الصفحة 80

العداوة بين أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)

وبعد الوقوف على هذه الحادثة المزعجة تزلزلت الروحية واضطربت الفكرة وهاجت الاوهام والشبهات وتصاعدت الاسئلة في نفسي:

لماذا كانت تلك المعارك العظيمة بين الصحابة ؟ وهم خريجو مدرسة النبوة وتلامذة الرسالة الخاتمة ! فهذه حرب الجمل وتلك حرب صفين وتيك معركة النهروان مما كان سبباً لقتل عشرات الالاف من المسلمين من الجيل الاول الجيل المثالي الذي ملا سيّد قطب حبَّه في قلبي ! وعلماؤنا كانوا يقولون لنا: إن جميعهم من أهل الجنة قاتلاً أو قتيلا، كأن الجحيم خلقت لغير هذا الجيل !!

ونرى البعض من الذين نعدهم من أساطين الدين مشعلين لنار تلك الفتنة الكبيرة، ونرى البعض من الذين نعدّهم من المبشَّرين بالجنة مقاتلاً في مقابل البعض الاخر، ونرى أن بغض علي في قلب أم المؤمنين عائشة وصل إلى درجة أن سجدت لله شكراً عند بلوغها نعيه، وأنشدت:

فألقت عصاها واستقرت بها النوى كـما قـر عيناً بالاياب المسـافـر
ثم قالت: من قتله ؟ فقيل: رجل من مراد، فقالت:

فان يك نائياً فـلقـد نعاه غلام ليس في فيه التراب
فقالت زينب بنت أم سلمة: ألعلي تقولين هذا ؟! فقالت: إنني أنسى، إذا

الصفحة 81
نسيت فذكروني(1) .

وبعد ذلك، حصل لدي الشك بالنسبة إلى جميع ما كنت أعتقده. وعزمت على تحقيق وسيع في الوقائع التاريخية كي أطلع على الحقيقة.

____________

1 ـ حول إنشادها وكلامها مع زينب راجع: تاريخ الطبري ذكر مقتل أمير المؤمنين من حوادث سنة (40): 3 / 159، الكامل في التاريخ: 2 / 438، الطبقات الكبرى: 2 / 69 م: 3 وفي طبع: 3 / 27. وحول سجودها راجع: مقاتل الطالبين / 26 ـ 27.

الصفحة 82

الفصل بين الحق والباطل

ثم وقفت على الحديث المتواتر ـ كما اعترف به ابن عبد البر الاندلسي والذهبي وابن حجر العسقلاني ـ في عمار بن ياسر رضي الله عنه:

أخرج البخاري عن أبي سعيد الخدري، قال: كنا ننقل لبن المسجد لبنة لبنة وكان عمار ينقل لبنتين لبنتين، فمر به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ومسح عن رأسه الغبار، وقال: «ويح عمار تقتله الفئة الباغية، عمار يدعوهم إلى الله تعالى ويدعونه إلى النار».

وفي لفظ آخر للبخاري وأحمد وابن حبان: «يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار».

وفي لفظ ابن عساكر: «ما لهم ولعمار ! يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار، وذلك فعل الاشقياء الاشرار».

وفي لفظ ابن أبي شيبة: «وذلك دأب الاشقياء الفجار».

وقد روى محدّثوا أهل السنة هذا الحديث عن أكثر من ثلاثين صحابياً، منهم:

1 ـ عمار بن ياسر.

2 ـ وأبو سعيد الخدري.

3 ـ وحذيفة بن اليمان.

4 ـ وعثمان بن عفان.

الصفحة 83
5 ـ وعبد الله بن مسعود.

6 ـ وعبد الله بن عباس.

7 ـ وعبد الله بن عمر.

8 ـ وعبد الله بن عمرو بن العاص.

9 ـ وعبد الله بن أبي هذيل.

10 ـ وعبد الرحمن بن عوف.

11 ـ وزيد بن وهب.

12 ـ وزيد بن أبي أوفى.

13 ـ وزياد بن القرة.

14 ـ وأسامة بن زيد.

15 ـ وجابر بن عبد الله.

16 ـ وخزيمة بن ثابت.

17 ـ وابن سنان الدؤلي.

18 ـ وذو الكلاع.

19 ـ وأبو رافع.

20 ـ وعمرو بن ميمون.

21 ـ وأبو أمامة.

22 ـ وكعب بن مالك.

23 ـ وأنس بن مالك.

24 ـ وجابر بن سمرة.

25 ـ وأبو قتادة.

الصفحة 84
26 ـ وأبو اليسر.

27 ـ ومعاوية بن أبي سفيان.

28 ـ وعمرو بن العاص.

29 ـ و خالد بن الوليد.

30 ـ وأبو هريرة.

31 ـ وعمرو بن حزم.

32 ـ وأبو أيوب الانصاري.

33 ـ وأم سلمة.

34 ـ وعائشة(1) .

____________

1 ـ (2) ـ الاستعاب: 3 / 231 م: 1883 وفي النسخة المطبوعة مع الاصابة: 2 / 436، الاصابة: 4 / 474 م: 5720 وفي طبع آخر: 2 / 512 و 506، صحيح البخاري كتاب الصلاة باب التعاون في بناء المسجد: 1 / 161 ح: 447 وكتاب الجهاد والسير باب مسح الغبار عن الناس: 2 / 309 ح: 2812، صحيح مسلم كتاب الفتن: 18 / 255 و 256 ح: 2915 و 2916 أو 4 / 2335 ـ 2336، دلائل النبوة للبيهقي: 2 / 546 ـ 552، مسند أحمد: 4 / 319 و 3/ 5 و 22 و 28 و 91 و 2 / 161 و 164 و 206، البداية والنهاية عن البخاري ومسلم و ابن اسحاق وعبد الرزاق والبيهقي: 3 / 263 ـ 264 و7 / 345، خصائص النسائي / 132 ـ 134، المعجم الصغير: 1 / 187، الطبقات الكبرى: 2 / 221 ـ 223 م: 54 وفي آخر: 3 / 180، الامامة والسياسة: 1 / 117، أسد الغابة: 2 / 114 و 143 و 217 و 4 / 46 ـ 47، مجمع الزوائد: 7 / 241 و 242 و 244 و 9 / 295 ـ 298، تاريخ الطبري: 3 / 98 و 99، حلية الاولياء: 4 / 172 و 361 و 7 / 197 ـ 198، سنن الترمذي: 5 / 439 ح: 3826، المستدرك: 2 / 148 و 149 و 3 / 386 و 387 و 391 و 397، كنز العمال: 11 / 351 ح: 31716 و 31719 و/ 613 ح: 32970 و / 722 ح: 33531 ـ 33533 و/ 724 ـ 727 ح: 33545 ـ 33551 وح: 33555 ـ 33564 و13 / 528 ـ 539 ح: 37367 و37370 و37372 و37374 ـ 37376 و37386 و37391 ـ 37396 و37398 ـ 37410، السنن الكبرى للنسائي ذكر قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): عمار تقتله الفئة الباغية: 5 / 155 ـ 157 ح: 8543 ـ 8553، جواهر المطالب: 2 / 40 ـ 44، سير أعلام النبلاء: 1 / 410 م: 84، المعجم الكبير: 1 / 320 ح: 954 و4 / 85، 168 ح: 3720 و 4030 و 13/363 و 364 ح: 852 ـ 857 و19 / 171 و 331 و 396 ح: 382 و383 و 758 و 759 و 932 و 23 / 363 ـ 364 و 369 ح: 852 ـ 858 و 873 ـ 874، تاريخ بغداد: 2 / 282 م: 755 و3 / 243 م: 1326 و5 / 315 م: 2832 و7 / 414 م: 3965 و8 / 275 م: 4375 و11 / 218 م: 5933 و429 م: 6318 و13 / 187 م: 7165، تذكرة الخواص / 65، الفصول المهمة / 122، العقد الفريد: 5 / 89 و 90، أنساب الاشراف: 3 / 92 ـ 95، صحيح ابن حبان: 15 / 553 ـ 555 ح: 7077 ـ 7079، المصنف لابن أبي شيبة: 7 / 547 ـ 548 و 551 ح: 37834 و 37840 و 37864 و 37865، المناقب للخوارزمي / 105 و 191 و 192 و 233 و234 ح: 110 و 227 ـ 230، السيرة الحلبية: 2 / 71 ـ 73، مسند ابن جعد / 182 و 245 ـ 246 ح: 1175 و 1621 و 1622، معجم الصحابة لابن القانع: 1 / 236 م: 267، سير أعلام النبلاء: 1 / 419 ـ 421، في ترجمة عمّار ابن ياسر.

الصفحة 85
والحديث المتواتر أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال في حق علي (عليه السلام): «اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وانصر من نصره واخذل من خذله»(1) .

____________

1 ـ مجمع الزوائد: 9 / 104 ـ 108، الخصائص للنسائي / 100 ـ 104 و 132، كنز العمال: 11 / 609 ـ 610 ح: 32946 ـ 32951، شواهد التنزيل: 1 / 157 ح: 211 / 192 ح: 250، مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي / 18 ـ 27 ح: 23 ـ 39، جواهر المطالب: 1 / 84 و 85، المصنف لابن أبي شيبة: 6 / 371 و 375 ح: 32082 و32083 و32109، شرح ابن أبي الحديد: 18 / 24، العقد الفريد: 5 / 61، الرياض النضرة: 3 / 126 ـ 127.

الصفحة 86
والحديث الصحيح أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لعلي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام): «أنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم».

وقد رواه علماء أهل السنة والجماعة بطرق متعددة وألفاظ مختلفة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم):

ففي بعض المقامات قاله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) ; مرة بضمير الخطاب ومرة بضمير الغيبة.

وفي بعض المقامات قاله لعلي (عليه السلام)وحده(1) .

____________

1 ـ شرح نهج البلاغة: 18 / 24، المناقب للخوارزمي / 149 ـ 150، 297 ح: 177 و 291، مجمع الزوائد: 9 / 169، شواهد التنزيل: 2 / 27 ح: 665، مصابيح السنة للبغوي: 2 / 457 ح: 2728 ب: 33 من كتاب الفتن، كنز العمال 13 / 640 ح : 37618 و12 / 96 و 97 ح: 34159 و 34164، المستدرك: 3 / 149، سنن الترمذي باب ما جاء في فضل فاطمة الزهراء (عليها السلام): 5 / 466 ح: 3896، سنن ابن ماجه: 1 / 52 ح: 145، أسد الغابة: 3 / 11 و5 / 523 المعجم الاوسط: 3 / 407 ح: 2875 و8 / 128 ح: 7255، المعجم الكبير: 3 / 40 ح: 2619 ـ 2621 و5 / 184 ح: 5030 و 5031، المصنف لابن أبي شيبة: 6 / 381 ح: 32172، تاريخ بغداد: 7 / 137 م: 3582، الرياض النضرة: 3/154، الفصول المهمة / 27، ينابيع المودة / 35 مناقب علي (عليه السلام) لابن المغازلي / 50 و 63 و 238، 277 ح: 73، 90، 285، 323، جواهر المطالب: 1 / 172 و 173، المناقب لابن تبوك / 431 ح: 9، الاصابة في تمييز الصحابة: 4 / 378 م: 830، كفاية الطالب / 294 ـ 296، فرائد السمطين: 2 / 37 ـ 40 ح: 372 ـ 373.

الصفحة 87
والحديث المستفيض، أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لعلي (عليه السلام): «لا يحبك إلاّ مؤمن ولا يبغضك إلاّ منافق»، رواه أحمد في المسند والفضائل والترمذي والنسائي وابن ماجه وأبو يعلى وابن منده والحميدي والكنجي وغيرهم.

وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الاوسط ورجاله ثقات.

وأخرج مسلم وغيره عن علي (عليه السلام)، أنه قال: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة انه لعهد النبي الامي (صلى الله عليه وآله وسلم) إليّ: أن لا يحبني إلاّ مؤمن ولا يبغضني إلاّ منافق.

وأخرج الحاكم وغيره عن أبي ذر، أنه قال: ما كنا نعرف المنافقين إلاّ بتكذيبهم الله ورسوله والتخلف عن الصلاة والبغض لعلي بن أبي طالب. وأخرج الترمذي وأحمد وابن الاعرابي والاجري وابن عساكر عن أبي

سعيد الخدري أنه قال: إن كنا لنعرف المنافقين نحن معشر الانصار ببغضهم علي بن أبي طالب.

وأخرج ابن عساكر والبزار والطبراني والخوارزمي عن جابر بن عبد الله أنه قال: و الله ما كنانعرف منافقينا إلاّ ببغضهم علياً.

قال ابن الجوزي: قال الترمذي: كان أبوالدرداء يقول: ما كنا نعرف المنافقين معشر الانصار إلاّ ببغضهم علي بن أبي طالب.

وقد تواترت الاخبار عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في أن حب علي من الايمان وبغضه من النفاق، قاله في مقامات عديدة وبمضامين مختلفة، رواه جماعة كبيرة من الصحابة، منهم:

الصفحة 88
1 ـ أمير المؤمنين علي (عليه السلام).

2 ـ وفاطمة الزهراء (عليها السلام).

3 ـ وأبو ذر الغفاري.

4 ـ وسلمان الفارسي.

5 ـ وعبد الله بن عباس.

6 ـ وجابر بن عبد الله.

7 ـ وأبو سعيد الخدري.

8 ـ وعمار بن ياسر.

9 ـ وعبد الله بن مسعود.

10 ـ وعمران بن حصين.

11 ـ وأبو رافع.

الصفحة 89
12 ـ وأم سلمة.

13 ـ وعمر بن الخطاب.

14 ـ وعبد الله بن عمر.

15 ـ وعبد الله بن حنطبة.

16 ـ وأبو الدرداء.

17 ـ ويعلى بن مرة.

وغيرهم(1) .

____________

1 ـ راجع: مجمع الزوائد: 9 / 132 و 134، المناقب لابن المغازلي / 50 و 51 و 190 ـ 196 و261 و 315 ح: 74 و 75 و 225 ـ 233 و 309 و 359، تاريخ بغداد: 2 / 255 م: 728 و8 / 417 و 14 / 426 م: 7785، حلية الاولياء: 4 / 185 أخرجه بعدة طرق وصححه، مسند أحمد: 1 / 84 و 95 و 128 و6 / 292، مسند أبي يعلى: 1 / 250 ـ 251 ح: 12291 / 331 ـ 332 و 362 ح: 6904 و 6931 وفي طبع: 6 / 244 و 256 ح: 6868 و 6895، صحيح مسلم كتاب الايمان باب الدليل على أن حب الانصار وعلي من الايمان: 2 / 425 ح: 131 وفي طبع: 1 / 84، السنن الكبرى للنسائي: 5 / 137 ح 8485 ـ 8487 وفي سننه: 8 / 115 ـ 117، المستدرك: 3 / 129 و 130، الاستيعاب (بهامش الاصابة): 3 / 37، الفصول المهمة / 125 و 126، كنز العمال: 11 / 598 و 599 و 603 و 622 ح: 32878 و 32884 و 32910 و 32981 و 33023 ـ 33029 و13 / 106 ح: 36346، منتخب الكنز بهامش المسند: 5 / 30 ـ 34، صحيح الجامع الصغير للالباني: 2 / 1034 ح: 5963، سنن ابن ماجه: 1 /42 و 114، الخصائص للنسائي / 104 ـ 105، مصابيح السنة: 2 / 450 ح: 2678، سنن الترمذي: 5 / 400 ح: 3737 و 3738 وفي طبع: 6 / 82 و 94 ح: 3717 و 3736، كتاب السنة لابن أبي عاصم 2 / 584 ح: 1325، البحر الزخار المعروف بمسند البزار: 2 / 182 ح: 560، المعجم الكبير: 6 / 239 ح: 6097 و 23 / 375، 380 ح: 885 و 886 و 901، مختصر تاريخ دمشق: 17 / 316 و 367 ـ 375 بطرق كثيرة، المصنف لابن أبي شيبة كتاب الفضائل باب فضائل علي (عليه السلام): 6 / 368 و 374 ح: 32055 و 32105 و 32107، الصواعق المحرقة / 122، شرح نهج البلاغة: 4 / 63، صحيح ابن حبان: 15 / 367 ح: 6924، المناقب للخوارزمي / 326 ح: 336، سير أعلام النبلاء الخلفاء الراشدون / 236، مسند الحميدي: 1 / 31 ح: 58، كفاية الطالب / 60 ـ 63، مشكاة المصابيح: 3 / 355 و 359 ح: 6088 و 6100، جامع المسانيد والسنن: 19 / 26 ـ 28 و33 / 385 ح: 824، تاريخ دمشق: 42 / 266 ـ 293 و 301، فرائد السمطين: 1 / 130 ـ 133 ح: 92 ـ 95 ب: 23، فضائل الصحابة لاحمد: 2 / 563 و 570 و 579 و 619 و 648 و 650 و 685 ح: 948 و 961 و 1059 و 1102 و 1107 و 1169، مناقب الاسد الغالب / 16 ـ 18، أنساب الاشراف: 2 / 350 و 383، ينابيع المودة / 47 ـ 48 ب: 6 و 246 ـ 247، سلسلة الاحاديث الصحيحة: 4 / 298 ح: 1720، المعجم الاوسط: 2 / ح: 2146 و5 / ح: 4163، المؤتلف والمختلف للدارقطني: 3 / 1376، كتاب الايمان لابن منده: 1 / 414 ـ 415 ح: 261، جامع الاصول: 8 / 656 ح: 6498 ـ 6500.

الصفحة 90
والحديث المروي عن جابر بن عبد الله أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: ـ وهو آخذ بضبع علي ـ «هذا إمام البررة، قاتل الفجرة، منصور من نصره، مخذول من خذله» ثم مد بها صوته.

قال الحاكم: صحيح الاسناد ولم يخرجاه.

وفي المناقب للخوارزمي عن حذيفة بن اليمان، بزيادة: «ألا وإن الحق معه، ألا وإن الحق معه يتبعه، ألا فميلوا معه»(1) .

والحديث المروي عن ابن عباس أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «علي بن أبي طالب باب حطة، من دخل منه كان مؤمناً ومن خرج منه كان كافراً»(2) .

____________

1 ـ تاريخ دمشق: 42 / 226، المناقب لابن المغازلي / 80 ـ 84 ح: 120 و 125، المستدرك: 3 / 129، المناقب للخوارزمي / 177 ح: 215، ميزان الاعتدال: 1 / 109 ـ 110 م: 429، الصواعق المحرقة / 125، منتخب الكنز: 5 / 29 و 30، الجامع الصغير للسيوطي: 2 / 629 ح: 5616، فرائد السمطين: 1 / 157 ح: 119 ب: 32، تاريخ بغداد: 2 / 377 م: 887، وعن الثعلبي من حديث أبي الدرداء في تفسير آية الولاية من تفسيره الكبير.

2 ـ كنز العمال: 11 / 603 ح: 32910، منتخب الكنز: 5 / 30 عن الدارقطني في الافراد، الجامع الصغير: 2 / 629 ح: 5617، ينابع المودة / 185 و 247 و 284، الصواعق المحرقة / 125.

الصفحة 91
والحديث المروي عن أبي ذر: أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع علياً فقد أطاعني ومن عصى علياً فقد عصاني».

وقد اعترف كل من الحاكم والذهبي بصحته على شرط الشيخين.

وفي رواية ابن عدي وابن عساكر عن يعلى بن مرة: «من أطاع علياً فقد أطاعني ومن عصى علياً فقد عصاني ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أبغض علياً فقد أبغضني ومن أبغضني فقد أبغض الله، لا يحبك إلاّ مؤمن ولا يبغضك إلاّ كافر أو منافق»(1) .

والحديث المروي عن سلمان الفارسي وعمار بن ياسر وأبي رافع وأم سلمة و عمرو بن العاص: أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «من أحب علياً فقد أحبني ومن أحبني فقد أحب الله، ومن أبغض علياً فقد أبغضني ومن أبغضني فقد أبغض الله».

هذا لفظ الطبراني في الكبير من حديث أم سلمة، واعترف كلّ من الحاكم والذهبي والالباني بصحة الحديث(2) .

____________

1 ـ ينابيع المودة / 205، 257، المستدرك مع تلخيصه: 3 / 121 و 128، كنز العمال: 11 / 614 ح: 32973، مختصر تاريخ دمشق: 17 / 376، تاريخ دمشق: 42 / 270 و 306 ـ 307، الكامل لابن عدي: 5 / 560 م: 1182.

2 ـ مجمع الزوائد: 9 / 129 و 131 ـ 133، المستدرك مع تلخيصه: 3 / 130، أسد الغابة: 4 / 383، ذخائر العقبى / 122، الاستيعاب (ه): 3 / 37، تذكرة الخواص / 28، منتخب الكنز (ه): 5 / 30، الصواعق المحرقة / 123، كنز العمال: 11 / 601 و 622 ح: 32902 و33024، المعجم الكبير: 1 / 319 ح: 947 و23 / 380 ح: 901، المناقب للخوارزمي / 70 و 200 ح: 44، ينابيع المودة / 91، سلسلة الاحاديث الصحيحة: 3 / 287 ـ 288 ح: 1299.

الصفحة 92
والحديث المروي عن عمار بن ياسر، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «أوصي من آمن بي وصدّقني بولاية علي بن أبي طالب، من تولاّه فقد تولاّني ومن تولاّني فقد تولّى الله عزوجل، ومن أحبه فقد أحبني ومن أحبني فقد أحب الله، ومن أبغضه فقد أبغضني ومن أبغضني فقد أبغض الله عزوجل»(1) .

والحديث المروي عن ابن عباس: أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) نظر إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام)فقال: «يا علي أنت سيد في الدنيا وسيد في الاخرة، حبيبك حبيبي وحبيبي حبيب الله، وعدوك عدوي وعدوي عدو الله، والويل لمن أبغضك بعدي».

أخرجه الخطيب وابن عدي والقطيعي في الفضائل، وقال الـمُحَشِّي: رجال الاسناد ثقات، وعن الدارقطني في العلل، وأخرجه الحاكم في المستدرك واعترف بصحته على شرط الشيخين.

____________

1 ـ مجمع الزوائد: 9 / 108 ـ 109 عن الطبراني باسنادين، ينابيع المودة / 237، فردوس الاخبار: 1 / 246 ح: 1756 وفي طبع: 1 / 522 ح: 1756، مختصر تاريخ دمشق: 17 / 360، منتخب الكنز: 5 / 32، المناقب لابن المغازلي / 230 ـ 232 ح: 277 ـ 279، كفاية الطالب / 65، تاريخ دمشق: 42 / 239 ـ 240، كنز العمال: 11 / 611 ح: 32958، مناقب الامام لمحمد بن سليمان: 1 / 428 ح: 333 ب: 40.

الصفحة 93
وقال الذهبي: هذا وان كان رواته ثقات فهو منكر، ليس ببعيد من الوضع، وإلاّ، لايِّ شيء حدَّثَ به عبد الرزاق سرّاً؟ ولم يجسر أن يتفوه به لاحمد وابن معين والخلق الذي رحلوا إليه، وأبو الازهر ثقة، ذكر أنه رافق عبد الرزاق من قرية له إلى صنعاء، قال: فلما ودعته قال: قد وجب حقك علي، وأنا أحدِّثُك بحديث لم يسمعه مني غيرك، فحدثني والله بهذا الحديث لفظا(1) .

وقد تقدم نظير هذا الموقف من الذهبي في حديث (باب العلم) أيضاً، ورأيت هناك ما حكاه العلامة الهندي في كنزه عن بعض أعلام أهل السنة من عدم وجود علة قادحة في ذلك إلاّ دعوى الوضع دفعاً لما بالصدر.

والعجب من الذهبي كيف يعترف بوثاقة جميع رواة الحديث ومع ذلك يشنُّ عليه حملته هذه من دون أن يستحي من الله ورسوله، وأعجب منه انه كيف اعتمدنا على أمثال هذا الشخص وائتمناهم على ديننا ؟!

فبدل أن يفكر الذهبي في مظلومية علي (عليه السلام) وأنه كيف وصل إلى درجة يخاف المحدِّثون على أنفسهم من إظهار فضائله ومناقبه حتى عند أهل العلم، تراه كيف يطرح الحديث الصحيح وراء ظهره.

____________

1 ـ المستدرك مع تلخيصه: 3 / 128، المناقب للخوارزمي / 327 ح: 337، المناقب لابن المغازلي / 103، 382 ح: 145 و430، ينابيع المودة / 91، 248، 314، مختصر تاريخ دمشق: 17 / 373، تاريخ بغداد: 4 / 41 م: 1647، تذكرة الخواص / 52، الفصول المهمة / 128، فرائد السمطين: 1 / 128 ح: 90 ب: 22، ينابيع المودة / 91، 248، الكامل لابن عدي: 1 / 317 م: 33 و6 / 539 ـ 540 م: 1463، فضائل الصحابة لاحمد: 2 / 642 ـ 643 ح: 1092، تهذيب الكمال: 1 / 105 م: 5، تاريخ دمشق: 42 / 292.

الصفحة 94
وبدل أن يفكّر في سبب كتمان عبد الرزاق لهذه الفضيلة وعدم نقلها لهؤلاء الخلق الذين رحلوا إليه، وأنه يمكن أن يكون السبب هو خوفه من الاتهام والرمي بالتشيع من قبل أمثال الذهبي في زمانه ـ كما فعل الذهبي بعد زمانه بقرون ـ تراه كيف يتعامل مع كلام النبي الوارد في فضائل أهل بيته صلوات الله عليه وعليهم ؟!

ولو كان هذا الحديث في فضل معاوية بن أبي سفيان لما حمل الذهبي عليه بهجومه، بل لاطال في تمجيده وتقديسه ولَسَوَّد صفحات في تقريره وتبريره، ولو لم يبلغ من الصحة إلى درجة هذا الحديث المطروح من قبله.

قال المغربي: ولكنّ الذهبي إذا رأى حديثاً في فضل علي (عليه السلام) بادر إلى إنكاره بحق وبباطل، حتى كأنه لا يدري ما يخرج من رأسه سامحه الله(1) .

والحديث المروي عن علي (عليه السلام) وأبي أيوب الانصاري وعمار بن ياسر: أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «يا علي طوبى لمن أحبك ـ أو لمن تبعك ـ وصدق فيك، وويل لمن أبغضك وكذب فيك».

اعترف الحاكم بصحته، وقال الكنجي الشافعي: رويناه عن الجم الغفير(2) .

____________

1 ـ فتح الملك العلي / 20.

2 ـ المستدرك: 3 / 135، الفصول المهمة / 127، منتخب الكنز (ه): 5 / 34، مجمع الزوائد: 9 / 132، مختصر تاريخ دمشق: 17 / 369، كنز العمال: 11 / 622 ح: 33030، تاريخ بغداد: 9 / 72 م: 4656، المناقب لابن المغازلي / 121 ح:159، المناقب للخوارزمي / 70، 116 ح: 45، 126، أُسد الغابة: 4 / 23، كفاية الطالب / 58 ـ 59، 166، تاريخ دمشق: 42 / 281، فرائد السمطين: 1 / 129 ح: 91 ب: 22، فضائل الصحابة: 2 / 680 ح: 1162، ينابيع المودة / 91، 133، الكامل لابن عدي: 6 / 318 م: 1345، درر السمطين / 102.

الصفحة 95
والحديث المروي عن أبي رافع وعلي (عليه السلام): أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال له: «إن الامة ستغدر بك وأنت تعيش على ملتي وتقتل على سنتي، من أحبك أحبني ومن أبغضك أبغضني، وأن هذه ستخضب من هذا» ـ يعني لحيته من رأسه ـ واعترف كل من الحاكم والذهبي بصحته(1) .

والحديث المروي عن عمار بن ياسر أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «يا علي ستقاتلك الفئة الباغية وأنت على الحق، فمن لم ينصرك يومئذ فليس مني»(2) .

والحديث المروي عن أبي رافع أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «يا أبا رافع سيكون بعدي قوم يقاتلون علياً، حق على الله جهادهم، فمن لم يستطع جهادهم بيده فبلسانه، فمن لم يستطع بلسانه فبقلبه...»(3) .

والحديث المستفيض أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «علي مع القرآن والقرآن مع علي لن

____________

1 ـ المستدرك وتلخيصه: 3 / 142، كنز العمال: 11 / 617 ح: 32997 عن الدار قطني والحاكم والخطيب، منتخب الكنز (ه): 5 / 435، مجمع الزوائد: 9 / 129 بضمير الغائب. 2 ـ تاريخ دمشق: 42 / 473، كنز العمال: 11 / 613 ح: 32970، منتخب الكنز (ه): 5/33.

3 ـ مجمع الزوائد: 9 / 134، المعجم الكبير: 1 / 321 ح: 955، كنز العمال: 15 / 102 ح: 40266 عن الطبراني وابن مردويه وأبي نعيم و11 / 613 ح: 32971.

الصفحة 96
يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض».

اعترف الحاكم والذهبي بصحته(1) .

وأنه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «علي مع الحق والحق مع علي ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض يوم القيامة».

وفي لفظ مروي عن أم سلمة وكعب بن عجرة: «علي على الحق فمن اتبعه اتبع الحق ومن تركه ترك الحق، عهد معهود قبل موته».

ورواه محمد بن سليمان عن سعد بن أبي وقاص وأم سلمة(2) .

ورُوِيَ عن أبي سعيد الخدري: أنه مرَّ عليُّ بن أبي طالب (عليه السلام)، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «الحق مع ذا، الحق مع ذا».

قال الهيثمي: رواه أبو يعلى و رجاله ثقات، وأورده في الكنز واضعاً عليه

____________

1 ـ المستدرك وتلخيصه: 3 / 124، المعجم الصغير: 1 / 255، المعجم الكبير: 23 / 329 و 396 ح: 758 و 946، المناقب للخوارزمي / 177 ح: 214، مجمع الزوائد: 9 / 134، فيض القدير: 4 / 470 ح: 5594، الجامع الصغير: 2 / 629 ح: 5619، منتخب الكنز (ه): 5 / 30 ـ 32، كنز العمال: 11 / 603 ح: 32912 عن الحاكم والطيالسي، ينابيع المودة/90.

2 ـ الامامة والسياسة: 1 / 73، تاريخ بغداد: 14 / 321 م: 7643، تاريخ دمشق: 42 / 449، منتخب الكنز: 5 / 30 ـ 32، مجمع الزوائد: 9 / 134 و 135، المعجم الكبير: 19 / 147 ح: 322 و23 / 330 و 396 ح: 758 و 946، كنز العمال: 11 / 603 و 621 ح: 32912 و 33018، فرائد السمطين: 1 / 176 ـ 177 ح: 138 ب: 36، المناقب لمحمد بن سليمان: 1 / 422 ـ 423 ح: 330 ب: 39.

الصفحة 97
رمزه ورمز سعيد بن منصور.

وقد وردت بهذا المضمون أحاديث متعددة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في مناسبات مختلفة(1) .

والحديث المروي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) وعبد الله بن عمر، أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال له: «أنت أخي وأبو ولدي تقاتل عن سنتي وتبرئ ذمتي، من مات في عهدي فهو كنز الله، ومن مات في عهدك فقد قضى نحبه، ومن مات يحبك بعد موتك ختم الله له بالامن والايمان ما طلعت شمس أو غربت، ومن مات يبغضك مات ميتة جاهلية، وحوسب بما عمل في الاسلام».

أخرجه الطبراني وأبو يعلى، وعن البوصيري أنه قال: رواته ثقات(2) .

والحديث المروي عن أبي ذر الغفاري وعبد الله بن عمر وبريدة الاسلمي، أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لعلي (عليه السلام): «من فارقك يا علي فقد فارقني ومن فارقني فقد فارق الله».

____________

1 ـ سنن الترمذي: 5 / 297 ح: 3798، المستدرك: 3 / 124، تاريخ الاسلام للذهبي: 2 / 198، مجمع الزوائد: 7 / 235 و 9 / 134، شرح نهج البلاغة: 10 / 270، تاريخ بغداد: 14 / 321 م: 7643، مناقب علي (عليه السلام) لابن الغازلي / 244 ح: 291، المناقب للخوارزمي / 104 ح: 107، ينابيع المودة / 90، سير أعلام النبلاء الخلفاء / 236.

2 ـ كنز العمال: 11 / 610 ـ 611 ح: 32955 و 13 / 159 ح: 36491، مختصر تاريخ دمشق : 17 / 314 مجمع الزوائد: 9 / 121 ـ 122، مسند أبي يعلى: 402 ـ 403 ح: 528، المطالب العالية: 3 / 64 ح: 3969.

الصفحة 98
صححه في المستدرك، وذكره الهيثمي في زوائده عن الطبراني في الاوسط، وقال: رواه البزار ورجاله ثقات(1) .

والحديث المروي عن أبي ليلى الغفاري أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «سيكون بعدي فتنة، فإذا كان ذلك فالزموا علي بن أبي طالب، فإنّه الفارق بين الحق والباطل»(2) .

والحديث المروي عن أنس أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «عنوان صحيفة المؤمن حب علي بن أبي طالب»(3) .

والحديث المروي عن ابن عباس وأم سلمة أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «من سبّ علياً فقد سبّني ومن سبّني فقد سبّ الله ومن سبّ الله أكبه على منخريه في

____________

1 ـ المستدرك: 3 / 124 و146، كنز العمال: 11 / 614 ح: 32974 ـ 32976، مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي / 240 و 241 و 279 ح: 287 و 288 و 324، منتخب الكنز: 5 / 33، ميزان الاعتدال: 2 / 18 م: 2638، مجمع الزوائد: 9 / 128 و 135، مختصر تاريخ دمشق: 17 / 377، المعجم الكبير: 12 / 323 ح: 13559، المناقب للخوارزمي / 105 ح: 109، كفاية الطالب / 164، فرائد السمطين: 1 / 299 ح: 237 ب: 55، ينابيع المودة / 91، 205، فضائل الصحابة لاحمد: 2 / 570 ح: 962.

2 ـ كنز العمال: 11 / 612 ح: 32964، المناقب للخوارزمي / 105 ح: 108، كفاية الطالب / 163 وعن الاصابة: 1 / 167، ينابيع المودة / 129.

3 ـ كنز العمال: 11 / 601 ح: 32900، منتخبه: 5 / 30، المناقب لابن المغازلي / 243 ح: 290، تاريخ بغداد: 4 / 410 م: 2314، لسان الميزان: 4 / 471 م: 1471، ينابيع المودة / 186، 231.

الصفحة 99
النار».

صحّحه الحاكم والذهبي، والمذكور حديث أم سلمة(1) .

والحديث المروي عن عليٍّ (عليه السلام)، قال: حدثني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو آخذ بشعره، فقال: «من آذى شعرة منك فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ومن آذى الله فعليه لعنة الله».

أخرجه الحاكم الحسكاني في شواهده، وروى في ذلك عن جابر وأم سلمة ثم قال: وورد في الباب عن عمر وسعد وعمرو بن شاس وأبي هريرة وابن عباس وأبي سعيد الخدري والمسور بن مخرمة.

وروى عن مقاتل بن سليمان البلخي أن آية: ( وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوْا بُهْتَاناً وَإثْماً مُبِيناً )(2) نزلت في عليِّ ابن أبي طالب (عليه السلام).

والحديث المروي عن ابن عباس وعمرو بن شاس وسعد بن أبي وقاص وأم سلمة: أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «من آذى عليا فقد آذاني».

____________

1 ـ مسند أحمد: 6 / 323، المصنف لابن أبي شيبة: 6 / 374 ح: 32104، مختصر تاريخ دمشق: 17 / 366، 367، الخصائص للنسائي / 99، المستدرك مع تلخيصه: 3 / 121، الفصول المهمة / 127، المناقب للخوارزمي / 137 و 149 ح: 154 و 175، كفاية الطالب / 73، سير أعلام النبلاء الخلفاء / 235، مشكاة المصابيح: 3 / 359 ح: 6101، جامع المسانيد والسنن: 19 / 31، فرائد السمطين: 1 / 301 ح: 240 ـ 241 ب: 56، مناقب الاسد الغالب / 20.

2 ـ سورة الاحزاب: 58.

الصفحة 100
وأورده الالباني في سلسلة الاحاديث الصحيحة وقال: روي عن جمع من الصحابة. ثم ذكر أسماءهم والمصادر التي روي فيها، فراجع(1) .

فلما وقفت على هذه النصوص وغيرها من الاحاديث رأيت أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد بيّن معياراً للحق والايمان والعدالة، وهو حب علي بن أبي طالب (عليه السلام)وموالاته ونصرته وإطاعته، وفي المقابل بيّن ميزانا للباطل والنفاق والضلالة، وهو بغض علي بن أبي طالب (عليه السلام) ومعاداته وخذلانه ومحاربته. ثم بحثت في التاريخ فما وجدت بعد رحلة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عدوّاً لعلي بن أبي

طالب سوى ثلاث طوائف: الناكثين، والقاسطين، والمارقين.

وقد روي عن علي (عليه السلام) وعمار بن ياسر وعبد الله بن مسعود وعبد الله ابن عباس وأبي أيوب الانصاري وأبي سعيد الخدري وأم سلمة بطرق كثيرة: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أمر علي بن أبي طالب (عليه السلام) بقتال الناكثين والقاسطين

____________

1 ـ المصنف لابن أبي شيبة: 6 / 374 ح: 32099، تذكرة الخواص / 48، المناقب لابن المغازلي / 52 ح: 76، الصواعق المحرقة / 123، شوا هد التنزيل: 2 / 141 ـ 151 ح: 775 ـ 778، كنز العمال: 11 / 601 ح: 32901 عن جماعة من المحدثين، صحيح ابن حبان: 15 / 365 ح: 6923، المستدرك: 3 / 122، جامع المسانيد و السنن: 19 / 28 ـ 29، فرائد السمطين: 1 / 298 ح: 236، أنساب الاشراف: 2 / 379، المطالب العالية: 4 / 63 ـ 64 ح: 3966 ـ 3968، ينابع المودة / 205، مسند أبي يعلى: 2 / 109 ح: 770، سلسلة الاحاديث الصحيحة: 5 / 373 ح: 2295 عن البخاري والحاكم والفسوي وأحمد والبزار وأبي يعلى وابن عساكر وابن حبان و الهيثم بن الكليب والقطيعي والبيهقي، تاريخ دمشق: 42 / 201 ـ 204.

الصفحة 101
والمارقين، وأمرهم أن يقاتلوهم معه(1) .

فقد كان قتاله مع الطائفة الاولى في يوم الجمل، وقتاله مع الطائفة الثانية في صفين، وكان قتاله مع الطائفة الثالثة في النهروان.

وما رأيت مبغضاً له سلام الله عليه إلاّ هؤلاء وأتباعهم وأشياعهم.

فعند ذلك فهمت بأن المنابع التي كنا نستسقي منها لم تكن صافية، وأن الرواة الذين أخذنا منهم معالم ديننا وروينا عنهم الاخبار في فضائل بعض ومطاعن البعض الاخر هم أنفسهم محلّ خلل وكدورة، ومع الاسف نرى أن أساس ديننا كان على هؤلاء، فإنّ أكثر الاحاديث التي رواها علماؤنا كانت مروية عنهم، ولو حذفنا مروياتهم من كتبنا لسقط عن الحجية معظم الاخبار التي نعدها من الصحاح ودوَّن منها أصحاب السنن والمسانيد مؤلّفاتهم. والعجب من علماء أهل السنة والجماعة أنهم يطرحون أخبار كل من طعن فيه أحد من أهل الجرح والتعديل مثل ابن معين والبخاري وابن حبان وغيرهم، ولا يطرحون أخبار من نص النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على نفاقه وعداوته لله تعالى وأنه من الدعاة إلى النار !! مع صحة تلك النصوص بل تواتر بعضها عندهم.

____________

1 ـ مجمع الزوائد: 6 / 235 و 5 / 186 و 7 / 238، منتخب الكنز: 5/437 و 451، تاريخ دمشق: 42 / 468 ـ 473، ميزان الاعتدال: 1 / 271 و 584 م: 1014 و 2215، كنز العمال: 11 / 352 ح: 31720 و 31721، أسد الغابة: 4 / 33، تاريخ بغداد: 8 / 340 و 341 م: 4447 و13 / 186 و 187 م: 7165، المستدرك: 3 / 139 و 140، المناقب للخوارزمي / 86 ـ 87 و 176 و 189 ـ 190 ح: 77 و 212 و 224 ـ 226، كفاية الطالب / 145 و 146 و 149، فرائد السمطين: 1 / 284 ح: 224 و 225 ب: 54.

الصفحة 102
وأعجب من ذلك صنيع ابن حجر الهيتمي حول الحديث المروي عن أمير المؤمنين أنه قال: قال خليلي (صلى الله عليه وآله وسلم): «يا علي إنك ستقدم على الله وشيعتك راضيين مرضيين ويقدم عليه عدوك غضاباً مقمحين».

ومثله الحديث المفسر لقول الله تعالى: ( إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ )(1) .

قال ابن حجر: أخرج الحافظ جمال الدين الزرندي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن هذه الاية لما نزلت قال (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي: «هو أنت وشيعتك، تأتي أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين، ويأتي عدوك غضابا مقمحين»، قال: ومن عدوي ؟ قال: «من تبرّأ منك ولعنك».

وفي الباب عن بريدة ومعاذ وأبي سعيد وجابر وأبي برزة.

حيث قال في صواعقه: وشيعته هم أهل السنة.. وأعداؤه هم الخوارج ونحوهم من أهل الشام، لا معاوية ونحوه من الصحابة، لانهم متأوّلون، فلهم أجر، وله هو وشيعته أجران(2) .

ولا أدري كيف يمكن أن يكون الاتباع والجنود من الفئة المقاتلة لامير

____________

1 ـ سورة البينة: 7.

2 ـ الصواعق المحرقة / 154 ـ 161، الفصول المهمة / 123، كنز العمال: 13 / 156 ح: 36438، مجمع الزوائد: 9 / 131، شواهد التنزيل: 2/459 ـ 473 ح: 1125 ـ 1148 رقم الاية: 206، الدر المنثور: 8/589، المناقب للخوارزمي / 265 ـ 266 ح: 147، جامع البيان: 15/265، فرائد السمطين: 1 / 155 ح: 117 و 118، درر السمطين/92.

الصفحة 103
المؤمنين أعداءاً له سلام الله عليه ويكون رؤساؤهم وقادتهم أصدقاء له ؟! وكيف يقبل ابن حجر على نفسه أن يجعل معارضة النصوص الصريحة تأويلاً مأجوراً عليه ؟! وهل فكَّر في أنّ الاجتهاد يحتاج إلى مستند وهدف شرعيّين ؟ فما هو المستمسك والغاية لمعاوية بن أبي سفيان وأمثاله حتى سفكوا لاجلها دماء عشرات الالاف من المسلمين ؟ مع أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وَصَفهم بكونهم «من الدعاة إلى النار» ـ كما رأيت روايته عن البخاري وغيره ـ فهل يستطيع سماحة ابن حجر أن يسلب عنهم ذلك الوصف بوسيلة دفاعه المذكور ؟!

بل إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بيّنَ عدوَّه في نفس الحديث بأنَّه «من تبرّأ منك ولعنك».

وأمْرُ معاوية بلعن علي (عليه السلام) على المنابر شيء معلوم لدى العام والخاص.

قال الاندلسي: ولما مات الحسن بن علي حج معاوية فدخل المدينة وأراد أن يلعن علياً (عليه السلام) على منبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقيل له: إن هاهنا سعد ابن أبي وقاص، ولانراه يرضى بهذا فابعث إليه وخذ رأيه، فأرسل إليه وذكر له ذلك، فقال: إن فعلت لاخرجنَّ من المسجد ثم لا أعود إليه، فأمسك معاوية عن لعنه حتى مات سعد، فلما مات لعنه على المنبر وكتب إلى عماله: أن يلعنوه على المنابر ; ففعلوا، فكتبت أم سلمة زوج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى معاوية: إنكم تلعنون الله ورسوله على منابركم، وذلك أنكم تلعنون علي بن أبي طالب و من أحبه، وأنا أشهد أن الله أحبه ورسوله، فلم يلتفت إلى كلامها(1) .

____________

1 ـ العقد الفريد: 5 / 114، 115.

الصفحة 104
قال الحموي في معجم البلدان حول مدح بلد سجستان: قال الرهني: وأجلّ من هذا كلّه: أنه لعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه على منابر الشرق والغرب ولم يلعن على منبر سجستان إلاّ مرة... وأي شرف أعظم من امتناعهم من لعن أخي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على منبرهم ؟! وهو يُلْعَن على منابر الحرمين مكة و المدينة(1) .

وذكر الزمخشري قصة لعنهم في ربيع الابرار، وقال: إن بني أمية لعنوا علياً على منابرهم سبعين سنة(2) .

وقد عَدّ العلماء من مناقب عمر بن عبد العزيز رفعه لهذه السنة السيئة الشنيعة.

قال علي فاعور: كان بنو اُمية يسبون علي بن أبي طالب (عليه السلام)، إلى أن ولي الخلافة عمر بن عبد العزيز، فترك ذلك وكتب إلى عماله في الافاق بتركه... وقرائة: ( إنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالاحْسَانِ ) الاية(3) .

وقال ابن الجوزي نقلا عن الغزالي: إنه استفاض لعن علي (عليه السلام) على المنابر ألف شهر، وكان ذلك بأمر معاوية. أتراهم أمرهم بذلك كتاب أو سنة أو

____________

1 ـ معجم البلدان: 3 / 215 م: 6286 ك: سجستان.

2 ـ ربيع الابرار: 2 / 320 و 330 و 335 ب: 27 م: 51 و 108 و 132.

3 ـ تاريخ الخلفاء للسيوطي / 285 في ترجمته، سيرة عمر بن عبد العزيز / 43 و 44، مروج الذهب: 3 / 184 حول ترجمته.

الصفحة 105
إجماع.

وهذا الكلام موجود في [ سر العالمين ] للغزالي مع شيء يسير من التفاوت(1) .

وأخرج البلاذري في الانساب وذكره الذهبي في أعلام النبلاء: أن عمر بن علي بن الحسين روى عن أبيه قال: قال مروان: ما كان في القوم أدفع عن صاحبنا من صاحبكم ـ يعني علياً عن عثمان ـ قال: قلت: ما بالكم تسبّونه على المنابر ؟ قال: لا يستقيم الامر إلاّ بذلك.

رواه ابن أبي خيثمة بإسناد قوي عن عمر(2) .

قال ابن أبي الحديد: ذكر شيخنا أبو عثمان الجاحظ: أن معاوية كان يقول في آخر خطبة الجمعة: اللهم إن أباتراب ألحد في دينك وصدّ عن سبيلك فالعنه لعناً وبيلاً وعذبه عذاباً أليما. وكتب بذلك إلى الافاق، فكانت هذه الكلمات يشار بها على المنابر إلى خلافة عمر بن عبد العزيز.

وروى أبو عثمان أيضاً: أن قوماً من بني أمية قالوا لمعاوية: يا أمير المؤمنين إنّك قد بلغت ما أملت فلو كففت عن لعن هذا الرجل ! فقال: لا والله حتى يربو عليه الصغير ويهرم عليه الكبير ولا يذكر له ذاكر فضلاً.

وقال ابن أبي الحديد في موضع آخر من شرحه: أمر مغيرة بن شعبة ـ وهو يومئذ أمير الكوفة من قبل معاوية ـ حجر بن عدي أن يقوم في الناس فيلعن علياً (عليه السلام)، فأبى ذلك، فتوعّده، فقام، فقال: أيّها الناس إنّ أميركم

____________

1 ـ تذكرة الخواص الباب الرابع / 65 وفي طبع / 62، سر العالمين المقالة الرابعة / 24.

2 ـ سير أعلام النبلاء الخلفاء الراشدون / 210، أنساب الاشراف 2 / 407.

الصفحة 106
أمرني أن ألعن علياً فالعنوه، فقال أهل الكوفة: لعنه الله، وأعاد الضمير إلى المغيرة بالنية والقصد.

وقال أبو جعفر: وكان مغيرة بن شعبة يلعن علياً (عليه السلام)لعناً صريحاً على منبر الكوفة، وكان بلغه عن علي (عليه السلام) في أيام عمر: أنه قال: لئن رأيت المغيرة لارجمنه بأحجاره ـ يعني واقعة الزنا بالمرأة التي شهد عليه فيها أبو بكرة، ونكل زياد عن الشهادة ـ فكان يبغضه لذلك ولغيره من أحوال اجتمعت في نفسه(1) .

ومن أراد الاطلاع في المسألة بشكل أوسع فليراجع الكتاب القيم للعلامة الاميني (رحمه الله) [ الغدير ] الكتاب الذي لا مثيل له بل هو الوسيلة اللازمة لكل محقق(2) .

ولو قال ابن حجر ـ بدل قوله المذكور ـ: إن الخوارج وأتباع معاوية من أهل الشام كانوا متأولين مأجورين بأجر واحد، لكان من الممكن قبوله من قبل بعض الجهال والسفهاء ; لان بعض هؤلاء حاربوه باعتقاد أنهم على الحق، بخلاف من كان عالماً بتلك النصوص ومحارباً لاجل الامارة والرياسة، كما اعترف به معاوية في خطبته للكوفيين بعد الصلح مع الحسن (عليه السلام)، فقال:

____________

1 ـ شرح نهج البلاغة: 4 / 56 و 57 و 63 و 69 و 71.

2 ـ الاصابة في تمييز الصحابة: 1 / 77 م: 297 وفي طبع: 1 / 287 م: 297، المستدرك: 1 / 385، أسد الغابة: 1 / 134، الغدير: 2 / 102 و 103 و8 / 164 و10 / 260 ـ 266، تذكرة الخواص / 27 ـ 28، صحيح مسلم: 15 / 184 ح 32 من م: 2404، المصنف لابن أبي شيبة: 6 / 369 ح: 32069، درر السمطين / 107.

الصفحة 107
إني والله ما قاتلتكم لِتُصَلّوا ولا لتصوموا ولا لتحجوا ولا لتزكوا، انكم لَتفعَلون ذلك، وانما قاتلتكم لاتأمَّر عليكم، وقد أعطاني الله ذلك وأنتم كارهون(1) .

فمعاوية يقول: حاربت لاجل الامارة، وأمثال ابن حجر يقولون: لا، بل حارب لاجل المثوبة !!

وصنيعه الاخر حول النص الصريح في بغي معاوية، حيث قال في كتابه الذي حرره بأمر السلطان لاجل الدفاع عن معاوية: وجوابه: أن غاية ما يدل عليه هذا الحديث أن معاوية وأصحابه بغاة، وقد مر أن ذلك لا نقص فيه، وأنهم مع ذلك مأجورون(2) .

ولا أدري هل ظنَّ ابنُ حجر أن الله تعالى سيتجاوز عن معاوية ؟! ويهدر دماء عشرات الالاف من المسلمين الذين قُتِلوا في صفين والنهروان بل ويوم الجمل، و عشرات الالاف من الذين قتلهم جلاوزته أمثال بسر بن أرطاة وسمرة بن جندب، بأمر منه، والذين قتلهم صبراً وتحت التعذيب من الاتقياء أمثال حجر بن عدي وعمرو بن الحمق، والذين قتلهم اغتيالاً بالسم أمثال سعد بن أبي وقاص ومالك الاشتر، ولم يكن لهم ذنب سوى موالاتهم لاهل بيت النبوة سلام الله عليهم.

وأعظم من جميع ذلك إغتياله للامام المعصوم الحسن السبط سلام الله

____________

1 ـ تاريخ ابن كثير في ترجمة معاوية: 8 / 140، مقاتل الطالبين / 45.

2 ـ تطهير الجنان / 32.

الصفحة 108
عليه ؟.

وهل ظن: ابن حجر أن الله تعالى سيتجاوز عن وبال غير ذلك من الفتن الناجمة عن فتنته الكبيرة إلى يوم القيامة ؟ وقد قال سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: ( ولا تكن للخائنين خصيما )(1) ، أم ظن أن المسألة ستنتهي في هذه الدنيا ؟!.

وقد صنع ابن حجر مثل صنيعه هذا حول قصة قتل خالد بن الوليد لمالك بن نويرة والمسلمين الاخرين من قومه وفجوره بزوجته في نفس الليلة، حيث قال: وتزوجه امرأته لعلّه لانقضاء عدتها بالوضع عقب موته، أو يحتمل أنها كانت محبوسة عنده بعد انقضاء عدتها عن الازواج على عادة الجاهلية، وعلى كل حال فخالد أتقى لله من أن يظن به مثل هذه الرذالة التي لا تصدر من أدنى المؤمنين فكيف بسيف الله المسلول على أعدائه(2) .

هكذا تعمل العصبية عملها ! فعندما تصل النوبة إلى الصحاح المروية في فضائل أهل البيت (عليهم السلام) ترى أمثال الذهبي وابن تيمية الحراني وتلميذه ابن كثير الشامي يطعنون فيها ويرمونها بالوضع والكذب من دون أن يكون فيه علة قادحة إلاّ مخالفتها لما في صدورهم.

وأما إذا وصلت النوبة إلى جنايات أمثال معاوية و خالد بن الوليد ترى أمثال ابن حجر وابن العربي كيف يحتالون لتبريرها ويلجأون إلى تأويلات

____________

1 ـ النساء: 105.

2 ـ الصواعق المحرقة / 36 الشبهة الخامسة.

الصفحة 109
مضحكة ؟!

وقد دار بيني وبين أحد من أهل السنة والجماعة حوار حول مسألة الخلافة، فقلت له سائلاً: ما تقول في قول النبي صلي الله عليه وآله: «علي مع الحق والحق مع علي لا يفترقان» ؟

فقال: لا شك في صحة ذلك.

فقلت: وما تقول فيما رواه أصحاب الصحاح والسنن: من أن أمير المؤمنين (عليه السلام) ما بايع الخليفة إلاّ بعد ستة أشهر؟(1) .

قال: لا شك في صحة ذلك أيضاً.

ثم قلت: ففي المدة التي لم يبايعه علي بن أبي طالب وكان مع الحق، فهؤلاء كانوا على أي شيء ؟

فتفكر شيئاً، ثم قال: كانوا على الخطأ.

قلت: لا، يا شيخ، فالله يقول: ( فَمَاذَا بَعْدَ الحَقِّ إلاَّ الضَّلاَلُ ) ، ولم يقل: فماذا بعد الحق إلا الخطأ.

ثم بعد ذلك، أردت البحث والتحقيق حول بعض الفضائل والمناقب المروية في حق الخلفاء الثلاثة، فلا بأس بذكر أنموذج من ذلك:

____________

1 ـ صحيح البخاري كتاب المغازي باب غزوة خيبر: 3 / 142 ح: 4240 ـ 4241، صحيح مسلم كتاب الجهاد والسير باب قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «لا نورث الخ»: 12 / 320 ـ 325 م: 1759، الامامة والسياسة: 1 / 32، مروج الذهب: 2 / 302، تاريخ الطبري أحداث سنة: 11: 2 / 236 حديث السقيفة، تاريخ المدينة لابن شبة: 1 / 110، شرح نهج البلاغة: 6 / 46، العقد الفريد: 5 / 14، تاريخ أبي الفداء: 1 / 219.

الصفحة 110

هل كان عمر بن الخطاب من أشجع الصحابة ؟

1 ـ كان المشهور بين أهل السنة والجماعة أن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب كان مشهوراً بالشجاعة والشهامة، وأنه صار مورداً لقبول دعاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من الله: أن يعز الاسلام بأحد العمرين.

وعندما كنت أطالع كتب السيرة والتاريخ كنت أتفحص فيها المقامات التي كان الخليفة يظهر فيها الجسارة والرجولة، وأتتبع من بينها كيفية عزة الاسلام به، ولكن مع الاسف لم أقف في الاسفار على ما يخبر عن شجاعته، بل على العكس من ذلك، تدل وقائع التاريخ على جبنه وخوره، والشاهد على ذلك:

أوّلاً: لا تجد في كتب التاريخ أنه بارز أحدا من المشركين، ولا قتل واحداً من شجعانهم، إلاّ أننا رأينا أنه عندما كان يؤتى بأحد مكتوف اليدين إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول الخليفة: فاذن لي يا رسول الله أضرب عنقه.

الصفحة 111
ثانياً: روى أصحاب السيرة والتواريخ: أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) دعا عمر بن الخطاب ليبعثه إلى مكة، فيبلغ عنه أشراف قريش ما جاء له، فقال: يا رسول الله، إني أخاف قريشاً على نفسي، وليس بمكة من بني عدي بن كعب أحد يمنعني، وقد عرفت قريش عداوتي إياها وغلظتي عليها، ولكن أدلك على رجل أعز بها مني: عثمان بن عفان.

وفي لفظ ابن أبي شيبة وابن عساكر: فقال: يا رسول الله، إني لالعنهم وليس أحد بمكة من بني كعب يغضب لي إن أوذيت.

الصفحة 112
وفي لفظ الواقدي: فقال: يا رسول الله إني أخاف قريشاً على نفسي، وقد عرفت قريش عداوتي لها، وليس بها من بني عديِّ من يمنعني، وإن أحببت يارسول الله دخلت عليهم، فلم يقل له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) شيئاً.

وأورده الصالحي الشامي في سيرته بهذا اللفظ.

وفي لفظ البيهقي: فقال: يا رسول الله إنّي لا آمنهم، وليس بمكة أحد من بني كعب يغضب لي إن أوذيت(1) .

فلما وقفت على هذه القصة تعجبت كثيراً وقلت في نفسي: إن المسلمين المعاصرين لو أمرهم أحد المسئولين ـ فضلاً عن كبار رؤسائهم ـ بعملية ولو كانت عملية انتحارية لنفذوا أمره من دون أن يقول واحد منهم إني أخاف على نفسي، وقد رأينا أمثال تلك البطولات كثيرا في لبنان وفلسطين المحتلة وغيرهما من بلدان العالم، فكيف يتثاقل الخليفة ويتهاون عن امتثال أمر مَن لا ينطق عن الهوى، معلِّلاً بالخوف على النفس، والامر لم يكن رجلاً عادياً، بل كان رسولاً نبيا، والمأمور به لم يكن عملاً إنتحاريا ولم يكن مهمة عسكرية كالقتل والقتال، بل كان أمراً سلمياً وإبلاغ

____________

1 ـ السيرة النبوية لابن هشام: 3 / 329، كنز العمال: 10 / 481 ح: 30152، السيرة النبوية لزيني دحلان: 2 / 174، السيرة الحلبية: 3/16، الكامل في التاريخ: 1 / 585، البداية والنهاية: 4 / 191، المصنف لابن أبي شيبة: 7 / 386 ح: 36841، المغازي للواقدي: 1 / 600، دلائل النبوة: 4 / 133، سبل الهدى والرشاد: 5 / 46، تاريخ أبي الفداء: 1/199، حجة الوداع للكاندهلوي / 196.

الصفحة 113
رسالة إلى من كانوا يرون أنفسهم من أهل الشهامة ويرون قتل السفراء عاراً وشناراً.

وأعجب من هذا الموقف المتخاذل من الخليفة موقفه الاخر أمام الرسول الرؤوف الرحيم في نفس الوقت، حيث أبدى غلظته وفظاظته في مقابله (صلى الله عليه وآله وسلم) .

قال السيوطي: أخرج عبد الرزاق وأحمد وعبد بن حميد والبخاري وأبو داود والنسائي وابن جرير وابن المنذر عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم ... فساق القصة إلى أن وصل إلى قول عمر: والله ما شككت منذ أسلمت إلاّ يومئذ، فأتيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقلت: ألست نبي الله ؟ قال: بلى، قلت : ألسنا على الحق وعدونا على الباطل ؟ قال: بلى، قلت: فلم نعطي الدنية في ديننا إذاً ؟ قال: إني رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري، قلت: أوليس كنت تحدثنا أنّا سنأتي البيت فنطوف به ؟ قال: بلى، أفأخبرتك أنا نأتيه العام ؟ قلت: لا، قال: فإنَّك آتيه ومطوف به.. فأتيت أبا بكر فقلت: يا أبابكر ! أليس هذا نبي الله حقاً ؟ قال: بلى، قلت: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل ؟ قال: بلى، قلت: فلم نعطي الدنية في ديننا إذاً ؟ قال: أيها الرجل، إنّه لرسول الله وليس يعصي ربه وهو ناصره، فاستمسك بغرزه تفز حتى تموت، فوالله إنّه لعلى الحق، فقلت: أ ليس كان يحدّثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به ؟ قال: بلى، أفأخبرك أنك تأتيه العام ؟ قلت: لا، قال: فانك آتيه ومطوف به، قال عمر: فعملت لذلك أعمالا.

وأورد الصالحي الشامي هذه القصة في سيرته ناقلاً عن ابن إسحاق وأبي عبيد وعبد الرزاق وأحمد بن حنبل وعبد بن حميد والبخاري وأبي داود

الصفحة 114
والنسائي وابن جرير وابن مردويه ومحمد بن عمر عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم، فذكر القصة إلى أن حكى قول عمر قائلاً: وقال ـ كما في الصحيح ـ والله ما شككت منذ أسلمت إلاّ يومئذ.

وأخرجها البخاري ومسلم وغيرهما عن سهل بن حُنَيْف مختصراً.

وجاء في بعض الروايات أن هذه المقابلة صدرت من الخليفة مرة ثانية بعد أن تكلم مع أبي جندل.

وروي عن ابن عباس، أنه قال: قال لي عمر في خلافته ـ وذكر القضية ـ: ارتبت ارتياباً لم أرتبه منذ أسلمت إلاّ يومئذ، ولو وجدت ذلك اليوم شيعة تخرج عنهم رغبة عن القضية لخرجت.

وروي عن أبي سعيد الخدري عن عمر أنه قال: لقد دخلني يومئذ من الشك حتى قلت في نفسي: لو كان مائة رجل على مثل رأيي ما دخلنا فيه أبداً.

وروي عن عمر قوله: لقد دخلني أمر عظيم وراجعت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مراجعة ما راجعته مثلها قط.

وفي رواية: فكان عمر يقول: ما زلت أتصدق وأصوم وأصلّي وأعتق من الذي صنعت يومئذ مخافة كلامي الذي تكلمت به حتى رجوت أن يكون خيراً.

وفي رواية: أن عمر بن الخطاب جعل يرد على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الكلام، فقال أبو عبيدة بن الجراح: ألا تسمع يا ابن الخطاب، رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول ما يقول، تعوّذ بالله من الشيطان الرجيم، فقال عمر: فجعلت أتعوذ بالله من

الصفحة 115
الشيطان الرجيم حياء، فما أصابني قط شيء مثل ذلك اليوم.

وفيما أخرجه البزّار والطبراني وعن الدولابي وعزاه الهيثمي إلى أبي يعلى عن عمر أنه قال: اتهموا الرأي على الدين ; فلقد رأيتني أردّ أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) برأيي وما آلوت عن الحق، وفيه قال: فرضي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأبينا حتى قال: «يا عمر تراني رضيت وتأبى»(1) .

عندما وصلت إلى هذه الحادثة، وتفكرت في قوله تعالى: ( إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ )(2) تعجبت كثيراً، كيف يمكن ذلك ؟ كيف

____________

1 ـ صحيح البخاري كتاب الشروط باب الشروط في الجهاد: 2 / 282 ـ 283 ح: 2731 ـ 2732 وكتاب التفسير سورة الفتح: 3 / 294 ـ 295 ح: 4844، صحيح مسلم كتاب الجهاد والسير، باب (34) صلح الحديبية: 12 / 382 ح: 1785، مسند أحمد: 4 / 328 ـ 331، سيرة ابن هشام: 3 / 331، سيرة زيني دحلان بهامش السيرة الحلبية: 2 / 177، 183 ـ 184، السيرة الحلبية: 3 / 19، تفسر القرطبي: 16 / 277، شرح نهج البلاغة: 12 / 59، المغازي: 1 / 606 ـ 608 و 613، كنز العمال: 10 / 488 ـ 496 ح: 30154، البحر الزخار للبزار: 1 / 254 ح: 148، دلائل النبوة: 4 / 106 و 108، المعجم الكبير: 1 / 72 ح: 82 و 6 / 90 ح: 5604 و 5605، مجمع الزوائد: 1 / 179، سبل الهدى والرشاد: 5 / 51 ـ 53، البداية والنهاية: 1924 و 200، المصنف لابن أبي شيبة: 7 / 384، 387 ـ 389 ح: 36836 و 36844، ذم الكلام وأهله: 2 / 206 ـ 211 ح: 272 ـ 273، المصنف لعبد الرزاق: 5 / 330 ـ 340 ح: 9720، عمدة القاري: 14 / 2 ـ 14، إرشاد الساري: 6 / 217 ـ 232، الدر المنثور: 7 / 527 ـ 532 وفي طبع: 6 / 76 ـ 77 حول آية: 24 ـ 25 من سورة الفتح. ورواية عمر مروية عن الدولابي في الكنى: 2 / 69.

2 ـ سورة الحجرات: 15.

الصفحة 116
يمكن أن يقع في الريب والشك من كان بمحضر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ؟! ولقد صاحبه مدة طويلة وشاهد منه آيات باهرة ! ولا يقنع بأجوبة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى يذهب إلى صاحبه ويطرح شبهاته وأسئلته عليه !! ويخالف أمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تحت ذريعة الخوف على النفس من جهة، ومن جهة أخرى تراه كيف يقابله ويظهر شدته وغلظته أمامه صلوات الله عليه وآله.

نعم، هذه عادة كل من كان فيه ضعفٌ نفسيٌّ، يظهر غلظته وشدته أمام أصدقائه ويصرخ في وجه أوليائه ممن هو في الامن من جانبه، فيظنُّ الجاهل بالحال أنه كان من أشجع الابطال، وإذا جدّ الامر تراه يظهر المعاذير، وقد وجد أمثال هذا في عصرنا الحاضر أيضاً.

ثم إنّ قول الخليفة: والله ما شككت منذ أسلمت إلاّ يومئذ، غير مطابق للواقع التاريخي، فإنّ القصة الاتية تدل على أنه شكّ في يوم آخر أيضاً.

فقد أخرج عبد الرزاق وأحمد بن حنبل والبخاري ومسلم وابن سعد والترمذي وابن حبّان والبزّار والبيهقي وغيرهم عن عبد الله بن عباس قال: لم أزل حريصاً أن أسأل عمر بن الخطاب عن المرأتين من أزواج النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) اللتين قال الله لهما: ( إنْ تَتُوبَا إلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا )(1) حتى حجّ عمر وحججت معه، فلما كان ببعض الطريق عدل عمر وعدلت معه بالاداوة، فتبرّز ثم جاء، فسكبت على يديه منها فتوضأ، فقلت: يا أمير المؤمنين، من المرأتان من أزواج النّبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) اللّتان قال الله عزّ وجلّ لهما: ( إنْ تَتُوبَا إلَى اللهِ

____________

1 ـ سورة التحريم: 4.

الصفحة 117
فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ) ؟ فقال: واعجباً لك يا ابن عباس ! هما عائشة وحفصة، ثم أخذ يسوق الحديث... إلى أن قال ثم رفعت بصري في بيته فوالله ما رأيت فيه شيئاً يردّ البصر إلاّ أَهَبَة ثلاثة، فقلت : ادع الله يا رسول الله، فليوسّع على أمتك، فإنّ فارس والروم قد وُسِّع عليهم وأُعطوا الدنيا وهم لا يعبدون الله، فاستوى جالساً، وقال: «أو في شك أنت يا ابن الخطاب ؟! أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا»، فقلت : استغفر لي يا رسول الله...

وذكر المتقي الهندي هذه القصة بكاملها في كنزه ناقلاً عن عبد الرزاق وابن سعد والعدني وعبد بن حميد في تفسيره والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن جرير في تهذيبه وابن المنذر وابن مردويه والبيهقي في الدلائل .

ونقله السيوطي في تفسيره عن عبد الرزاق وابن سعد وأحمد والعدني وعبد بن حميد والبخاري ومسلم والترمذي وابن حبّان وابن المنذر وابن مردويه.

ونقله ابن كثير في تفسيره عن أحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي.

وقال الدارقطني: ولهذا الحديث طرق كثيرة عن ابن عباس عن عمر صحاح(1) .

____________

1 ـ صحيح البخاري باب: 25 من كتاب المظالم: 2 / 197 ـ 199 ح: 2468 وباب: 83 من كتاب النكاح: 3 / 385 ـ 387 ح: 5191، صحيح مسلم باب: 5 ح: 34 من كتاب الطلاق: 2 / 898 ـ 900 م: 1474 وفي طبع: 4 / 192 ـ 194 وفي آخر: 1 / 695 ـ 696، مسند أحمد: 1 / 33 ـ 34 وفي طبع: 1 / 346 ـ 350 ح: 222، سنن الترمذي: 5 / 345 ـ 347 ح 3318 وفي طبع: 5 / 92 ـ 95 ح: 3374، صحيح ابن حبان: 9 / 492 ـ 495 ح: 4187 و 10 / 85 ـ 89 ح: 4268، السنن الكبرى للبيهقي: 7 / 37 ـ 38، الدرّ المنثور: 6 / 242 ـ وفي طبع: 8 / 220 ـ 221، تفسير القرآن العظيم لابن كثير: 4 / 414 ـ 415 حول الاية الرابعة من سورة التحريم، الطبقات الكبرى: 6 / 135 ـ 137 وفي طبع ليدن: 8 / 131 ـ 133 العلل للدارقطني: 2 / 83: 126 البحر الزخار: 1 / 318 ـ 321 ح: 206، كنز العمال: 2 / 525 ـ 527 ح: 4663، فتح الباري: 5 / 144 ـ 146 و 9 / 346 ـ 347 وفي طبع: 5 / 114 ـ 117، شرح مسلم للنووي: 10 / 344 ـ 347 وفي طبع: 10 / 89 ـ 94، إرشاد الساري: 5 / 532 ـ 539، عمدة القاري: 13 / 16 ـ 19، شرح الكرماني على البخاري: 5 / ج: 11 من مجلد 5 / 33 ـ 38، تحفة الاشراف: 8 / 46 ح: 10507، المسند الجامع: 13 / 553 ـ 557 ح: 10530، جامع الاصول: 2 / 400 ـ 410 ح: 856.

والاَهَبَة بالفتحات جمع إهاب على غير القياس، وهو الجلد الذي لم يدبغ.

الصفحة 118
فإن قول النّبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): (أَوَ في شكّ أنت) للانكار التوبيخي ـ كما قال القسطلاني في شرحه لصحيح البخاري ـ ; لان النّبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) كان عالماً بما يخطر في نفس الخليفة وما يجول في باله، وعارفاً بمفاد مقاله، لا أنّه استعلم عمّا خفي عليه من حاله، والخليفة لم ينكر ذلك، بل طلب من النّبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يستغفر له من وباله.

وثالثاً: ما رواه البخاري وغيره حول إسلام عمر.

عن عبد الله بن عمر قال: بينما عمر في الدار خائفا، إذ جاءه العاص بن وائل السهمي... فقال: مابالك ؟ قال: زعم قومك أنهم سيقتلونني إن

الصفحة 119
أسلمت، قال: لا سبيل إليك، بعد أن قالها أمنت، ثم ذكر ارجاع العاص الناس عنه.

وما رواه البخاري وابن اسحاق والبيهقي وغيرهم عن ابن عمر، واللفظ للبيهقي، قال: إني لعلى سطح فرأيت الناس مجتمعين وهم يقولون صبأ عمر صبأ عمر، فجاء العاص بن وائل عليه قباء ديباج، فقال: إذا كان عمر قد صبأ فمه ؟ أنا له جار، قال: فتفرق الناس عنه، قال: فعجبت من عزه.(1)

وفي مرة أخرى أجاره أبوجهل(2) .

فاذا تأملت في هذه الروايات تفهم بأن عزة الخليفة نفسه كان ببعض المشركين ولم تكن به، فضلاً عن عزة الاسلام.

ورابعاً: الفرار من الزحف في المواقف، كيوم أحد وحنين وخيبر، فإن فرار الصحابة يوم أحد شيء معلوم لدى جميع الفرق، ونطق به الكتاب، ومن بينهم الخلفاء الثلاثة، وقد فرّ بعضهم إلى مكان بعيد من المعركة ولم يرجعوا إلاّ بعد ثلاثة أيام، وفيهم الخليفة الثالث عثمان بن عفان.

نقل ابن أبي الحديد عن الواقدي قوله: وكان ممن ولَّى عمر وعثمان والحارث بن حاطب....

____________

1 ـ صحيح البخاري كتاب مناقب الانصار: باب إسلام عمر: 3 / 58 ح: 3864 و 3865، تاريخ الاسلام للذهبي: 1 / 175 قسمة السيرة النبوية، دلائل النبوة للبيهقي: 2 / 221، سيرة ابن هشام: 1 / 349، السيرة الحلبية: 1 / 332، مجمع الزوائد: 9 / 65.

2 ـ مجمع الزوائد: 9 / 64، السيرة الحلبية: 1 / 331.

الصفحة 120
وما وجدناه في النسخة التي بأيدينا من المغازي: وكان ممن ولّى فلان والحارث بن حاطب.. إلاّ أن الـمُحَشِّي استدرك وأشار إلى أنَّ في النسخة الفلانية: عمر وعثمان بدل فلان. وهكذا يفعلون!(1)

إنّ الامام الرازي بعد أن اعترف في المسألة الاُولى من تفسيره حول آية مائة وخمس وخمسين من سورة آل عمران بفرار عمر بن الخطاب وأن عثمان بن عفان كان من الذين لم يرجعوا إلاّ بعد ثلاثة أيام، قال في المسألة الخامسة حول قوله تعالى: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الاَْمْرِ ) من آية مائة وتسع وخمسين من نفس السورة: روى الواحدي في الوسيط عن عمرو بن دينار عن ابن عباس أنه قال: الذي أمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بمشاورته في هذه الاية أبوبكر وعمر (رضي الله عنه). وعندي فيه إشكال، لان الذين أمر الله رسوله بمشاورتهم في هذه الاية هم الذين أمرهم بأن يعفو عنهم، ويستغفر لهم، وهم المنهزمون، فهب أن عمر كان من المنهزمين، فدخل تحت الاية، إلاّ أن أبابكر ماكان منهم، فكيف يدخل تحت هذه الاية ؟ والله أعلم.

وحديث ابن عباس قد رواه الحاكم وصححه والبيهقي في سننه وأحمد، كما قال السيوطي(2) .

نعم إنها مشكلة عظيمة للامام الرازي وقومه، لانهم وقعوا بين حرمان

____________

1 ـ الدر المنثور: 2 / 355 و 356، السيرة الحلبية: 2 / 227، تاريخ الطبري: 2 / 67، المغازي للواقدي: 1 / 609، شرح نهج البلاغة: 15 / 24 ـ 25.

2 ـ مفاتيح الغيب: 9 / 50، 67، الدر المنثور: 2 / 359.

الصفحة 121
الخليفة من فضل المشاورة وطرح الخبر الصحيح، وبين حرمانه من فضل الثبات في ذلك اليوم العصيب.

وحاول الامام الرازي إثبات ثبات الخليفة الاول بدون سند وإن انجرّ إلى طرح الخبر الصحيح، ولكن بعد أن اعترف الخليفة بنفسه أنه كان من الفارين في ذلك اليوم فلا يكاد ينفع الامام الرازي محاولته المتقدمة.

روي عن عائشة أنها قالت: كان أبوبكر إذا ذكر يوم أحد بكى، ثم قال: ذاك كان يوم طلحة...ثم أنشأ يحدث قال: كنت أول من فاء يوم أحد، فرأيت رجلاً يقاتل مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقلت في نفسي: كن طلحة، حيث فاتني ما فاتني، يكون رجلاً من قومي...

أخرجه الحاكم وصححه، وذكره الهيثمي عن البزار، وأورده المتقي الهندي في كنزه واضعاً عليه رمز كلٍّ من أبي داود الطيالسي وابن سعد وابن سني والشاشي والبزار والطبراني في الكبير والاوسط والدارقطني في الافراد وأبي نعيم في المعرفة وابن عساكر والضياء المقدسي في المختارة(1) .

وروى علماء السير: أن أنس بن نضر ـ عم أنس بن مالك ـ انتهى إلى عمر بن الخطاب وطلحة بن عبد الله في رجال من المهاجرين والانصار، وقد ألقوا بأيديهم، فقال: ما يجلسكم ؟ قالوا: قتل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، قال: فما تصنعون بالحياة بعده ؟! قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ثم استقبل

____________

1 ـ كنز العمال: 10 / 424 ـ 426 ح: 30025، الطبقات الكبرى: 2 / 196 م: 47 وفي طبع: 3 / 155، البداية والنهاية، ذكر ما لقي النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) من المشركين: 4 / 33، شرح نهج البلاغة: 15 / 33، المستدرك: 3/ 266.

الصفحة 122
القوم فقاتل حتى قتل.

وفشا في الناس أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد قتل، فقال بعض أصحاب الصخرة: ليت لنا رسولاً إلى عبد الله بن أبي فيأخذ لنا أمنة من أبي سفيان، يا قوم، إن محمداً قد قتل فارجعوا إلى قومكم قبل أن يأتوكم فيقتلوكم، فقال لهم أنس: يا قوم إن كان محمد قد قتل فإن رب محمد لم يقتل، فقاتلوا على ما قاتل عليه محمد، اللهم إني اعتذر إليك مما يقول هؤلاء وأبرأ إليك مما جاء به هؤلاء، ثم قاتل حتى استشهد رضوان الله وبركاته عليه.

واخرج البخاري في صحيحه ذيل الخبر(1) .

وقد صرح البخاري ومسلم وغيرهما بفرار عمر بن الخطاب يوم حنين، وهذا شيء معلوم لدى الخاص والعام(2) .

وأما يوم خيبر فقد أخرج ابن عساكر وغيره عن بريدة الاسلمي: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أعطى اللواء عمر بن الخطاب فلقوا أهل خيبر، فانكشف

____________

1 ـ تاريخ الطبري: 2 / 66 ـ 68، الكامل في التاريخ: 1 / 553، البداية و النهاية: 4 / 35، 39، المغازي: 1 / 280، المنتظم في تاريخ الملوك والامم: 3 / 166 صحيح البخاري كتاب الجهاد باب قوله (من المؤمنين رجال) الاية: 2 / 307 ح: 2805 و3 / 103 ح : 4048.

2 ـ صحيح البخاري باب قوله تعالى: (ويوم حنين إذ أعجبتكم...) الاية من كتاب المغازي: 3 / 156 ح: 4322، صحيح مسلم، كتاب الجهادالسير، باب (13) استحقاق القاتل سلب القتيل: 12 / 301 ـ 303 ح: 1751، دلائل النبوة: 5 / 148، البداية والنهاية في غزوة حنين: 4 / 376.

الصفحة 123
عمر و أصحابه فرجعوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، يجبنه أصحابه ويجبنهم، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «لاعطينّ اللواء رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله»، وفي بعض الروايات بزيادة قوله: «كرار غير فرار»، فلما كان الغد تصادر لها أبو بكر وعمر، فدعا علياً وهو أرمد فتفل في عينه واعطاه اللواء. وفي لفظ الطبراني عن ابن عباس: فلما كان من الغد بعث عمر فرجع منهزماً

   ، يجبن أصحابه ويجبنونه.

وأخرج الحاكم عن علي (عليه السلام) قال: لما صار النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى خيبر، فلما أتاها بعث عمر وبعث معه الناس إلى مدينتهم ـ أو قصرهم ـ فقاتلوهم، فلم يلبثوا أن هزموا عمر وأصحابه، فجاءوا يجبِّنونه ويجبِّنهم.

وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه، وأقره الذهبي.

وأخرج الحاكم عن جابر بن عبد الله: أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) دفع الراية يوم خيبر إلى عمر، فانطلق فرجع يجبن أصحابه ويجبنونه.

ثم قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.

وأخرج عن جابر أيضاً وتعقبه الذهبي، أنه قال: لما كان يوم خيبر بعث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) رجلاً فجبن...(1)

    وخامساً: إن قصة طلب عمرو بن عبد ود المبارزة في يوم الخندق أقوى

____________

1 ـ المستدرك مع تلخيصه كتاب المغازي: 3 / 37، 38، مختصر تاريخ الدمشق: 17 / 327 ـ 328، مجمع الزوائد: 9 / 124، المناقب لابن اخي تبوك / 441 ح: 27.

الصفحة 124
شاهد على ذلك ; حيث أنه طلب المبارزة من الصحابة وأعاده ثلاث مرات، حتى قال لهم: إنكم تزعمون أن قتلاكم في الجنة وقتلانا في النار، أفما يحب أحدكم أن يقدم على الجنة ؟! وجميع الصحابة سكوت كأن على رؤوسهم الطير لمكان عمرو والخوف منه، حتى ضمن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) للقائم إليه الجنة، كما في بعض الروايات، وفي كل مرة يقوم علي (عليه السلام)، فيجلسه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، حتى أذن له في المرة الثالثة، فلما برز إليه قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «برز الايمان كله إلى الشرك كله»، ولما قتله قال (صلى الله عليه وآله وسلم): «ضربة علي يوم الخندق أفضل من عبادة الثقلين».

وفي بعض الروايات: «لمبارزة علي بن أبي طالب لعمرو بن عبد ود يوم الخندق أفضل من عمل أمتي إلى يوم القيامة».

ونزل فيه قوله تعالى: (وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ ) ، فقد روي عن ابن مسعود وابن عباس: أن كفاهم الله القتال يوم الخندق بعليِّ بن أبي طالب، حين قتل عمرو بن عبد ود(1) .

____________

1 ـ المغازي للواقدي: 1 / 470 ـ 471، البداية والنهاية: 4 / 120 ـ 122، دلائل النبوة: 3 / 437 ـ 439، سبل الهدى والرشاد: 4 / 377 ـ 379، سيرة زيني دحلان: 2 / 110 ـ 112، شرح نهج البلاغة: 13 / 261 و19 / 63 ـ 64، مفاتيح الغيب: 32 / 31 في تفسير سورة القدر، السيرة الحلبية 2 / 319 و 320، كنز العمال: 11 / 623 ح: 33035، تاريخ البغداد : 13 / 19 م: 6978، المستدرك و تلخيصه: 3 / 32 ـ 33، المناقب للخوارزمي / 107 و 169 و 170 ح: 112 و 202 و 203، شواهد التنزيل: 2 / 7 ـ 13 ح: 629 ـ 36، رقم الاية: 129، مختصر تاريخ دمشق: 17 / 321 ـ 324، ينابيع المودة / 94 و 96 و 137.

الصفحة 125