يقول أبو زهرة: (إن الفقه المنقول عن أحمد بن حنبل قد تضاربت أقواله فيه تضارباً يصعب على القعبل نسبة كل هذه الأقوال إليه. وافتح أي كتاب من كتب الحنابلة، وأي باب من أبوابه تجده لا يخلو من عدة مسائل، اختلفت فيها الرواية بين، لا ونعم(1).
فلم يكن المذهب الفقهي لابن حنبل واضحاً عند معاصريه، وما هو موجود إنما هو مذهب مصطنع نشره الحنابلة بالعنف والشدة، كما في بغداد التي كان يغلب عليها المذهب الشيعي، أما خارج بغداد فلم يكن معروفاً، فكان يعتنقه أفراد معدودون في مصر وذلك في القرن السابع، ولكن عندما ولي القضاء موفق الدين عبد الله بن محمد بن عبد الملك الحجازي، المتوفي 769هـ انتشر مذهب احمد بواسطته، فقرب الفقهاء الحنابلة ورفع منزلتهم، وأما في باقي الأقطار فلم يكن لهم ذكر، وقد علل ابن خلدون ذلك بقوله: (أما أحمد فمقلده قليل لبعد مذهبه عن الاجتهاد)، كما في المقدمة. فلم يجد الحنابلة طريقاً إلى نشر مذهبهم إلا بالهرج والمرج وضرب الناس في الشوارع والطرقات، حتى بلبلوا النظام في بغداد، فخرج توقيع الخليفة الراضي يستنكر عليهم فعائلهم ويذمهم بقولهم بالتشبيه، فمنه: (تارة إنكم تزعمون صورة وجوهكم القبيحة السمجة على مثال رب العالمين وهيأتكم الرذيلة على
____________
1- أحمد بن حنبل، لأبي زهرة ص 168.
فأصبح المذهب الحنبلي على ذلك المستوى، لم يكن له كثير من الأتباع كما كانت تفر منه النفوس لعقائدهم في الله وتشبيههم الرب ووصفه بصفات لا تليق به، فلم يجد الفرصة الكافية في الانتشار حتى جاء المذهب الوهابي بزعامة محمد بن عبد الوهاب الذي تبنى الخط الحنبلي فساعدته سلطة آل سعود على نشر المذهب بحد السيف في أوله وبريق الريالات في آخره8، ومع الأسف إن كثيراً من الناس يتمسكون بالفقه الحنبلي ولا دليل لهم على ذلك إلا من باب: (إنا وجدنا آباءنا على أمة وأنا على آثارهم مقتدون)، وإن كان غير ذلك فلا بد من إثبات براهينهم في هذه الموارد الثلاثة: كون أحمد بن حنبل فقيهاً، وكون الفقه المنسوب إليه غير مكذوب، وبعد أن يثبت ذلك كله لا بد من إثبات حجة دامغة في وجوب إتباع أحمد بن حنبل بالذات. وإلا يكون اتباعاً للظن، والظن لا يغني عن الحق شيئاً، وهذا بالإضافة إلى أن المتعصبين لأحمد مثل ابن قتيبة لم يذكره في جماعة الفقهاء، فلو كان فقيهاً مجتهداً لم يبخسه حقه وكذلك ابن عبد البر لم يذكره عندما ذكر الفقهاء في كتابه الانتقاء، ولم يتطرق له ابن جرير الطبري صاحب التفسير والتاريخ في كتاب9 اختلاف الفقهاء، فسئل عن ذلك فقال: لم يكن أحمد فقيهاً إنما كان محدثاً وما رأيت له أصحاباً يعوّل عليهم، فأساء ذلك الحنابلة، وقالوا: إنه رافضي، وسألوه عن حديث الجلوس على العرش، فقال: إنه محال. وأنشد.
____________
1- الإمام الصادق والمذاهب الاربعة ج2 ص 509.
سبحان من ليس له أنيس | ولا له في عرشه جليس |
فمنعوا الناس من الجلوس إليه، ومن الدخول عليه، ورموه بمحابرهم فلما داره رموه بالجارة حتى تكدست(1).
وهذا يدل على تعصب الحنابلة وشذوذهم في نشر مذهبهم الذي لم يعترف به العلماء، قال الشيخ أبو زهرة، إن كثيراً من الأقدمين لم يعدوا أحمداً من الفقهاء، كابن قتيبة وهو قريب من عصر أحمد جداً وابن جرير الطبري وغيرهما.
خاتمة:
وبعد هذا العرض لمدارس الفقه عند أهل السنة، اتضح لنا جلياً أنه ليس هناك ميزة لهذه المذاهب عن غيرها حتى تنتشر وتعم كل العالم الإسلامي، لولا السياسة التي اقتضت أن يكون أئمة المذاهب الأربعة هم مصادر الفقه، وذلك لأن السياسة الحاكمة لا يمكن أن تحارب الدين، بل بالعكس فإنها تنر العلماء وتقربهم لكن بشرط أن لا تمس تعاليمهم مصالح الدولة. فمركز السطان فوق كل شيء.
ولذلك نجد أن المذاهب الأربعة قد اختيرت من بين مئات المذاهب وشملها العفو الملكي والرضا السلطاني، فقلدت تلاميذهم منصب القضاء وجعلت أمور الدين بأيديهم. فنشروا ما يشاؤون من مذابه شيوخهم كما تقدم شرحه.
____________
1- ضحى الإسلام ج2 ص235، لأحمد أمين.
يقول أحمد أمين: (كان للحكومات دخل كبير في نصرة مذاهب أهل السنة، والحكومة عادة، إذا كانت قوية وأيدت مذهباً من المذاهب تبعه الناس بالتقليد، وظل سائداً إلى أن تزول الدولة(1).
وبعد هذا، هل يحتج محتج بوجوب اتباع المذاهب الأربعة؟!.
بل من الأساس، هل جاء دليل على حر المذاهب في أربعة؟!
وإذا لم يكن هناك دليل على أتباعهم، هل غفل الله ورسوله عن هذا الأمر فلم يبين لهم عمن يأخذون دينهم وشرائع أحاكمهم..؟! وعمن لا يأخذون؟!
تعالى الله أن يترك الخلق من غير أن يبين لهم أحكامهم والطريق الذي به نجاتهم، فقد بي!ن على لسان رسول الله (ص) وأقام الحجة والبرهان على وجوب اتباع عترة رسول الله (ص) وخاصته ومعدن حكمته، ولكن لما كانت العترة الطاهرة مناهضة لحكام وطواغيت عصرهم وظالميهم ومغتصبي حقهم، عملتم السلطة على صرف الناس عنهم، وعدم التمسك بهم، والناس همج رعاع أتباع كل ناعق، يميلون مع كل ريح لا يستضيئون بنور العلم ولا يلجأون لركن وثيق.
وفي المقابل يمكنك أن تنظر إلى مدرسة أهل البيت - التشيع -، التي م تحتج إلى السلطة كي تلمع لها فقهاءها، بل تمسكوا بما قال رسول الله (ص): (إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي فإن العليم الخبير أنبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض).
____________
1- ظهر الإسلام ج4 ص96.
قال الشاعر.
إذا شئت أن تغبي لنفسك مذهباً | ينجيك يوم البعث من لهب النار |
فدع عنك قول الشافعي ومالك | وأحمد المروي عن كعب أحبار |
ووال أناساً قولهم وحديثهم | روى جدنا عن جبرائيل عن الباري |
الفقه عند الشيعة:
واستمر هذا الواضع في الأخذ من أئمة أهل البيت (ع) مباشرة حتى جاء الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن المهدي (ع)، فرسم للشيعة طريقهم الذي يسلكونه في أخذ الأحكام الفقهية حال غيبته، فقال: (فأما من كان من الفقهاء صائناً لنفسه حافظاً لدينه مخالفاً لهواه مطيعاً لأمر مواله فللعوام أن يقلدوه)(1).
وبذلك انفتح لهم باب الاجتهاد والتحقيق والاستنباط، فظهرت فكرة المرجعية الفقهية، بحيث يختار الشيعي من العلماء أكثرهم علماً وتقوى وورعاً ويقلده في أحكام الفقه والمستجدات، وقد فصل الفقهاء في هذا الباب وإليك
____________
1- وسائل الشيعة ، ج18 ص 94.
(المسألة 1): يجب أن يكون اعتقاد المسلم بـ (أصول الدين) عن دليل وبرها، ولا يجوز له أن يقلد فيها بمعنى أن يقبل كلام أحد فيها دونما دليل.
أما في (أحكام الدين وفروعه) فيجب إما أن يكون مجتهداً يقدر على استنباط الأحكام من أدلتها، وإما أن يكون مقلداً بمعنى أن يعمل على رأي مجتهد جامع للشرائط، وإما أن يقوم بوظيفته عن طريق الاحتياط بنحو يحصل له اليقين بأنه قام بالتكليف، مثلما لو أفتى جماعة من المجتهدين برحمة عمل، وأفتى آخرون باستحبابه احتاط بان يقوم بذلك العمل، فمن لا يكون مجتهداً ولا يمكنه الاحتياط يجب عليه أن يقلد مجتهداً ويعمل وفق رأيه.
(مسألة 4): بناء على وجوب تقليد الأعلم، إذا تعسر تشخيص الأعلم وجب تقليد من يظن أنه أعلم، بل يجب تقليد من يتحمل احتمالاً ضعيفاً فأعلميته، ويعلم بعدم أعلمية غيره. أما إذا تساوى جماعة في العلم - في نظره - قلد واحداً منهم، ولكن إذا كان أحدهم أورع وجب تقليده دون سواه على الأحوط.
(مسالة 5): الحصول على فتوى المجتهد ورأيه يمكن بإحدى الطرق الأربعة التالية:
1) السماع المباشر من المجتهد.
2) السماع من عادلين ينقلان فتوى المجتهد.
3) السماع ممن يثق بقوله ويعتمد على نقله.
4) وجود الفتوى في رسالته العملية، في صورة الاطمئنان إلى صحة ما جاء على الرسالة وسلامتها من الأخطاء.
والذي يراجع المكتبة الفقهية الشيعية، يقف منذهلاً أمام تلك الجهودات الجبّارة.
... وأنقل إليك نزراً يسيراً من الكتب الفقهية الشيعية.
ففي باب الروايات الفقهية، هناك كتب كثيرة أشهرها:
(1) وسائل الشيعة: 20 مجلداً ضخماً، للحر العاملي.
(2) مستدرك الوسائل: 18 مجلداً، للنوري الطبرسي.
ومن الكتب الفقهية الاستدلالية:
(1) جواهر الكلام، لمحمد حسن النجفي يتكون من 43 مجلداً.
(2) الحدائق النضرة، للشيخ يوسف البحراني، 25 مجلداً.
(3) مستمسك العروة الوثقى، للسيد محسن الطباطبائي الحكيم، 14 مجلداً (4) الموسوعة الفقهية، للسيد محمد الحسيني الشيرازي ـ من العلماء المعاصرين ـ وقد طُبع من هذه الموسوعة 110 مجلدات، وقد تناولت جميع أبواب الفقه، من بيتها: فقه القرآن الكريم، وفقه الحقوق، وفقه الدولة الإسلامية، وفقه الإدارة، وفقه السياسة، وفقه الاقتصاد، وفقه الاجتماع.
(5) ومن الموسوعات الحديثة أيضاً: فقه الصادق. للسيد محمد صادق الروحاني، تتكون من 26 مجلداً، وسلسلة ينابيع المودة، لعلي أصغر مرواريدي تتكون من 30 مجلداً.
مناظرة يوحنا مع علماء المذاهب الأربعة:
ونختم هذا الفصل بمناظرة يوحنا مع علماء الذاهب الأربعة، وهي من أروع المناظرات في هذا الباب، وعلى القارئ أن يتمعن ما فيها من احتجاجات حكيمة وسديدة وقد نقلنا هذه الناظرة من كتاب مناظرات في الإمامة لمؤلفه عبد الله الحسن.
فقال كبيرهم وكان حنفيّاً: يا يوحنا، مذاهب الإسلام أربعة فاختر واحداً منها، ثمّ اشرع في قراءة ما تريد.
فقلت له: إنّي رأيت تخالفاً وعلمت أنّ الحقّ منها واحدٌ فاختاروا لي ما تعلمون أنّه الحق الذي كان عليه نبيّكم.
قال الحنفي: إنّا لا نعلم يقيناً ما كان عليه نبيّنا بل نعلم أن طريقته ليست خارجة من الفرق الإسلاميّة وكلّ من أربعتنا يقول إنّه محقّ، لكن يمكن أن يكون مبطلاً، ويقول: إنّ غيره مبطل لكن يمكن أن يكون محقّاً، وبالجملة إن مذهب أبي حنيفة أنسب المذاهب، وأطبقها للسنّة، وأوفقها للعقل، وأرفعها عند الناس، إنّ مذهبه مختار أكثر الأمّة بل مختار سلاطينها، فعليك به تَنْجُ.
قال يوحنّا: فصاح به إمام الشافعية، وأظنّ أنّه كان بين الشافعي والحنفي منازعاتْ فقال له: اسكت لأنطقت، والله لقد كذبت وتقوّلت، ومن أين أنت والتمييز بين المذاهب، وترجيح المجتهدين؟ ويلك ثكلتك أمّك وأين لك الوقوف على ما قاله أبو حنيفة، وما قاسه برأيه، فإنّه المسمّى بصاحب الرأي يجتهد في مقابل النصّ، ويستحسن في دين الله ويعمل به حتى أوقعه رأيه الواهي في أن قال: لو عقد رجل في بلاد الهند على امرأة
قال الحنفي: نعم إنمّا يلحق به لأنها فراشه والفراش يلحق ويلتحق بالعقد ولا يشترط فيه الوطي، وقال النبي ـ (ص) ـ (الولد للفراش وللعاهر الحجر) فمنع الشافعي أن يصير فراشاً بدون الوطي، وغلب الشافعي النفي بالحجّة.
ثمّ قال الشافعي: وقال أبو حنيفة: لو أنّ امرأة زُفّت إلى زوجها فعشقها رجل فادّعى عند قاضي الحنفيّة أنه عقد عليها قبل الرجل الذي زُفّت إليه، وأرشى المدّعي فاسقين حتى شهدا له كذباً بدعواه، فحكم القاضي له تحرم على زوجها الأول ظاهراً وباطناً وتثبت زوجية تلك المرأة للثاني وأنها تحل عليه ظاهراً وباطناً، وتحل منها على الشهود الذين تعمدوا الكذب في الشهادة(2)! فانظروا أيها الناس هل هذا مذهب من عرف قواعد الإسلام؟
قال الحنفي: لا اعترضا لك، عندنا أن حكم القاضي ينفذ ظاهراً وباطناً وهذا متفرع عليه، فخصمه الشافعي ومنع أن ينفذ حكم القاضي ظاهراً وباطناً بقوله تعالى (وأن احكم بما أنزل الله)(3) ولم ينزل الله ذلك.
____________
1- انظر: الفقه على المذاهب الأربعة ج4 ص14ـ15.
2- انظر: الأم للشافعي ج5 ص22ـ25.
3- سورة المائدة: الآية 49.
فيا أولي العقول، هل يذهب إلى هذا القول من له دراية وفطنة؟
فقال الحنفي: إنما أخذ أبو حنيفة هذا من قول النبي (ص): (الولد للفراش وللعاهر الحجر) فاحتج عليه الشافعي بكون الفراش مشروطاً بالدخول، فغلبه.
ثم قال الشافعي: وإمامك أبو حنيفة قال: أيما رجل رأى امرأة مسلمة فادعى عند القاضي بأن زوجها طلقها، وجاء بشاهدين، شهدا له كذباً فحكم القاضي بطلاقها، حرمت على زوجها، وجاز للمدعي نكاحها وللشهود أيضاً(2)، وزعم أن حكم القاضي ينفذ ظاهراً وباطناً.
ثم قال الشافعي: وقال إمامك أبو حنيفة: إذا شهد أربعة رجال على رجل بالزنا، فإن صدقهم سقط عنه الحد، وإن كذبهم لزمه، وثبت الحد(3) فاعتبروا يا أولي الأبصار.
ثم قال الشافعي: وقال أبو حنيفة: لو لاط رجل بصبي وأوقبه فلا حد عليه بل يعزّر(4).
____________
1- الفقه على الذاهب الأربعة ج5 ص119.
2- ومثله أيضاً، كما قال في ج13 من تاريخ بغداد ص370، قال الحارث بن عمير: وسمعته يقول (يعني أبوحنيفة): لو أن شاهدين شهدا عند قاض، أن فلان بن فلان طلق امرأته، وعلموا جميعاً أنهما شهدا بالزور ففرق القاضي بينهما، ثم لقيها أحد الشاهدين فله أن يتزوج بها.
3- الفقه على المذاهب الأربعة ج5 ص129.
4- الفقه على المذاهب الأربعة ج5 ص 141.
وقال أبو حنيفة: لو غصب أحد حنطة فطحنها ملكها بطحنها، فلو أراد أن يأخذ صاحب الحنطة طحينها ويعطي الغاصب الأجرة لم يجب على الغاصب إجابته وله منعه، فإن قتل صاحب الحنطة كان دمه هدراً، ولو قتل الغاصب قُتل صاحب الحنطة به(2).
وقال أبو حنيفة: لو سرق سارق ألف دينار وسرق ألفاً آخر من آخر ومزجها ملك الجميع ولزمه البدل.
وقال أبو حنيفة: لو قتل المسلم التقي العالم كافراً جاهلاً قتل المسلم به والله يقول: (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً)(3).
وقال أبو حنيفة: لو اشترى أحد أمه أو أخته ونكحهما لم يكن عليه حد وإن علم وتعمّد(4).
قال أبو حنيفة: لو عقد أحد على أمه أوأخته عالماً بها أنها أمه أو اخته ودخل بها لم يكن عليه حد لأن العقد شبهة(5).
وقال أبو حنيفة: لو نام جنب على طرف حوض من نبيذ فانقلب في نومه، ووقع في الحوض ارتفعت جنابته وطهر.
وقال أبو حنيفة: لا تجب النية في الوضوء(6)، ولا في الغسل(7)، وفي الصحيح: (إنما الأعمال بالنيات)(8).
____________
1- المستدرك للحاكم ج4 ص355، كنز العمال ج5 ص340 ح13129.
2- الفتاوي الخيرية ج2 ص150.
3- سورة النساء: الآية 141.
4- الفقه على المذاهب الأربعة ج5 ص123.
5- الفقه على المذاهب الأربعة ج5 ص124.
6- الفقه على المذاهب الأربعة ج1 ص63.
7- الفقه على المذاهب الأربعة ج1 ص117.
8- مسند أحمد ج1 ص25، حلبة الأولياء ج6 ص342، السنن الكبرى للبيهقي ج1 ص41.
وقال أبو حنيفة: لو سلخ جلد الكلب الميت ودُبع طهر وإن له الشراب فيه ولبسه في الصلاة(2), هذا مخالف للنص بتنجيس العين المقتضي لتحريم الانتفاع به.
ثم قال: يا حنفي، يجوز في مدهبك للمسلم إذا أراد الصلاة يتوضأ بنبيذ ويبدأ بغسل رجليه، ويختم بيديه(3)، ويلبس جلد كلب ميت مدبوغ(4)، ويسجد على عذرة يابسة، ويكبر بالهندية، ويقرأ فاتحةالكتاب بالعبرانية(5)، ويقول بعد الفاتحة: دو برك سبز ـ يعني مدهامتان ـ ثم يركع ولا يرفع رأسه، ثم يسجد ويفصل بين السجدتين بمثل حد السيف وقبل السلام يتعمد خروج الريح، فإن صلاته صحيحة، وإن أخرج الريح ناسياً بطلت صلاته(6).
ثم قال: نعم يجوز هذا، فاعتبروا يا أولي الأبصار، هل يجوز التعبد بمثل هذه العبادة؟ أم يجوز لنبي أن يأمر أمته بمثل هذه العبادة افتراء على الله ورسوله؟
فأفحم الحنفي وامتلأ غيظاً وقال: يا شافعي أقصر فض الله فاك، وأين أنت من الأخذ على أبي حنيفة وأين مذهبك من مذهبه؟ فإنما مذهبك
____________
1- الفقه على المذاهب الأربعة ج1 ص242.
2- الفقه على المذاهب الأربعة ج1 ص26.
3- الفقه على المذاهب الأربعة ج1 ص68، الفقه على المذاهب الخمسة ص37.
4- الفقه على المذاهب الأربعة ج1 ص26.
5- الفقه على المذاهب الأربعة ج1 ص230.
6- الفقه على المذاهب الأربعة ج1 ص307.
يا شافعي، إمامك أباح للناس لعب الشطرنج(3) مع أن النبي (ص) قال: (لا يحب الشطرنج إلا عابد وثن).
يا شافعي، إمامك أباح للناس الرقص والدف والقصب(4)، فقبّح الله مذهبك، ينكح فيه الرجل أمه وأخته ويلعب بالشطرنج ويرقص، ويدف، فهل هذا إلا ظاهر الافتراء على الله ورسوله، وهل يلتزم بهذا المذهب إلا أعمى القلب وأعمى عن الحق.
قال يوحنا: وطال بينهما الجدال واحتمى الحنبلي للشافعي، واحتمى المالكي للحنفي، ووقع النزاع بين المالكي والحنبلي، وكان فيما وقع بينهما أن الحنبلي قال: إن مالكاً أبدع في الدين بدعاً أهلك الله عليها أمماً وهو
____________
1- أنظر الفقه على المذاهب الأربعة ج5 ص134.
2- سورة النساء: الآية 23.
3- انظر: الأم للشافعي. ج6 ص208، الفقه الإسلامي وأدلته ج5 ص566.
4- الفقه الإسلامي وأدلته ج7 ص128.
وأنا رأيت أن مالكياً ادّعى عند القاضي على آخر أنه باعه مملوكاً والمملوك لا يمكنه من وطئه، فاثبت القاضي أنه عيب في المملوك ويجوز له ردّه، أفلا تستحي من الله يامالكي يكون لك مذهب مثل هذا وأنت تقول مذهبي خير مذهبك؟! وإمامك أباح لحم الكلاب فقبح الله مذهبك واعتقادك.
فرجع المالكي عليه وصاح به: اسكت يا مجسّم يا حلولي، يا حولي، يا فاسق، بل مذهبك أولى بالقبح، وأحرى بالتنفير، إذ عند إمامك أحمد بن حنبل أن الله جسم يجلس على العرش، ويفضل عنه العرش بأربع أصابع، وأنه ينزل كل ليلة جمعة سماء الدنيا على سطوح المساجد في صورة أمرد، قطط الشعر، له نعلان شراكهما من اللؤلؤ الرطب، راكباً على حمار له ذوائب(2).
قال يوحنّا: فوقع بين الحنبلي والمالكي والشافعي والحنفي النزاع، فعلت أصواتهم وأظهروا قبائحهم ومعايبهم حتى ساء كل من حضر كلامهم الذي بدا منهم، وعاب العامة عليهم.
فقلت لهم: على رسلكم، فوالله قسماً إني نفرت من اعتقاداتكم، فإن كان الإسلام هذا فياويلاه، واسوأتاه، لكني أقسم عليكم بالله الذي لا إله إلا هو أن تقطعوا هذا البحث وتذهبوا فإن العوام قد أنكروا عليكم.
____________
1- الفقه على المذاهب الأربعة ج5 ص140.
2- الإمام الصادق والمذاهب الأربعة ج2 ص509 وممن روى أنه تعالى ينزل إلى سماء الدنيا (تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً) البخاري في التهجد بالليل، مسند أحمد بن حنبل ج1 ص120 وص446 ، الترمذي ج1 ص142.
فقال العلماء: يا يوحنا، الرافضة فرقة قليلة لا يستطيعون أن يتظاهروا بين المسلمين لقلتهم، وكثرة مخالفيهم، ولا يتظاهرون فضلاً أن يستطيعوا المحاجة عندنا على مذهبهم، فهم الأرذلون الأقلون، ومخالفوهم الأكثرون، فقال يوحنا: فهذا مدح لهم لأن الله سبحانه وتعالى مدح القليل، وذم الكثير بقوله: (وقليل من عبادي الشكور)(1) (وما آمن معه إلا قليل)(2) (وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله)(3) (ولا تجد أكثرهم شاكرين)(4) (ولكن أكثر الناس لا يشكرون)(5) (ولكن أكثرهم لا يعلمون)(6) (ولكن أكثر الناس لا يؤمنون)(7) إلى غير ذلك من الآيات.
قال العلماء: يا يوحنا حالهم أعظم من أن يوصف، لأننا لو علمنا بأحد منهم فلا نزال نتربص به حتى نقتله، لانهم عندنا كفرة تحل علينا دماؤهم، وفي علمائنا من يفتي بحل أموالهم ونسائهم.
____________
1- سورة سبأ: الآية 13.
2- سورة هود: الآية 40.
3- سورة الأنعام: الآية 16.
4- سورة الأعراف: الآية 17.
5- سورة البقرة: الآية 343.
6- سورة الأنعام: الآية 37.
7- سورة الرعد: الآية 1.
قالوا: لا.
قال: أفهم لاي توجهون إلى قبلة الإسلام؟
قالوا: لا.
قال: إنهم ينكرون الصلاة أم الصيام أم الحج أم الزكاة أم الجهاد؟
قالوا: لا، بل هم يصلون ويصومون يزكون ويحجون ويجاهدون.
قال: إنهم ينكرون الحشر والنشر والصراط والميزان والشفاعة.
قالوا: لا، بل مقرّون بذلك بأبلغ وجه.
قال: أفهم يبيحون الزنا واللواط وشرب الخمر والربا والمزامر وأنواع الملاهي؟
قالوا: بل يجتنبون عنها ويحرّمونها.
قال يوحنا: فيالله والعجب قوم يشهدون الشهادتين، ويصلون إلى القبلة، ويصومون شهر رمضان، ويحجون البيت الحرام، ويقولون بالحشر والنشر وتفاصيل الحساب، كيف تباح أموالهم ودماؤهم ونساؤهم ونبيكم يقول: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم ونساءهم إلا بحق وحسابهم على الله)(1).
قال العلماء: يا يوحنا إنهم أبدعوا في الدين بدعاً فمنها أنهم يدّعون أن علياً (ع) أفضل الناس بعد رسول الله (ص) ويفضّلونه على الخلفاء الثلاثة، والصدر الأول أجمعوا على أن أفضل الخلفاء كبير تيم.
____________
1- صحيح مسلم ج1 ص51ـ 53.
قالوا: نعم لإنه خالف الإجماع.
قال يوحنا: فما تقولون في محدثكم الحافظ أبي بكر أحمد بن موسى بن مردويه؟
قال العلماء: هو ثقة مقبول الرواية صحيح المثل.
قال يوحنا: هذا كتابه المسمى بكتاب المناقب روى فيه أن رسول الله (ص) قال: (علي خير البشر، ومن أبى فقد كفر).
وفي كتابه أيضاً سأل حذيفة عن علياً (ع) قال: (أنا خير هذه الأمة بعد نبيها، ولا يشك في ذلك إلا منافق).
وفي كتابه أيضاً عن سلمان، عن النبي (ص) أنه قال: (علي بن أبي طالب خير من أخلّفه بعدي).
وفي كتابه أيضاً عن أنس بن مالك أن رسول الله (ص) قال: (أخي ووزيري وخير من أخلفه بعدي علي بن أبي طالب).
وعن إمامكم أحمد بن حنبل روى في مسنده أن النبي (ص) قال لفاطمة: (أما ترضين أني زوجتك أقدم أمتي سلماً، وأكثرهم علماً، وأعظمهم حلماً)(1).
وروى في مسند أحمد بن حنبل أيضاً أن النبي (ص) قال: (اللهم ائتني بأحبّ خلقك إليك)(2) فجاء علي بن أبي طالب في
____________
1- مسند أحمد ج 5 ص 25، المعجم الكبير للطبراني ج 20 ص 229 - 230 ج 538، مجمع الزوائد ج 9 ص 102، كنز العمال ج 11 ص 605 ج 32924.
2- المعجم الكبير للطبراني ج1 ص226 ح730، تاريخ بغداد ج9 ص369، كنز العمال ج13 ص167 ح3650، وقد أفردت لهذا الحديث كتب مستقلة، مثل : قصة الطير للحاكم النيسابوري المتوفى سنة 405 هـ ، وقد تقدم بعض المصادر لهذا الحديث فراجع.