كان في بقائها فساد. أو كان فيها ما ليس من القرآن. أو ما نسخ منه. أو على غير نظمه. إلا أنه روى عن ابن مسعود أنه خطب بالكوفة فقال: أما بعد فإن الله قال: (ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة)، وإني غال مصحفي فمن استطاع منكم أن يغل مصحفه فليفعل. وأراد ابن مسعود أن يأخذ مصحفه فأكرهه عثمان على رفع مصحفه. ومحا رسومه فلم تثبت له قراءة أبدا. ونصر الله عثمان والحق يمحوها من الأرض (4). وفي تعليق لمحب الدين الخطيب يقول: إن عثمان كان على حق في غسل المصاحف كلها ومنها مصحف ابن مسعود لأن توحيد كتابة المصحف على أكمل وجه ما كان في استطاعة البشر. وهو من أعظم أعمال عثمان (5). ومن المعلوم أن عثمان ضرب ابن مسعود خلال هذه الأحداث.
وعلى أي حال فقد تم تفريغ القرآن من التفسير. أما المصاحف التي كانت عند
____________
(1) البخاري (الصحيح 226 / 3).
(2) مسند أحمد 1 / 25، 26.
(3) العواصم من القواصم / ابن العربي تحقيق محب الخطيب 71.
(4) العواصم من القواصم / ابن العربي ص 71.
(5) المصدر السابق ص 64.
وهكذا أحرقت أحاديث عند المقدمة، ثم جاء مروان بن الحكم الذي لعنه الله على لسان رسوله وبدأ عملية حرق جديدة. والله غالب على أمره. يقول تعالى: (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) (2)، وقال جل شأنه (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا) (3).
وعندما جاء عهد الإمام علي كان يحتج على البغاة والمخالفين بالقرآن والسنة. وكان القوم قد تعمقوا في عالم التأويل وتوغلوا في عالم إطفاء السنة.
وروي أنه قال لابن عباس حينما بعثه إلى الخوارج: لا تخاصمهم بالقرآن. فإنه حمال أوجه. ولكن حاججهم بالسنة. فإنهم لن يجدوا عنها محيصا " (4)، ولكن عالم الحريق لم يفسح المجال الكافي لتلقي هذا الحوار. ولم ينصت لابن عباس إلا قليلا.
إن القرآن والسنة وحي من الله تعالى. فالقرآن محفوظ ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. والسنة ترجمان له وعلى طريقها يكون الامتحان ويترتب على الامتحان الثواب والعقاب كما نص القرآن وعلى طريق السنة يمكن أن تمتد الأيدي لتبدل أو تحرف ولكن الأيدي ليس لها أن تفعل ذلك مع القرآن. ولهذا ساق النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى القرآن فقال:
" يا أيها الناس أنزل الله كتابه على لسان نبيه وأحل حلاله. وحرم حرامه.
____________
(1) مصادر التشريع ص 25.
(2) سورة النور: الآية 63.
(3) سورة الأحزاب: الآية 36.
(4) مصادر التشريع الإسلامي 62.
فالقرآن هو العمود الفقري لحركة السنة. والقرآن وحي يتحكم في وحي السنة المتحركة. والقرآن والسنة نور. والنور لا يرى ولكن ترى به الأشياء. فلو لم يك حولنا ذرات وأجسام في هذا الكون ما رأينا النور ولكننا نراه! إذا انعكست أشعة النور على هذه المواد. ولقد علمنا أن موسى عليه السلام سأل ربه الرؤية فكان الجواب (قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا...) (5)، فنور الله له معالم تدل عليه. وكذلك نور السنة. ومن المعالم التي ينعكس عليها نور السنة دوائر الإيمان والعمل الصالح. فعلى هذه الدوائر فقط يمكن أن نرى نور السنة قال تعالى وهو يخاطب الذين آمنوا: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به) (6)، وقال تعالى: (ومن
____________
(1) أبو نصر السجزي في الإبانة وحسنة (كنز العمال 196 / 1).
(2) رواه الشافعي وابن سعد والبيهقي (كنز العمال 195 / 1).
(3) رواه ابن عساكر (كنز العمال 197 / 1).
(4) رواه الطبراني (كنز العمال 196 / 1).
(5) سورة الأعراف: الآية 143.
(6) سورة الحديد: الآية 28.
إن النور في دائرة العباد لن يتحقق إلا بتقوى الله والإيمان برسوله. فهنا فقط يعمل نور السنة ويكشف للعباد طريقهم الذي يمشون فيه. وكما أن الأنبياء والرسل عليهم السلام يهدون الناس إلى نور الله. فكذلك الأئمة والأوصياء الذين عينهم الله عليه لسان رسله يهدون الناس إلى نور سنة الأنبياء. وهكذا كان لكل نور طريق يقود الناس إلى صراط العزيز الحميد.
والذي حدث في عهد الرسالة. أن الرسول اهتم بأهل بيته تربية وتثقيفا وتأهيلا وتفضيلا. ولم يكن هذا الاهتمام عاطفيا أو خاضعا لآصرة الدم أو العرق. وإنما كان تنفيذا لأمر إلهي أوحي به إليه. وما على الرسول إلا البلاغ المبين. وكان من المتوقع أن يعرف الرعيل الأول لتلك الصفوة قدرها. وأن يضع تلك الأوامر الإلهية الواردة بحقهم نصب عينيه. غير أنه من المؤسف أن يذهل عنها ويضرب بها عرض الجدار، وقد رأينا من التاريخ أن آل محمد صلى الله عليه وسلم قد لاقوا الكثير من البطش والاضطهاد وتجرعوا الكثير من المحن والويلات وفي خضم ذلك كله كانوا صابرين محتسبين مقدرين للدور الرسالي المنوط بهم، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم قد أخبر بهذا كله وهو يخبر بالغيب عن ربه جل وعلا. وعلى إثر المذابح التي أقيمت لأهل البيت، رفعت رايات الأنظمة السياسية الفاسدة المستبدة التي تمثلت في الدولة الأموية وتحت هذه الرايات ظهرت الفرق والمذاهب والتشرذم والتحزب. كل حزب بما لديهم فرحون. وكان الحكام يقومون بتغذية تلك النعرة داخل الأمة وإذكاء نيرانها. وفي هذه الموجات ظهر الغلاة والمتصوفة وأصحاب الشطحات.
واجتاحت الأمة ثقافات غريبة دخيلة وفلسفات يونانية وهندية وفارسية قديمة.
وذلك بعد أن تم ترجمة العديد منها إلى اللغة العربية مما أدى إلى تهيئة المناخ لظهور الدهريين والجدليين والملحدين والمشككين. فصار هناك من يتكلمون في الذات الإلهية والأسماء والصفات والجوهر والعرض. وهل القرآن مخلوق أم غير
____________
(1) سورة النور: الآية 40.
وعلى امتداد الثورات والانقلابات كان الغالب الأعم يتجه إلى العلماء ولم يجرؤ عالم على نقد معالم الشذوذ لأن هناك قاعدة تربطه تقول: القاتل والمقتول في الجنة والمجتهد إن أخطأ له حسنة وإن أصاب فله عشرة، وإن العدالة ليست شرطا لقبول الحاكم المتغلب لأن الأصل: أطيعوا البر والفاجر. ولا شئ في ركوب قطار الإمام الفاسق لأن كل القطارات تصل إلى أهداف الله. وفي داخل منطقة الصفر غرس في نفوس العامة الكثير من الآراء والمقالات وصرف الناس عن الاجتماع حول كلمة واحدة ورأي واحد وعندما جاء القرن الرابع. تصدى للإفتاء فقهاء قادوا المسيرة نحو إغلاق باب الاجتهاد. نظرا لحالة الفوضى التي سادت القضاء والإفتاء في ذلك الحين. وعلى هذا نرى أنهم عالجوا الفوضى والاستغلال والفساد. بالجمود لا بالتنظيم القويم. فكان الدواء شرا من الداء.
ويقول الشيخ خلاف عن هذه الفترة: إن العلماء فشت فيهم أمراض خلقية.
جالت بينهم وبين السمو إلى مرتبة الاجتهاد. فقد ظهر بينهم التحاسد والأنانية.
فكانوا إذا طرق أحدهم باب الاجتهاد فتح على نفسه أبوابا من التشهير به وحط أقرانه من قدره، وإذا أفتى في واقعة برأيه. تصدوا إلى تسفيه؟ رأيه وتفنيد ما أفتى به بالحق وبالباطل (1).
وكان من آثار الجمود لدى بعض العلماء أنهم تعصبوا لأئمتهم وأنزلوا أقوال إمامهم مكانا فوق ما للقرآن والسنة من مقام... وانصرفوا عن الأساس التشريعي الأول وهو القرآن والسنة بحيث أصبحوا لا يرجعون إلى نص قرآني أو حديث إلا ليلتمسوا فيه ما يؤيد مذهبهم ولو بضرب من التعسف في الفهم والتأويل (2)، والواقع أن الجمود يتعارض مع طبائع الأشياء ومع سنة التطور الذي يعد بمثابة قانون يخضع له كل ما في الوجود حتى الصخور كما يقرر علماء
____________
(1) علم أصول الفقه وتاريخ التشريع الإسلامي / عبد الوهاب خلاف ص 327.
(2) أزمة الفكر السياسي الإسلامي / د. عبد الحميد متولي 129.
وبعضهم لأخذ أموال الناس وظلمهم في نفوسهم وسفك دمائهم وإبطال حقوقهم وإفساد ذات بينهم " (2).
ومع الجمود الذي جاء نتيجة لجفاف نهر العلم في مدرسة رفعت للرأي والأهواء أعلاما. ومع الحيل التي تزين كل شذوذ في عالم الفقيه الفاسق والإمام الجائر وقف الجميع تحت مظلة العذاب وهذه المظلة تجمع من ضربهم الخسف فلا يستطيعون مضيا ولا يرجعون. والخسف لا يضرب إلا الذين استقالوا من حركة الحياة وجلسوا في منطقة الصفر يهتفون للسلطان أمام كل مصلوب ويضربون بالدف حول كل قرد يأتيهم الدجال وهم على هذا الحال. يقول أبو حامد الغزالي: إن المعصية إذا أخفيت لم تضر إلا صاحبها. فإذا أعلنت ولم تغير أضرت بالعامة " (3) وفي هذا الوقت في دولة بني العباس كانت الكلمة قد تمزقت. وانقسمت ممالك الأرض. وحكم الناس بالعسف والظلم والجور (4)، وكان هذا كله مقدمة لمجئ التتار والسبب الرئيسي لهجوم التتار هو التعصب المذهبي بين الشافعية والحنفية (5). وعندما جاء التتار أحاطوا بدار الخلافة ورشقوها بالنبال من كل جانب وقتل هولاكو الخليفة العباسي رفسا بالأقدام (6)
____________
(1) المصدر السابق 130.
(2) أعلام الموقعين / ابن القيم 254 / 2.
(3) إحياء علوم الدين 1195 / 8.
(4) تاريخ الخلفاء 240.
(5) مجلة المنار عدد السنة 1318 ه، 1319 ه، بحثا بعنوان: القول الصحيح في الرد على الشبهات ص 205 وما بعدها، أزمة الفكر السياسي الإسلامي ص 127.
(6) تاريخ الخلفاء 434.
والنبي صلى الله عليه وآله وسلم كان قد أخبر بالغيب عن ربه وذكر هذا الهجوم التتاري الذي يسلطه الله على الظالمين. فقال: " يوشك خيل الترك مخرمة أن تربط بسعف نخل نجد " (2)، وقال: " لتنزل طائفة من أمتي أرضا يقال لها البصرة، يكثر بها عددهم ويكثر بها نخلهم ثم يجئ بنو قنطوراء عراض الوجوه صغار العيون حتى ينزلوا على جسر لهم يقال لها دجلة (3)، وفي رواية: كأن وجوههم المجان المطرقة. ينتعلون الشعر ويتخذون الدرق حتى يربطوا خيولهم بالنخل " (4).
ومن الطريف أن يقال إن الجماعة تفرقت بدولة بني العباس. ووجه الطرافة أن الذين ضيعوا الصلاة واتبعوا الشهوات قد تفرقوا من زمن طويل حتى قبل مجئ دولة بني العباس. وكيف تكون هناك جماعة تحت رايات الجبرية والمرجئة. وسلاطين الاستبداد والظلم! إن الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم رفض شريحة زمنية على امتداد تاريخ الأمة. فلقد قيل له: يا رسول الله:
أي الناس خير؟ قال: أنا ومن معي. فقيل له: ثم من؟ قال: الذي على الأثر فقيل له: ثم من؟ فرفضهم رسول الله صلى الله عليه وسلم " (5)، فهل معاوية وعمرو بن العاص والوليد بن عقبة وعبد الله بن أبي السرح ومروان بن الحكم كانوا معه؟ وهل بسر بن أرطأة وسمرة بن جندب ويزيد بن معاوية وعبيد الله بن زياد والحجاج بن يوسف وعبد الملك بن مروان. كانوا على الأثر؟ هل الناكثون والقاسطون والمارقون كانوا معه أو كانوا على الأثر؟ كيف أمر بقتالهم إذن؟ هل أبناء عام ستين وما بعدها الذين ضيعوا لصلاة وأمر النبي بالاستعاذة بالله منهم
____________
(1) المصدر السابق 240.
(2) رواه ابن قانع (كنز العمال 239 / 14).
(3) رواه أحمد (كنز 239 / 14).
(4) رواه أحمد وابن حبان وابن ماجة (كنز العمال 206 / 14).
(5) رواه أحمد ومسلم (الفتح الرباني 219 / 23).
إن الجماعة لم يرفع أعلامها البغاة، ومن الطريف أيضا أن الإمام علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب سأل ابن المبارك. من الجماعة؟ فقال ابن المبارك: أبو بكر وعمر. قال علي بن الحسين: قد مات أبو بكر وعمر. فقال ابن المبارك: فلان وفلان، فقال له: قد مات فلان وفلان. فقال ابن المبارك:
أبو حمزة السكري جماعة! قال الترمذي: وأبو حمزة هو محمد بن ميمون وكان شيخا صالحا. وإنما قال هذا في حياته " (1).
إن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " يد الله مع الجماعة " (2)، فبيد من قتل عمار وحجر بن عدي والحسين ومن معه وعلى يد من تم اجتياح المدينة وحوصرت مكة ورمي البيت بالحجارة؟ إن الذين كانوا مع النبي هو الذين لم يرفعوا السلاح في وجه حبل النبي وسبيله وساروا من بعده على الأثر وظهروا تحت شعاع نور السنة، فالنور لا يرى ولكن ترى به الأشياء.
إن الأمة بجميع فرقها ومذاهبها متفقة على الكتاب والسنة. ورغم ذلك اختلفت الأمة ضروبا من الاختلاف في الأصول والفروع. وتنازعوا فيها فنونا من التنازع في الواضح والمشكل من الأحكام والحلال والحرام والتفسير والتأويل والعيان والخبر والعادة الاصطلاح. والعمود الفقري لهذا الاختلاف ينحصر في:
ممن تأخذ السنة؟ فهناك مدرسة نأخذ السنة من الصحابة. والصحابة عند هذه المدرسة ثقاة عدول. والقرآن يرد على هذه المدرسة قولها. قال تعالى في نفر من الصحابة: (إن الذين جاؤوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم) (3)، فالصحابة الذين رموا فراش رسول الله هل يستبعد عليهم أن يكذبوا على رسول الله؟ كيف يدخل دائرة العدول من أدخله الله في دائرة الإثم
____________
(1) رواه الترمذي (الجامع 467 / 4).
(2) رواه الترمذي (الجامع 466 / 4).
(3) سورة النور: الآية 11.
(وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين) (1)، فهل يدخل دائرة العدول من ترك الصلاة وراء رسول الله يوم الجمعة وتركه قائما وانطلق إلى الطبل والتجارة؟ وروى البخاري حديث الارتداد وقد ذكرناه فيما سبق وفيه: " فأقول يا رب أصحابي أصحابي فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك " (2)، وروى أيضا: " إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك. إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى " (3)، فهل المرتد ثقة؟
هل المرتد في دائرة العدول؟ وقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا) (4)، فهل يجوز للذي لم يأتمنه الله على نبأ. أن تأتمنه الأمة على قيادتها؟ هل الفاسق يمكن أن يقود الناس إلى صراط الله؟ هل يجوز للفاسق أن يعلم الناس تأويل القرآن؟
وهناك مدرسة لا ترفع إلا أعلام النبي صلى الله عليه وسلم وتأخذ بسنته من الذين عينهم الله على لسان نبيه، وترى على طرف هذه المدرسة دموع أبي بن كعب وأبي ذر الغفاري والمقداد وسلمان الفارسي وترى عليها أيضا دماء عمار وحجر بن عدي، وترى أعلام الحسين ومن معه، وإذا كان هؤلاء جميعا حججا على الجيل الأول. وإذا كانت حركتهم دعوة للنجاة لينظر الله تعالى إلى عباده في القرن الأول كيف يعملون. فإنهم أيضا حجج على الحاضر وعلى المستقبل. لأن التاريخ وحدة واحدة تنقسم إلى ماض وحاضر ومستقبل فإذا عملت الخطيئة في الأرض كان من شهدها فكرهها كمن غاب عنها. ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها (5)، فالحاضر يشارك الماضي في الإثم وإن بعدت المسافة بينهما. ولهذا كان حجج الجيل الأول كمفتاح في يد الحاضر يفتح به
____________
(1) سورة الجمعة: الآية 11.
(2) البخاري (الصحيح 141 / 4) ومسلم (الصحيح 59 / 17).
(3) البخاري (الصحيح 142 / 4).
(4) سورة الحجرات: الآية 6.
(5) رواه أبو داوود حديث 4345.
وهناك مدرسة ولدت في عالم الجمود وسهر عليها أساتذة التبشير والصهيونية. وهذه المدرسة تكتفي بإطلاق الأسماء الإسلامية على أبنائها في أغلب الأحيان. الإسلام عندهم اسم والقرآن رسم إذا رتلوا القرآن فانظر حولهم.
حتما ستجد أما قبرا أو سرادق عزاء أو حفلة من حفلات النفاق التي يلبسون بها على شعوبهم. وتلاميذ هذه المدرسة عندهم جواب لكل سؤال. وكل جواب لبنة في صرحهم العتيق الذي أقاموه للصد عن سبيل الله. ولا يطلقون إجاباتهم إلا إذا اعتمدت من أساتذة التعتيم اليهود والنصارى وإذا كان أساتذة التعتيم قديما اعتمدوا مذهب الجبرية والمرجئة. فهم اليوم يتحركون بملابس نظيفة ويحملون حقائب أنيقة فيها جميع الأسئلة والأجوبة التي هدفها الصد عن سبيل الله ولكن تحت شعار حقوق الإنسان وتقديم الخدمات الاجتماعية. ونحن نطلق على أتباع هذه المدرسة اسم " الرويبضة " لأن مجال عملهم هو ساحة الذين لا يعلمون.
الذين قتلوا العلم فأصابهم الجمود. والذين تركوا الطهر فوقعوا في الرجس ليلتقطهم النجس ثم ليقودهم النجس بعد ذلك إلى المسيح الدجال الذي ما صنعت فتنة منذ خلقت الدنيا إلا ستصب في إنائه آخر الزمان يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: " إن أمام الدجال سنين خداعة يكذب فيها الصادق ويصدق فيها الكاذب. ويخون فيها الأمين ويؤتمن فيها الخائن. ويتكلم فيها الرويبضة "، قالوا: وما الرويبضة يا رسول الله؟ قال: التافه يتكلم في شؤون العامة " (1)، وفي رواية: الفاسق يتكلم في شؤون العامة (2)، وفي رواية: السفيه يتكلم في شؤون العامة " (3).
____________
(1) رواه الحاكم دائرة الذهبي (المستدرك 461 / 4).
(2) رواه أحمد (كنز العمال 229 / 14).
(3) رواه الحاكم وأقره الذهبي (المستدرك 512 / 4).
ثانيا - آراء وشهود
على امتداد هذا الكتاب علمنا أن تاريخ الإسلام هو تاريخ الدفاع عن الفطرة. ولم يترك النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلا وقد بين لهم حركة الأمم الماضية ليتدبروا فيها وليعلموا أن الإسلام منصور منصور منصور، فإذا أرادوا أن يقفوا تحت رايات هذا النصر فما عليهم إلا أن يتحركوا الحركة التي تستقيم معه، أما إذا أرادوا غير ذلك فما قوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وأصحاب الأيكة منهم ببعيد، والدجال على الطريق، وعلمنا أيضا أن تاريخ المسلمين كان كغيره من تاريخ بني الإنسان فيه ضعف الإنسان وخوفه وفيه أيضا أصحاب النفس اللوامة الذين يتذكرون حركتهم فيلومون أنفسهم ويودون أنهم تحركوا الحركة التي يحبون أن ينظر الله إليهم وهم على طريقها.
ويخطئ من يظن أن حركة المسلمين على صفحة التاريخ لم تقدم جديدا للبشرية، فلقد رأينا حركة الذين دافعوا عن الفطرة وهذا في حد ذاته دفاع عن البشرية، وعلمنا حركة الذين نشروا الإسلام في ربوع العالم بوسائلهم البسيطة، فبعملهم هذا أقاموا ينابيع الماء الطاهر الذي يوفر الارتواء ويدعو إلى البحث، وعالم البحث لا يكون في دائرة مغلقة على الإيجابيات والمناقب، وإنما وجد البحث ليفتش بين الإيجابيات وبين السلبيات، وهذا في حد ذاته حركة بين الماضي والحاضر والمستقبل حركة تقرأ في أصول الإسلام وتنظر في حركة المسلمين، وليس هذا من أجل محاكمة التاريخ وإنما من أجل ضرب الباطل.
وهناك فرق بين حركة المسلمين عبر تاريخهم وبين حركة أهل الكتاب على امتداد تاريخهم. روي أن بعض اليهود قال للإمام علي بن أبي طالب: ما دفنتم نبيكم حتى اختلفتم فيه. فقال له الإمام: إنما اختلفنا عنه لا فيه، ولكنكم ما جفت أرجلكم من البحر حتى قلتم لنبيكم " اجعل لنا إلها كما لهم آلهة. قال:
إنكم قوم تجهلون " (1)، إن الفرق يكمن في دائرة (عنه) وليس في دائرة (فيه) وهذا فرق جوهري عند المقارنة بين تاريخ المسلمين وبين تاريخ اليهود والنصارى. ونحن في هذا الباب سنقدم بعض آراء علماء المسلمين حول الأحداث التي ذكرناها على امتداد هذا الكتاب. ومنها نعلم كيف كانوا ينظرون إلى التاريخ. هل كانوا ينظرون إليه بعيون السلطان وفقهائه؟ أم كانوا ينظرون إليه من ثقوب الخوف أم نظروا إليه من خلال تاريخ الإسلام وخفقات الفطرة؟ ثم نقدم بعد ذلك أقوال الشهود الذين عاصروا هذه الأحداث.
1 - آراء....:
* نلقي الضوء هنا على رأي شيخ المسلمين أحمد بن تيمية في الأحداث التي عصفت بالأمة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم. ولقد بينا رأي الشيخ أبي زهرة في ابن تيمية حامل لواء مذهب السلفية. وكذا رأي ابن حجر الهيثمي (909 - 974 ه) الذي ذكر أن ابن تيمية قال: إن عليا أخطأ في أكثر من ثلاثمائة مكان " (2)، وقبل أن نقدم رأي ابن تيمية في الأحداث نرى من الضروري أن نلقي بعض الضوء على حركته في عصره. ذكر ابن كثير في البداية والنهاية:
أن العلماء كان منهم من يحسده لتقدمه عند الدولة ومنهم من كان يبغضه لآرائه، وذكر أنه خلال اجتياح التتار لدمشق اجتمع ابن تيمية مع أعيان البلد واتفقوا على
____________
(1) الكشاف / للزمخشري 150 / 2، نهج البلاغة خطبة 317 / 4.
(2) الفتاوى الحديثية 116.
وفي جمادى الأولى وقع بيد نائب سلطان المسلمين كتاب فيه: إن الشيخ تقي الدين بن تيمية والقاضي شمس الدين بن الحريري. وجماعة من الأمراء والخواص الذين بباب السلطنة يناصحون التتر ويكاتبونهم، ويريدون تولية قبجق على الشام. وأن الشيخ كمال الدين الزملكاني يعلمهم بأحوال الأمير. ثم ذكر ابن كثير أن هذا الكتاب مزور (2). فزيارات ابن تيمية كلها للتتار كانت في صالح الإسلام والمسلمين. وذكر ابن كثير: عندما حضر ابن تيمية إلى القاهرة، اشتكى منه الصوفية وردوا الأمر في ذلك إلى القاضي الشافعي. فعقد له مجلسا. وفي أثناء ذلك قال ابن تيمية: لا يستغاث إلا بالله ولا يستغاث بالنبي. فرأى القاضي الشافعي أن هذا فيه قلة أدب، وحضرت رسالة إلى القاضي أن يعمل معه ما تقتضيه الشريعة. فقال القاضي: " قد قلت له ما يقال لمثله " (3).
ورأى ابن تيمية في الأحداث نبدأه من عقيدته في أهل البيت. يقول: آية التطهير ليس فيها إخبار بطهارة أهل البيت وذهاب الرجس عنهم (4)، وقال في حديث الكساء: إن مضمون هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا لهم بأن يذهب عنهم الرجس ويطهرهم تطهيرا. وغاية ذلك أن يكون دعا لهم بأن يكونوا من المتقين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. واجتناب الرجس واجب على المؤمنين والطهارة مأمور بها كل مؤمن (5)، والسابقون
____________
(1) البداية والنهاية 7، 8، 9، 22، 45 / 14.
(2) وهذه التهمة ظلت لصيقة بابن تيمية وعالقة في أذهان شيوخ عصره.
(3) المصدر السابق 49 / 14.
(4) منهاج السنة 117 / 2.
(5) المصدر السابق 4 / 3.
ثم يقول في الأحداث مبررا لاقتحام أبي بكر لبيت فاطمة بعد أحداث السقيفة: غاية ما يقال: إنه كبس البيت لينظر هل فيه شئ من مال الله الذي يقسمه لكي يعطيه لمستحقه، ثم رأى أنه لو تركه لهم لجاز فإنه يجوز أن يعطيهم من مال الفئ (5). لاحظ أن ابن تيمية لا يقول إلا رأيا ولا يستند في ذلك على حديث أو أثر وهذا من شأنه في رؤيته للتاريخ. ثم يقول عن عهد عمر: كان عمر يسوغ التفضيل من الصحابة في العطاء للمصلحة. فهو الذي ضرب الله الحق على لسانه وقبله (6)، ثم يقول في قتل عمر: وما فعله أبو لؤلؤة كرامة في حق عمر. وهو أعظم مما فعله ابن ملجم بعلي وما فعله قتلة الحسين به. فإن أبا لؤلؤة كافر قتل عمر. وهذه الشهادة أعظم من شهادة من يقتله مسلم (7). وقال:
إن عمر لما فتح الأمصار بعث علماء الصحابة إليهم لبث العلم. واتصل العلم من أولئك إلى سائر المسلمين. ولم يكن ما بلغه علي بن أبي طالب للمسلمين أعظم مما بلغه ابن مسعود ومعاذ وأمثالهما. ولو لم يحفظ الدين إلا بالنقل عن
____________
(1) المصدر السابق 4 / 3.
(2) سورة الشورى: الآية 23.
(3) منهاج السنة 8 / 1.
(4) منهاج السنة 35 / 4.
(5) المصدر السابق 220 / 4.
(6) المصدر السابق 153 / 3.
(7) المصدر السابق 137 / 3.
وإذا كان ابن تيمية يعتقد بأن الله أذهب الرجس من الصحابة وطهرهم تطهيرا على الرغم من قول الله تعالى للذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه) (2)، وقوله في أئمة الكفر: (وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم) (3)، وعلى الرغم من أن بعض الصحابة رموا فراش رسول الله بحديث الإفك وعلى الرغم من حديث البخاري الذي يصرح بارتداد بعضهم بعد وفاة الرسول، فإن ابن تيمية فتح أبواب الجنة واعتبر أن جميع الجرائم التي حدثت بعد وفاة الرسول. كانت نابعة من الاجتهاد ولا عقاب على الذين ارتكبوها يوم القيامة، وهذا تطرف في الرأي يفوق تطرف المرجئة في رأينا على الأقل، يقول ابن تيمية: إن أهل السنة عندهم أن أهل بدر كلهم في الجنة... وأهل السنة يقولون: إن أهل الجنة ليس من شرطهم سلامتهم عن الخطأ بل ولا عن الذنب. بل يجوز أن يذنب الرجل منهم ذنبا صغيرا أو كبيرا ويتوب منه، ولو لم يتب فالصغائر تمحى باجتناب الكبائر. بل أن الكبائر تحمى بالحسنات التي هي أعظم منها (4)، وقال: الواجب على كل مسلم أن يعلم أن أفضل الخلق بعد الأنبياء الصحابة (5). فإن الهدى يدور مع الرسول حيث دار ويدور مع الصحابة حيث داروا فإذا اجتمعوا لم يجتمعوا على خطأ قط (6).
ويقول على عهد عثمان: أما رد عثمان للحكم بن أبي العاص فغاية ذلك
____________
(1) منهاج السنة 272 / 3.
(2) سورة الفتح: الآية 10.
(3) سورة التوبة: الآية 12.
(4) منهاج السنة 184 / 2.
(5) المصدر السابق 66 / 3.
(6) المصدر السابق 66 / 3.
ويقول: في خلافة عثمان توسع الأغنياء حتى زاد كثير منهم على قدر المباح في المقدار والنوع. وتوسع أبو ذر في الانكار (3). واحتج أبو ذر بما لا حجة فيه من الكتاب والسنة (4). وكان أبو ذر يريد أن يوجب على الناس ما لم يوجب الله عليهم. ويذمهم على ما لم يذمهم الله عليه (5). وليس معنى أن أبا ذر أصدق الناس أنه أفضل من غيره... فأهل الشورى مؤمنون أقوياء وأبو ذر وأمثاله مؤمنون ضعفاء (6). ثم يقول عن جريمة مروان بن الحكم التي أدت إلى قتل عثمان: غاية ما قيل: إن مروان كتب كتابا بغير علم عثمان، وإن أهل مصر طالبوا عثمان أن يسلم إليهم مروان فامتنع، فإن كان قتل مروان لا يجوز فقد فعل عثمان الواجب، وإن كان يجوز ولا يجب فقد فعل عثمان الجائز، وإن كان قتله واجبا فعدم تسليمه من موارد الاجتهاد (7). وغاية الأمر أن يكون مروان قد أذنب في إرادته قتلهم، ولكن لم يتم غرضه، ومن سعى في قتل إنسان ولم يقتله لم يجب قتله، فما كان يجب قتل مروان بمثل هذا (8).
ثم يقول عن دور عائشة في الأحداث: هب أن عائشة قالت: اقتلوا نعثلا، فإن هذا القول لا نكارة فيه، فليس القول قدحا فلا إيمان القائل ولا المقول له،
____________
(1) المصدر السابق 236 / 3.
(2) المصدر السابق 187 / 3.
(3) منهاج السنة 199 / 3.
(4) المصدر السابق 198 / 3.
(5) المصدر السابق 199 / 3.
(6) المصدر السابق 199 / 3.
(7) المصدر السابق 188 / 3.
(8) المصدر السابق 190 / 3.
لم يقدح ذلك فلا إيمان واحد منهم ولا في كونه من أهل الجنة (2).
ويقول ابن تيمية في علي بن أبي طالب: لم يكن لعلي في الإسلام أثر حسن إلا ولغيره مثله ولبعضهم آثار أعظم من آثاره (3). وقال: كثير من الصحابة أشجع من علي وأبو بكر وعمر كانا أكثر جهادا منه (4). وعلي تعلم من أبي بكر السنة ولم يتعلم أبو بكر من علي شيئا (5). وأبو بكر وعمر لا يضاهيهما أحد في الزهد وكانوا فوق علي في ذلك (6). وقال: إن الله أخبر أنه سيجعل للذين آمنوا وعملوا الصالحات ودا وهذا وعد منه صادق ومعلوم. والله قد جعل للصحابة مودة في قلب كل مسلم لا سيما الخلفاء أبو بكر وعمر فإن عامة الصحابة والتابعين كانوا يودونهم وكانوا خير القرون، ولم يكن ذلك علي بن أبي طالب فإن كثيرا من الصحابة والتابعين كانوا يبغضونه ويسبونه ويقاتلونه (7)، وقال عن ثقافة السب: فهذا كله سواء كان ذنبا أو اجتهادا أو مخطئا أو عاصيا، فإن مغفرة الله ورحمته تتناول ذلك بالتوبة والحسنات الماضية (8). وقال: كان علي صغيرا ليلة المعراج لم يحصل له هجرة ولا جهاد، والأنبياء السابقون لم يذكروا عليا في كتبهم، بل ذكر أن المقوقس كان عنده تابوت به صور الأنبياء وصورة أبي بكر وعمر مع صورة النبي!! (9).
____________
(1) المصدر السابق 188 / 2.
(2) المصدر السابق 189 / 2.
(3) المصدر السابق 54 / 4.
(4) المصدر السابق 166 / 4.
(5) المصدر السابق 137 / 4.
(6) المصدر السابق 130 / 4.
(7) المصدر السابق 38 / 4.
(8) المصدر السابق 224 / 2.
(9) المصدر السابق 46 / 4.
ثم وصف القتال فقال: لم يكن يوم الجمل لهؤلاء قصد في القتال، ولكن وقع الاقتتال بغير اختيارهم، لقد خشي القتلة أن يتفق علي مع عائشة، فحملوا على معسكر طلحة والزبير، فظن طلحة أن عليا حمل عليهم، فحملوا دفعا عن أنفسهم، فظن علي أنهم حملوا عليه، فحمل دفعا عن نفسه، فوقعت الفتنة بغير اختيارهم وعائشة راكبة!! (4)، ثم يقول شيخ المسلمين: يوم الجمل إذا كان قد وقع خطأ أو ذنب من أحد الفريقين أو كليهما، فقد عرفنا أن هذا لا يمنع ما دل عليه الكتاب والسنة من أنهم خيار أولياء الله المتقين وعباده الصالحين وأنهم من أهل الجنة (5).
ثم يقول عن صفين: كان علي عاجزا عن الحق والعدل، وليس لأهل الشام أن يبايعوا عاجزا عن العدل (6). لقد بادر علي بعزل معاوية ولم يكن يستحق العزل (7). إن أهل الشام خير الناس للإسلام. ومعاوية كان خيرا من كثير: فلم يكن يستحق أن يعزل ويولى من هو دونه (8). وقال شيخ المسلمين: من قاتل عليا إن كان باغيا فليس ذلك بمخرجه من الإيمان ولا موجبا له النيران ولا مانعا له من
____________
(1) أخرج أحمد والحاكم بسند صحيح قول النبي لعلي: " إنك تقاتل على القرآن كما قاتلت على تنزيله ".
(2) المصدر السابق 231 / 2.
(3) المصدر السابق 186 / 2.
(4) المصدر السابق 185 / 2.
(5) المصدر السابق 241 / 3.
(6) المصدر السابق 203 / 2.
(7) المصدر السابق 222 / 2.
(8) المصدر السابق 223 / 2.
وقال: إن عليا ليس قائدا لكل البررة ولا هو أيضا قاتلا لكل الكفرة، وكذلك القول: منصور من نصره فهو خلاف الواقع... فمن المعلوم أن الأمة كانت منصورة في عصور الخلفاء الثلاثة... فلما قتل عثمان... لم يكن الذين قاتلوا مع علي منصورين.. بل أولئك الذين انتصروا عليه عندما صار الأمر إليهم لما تولى معاوية انتصروا على الكفار وفتحوا البلاد (3) والعسكر الذين قاتلوا مع معاوية ما خذلوه قط في قتال علي. فكيف يكون النبي قال له: اللهم اخذل من خذله؟ (4)، ولو كان حرب علي حربا للرسول ولله تعالى لوجب أن يغلب محارب رسول الله، ولم يكن الأمر كذلك، فقد طالب علي مسالمة معاوية ومهادنته وأن يكف عنه (5). إن عليا قاتل على الخلافة حتى غلب وسفك الدماء بسبب المنازعة التي بينه وبين منازعه، ولم يحصل بالقتال لا مصلحة الدين ولا مصلحة الدنيا (6). واجتهاد علي في سفك دماء المسلمين بعضهم بعضا ذل المؤمنين (7). إن الخلفاء الثلاثة اتفق المسلمون عليهم، وكان السيف في زمانهم مسلولا على الكفار أما علي بن أبي طالب فلم يتفق المسلمون عليه وكان السيف في مدته مكفوفا عن الكفار مسلولا على أهل الإسلام (8). إن الله أظهر الدين على أيدي الخلفاء الثلاثة وعلي لم يظهر الدين في خلافته (9). ولم يكن في
____________
(1) المصدر السابق 205 / 2.
(2) المصدر السابق 107 / 4.
(3) المصدر السابق 6 / 4.
(4) المصدر السابق 17 / 4.
(5) السابق 234 / 2.
(6) المصدر السابق 121 / 4.
(7) المصدر السابق 223 / 2.
(8) المصدر السابق 148 / 2.
(9) المصدر السابق 138 / 2.
ثم يقول شيخ المسلمين عن قتل معاوية للحسن: إن كان معاوية دس السم للحسن فهو من باب قتال بعضهم بعضا، وقتال المسلمين بعضهم بعضا بتأويل باب عظيم - أي لا يمنعهم من دخول الجنة (3). ثم يقول عن استخلاف يزيد:
أهل السنة يعتقدون أن يزيد ملك جمهور المسلمين وكان خليفتهم في زمانهم (4). ولقد كان كل واحد من الخلفاء إماما وخليفة وسلطانا (5). وأهل السنة إذا اعتقدوا إمامة واحد من هؤلاء يزيد أو عبد الملك أو المنصور كان بهذا الاعتبار، ومن نازع في هذا فهو شبيه بمن نازع في ولاية أبي بكر وعمر وعثمان (6). وقال: إن يزيد رغم ما فيه من ظلم وقتل وفعل ما فعل يوم الحرة، فإنه لا يخرج عليه لأن من لم يكن مطيعا لولاة الأمور مات ميتة جاهلية (7).
وقال شيخ المسلمين في قتل الحسين: قالوا للحسين: لا تخرج. وهم بذلك قاصدون نصيحته ومصلحة المسلمين والله ورسوله يأمر بالصلاح لا بالفساد، فتبين أن الأمر على ما قاله هؤلاء، إذ لم يكن في خروج الحسين مصلحة لا في دين ولا في دنيا (8)، وقال عن جهاد الحسن والحسين: جهاد
____________
(1) المصدر السابق 228 / 2.
(2) المصدر السابق 138 / 2.
(3) المصدر السابق 225 / 2.
(4) المصدر السابق 239 / 2.
(5) المصدر السابق 239 / 2.
(6) المصدر السابق 24 / 2.
(7) المصدر السابق 37 / 1.
(8) المصدر السابق 241 / 2.
ثم يقول: من قال إن عثمان كان مباح الدم، لم يمكنه أن يجعل عليا معصوم الدم ولا الحسين، فإن عصمة دم عثمان أظهر من عصمة دم الحسين، وعثمان أبعد من موجبات القتل من علي والحسين، وشبهة قتل عثمان أضعف بكثير من شبهة قتل علي والحسين فإن عثمان لم يقتل مسلما ولا قاتل أحدا على ولايته (5). ثم يقول: كان المنتصرون لعثمان معاوية وأهل الشام، والمنتصرون من قتلة الحسين المختار، ولا يشك عاقل أن معاوية خير من المختار (6).
وعمر بن سعد قائد السرية التي قتلت الحسين لم يصل في الجرم إلى ما وصل إليه المختار الذي تتبع قتلة الحسين (7). وفي الختام يقول: إن عثمان تاب توبة ظاهرة من الأمور التي صاروا يذكرونها ويظهر له أنها منكرة. وكذلك عائشة ندمت على مسيرها إلى البصرة وكانت إذا ذكرته تبكي حتى تبل خمارها، وطلحة
____________
(1) المصدر السابق 118 / 2.
(2) المصدر السابق 164 / 1.
(3) المصدر السابق 188 / 2.
(4) المصدر السابق 188 / 2.
(5) المصدر السابق 129 / 3.
(6) المصدر السابق 188 / 2.
(7) المصدر السابق 165 / 1.
كان هذا مجمل رأي ابن تيمية وفي إمكاننا أن نعارضه بالأدلة التي لا تدفع ولا ترد، ولقد ذكرنا على امتداد هذا الكتاب ما فيه كفاية للرد على هذا الكلام وغيره، ولقد حرصت على أن أعرض وجهة نظر الشيخ حتى يعلم الحاضر حقيقة الأمور من حوله وهو يأخذ بخيوط البحث عن الحقيقة، ولقد تبين لنا أن ابن تيمية يصادر الأصول ولا يقيم لها وزنا إذا تعارضت مع آرائه. وقد وصفه الشيخ ناصر الدين الألباني بأنه " متسرع في تضعيف الأحاديث قبل أن يجمع طرقها ويدقق النظر فيها " (2)، وقال في حديث استنكره ابن تيمية: " استنكره شيخ الإسلام ولو صحت عن رسول الله لم نعبأ باستنكاره " (3)، ويقول الشيخ محمد الكوثري قاضي الدولة العثماني عن تضعيف ابن تيمية للأحاديث وعن آرائه التي تخالف النصوص: فمثل هذا الشيخ الحراني لا يمكن أن يوزن في كفة وأئمة علوم شتى المذاهب في كفة أخرى، إن ما ألفه ابن تيمية في أواخر عمره متوغل في الفساد " (4).
ولقد أخذ ابن تيمية على عاتقه التشكيك في كل حديث يتعلق بأهل البيت حتى ولو كان هذا الحديث في الصحاح، وعلى سبيل المثال قال في الحديث الذي رواه الإمام مسلم عن علي " إنه لعهد النبي الأمي إلي أنه لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق "، قال: في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: آية الإيمان حب الأنصار وآية النفاق (بغض الأنصار. وقال: لا يبغض الأنصار رجل مؤمن بالله واليوم الآخر. فإن هذه الأحاديث أصح مما يروى عن علي أنه قال: لعهد النبي الأمي إلي... "، فإن هذا الحديث رواه مسلم.
____________
(1) المصدر السابق 181 / 3.
(2) سلسلة الأحاديث الصحيحة 344 / 4 ط المكتب الإسلامي.
(3) المصدر السابق 400 / 4.