهم. فالآية في معنى قوله تعالى: (وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم) (3).
ففرعون امتص التجربة والوليد بن عبد الملك امتصها أيضا. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: " ليكونن في هذه الأمة رجل يقال له الوليد، لهو أشر
____________
(1) رواه الطبراني ورجاله ثقات (الزوائد 191 / 9).
(2) سورة القصص: الآية 41 و 42.
(3) سورة العنكبوت: الآية 13.
والوليد ملأ الأمة رعبا، واعتمد لها بذرة فكرية ما زالت تعمل حتى زماننا هذا، أما كونه الأمة رعبا، فلقد عده ابن حزم في المسرفين في الدماء (3).
وذكر غير واحد أن الوليد كان جبارا عنيدا (4). وكان شديد السطوة لا يتوقف عند الغضب. ولا ينظر في عاقبة، وتهون عليه الدماء (5). وروي أن عمر بن عبد العزيز قبل أن يتقلد الخلافة وكان الوليد بالشام، والحجاج بالعراق، وعثمان بن حبارة بالحجاز، وقرة بن شريك بمصر. قال: امتلأت الأرض والله جورا (6).
وعندما تقلد الوليد الخلافة قال: الحمد لله على ما أنعم علينا من الخلافة، قوموا فبايعوا (7) وقال: أيها الناس، عليكم بالطاعة ولزوم الجماعة، فإن الشيطان مع الواحد. أيها الناس،، من أبدى لنا ذات نفسه ضربنا الذي فيه عيناه، ومن سكت مات بدائه " (8) وعاصفة الدماء التي أقرها الوليد، أشرف على تنفيذها الحجاج بن يوسف. وروي أن الحجاج وفد على الوليد بن عبد الملك، فلما رأى الوليد ترجل له وقبل يده، وجعل يمشي وعليه درع، وكنانة، وقوس عربية. فقال له الوليد: إركب يا أبا محمد. فقال له الحجاج:
دعني يا أمير المؤمنين استكثر من الجهاد، فإن ابن الزبير وابن الأشعث شغلاني
____________
(1) رواه الإمام أحمد وقال الهيثمي رجاله ثقات (الزوائد 240 / 5، 313 / 7) ورواه البيهقي، (الخصائص الكبرى 227 / 2) (2) رسائل ابن حزم 71 / 2.
(3) رسائل ابن حزم 75 / 2.
(4) مروج الذهب 192 / 3، البداية والنهاية 164 / 9.
(5) التنبيه والإشراف 290 / 1.
(6) تاريخ الخلفاء 208 / 1.
(7) البداية 70 / 9.
(8) البداية 70 / 9.
وسار الجلاد وراء رفيق لا يطمع في أحسن منه، وفي هذا الوقت كان علي بن الحسين يقيم الحجة على أرضية ثقافة السب، ويتحرك تحركا لا تمليه إلا الدعوة. وكان علي بن الحسين كما ذكرنا من قبل، راية هدى يعرفها الخاص والعام. وروي أن هشام بن إسماعيل، كان أحد ولاة الوليد بن عبد الملك على المدينة، وعندما عزله الوليد. مر به علي بن الحسين. فناداه هشام قائلا: " الله يعلم حيث يجعل رسالته " (2). فالحجة ظاهره. وفي نفس الوقت بيوت المال مفتوحة، والسيوف مرفوعة، والله ينظر إلى عباده كيف يعملون.
وفي الوقت الذي كانت فيه حجة الله ظاهرة، كان خدام الوليد، يرفعونه فوق مرتبة النبوة كما رفعوا والده من قبل. وروي عن نافع مولى بني مخزوم قال: سمعت خالد بن عبد الله القسري يقول: على منبر مكة، وهو يخاطب الناس: أيها الناس. أيهما أعظم، خليفة الرجل على أهله أم رسوله إليهم؟ والله لم تعلموا فضل الخليفة. إن إبراهيم خليل الرحمن استسقاه فسقاه ملحا أجاجا.
واستسقى الخليفة فسقاه عذبا فراتا. قال ابن كثير: وهذا الكلام يتضمن كفرا إن صح عن قائله. قد قيل أن الحجاج بن يوسف نحو هذا الكلام، من أنه جعل الخليفة أفضل من رسول الله الذي أرسله الله. وكل هذه الأقوال تتضمن كفر قائلها (3). ويبدو أن الوليد قد انتفخ بهذه الأقوال، كما انتفخ فرعون بأقوال الكهنة والرعاع من قبل. فروي أن الوليد قال لإبراهيم بن أبي زرعة: أيحاسب الخليفة؟ فقال: يا أمير المؤمنين أنت أكرم على الله أم داوود. إن الله جمع له النبوة والخلافة، ثم توعده في كتابه فقال: يا داوود " (4).
لقد كان الفرعون يدعي أنه ابن آمون، وأبناء آمون فوق المسألة، لما قال
____________
(1) مروج الذهب 194 / 3.
(2) البداية 71 / 9.
(3) البداية 76 / 9.
(4) تاريخ الخلفاء 208 / 1.
وقيل: ستة أشهر. فخرج يوم خرج أجهل مما كان (3). وفرعون موسى كان أشد جهلا، فهو الذي طلب من هامان أن يوقد له على الطين، وأن يجعل له صرحا كي يطلع إلى إله موسى. ولقد شهد الله بجهل فرعون فقال: (وأضل فرعون قومه وما هدى) (4). ومن دائرة الجهل قاد فرعون المسيرة، ولكن بأعلام الدين، فقال لقومه وهو يصد عن السبيل طمعا في أن يبعدهم عن دعوة موسى عليه السلام: (إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد) (5).
وقام بتنفير قومه من خط موسى، وهارون عليهما السلام فقال: (إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى) (6). وعلى طريق فرعون سار الرعاع، (فاتبعوا أمر فرعون وما أمر فرعون برشيد) (7). ورفعت أعلام وصيحات الفرعونية (قالوا اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه واستحيوا نساءهم) (8). وذهب فرعون وقومه. ثم جاءت الأيام على امتداد التاريخ لتحمل معالمهم، لأن الاستخلاف من سنة الوجود لينظر الله كيف تعملون، وكما أن الأيام تتشابه، فكذلك تكون القلوب (كذلك قال الذين من
____________
(1) الخوف والجوع / للمؤلف - تحت الطبع.
(2) دول الإسلام / الذهبي 55 / 1.
(3) البداية والنهاية 161 / 9.
(4) سورة طه: الآية 79.
(5) سورة غافر: الآية 26.
(6) سورة طه: الآية 63.
(7) سورة هود: الآية 97.
(8) سورة غافر: الآية 25.
1 - تشابه القلوب:
إذا كان الوليد قد ارتكب الجرائم، التي ارتكبها آبائه من قبل، وزادوا عليه أنهم اقتحموا المساجد ورموا الكعبة وقتلوا الذين اشترى الله أنفسهم. فماذا كان الوليد من دونهم جميعا الذي وضع في دائرة الفرعون، وكان خطره على الأمة أشد من خطر فرعون على قومه؟ في البداية نقول: إن القرآن الكريم أشار إلى أن الرسالة الخاتمة جاءت لتخاطب الجميع، وعلى رأسهم الفراعنة الجدد. ولعلمه سبحانه أن الفراعنة الجدد سيسحقون شعوبهم، ويتخذون مال الله دولا، ودين الله دخلا، وعباد الله خولا، جعل خطاب الرسالة الخاتمة موجه إلى الفراعنة وشعوبهم بمعنى أنه خاطب الشعوب باعتبار أن منهم الفراعنة، وخاطب الفراعنة على اعتبار أنهم يمسكون برقبة شعوبهم. فالشعوب والفراعنة جزء واحد في
____________
(1) سورة البقرة: الآية 118.
(2) سورة آل عمران: الآية 140.
(3) التنبيه والإشراف 290 / 1.
(4) المصدر السابق 291 / 1.
(5) المجردة / التي نزع شعرها.
(6) مروج الذهب 204 / 3.
فالخطاب لجبابرة قريش، ولم يقل لهم مثلا: كما أرسلنا إلى مدين رسولا، أو إلى ثمود رسولا، وإنما قال: (كما أرسلنا إلى فرعون رسولا)، لقد وضعهم في كفة النمط البشري المستكبر الذي يتسلق من أجل العلو في الأرض.
وليس معنى هذا أن المجتمع القرشي كله في صدر الدعوة كان يحمل البصمة الفرعونية، لأن مجتمع فرعون موسى كان به مؤمن آل فرعون والسيدة آسية وفي هذا كفاية، لأن الدعوة لا تقاس باللحوم وكثرة العدد وإنما تقاس بالصدق والثبات على المبدأ. فقريش كانت تقف في الصدر الأول على أرضية الفراعنة.
وهم على نفس الأرضية خاطبهم القرآن، وذكرهم أن فرعون عصى الرسول وخطه المتمثل في هارون. ولما كانت المقدمة تحمل عصيان فإن النتيجة جاءت بالأخذ الوبيل.
والوليد بن عبد الملك كما ذكرنا كان الشخص الذي امتص التجربة كلها، داخل النفسية القرشية المتمثلة في الظالمين من بني أمية. وإذا كنا قد علمنا أن أوتاد الخيمة الفرعونية القديمة تقويم على أرضية مصالح الفرعون. والتي هي نفسها مصالح الدائرة الفرعونية من كهنة وغوغاء ورعاع. وأن أهم هذه الأوتاد قول فرعون (يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري) (2). وأن فرعون بقوله هذا قام بتعطيل منهاج الفطرة، وجعل من نفسه مصدرا للتشريع. ثم قوله: (ما أريكم إلا ما أرى) (3)، قال المفسرون: أي ما أقول لكم وأشير عليكم إلا ما أراه لنفسي. وإنه على يقين مما يهدي إليه قومه..... وأنه بهذا القول جعل من مقعده حيث الجهل والظلام منبرا للعلم، وأن هذه الأوتاد ما كان لها أن تقوم إلا على أرضية ثقافية استخفت بالعقول على دروب المتاجرة بالدين. ألم يقل لهم:
____________
(1) سورة المزمل: الآية 15 - 16.
(2) سورة القصص: الآية 38.
(3) سورة غافر: الآية 29.
إذا كنا قد علمنا ذلك من سيرة الفرعون كما قصها القرآن الكريم، وعلمنا أيضا أن هذه الحركة الفرعونية كانت تجري على أرضية الفتنة، لقوله تعالى:
(فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه على خوف من فرعون وملائهم أن يفتنهم) (2)، فإن الوليد بن عبد الملك الذي امتص تجربة بني أمية وضع هو وقائمة المنتفعين والمتسلقين معه منهجا يلتقي في خطوطه العريضة مع المنهج الفرعوني الذي يقوم على قوله: (ما أريكم إلا ما أرى) (3). وهذا المنهج دخل إلى الغالب الأعم في الأمة كما دخل إلى قوم فرعون من قبل، وذلك لأنه دخل من باب قوله: (إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد) (4)، وكانت حركة منهج الوليد تستقيم مع حركة المنهج الفرعوني في اتجاه الفتنة يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: (هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله) (5).
ولقد ذكرنا من قبل أن القرآن الكريم كتاب طاهر ولا يمسه بتأويل إلا طاهر، وهذا الطاهر لا بد أن يكون بنص وإلا ادعى كل إنسان الطهارة. وذكرنا أن أجر الرسالة الخاتمة لا يصب إلا في وعاء مودة ذي القربى، وأن دائرة ذي القربى دائرة لها رأس. وكما أن لكل قوم سادة حتى النحل له سادة، كذلك دائرة ذي القربى فإن لها سادة يرتبطون بالقرآن ولا ينفصلا حتى يردا على الحوض.
فهؤلاء رفعهم الله يعلمهم درجات، بمعنى أنهم يمتازون عن بقية الأمة بعلمهم
____________
(1) سورة غافر: الآية 26.
(2) سورة يونس: الآية 83.
(3) سورة غافر: الآية 29.
(4) سورة غافر: الآية 26.
(5) سورة آل عمران: الآية 7.
" النجوم أمان لأهل السماء، وأهل بيتي أمان لأمتي " (2). فتحت مشاعل أهل البيت يكون الأمان من الفتن ومن كل مكروه، لأنهم مع كتاب الله الهادي ثقلين في حبل واحد. يقول الزرقاني في شرح المواهب: أما الكتاب فلأنه معدن العلوم الدينية، والأسرار والحكم الشرعية، وكنوز الحقائق، وخفايا الدقائق.
وأما العترة، فلأن العنصر إذا طاب أعان على فهم الدين، فطيب العنصر يؤدي إلى حسن الأخلاق، ومحاسنها يؤدي إلى صفاء القلب ونزاهته وطهارته (3).
وقال صاحب التاج الجامع للأصول: قال النبي صلى الله عليه وسلم:
" احسنوا خلافتي فيهما باحترامهما، والعمل بكتاب الله وما يراه أهل العلم من آل البيت أكثر من غيرهم " (4).
فإذا كنا قد علمنا ذلك، وعلمنا كيف حورب أهل البيت حتى لا يقوموا في الأمة بالعمل الذي يستقيم مع مرتبة العلم التي فضلهم الله بها وبغيرها، وكيف قتل أمير المؤمنين الذي عليه نص بأنه يقاتل على التأويل حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله، فإذا كنا قد علمنا هذا وغيره على امتداد هذا الكتاب، فلم يبق إلا أن نقول إن ذهاب العلم، وذهاب حملته، يفتح الطريق أمام الذين يبتغون الفتنة. ولدينا العديد من النصوص التي تقول بأن حركة بني أمية ما هي إلا حركة فتنة على طريقها ترفع أعلام أغيلمة وسفهاء قريش الذين يتخذون ما الله دولا، وعباد الله خولا، ودين الله دخلا. وفي عالمهم يقتل المتقين، وتضيع الصلاة،
____________
(1) رواه الإمام أحمد (كشف الخفاء 405 / 2) (2) رواه أبو يعلى (كشف الخفاء 436 / 2)، (كنز العمال 102 / 12).
(3) شرح المواهب 2 / 8.
(4) التاج الجامع للأصول 48 / 1.
2 - دائرة الرؤية الفرعونية:
والوليد بن عبد الملك الذي وصف بأنه " قليل العلم " (1)، وأنه كان " لا يحسن العربية، وجمع أهل النحو فأقاموا عنده فخرج يوم خرج أجهل مما كان " (2)، الوليد هذا كان رأس دائرة تتأول كتاب الله على طريق الفتنة، كما تأول فرعون صفحة الوجود فنادى " ما أريكم إلا ما أرى "، وكما التقط الفرعون الزاد من تراث آبائه. كذلك فعل الوليد بن عبد الملك. لقد كانت دائرة القدر أهم دائرة تجول فيها بني أمية والتقطوا منها كل ما يستقيم مع أعمالهم، ثم قذفوا بما التقطوه إلى علمائهم ليتأولوه، ويضعوا عليه رداء الدين ليعبر إلى الغالب الأعم من الأمة بكل سهولة وبكل يسر. والكلام في القدر كلام قديم. قال تعالى:
(سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شئ كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم ألا تخرصون) (3). يقول الآلوسي في تفسيره: ولم يريدوا بهذا الكلام الاعتذار عن ارتكاب القبيح... بل هم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، وأنهم يعبدون الأصنام لتقربهم إلى الله زلفى، وإن ما ارتكبوه حق ومشروع، ورضي الله عنه بناء على أن المشيئة والإرادة تساوي الأمر وتستلزم الرضا. فيكون حاصل كلامهم: إن ما ارتكبوه من الشرك والتحريم وغيرهما مما تعلقت به مشيئة الله وإرادته، وكل ما تعلقت به مشيئة الله وإرادته فيه مشروع
____________
(1) دول الإسلام / الذهب 208 / 1.
(2) ابن كثير (البداية والنهاية 161 / 9).