الصفحة 342
الثلاثة، ثم في واحد، فجعل إلى عبد الرحمن بن عوف الاختيار بعد أن وصفه بالضعف والقصور، ثم قال: إن اجتمع علي وعثمان فالقول ما قالا، وإن صاروا ثلاثة ثلاثة فالقول للذين فيهم عبد الرحمن بن عوف، لعلمه أن علياً وعثمان لا يجتمعان على أمر، وأن عبد الرحمن بن عوف لا يعدل بالأمر عن ابن أخته وعثمان، ثم أمر بضرب عنق من تأخر عن البيعة ثلاثة أيام(1).

وعمر أيضاً مزق الكتاب كتاب فاطمة (ع) وهو أنه لما طالت المنازعة بين فاطمة وأبيك، رد عليها فدك والعوالي، وكتب هلا كتاباً فخرجت والكتاب في يدها فلقيها عمر فسألها عن شأنها، فقصت قصتها، فأخذ منها الكتاب وخرّقه(2)، ودعت عليه فاطمة، فدخل علي أبي بكر ولامه على ذلك واتفقا على منعها.

وأما عثمان بن عفان فجعل الولايات بين أقاربه، فاستعمل الوليد أخاه لأمه على الكوفة، فشرب الخمر، وصلى بالناس وهو سكران(3)، فطرده أهل الكوفة فظهر منه ما ظهر.

وأعطى الأموال العظيمة أزواج بناته الأربع، فأعطى كل واحد من أزواجهن مائة ألف مثقال من الذهب من بيت مال المسلمين وأعطى مروان ألف ألف درهم من خمس افريقية(4).

____________

1- الإمامة والسياسة ج1 ص28ـ 29، نهج الحق ص285، تقدم الحديث مع تخريجاته.

2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج16 ص274.

3- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج3 ص18، تاريخ الخميس ج2 ص255 و259، الكامل في التاريخ ج3 ص52، الإمامة والسياسة ج1 ص32، أسد الغابة ج5 ص90، نهج الحق ص290.

4- تاريخ الخميس ج1 ص26، تاريخ الطبري ج5 ص49، تاريخ اليعقوبي ج2 ص155، المعارف لابن قتيبة ص84، نهج الحق ص293، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج1 ص198، تاريخ الخلفاء.


الصفحة 343
وعثمان حمى لنفسه عن المسلمين ومنعهم عنه(1)، ووقع منه أشياء منكرة في حق الصحابة. وضرب ابن مسعود(2) حتى مات وأحرق مصحفه، وكان ابن مسعود يطعن في عثمان ويكفره.

وضرب عمار بن ياسر صاحب رسول الله (ص) حتى صار به فتق(3).

واستحضر أبا ذر من الشام لهوى معاوية وضربه ونفاه على الربذة(4)، مع أن النبي (ص) كان يقرّب هؤلاء الثلاثة.

وعثمان أسقط القود ـ عن ابن عمر ـ لما قتل النوار بعد الإسلام.

واراد أن يسقط حد الشراب عن الوليد بن عتبة الفاسق، فاستوفى منه علي (ع) وخذلته الصحابة حتى قتل ولم يدفن إلا بعد ثلاثة أيام ودفنوه في حشّ كوكب.

وغاب عن المسلمين يوم بدر، ويوم أحد، وعن بيعة الرضوان.

وهو كان السبب في أن معاوية حارب علياً (ع) على الخلافة، ثم آل الأمر إلى أن سبّ بنو أمية علياً (ع) على المنبر، وسمّوا الحسن، وقتلوا الحسين، وشهّروا أولاد النبي (ص) وذريته في البلاد يطاف بهم على المطايا(5)، فآل الأمر إلى الحجّاج

____________

1- نهج الحق ص294 ، تاريخ الخميس ج2 ص262، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج1 ص199، تاريخ الخلفاء ص164.

2- نهج الحق ص295، أسد الغابة ج3 ص259، تاريخ ابن كثير ج7 ص163،تاريخ الخميس ج2 ص268، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج1 ص198، وج3 ص40.

3- تاريخ الخميس ج2 ص271، الإمامة والسياسة ج1 ص32، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج1 ص238، نهج الحق ص296.

4- تاريخ اليعقوبي ج2 ص162، الكامل في التاريخ ج3 ص56، نهج الحق ص298، أنساب الأشراف ج5 ص52، مروج الذهب ج2 ص339.

5- انظر: ينابيع المودة ب61 ص350، مقتل الحسين (ع)ـ للمقرم.


الصفحة 344
حتى أنه قتل من آل محمد إثني عشر ألفاً، وبنى كثيراً منهم في الحيطان وهم أحياء، وكل السبب في هذا أنهم جعلوا الإمامة بالأختيار والارادة، ولو أنهم اتبعوا النص في ذلك ولم يخالف عمر بن الخطاب النبي (ص) في قوله: (آتوني بدواة وكتف أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبدأً)(1)، لما حصل الخلاف وهذا الضلال.

قال يوحنا: يا علماء الدين هؤلاء الذين يسمّون الرافضة هذا اعتقادهم الذي ذكرنا، وأنتم هذا اعتقادكم الذي قررناهن ودلائلهم هذه التي سمعتموها، ودلائلكم هذه التي نقلتموها.

فبالله عليكم أي الفريقين أحق بالأمر إن كنتم تعلمون؟

فقالوا بلسان واحد: والله عن الرافضة على الحق، وإنهم المصدقون على أقوالهم، لكن الأمر جرى على ما جرى فإنه لم يزل أصحاب الحق مقهورين، وأشهد علينا يا يوحنا إنا على موالاة آل محمد، ونتبرأ من أعدائهم، غلا أنا نستدعي منك أن تكتم علينا أمرنا لأن الناس على دين ملوكهم.

قال يوحنا: فقمت عنهم وأنا عارف بدليلي، واثق باعتقادي بيقين فلله الحمد والمنة، ومن يهد الله فهو المهتد.

فسطرت هذه الرسالة لتكون هداية لمن طلب سبيل النجاة، فمن نظر فيها بعين الإنصاف أرشد إلى الصواب، وكان بذلك مأجورا، ومن ختم على قلبه ولسانه فلا سبيل إلى هدايته كما قال الله تعالى: (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء)(2) فإن أكثر المتعصبين (سواء عليهم

____________

1- تقدمت تخرجاته.

2- سورة القصص : الآية 56.


الصفحة 345
أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون، ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى ابصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم)(1).

اللهم إنا نحمدك على نعمك الجسام، ونصلي على محمد وآل المطهرين من الآثام، مدى الأيام على الدوام إلى يوم القيامة.

إلى هنا ما وقفنا عليه من الكتاب المذكور، ولله سبحانه الحمد والمنة(2).

____________

1- سورة البقرة: الآية 6ـ 7.

2- الكشكول للبحراني ج2 ص28.


الصفحة 346

الصفحة 347


الفصل التاسع
عقائد أهل السنة


  عقائد السلفية
  مرحلة أحمد بن حنبل
  مرحلة ابن تيمية
  مرحلة محمد بن عبد الوهاب
  تهافت الأشاعرة



الصفحة 348

عقائد أهل السنة

لمحة تاريخية:

كان أهل السنة قبل تصدر أحمد بن حنبل منصة الإمامة في مجال العقائد، على فرق متعددة وطوائف مختلفة، بين مرجئ يرى أنه لا علاقة بين الايمان والعمل، فلا يضر مع الايمان معصية، كما لا تنفع مع الكفر طاعة، وقدري ينكر القدر إلى جهمي ينفي كل صفة لله سبحانه وخارجي.. وغلى غير ذلك من الاختلافات الفكرية والعقائدية. حتى جاء أحمد بن حنبل فقضى على سائر المذاهب الدارجة بين أهل الحديث، ووحدهم على أصول اختارها، وادعى أنها عقائد السلف الصالح من الصحابة والتابعين. وفي واقع الحقيقة أن نسبة هذه الأصول والعقائد إلى أحمد أقرب واصدق من نسبتها على الصحابة والتابعين، فلم تكن معروفة، ولا متفقاً عليها قبل ظهور ابن حنبل، والاختلافات العقائدية عند السنة في تاريخهم وإلى الآن كاشفة عن هذا الأمر.

وقد أخذت هذه العقائد الحنبلية في الذيوع والانتشار في أيام المتوكل الذي قرّب أحمد إلى بلاطه وفتح له المجال حتى صار إمام العقائد من غير منازع، واستمر على هذا الحال حتى ظهر أبو الحسن الأشعري في الساحة العقائدية، بعد أن تاب من الاعتزال والتحق بالعقائد الحنبلية، ولكنه لم يكتف بتقليد ابن حنبل فعمل على تغليف وعقلنة عقائده فظهر باعتقادات لم يوافق فيها أحمد كل الموافقة ولم يخالفه، ورغم ذلك فإن مذهبه الجديد أتيح له

الصفحة 349
الانتشار في كافة الاقطار الاسلامية حتى تمكن من سحب البساط من تحت أقدام ابن حنبل في الامامة العقائدية، فاصبح المذهب الاشعري هوالمذهب الرسمي لأهل السنة، يقول المقريزي بعد أن يشير إلى اصول عقيدة الإمام الأشعري: (هذه جملة من أصول عقيدته التي عليها الآن جماهير أهل الأمصار الإسلامية، والتي من جهر بخلافها أريق دمه)(1). فتأججت بذلك نار النزاع بين الأشاعرة والحنابلة على طل العصور المختلفة. فكان الحنابلة يتمسكون بروايات التشبيه والتجسيم ويثبتون لله تعالى صفات لا يجوز نسبتها إليه، وكان الأشاعرة يتبرأون من هذه الأمور.

ولكن إذاتجاوزنا المشاكل يمكننا أن نقسم المعقتدات السنية إلى مدرستين هما الاشاعرة والحنابلة، بعد أنقراض المعتزلة تقريباً المعتزلة تقريباً، وسوف نتناول في هذا الفصل نماذج من المدرستين.

مدرسة الحنابلة (السلفية)

وللتحدت عن العقائد السلفية لا بد أن نقسمها إلى ثلاث مراحل تاريخية وهي:

أ ـ مرحلة أحمد بن حنبل.

ب ـ مرحلة ابن تيمية.

ج ـ مرحلة محمد بن عبد الوهاب.

أولاً: أحمد بن حنبل (منهجه في العقائد).

إن المرتكز العقائدي في منهجية ابن حنبل والحنابلة هو السماع، أي الاعتماد على الآيات والأحاديث النبوية في إثبات العقائد، ولا يعطون بذلك الدليل العقيل والبرهان كبير عناية واهتمام.

____________

1- الخطط المقريزية ج2 ص390.


الصفحة 350
وهذه المقدمة نفسها تحتاج إلى إثبات، حيث لا يمكن اعتبار أن السماع هو الميزان والمعيار لمعرفة العقائد مجرداً عن العقل، وذلك لان السماع لا يمكن أن يكون حجة ملزمة إلا إذا آمن الإنسان أولاً بالله سبحانه وتعالى، ثم آمن برسوله (ص)، وهذه المراحل الثلاثة إذا لم تتوفر يستحيل عليك أن تلزم إنساناً وتحتج عليه بالآيات والروايات، وإلا يصبح الأمر جدلاً فارغاً يدور في حلقة لا نهاية لها، ومن المعروف عقلاً امتناع إثبات الشيء من نفسه لأنه يستلزم الدور، والدور باطل، وإليك مثالاً لذلك:

إن إثبات وجود الله سبحانه وتعالى بآية قرآنية والاحتجاج بها موقوف على الايمان والتصديق بالآية القرآنية، والايمان بالآية موقوف على الايمان بالله تعالى والايمان بالله تعالى موقوفاً على الايمان بالآية موقوف على الايمان بالله تعالى والايمان بالله تعالى موقوفاً على الايمان بالآية، وبحذف المتكر يصبح الايمان بالآية موقوفاً على الايمان بالآية.. وهذا باطل.

ثم نسال على أي شيء نزل هذا الوحي؟ أعلى غير الإنسان نزل.

فإذا نزل على الإنسان: فلماذا خص الله الإنسان بذلك؟

أليس لأن الإنسان يملك تلك الجوهرة الثمينة وهي العقل؟

فإن كانت الاجابة نعم. فأين محل العقل في هذا المعيار.

وهذه هي بداية الانحراف في الفكر الحنبلي، حيث لم يعط اهتماماً للعقل ولم يدخله في استدلالاته العقائدية مع علمنا بأنه لا يستقيم الدليل إلا إذا وافق العقل.

والاشتباه الذي وقع فيه الحنابلة وغيرهم من الحشوية والاشاعرة هو عدم معرفتهم بالعقل الذي لا يمكن معرفته كما هو إلا عن طريق مردسة أهل البيت (ع)، إن الحنابلة وغيرهم من الحشوية والأشاعرة يعتقدون أن العقل قد يوافق الشرع وقد يخالفه، وبالأحرى فإنه لا كاشفية للعقل ولا

الصفحة 351
حجية له، وإن كان في العقل قدر من الحجية فإنما هي مستمدة من الشرع، وما كان هذا الرأي المتطرف إلا ردة فعل عن منهج المعتزلة الذي يعتبر ان حجية العقل ذاتية، وأن الدليل السمعي الذي لا يوافقه العقل القيمة له، وقد علمت أن المعتزلة قد أخذوا الناس بالجبر في عهد المأمون والمعتصم والواثق لقبول منهجهم وقد ابتلوا أهل الحديث خاصة بأنواع العذاب مما سبب لهم موقفاً خاصاً من المنهج العقلي، وإلا ما هو دليلهم في العزوف عن العقل وجمودهم على ظاهر النصوص؟! وما حدث من الشد والجذب بين المعتزلة والحنابلة قطع بينهم أسلوب التفاهم للوصول إلى نقاط مشتركة، فحافظ كل كيان على منهجه وتعصب له، ولا يمكن حل هذه المشكلة الجوهرية التي ينبني عليها فهم الدين ومعتقداته إلا باكتشاف معيار ثابت يتفق عليه الجميع حتى يكون قاسماً مشتركاً في التفكير والتعامل مع الدين.

ينقل المؤلفان، حنا الفاخوري، وخليل الجر: (وهناك نوعان من البرهان العقلي الذي لا يستند إلا إلى العقل ومبادئه، والبرهان السمعي الذي يستند إلى القرآن والحديث والاجماع، وفيما نرى المعتزلة لا يعترفون إلا بقيمة الأول، ويعتبرون أن كل برهان سمعي لا يدعمه العقل مردود، يظل المتكلمون وعلى رأسهم الاشاعرة يؤكدون أن البراهين العقلية لا قيمة لها غلا لأن الشرع يأمر بها، وأن العقل لا قيمة له في ذاته بل فيما يستمده من الشرع)(1).

فانظر إلى البون الشاسع في وجهات النظر، فريق لا يعترف بقيمة العقل وحجيته وفريق لا يعترف بقيمة سوى العقل.

وهذا الاختلاف المنهجي هو سبب تفرق المسلمين وتمذهبهم عندما اختلفوا في أسس التفكير، فباختلاف المناهج اختلفت النتائج، فإذا كان هناك

____________

1- تاريخ الفلسفة العربية ج1 ص179.


الصفحة 352
تفكير لإعادة وحدة المسلمين لا بد أن يبدأ من توحيد قواعد الفكر وإثبات طرق البرهان، فمثلاً: انظر إلى هذا الاختلاف الذي نتج عن التباين في أسس التفكير، ففي موضوع أفعال العباد، قالت المعتزلة: إن الإنسان خالق لأفعاله، وإلا يكون مخالفاً هذا للعقل على حد زعمهم. فضربت لذلك بكل الروايات التي تخالف هذا المعنى عرض الحائط، وفي الاتجاه المقابل نجد الحنابلة وصلوا إلى نتائج بأن أفعال الإنسان ليست بإرادته، وإنما بإرادة الله، فالإنسان مجبور على أفعاله، وتمسكوا لإثبات ذلك بظواهر الآيات والأحاديث ولم يعطوا للعقل أهمية.

يقول أحمد بن حنبل في رسالته: (.... والزنا والسرقة، وشرب الخمر، وقتل النفس، وأكمل المال الحرام، والشرك بالله عز وجل، والذنوب والعاصي، كلها بقضاء وقدر من الله عز وجل)(1).

  روايات في ضرورة العقل:

وإذا نظرنا إلى حقيقة الأمر نجد أن كلاً من الأشاعرة والحنابلة والمعتزلة لم يتعرفوا على حقيقة العقل، ولكي نعرف هذه الحقيقة لا بد أن نطلع أولاً على بعض روايات أهل البيت (ع)، لنعرف أهمية العقل ومكانته.

عن أبي جعفر (ع) الإمام محمد الباقر قالك لما خلق الله العقل قال له: أقبل فأقبل، ثم قال له: أدبر فأدبر، فقال: وعزتي وجلالي ما خلقت خلقاً أحسن منك إياك آمر وإياك أنهى، وإياك أثيب وإياك أعاقب)(2).

جاء في وصية الإمام موسى بن جعفر عليهما السلام، لهشام بن الحكم، في حديث طويل أحببنا نقله بالكامل لإتمام الفائدة:

____________

1- الملل والنحل للشهر ستاني ج 1 ص164.

2- مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول ج1 ص84.


الصفحة 353
يا هشام، إن الله تبارك وتعالى بشر أهل العقل والفهم في كتابه فقال: 0فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله، وأولئك هم أولوا الألباب) الزمر/18.

يا هشام: عن الله تبارك وتعالى أكمل للناس الحجج بالعقول ونصر النبيين بالبيان ودلّهم على ربوبيته بالأدلة، فقال: (وإلهكم إله واحد لا غله غلا هو الرحمن الرحيم إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل اله من السماء من ما فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون) البقرة/163.

يا هشام: قد جعل الله ذلك دليلاً على معرفته لأن لهم مدبراً، فقال: (ويسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون) النحل/13. وقال (وهو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم يخرجكم طفلاً ثم لتبلغوا أشدكم ثم لتكونوا شيوخاً ومنكم من يتوفى من قبل ولتبلغوا أجلاً مسمى ولعلكم تعقلون) سورة غافر/67.

وقال: إن في اختلاف الليل والنهار وما أنزل من السماء من رزق فأحيا به الأرض بعد موتها وتصريف الرياح والسحاب بين السماء والأرض لآيات يعقلون) الجاثية/4.

وقال: (يحيي الأرض بعد موتها قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون) الحديد/17.

وقال: (وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل في ذلك لآيات يعقلون) الرعد/5.


الصفحة 354
وقال: (ومن آياته يريكم البرق خوفاً وطمعاً وينزل من السماء ماء فيحيي به الأرض بعد موتها إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون) الروم/24.

وقال: (قل تعالوا أتل ما حرّم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصّاكم به لعلكم تعقلون) الأنعام/152.

وقال: (هل لكم من ما ملكت إيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواء تخافونهم كخيفتكم أنفسكم كذلك نفصل الآيات لقوم يعقلون) الروم/28.

يا هشام: ثم وعظ أهل العقل ورغّبهم في الآخرة فقال: (وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو وللدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون) الأنعام/32.

يا هشام: ثم خوف الذين لا يعقلون من عقابه فقال تعالى: (ثم دمّرنا الآخرين وإنكم لتمرون عليهم عليهم مصبحين وفي الليل أفلا تعقلون) الصافات/137.

وقال: (إنا منزلون على أهل هذه القرية رجزاً من السماء بما كانوا يفسقون ولقد تركنا منها آية بينة لقوم يعقلون) العنكبوت /35.

ياهشام: إن العقل مع العلم، فقال: (وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون) العنكبوت/43.

ياهشام: ثم ذم الذين لا يعقلون فقال: (وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون) البقرة/170.


الصفحة 355
وقال: (ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء صم بكم عمي فهم لا يعقلون) البقرة/171.

وقال: (ومنهم من يستمع إليك أفأنت تسمع الصم ولو كانوا لا يعقلون) يونس/41.

وقال: (أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إنهم كالأنعام بل هم اضل سبيلاً) الفرقان 44.

وقال: (لا يقاتلونكم جميعاً إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون). الحشر /14.

وقال: (تنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون) البقرة/ 44.

يا هشام: ثم ذم الله الكثرة فقال: (وإن تطع أثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله) الأنعام/116.

وقال: (ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون) لقمان/25.

وقال: (ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيا به الارض من بعد موتها ليقولن اله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعقلون) العنكبوت/63.

يا هشام ثم مدح القلة وقال: (وقليل من عبادي الشكور) سبأ /13.

وقال: (وقليل ما هم) ص/24. وقال: (وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلاً يقول أن ربي الله) غافر/28.

وقال: (ومن آمن وما آمن معه إلا قليل) هود/40.

وقال: (ولكن أكثرهم لا يعلمون) وقال (أكثرهم لا يعقلون).

وقال: (أكثرهم لا يشعرون).


الصفحة 356
يا هشام: ثم ذكر أولي الألباب بأحسن الذكر وحلاهم بأحسن الحلية فقال: (يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً وما يذكر إلا أولوا الألباب) البقرة/269.

وقال: (والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب) آل عمران/7.

وقال: (إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب) آل عمران/190.

وقال: (أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى إنما يتذكر أولوا الألباب) الرعد/20.

وقال: (أمن هو قانت آناء الليل ساجداً وقائماً يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قل هل يستوي الذي يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب) الزمر /9.

وقال: (كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب) ص/29.

وقال: (ولقد آتينا موسى الهدى وأورثنا بني إسرائيل الكتاب هدى وذكرى لأولي الألباب) الذاريات /55.

وقال: (وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين) ق/37.

يا هشام: إن الله تعالى يقول في كتابه (إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب) لقمان /12، يعني عقل.

وقال: (ولقد آتينا لقمان الحكمة) قال الفهم والعقل.

يا هشام: إن لقمان قال لابنه: تواضع للحق تكن أعقل الناس وإن الكيس لذي الحق يسير، يا بني: إن الدنيا بحر عميق، قد غرق فيه عالم كثير

الصفحة 357
فلتكن سفينتك فيها تقوى الله وحشوها الايمان وشراعها التوكل، وقيّمها العقل ودليلها العلم وسكانها الصبر.

يا هشام: عن لكل شيء دليلاً، ودليل العقل التفكر، ودليل التفكر الصمت، ولكل شيء مطية ومطية لعقل التواضع، وكفى بك جهلاً أن تركب ما نهيت عنه.

يا هشام: ما بعث الله أنبياءه ورسله إلى عباده غلا ليعقلوا عن الله، فأحسنهم استجابة أحسنهم معرفة، وأعلمهم بأمر الله أحسنهم عقلاً، وأكملهم عقلاً أرفعهم درجة في الدنيا والآخرة.

يا هشام: إن لله على الناس حجتين، حجة ظاهرة، وحجة باطنة فأما الظاهرة فالرسل والأنبياء والائمة عليهم السلام وأما الباطنة فالعقول..

يا هشام: إن العاقل الذي لا يُشغل الحلال شكره ولا يغلل الحرام صبره.

يا هشام: من سلط ثلاثاً على ثلاث فكأنما أعان هواه على هدم عقله:

من أظلم نور تفكره بطول أمله، ومحى طرائف حكمت بفضول كلامه وأطفأ نور عبرته بشهوات نفسه. فكأنما أعان هواه على هدم عقله.ومن هدم عقله أفسد عليه دينه ودنياه.

يا هشام: كيف يزكو عند الله عملك وأنت قد شغلت قلبك عن أمر ربك وأطعت هواك على غلبة عقلك.

يا هشام: الصبر على الوحدة علامة قوة العقل، فمن عقل عن الله اعتزل أهل الدنيا والراغبين فيها، ورغب فيما عند اله وكان الله أنيسه في الوحشة وصاحبه في الوحدة وغناه في العيلة وعزه من غير عشيرة.


الصفحة 358
يا هشام: نصب الحق لطاعة الله ولا نجاة إلا بالطاعة، والطاعة بالعلم والعلم بالتعلم بالعقل ولا علم غلا من عالم رباني، ومعرفة العلم بالعقل.

يا هشام: قليل العمل من العالم مقبول مضاعف، وكثير العمل من أهل الهوى والجهل مردود.

يا هشام: إن العاقل رضي بالدون من الدنيا مع الحكمة ولم يرض بالدون من الحكمة مع الدنيا، فلذلك ربحت تجارتهم.

يا هشام: إن العقلاء تركوا فضول الدنيا، فكيف الذنوب، ترك الدنيا من الفضل وترك الذنوب من الفرض.

يا هشام: إن العاقل نظر إلى الدنيا وإلى أهلها فعلم أنها لا تنال إلا بالمشقة، ونظر إلى الآخرة فعلم أنها لا تنال إلا بالمشقة، فطلب بالمشقة أبقاهما.

يا هشام: إن العقلاء زهدوا في الدنيا ورغبوا في الآخرة ورغبوا في الآخرة، لأنهم علموا أن الدنيا طالبة مطلوبة والآخرة طالبة مطلوبة. فمن طلب الآخرة، طلبته الدنيا، حتى يستوفي منها رزقه، ومن طلب الدنيا طلبته الآخرة فيأتيه الموت، فيفسد عليه دنياه وآخرته.

يا هشام: من أراد الغنى بلا مال، وراحة القلب من الحسد والسلامة في الدين: فليتضرع على الله عز وجل في مسألته بأن يكمل عقله فمن عقل قنع بما يكفيه ومن قنع بما يكفيه استغنى، ومن لم يقنع بما يكفيه لم يدرك الغنى أبداً.

يا هشام: إن الله حكى عن قوم صالحين أنهم قالوا:

(ربنا لا تزغ قلوبنا بعد غذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة) آل عمران/8.


الصفحة 359
حين علموا أن القلوب تزيغ وتعود إلى عماها ورداها.

إنه لم يخف الله من لم يعلم عن الله، ومن لم يعقل عن اله، لم يعقد قلبه علىمعرفة ثابتة ببصرها ويجد حقيقتها في قلبه، ولا يكون أحد كذلك إلا من كان قوله لفعله مصدقاً وسره لعلانيته موافقاً.

لأن الله تبارك اسمه لم يدل على الباطن الخفي من العقل إلا بظاهر منه وناطق عنه.

يا هشام: كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول: ماعُبد الله بشيء أفضل من العقل، وما تم عقل امرئ حتى يكون فيه خصال شتى: الكفر والشرك منه مأمونان، والرشد والخير منه مأمولان، وفضل ماله مبذول، وفضل قوله مكفول، ونصيبه من الدنيا القوت، لايشبع من العلم دهره، الذل أحب إليه مع الله من العز مع غيره، والتواضع أحب إليه من الشرف، استكثر قليل المعروف من غيره واستقل كثير المعروف من نفسه، ورأى الناس كلهم خيراً منه، وأنه شرهم في نفسه وهو تمام الأمر.

يا هشام: إن العاقل لا يكذب وإن كان فيه هواه.

يا هشام: لا دين لمن لا مروءة له، ولا مروءة لمن لا عقل له، وإن أعظم الناس قدراً الذي لا يرى الدنيا لنفسه خطراً، أما إن أبدانكم ليس لها ثمن إلا الجنة فلا تبيعوها بغيرها.

يا هشام: إن أمير المؤمنين عليه السلام كان يقول:

إن علامة العاقل أن يكون فيه ثلاث خصال: يجيب إذا سُئل، وينطق إذا عجز القوم عن الكلام، ويشير بالرأي الذي يكون فيه صلاح أهله، فمن لم يكن فيه من هذه الخصال الثلاث شيء فهو أحمق.


الصفحة 360
إن أمير المؤمنين عليه السلام قال: لا يجلس في صدر المجلس إلا رجل فيه هذه الخصال الثلاث أو احدة منن، فمن لم يكن فيه شيء منهن فجلس فهوالأحمق.

وقال الحسن بن علي عليهما السلام: إذا طلبتم الحوائج فاطلبوها من أهلها: قيل يا ابن رسول الله من أهلها؟

قال: الذين قص الله في كتابه ذكرهم، فقال: (إنما يتذكر أولوا الالباب) الزمر/39.

قال: هم أولوا العقول.

وقال علي بن الحسين عليهما السلام: مجالسة اصالحين داعية على الصلاح، وآداب العلماء زيادة في العقل، وطاعة ولادة العدل تمام العز، واستثمار المال تمام المروءة، وإرشاد المستشير قضاء لحق النعمة، وكف الأذى من كمال العقل، وفيه راحة البدن عاجلاً وآجلاً.

يا هشام: إن العاقل لا يحدث من يخاف تكذيبه، ولا يسأل من يخاف منعه، ولا يعد بما لا يقدر عليه، ولا يرجو ما يعنف برجاءه، ولا يقوم على ما يخاف فوته بالعجز عنه)(1).

وهناك مئات الروايات التي تكشف عن أهمية العقل ومكانته في مدرسة أهل البيت (ع)، والعقل هو ذلك النور الإلهي الذي يكشف به الإنسان حقائق الأشياء وهو بذلك عطاء إلهين وليس أمراً ذاتياً في الإنسان يتحول معه من القوة إلى الفعل كما ذهبت إلى الفلاسفة، الذين عرَّفوا العقل بتلك القدرة التي يقدر بها الإنسان على استخراج النظريات من الضروريات كاستحالة اجتماع النقيضين، وأن كل متغير حادث. وعند استخراج النظريات من هذه الضروريات يكون الإنسان قد وصل إلى حد العقل، وهو

____________

1- المصدر السابق.


الصفحة 361
مرتبة من مراتب النفس، وعند كمالها تكون عقلاً. فالنتائج تسمى معقولات، بعد إيصالها إلى الضروريات، وإن كان بعشرين واسطة، فخلطوا بين العقل والمعقول، وبين العلم والمعلوم، واشتغلوا بالمعلوم والمعقول فتاهوا عن النور الذي به علموا وعقلوا الاشياء، وهذا هو الضلال البعيد، لاننا نرى بوجداننا أن هذا النور الذي نتعرف به على حقائق الأشياء خارج عن ذواتنا وعن ذوات المعلومات، وإنما هو عطاء إلهي نعلم به أنفسنا ونكشف به حقائق الأشياء، وإلا أين هذا العقل حال الطفولة، ومن المعلوم أنه إذا كان ذاتياً فالذاتي لا ينفصل.

قال تعالى: (والله أخرجكم من بطون امهاتكم لا تعلمون شيئاً) والآية لاتعدو أن تكون تنبيهاً إلى واقع العقل والعلم، وأنهما هما النوران الكاشفات اللذان لم يكن أحد منا يملكهما، حينما أخرج من بطن أمه، ثم أصبح الآن يملكهما. فلا بد إذن أن يعترف أنهما من الله. لأنه لو كان من نفسه إذن لكان لديه من الطفولة.

يقول (ص) مؤكداً هذه الحقيقة: (فإذا بلغ المولد حد الرجال أوحد النساء، كشف ذلك الستر، فيقع في قلب هذا الإنسان نور فيفهم الفريضة والسنة، والجيد والردئ. ألا ومثل العقل في القلب كمثل السراج في البيت).

فالعقل إذن نور إلهي معصوم عن الخطأ، والوحي أيضاً نور إلهي معصوم عن الخطأ، فلا اختلاف بينهما. وإنما هم نوران من مشكاة واحدة فقد جعل الله النور الأول في الإنسان، وجعل النور الثاني في القرآن والأحاديث، وكلاهما يكمل الآخر ويصدقه.

وتكون العلاقة بين العقل والوحي علاقة الإثارة، كما قال أمير المؤمنين (ع) واصفاً مهمة الأنبياء: (ليثيروا دفائن العقول) فإذن لا انفصال بين العقل

الصفحة 362
وبين الوحي طبقاً لمبدأ العقلانية القرآنية القائمة على اصل الذكر، وهو العقل السليم الذي يزكو وينمو ويؤيد ويسدد بالوحي الإلهي، فيكون بذلك المقياس السليم لكشف معارف الدين هو العقل المستبصر ببصائر الوحي.

وهذه الحقيقة المخيفة كانت هي السبب في اختلاف المسلمين وتمذهبهم.

فاهل الحديث جمدوا على ظاهر النص، والمعتزلة اعتمدوا التأويل، والأشاعرة حاولوا الجمع بين التأويل والجمود على النصوص، والفلاسفة شقوا لأنفسهم طريقاً مخالفاً لطريق الله، وادعوا الوصول إلى الحقائق عبر الطاقة البشرية. وكلهم لم يصيبوا واقع الحقيقة.

بوما أن حديثنا الآن عن الحنابلة، فإنكارهم للعقل وعدم العمل به لا وجه له، والذي ينظر إلى كتب الحنابلة يجد تلك العقائد المتناقضة أو التي تخالف عقل الإنسان وفطرته، فيؤمنون بالروايات التي تثبت التشبيه والتجسيم لله سبحانه وتعالى، فترى عقائدهم لا تختلف عن عقائد اليهودية والنصرانية والمجوسية بكثير، فظهرت بينهم مذاهب التجسيم والتشبيه والرؤية والجبر..وغير ذلك من معتقدات أهل البيت.

وهذا كله يرجع لتعاملهم التعسفي مع الأحاديث التي لم يدققوا في مدلولاتها أو لم ينظروا إلى أسانيدها، من غير عرضها على القرآن والعقل، بل آمنوا بها مطلقاً.

: (فبلغ بهم التقليد إلى حد أن صاروا يأخذون بظواهر كل ما رواه الرواة من الأخبار والآثار الموقوفة والمرفوعة والموضوعية والمصنوعة، وإن كانت شاذة أو منكرة أو غريبة أو من الاسرائيليات مثل ما روي عن كعب

الصفحة 363
ووهب و.. أو معارضة بالقطعيات التي تعد من نصوص الشرع ومدركات الحس ويقينيات العقل، ويكفرون من أنكرها ويفسقون من خالفها...)(1).

وإذا كان التعامل مع الأحاديث بهذه الصورة، فلا محال أن تكون العقائد الإسلامية أسيرة آلاف من الأحاديث الموضوعة والاسرائيليات التي قام اليهود بدسها في المعتقدات الإسلامية.

وادعاء الحنابلة تمسكهم بالكتاب والسنة، ورمي غيرهم بالضلال والكفر ادعاء فارغ لا دليل عليه، فالكل يعترف بحجية السنة والعمل بها ولكن في الفرق هو أن الحنابلة يؤمنون بكل ما روي عن رسول الله من غير توثيق ومن غير فهم أو وعي في مدلولاته، كما قال الزمخشري.


إن قلت من أهل الحديث قالواتيس ليس يدري ويفهم

وقال رسول الله (ص) من كذّب عليّ متعمداً فليتبواً مقعده من النار) إشارة صريحة بأن أعداء الدين سوف ينسبون إلى الرسول وإلى الإسلام كل ما يشينه ويحرف عقائده، فلذلك لا بد أن تخضع دراسة الحديث إلى الأساليب العلمية والمنطقية، وليس كما فعلت الحنابلة يؤمنون بكل ما وجد في بطون الكتب من أحاديث معقولة أو غير معقولة، موافقة للقرآن أو غير موافقة.

يقول ابن حنبل في رسالته: (فنروي الحديث كما جاء على ما روي، نصدق به ونعلم أنه كما جاء)(2)..

: (قال: وأخبرني علي بن عيسى أن حنبلياً حدّثهم قال: سالت ابا عبد الله عن الأحاديث التي تروي إن الله تبارك وتعال ينزل كل ليلة إلى

____________

1- من كلام السيد رشيد رضا ـ تلميذ محمد عبده ـ كتاب أضواء على السنة المحمدية لمحمود أبو رية ص23.

2- الملل والنحل للشهرستاني ج1 ص165.