الصفحة 95
تأخذه في الله لومة لائم، ولا يثني عزمه من حطام الدنيا شيء ـ وكان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يعلمُ ذلك علم اليقين وكان في كل مناسبة يُشيد فضائل أخيه وإبن عمّه لكي يحبّبه اليهم فيقول: حب علي إيمان وبغضه نفاق(1) ـ ويقول علي منّي وأنا من علي(2) ويقول علي ولي كل مؤمن بعدي(3) ـويقول علي باب مدينة علمي وأبو ولدي(4) ويقول: علي سيد المسلمين وإمام المتقين وقائد الغر المحجّلين(5) .

ولكن مع الأسف مازادهم ذلك إلاّ حسداً وحقداً وبذلك إستدعاه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قبل موته فعانقه وبكى، وقال له: ياعلي: إني أعلم إن لك ضغائن في صدور قوم سوف يظهرونها لك بعدي. فإن بايعوك فاقبل وإلاّ فاصبر حتّى تلقاني مظلوماً(6) فإذا كان أبو الحسن سلام الله عليه لزم الصبر بعد بيعة أبي بكر فذلك بوصية الرسول له وفي ذلك من الحكمة ما لا يخفى.

خامساً ـ أضف إلى كل ماسبق إن المسلم إذا ماقرأ القرآن الكريم وتدبّر آياته يعرف من خلال قصصه التي تناولت الأمم والشعوب السابقة إنّه وقع فيهم أكثر مما وقع فينا، فها هو قابيل يقتل أخاه هابيل ظلماً وعدواناً وها هو نوح جد الأنبياء بعد ألف سنة من الجهاد لم يتبعه من قومه إلاّ القليل وكانت أمرأته وإبنه من الكافرين، وها هو لوط لم يوجد في قريته غير بيت من المؤمنين، وها هم الفراعنة الذين إستكبروا في الأرض وأسعبدوا النّاس لم يكن فيهم غير مؤمن يكتم إيمانه،

____________

(1) صحيح مسلم 1 /61.

(2) صحيح البخاري 3 /168.

(3) مسند احمد 5 /25 ومستدرك الحاكم 3 /124.

(4) المستدرك للحاكم 3 /126.

(5) منتخب كنز العمال 5 /34.

(6) الرياض النضره في مناقب العشرة للطبري باب فضائل علي بن أبي طالب


الصفحة 96
وهاهم إخوة يوسف أبناء يعقوبوهم عصبة يتآمرون على قتل أخيهم الصغير بغير ذنب إقترفه ولكن حسداً له لأنّه أحبّ الى أبيهم، وها هم بنوا إسرائيل الذين أنقذهم الله بموسى وفلق لهم البحر وأغرق أعداءهم فرعونَ وجنوده بدون أن يكلّفهم عناء الحرب ما إن خرجوا من البحر ولم تجفّ اقدامهم فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا: ياموسى إجعل لنا إلهاً كما لهم آله قال إنكم قوم تجهلون.

ولمّا ذهب الى ميقات ربّه وإستخلف عليهم أخاه هارون تآمروا عليه وكادوا يقتلونه ـ وكفروا بالله وعبدو العجل ـ ثم بعد قتلوا أنبياء الله قال تعالى ـ أفكلّما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم إستكبرتم ففريقاً كذبتم وفريقاً تقتلون (1) .

وها هو سيدنا يحيى بن زكريا وهو نبي وحصور ومن الصالحين يقتلُ ويهدى رأسه الى بغي من بغايا بني اسرائيل.

وها هم اليهود والنصارى يتآمرون على قتل وصلب سيدنا عيسى، وهاهي أمة محمد تعد جيشاً قُوامه ثلاثين الفاً لقتل الحسين ريحانة رسول الله وسيد شباب أهل الجنة ولم يكن معه غير سبعين من أصحابه فقتلوهم جميعاً بما في ذلك أطفاله الرضّع.

فأي غرابة بعد هذا ؟ أي غرابة بعد قول الرسول لأصحابه:

«ستتبعون سُنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جحر ضبّ لدخلتموه، قالوا: أتراهم اليهود والنصارى ؟ قال: فمن أذن ؟؟»(2) .

أي غرابة ونحن نقرأ في البخاري ومسلم قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم:

____________

(1) سورة البقرة آية 87

(2) صحيح البخاري 4 /144 و 8 /151.


الصفحة 97
«يؤتى باصحابي يوم القيامة الى ذات الشمال فاقول الى أين ؟ فيقال الى النار والله، فاقول يارب هؤلاء أصحابي فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فاقول: سُحقاً لمن بدّل بعدي ولا آراه يخلص منهم إلاّ مثل همل النّعم»(1) .

أي غرابه بعد قوله صلّى الله عليه واله وسلّم:

«ستفترق أمّتي الى ثلاث وسبعين فرقة كلّها في النار إلاّ فرقة واحدة»(2) .

وصدق العلي العظيم ربّ العزّة والجلالة العليم بذات الصدور اذ يقول:

وما أكثر الناس ولو حرصتَ بمؤمنين سورة يوسف آية 103.

بل جاءهم بالحقّ وأكثرهم للحقّ كارهون سورة المؤمنون آية 70.

لقد جئناكم بالحقّ ولكن أكثركم للحقّ كارهون سورة الزخرف آية 78

ألا إنّ وعد الله حقّ ولكن أكثرهم لا يعلمون سورة يونس آية 55.

يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم وأكثرهم فاسقون سورة التوبة آية 8.

إنّ الله لذو فضل على النّاس ولكنّ أكثرهم لا يشكرون سورة يونس آية 60.

يعرفون نعمة الله ثم ينكرونَا وأكثرهم الكافرون سورة النحل آية 83.

ولقد صرفناه بينهم ليذكّروا فأبى أكثر الناس إلاّ كفوراً الفرقان آية 50.

____________

(1)صحيح البخاري 7 /209 وصحيح مسلم في باب الحوض.

(2) سنن إبن ماجة كتاب الفتن ج 2 رقم الحديث 3993.

مسند احمد 3 /120 سنن الترمذي في كتاب الإيمان.


الصفحة 98
وما يؤمن أكثرهم بالله إلاّ وهم مشركون سورة يوسف آيه 106.

بل أكثرهم لا يعلمون الحقّ فهم معرضون سورة الأنبياء آية 24.

أفمن هذا الحديث تعجبون وتضحكُون ولاَ تبْكونَ وأنتُم سامدون … النجم آيه 61.

الصفحة 99

حسرة وأسى

كيف لا أتحسّر ؟ بل كيف لا يتحسّر كل مسلم عند قراءة مثل هذه الحقائق ـ على ماخسره المسلمون بإقصاء الإمام علي عن الخلافة التي نصّبه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فيها، وحرمان الأمّة من قيادته الحكيمة. وعلومه الكثيرة.

وإذا مانظر المسلم بغير تعصّب ولا عاطفة، لوجده أعلم الناس بعد الرسول، فالتاريخ يشهد أن علماء الصحابة إستفتوه في كل ما أشكل عليهم وقول عمر بن الخطاب أكثر من سبعين مرّة «لولا علي لعلك عمر»(1) في حين إنّه (عليه السلام) لم يسأل أحداً منهم أبداً.

كما أنّ التاريخ يعترف بأنّ علي بن أبي طالب أشجع الصحابة واقواهم، وقد فرّ الشجعان من الصحابة في مواقف عديدة من الزّحف في حين ثبتَ هو (عليه السلام) في المواقف كلّها، ويكفيه دليلاً الوسام الذي وسّمه به رسول الله

____________

(1) مناقب الخوارزمي ص 48 ـ الإستيعاب 3 /39 تذكرة السبط 87 مطالب السؤول ص 13 تفسير النيسابوري في سورة الأقحاف فيض القدير 4 /357.


الصفحة 100
صلّى الله عليه وآله وسلّم عندما قال:

«لأعطين غداً رايتي الى رجل يحبّ الله ورسوله ويحبُّه الله ورسولُه كرَّارٌ ليس فرّاراً إمتحن الله قلبه للإيمان»(1) .

فتطاول اليها الصحابة فدفعها الى علي بن أبي طالب.

وبإختصار فان موضوع العلم والقوة والشجاعة التي يَختصّ بها الإمام علي ـ موضوع معروف لدى الخاص والعام ولا يختلف فيه إثنان ـ وبقطع النظر عن النصوص الدالة علىإمامته بالتصريح والتلميح فإن القرآن الكريم لا يعترف بالقيادة والإمامةإلاّ للعالِم الشجاع القوي قال الله سبحانه وتعالى في وجوب إتّباع العلماء.

أفمن يهدي الى الحقّ أحقْ أن يتّبع أمّن لا يهدي إّلا أن يُهدى فما لكم كيف تحكمون (2) .

وقال تعالى في وجوب قيادة العالم الشجاع ألقوي قالوا أنّى يكون له الملك علينا ونحنُ أحقُّ بالملك منه ولم يؤتَ سعةًِ0 من المال، قال: أنّ الله إصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم، واللهيؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم (3) .

ولقد زاد الله سبحانه ألإمام علي بالنسبة الى كل الصحابة زاده بسطة في العلم فكان بحق«باب مدينة العلم» وكان هو المرجع الوحيد للصحابة بعد وفاة رسول الله صلّى الله عليه واله وسلّم وكان الصحابه كلّما عجزوا عن حلّ يقولون «معضلة وليس لها إّلا أبو الحسن»(4) .

____________

(1) صحيح البخاري 4 /5 و ص12 /5 /76 و 77.

صحيح مسلم 7 / 121 باب فضائل علي بن أبي طالب.

(2) سورة يونس آية 35.

(3) سورة البقرة آية 247

(4)مناقب الخوارزمي ص 58 تذكرة السبط 87إبن المغازلي ترجمة علي ص 79.


الصفحة 101
وزاده بسطة في الجسم فكان بحق أسد الله الغالب وأصبحت قوّته وشجاعته مضرب الأمثال عبر الأجيال حتّى روى المؤرخون فيها قصصاً تقارب المعجزات كإقتلاع باب خيبر وقد عجز عن تحريكه فيما بعد عشرون صحابياً(1) وإقتلاع الصنم الأكبر هبل(2) من فوق سطح الكعبة، وتحويل الصخرة العظيمة التي عجز الجيش كله عن تحريكها(3) وغير ذلك من الروايات المشهورة.

وقد أشاد النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم بإبن عمّه علي وأبان فضله وفضائله في كل مناسبة وعرف بخصائصه ومزاياه فمرة يقول:

«إن هذا أخي ووصيّي وخليفتي من بعدي فاسمعوا له واطيعوا»(4) . ومرّة يقول له:

«أنتَ منّي بمنزلة هارون من موسى إّلا إنه لا نَبيٌ بعدي»(5) .

وأخرى يقول:

«من أراد أن يحيا حياتي، ويموت موتي ويسكن جنة الخلد التي وعدني ربي فليتولّ علي بن أبي طالب فإنّه لم يخرجكم من هدى ولم يدخلكم في ظلالة»(6) .

والمتتّبع لسيرة الرسول الكريم صلّى الله عليه وآله وسلّم يجده لم يكتف بالأقوال والأحاديث فيه فحسب بل أن أقواله تجسدت في أعماله فلم يأمَّر في حياته على علي أحداً من الصحابة بالرغم من تأميرهم على بعضهم البعض فقد أمرّ على

____________

(1، 2، 3) شرح النهج لإبن أبي الحديد في المقدمة.

(4) تاريخ الطبري 2 /319 تاريخ إبن الأثير 2 /62.

(5) صحيح مسلم 7 /120 صحيح البخاري في فضائل علي.

(6) مستدرك الحاكم 3 /128 والطبراني في الكبير.


الصفحة 102
أبي بكر وعمر في غزوة ذات السلاسل عمرو بن العاص(1) .

كما أمّر عليهم جميعاً شاباً صغيراً أسامة بن زيد وذلك في سرية أسامة قبل موته صلّى الله عليه واله وسلّم.

أمّا علي بن أبي طالب فلم يكن في بعث إلا وهو الأمير حتّى إنه صلّى الله عليه وآله وسلّم بعث في مرّة بعثين وأمّر علياً على بعثٍ وخالد بن الوليد على بعثٍ وقال له: إذا إفترقتُم فكل واحد على جيشه وإذا التقيتُم فعليٌ على الجيش كلّه.

ونستنتجُ من كلّ ماتقدّم بأنّ عليَّاً هو وليّ المؤمنين بعد النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ولا ينبغي لأحدٍ أن يتقدّم عليه.

ولكن مع الأسف الشديد فقد خسر المسلمون خسارة فادحة، وهم يعانون حتّى اليوم ويجنون ثمار ماغرسوه، وقد عرف التالون غبَّ ما أسّسه الأولون.

وهل يمكن لأحد أن يتصوُر خلافة راشدة كخلافة علي بن أبي طالب لو إتبعتْ هذه الأمة ما إختاره الله ورسوله فعليٌ كان بإمكانه ان يقود الأمة طول ثلاثين عاماً على نسق واحد كما قادها رسول الله صلى اله عليه واله وسلم وبدون أي تغيير، ذلك بأن أبا بكر وعمرا غيّرا وإجتهدا بأدائهما مقابل النصوص وأصبح فعلهما سنّة متّبعة، ولّما جاء عثمان للخلافة غيرَ أكثر حتى قيل إنه خالف كتاب الله وسنّة رسوله وسنّة أبي بكر وعمر وأنكر عليه الصحابة ذلك وقامت عليه ثورة شعبية عارمة أودت بحياته وسببتْ فتنة كبرى في الأمة لم يندمل جرحها حتى الآن.

أمّا علي بن أبي طالب فكان يتقيد بكتاب الله وسنة رسوله لا يحيد عنهما قيد أنملةٍ وأكبر شاهد على ذلك إنّه رفض الخلافة عندما إشترطوا عليه أن يحكمْ مع كتاب الله وسنة رسوله، سنة الخليفتين.

____________

(1) السيرة الحلبية غزوة ذات السلاسل وطبقات إبن سعد وكل من ذكر غزوة ذات السلاسل.


الصفحة 103
ولسائل أن يسأل: لماذا يتقيد علي بكتاب الله وسنة رسوله بينما إضطر أبو بكر وعمر وعثمان للإجتهاد والتّغير ؟

والجواب هو إنّ علياً عنده من العلم ماليس عندهم وإنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم خصّه بألف باب من العلم يفتح لكل باب ألف باب(1) وقال له:

«أنتَ ياعلي تبينّ لأمّتي ما إختلفوا فيه بعدي»(2) .

أمّا الخلفاء فكانوا لا يعلمون كثيراً من أحكام القرآن الظاهريه فضلاً عن تأويله فقد أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما في باب التيمّم بأن رجلاً سأل عمر بن الخطاب أيام خلافته فقال: يا أمير المؤمنين إني أجنبتُ ولم أجد الماء فماذا أصنع ؟ قال له عمر لا تُصلّ !! وكذلك لم يعرف حكم الكلالة حتى مات وهو يقول وددتُ لو سألتُ رسول الله عن الكلالة بينما حكمها مذكور في القرآن الكريم، ولذا كان عمر الذي يقول عنه أهل السنّة والجماعة بأنه من الملهمين على هذا المستوى العلمي، فلا تسأل عن الآخرين الذين أدخلوا البدع في دين الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير سوى إجتهادات شخصية.

ولقائل أن يقول: إذا كان الأمر كذلك فلماذا لم يُبينّ الأمام علي للإمّة ما إختلفوا فيه بعد الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم.

والجواب هو: إنّ الإمام علياً لم يألُ جهداً في تبيين ما أشكل على الأمة وكان مرجح الصحابة في كل ما أشكل عليهم فكان يأتي ويوضّح وينصح فكانوا يأخذون منه مايُعجبهم وما لا يتعارض مع سياستهم ويدعون ماسوى ذلك والتاريخ أكبر شاهد على ما نقول.

____________

(1) كنز العمال 6 /392 رقم الحديث 6006 وكذلك في حلية الأولياء ينابيع المودة ص 73 و77 تاريخ دمشق لإبن عساكر 2 /483.

(2) مستدرك الحاكم 3 /122 تاريخ دمشق لإبن عساكر 2 /488.


الصفحة 104
والحقيقة هي: لولا علي بن أبي طالب والأئمة من ولده لما عرف النّاس معالم دينهم، ولكنّ النّاس كما أعلمنا القرآن لا يحبّون الحقّ فاتبعوا أهواءهم وإخترعوا مذاهب في مقابل الأئمة من أهل البيت الذين كانت الحكومات تحسبُ عليهم انفاسهم ولا تترك لهم حرّية التحرّك والإتصال المباشر.

فكان علي يصعد على المنبر ويقول للناس: سلوني قبل ان تفقدونيويكفي علياً أن ترك نهج البلاغة، والأئمة من أهل البيت سلام الله عليهم تركوا من العلم ما ملأ الخافقين وشهد لهم بذلك أئمّة المسلمين سنّة وشيعة.

ـ وأعود للموضوع فأقول على هذا الأساس: لو قُدّر لعلي أن يقود الأمّة ثلاثين عاماً على سيرة الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم لعّم الإسلام ولتغلغلت العقيدة في قلوب الناس أكثر وأعمق ولَما كانتْ فتنة صغرى ولا فتنة كبرى ولا كربلاء ولا عاشوراء، ولو تصوّرنا قيادة الأئمة ألأحد عشر بعد علي والذي نصّ عليهم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم والذين إمتدتْ حياتهم عبر ثلاث قرون لما بَقِي في الأرض ديار لغير المسلمين ولا كانت الأرض اليوم على غير مانشاهده اليوم ولكانت حياتنا إنسانية بمعناها الحقيقي. ولكن قال الله تعالى:

أَ لَم. أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنّا وهم لا يفتنون (1) وقد فشلت الأمّة الإسلامية في الإمتحان كما فشلتْ الأممُ السّابقة كما نصّ على ذلك رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم(2) في العديد من المناسبات، كما أكد عليه القرآن الكريم في العديد من الآيات(3) .

____________

(1) سورة العنكبوت آية 2.

(2) كحديث إتباع سنّة اليهود والنصارى شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه. أخرجه البخاري ومسلم وسبقت الإشارة اليه وكحديث الحوض الذي يقول فيه رسول الله صلّى الله عليه واله وسلّم لا أراه يخلص منهم إلاّ مثل همل النعم.

(3)كقوله تعالى: أفإن مات أو قتل إنقلبتُم على أعقابكم آل عمران: آية 144. وكقوله سبحانه وتعالى: وقال الرسول ياربّ إنّ قومي إتخذوا هذا القرآن مهجوراً.. الفرقان آية 30.


الصفحة 105

شواهد اخرى على ولاية علي

وكأن الله سبحانه وتعالى أراد أن تكون ولاية علي هي الإختبار للمسلمين فكل إختلاف وقع فبسببها ولأنّه سبحانه لطيفٌ بعباده فلا يؤاخذ التالين بما فعل الأولون فجلّتْ حكمته وحفَّ تلك الحادثة بأحداث أخرى جليلة تشبه المعجزاتْ حتّى تكون حافزاً للإمّة فينقلها الحاضرون ويعتبر بها اللاّحقونعسى أن يهتدوا للحقّ من طريق البحث.

الشاهد الأول: يتعلّق بعقوبة من كذّب بولاية علي وذلك إنه بعد شيوع خبر غدير خم وتنصيب الإمام علي خليفة على المسلمين، وقول الرسول لهم: فليبلغ الشاهد الغائب.

وصل الخبر الى الحارث بن النعمان الفهري ولم يُعجبْهُ ذلك(1) فأقبل على رسول الله، وأناخ راحلته امام باب المسجد ودخل على النبي صلّى الله عليه وآله

____________

(1) يدلّنا على أن هناك من الأعراب الذين يسكنون خارج المدينة يبغضوا علي بن أبي طالب ولا يحبّوه، كما إنهم لايحبّون محمّد ولذا ترى هذا الجلف يدخل على النبي فلا يسلم ويناديه يامحمد: وصدق الله أن يقول: الأعراب أشد كفراً ونفاقاً وأجدر أن لا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله .


الصفحة 106
وسلّم فقال: يامحمّد إنك أمرتنا أن نشهد أن لا اله إلاّ الله وإنك رسول الله فقبلنا منك ذلك، وأمرتنا أن نصلّي خمس صلوات في اليوم والليلة ونصوم رمضان، ونحجّ البيت، ونزكّي أموالنا فقبلنا منك ذلك، ثم لم ترض بهذا حتّى رفعتَ بضبعي إبن عمّك وفضّلته على النّاس وقُلتَ «من كنتُ مولاه فعلي مولاه» فهذا شيء منك أو من الله ؟

فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وقد أحمرّتْ عيناه: والله الذي لا إله إلاّ هو إنّه من الله وليس منّي قالها ثلاثاً.

فقام الحارث وهو يقول:

«اللّهم إن كان مايقول محمد حقَّاً فإرسل علينا حجارة من السّماء أو آئتنا بعذاب أليم»

قال: فوالله مابلغ ناقته حتّى رماه الله من السماء بحجر فوقع على هامته فخرج من دبره ومات، وأنزل الله تعالى: سأل سائل بعذابٍ واقع للكافرين ليس له دافعٌ .

وهذه الحادثة نقلها جمع غفير من علماء أهل السنّة غير الذين ذكرناهم(1) فمن أراد مزيداً من المصادر فعليه بكتاب الغدير للعلامة الأميني.

____________

(1) شواهد التنزيل للحسكاني 2 /286.

تفسير الثعلبي في سورة سئل سائل بعذاب واقع.

تفسير القرطبي 18 /278.

تفسير المنار رشيد رضا 6 /464.

ينابيع المودّة للقندوزي الحنفي ص328.

الحاكم في ما إستدركه على الصحيحين 2 /502.

السيرة الحلبية 3 /275.

تذكرة الخواص بن الجوزي ص 37.


الصفحة 107
الشاهد الثاني: يتعلّق بعقوبة من كَتم الشهادة بحادثة الغدير وإصابته دعوة الإمام علي.

وذلك عندما قام الإمام علي أيام خلافته، في يوم مشهود إذ جمع النّاس في الرحبة ونادى من فوق المنبر قائلاً:

«أنشد الله كل إمرىء مسلم سمع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول يوم غدير خم «من كنتُ مولاه فعلي مولاه» ألاّ قام فشهد بما سمع، ولا يقم إلاّ من رآه بعينيه وسمعه بأذنيه».

فقام ثلاثون صحابياً منهم ستة عشر بدْريَّا، فشهدوا إنّه صلّى الله عليه وآله وسلّم أخذ بيده، فقال للناس:

«أتعلمون إني أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ قالوا: نعم، فقال صلّى الله عليه وآله وسلّم: من كنتُ مولاه فهدا مولاه، اللّهم وال من والاه، وعاد من عاداه …» الحديث.

ولكنّ بعض الصّحابة ممّن حضروا واقعة الغدير أقعدهم الحسدُ أو البُغْض للإمام، فلم يقوموا للشهادة ومن هؤلاء أنس بن مالك، حيث نزل اليه الإمام علي من المنبر وقال له: مالك يا أنس لا تقوم مع أصحاب رسول الله فتشهد بما سَمعتَهُ منه يومئذ كما شهدوا ؟ فقال: يا أمير المؤمنين، كبُرتْ سنّي ونسيتُ، فقال الإمام علي: إن كنتَ كاذباً فضربك الله ببيضاء لاتوَاريها العمامة، فما قام حتّى إبيضّ وجهه برصاً، فكان بعد ذلك يبكي ويقول: أصابتني دعوة العبد الصالح لأنّي كتمتُ شهادته.

وهذه القصّة مشهورة ذكرها إبن قتيبة في كتاب المعارف(1) حيث عدّ أنساً من أصحاب العاهات في باب البرص وكذلك الإمام أحمد بن حنبل في مسنده(2) .

____________

(1) كتاب المعارف لإبن قتيبة الدينوري ص 251.

(2) مسند الإمام احمد بن حنبل 1 /119.


الصفحة 108
حيث قال: فقاموا إلا ثلاثة لم يقوموا فأصابتهم دعوته.

وتجدر الإشاره هنا بأن نذكر هؤلاء الثلاثة الذين ذكرهم الإمام أحمد برواية البلاذري(1) قال بعدها أورد مناشدة الأمام علي للشهادة، وكان تحت المنبر أنس بن مالك والبراء بن عازب، وجوير بن عبدالله البجلي، فأعادها فلم يجبه منهم أحد فقال: اللّهم من كتم هذه الشهادة وهو يعرفها فلا تخرجه من الدنيا حتّى تجعل به آية يُعرف بها. قال: فبرصَ أنس بن مالك، وعَميَ البراء بن عازب، ورجع جرير أعرابياً بعد هجرته فأتى الشراة فمات في بيت إمّه.

وهذه القصّة مشهورة تناقلها جمع كبير من المؤرخين(2) .

فأعتبروا يا أولي الألباب والمتتّبع يعرف من خلال هده الحادثة(3) التي أحياها الإمام علي بعد مرور ربع قرن عليها وبعدما كادتْ تُنسىَ يعرف ماهي قيمة الإمام علي وعظمته ومدى علّو همّته وصفاء نفسه، وهو في حين أعطى للصّبر أكثر من حقّه، ونصح لأبي بكر وعمر وعثمان ما علم إن في نُصحهم مصلحة الإسلام والمسلمين، كان مع ذلك يحمِلُ في جنباته حادثة الغدير بكلّ معانيها وهي حاضرة في ضميره في كل لحظات حياته فما أن وجد فرصة سانحة لبعثها وإحيائها من جديد حتّى حمل غيره

____________

(1) أنساب الأشراف للبلاذري في جزئه الأول و 2 /152

(2)تاريخ إبن عساكر المسمّى بتاريخ دمشق 2 /7 و3 /150.

ـ شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد تحقيق محمد أبو الفضل19/217.

ـ عبقات الأنوار 2 /309

ـ مناقب علي بن أبي طالب لإبن المغازلي ص 23.

ـ السيرة الحلبية 3 /337.

(3)وهو مناشدة الإمام علي يوم الرحبة الصحابة ليشهدوا بحديث الغدير وقد روي هذه الحادثة جمع غفير من المحدّثين والمؤرخين سبق الإشارة اليهم أمثال: أحمد بن حنبل وإبن عساكر. وإبن أبي الحديد وغيرهم.


الصفحة 109
للشّهادة بها على مسمع ومرأى من النّاس.

وإنظر كيف كانت طريقة إحياء هذه الذكرى المباركة وما فيها من الحكمة البالغة لإقامة الحجة على المسلمين من حَضر منهم الواقعة ومن لم يحضر، فلو قال الإمام: أيها الناس لقد أوصى بي رسول الله في غدير خم على الخلافةلما كان لذلك وقعاً في نفوس الحاضرين ولأحتجوا عليه عن سكوته طوال تلك المدّة.

ولكنّه لما قال: أنشدُ الله كل إمريء مسلم سمع رسول الله يقول ماقال يوم غدير خم، ألاّ قام فشهد، فكانت الحادثة منقولة بحديث رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم على لسان ثلاثين صحابياً منهم ستّة عشر بدريّاً وبذلك قطع الإمام الطريق على المكذّبين والمشكّكين وعلى المحتجّين عن سكوته طوال تلك المدّة لأنّ في سكوت هؤلاء الثلاثين معه وهو من عظماء الصحابة لدليل كبير على خطورة الموقف وعلى أنّ السكوت فيه مصلحة الإسلام كما لا يخفى.


الصفحة 110

الصفحة 111

تعليق على الشورى

رأينا فيما سبق بأنّ الخلافة على قول الشيعة هي بإختيار الله سبحانه وتعيين رسول الله صلّى الله عليه وآله سلّم بعد وحي يوحى به إليه.

وهذا القول يتماشى تماماً مع فلسفة الإسلام في كلّ أحكامه وتشريعاته إذ أنّ الله سبحاته هو الذي يخلق مايشاء ويختار؛ ماكان لهم الخيرة (1) .

وبما أن الله سبحانه أراد أنّ تكون أمّة محمد خير أمّة أُخرجت للنّاس، ولا بدّ لها من قيادة حكيمة، رشيدة، عالمة، قويّة، شجاعة، تقية، زاهدة، في أعلى درجات الإيمان، وهذا لا يتأتّي إلاّ لمن إصطفاه الله سبحانه وتعالى، وكيّفه بميزات خاصّة تؤهله للقيادة والزعامة: قال الله تعالى: الله يصطفي من الملائكة رسلاً ومن النّاس إنّ الله سميع بصير (2) .

وكما أن الأنبياء إصطفاهم الله سبحانه فكذلك الأوصياء. وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم:

____________

(1) سورة القصص آية 68.

(2)سورة الحج آية 75.


الصفحة 112
«لكل نبي وصي، وأنا وصيّي علي بن أبي طالب»(1) .

وفي حديث آخر قال صلّى الله عليه وآله وسلّم:

«أنا خاتم الأنبياء وعلي خاتم الأوصياء»(2) .

وعلى هذا الأساس فإن الشيعة سلّموا أمرهم لله ورسوله، ولم يبق منهم من يدّعِ الخلافة لنفسه أو يطمع فيها، لا بالنصّ ولا بالأختيار، اولاً لأن النصّ ينفي الأختيار والشورى وثانياً لأن النصّ قد وقع من رسول الله صلّىالله عليه وآله وسلّم على أشخاص معدودين ومعيّنين(3) بأسمائهم، فلا يتطاول إليها منهم متطاول وإن فعل فهو فاسقٌ خارج عن الدّين.

أمّا الخلافة عند أهل السنّة والجماعة فهي بالأختيار والشورى وبذلك فتحوا الباب الذي لا يمكن غلقه على أي واحد من الأمّة وأطمعوا فيها كل قاص ودان، وكل غثٍ وسمين، وحتّى تحوّلت من قريش الى الموالي والعبيد وإلى الفرس والمماليك والى الأتراك والمغول.

وتبخّرتْ تلك القيم والشروط التي إشترطوها في الخليفة لأنّ غير المعصوم بشر مليء بالعاطفة والغرائز، وبمجّرد وصوله الى الحكم لا يؤمن أن ينقلب ويكون أسوأ ممّا كان والتاريخ الإسلامي خير شاهد على مانقول.

وأخشى أن يتصور بعض القرّاء بأنّني أبالغ، فما عليهم إلاّ ان يتصفّحوا تاريخ الأمويين والعباسيين وغيرهم حتّى يعرفوا بأن من تَسَمّى أمير المؤمنين كان يتجاهر بشرب الخمر ويلاعب القرود ويلبسهم الذهب وأن «أمير المؤمنين» يُلبس جاريتهُ لباسَه لتصلّي بالمسلمين، وإنّ «أمير المؤمنين تموت جاريته حبّابَة فيسلبُ

____________

(1) تاريخ إبن عساكر الشافعي 3 /5 مناقب الخوارزمي ص 42 ينابيع المودة ص 79.

(2)ينابيع المودّة 2 /3 نقلاً عن الديلميـ المناقب للخوارزمي ـ ذخائر العقبى.

(3) روى العدد البخاري ومسلم وروى العدد والأسماء صاحب ينابيع المودّة 3 /99.


الصفحة 113
عقلهُ وإن «أمير المؤمنين» يطربُ لشاعر فيقبّل ذكرّه. ولماذا نستغرق في هؤلاء الذين حكموا المسلمين بأنهم لا يمثلون إلاّ الملك العضوض ولا يمثلون الخلافة وذلك للحديث الذي يروونه وهو قول الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم

«الخلافة من بعدي ثلاثون عاماً ثم تكون ملكاً عضوضاً».

وليس هذا موضوع بحثنا فمن أراد الإطلاع على ذلك فعليه مراجعة تاريخ الطبري وتاريخ إبن الأثير وأبي الفداء وإبن قتيبة وغيرهم.

وإنّما أردتُ بيان مساوىء الإختيار وعقم النظرية من أساسها لأنّ من نختاره اليوم قد ننقم عليه غداً ويتبيّن لنا بأنّنا أخطأنا ولم نُحسن الإختيار ـ كما وقع ذلك لعبدالرحمن بن عوف نفسه عندما إختبار للخلافة عثمان بن عفّان وندم بعد ذلك، ولكن ندمه لم يُفد الأمة شيئاً بعد توريطها، وإذا كان صحابي جليل من الرّعيل الأول وهو عثمان لايفي بالعهد الذي أعطاه لعبدالرحمن بن عوف، وإذا كان صحابي جليل من الرّعيل الأول وهو عبدالرحمن بن عوف لا يُحسن الإختيار، فلا يمكنُ لعاقل بعد ذلك أن يرتاح لهذه النظرية العقيمة والتي ماتولّد عنها إلاّ الإضطراب وعدم الأستقرار وإرقة الدّماء، فإذا كانت بيعة أبي بكر فلتةً كما وصفها عمر بن الخطاب وقد وقى الله المسلمين شرّها، وقد خالف وتخلّف عنها جمع غفير من الصحابة، وإذا كانت بيعة علي بن أبي طالب بعد ذلك على رؤوس الملأ ولكنّ بعض الصحابة نكث البيعة، وإنجّر عن ذلك حرب الجمل، وحرب صفين، وحرب النهروان، وزهقت فيها أرواح بريئة، فكيف يرتاح العُقلاء بعد ذلك لهذه القاعدة التي جُرّبتْ وفشلتْ فشلاً ذريعاً من بدايتها وكانتْ وبالاً على المسلمين. وبالخصوص إذا عرفنا أنّ هؤلاء الذين يقولون بالشورى يختارون الخليفة ولا يقدرون بعد على ذلك تبديله أو عزله، وقد حاول المسلمين جهدهم عزل عثمان فأبى قائلاً: لا أنزع قميصا قمّصنيه الله.

ومّما يزيدنا نفوراً من هذه النظرية، ما نراه اليوم في دول الغرب المتحضّرة والتي تزعم الديمقراطية في إختيار رئيس الدولة، وترى الأحزاب المتعدّدة وتتصارع وتتساوم وتتسابق للوصول الى منصّة الحكم بأي ثمن، وتصرف من أجل ذلك

الصفحة 114
البلايين من الأموال التي تخصّص للدّعاية بكلّ وسائلها وتُهدر طاقات كبيرة على حساب المستضعفين من الشعب المسكين الذي قد يكون في أشد الحاجة إليها، وما أن يصل أحدُهم الى الرئاسة حتى تاخذه العاطفة فُيولّي أنصاره وأعضاء حزبه واصدقاءه وأقاربه في مناصب الوزراء والمسؤوليات العظمى والمراكز المهمّة في الإدارة ويبقى الآخرون يعملون في المعارضة مدّة رئاسته المتفق عليها أيضاً فيخلقون له المشاكل والعراقيل ويحاولون جهدهم فضحهُ والإطاحة به، وفي كل ذلك خسارة فادحة للشعب المغلوب على أمره، فكم من قيم انسانية سقطتْ، وكم من رذائل شيطانيه رُفِعتْ بإسم الحرية والديمقراطية وتحت شعارات برّاقة، فأصبح اللواط قانوناً مشروعاً والزنا بدلا من الزواج تقدّماً ورُقياً وحدّث في ذلك ولا حرج.

فما أعظم عقيدة الشيعة في القول بأن الخلافة أصل من أصول الدّين وما أعظم قولهم بأن هذا المنصب هو بإختيار الله سبحانه، فهو قولٌ سديدٌ ورأيٌ رشيد يقبله العقل ويرتاح إليه الضمير، وتأيده النصوص من القرآن والسنّةويُرغم أنوف الجبابرة والمتسلّطين، والملوك والسلاطين، ويفيض على المجتمع السكينة والإستقرار.


الصفحة 115

الإختلاف في الثقلين

عرفنا فيما سبق ومن خلال الأبحاث المتقدمة رأي الشيعة وأهل السنّة في الخلافة وما فعله الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم إتجاه الأمّة على قول الفريقين.

فهل ترك رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لأمّته شيئاً ؟ تعتمد عليه وترجع اليه فيما قد يقع فيه الخلاف الذي لابدّ منه والذي سجّله كتاب الله بقوله تعالى:

ياأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسولَ وأولي الأمر منكم، فإن تنازعتم في شيء فردّوه الى الله والرّسول إن كنتُم تُؤمنُون بالله واليوم الآخر ذلك خيرٌ وأحسن تأويلاً (1) .

نعم، لا بدّ للرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم أن يترك للأمة قاعدة ترتكز عليها، فهو إنّما بُعث رحمة للعالمين، وهو حريصٌ على أن تكون أمّته خير الأمم ولا تختلف بعدهولهذا روى عنه أصحابه والمحدّثون بأنه قال:

«تركتُ فيكم الثقلين، ما ان تمسكتم بهما، لن تضلو بعدي أبداّ، كتاب

____________

(1) سورة النساء آية 59.


الصفحة 116
الله وعترتي أهل بيتي ولن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما»(1) .

وهذا الحديث ثابت أخرجه المحدثون من الفريقين السنّة والشيعة. ورووه في مسانيدهم وفي صحاحهم عن طريق مايزيد على ثلاثين صحابياً.

وبما إنني وكالعادة لا أحتج بكتب الشيعة ولا باقوال علمائهم فكان لزامًا علي أن أذكر فقط علماء السنّة الذين أخرجوا حديث الثقلين معترفين بصحته حتى يكون البحث دائما موضوعيا يتصف بالعدل والإنصاف «وإن كان العدل والإنصاف يقتضي ذكر قول الشيعة أيضاً».

وهذه قائمة وجيزة عن رواة هذا الحديث من علماء السنّة:

1 ـ صحيح مسلم كتاب فضائل علي بن أبي طالب 7 /122

2 ـ صحيح الترمذي 5 /328.

3 ـ الإمام النسائي في خصائصه ص 21.

4 ـ الإمام احمد بن حنبل 3 /17.

5 ـ مستدرك الحاكم 3 /109.

6 ـ كنز العمال 1 /154.

7 ـ الطبقات الكبرى لإبن سعد 2 /194.

8 ـ جامع الأصول لإبن الأثير 1 /187.

9 ـ الجامع الصغير للسيوطي 1 /353.

10 ـ مجمع الزوائد للهيثمي 9 /163.

11 ـ الفتح الكبير للنبهاني 1 /451.

12 ـ أسد الغابة في معرفة الصحابة لإبن الأثير 2 /12.

13 ـ تاريخ إبن عساكر 5 /436

____________

(1) مستدرك الحاكم 3 /148.


الصفحة 117
14 ـ تفسير إبن كثير 4 /113.

15 ـ التاج الجامع للأصول 3 /308.

أضف الى هؤلاء إبن حجر الذي ذكره في كتابه الصواعق المحرقة معترفا بصحته ـ والذهبي في تلخيصه معترفا بصحته على شرط الشيخين ـ والخوارزمي الحنفي ـ وإبن المغازلي الشافعي والطبراني في معجمه، وكذلك صاحب السيرة النبوية في هامش السيرة الحلبية صاحب ينابيع المودة وغيرهم

فهل يجوز بعد هذا أن يدعي أحد أن حديث الثقلين «كتاب الله وعترتي» لا يعرفه أهل السنّة وإنما هو من موضوعات الشيعة ؟؟قاتل الله التعصبوالجمود الفكري والحمية الجاهلية.

إذن، فحديث الثقلين الذي أوصى فيه صلّى الله عليه وآله وسلم بالتمسك بكتاب الله وعترته الطاهرة، هو حديث صحيح عند أهل السنة كما مر علينا وعند الشيعة هو أكثر تواتراً وسندا عن الأئمة الطاهرين.

فلماذا يشكك البعض في هذا الحديث ويحولون جهدهم أن يبدلوه«بكتاب الله وسنتي» ورغم أن صاحب كتاب «مفتاح كنوز السنّة» يخرج في صفحة 478 بعنوان «وصيته [ص] بكتاب الله وسنة رسوله» نقلا عن البخاري ومسلم والترمذي وإبن ماجة غير أنك إذا بحثت في هذه الكتب الأربعة المذكورة فسوف لن تجد اشارة من قريب أو من بعيد الى هذا الحد ـ نعم قد تجد في البخاري «كتاب الإعتصام في الكتاب والسنة»(1) ولكنك لاتجد لهذا الحديث وجوداً.

وغاية مايوجد في صحيح البخاري وفي الكتب المذكورة حديث يقول: «حدثنا طلحة بن مصرف قال: سألت عبدالله بن أبي أوفى رضي الله عنهماهل كان النّبي صلّى الله عليه وآله وسلم أوصى ؟ فقال: لا، فقلت: كيف كتب على

____________

(1) صحيح البخاري 8 /137.


الصفحة 118
النّاس الوصية او أمُروا بالوصيّةِ ؟ قال: أوصَى بكتاب الله»(1) .

ولا وجود لحديث لرسول الله يقول فيه «تركتُ فيكم الثقلين كتاب الله وسنّتي»وحتّى على فرض وجودهذا الحديث في بعض الكتب فلا عبرة به، لأن الإجماع علىخلافه كما تقدم

ثم لو بحثنا في حديث «كتاب الله وسنتي» لوجدناه لايستقيمُ مع الواقع لاَ نقلاً ولا َ عقلا، ولنا في رده بعض الوجوه.

الوجه الأول: إتفق المؤرخون والمحدّثون بأن رسول الله صلّى الله علي وآله وسلّم منع من كتابة أحاديثه، ولم يدّع أحد أنه كانيكتب السنّة النّبوية في عهده صلّى الله عليه وسلم، فقول الرّسول صلى الله عليه واله وسلم تركتُ فيكم «كتاب الله وسنّتي» لا يستقيم ـ أمّا بالنّسبة لكتاب الله فهو مكتبوب.محفوظ في صدور الرجال وبإمكان أي صحابي الرجوع الى المصحف ولو لم يكن من الحفاظ.

أمّا بالنسبة للسنّة النّبوية فليس هناك شيء مكتوب أو مجموعٌ في عهده صلّى الله عليه وآله وسلم فالسنّة النبوية كما هو معلوم ومتفق عليه، كل ماقاله الرسول أو فعله أو أقرّهُ، ومن المعلوم أيضاً أنّ الرسول لم يكن يجمع أصحابه ليعلمهم السنّة النبويةبل كان يتحدث في كل مناسبة وقد يحضر بعضهم وقد لا يكون معه إلا واحداً من أصحابه فكيف يمكن للرّسول والحال هذه، أن يقول لهم تركتُ فيكم سنتي ؟؟

الوجه الثاني: لمّا إشتدّ برسول الله وجعه وذلك قبل وفاته بثلاثة أيام طلب منهم أن ياتوه بالكتف والدّواة ليكتُب لهم كتاباً لا يضلّوا بعده أبداً، فقال عمر بن

____________

(1)صحيح البخاري 3 /186.

صحيح الترمذي كتاب الوصايا.

صحيح مسلم كتاب الوصايا.

صحيح إبن ماجة كتاب الوصايا.


الصفحة 119
الخطاب أن رسول الله ليهجر وحسبُنا كتاب الله !(1) فلو كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد قال لهم من قبل تركتُ فيكم «كتاب الله وسنّتي» لما جاز لعمر بن الخطاب أن يقول: حسبُنا كتاب الله ! لأنّه بذلك يكون والصحابة الذين قالوابمقالته َرادّين على رسول الله ولا أظنّ أنّ أهل السنّة والجماعة يرضون بهذا.

ولذلك فهمنا أن الحديث وضعه بعض المتأخرين الذين يعادون أهل البيت وخصوصاً بعد إقصائهم عن الخلافة وكأن الذي وضع الحديث «كتاب الله وسنّتي» إستغرب أن يكون النّاس تمسّكوا بكتاب الله وتركوا العترة وإقتدوا بغيرهم، فظنّ إنّه بإختلاق الحديث سيصححّ مسيرتهم ويُبعدُ النقد والتجريح عن الصحابة الذين خالفوا وصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

الوجه الثالث: من المعروف إنّ أول حادثة إعترضت أبا بكر في أوائل خلافته هي قراره محاربة مانعي الزكاة، رغم معارضة عمر بن الخطاب له وإستشهاده بحديث رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم: «من قال لا إله إلا الله محمّد رسول الله عصم منّي حاله ودمه إلا بحقها وحسابه على الله».

فلو كانت سنّة الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم معلومة ما كان أبو بكر يجهلها وهو أولى النّاس بمعرفتها.

ولكنّ عمر بعد ذلك إقتنع بتأويل أبي بكر للحديث الذي رواه وقول أبي بكر بأن الزكاة هي حق المال، ولكنهم غفلوا أو تغافلوا عن سنّة الرسول الفعلية التي لا تقبل التأويل وهي قصّة ثعلبة الذي إمتنع عن دفع الزكاة لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ونزل فيه قرآن ولم يقاتله رسول الله ولا أجبره على دفعها واين

____________

(1) صحيح البخاري باب مرض النبي ووفاته 5 /138.

صحيح مسلم كتاب الوصية 2 /16.


الصفحة 120
أبو بكر وعمر عن قصة أسامة بن زيد الذي بعثه رسول الله في سرية، ولّما غشيَ القوم وهزمهم لحق رجلاً منهم فلما ادركه قال: لا إله إلا الله ! فقتله أسامة، ولما بلغ النبي ذلك قال: يا أسامة أقتلته بعدما قال لا إله إلا الله ؟ قال: كان متعوّذاً. فما زال يكررها حتى تمنيتُ إني لم أكن أسلمتُ قبل ذلك اليوم(1) .

ولكن هذا لايمكن أن نصدّق بحديث «كتاب الله وسنّتي» لأن الصحابة أوّل من جهل السنّة النبوية فكيف بمن جاء بعدهم وكيف بمن َبعُدَ مسكنه عن المدينة ؟

الوجه الرابع: من المعروف أيضاً أن كثيراً من أعمال الصحابة بعد الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم كانت مخالفة لسنّته.

فأمّا أن يكون هؤلاء الصحابة يعرفون سنّته صلّى الله عليه وآله وسلّم وخالفوها عمداً، إجتهاداً منهم في مقابل نصُوص النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهؤلاء ينطبق عليهم قول الله سبحانه وتعالى: ماكان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم، ومن يعص الله ورسوله فقد ضلّ ضلالاً مبيناً (2) .

وأمّا إنهم كانوا يجهلون سنّته صلّى الله عليه واله وسلّم فلا يحق لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والحال هذه أن يقول لهم تركتُ فيكم سنتي وهو يعلم أن أصحابه وأقرب النّاس اليه لم يحيطوا بها علما فكيف بمن يأتي بعدهم ولم يعرفوا ولم يشاهدوا النّبي.

الوجه الخامس: من المعلوم أيضاً إنّه لم تدوّن السنّة إلا في عهد الدّولة العبّاسية وإنّ أوّل كتاب كُتبَ في الحديث هو موطيء الإمام مالك، وذلك بعد الفتنة الكبرى، وبعد واقعة الحرّة وإستباحة المدينة المنوّرة، وقتل الصحابة فيها صبراً،

____________

(1) صحيح البخاري 8 /36 وكتاب الديات.

وصحيح مسلم ايضا 1 /67.

(2) سورة الأحزاب آية 36.


الصفحة 121
فكيف يطمئنّ الإنسان بعد ذلك الى روّاة تقرّبوا للسلطان لنيل الدنيا ـ ولذلك إضطربتْ الأحاديث وتناقضت وإنقسمت الأمّة الى مذاهب، فما ثبت عند هذا المذهب لم يثبتْ عند غيرهم وما صحّحه هذا يكذّبه ذاك.

فكيف نُصدّق بأنّ رسول الله قالَ تركتُ «كتاب الله وسنّتي» وهو الذي كان يعلمُ بأنّ المنافقين والمنحرفين سوف يكذبون عليه، وقد قال:

«كثرتْ عليّ الكذّابة فمن كذب عليّ فليتبوأ مقعده من النّار(1) .

فإذا كانت الكذّابة قد كثرت في حياته فكيف يُكلّف أمّتهُ بإتّباع سنّته، وليس لهم معرفة بصحيحها من سقيمها وغثها من سمينها.

الوجه السادس: يروي أهل السنّة والجماعة في صحاحهم بأن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ترك ثقلين، أو خليفتين، أو شيئين، فمرة يروون كتاب الله وسنة رسوله، ومرّة يروون عليكم بسنّتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي ومعلوم بالضروة أن الحديث التّالي يضيف الى كتاب الله وسنّة رسوله، سنة الخلفاء فتصبح مصادر التشريع ثلاثة بدلاً من إثنين وكل هذا يتنافى مع حديث الثقلين الصحيح والمتفقّ عليه من السنّة والشيعة، ألا وهو «كتاب الله وعترتي» والذي قدّمناه في ذكره أكثر من عشرين مصدراً من مصادر أهل السنّة الموثوقة فضْلاً عن مصادر الشيعة التي لم نذكرها.

الوجه السابع: اذا كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعلَمُ علم اليقين بأن أصحابه الذين نزل القرآنُ بلغتهم ولهجاتهم «كما يقولون» ـ لم يعرفوا كثيراً من تفسيره ولا تأويله، فكيف بمن يأتي بعدهم وكيف بمن يعتنق الإسلام من الروم والفرس والحبش وكل الأعاجم الذين لا يفهمون العربية ولا يتكلّمونها. وقد ثبت في الأثر إن أبا بكر سُئِل عن قوله تعالى: وفاكهة وأبَّا

____________

(1)

الصفحة 122
فقال: أي سماء تظلّني وأي أرض تقلّني أن اقول في كتاب الله لما لا أعْلم(1) كما أن عمر بن الخطاب أيضاً لم يعرف هذا المعنى فعن أنس بن مالك قال: أن عمر بن الخطاب قرأ على المنبر:

«فأنبتنا فيها حبّاً وعنباً وقضبا وزيتوناً ونخلاً وحدائق غُلباً وفاكهة وأبّا».

قال: كل هذا عرفناه فما الأب ؟ ثم قال هذا لعمر الله هو التكلّف، فما عليك أن لا تدري ما الأب، إتّبعوا مابُينّ لكم هداه من الكتاب فاعملوا به وما لم تعرفوه فكلوه الى ربّه».(2) .

وما يُقالُ هنا في تفسير كتاب الله يقالُ هناك في تفسير السنّة النّبوية الشريفة فكم من حديث نبوي بقي موضوع خلاف بين الصّحابة وبين المذاهب وبين السنة والشيعة سواء كان الخلاف ناتجاً عن تصحيح الحديث أو تضعيفه، أم عن تفسير الحديث وفهمه، وللتوضيح أقدّم للقاريء الكريم بعض الأمثلة عن ذلك.

1 ـ الخلاف بين الصّحابة في صحة الحديث أو كذبه: هذا ماوقع لأبي بكر في أول أيامه عندما جاءته فاطمة الزهراء تطالبه بتسليم فدك التي أخذها منها بعد وفاة أبيها فكذّبها فيما إدّعته من أن أباها رسول الله أنحلها إياها في حياته كما إنها لما طالبته بميراث أبيها، قال لها بأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «نحن معشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة».

فكذّبته هي الأخرى في نسبة هذا الحديث لأبيها وعارضت بكتاب الله وإشتدّ

____________

(1)القسطلاني في إرشاد الساري 10 /298 ـ وإبن حجر في فتح الباري 13 /230.

(2) تفسير إبن جرير 3 /38 وكنز العمال 1 /287.

الحاكم في المستدرك 2 /14 والذهبي في تلخيصه والخطيب في تاريخه 11/ 468.

الزمخشري في تفسيره الكشاف 3 /253 والخازن في تفسيره 4 /374.

إبن تيمية في مقدمة أصول التفسير ص 30 تفسير إبن كثير 4 / 473.


الصفحة 123
النزاع والخلاف حتّى ماتت وهي غاضبة عليه مهاجرة له لا تكلمه ـ كما ورد ذلك في صحيحي البخاري ومسلم.

كذلك إختلاف عائشة أمّ المؤمنين مع أبي هريرة في الذي يصبحُ جنباً في رمضان فكانت ترى صحة ذلك بينما يرى أبو هريرة إنما من أصبح جنباً أفطر. وإليك القصّة بالتفصيل.

أخرح الإمام مالك في الموطأ والبخاري في صحيح عن عائشه وأم سلمه زوجي النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنهما قالتا كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصبح جنبا من جماع غير إحتلام في رمضان ثم يصوم، وعن أبي بكر بن عبدالرحمن قال كنت أنا وأبي عند مروان بن الحكم وهو أمير المدينة فذكر له أن أبا هريرة يقول من أصبح جنبا أفطر ذلك اليوم فقال مروان: أقسمت عليك يا عبدالرحمن لتذهبن الى أمًّي المؤمنين عائشه وأم سلمة فلتسألنهما عن ذلك فدهب عبدالرحمن وذهبت معه حتى دخلنا على عائشة فسلما عليها ثم قال: ياأم المؤمنين إنا كنا عند مروان بن الحكم فذكر له أن أبا هريرة يقول من أصبح جنبا أفطر ذلك اليوم قالت عائشه: ليس كما قال أبو هريرة يا عبدالرحمن أترغب عما كان رسول الله يصنع، فقال عبدالرحمن لا والله. قالت عائشه فأشهد على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنه كان يصبح جنبا من جماع غير إحتلام ثم يصوم ذلك اليوم، قال ثم خرجنا على أم سلمة فسألها عن ذلك فقالت مثلما قالت عائشة. قال فخرجنا حتى جئنا مروان بن الحكم فذكر له عبدالرحمن ما قالتا، فقال مروان: أقسمت عليك يا أبا محمد لتركبن دابتي فإنها بالباب فلتذهبن الى أبي هريرة فإنه بأرضه بالعقيق فالتخبرنه ذلك، فركب عبدالرحمن وركبت معه حتى أتينا أبا هريرة فتحدث معه عبدالرحمن ساعة ثُمَ ذكر له ذلك فقالَ له أبو هريرة: لا علم لي بذاك إنما أخبرنيه مخبر(1) .

إنظر أخي القاريء ألى صحابي مثل أبي هريرة الذي هو عند أهل السنة

____________

(1)صحيح البخاري 2 /232 باب الصائم يصبح جُنباً.

موطأ مالك تنوير الحوالك 1 /272 «ماجاء في الذي يصبح جُنباً في رَمضانْ».