الصفحة 201

المرحلة الثانية: مرحلة اليقين بعد الشك

توطئة

وفي هذه المرحلة حصل لي اليقين بأنّ الاسلام الحقيقي هو الاهتداء بهدي الائمة الطاهرين من آل الرسول صلوات الله عليه وعليهم، وأنّ الصراط المستقيم هو السير في سبيلهم، وأنّهم ملاذ العصمة لهذه الاُمة من الفرقة والضلالة، وأنّهم سفينة النجاة لها من الهلاك والغواية، وأن غيرهم من الفِرَق كانوا على ضلالة.

مع أنه لو لم يكن هناك دليل على بطلان مذاهب الجمهور إلاّ العقل السليم والمنطق الصحيح لكان كافياً لاثبات ذلك، لانه كيف يستطيع العاقل أن يلتزم بأن الله عز وجل اكتفى ببعث خاتم النبيين وترك الناس هملاً مئات السنين من دون أن ينصب من يبيّنُ لهم دينهم ويخرجهم من الحيرة والفرقة ؟! وقد بعث مائة واربعة وعشرين ألف نبي ( لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ )(1)

____________

1 ـ سورة النساء: 165.

الصفحة 202
ولئلاّ يبقوا في الحيرة، مع أنّ حال هذه الامة لا يختلف عن حال الامم السابقة، بل تسلك سلوكها حتى لو دخلوا جُحر ضبٍّ لتبعتها، وأنها ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة كافتراقها، ولا ينجو منها إلاّ فرقة واحدة، وأن أكثر أصحابه سيرتدون بعده على أعقابهم القهقرى، ولا ينجو منهم إلاّ مثل هَمَلِ النعم، كما تقدّم ذكر الاخبار المستفيضة في جميع ذلك. وكيف يستطيع اللبيب أن يقنع نفسه بأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يعيّن وصيّاً لامّته من بعده وتركهم بدون راع، وقد رأى إلحاحَ ذلك النبي وإصراره على أمته كي لا يتركوا وصاياهم الشخصية، مع أنه كان راعياً لاكبر الامم ولا يجئ بعده نبي آخر، وقد رأى بعينه تمرُّدَ صحابته عليه ومخالفتَهم لامره في كثير من المقامات و شاهد اعتراضاتهم على أمرائه في كثير من الاوقات.

الصفحة 203
وعرفتَ أن الفرقة الناجية هم شيعتهم والمتمسكون بهداهم وأنّهم خير البريّة والفائزون يوم القيامة.

وفي هذه المرحلة وقفتُ على نصوص كثيرة واردة في الكتاب والسنّة معلنة بخلافة أمير المؤمنين والائمة المعصومين من ذريته (عليهم السلام)آمرة بالاقتداء بهم والسير على نهجهم، وناهية عن مخالفتهم ومعاداتهم، وتواترت بذلك الاخبار من كتب السنة والشيعة.

وإن كانت سلطات الجور سعت وصرفت قصارى جهدها لاخفاء تلك النصوص وكتمانها، وعذّبت وسجنت من أفشاها ونشرها، وبذلت أموالاً كثيرة وجوائز نفيسة لمن وضع مخالفها ومناقضها على لسان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). ورغم كل ذلك فقد أنعم الله على هذه الامة أن حفظ لهم مقداراً كثيراً من تلك النصوص كي يكون كافياً ( لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ) ، ويكون حجة على من ألقى العذر وهو عنيد.

وإليك ذكر بعضها من طريق أهل السنة والجماعة:


الصفحة 204

علي (عليه السلام) خليفة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)

أخرج ابن جرير الطبري في تاريخه والحاكم الحسكاني في شواهده وأورده ابن الاثير وابن الوردي وأبو الفداء في تاريخيهم والبغوي والخازن في تفسيريهما والحلبي في سيرته والباعوني في جواهره وابن أبي الحديد في شرحه وصحّحه، والعلامة الهندي في كنزه عن ابن عباس عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: لمّا نزلت هذه الاية على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): ( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الاْقْرَبِينَ ) دعاني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال: «يا عليّ إنّ الله أمرني أن أنذر عشيرتي الاقربين، فضقت بذلك ذرعاً وعرفت أنّي متى أبادؤهم بهذا الامر أرى منهم ما أكره، فصمتُّ عليه، حتى جاء جبريل فقال: يا محمد إنّك إلاّ تفعل ما تؤمر به يعذّبك ربك، فاصنع لنا صاعا من الطعام، واجعل عليه رِجل شاة، واملا لنا عُسّاً من لبن، ثم اجمع لي بني عبد المطلب حتى أكلّمهم وأبلّغهم ما أُمرت به».

ففعلت ما أمرني به ثم دعوتهم له، وهم يومئذ أربعون رجلاً يزيدون رجلاً أو ينقصونه، فيهم أعمامه أبوطالب وحمزة والعباس وأبولهب.

فلما اجتمعوا إليه دعاني بالطعام الذي صنعته لهم، فجئت به، فلما وضعته تناول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حِذيةً من اللحم فشقّها بأسنانه ثم ألقاها في نواحي الصحفة ثم قال: «خذوا باسم الله» فأكل القوم حتى مالهم بشيء حاجة، وما أرى إلاّ موضع أيديهم. و أيم الله الذي نفس عليّ بيده أن كان الرجل الواحد

الصفحة 205
منهم ليأكل ما قدمت لجميعهم.

ثم قال: «اسق القوم»، فجئتهم بذلك العس فشربوا حتى رووا منه جميعا، وأيم الله أن كان الرجل الواحد منهم ليشرب مثله، فلما أراد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يكلّمهم بدره أبولهب إلى الكلام، فقال: لهَدَّ ما سحركم صاحبكم، فتفرق القوم ولم يكلّمهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

فقال الغد: «يا علي إنّ هذا الرجل سبقني إلى ما قد سمعت من القول فتفرق القوم قبل أن أكلمهم، فعد لنا من الطعام بمثل ما صنعت ثم اجمعهم لي».

قال: ففعلت ثم جمعتهم، ثم دعاني بالطعام فقرّبته لهم، ففعل كما فعل بالامس، فأكلوا حتى ما لهم بشيء حاجة، ثم قال: «اسقهم»، فجئتهم بذلك العس فشربوا حتى رووا منه جميعا.

ثم تكلم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: «يابني عبد المطلب إنّي والله ما أعلم شابّاً في العرب جاء قومه بأفضل مما قد جئتكم به، إني قد جئتكم بخير الدنيا والاخرة، وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه، فأيّكم يؤازرني على هذا الامر على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم ؟».

قال: فأحجم القوم عنها جميعاً، وقلت ـ وإنّي لاحدثهم سناً وأرمصهم عيناً و أعظمهم بطنا وأحمشهم ساقاً ـ: أنا يا نبيّ الله أكون وزيرك عليه.

فأخذ برقبتي ثم قال: «إن هذا أخي ووصيّي وخليفتي فيكم ; فاسمعوا له وأطيعوا».

قال: فقام القوم يضحكون ويقولون لابي طالب: قد أمرك أن تسمع

الصفحة 206
لابنك وتطيع.

ولفظ ابن جرير في تهذيب الاثار بهذه الصورة: «يا بني عبد المطلب إني قد جئتكم بخير الدنيا والاخرة، وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه، فأيّكم يؤازرني على هذا الامر على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم ؟».

قال: فأحجم القوم عنها جميعاً، وقلت: أنا يا نبيّ الله أكون وزيرك عليه، فأخذ برقبتي وقال: «هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا».

والحديث في السيرة النبوية لابن جرير، وذكره ابن تيمية في سنته وعزاه إلى الثعلبي والواحدي والبغوي وابن جرير وابن أبي حاتم.

وقد روى محمد بن سليمان من أعلام الزيدية في القرن الثالث هذا الحديث بطرق كثيرة في مناقبه ; فقد روى عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام)من طريق كل من ابن عباس وعبد الله بن الحارث وعباد بن عبد الله.

فجاء في رواية عبد الله بن الحارث ـ بعد ذكر القصة المتقدمة ـ: فلما أكلوا وشربوا بدرهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بكلام فقال: «يا بني عبد المطلب، أنا النذير والبشير من الله، وإني قد جئتكم بما لم يأت به شاب من العرب قومه ; أتيتكم بالدنيا والاخرة، فأسلموا تسلموا وأطيعوا تهتدوا، وأيكم يبايعني على هذا الامر على أن يكون أخي ووصيي ووارثي ووزيري وخليفتي فيكم من بعدي ؟» فعرضه عليهم رجلاً رجلاً حتى أتى عليّ، وأنا يومئذ أعمشهم عيناً وأحمشهم ساقاً وأعظمهم بطناً وأصغرهم سناً، فقلت: أنا يا رسول الله، فوضع يده على عاتقي ثم قال: «يا بني عبد المطلب، إن هذا أخي ووصيي

الصفحة 207
ووزيري وخليفتي فيكم من بعدي فاسمعوا له وأطيعوا».

وجاء في رواية: ثم قال لهم: «من يبايعني منكم على أن يكون أخيوصيي و وارثي وخليفتي ووزيري من بعدي ؟»، فلم يبايعه إلاّ علي بن أبي طالب، فقال أبو لهب: ألهذا دعوتنا تبت يداك ؟! فانزل الله: ( تَبَّت يَدَا أَبِي لَهَب.. ) إلى آخر السورة(1) .

وأخرجه ابن جرير بنفس السند والمتن المذكورين في تفسيره أيضا، إلاّ

____________

1 ـ تاريخ الطبري: 1 / 542 ـ 543، جامع البيان: 11 / 121 ـ 122، الكامل في التاريخ: 1 / 487 ـ 488، تاريخ أبي الفداء: 1 / 175، جواهر المطالب: 1 / 79 ـ 80، كنز العمال: 13 / 114 ح: 36371، تفسير القرآن العظيم: 3 / 364، البداية والنهاية: 3 / 52 ـ 53، شرح نهج البلاغة: 13 / 210 و 244، السيرة الحلبية باب استخفائه في دار الارقم: 1 / 285 ـ 286، المنتظم في التاريخ: 2 / 366 ـ 367، الوفا بأحوال المصطفى / 183 ـ 184 ح: 249، شواهد التنزيل حول الاية التاسعة والعشرين من سورة طه: 1 / 371 ـ 372 ح: 514 آية: 93، تاريخ الاسلام السيرة النبوية / 144 ـ 145، دلائل النبوة للبيهقي: 1 / 179 ـ 180، معالم التنزيل للبغوي حول الاية: (وأنذر عشيرتك الاقربين): 2 / 131 وفي الجزء الثالث من مجلد واحد في طبعة قديمة في سنة: 1276 ه عن ابن إسحاق، وذكره الخازن عن ابن اسحاق في لباب التأويل: 3 / 395، سير أعلام النبلاء السيرة: 1 / 117، منهاج السنة: 4 / 80، السيرة النبوية لابن جرير / 56 ـ 57، تهذيب الاثار مسند علي بن أبي طالب / 62 ـ 63 ح: 127، مناقب الامام أمير المؤمنين لمحمد بن سليمان: 1 / 370 ـ 379 ح: 294 ـ 299 ب: 31، تاريخ ابن الوردي: 1 / 138.

قوله: (العس) بالضم القدح الكبير، وجمعه (عساس) و(أعساس). و (الحذية) ـ بكسر الحاء ـ من اللحم القطعة منه. و (الرمص) البياض الذي تقطعه العين ويجتمع في زوايا الاجفان. و (أحمش الساقين) أي دقيقهما. (النهاية).

الصفحة 208
أن سرّاق العلم والدين قد حرّفوا الحديث، فبدّلوا قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم» بالقول: على أن يكون أخي وكذا وكذا، وبدّلوا قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم» بالقول: إنّ هذا أخي وكذا وكذا، وغفلوا عن ذيل الخبر ولم يلتفتوا إلى أنّ السمع والطاعة لايكون إلاّ في مقابل من كان بيده الامر، فلم يبدّلوا قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) «فاسمعوا له وأطعوا» بكذا وكذا !!.

وهذا ليس شيئاً عجيباً من النسّاخ، بل العجب هو صنيع بعض العلماء أمثال الذهبي وابن الجوزي كيف ساقوا القصة بكاملها فلما وصلوا إلى هذه الجمل جمد القلم في أيديهم فما استطاعوا أن يكملوها.

وكذلك ابن كثير الشامي الذي شحن تفسيره وتاريخه بأنواع مختلفة من الاسرائيليات والموضوعات، فلما وصل إلى هذه القصة غلبت العصبيّة المذهبية عليه فلم تدعه أن يذكر فيها إلاّ ذلك اللفظ المحرّف المهمل، ولم يذكر اللفظ الصريح الذى أخرجه ابن جرير في تاريخه بنفس السند والمتن، ولا اللفظ الذي أخرجه في تهذيبه الذي يذكر فيه ما صح عنده من الاثار، وسيحاسبه الله عليه.

إنّ هؤلاء يحسبون أنهم يحسنون صنعاً وأنهم يخدمون الاسلام، ولكن لا يشعرون بأنّ الشيطان يلعب بهم ويستعملهم لهدم الدين، واخفاء الاسلام الحقيقي تحت عنوان خدمة الاسلام.

وأخرج ابن عساكر ومحمد بن سليمان والحاكم الحسكاني عن عبد الله بن عباس عن عليّ أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال له ـ لمّا نزلت هذه الاية: ( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الاَْقْرَبِينَ ) ـ: «فضقت بذلك ذرعاً وعرفت أنّي متى أناديهم بهذا الامر أرى

الصفحة 209
منهم ما أكره، فصمَتُّ عليها حتى جاءني جبريل فقال: يا محمد إنّك إن لم تفعل ما تؤمر به سيعذبك ربك، فاصنع لنا صاعاً من طعام واجعل عليه رجل شاة واملا لنا عساً من لبن واجمع لي بني عبد المطلب حتى أبلّغهم».

فصنع لهم الطعام، وحضروا فأكلوا وشبعوا وبقي الطعام.

قال: ثم تكلّم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال: «يا بني عبد المطلب إني والله ما أعلم شاباً من العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به ! إنّي قد جئتكم بخير الدنيا والاخرة وإنّ ربّي أمرني أن أدعوكم إليه، فأيكم يؤازرني على هذا الامر على أن يكون أخي ووصيّي وخليفتي فيكم ؟» فأحجم القوم عنها جميعاً، وإنّي لاحدثهم سنّاً، فقلت: أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه ; فأخذ برقبتي ثم قال: «هذا أخي ووصيّي وخليفتي فيكم، فاسمعوا له واطيعوا»، فقام القوم يضحكون ويقولون لابي طالب: قد أمرك أن تسمع لعلي وتطيع.

وأخرجه أبو نعيم في الدلائل وذكره إلى قوله: ثم تكلّم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

وكذلك أخرجه الدارقطني في العلل ونقله السيوطي عن ابن إسحاق والبيهقي في خصائصه.

وأشار اليه في الشفاء وأورده الخفاجي في شرحه قائلا: وتفصيله كما في الدلائل للبيهقي وغيره بسند صحيح، ثم ذكر لفظ البيهقي في الدلائل(1) .

____________

1 ـ تاريخ دمشق: 42 / 49، مختصر تاريخ دمشق: 17 / 310 ـ 311، شواهد التنزيل: 1 / 371 ـ 372 ح: 514، دلائل النبوة لابي نعيم: 2 / 425 ـ 426 ح: 31 3، الخصائص الكبرى / 123، علل الحديث للدارقطني: 3 / 75 ـ 77 س: 293، المناقب لمحمد بن سليمان: 1 / 372 ـ 374 ح: 295، شرح الشفاء للخفاجي: 3 / 37.

الصفحة 210
وجاء في لفظ أورده السيوطي في تفسيره والمتقي الهندي في كنزه عن ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه وأبي نعيم والبيهقي معاً في الدلائل عن علي (عليه السلام)... إلى قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «إني قد جئتكم بخير الدنيا والاخرة، وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه، فأيكم يؤازرني على أمري هذا ؟»، فقلت ـ وأنا أحدثهم سنّاً وأرمصهم عيناً وأعظمهم بطناً وأحمشهم ساقاً ـ: أنا يا نبيّ الله أكون وزيرك عليه، فأخذ برقبتي فقال: «إنّ هذا أخي ووصيّي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا»، فقام القوم يضحكون ويقولون لابي طالب: قد أمرك أن تسمع وتطيع لعلي(1) .

وأخرج أحمد بن حنبل في المسند والفضائل والبخاري وابن عساكر في التاريخ و ابن جرير وصححه والطحاوي وضياء المقدسي في المختارة وأورده الباعوني في الجواهر وأشار إليه ابن عدي في الكامل عن عباد بن عبد الله عن عليّ (عليه السلام): لمّا نزلت هذه الاية: ( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الاَْقْرَبِين ) جمع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من أهل بيته، فاجتمع ثلاثون رجلاً، فأكلوا وشربوا، قال: فقال لهم: «من يضمن عنّي دَيْني ومواعيدي ويكون معي في الجنّة ويكون خليفتي في أهلي ؟» فقال رجل ـ لم يسمه شريك ـ: يا رسول الله أنت كنت بحراء ـ أو بحرا ـ من يقوم بهذا ؟! ثم قال لاخر، قال: فعرض ذلك على أهل بيته، فقال علي: أنا.

____________

1 ـ كنز العمال: 13 / 131 ـ 133 ح: 36419، منتخب الكنز: 5 / 41 ـ 42، الدر المنثور: 6 / 327 ـ 328.

الصفحة 211
ذكره المتقي الهندي في الكنز عن بعض من ذكر، ونقل سعيد حوي في الاساس و ابن كثير في التفسير والجامع والهيثمي في الزوائد عن أحمد بن حنبل وقال: إسناده جيد، وأخرجه الطحاوي في معاني الاثار ولم يذكر الحديث بكامله، بل اكتفى بقوله: فذكر الحديث، هكذا بتره!(1) .

وأخرج ابن عساكر والطحاوي وابن أبي حاتم والبيهقي عن عبد الله بن الحارث قال: قال عليّ: لمّا نزلت هذه الاية: ( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الاَْقْرَبِينَ ) .. فذكر القصّة إلى قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «أيّكم يقضي عنّي ديني ويكون خليفتي في أهلي ؟» وفي لفظ ابن عساكر: «أيّكم يقضي ديني ويكون خليفتي ووصيّي من بعدي ؟» قال: فسكت العبّاس مخافة أن يحيط ذلك بماله، فأعاد رسول الله الكلام الثانية وسكت العباس مخافة أن يحيط ذلك بماله، فأعاد رسول الله الكلام الثالثة، قال ـ وإني يومئذ لاسوأهم هيئة ; إنّي يومئذ لاحمش الساقين أعمش العينين ضخم البطن ـ: فقلت: أنا يا رسول الله، قال: «أنت يا علي

____________

1 ـ مسند أحمد: 1 / 111، تاريخ دمشق: 4 / 32، مختصر تاريخ دمشق: 2 / 210، مجمع الزوائد: 9 / 113، جواهر المطالب: 1 / 71، البداية النهاية: 3 / 53، الاساس في السنة السيرة النبوية: 1 / 239 م: 90، جامع المسانيد والسنن: 19 / 287 ح: 397، منتخب الكنز: 5 / 43، تفسير القرآن العظيم: 3 / 364، التاريخ الكبير للبخاري: 6 / 32 م: 1594، الكامل لابن عدي: 5 / 553 م: 1174، كنز العمال: 13 / 128 ـ 129 ح: 36408، شرح معاني الاثار كتاب وجوه الفيء وخمس الغنائم: 3 / 284 ـ 285 ح: 5384 وباب الرجل يوصي بثلث ماله: 4 / 386 ـ 387 ح: 7394، فضائل الصحابة لاحمد : 2 / 650 ـ 651 و 700 و 712 ـ 713 ح: 1108 و 1196 و 1220، تهذيب الاثار مسند علي بن ابي طالب / 60 ح: 3 ـ 5.

الصفحة 212
أنت يا علي».

وأخرجه محمد بن سليمان من طريق عباد بن عبد الله عن علي (عليه السلام)وأما الطحاوي والبيهقي فقد فعلا هنا كعمل الطحاوي في الرواية السابقة.

وأورده الهيثمي في الزوائد بلفظ: «أيّكم يقضي عنّي ديني ؟» قال: فسكت و سكت القوم، فأعاد رسول الله المنطق، فقلت: أنا يا رسول الله، فقال: «أنت يا علي أنت يا علي».

ثم قال الهيثمي: رواه البزار واللفظ له وأحمد بإختصار والطبراني في الاوسط باختصار أيضاً ورجال أحمد وأحد إسنادي البزار رجال الصحيح غير شريك وهو ثقة(1) .

وأخرج أحمد بن حنبل وابن جرير وضياء المقدسي والنسائي والكنجي الشافعي عن ربيعة بن ناجذ: أنّ رجلاً قال لعليّ: يا أمير المؤمنين، لم ورثت ابن عمك دون عمك ؟ قال: دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بني عبد المطلب قائلاً: «إنّي بعثت إليكم بِخاصة وإلى الناس بِعامة وقد رأيتم من هذه الاية ما قد رأيتم، فأيكم يبايعني على أن يكون أخي وصاحبي ووارثي ؟» فلم يقم إليه أحد،

____________

1 ـ تاريخ دمشق: 42 / 48، مختصر تاريخ دمشق: 17 / 309 ـ 310، تفسير القرآن العظيم: 3 / 364، البحر الزخار للبزار: 2 / 105 ـ 106 ح: 455، مجمع الزوائد: 8 / 302 ـ 303، الاساس في السنة السيرة: 3 / 1140 ح: 947، شرح معاني الاثار: 3 / 285 ح: 5385 و4 / 387 ح: 7395، السنن الكبرى للبيهقي: 9 / 7، المناقب لمحمد بن سليمان: 1 / 379 ح: 297 ب: 31.

قوله: (أعمش العينين) يقال: عمش فلان عمشاً، أي ضعف بصره مع سيلان دمع عينه في أكثر الاوقات.

الصفحة 213
فقمت إليه ـ وكنت أصغر القوم ـ فقال: «إجلس»، ثم قال ثلاث مرات كلّ ذلك أقوم إليه، فيقول: «إجلس» حتى كان في الثالثة ضرب بيده على يدي، فبذلك ورثت ابن عمي دون عمي.

نقله الهيثمي في مجمعه عن أحمد بلفظ: «فأيّكم يبايعني على أن يكون أخي و صاحبي ؟»، ثم قال: ورجاله ثقات.

ونقل العلامة الهندي في كنزه عن الثلاثة الاوَل وفي موضع آخر نقل عن ابن مردويه بلفظ: «من يبايعني على أن يكون أخي وصاحبي ووليّكم من بعدي ؟» فمددت يدي وقلت: أنا أبايعك ـ وأنا يومئذ أصغر القوم عظيم البطن ـ فبايعني على ذلك(1) .

وبأدنى تأمل في لفظ البزار: «أيّكم يقضي عني دَيْني ؟» وفي لفظ أحمد: «فأيكم يبايعني على أن يكون أخي وصاحبي ؟» يفهم القارئ الكريم كيفية السرقة في الاحاديث، فإنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يشترط في ذلك الموقع الحساس لمن يؤازره مقاماً رفيعاً عسى أن يكون سبباً لاسلامهم وهو في أحرج الوقت وأحلك الظروف عليه بعد أن بعث برسالته المقدّسة، لا أن يحمل على من أجابه عبء ديونه ويكلّفه قضائها بعد وفاته، ولا يمكن أن يقبل من له شيء

____________

1 ـ السنن الكبرى للنسائي: 5 / 125 ـ 126 ح: 8451، تاريخ الامم الملوك: 1 / 543، كنز العمال: 13 / 149 و 174 ـ 175 ح: 36465 و 36520، منتخب الكنز: 5 / 42، كفاية الطالب / 179، الخصائص العلوية للنسائي / 83 ـ 84 وفي طبع / 99 ـ 100 ح: 66، تفسير القرآن العظيم لابن أبي حاتم: 9 / 2826 ـ 2827 ح: 16015، المناقب لمحمد بن سليمان: 1 / 379 ح: 297 ب: 31.

الصفحة 214
من العقل بأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) دعاهم إلى ذلك الامر الخطير ووعد من أجابه بأن يكون أخاه وصاحبه، ومن بين هؤلاء أعمامه !

وأخرج أحمد بن حنبل والحاكم وصححه ووافقه الذهبي، والنسائي وابن عساكر والطبراني وابن أبي عاصم والخوارزمي والبلاذري والاجري وعن ابن عدي في الكامل والعقيلي في الضعفاء والطحاوي في مشكل الاثار وعبد الله بن أحمد في زياداته على المسند وأبي نعيم في الحيلة والطيالسي في المسند عن عمرو بن ميمون قال: إني لجالس إلى ابن عباس إذ أتاه تسعة رهط فقالوا : يا أبا العباس، إمّا أن تقوم معنا وإمّا أن تخلونا هؤلاء، قال: فقال ابن عباس: بل أقوم معكم ـ قال: وهو يومئذ صحيح قبل أن يعمى ـ قال: فابتدءوا فتحدّثوا فلا ندري ما قالوا، قال: فجاء ينفض ثوبه ويقول: أفّ وتف وقعوا في رجل له عشر... فذكر فضائله (عليه السلام) إلى قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لبني عمه: «أيّكم يواليني في الدنيا والاخرة ؟» قال: وعليّ معه جالس، فأبوا، فقال عليّ: أنا أواليك في الدنيا والاخرة، فقال: «أنت وليي في الدنيا والاخرة »، قال: وكان أول من أسلم.

وقد جاء في لفظ لابن أبي عاصم في موضع من هذا الحديث أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «وأنت خليفتي في كل مؤمن من بعدي».

قال الالباني: إسناده حسن ورجاله ثقات، رجال الشيخين غير أبي البلج واسمه يحى بن سليم بن بلج، قال الحافظ: صدوق ربّما أخطأ.

وأخرجه الترمذي عن محمد بن حميد عن إبراهيم بن المختار عن شعبة عن أبي بلج عن عمرو بن ميمون عن ابن عباس، إلاّ أنه لم يذكر الحديث

الصفحة 215
بكامله بل ذكر بعض فقراته في موضعين من سننه.

وأورده الطبري في الذخائر عن أحمد وأبي القاسم الدمشقي في الموافقات.

وأورده الهيثمي في مجمعه وابن كثير في جامعه وجاء في هامشه: رواه أحمد في المسند ورواه الطبراني في الكبير والاوسط بإختصار ورجال أحمد رجال الصحيح(1) .

وأخرج الحاكم والجويني عن ابن عباس أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «أيّكم يتولاني في الدنيا والاخرة ؟»، فقال لكل رجل منهم: «أتتولاني في الدنيا والاخرة ؟» فقال: لا، حتى مرّ على أكثرهم، فقال علي: أنا أتولاك في الدنيا والاخرة، فقال: «أنت وليي في الدنيا والاخرة».

____________

1 ـ مسند أحمد: 1 / 330 ـ 331، كتاب السنة لابن أبي عاصم: 2 / 551، 589 ح: 1188 و 1351، المستدرك مع تلخيصه: 3 / 132 ـ 134، جامع المسانيد والسنن: 19 / 5 ـ 7، المناقب للخوارزمي / 125 ح: 140، البداية والنهاية: 3 / 53، فضائل الصحابة لاحمد: 2 / 682 ـ 684 ح: 1168، السنن الكبرى للنسائي: 5 / 112 ـ 113 ح: 8409، مجمع الزوائد: 9 / 119 ـ 120، تاريخ دمشق: 42 / 98، ذخائر العقبى / 156 ـ 158، ينابيع المودة / 34 ـ 35، الخصائص العلوية للنسائي / 52 ـ 53 ح: 24، المعجم الكبير: 12 / 77 ـ 78 ح: 12593، أنساب الاشراف: 2 / 355، الجامع الكبير: 6 / 91 و 92 ح: 37320 و 3734، الشريعة: 3 / 193 ـ 194 ح: 1546 وفي طبع: 4 / 2021 ـ 2022 ح: 1488، وعن الكامل: 7 / 2685، وشرح مشكل الاثار (3555) و (3556) و (3557) والضعفاء للعقيلي: 4 / 222، وتحفة الاشراف: 5 / 190 ح: 6314 والمسند الجامع: 9 / 553 ح: 7017، وعن الطيالسي: (2752).

الصفحة 216
ثم قال الحاكم: هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه، وسكت عنه الذهبي(1) .

وأخرج الحاكم الحسكاني وأبو نعيم والكنجي والجويني والزرندي عن البراء بن عازب قال: لما نزلت: ( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الاْقْرَبِينَ ) جمع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بني عبد المطلب، وهم يومئذ أربعون رجلاً... فذكر القصّة، إلى أن قال: ثم أنذرهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: «يا بني عبد المطلب أنا النذير لكم من الله والبشير لما يحبّه أحدكم، جئتكم بالدنيا والاخرة فأسلموا وأطيعوا تهتدوا، ومن يؤاخيني ويؤازرني ويكون وليي ووصيي بعدي وخليفتي في أهلي و يقضي دَيْني ؟»، فأمسك القوم، فأعاد ذلك ثلاثا، كلّ ذلك يسكت القوم ويقول علي: أنا، فقال: «أنت»، فقام القوم وهم يقولون لابي طالب: أطع إبنك فقد أُمِّر علينا وعليك(2) .

وأخرج ابن عساكر عن عبد الله بن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه، قال أبو رافع: جمع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولد بني عبد المطلب وهم يومئذ أربعون رجلاً، وإن كان منهم لمن يأكل الجذعة ويشرب الفرق من اللبن، فقال لهم: «يابني عبد المطلب ! إنّ الله لم يبعث رسولاً إلاّ جعل له من أهله أخا ووزيراً

____________

1 ـ المستدرك: 3 / 135، فرائد السمطين: 1 / 84 ح: 64.

2 ـ شواهد التنزيل: 1 / 420 ـ 421 ح: 580 آية: 116، كفاية الطالب / 178 ـ 179، فرائد السمطين: 1 / 85 ـ 86 ح: 65 باب: 16، الخصائص الكبرى للسيوطي: 1 / 123 ـ 124، درر السمطين / 82 ـ 83.

الصفحة 217
ووارثاً ووصياً ومنجزاً لعداته وقاضياً لدينه، فمن منكم يبايعني على أن يكون أخي ووزيري و وصيي ومنجز عداتي وقاضي ديني ؟» فقام إليه علي بن أبي طالب ـ وهو يومئذ أصغرهم ـ فقال له: «اجلس»، فقدم إليهم الجذعة والفرق من اللبن، فصدروا عنه حتى أنهلهم وفضل منه فضلة.

فلما كان في اليوم الثاني أعاد عليهم القول ثم قال: «يا بني عبد المطلب ! كونوا في الاسلام رؤوسا ولا تكونوا أذنابا ; فمن منكم يبايعني على أن يكون أخي و وزيري ووصيي ومنجز عداتي وقاضي ديني ؟»، فقام إليه علي بن أبي طالب، فقال: «اجلس»، فلما كان يوم الثالث أعاد عليهم القول، فقام علي بن أبي طالب فبايعه بينهم، فتفل في فيه، فقال أبو لهب بئس ما جبرت به ابن عمك إذ أجابك إلى ما دعوته إليه ملات فاه بصاقاً(1) .

وأخرج ابن عساكر عن علي بن الحسين عن أبي رافع: قال: كنت قاعداً بعد ما بايع الناس أبابكر، فسمعت أبابكر يقول للعباس: أيّدك الله هل تعلم أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جمع بني عبد المطلب وأولادهم وأنت فيهم، وجمعكم دون قريش فقال: «يا بني عبد المطلب إنّه لم يبعث الله نبياً إلاّ جعل له من أهله أخاً ووزيراً ووصياً وخليفةً في أهله ; فمن يقوم منكم يبايعني على أن يكون أخي ووزيري ووصيّي وخليفتي في أهلي ؟»، فلم يقم منكم أحد، فقال: «يا بني عبد المطلب ! كونوا في الاسلام رؤوساً ولا تكونوا أذناباً، والله ليقومنّ قائمكم أو ليكوننّ في غيركم ثم لتندمُن»، فقام عليّ من بينكم، فبايعه على ما شرط له

____________

1 ـ تاريخ دمشق: 42 / 49 ـ 50، مختصر تاريخ دمشق: 17 / 311.

الصفحة 218
ودعاه إليه، أتعلم هذا له من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ؟ قال: نعم(1) .

فقد اتّضح مما تقدّم من الاثار أنّ الله أمر نبيّه بإنذار عشيرته وأن يختار من بينها وزيره ووصيّه على أمّته وخليفته بعد وفاته ووارث علمه وحكمته وهو في أوائل دعوته.

وقد سعى خونة هذه الامة أن يكتموا هذه الرواية ويخرجوها من مسارها الحقيقي: فمنهم من طرحها، ومنهم من بدلها، ومنهم من حذف آخرها، ومنهم من استعمل المكيدة الشيطانية فساق الحديث إلى أن وصل إلى هذه الفقرة الاخيرة فلم يذكرها واكتفى بقوله: الحديث، أو بقوله: فذكر الحديث، من دون أن يتعرض لها، مع أنّ ما في تلك الفقرة من الرواية هو الهدف لتبليغهم وإنذارهم ! ألا وهو إعلان خلافة من أجابه ووصايته ووزارته.

ومع كل ذلك شاءت يد الحكمة أن تحفظ من هؤلاء اللصوص مقداراً وافياً من الاثار من طريق أهل السنة، وإذا راجعت مؤلّفات الشيعة فسترى في ذلك حشداً كبيراً من الاخبار.

أخرج ابن عساكر عن ابن عباس أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لعليّ: «هذا أول من آمن بي وأوّل من يصافحني، وهو فاروق هذه الامّة، يفرق بين الحق والباطل، وهو يعسوب المؤمنين والمال يعسوب الظالمين، وهو الصدِّيق الاكبر، وهو بابي الذي أوتى منه، وهو خليفتي من بعدي».

____________

1 ـ تاريخ دمشق: 42 / 50، مختصره: 17 / 311 ـ 312.

الصفحة 219
وأخرج قريباً منه عن أبي ذر، بدون الجملة الاخيرة(1) .

ونقل القندوزي عن مودة القربى للهمداني عن علي (عليه السلام) أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)قال: «أنت تبرئ ذمّتي وأنت خليفتي على أمّتي»(2) .

وأخرج الجويني عن علي (عليه السلام) قال: قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «عليٌّ يقضي ديني وينجز موعدي، وخير من أُخلِّف بعدي»(3) .

____________

1 ـ تاريخ دمشق: 42 / 41 ـ 42 و 43.

2 ـ ينابيع المودة / 248.

3 ـ فرائد السمطين: 1 / 60 ح: 27.

الصفحة 220

علي والائمة من ولده أولياء الامر بعد النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)

قال الله تبارك وتعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أطِيْعُوا اللهَ وَأطِيْعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الاَْمْرِ مِنْكُمْ )(1) .

قال الامام فخر الدين الرازي: اعلم أنّ قوله: (وَأُولى الاَمْرِ مِنْكُمْ ) يدلّ عندنا على أنّ إجماع الامّة حجّة، والدليل على ذلك أن الله تعالى أمر بطاعة أولي الامر على سبيل الجزم في هذه الاية، ومن أمر الله بطاعته على سبيل الجزم والقطع لابدّ وأن يكون معصوماً عن الخطأ، إذ لو لم يكن معصوماً عن الخطأ كان بتقدير إقدامه على الخطأ يكون قد أمر الله بمتابعته، فيكون ذلك أمراً بفعل ذلك الخطأ، والخطأ لكونه خطأ منهيّ عنه، فهذا يفضي إلى إجتماع الامر والنهي في الفعل الواحد بالاعتبار الواحد، وإنّه محال، فثبت أنّ الله تعالى أمر بطاعة أولي الامر على سبيل الجزم، وثبت أنّ كل من أمر الله بطاعته على سبيل الجزم وجب أن يكون معصوماً عن الخطأ، فثبت قطعاً أنّ أولي الامر المذكور في هذه الاية لابد وأن يكون معصوماً، ثم نقول: ذلك المعصوم إمّا مجموع الاُمة أو بعض الامة، لا جائز أن يكون بعض الاُمّة، لانّا بيّنّا أنّ الله تعالى أوجب طاعة أولي الامر في هذه الاية قطعاً، وإيجاب طاعتهم قطعاً

____________

1 ـ سورة النساء: 59.

الصفحة 221
مشروط بكوننا عارفين بهم قادرين على الوصول إليهم والاستفادة منهم، ونحن نعلم بالضرورة أننا في زماننا هذا عاجزون عن معرفة الامام المعصوم عاجزون عن الوصول إليهم عاجزون عن استفادة الدين والعلم منهم، وإذا كان الامر كذلك علمنا أنّ المعصوم الذي أمر الله المؤمنين بطاعته ليس بعضاً من الامّة ولا طائفة من طوائفهم، ولمّا بطل هذا وجب أن يكون ذلك المعصوم الذي هو المراد بقوله: ( وأولي الامر ) أهل الحل والعقد من الاُمة، وذلك يوجب القطع بأن إجماع الامَّة حجة(1) .

فأنت ترى أنّ الامام الرازي وصل بذلك الذكاء الخارق إلى قطعيّة وجوب عصمة أولي الامر المذكور في الاية، ولكن الحميّة المذهبية غلبت عليه فألجأته إلى تأويل بعيد عن العقل والنقل، وهو أن الله أمر الامة باطاعة إجماعها،علله بعدم معرفة المعصومين وعدم إمكان الوصول إليهم وأخذ الدين والعلم منهم، كأن معرفة المواضع التي أجمع عليها الامة والوصول إلى آراء الذين لا يعلم بعددهم إلاّ الله تعالى أيسر وأسهل على الرازي من معرفة أشخاص محدودين نصبهم الله لهذه الامة أئمة وأمراء وخلفاء وأولياء، وبيّن عددهم وأسماءهم على لسان نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم).

هذا مع أنّ عدم معرفة الامام الرازي لهم لا يقتضي منه أن يُخرِج الايةَ عن مؤدّاها ويؤولها على خلاف مرماها.

فقد أخرج الحسكاني عن عليّ (عليه السلام) أنّه سأل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن الاية وقال: يا نبيّ الله من هم ؟ قال: «أنت أولهم».

____________

1 ـ مفاتيح الغيب: 10 / 144.

الصفحة 222
وعن مجاهد: ( وَأُولِي الاَمْرِ مِنْكُمْ ) قال: عليّ بن أبي طالب، ولاّه الله الامر بعد محمد في حياته حين خلفه رسول الله بالمدينة، فأمر الله العباد بطاعته وترك الخلاف عليه.

وعن أبي بصير عن أبي جعفر أنّه سئل عن قوله تعالى: ( أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعوا الرَّسُولَ وأُولِي الاَْمْرِ مِنْكُمْ ) قال: نزلت في عليّ بن أبي طالب، قلت: إنّ الناس يقولون: فما منعه أن يسمّي عليّاً وأهل بيته في كتابه ؟ فقال أبو جعفر: قولوا لهم: إنّ الله أنزل على رسوله الصلاة ولم يسمِّ ثلاثاً ولا أربعاً حتى كان رسول الله هو الذي يفسّر ذلك، وأنزل الحجّ فلم ينزل طوفوا سبعاً حتى فسّر لهم رسول الله، وأنزل ( أطِيعُوا الله وأَطِيعوا الرَّسُولَ وَأُولِي الاَْمْرِ مِنْكُمْ ) فنزلت في عليّ والحسن والحسين، وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «أوصيكم بكتاب الله وأهل بيتي، إنّي سألت الله أن لا يفرِّق بينهما حتى يردا عليَّ الحوض، فأعطاني ذلك»(1) .

قال الله تبارك وتعالى: ( إنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاْةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ )(2) .

أخرج الجويني في الفرائد وأورد ابن الصبّاغ في الفصول المهمة وابن الجوزي في التذكرة والزرندي في الدرر وعن الثعلبي في التفسير عن أبي ذرّ الغفاري، قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بهاتين وإلاّ صُمَّتا ورأيته بهاتين وإلاّ

____________

1 ـ شواهد التنزيل: 1 / 148 ـ 150 ح: 202 ـ 203.

2 ـ سورة المائدة: 55.

الصفحة 223
عميتا، يقول: «عليّ قائد البررة وقاتل الكفرة منصور من نصره مخذول من خذله»، أما إنّي صلّيت مع رسول الله ذات يوم فسأل سائل في المسجد فلم يعطه أحد شيئاً، وكان عليّ راكعاً، فأومأ بخنصره إليه وكان يتختّم بها فأقبل السائل حتى أخذ الخاتم من خنصره، فتضرّع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الله عزّوجل يدعوه فقال: «اللهم إنّ أخي موسى سألك قال: ( رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً إنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيراً ) ، فأوحيت إليه: ( قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى )(1) اللهمّ وإنّي عبدك ونبيّك فاشرح لي صدري ويسر لي أمري واجعل لي وزيراً من أهلي علياً اشدد به ظهري»، قال أبوذر: فو الله ما استتم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الكلمة حتى هبط عليه الامين جبرائيل بهذه الاية: ( إنَّمَا وَليُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِين آمَنُوا فَإنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ) .

وذكر الحديث فخر الدين الرازي في تفسيره بإختصار(2) .

قال الزمخشري: فإن قلت: كيف صحّ أن يكون لعليّ رضي الله عنه واللفظ لفظ جماعة ؟ قلت: جئ به على لفظ الجمع وإن كان السبب فيه رجل واحد

____________

1 ـ سورة طه: 25 ـ 36.

2 ـ تذكرة الخواص / 24، الفصول المهمة / 123 ـ 124، مفاتيح الغيب: 12 / 26، درر السمطين / 87، فرائد السمطين: 1 / 191 ـ 192 ح: 151.

الصفحة 224
ليرغب الناس في مثل فعله، فينالوا مثل نواله، ولينبّه على أنّ سجيّة المؤمنين يجب أن تكون على هذه الغاية من الحرص على البرّ والاحسان وتفقّد الفقراء حتى أن لزمهم أمر لا يقبل التأخير وهم في الصلاة لم يؤخّره إلى الفراغ منها(1) .

قال السيوطي: أخرج الخطيب في المتفق عن ابن عباس قال: تصدّق عليّ بخاتمه و هو راكع، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) للسائل: «من أعطاك هذا الخاتم ؟» قال: ذاك الراكع.

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: ( إنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ.. ) الاية قال: نزلت في عليّ بن أبي طالب.

وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن عساكر عن سلمة بن كهيل قال: تصدق علي بخاتمه وهو راكع، فنزلت: ( إنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ.. ) الاية.

وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله تعالى: ( إنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ.. ) الاية نزلت في عليّ بن أبي طالب، تصدّق وهو راكع.

وأخرج ابن جرير عن السدّي وعتبة بن حكيم مثله.

وأخرج الطبراني في الاوسط وابن مردويه عن عمّار بن ياسر قال: وقف بعليّ سائل وهو راكع في صلاة تطوّع فنزع خاتمه فأعطاه السائل، فأتى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأعلمه ذلك، فنزلت على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هذه الاية: ( إنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ راكِعُونَ ) ، فقرأها

____________

1 ـ الكشاف: 1 / 649.

الصفحة 225
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على أصحابه، ثم قال: «من كنت مولاه فعليّ مولاه، أللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه».

وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن عليّ بن أبي طالب قال: نزلت هذه الاية على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في بيته: ( إنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا ) إلى آخر الاية، فخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فدخل المسجد، جاء والناس يصلّون بين راكع وساجد وقائم يصلّي، فإذا سائل، فقال: «يا سائل هل أعطاك أحد شيئا ؟» قال: لا، إلاّ ذاك الراكع ـ لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) ـ أعطاني خاتمه.

وأخرج ابن مردويه عن طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس، قال : أتى عبد الله بن سلام ورهط معه من أهل الكتاب نبيّ الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عند الظهر، فقال: يا رسول الله إنّ بيوتنا قاسية لا نجدُ من يجالسنا ويخالطنا دون هذا المجلس وإنّ قومنا لمّا رأونا قد صدقنا الله ورسوله وتركنا دينهم، أظهروا العداوة وأقسموا أن لا يخالطونا ولا يؤاكلونا، فشقّ ذلك علينا، فبينا هم يشكون ذلك إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ نزلت هذه الاية على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ( إنَّمَا وَلِيّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا ) الخ، ونُودِي بالصلاة صلاة الظهر وخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى المسجد، فرأى سائلاً، فقال: «هل أعطاك أحد شيئا ؟» قال: نعم. قال: «من ؟» قال: ذاك الرجل القائم، قال: «على أي حال أعطاك ؟» قال: وهو راكع، قال: وذلك عليّ بن أبي طالب، فكبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عند ذاك وهو يقول: ( وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغَاْلِبُونَ ) . انتهى(1) .

____________

1 ـ الدر المنثور: 3 / 104 ـ 105.

الصفحة 226
قال الزرندي والجويني: قال الامام الواحدي (رضي الله عنه): وروي عن علي رضي الله عنه أنَّه قال: أُصول الاسلام ثلاثة، لا تنفع واحدة منهنّ دون صاحبتها: الصلاة، الزكاة، الموالاة، قال: وهذا ينتزع من قوله تعالى: ( إنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ )(1) .

وقد ورد في أنّ هذه الاية نزلت في عليّ (عليه السلام) عن ابن عباس بعدّة طرق.

وأخرج الكنجي الشافعي في كفاية الطالب عن أنس بن مالك، وأخرجه الموفّق بن أحمد في مناقبه والجويني في فرائده، وأورده المتّقي الهندي في كنزه والزرندي في درره والهيثمي في مجمعه وابن الاثير في جامعه(2) .

هذا مع تصريح النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بأنّ عليّاً وليّ كلّ مؤمن بعده، كما ورد في الاحاديث الصحيحة الاتية، فلاحظ.

____________

1 ـ نظم درر السمطين / 240، فرائد السمطين: 1 / 79 ح: 49.

2 ـ كفاية الطالب / 228 و 250، كنز العمال: 13 / 108 و 165 ح: 36354 و 36501، المناقب للخوارزمي / 264 ـ 265 و 266 ح: 246 و 256، درر السمطين / 86 و 87 ـ 88، فرائد السمطين: 1 / 193 ـ 195 ح: 152 و 153، مجمع الزوائد: 7 / 17، جامع الاصول: 8 / 664 ح: 6515.

الصفحة 227

عليّ وليّ كلّ مؤمن بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)

أخرج ابن أبي شيبة وأحمد بن حنبل والترمذي والنسائي والحاكم وصحّحه وابن حبّان وأبو نعيم وابن أبي عاصم والطبراني والتبريزي وابن عساكر والكنجي وأبو يعلى وابن عدي وابن المغازلي والموفّق بن أحمد وعن عبد الرزاق في أماليه والطيالسي في مسنده والبغوي في معجمه والحسن بن سفيان وابن جرير وصحّحه عن عمران بن حصين قال: بعث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جيشاً واستعمل عليهم عليّ بن أبي طالب، فمضى في السريّة، فأصاب جارية، فأنكروا عليه، واتفق أربعة من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالوا: إن لقينا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أخبرناه بما صنع علي ـ وكان المسلمون إذا رجعوا من سفر بدأوا برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فسلّموا عليه ثم انصرفوا إلى رحالهم ـ فلما قدمت السريّة سلّموا على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقام أحد الاربعة فقال: يا رسول الله، ألم تَرَ إلى علي بن أبي طالب ; صنع كذا وكذا ؟! فأعرض عنه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ثم قام الثاني فقال مثل مقالته، فأعرض عنه، ثم قام إليه الثالث فقال مثل مقالته، فأعرض عنه، ثم قام الرابع فقال مثل ما قالوا، فأقبل إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ والغضب يُعرَفُ في وجهه ـ فقال: «ما تريدون من عليّ ؟ ما تريدون من عليّ ؟ ما تريدون من عليّ ؟! إنّ عليّاً مِنّي وأنا منه، وهو وليّ كل مؤمن من بعدي».

وفي رواية: «دعوا عليّاً، دعوا عليّاً، دعوا عليّاً، إنَّ عليّاً منّي وأنا منه،

الصفحة 228
وهو وليّ كل مؤمن بعدي».

قال المصحّح لمسند أبي يعلى: رجاله رجال الصحيح.

وأورده في موارد الظمآن، وقال المحشّي: إسناده صحيح.

وأورده المزي في تحفة الاشراف، وابن الاثير في جامع الاصول. وقال الالباني حول رواية ابن أبي عاصم: إسناده صحيح، رجاله ثقات على شرط مسلم.

وأورده الالباني في الاحاديث الصحيحة، وعزاه لجماعة من المحدّثين، ودافع عن صحّة الحديث بشكل جيّد، وذكر حديث بريدة وابن عباس والغدير لتأييده، ثم قال: فمن العجيب حقّاً أنْ يتجرّأ شيخ الاسلام ابن تيمية على إنكار هذا الحديث و تكذيبه في منهاج السنة (4 / 104) كما فعل بالحديث المتقدّم هناك... إلى أن قال: فلا أدري بعد ذلك وجه تكذيبه للحديث إلاّ التسرّع والمبالغة على الشيعة غفر الله لنا وله.

وأورده الهندي في كنزه عن جماعة من المحدّثين، وجاء في لفظ نقله عن ابن أبي شيبة وصحّحه: «عليّ منّي وأنا من عليّ وهو وليّ كل مؤمن من بعدي ».

وأخرجه ابن عدي في كامله وقال: وهذا الحديث يعرف بجعفر بن سليمان، وقد أدخله أبو عبد الرحمن النسائي في صحاحه ولم يدخله البخاري.

وقال ابن عدي ـ بعد أن أورد بعض أحاديثه ـ: والذي ذكر فيه من التشيّع الروايات التي رواها التي يستدلّ بها على أنّه شيعي، فقد روى في فضائل الشيخين أيضاً ـ كما ذكرت بعضها ـ وأحاديثه ليست بالمنكرة، وما

الصفحة 229
كان منها منكراً فلعلّ البلاء فيه من الراوي عنه، وهو عندي ممن يجب أن يقبل حديثه(1) .

أقول: نعم هذه هي عدالة التاريخ، وتلك هي مظلوميّة أهل بيت النبيّ صلوات الله عليه وعليهم !! ففي القرون الاولى كان الخوف من أسياف بني أميّة

____________

1 ـ سنن الترمذي كتاب المناقب باب مناقب علي (عليه السلام): 5 / 397 ـ 398 ح: 3732، السنن الكبرى للنسائي: 5 / 126 و 132 ـ 133 ح: 8453 و 8474، الخصائص العلوية له / 103 و 143 ح: 68 و 89، المستدرك: 3 / 110 ـ111، مسند أبي يعلى: 1 / 293 ح: 355، صحيح ابن حبان: 15 / 373 ـ 374 ح: 6929، مسند أحمد: 4 / 437 ـ 438، المصنف لابن أبي شيبة: 6 / 375 ح: 32112، مختصر تاريخ دمشق: 17 / 350، حلية الاولياء: 6 / 294، كفاية الطالب / 98 ـ 99، كنز العمال: 11 / 599 و 607 و 608 ح: 32883 و 32938 و 32940 و 32941 و13 / 142 ح: 36444، الرياض النضرة: 3 / 129، السنة لابن ابي عاصم: 2 / 550 ح: 1187، فضائل الصحابة لاحمد: 2 / 605 و 620 و 649 ح: 1035 و 1060 و 1104، مشكاة المصابيح: 3 / 356 ح : 6090، الخصائص العلوية للنسائي / 143 ح: 89، جامع المسانيد والسنن: 19 / 33، سلسلة الاحاديث الصحيحة: 5 / 261 ـ 264 ح: 2223، المعجم الكبير: 18 / 128 ـ 129 ح 265، المناقب للخوارزمي / 153 ح: 180، تاريخ دمشق: 42 / 197 ـ 199 من طرق، ينابيع المودة / 206، البداية والنهاية: 7 / 381 عن أحمد والترمذي والنسائي وأبي يعلى، سير أعلام النبلاء الخلفاء / 232، سبل الهدى و الرشاد: 11 / 291، الكامل لابن عدي: 2 / 380 ـ 381 م: 343، موارد الظمان: 7 / 133 ـ 134 ح: 2203، تقريب تحفة الاشراف: 2 / 345 ح: 10861، جامع الاصول: 8 / 652 ح: 6492، مصابيح السنة: 2 / 450 ح: 2681 وعن عبد الرزاق في أماليه (ل 12 أ)، ومعجم الصحابة للبغوي (ل 0 42) ومسند الطيالسي / 111 ح 829.

الصفحة 230
هو المانع لرواية فضائلهم، وفي القرون اللاحقة كان الخوف من الاتّهامات هو المانع.

فقد كان جعفر بن سليمان ذا حظ وافر أن وجد فيما بين مروياته فضائل الشيخين مما كان سبباً لان يترحّم عليه ابن عدي وينجيه من تهمة الرفض، وأما الذي ليس في مروياته من فضائل الخلفاء إلاّ فضائل علي فقد خسر الدنيا والاخرة، لان بني قومه طرحوه من ديوانهم بسبب رواياته، والشيعة لايقبلونه لانّه من أهل السنّة.

وأخرج أحمد بن حنبل والنسائي وابن أبي حاتم وابن عساكر وابن أبي شيبة والبزّار وابن جرير ومحمد بن سليمان عن بريدة قال: بعث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعثين إلى اليمن على أحدهما علي بن أبي طالب، وعلى الاخر خالد ابن الوليد، فقال: «إذا التقيتم فعلي على الناس وإن افترقتما فكلّ واحد منكما على جنده»، قال: فلقينا بني زيد من أهل اليمن، فاقتتلنا، فظهر المسلمون على المشركين، فقتلنا المقاتلة وسبينا الذرية، فاصطفى عليٌّ امرأة من السبي لنفسه.

قال بريدة: فكتب معي خالد بن الوليد إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يخبره بذلك، فلمّا أتيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) دفعت الكتاب فقرئ عليه، فرأيت الغضب في وجه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقلت: يا رسول الله هذا مكان العائذ، بعثتني مع رجل وأمرتني أن أطيعه، ففعلت ما أُرسلت به، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «لا تقع في عليّ، فإنّه منّي وأنا منه وهو وليُّكم بعدي، وإنّه منّي وأنا منه وهو وليّكم بعدي».

وفي رواية عند أحمد والحاكم وابن عساكر فقال: «يا بريدة ألست أولى

الصفحة 231
بالمؤمنين من أنفسهم ؟» قلت: بلى يا رسول الله، فقال: «من كنت مولاه فعلي مولاه».

وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.

وفي بعض الروايات عند أحمد والحاكم والبزار وابن عساكر وابن أبي حاتم: «من كنت وليَّه فعليٌّ وليُّه».

وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي وأورده الهيثمي في معجمه عن البزار وقال: رجاله رجال الصحيح.

وفي بعضها عند عبد الرزاق وابن عساكر والخوارزمي وغيرهم: «من كنت مولاه فعلي مولاه».

وفي رواية عند ابن عساكر: «علي بن أبي طالب مولى كل مؤمن ومؤمنة، وهو وليكم بعدي».(1)

____________

1 ـ مسند أحمد: 5 / 347 و 350 و 356 و 358 و 361، جواهر المطالب: 1 / 87 و 88، المستدرك: 2 / 129 ـ 130 و3 / 110، المناقب للخوارزمي / 134 ح: 150، تاريخ دمشق: 42 / 187 ـ 188 و 189 ـ 194، ومختصره: 17 / 348 و 349، البداية والنهاية: 7 / 379 ـ 380، سيرأعلام النبلاء / 230، الرياض النضرة: 3 / 130، كنز العمال: 11 / 608 ح: 32942 و و13 / 135 ح: 36425، ينابيع المودة / 206، السنن الكبرى للنسائي: 5 / 133 ح: 8475، الخصائص العلويه له / 144 ح : 90، سلسلة الاحاديث الصحيحة: 5 / 261 ـ 262، فضائل الصحابة لاحمد: 2 / 585، 688 ح: 989 و 1175، المصنف لعبد الرزاق: 11 / 225 ح: 20388، مجمع الزوائد: 9 / 108 و 127 ـ 128 وعن البزار: 3 / 188 ح: 2533، جامع المسانيد والسنن: 30 / 237 ـ 238 ح: 460، المناقب لمحمد بن سليمان: 1 / 424 ـ 425 ح: 331 ب: 39.

الصفحة 232
وجاء في رواية للطبراني: إنّ بريدة لما قدم من اليمن ودخل المسجد، وجد جماعة على باب حجرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقاموا إليه يسلّمون عليه، ويسألونه ; فقالوا ما وراءك ؟ قال: خير، فتح الله على المسلمين، قالوا: ما أقدمك ؟ قال: جارية أخذها عليّ من الخمس، فجئت لاخبر النبي بذلك، فقالوا: أخبره أخبره يسقط عليّاً من عينه ـ ورسول الله يسمع كلامهم من وراء الباب ـ فخرج مغضباً، فقال: «ما بال أقوام ينقصون عليّاً ! من أبغض علياً فقد أبغضني و من فارق عليّاً فقد فارقني، إنّ عليّاً مني وأنا منه، خلق من طينتي وأنا خلقت من طينة إبراهيم، وأنا أفضل من إبراهيم، ذريّة بعضها من بعض والله سميع عليم، يابريدة ! أما علمت أنّ لعلي أكثر من الجارية التي أخذ، وإنّه وليّكم بعدي»(1) .

وأخرج أحمد والنسائي والحاكم وابن أبي عاصم والطبراني وابن عساكر والموفق بن أحمد وغيرهم عن ابن عباس في حديث طويل ذكر فيه عشر خصال لعلي (عليه السلام) وقد تقدم ذكر شيء منها في بعض المقامات، وجاء فيه: وقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «أنت وليّ كلّ مؤمن من بعدي».

قال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني في الكبير والاوسط بإختصار، ورجال أحمد رجال الصحيح غير أبي البلج، وهو ثقة، وفيه لين.

وقريب من كلامه ما قاله الالباني حول رواية ابن أبي عاصم.

قال ابن كثير الشامي: قال أبو داود الطيالسي عن شعبة عن أبي البلج عن عمر بن ميمون عن ابن عباس أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لعليّ: «أنت وليّ

____________

1 ـ مجمع الزوائد: 9 / 128، ينابيع المودة / 272.

الصفحة 233
كل مؤمن بعدي».

وأورده الالباني في الاحاديث الصحيحة(1) .

وفي رواية عن أحمد في مسنده من حديث أبي هريرة أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «لا تقعوا في علي فانه مني وأنا منه وهو وليي ووصيي من بعدي»(2) .

أخرج الطبراني وأبو نعيم وابن عساكر وعن ابن مندة وخيثمة بن سليمان عن وهب بن حمزة قال: سافرت مع عليّ ابن أبي طالب فرأيت منه جفاء فقلت لئن رجعت لاشكونَّه، فذكرت عليّاً لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فنلت منه، فقال: «لا تقولنّ هذا لعليّ فإنّه وليّكم بعدي»(3) .

أورد المتقي في الكنز والعاصمي في النجوم والصالحي في سبل الهدى عن

____________

1 ـ المستدرك: 3 / 132 ـ 133، السنن الكبرى للنسائي: 5 / 112 ـ 113 ح: 8409، السنة لابن أبي عاصم: 2 / 551 ح: 1188، مجمع الزوائد: 9 / 119 ـ 120، المناقب للخوارزمي: 126 ـ 127 ح: 140، فضائل الصحابة لاحمد: 2 / 682 ـ 684 ح: 1168، تاريخ دمشق: 42 / 199، البداية والنهاية: 7 / 374 و 381، سلسلة الاحاديث الصحيحة: 5 / 263.

2 ـ ينابيع المودة / 233، وفي النسبة تأمل.

3 ـ المعجم الكبير: 22 / 135 ح: 360، الاصابة في تمييز الصحابة: 3 / 641 م: 9157 وفي طبع: 6 / 487 ـ 488 م: 9178، أسد الغابة: 5 / 94، ينابيع المودة / 55، كنز العمال: 11 / 612 ح: 32961، مجمع الزوائد: 9 / 109، تاريخ دمشق: 42 / 199 معرفة الصحابة لابي نعيم: 5 / 2723 ح: 6501 م: 2956، البداية والنهاية: 7 / 381.

الصفحة 234
الخطيب والرافعي عن علي (عليه السلام) ان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال له: «سألت الله فيك خمساً فأعطاني أربعاً ومنعني واحدة ; سألت الله أن يجمع عليك أمتي، فأبى عليَّ، وأعطاني فيك أن أول من تنشق الارض عنه يوم القيامة أنا، وأنت معي، معك لواء الحمد، وانت تحمله بين يدي تسبق به الاولين والاخرين، وأعطاني فيك أنك ولي المؤمنين بعدي»(1) .

قال الصالحي الشامي: وروى ابن أبي شيبة ـ وهو صحيح ـ عن عمر (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «عليّ منّي وأنا منه، وعلي وليّ كلّ مؤمن من بعدي»(2) .

أخرج الموفّق بن أحمد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ـ في حديث ذكر فيه عدة فضائل لعليّ (عليه السلام) ـ وجاء فيه: وأوقفه يوم غدير خم فأعلم الناس أنّه مولى كل مؤمن ومؤمنة، وقال له: «أنت منّي وأنا منك»، وقال له: «تقاتل على التأويل كما قاتلت على التنزيل»، وقال له: «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى»، وقال له: «أنا سِلم لمن سالمت وحرب لمن حاربت»، وقال له: « أنت العروة الوثقى»، وقال له: «أنت تبيِّن لهم ما اشتبه عليهم بعدي»، وقال له: «أنت إمام كلّ مؤمن ومؤمنة ووليّ كل مؤمن ومؤمنة بعدي...»(3) .

____________

1 ـ تاريخ بغداد: 5 / 100 م: 2483، سبل الهدى والرشاد: 11 / 296، كنز العمال: 11 / 625 ح: 33047، سمط النجوم: 3 / 65 ح: 145.

2 ـ سبل الهدى والرشاد: 11 / 296.

3 ـ المناقب للخوارزمي / 61 ح: 31، ينابيع المودة / 134 ـ 135.

الصفحة 235
ونقل المتقي عن الديلمي من حديث علي (عليه السلام) أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «يا بريدة إنَّ عليّاً وليّكم بعدي فأحبّ علياً فإنّه يفعل ما يؤمر»(1) .

وعن الامام الحسن بن علي (عليهما السلام) أنّه قال في خطبته: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ حين قضى بينه وبين أخيه جعفر ومولاه زيد في ابنة عمه حمزة ـ: «أمّا أنت يا علي فمني وأنا منك وأنت ولي كل مؤمن بعدي»(2) .

ونقل القندوزي عن مودة القربى للهمداني عن ابن عمر قال: كنا نصلّي مع النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) فالتفت إلينا فقال: «أيّها الناس، هذا وليكم بعدي في الدنيا والاخرة، فاحفظوه» يعني علياً(3) .

فأنت تلاحظ كيف يُعرِّف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) صحابته في أدنى مناسبة على من يلي أمورهم ويرعى شؤونهم بعد وفاته.

وأما تفسير الولي في المقام من قِبل بعض أعلام أهل السنة بالمحبّ والناصر، فهو تأويل سخيف، حتى لو تأمّل فيه المتأوّلون أنفسهم لضحكوا من منطقهم وعملهم.

الحمد لله على أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يطلق ولاية علي (عليه السلام)، بل قيّدها بأنّها تكون بعده، فقال: «ولي كل مؤمن بعدي»، وهؤلاء يقولون: إن عليّاً

____________

1 ـ كنز العمال: 11 / 612 ح: 32963.

2 ـ ينابيع المودة / 55.

3 ـ نفس المصدر / 257.

الصفحة 236
ناصرهم ومحبّهم بعده، كأن لم يكن كذلك في حياته ! كما هو المستفاد من التقييد حسب تأويلهم.

بل لو أطلقها لكان المستفاد منها أيضاً الخلافة والرئاسة لا غير، فانها لو فُسّرت بالمحبة والنصرة لكان كلاماً لغواً منه صلوات الله عليه وآله، لانه ما الفرق بين القول: علي محبّكم وناصركم وبين القول: الحجر حجر والشجر شجر.